رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7 بقلم نسمة مالك

رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7 بقلم نسمة مالك


رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7 هى رواية من كتابة نسمه مالك رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7

رواية مالك المصري بقلم نسمة مالك


رواية مالك المصري الفصل الـ 6 و 7

"أفعل يا إبن آدم ما شئت فكما تُدين تُدان"..
تردت بعقل "فارس"  الواقف أمام باب غرفة "مالك" المغلق على ابنته، مّرت ذكريات بينه و بين والدتها لن تُمحي من ذاكرته للأبد..
"أفتح يا مالك الزفت ".. صاح بها بصوتٍ كالإعصار الغاضب، و من ثم نظر ل "غفران"  و تحدثا في نفس واحد..
" اللي عملناه في الناس هيطلع علينا و لا أيه!!"..
ساد الصمت للحظات قبل أن ينفجر الجميع في نوبة ضحك معادا الصديقان "فارس، غفران"  يتطاير الشرر من أعينهم يدل على مدى غضبهم..
" أفتح يالا..أفتح لكسر أم الباب على دماغك  ".. 
قالها "غفران"  و هو يلكم الباب بكل قوته، ليوقفه" فارس " الذي تحدث بنبرة هادئة لكنها كانت حقًا مرعبة حين قال..
"أهدي يا غفران.. إسراء هي اللى هتفتح الباب دلوقتي حالاً"..
جملته كانت موجهه لابنته التي كانت تقف تطلع بانبهار للخزانة المملؤة بأغراضها حين كانت طفلة صغيرة  ، الكثير و الكثير من صورها بمراحل عمرها المختلفة معلقة على جدران الخزانة، فستانينها، ألعابها، خصلات من شعرها حتى ثيابها الداخلية الطفولية محتفظ بهم بعناية فائقة ..
صوت والدها الغاضب جعلها تنتبه على حالها لتجد نفسها محاصرة بين "مالك" و بين الخزانة، يقف خلفها مباشرةً المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان، تشعر بأنفاسه الساخنة تلفح عنقها ..
"عجبتك؟".. غمغم بها بهمس متلهف داخل أذنها، أستدارت و نظرت له بعينيها نظرتها التي تُذيب قلبه المُتيم بها عشقًا، بل تُذيب عظامه أيضًا و رفعت يديها دفعته بكفيها بصدره بعيدًا عنها مردفة بتحذير..
"خليني أفتح الباب لبابي الأول لأن لو مفتحتش هيدخل هو و ساعتها اللي هيعمله فيك مش هيعجبنا إحنا الاتنين"..
إعترض طريقها و اقترب منها أكثر حتي التصق ظهرها بالخزانة خلفها، و مال برأسه على وجهها، تأمل ملامحها بافتنان مغمغمًا.. "وافقي على جوازنا يا إسراء"..
"أوعى من طريقي خليني أفتح الباب و بطل جنان يا مالك.. أنت مافيش فيك حتة سليمة يضربوك فيها! "..
قالتها و هي تدفعه ثانيةً و تهرول تجاه الباب بخطي راكضة..
"خد لك ساتر يا مجنون"..
نطقت بها قبل أن تفتح الباب، دون صوت اكتفت بتحريك شفتيها فقط..
ألقى لها قبلة بالهواء، و غمز لها بشقاوة مرددًا باهيام..
" بيكِ.. أنا مجنون بيكِ"..
"تعالالي يا عم المجنون.. أنا بقي هعقلك و هعلقك ".. كان هذا صوت "فارس "  الذي اندفع لداخل الغرفة هو و"غفران " فور فتح الباب، و هموا بالهجوم عليه لتركض "إسراء"  و تقف أمامهم تمنعهم من الوصول إليه مردفة بنبرة راجية..
"بابي.. انكل غفران أهدوا المرادي بليز.. أنتو مش شايفين هو متبهدل إزاي!! "..
" لدرجة دي خايفة عليا يا قلب مالك".. قالها و هو يلف ذراعه حول خصرها و جذبها بلهفة داخل حضنه ظهرها مقابل صدره و قام بطبع قبلة عميقة على وجنتها ، شهقت "إسراء"  بقوة و قفزت مبتعده عنه لداخل حضن والدها و رمقته بنظرة نارية و هي تقول..
"تصدق أنا غلطانة إني بدافع عنك.. تستاهل كل اللي حصل لك و اللي هيحصل لك دلوقتي"..
"سبهولي".. نطق بها "غفران"  و هو يسدد له لكمه قوية تفاداها "مالك"  ببراعة، ليفاجئه "فارس"  بلكمة من الجهه الأخرى تراجع على آثارها عدة خطوات للخلف..
"بتبوس بنتي قصاد عيني يا بجح!! "..
قالها و هو يهم بلكمه مرة أخرى لكن" مالك" تفاداها و ضحك بملئ فمه و هو يقول.. 
" تربيتك و تعليمك يا سيادة الدنجوان فارس باشا".. 
صك "فارس" على أسنانه بعنف كاد أن يهشمها من شدة غيظه، بينما "غفران"  كان يستعد للهجوم عليه ليمنعه "فارس " بنظرة من عينيه حين رأي حالة "مالك"التي إزدادت سوء جعلته يترنجح في وقفته قليلاً..
"مالك أنت كويس؟"..
كان هذا صوت" إسراء " التي اقتربت منه بخطوات متلهفة 
، نظر لها" مالك" بابتسامة دافئة، و تحدث بصوتٍ مُتعب قائلاً..
"بقيت كويس لما شوفتك"..
زاد ترنجح جسده حتى أوشك على السقوط لولا يدها هي التي التفت حول خصرة بطرفة عين و أسنتدته بجسدها الصغير، جاهد هو حتى يستعيد توازنه لكن شدة إرهاقه لم يمهله، فرتمي بثقل جسده عليها دون أرادته جعلها تصرخ بستغاثه قائلة..
"الحقنا يا بابي"..
ليسرع كلاً من "فارس، غفران" نحوهما و قاموا بمساندته و توجهوا به نحو فراشه، بقي "مالك"  متمسكًا بها بذراعه السليم، ليبعد والدها يده عنها، فهمس "مالك" بنبرة متوسلة بين الوعي و اللاوعي..
"خليها معايا يا فارس.. متخدهاش مني"..
"أنت مالك ياض مدغدغ المرادي ليه كده؟!"..
قالها" فارس " بقلق جمٍ و هو يتنقل بنظره بينه و بين "غفران"  الذي أجابه بهمس قائلاً..
"البيه مطبق بقاله كام يوم  في مهمة انتحارية الحمد لله أنه رجع منها عايش"..
رمقه "فارس"  بنظره غاضبه و همس من بين أسنانه قائلاً.. 
"و لما أنت عارف كل ده سبتني أضربه ليه بس يا جدع أنت !!.. و كمان كنت عايز تكمل عليه!!.. أنت عايز تموت جوز بنتي يا غفران؟! "..
" إسراء ".. تفوه بها" مالك " و هو يجاهد بيفتح عينيه ليبحث عنها..
جلست "إسراء"  على طرف الفراش و تحدثت بصوتها الناعم قائلة..
"أنا هنا يا مالك "..
مدت يدها وضعتها على يده ليقبض هو على كفها بلهفة،  نظر لها بأعين شبه مغلقة، و همس بضعف قائلاً..
"خليكي معايا.. أوعى تسبيني و تمشي"..
" مش همشي.. أطمن".. أردفت بها و هي تضع كف يدها الأخرى على جبهته ليغرق هو في نومًا عميق على الفور دون أن يترك كفها..
" يا نهار أبيض ده حرارته عالية جدًا.. مكة هاتي مية بسرعة.. و أنتي يا طنط عهد من فضلك تعالي ساعديني نعمله كمدات"..
انبلجت ابتسامة على قسمات " فارس " و هو يقول.. 
"تيجي نجيب المأذون و نجوزهم و نخلص"..
قال "غفران" .. 
"بنتنا تقول موافقة بس و أنا أبعت أجيب المأذون وقتي"..
" أيه رأيك يا إسراء.. نبعت نجيب المأذون؟! "..أردف بها"فارس " بنبرة جادة و تمنى بداخله أن يلين قلبها و توافق على زواجها من هذا المجنون بعشقها..
لتنظر له نظرة عاتبة تُذكره بحديثها معه قبل مجيئهم إلى هنا، و ردت عليه بذكاء لتغير مجري الحديث قائلة..
" أبعت هات دكتور خلينا نطمن عليه الأول يا بابي "..
............................... صلِ على محمد.........
"مكة"..
كانت داخل المطبخ تضع إناء أسفل الصنبور لتملئه بالمياة التي طلبتها منها "إسراء"  حين رأت "حسن"  يقف أمام النافذة المطلة على الحديقة يتحدث في هاتفه..
قادها فصولها و سارت تجاه النافذة التي لا تُتيح لمن بالخارج رؤية من بالداخل، فتحتها بحرص و وقفت تصتنت لحديثه..
"قولتلك قبل كده يا فجر متتصليش بيا و أنا في الشغل إلا لو في حاجة مهمة"..
أتاه صوتها الرقيق تقول بلهفة.. 
"واحشتني أوي يا حسن.. بقالى أسبوع بحاله مسمعتش صوتك"..
حاول السيطرة على انفعاله حتى لا يجرحها بأسلوبه الجاف ، فهي بالأخير لا ذنب لها سوي حبها له، فتنهد و هو يقول بلطفٍ.. 
"أنتى عارفة إني إجازة بكرة.. مش قادرة يعني تستني لبكرة و تكلميني عشان أعرف أكلمك" ..
ضحكت بغنج مدمدمة..
" اممم.. بصراحة مقدرتش أستنى.. قولت أكلمك أسمع صوتك و أقولك إنك واحشتني و أعرف إن كنت واحشتك أنا كمان و لا أنا مبوحشكش يا حسن؟"..
أطبق جفنيه و هو يتذكر" مكة" حين همس لها و هي داخل حضنه بتلك الكلمة، أسترجع احساسه وقتها و مدى إشتياقه و لهفة قلبه لقربها، تخيلها هي التي تحدثه الآن و تحدث بنبرة عاشق أرهق قلبه الإشتياق قائلاً..
" طبعاً بتوحشيني.. بتوحشيني أوي كمان"..
جملته هذه سقطت كالصاعقة على رأس و قلب "مكة"  زلزلت كيانها كله دفعة واحدة، هبطت دموعها كالشلال على وجنتيها، قد شعرت بروحها تتمزق أشلاء من شدة تألمها، فما أصعب شعور الحب من طرف واحد، يضاهي شعور الموت بسهم حارق يُصيب القلب فيشعله بنيران لا تطفئ أبدًا ..
كان الاناء قد امتلأ حتى فاضت منه المياه، لتأتيها فكرة ربما تهدأ من غضبها، و غيظها لو قليلاً، خاصةً أنها تشعر بالغيرة الشديدة عليه تنهش قلبها، و إذا غارت المرأة على رجل تعشقه لا تتحكم في أفعالها حتى أنها لا تدري أعلى الوادي من أسفله..
"إما وريتك يا حسن مبقاش أنا مكة".. 
أبتسمت إبتسامة شريرة و هي تحمل الاناء الممتلئ على أخره حملته و صعدت به على رخامة المطبخ، و همت بسكبه فوق رأس "حسن"  لكنها فقدت توازنها فصرخت صرخة مرتعدة و هي تسقط من النافذة خلف الاناء..
"مكة!!!".. كان هذا صوت "غفران"  الذي كان يقف برفقة"فارس"  بشرفة غرفة "مالك"  حين رأي ما فعلته أبنته التي سقطت بين ذراعي "حسن" الذي استقبلها بلهفة فشل في اخفائها، واضعًا يد حول خصرها و الثانية أسفل ركبتيها و قد سقط الهاتف من يده و سقط قلبه معه أرضًا ..
تطلع لها بأعين جاحظة، و تحدث بأنفاس لاهثة قائلاً..
"حصلك حاجة.. فيكي حاجة يا مكة؟!"..
تطلعت لعينيه بأعين دامعة، لتتعلق عينيه بعينيها مقربًا أيها من صدره يضمها بلهفة واضعًا جبهته على جبهتها.. 
هيئتهم هذه ذكرته هو الأخر بذكري بينه و بين زوجته" عهد" جعلتها تسقط بين ذراعيه هكذا تمامًا، خفق قلبه بخوفٍ مبهم حين شعر أن الزمن يُعاد بأحداثه أمام عينيه من جديد..
"يا أمنية القلب فليذهب هذا العالم بأجمعه إلى زوال، و تبقي ليِ أنتِ فقط أيتها الصديقة، الرفيقة، المحبوبة و العشيقة".. 
مّر أسبوع كامل أستطاع خلاله "فارس"  إنهاء الأوراق المطلوبة لسفر ابنته، حتى تلك الورقة التي اخفاها "مالك" عنهم لتصبح هي العقبة الوحيدة بالنسبة لهم حصل عليها رغمًا عن أنفه..
كل هذا من أجل تنفيذ رغبة صغيرته، و تحقيق حلمها و كل ما تريده حتى لو كان عكس أرادته هو و والدتها، كما تعودت جميع مطالبها أوامر واجب تنفيذها مهما كلف منه الأمر..
و اليوم هو أخر يوم لها ستقضيه برفقة عائلتها، و ستغادر المنزل بل البلد بأكملها في الصباح الباكر..
ظلت والدتها مستيقظة طيلة الليل، لم يغمض لها جفن رغم محاولات "فارس" معاها دون كلل أو ملل..
"سبني يا فارس أقوم أجهز الفطار.. أنا مش جيلي نوم خالص و كمان خديجة و جوزها و عهد و ولادها و إيمان و بنتها جاين يفطروا معانا و هنقضي اليوم كلنا سوا مع بنتك قبل ما تسافر"..
أردفت بها بصوتٍ مختنق بالبكاء و هي تكافح بضراوة لتبتعد عن ذراعيه التي تحتويها بلهفة..
لم يتركها" فارس " تبتعد أنش واحد عنه، ضمها لصدره مقبلًا جبهتها و خصلات شعرها المتمردة على وجهها مغمغمًا.. 
" حبيبتي الشمس لسه مطلعتش.. ارتاحي شوية و أنا هكلم المطبخ يجهزوا أفخم فطار و هتصحي تلاقي كل حاجة جاهزة".. 
اعتدلت جالسة داخل حضنه، مدت يدها و التقطت عقدة شعرها و قامت برفعه على هيئة ذيل حصان مردفة بتنهيدة حزينة..
"أنت عارف إني بحب أعمل لكم الأكل بأيدي . و هخبز ل إسراء العيش و الفطير اللي بتحبهم عشان تاخد منهم معاها و هي مسافرة "..
كانت تتحدث بنبرة جامدة، متعمدة عدم النظر له، نهض هو مستند بجزعه على الفراش من خلفه، و مد يده أمسك ذقنها بين أصابعه يحثها على النظر له..
" بصيلي يا إسراء "..
رفعت عينيها ببطء و نظرت له بأعين دامعة نظرة يملؤها العتاب  ..
" اتكلمي.. قولي لي اللي في قلبك.. متفضليش ساكته كده.. سكوتك ده بيدبحني"..
هبطت دموعها على وجنتيها بغزارة، التقطهم هو بأطراف أنامله، بل خطفها كلها لداخل حضنه بعناق محموم، لتجهش هي في البكاء و تهمس بصعوبة من بين شهقاتها الحادة قائلة.. 
" أنا مش عايزة بنتي تسافر و تبعد عن حضني يا فارس.. مش هقدر استحمل بعدها عني.. قلبي مش مطمن لسفرها و هيتخلع من مكانه من خوفي عليها"..
كان يستمع لها بقلبٍ ملتاع لا يقل عن خوفها بل أكثر منها، لكنه رسم القوة على محياة و نظر لها بابتسامة دافئة مرددًا.. "بنتنا ميتخفش عليها..احنا ربيناها أحسن تربية و هنفضل معاها و في ضهرها لحد ما تتعلم أحسن تعليم و ترجع لنا بألف سلامة و معاها شهادتها العالية اللي كانت بتتمناها"..
"أنا موافقة على كل كلمة قولتها.. نعلمها أحسن تعليم بس و هي هنا معانا.. في وسطنا و تحت عنينا"..
قال" فارس " بثقة.." و هناك برضوا هتبقي تحت عنينا و مش هتغيب عن عينك لحظة.. أنا مش عايزك تقلقي و لا تخافي عليها من أي حاجة.. بنتنا هتبقي متأمنة بحرس جمهوري.. عارفه يعني أيه؟! "..
حركت رأسها بالنفي ليكمل هو بغروره المعتاد..
" دي حراسة الرؤساء يا بيبي"..
داعب أرنبة انفها بأنفه و مسد بكلتا يديه على كامل ظهرها مدمدمًا..
" عايزك تفرحي بنجاح بنتنا و متفكريش في أي حاجة تضيقك.. عشان البنت فرحتها تكمل بدل ما هي زعلانة على زعلك و مش مبطلة عياط بسبب خصامك ليها.. هانت عليكِ متكلمهاش يومين بحالهم!! "..
بكت" إسراء"  بكاء مرير و هي تقول بحسرة.. 
" زي ما أنا هونت عليها و هتسبني و تسافر أيام و شهور و يمكن سنين طويلة"..
" خلاص لو هيرضيكي أنها تفضل هنا و متسافرش و السنة تروح عليها أنا هلغي سافرها و حالاً "..
أنهى جملته و مد يده جلب هاتفه و طلب إحدي الأرقام، ضغط على زر الاتصال أمام عينيها المتسعة..
"اؤمرني يا فارس باشا".. أتاه هذا الصوت عبر الهاتف، لتسرع" إسراء " و تغلق الخط قبل أن يفتح زوجها فمه و يجيب عليه..
حاولت" إسراء " السيطرة على حدة بكائها، فدفنت نفسها بين حنايا صدره و هي تقول بقلة حيلة.. 
" مش هيرضيني يا فارس.. مش هيرضيني أضيع السنة على بنتنا"..
.......................... صل على محمد...........
بمنزل غفران ..
اقتحم "مالك"  المنزل بملامح بدت مخيفة من شدة غضبه، لم يتفوه بكلمة واحدة و اندفع بخطي شبه راكضة تجاه غرفته ليوقفه صوت والده يتحدث بأمر قائلاً..
" أقف عندك يا سيادة الرائد"..
وقف مكانه دون أن يلتفت، ليكمل "غفران"  بتعجب قائلاً..
"داخل كده من غير لا كلام و لا سلام.. أيه مش شايفني أنا و جدتك قاعدين؟!"..
استدار "مالك"  و نظر له بأعين تقدح شررٍ مردفًا ..
"أنت يا بابا اللي خلصت ورق سفر إسراء!"..
" أيوه أنا.. كنت عايزني اتأخر على صاحب عمري و أساعدك تدمر مستقبل بنته ولا أيه !!"..
قالها" غفران " بلهجة حادة، ليبتسم له" مالك" ابتسامة مزيفة مردفًا.." و جوازي منها كان هيدمر مستقبلها؟"..
صاح "غفران" بانفعال قائلاً..
" يا ابني أفهم.. البنت صريحة معاك و قالتلك أنها مبتفكرش في الجواز دلوقتي و لو فكرت مش هتفكر فيك أنت لأنك بالنسبة ليها زي أخوها.. أنت بقي اللي بتحبها دي مشكلتك أنت لوحدك مش مشكلتها هي عشان تعطلها عن دراستها"..
كل كلمة تفوه بها كانت بمثابة سوط غليظ يهبط على قلب" مالك" يدميه دون رحمة، و مع ذلك بقت ملامحه جامدة، و لم تختفي ابتسامته و هو يقول بثبات يُحسد عليه..
" عندك حق يا سيادة الوزير.. عن أذنك هدخل أنام لأن زي ما حضرتك عارف مطبق من إمبارح "..
أنهى جملته و سار من أمامه كالإعصار، لتنظر له "فاتن "و تتحدث بعتاب قائلة..
" ليه كده بس يا ابني.. أنت قسيت عليه و جرحت قلبه بكلامك ده"..
"يعني أنتي عجبك حاله و هو عمال يجري ورا سراب و البنت هو مش في دماغها أساسًا و مافيش أي حاجة شغلها غير تعليمها.. أنا قولت له كده عشان افوقه لنفسه.. يمكن يشيلها هو كمان من دماغه"..
"بس إسراء مش في دماغ إبنك يا غفران"... كان هذا صوت" عهد" التي خرجت للتو على صوت زوجها،جلست بجواره و واضعت يدها على موضع قلبه مكملة بأسف..
" إسراء في قلب مالك"..
ساد الصمت للحظات قطعه" غفران "بعدما ابتلع غصة بحلقه..
" الواد هو و أخته واقعين على بوزهم في حب ناس مشغولين بغيرهم.. واحدة بتعلمها.. و التاني خاطب بنت خاله و فرحه الأسبوع الجاي "..
"أيه.. حسن فرحه الأسبوع الجاي ده؟!"..
قالتها "عهد، فاتن" بنفس واحد، و بهمس بالكاد يُسمع حتى لا يصل لسمع" مكة"..
أومأ "غفران"  لهما برأسه مغمغمًا..
" مكة لازم تعرف و هتحضر فرحه كمان "..
امتلئت أعين" عهد" بالعبرات و تحدثت بذهول قائلة..
" أنت بتقول أيه بس يا غفران!..بنتك بتحبه.. عايزها تحضر فرحه و تشوفه و هو عريس و بيتجوز واحدة غيرها!!.. أنت عايز البنت يجرالها حاجة؟!" ..
"بالعكس يا عهد.. أنا بقوى ولادي.. مش عايز أشوفهم ضعاف بالشكل ده و قلوبهم اللي ممشياهم.. لازم يفوقوا عشان يعرفوا يختاروا صح بعد كده"..
" و من أمتي الحب كان إختيار يا أبو مالك؟ "..
أردفت فاتن"  و هي تتنقل بنظرها بينه و بين زوجته تذكرهم بقصة عشقهم الجنونية..
أطلق "غفران" زفرة نزقة من صدره مغمغمًا..
"مش عايزهم يعيشوا اللي عشناه.. مش عايز ولادي يتحرقوا بالنار اللي اتحرقنا بيها يا أمي"..
ربتت "فاتن"  على كتفه بحنو و تحدثت بتعقل قائلة..
" مافيش حلاوة من غير نار يا حبيبي.. و أنت الحمد لله حاربت و انتصرت و فزت بحبيبتك و بقت في حضنك.  سيب ولادك هما كمان يحاربوا يمكن يفوزا بحبهم هما كمان خصوصاً أن اللي بيحبوهم يستاهلوا "..
نظر لها" غفران " نظرة مليئة بالغضب و تحدث بلهجة لا تحمل الجدال..
"لو على مالك فأنا هسيبه يعمل اللي يعمله و يحارب براحته يمكن يوصل لقلب بنت فارس.. لكن مكة بنتي اللي هياخدها مني لازم يحارب هو و أهله كلهم عشان يوصل لها"..
نهضت" عهد" و اقتربت من حماتها ساعدتها على النهوض و هي تقول..
"طيب يالا بينا عشان إسراء اتصلت بيا كذا مرة تستعجلنا و قالتلي أنهم مستنينا و مش هيفطروا غير لما نروح لهم عشان نفطر سوا "..
أردف" غفران " قائلاً.. 
" طيب صحي مكة خليها تيجي معانا و الولاد يبقوا يحصلونا براحتهم".. 
قالت "عهد"  و هي تسير للخارج برفقة "فاتن".. 
"دخلت صحتها كذا مرة مرضيتش تصحى.. خليها لما تقوم براحتها و أنا قولت ل زين ميجيش من غيرها"..
سار" غفران " خلفهما نحو الخارج بعدما راق له عدم مجيئها الآن خاصةً و أنه سيأخذ" حسن " رئيس الحرس الخاص به معه..
............................ لا إله إلا الله وحده لا شريك له.........
بقصر" فارس "..
تجمع الأهل و الأقارب و الأصدقاء على طاولة طعام تحتوي على كل ما لذ و طاب  بحديقة القصر، جلس "فارس"  يترأس الطاولة و على يمينه زوجته و على شماله "خديجة"  عمته من يعتبرها بمكانة والدته، بينما جلست إيمان بجانب "إسراء"  و عهد بجانب "خديجة"  و بقت "الهام، فاتن"  بجوار بعضهما و جلسوا بنات "فارس" "إسراء، زهراء، رواء، خديجة، إلهام، غرام تحملها"فاطمة" ابنة "إيمان " بجوارها تجلس" مكة"التي جائت برفقة أشقائها الثلاثة" زين، فهد، فارس، بينما جلس" غفران، هاشم"  زوج خديجة بالجهة الأخرى من الطاولة ..
"منورنا والله يا جماعة".. قالتها "إسراء"  بابتسامة بشوشة و من ثم نظرت ل" عهد " و تابعت بتسأل قائلة..
" مالك مجاش ليه يا عهد؟! "..
أبتسمت لها "عهد" ابتسامة تخفي بها توترها مدمدمة.
"اممم..ما أنتي عارفه يا إسراء..مالك شغله ملوش مواعيد"..
رمقت "إسراء"  ابنتها بنظرة خاطفة تخبرها بها أنها مازالت غاضبة من قرارها و أردفت بعتاب قائلة..
"يعني ماكنش قادر بستأذن نص ساعة ويجي يفطر معانا انهارده"..ترقرقت العبرات بعينيها و تابعت بصوتٍ تحشرج بالبكاء قائلة..
" هو مش عارف إن إسراء مسافرة أصبح بدري"..
مد "فارس " يده و أمسك كف يدها ضغط عليه برفق و هو يقول.. "حبيبتي هو أكيد هيجي.. أنتي عارفة مالك ميقدرش يتأخر علينا "..
كانت" إسراء " تجلس بشرود مصوبة نظرها تجاه باب القصر تنتظر حضوره، وجوده بشعرها بالأمان و الاطمئنان، و هي لن تنكر أنها تشعر بقلق و خوف مبهم من سفرها بعيداً عن عائلتها..
تثق أنه سيأتي إليها، لكنه لأول مرة يتأخر عليها هكذا، لقد مر الوقت و هو لم يأتي، انقضى النهار بأكمله و خيم الليل بستائره دون مجيئه..
شعرت برغبة قوية في البكاء، استغلت انشغال الجميع في حفلة الشواء الذي أقامها والدها و ذهبت لغرفتها بخطي مهرولة كما لو كانت تريد التأكد من شيئًا ما..
فتحت الباب و دلفت للداخل و اغلفته خلفها و وقفت مستنده عليه بظهرها، دارت بعينيها بأرجاء الغرفة تبحث عنه، انبلجت ابتسامة على ملامحها الفاتنة حين استمعت لصوت يأتي من داخل غرفة ثيابها، كتمت أنفاسها و هي تسير نحوها بلهفة..
أطلقت أنفاسها المحبوسة حين رأته هو يقف بطوله المُهيب موليها ظهره..
"كنت عارفة إني هلاقيك هنا يا مالك..عمرك ما اتأخرت عليا "..
"و دايمًا هتلاقيني جنبك يا إسراء".. قالها دون الالتفات لها، و بقي منشغل بما يفعله، اقتربت هي منه و طلت برأسها من أسفل ذراعه مكملة بدهشة..
"أنت بتعمل أيه؟!"..
اجابها ببساطة قائلاً.. 
"بجهز لك الشنط.. عارف إنك مش هتعرفي تجهيزها و أنتي قلقانة و هتنسي حاجات كتير مش هتفتكر يها و لا تعرفي قيمتها إلا لما تسافري و تبعدي عنها "..
أبتسمت حين تفهمت مخزي حديثه، و مدت يدها وضعتها على كتفه تجذبه منه حتى يلتفت لها..
" بتحضر لي الشنط بنفسك و أنت رافض سافري اصلاً"..
التفت لها و نظر لها نظرة تفيض بالعشق مغمغمًا..
" مش معنى إني رافض حاجة انتي عايزاها يبقي هبعد عنك بسببها.. أنا هفضل جنبك و في ضهرك و مكمل في سكتي ليكِ لحد ما يجمعنا القدر و يبقي طريقنا واحد يا إسراء"..
نظرت له نظرة مشاكسة و تحدثت ببعض الغرور قائلة..
" بس أنا سكتي طويلة أوي.. هتوه منك و هيبقي صعب نتقابل أنا و أنت في طريق واحد"..
قطع المسافة بينه و بينها بخطوة واحدة، وقف أمامها مباشرةً،شهقت بخفوت حين مد يده حاوط خصرها و خطفها لداخل حضنه، رفعها بمنتهي الخفة بيد واحده حتى أصبحت قدميها لم تعد لامسة الأرض، نظر لعينيها بعمق و تحدث بإصرار شديد قائلاً..
"هدور عليكي و هلاقيكي.. مش هسمح لك تتوهي مني"..
رفعت يدها وضعت أناملها على لحيته، و همست بنبرة صادقة قائلة..
"كنت خايفة أوي أسافر من غير ما أشوفك يا مالك..من صغري و أنت دايماً حواليا في كل مكان و بصراحة دي كانت أكتر حاجة بتبقي مطمناني..وجودك أمان بالنسبالي.. بس جه الوقت اللي هكون في بعيدة عنك بمسافات لدرجة مش هتعرف تدخل اوضتي وقت ما تحب عشان تشوفني زي هنا يا حضرة الظابط"..
"اسافرلك بلاد "..قالها و هو يضمها لصدره أكثر، تأمل ملامحها بنظراته المُتيمة، لتحاوط هي عنقه بذراعيها و تعانقه بكل قوتها و تبكي بصوتٍ مكتوم حين استمعت لصوته المتلهف يقول..
" فلتعلمي يا أنيسة روحي و جليسة وحدتي أني رجوتك من الله و استودعته اياكِ، و دعوته مرارًا و تكرارًا في كل وقت و حين أن تطوي أطراف الأرض و ألتقي بكِ من جديد"..
تسمر محله متخشب الجسد حين قالت جملة كانت صادمة بالنسبة له.. 
"عايزاك تنساني و تشوف حياتك مع واحدة تانية غيري تبادلك حبك لأني مش ناوية أرجع يا مالك "..
يتبع.........

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
تابعى صفحتنا على الفيسبوك عشان تبقى اول واحدة تقرأ البارت اول ما ينزل
صفحتنا على الفيسبوك من هنا