رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير بقلم ساره نبيل

رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير بقلم ساره نبيل

رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة ساره نبيل رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير

رواية غرام تحت الظلال بقلم ساره نبيل

رواية غرام تحت الظلال من الفصل الاول للاخير

شوفت كلهم بيقولولي إنِّ عجوزة، وكمان أكتر الناس في الشارع بيقولوا مدام وفي ناس تقول يا حجة وأنا يدوب ٢٥ سنة، الكلام دا بيوجع قلبي أووي.
قالت وهي بتبكي وبتبص للسما بعيون مليانة دموع..
-أصلًا كلهم بيقولوا إن مستحيل حد يبصلك أو يفكر يتجوزك أصل إنتِ بصراحة مش فيكِ حاجة حلوة وشكلك مش أوي.
تعرف في حد قالي جملة كدا..
قال إن البنت أول ما بتخلص جامعة خلاص محدش بيبصلها بتقعد في البيت ومحدش بيعرفها أصل فاهم دماغ الشباب وعارف بيفكروا إزاي..
البنت لما تعدي سن الخامسة وعشرين خلاص كدا فاتها قطر الجواز ومحدش بيبصلها وإللي بيجلها واحد متجوز قبل كدا أو أرمل وعلى الشاكلة دي..
عملوا نفسهم قضاه وبيحكموا همّا..
الحمد لله إن الرزق بإيدك إنت، على فكرا أنا عندي يقين كبير بالرزق إللي عندك.
أصل بيقولولي إن الخمار ده عملك زي ماما الحاجة ومعجزك، دا أنا حتى كنت بفكر ألبس النقاب أمال هيقولوا أيه ساعتها بقاا.
أنا مش حكاية مهتمة ولا بهتم بكلامهم بس غصب عني يارب غصب عني … جرحوني يارب خدلي حق قلبي منهم..
-غصون يا بنتي جيبي شوية الطلبات دول معاكِ.
-حاضر يا ماما عيوني.
-ربنا يسترها معاكِ يا بنتي ويرزقك من أوسع أبوابه ويريح قلبك.
-اللهم آمين يا ماما، ويجعل دعواتك دي من نصيبي يا غالية ويباركلي فيكِ.
-عوضك كبير أووي يا غصون، وهتقولي أمي قالت، ربنا شايلك ياامه أوي يا بنتي أصل ربك كريم.
رمت نفسها في حضنها، والدتها بلسم الجروح دي كلها وجودها كنز ونعمة كبيرة بتخفف عنها كتير.
-ربنا يخليكِ ليا يا ماما ويديم حضنك دا يا غالية.
يلا همشي بقى علشان متأخرش على الشغل…
-روحي يلا ومتنسيش طلبتنا يا غصون.
-حاضر يلا سلااام.
نزلت السلالم جري وهي بتدعي جواها علشان ربنا يوفقها النهاردة وتصميمها يتقبل في الشركة إللي بتشتغل فيها؛ فعلى الرغم من إللي بيحصل إلا إنها كانت متفوقة جدًا في دراستها وكانت الأولى على دفعتها واتقبلت في شركة كبيرة للفاشون ديزاينر .. عندها أحلام كتيرة وطموح كبير.
بتعشق تصميم الملابس ونفسها تبقى المصممة الأولى في مصر وبعدين تحقق حلمها براا البلد..
-يارب تصميمي يتقبل النهاردة علشان اتنقل على المرحلة الأخيرة، يارب أجبر بخاطري.
ووقفت انتظرت اتوبيس وركبت وهي معلقة شنطتها على كتفها وعلى إيديها ألواح ورقية بيضاء كبيرة..
وفضلت تكرر باستمرار “لا حول ولا قوة إلا بالله” على لسانها.
بعد مدة وصلت قدام الشركة ودخلت واتجهت للمكتب وإللي بيضم أربع أشخاص غيرها ‘أحمد-أسيل-أروى-صبا’
أربع مصممين علاقتهم بيها غير مترابطة، بيكرهوها وبيسمعوها أسوء الكلام مع العلم إنها بتتجنبهم على قد ما بتقدر..
-السلام عليكم.. صباح الخير.
جلست خلف مكتبها الصغير الذي يقبع بأخر الغرفة..
وضعت صبا قدمًا فوق الأخرى وقالت وهي بتبصلها من فوق لتحت:-
_أهلًا .. ماما غصون وصلت يا ولااا
قلبت أسيل عنيها وقالت وهي بتعدل شعرها:-
_صباحك زي وشك يا حجة غصون..
بينما أحمد فأكتفى بضحكة ساخرة وأروى فاكتفت بالصمت.
ابتسمت غصون وهي بتقنع نفسها أنها مش هتسمح لحد يعكر مزاجها وقالت بهدوء:-
_الله يسامحكم.
رتبت الأوراق قدامها وقربت الأكواب الممتلئة بالأقلام منها وحاولت تتجاهلهم قدر الإمكان..
قالت صبا بغل وهي بتبصلها:-
_أوعي تكوني مفكرة إن ممكن تكسبي في المسابقة يا ماما الحاجة، أصل هما لو شافوكِ هيتخضوا لأن أكيد تصميمك شبهك يا حجة غصون.
ردت أسيل:-
_متشغليش بالك بيها يا صفا هي متستاهلش..
شوفي شوفي تعالي أفرجك صوري أنا وخطيبي شادي.. وأقولك على المفاجأة إللي عملهالي..
_واووو بجد ربنا يحفظك يا حبيبتي ويبعد عنك الحساد.
قالتها وهي بتبص على غصون بحقد دفين..
_يارب يا بنتي، وقولولي بقاا إنتِ وأحمد هتتجوزوا إمتى.
قال أحمد وهو بيبص لصبا بحب:-
_أنا وصبا قلبي براحتنا، خلينا نتمتع شوية..
قاطعت وصلة سخريتهم أروى وهي بتقول:-
_على فكرا بيقولوا خبير التصميم المتخصص هيوصل النهاردة وهو إللي هيطلع على التصاميم وهيصفيهم ويختار منهم مع لجنة تحكيم..
أحمد بجدية:-
_طب دا شكله أيه ولا طبعه أيه، ويا ترى هيبقى عامل إزاي.
_محدش يعرف لأنه مسافر برا أصلًا .. بس كل إللي بيقولوه إن فظيع وحاجة كدا برفيكت وعلى فكرا هو إللي هيبقى المسؤول هنا..
همهمت أسيل بتعجرف:-
_إن شالله يكون مين أنا واثقة من تصميمي كويس وهيختاره غصب عنه..
كانت غصون بتسمع وفضلت تدعي من جواها بخوف ويقين:-
_يارب إنتَ الأقوى، يارب أجبر بخاطري.
مرّ عامل المشروبات عليهم وسألهم بطيبة رجل كبير:-
_تحبوا تشربوا حاجة يا أساتذه..
قالت صبا:-
_سانكس.
وأحمد وأسيل طلبوا قهوة، وأروى شاي..
وقالت غصون بوِد وابتسامة هادية:-
_ممكن كوباية شاي بلبن يا عمي سيد لو سمحت الله يكرمك ومعلش هتعبك.
قال الرجل بطيبة:-
_تعبك راحة يا ست البنات.. عنيا يا بنتي..
بصتلها صبا بإشمئزاز وهتفت:-
_بيئة ولوكل..
_أكلك وشربك كله غير صحي يا ماما الحاجة لغاية ما بقيتي شبه الدب..
_باكل إللي بيعجبني يا أستاذة أسيل ومطلبتش رأي حضرتك ولا يهمني وكفاية إن بحب شكلي .. أحسن دبدوب والله.
شعرت أسيل بالإهانة وخبطت المكتب بقوة لتُأزرها صبا وتربت على كتفها قائلة:-
_إنسانة جاهلة يا سيلو متعمليلهاش قيمة.. سيبك منها.
جذبت غصون حاجز على مكتبها يحجب رؤيتها عنهم ورؤيتهم عنها وبدأت في تصميم جديد لمجموعة الشتا بتاعتها..
بصلهم أحمد وقال:-
_ متقلقوش بأي طريقة هخرجها من مكتبنا .. مكتب تصميم الدرجة الأولى ونتطردها برا لأن دا مش مكانها وهي وصلت لهنا بالنصب…
*****************
_ خبير التصميم طالب مصممين الدرجة الأولى والدرجة التانية في إجتماع عاجل.
بصوا لبعضهم بعد سماع الخبر ده وبدأ يجهزوا نفسهم علشان المقابلة دي…
قالت أسيل:-
_يلا بينا..
خرج أحمد مع صبا ..
بصت أروى لغصون وقالت:-
_مش هتيجي معانا يا غصون.
ابتسمت غصون بهدوء فأروى هي الوحيدة إللي فيهم هادية ومش بتتصادم معاها في الكلام، وأجابتها:-
_هصلي الضهر وهاجي وراكم عالطول إن شاء الله مش هغيب.
_تمام.
وخرجت أروى ووراها أسيل إللي نمت على شفتيها إبتسامة شريرة وانتظرت أروى تبعد عنها وغصون تبدأ في صلاتها وقفلت الباب بالمفتاح من براا..
_ابقي وريني هتخرجي إزاي بقاا .. هيبقى يوم طردك يا بومة.
************
اتجمع أربع مصممين من الدرجة التانية ومصممين الدرجة الأولى … أحمد وأسيل وصبا .. وبقت غصون..
الكل منتظر الرئيس الجديد وإللي هيتوقف عليه كتير..
وبخطوات رزينة دخل …….«عُـــــــدي»
_السلام عليكم.
وقف الكل بإحترام مرددين السلام وهم يتأملوا هذا الشاب الثلاثيني حازم الملامح طويل القامة ذا لحية خفيفة ومليح الوجه..
_أهلًا بيكم يا شباب .. أنا عُدي الحصري هكون معاكم إن شاء الله من النهاردة مسؤول عن التصميم هنا في المجموعة وعن المسابقة إللي هنختار منها تصميم واحد ..
التعامل بينا هيكون قائم على الإحترام وكل إللي بطلوبه منكم الإلتزام بالمواعيد وإللي بقوله ولو في أي مشكلة نتناقش فيها..
أنا المفروض يكون قدامي مجموعة الدرجة الأولى والدرجة التانية .. وإللي هما ٨ مصممين وأنا شايف قدامي ٧ بس..
دا بيسيب عندي إنطباع مش كويس من أول مقابلة..
فين المصمم التامن…
همست صفا لأسيل:-
_أمال فين البومة مجيتش ليه .. يلا كويس يارب ما تيجي ومعدتش تدخلها تاني..
همست أسيل:-
_متخافيش مش هتيجي ولا هتطلع أصلًا من المكتب.
_فهمتك يا سيلو برافوو عليكِ والله مطلعتيش سهلة بردوه.
_تربيتك يا صاافو.
ولسه ما خلصوا كلامهم وتفاجأوا بدخول غصون..
دخلت وهي بتتنفس بقوة وبين إيديها دفترها وأوراق طويلة رفعت رأسها لفوق موجهة نظراتها لذلك الذي وقف ينظر لها بصدمة كبيرة لا يُصدق ما يرااه .. هذا مُحال …!!!
إنـهـا هـــــــــي..!!!!
بقلم ساره نيل 
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ظل يقف متخشبًا بأرضه وعيونه بتتأملها دون تصديق، إزاي هيّ!؟ .. حاجة مفيش مخلوق هيصدقها.!
حاول يهدي من نفسه ومن ضربات قلبه إللي زادت ويتمالك ذاته ويمنعها من ضعفها دا..
قال بثبات وصوت حاول صبغه بالحزم والحدة:-
_أتمنى ميتكررش يا أستاذة، أكتر شيء أكره عدم الإلتزام.
هزّت رأسها بإيجاب ورددت بهدوء وغض لبصرها:-
_إن شاء الله يا بشمهندس.
لازم يتمالك نفسه إللي مش قابلة تهدا قدامها، قال بلبقاة وهدوء:-
_بستأذن خمس دقايق وراجع.
وخرج دون أن ينظر خلفه، خطواته سريعة متعجلة نحو مكتبه، دخل وأحكم غلق الباب خلفه..
سند على مكتبه وهو بيتنفس بعمق وبيردد:-
_استغفر الله العظيم .. استغفر الله العظيم، متعلقش قلبي بإللي مش ليه يارب..
بس إزاي كدا ..!! دي البنت إللي بحلم بيها من خمس سنين ومش بتسيب أحلامي، معقول دا طبيعي ولا أنا أيه إللي جرالي، كنت دايمًا بحمل نفسي الذنب مع العلم إن عمر ما كان ليا علاقة بأي حد..
نفس الشكل .. ونفس الصوت..
اتعلقت بيها من كُتر ما بحلم بيها ودلوقتي بقت قدامي واقع إزاي هقدر أتحكم بقلبي وغريزتي..
مسح على خصلات شعره وهو بيجذبهم بعنف وظل يقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو بيقول بتوتر:-
_لطفك يارب، أكيد في حكمة من دا كله، أعني على قلبي يارب ولا تُأخذني فيما لا أملك.
واتنفس عدة مرات وقال وهو خارج:-
_استعنت بالله عليكِ يا …. صحيح معرفش اسمها!!
يلاا روح وإنتَ تعرف.
وقف مكانه بتعجب وهمس بصدمة:-
_هي حصلت يا عُدي بتكلم نفسك .. دي كانت دعوة الحاجة عليا .. ماشي يا بيلا لما أجيلك..
**************
 
 
_أهلًا تيتا غصون نورتي القاعة، أيه كان غرضك ننتظر جنابك ولا أيه يا بومة.
قالت صبا بعصبية وحقد وهي مش مصدقة إزاي خطة أسيل منجحتش بعد ما قفلت عليها الباب.
تماسكت غصون وحاولة تبان عادية ومتتأثر بكلامهم وتكتم كل الألم جواها، وقالت بصبر:-
_لا أبدًا يا صبا هانم الباب كان اتقفل عليا بس وربنا بعتلي العاملة إللي كانت بتمسح الطرقة وفتحتلي لما سمعتني بخبط .. مش بقولكم هو عادل وعالم بخبايا الأمور.
كتم أحمد غيظه منها وجواه إحساس بيقوله يخنقها ويخلص عليها بس منع نفسه بالعافية.
قالت أسيل بغضب:-
_أنا مش عارفة المدير ده سمح تدخلي إزاي .. ياريت كان طاردها وريحنا من بوزها ده .. حاجة تقرف والله.
أتأملت صبا ملابس غصون وإللي عبارة عن جيب كبس لونه أبيض وفوق بلوزة صوف من نفس اللون منقوشة بورد من اللون الكناري اللطيف بالإضافة لخمار أبيض بلفة محتشمة وطويلة، وإن كانت ملامحها بسيطة وبشرتها قمحية لكن جمالها الداخلي وبرائتها منعكسة على ملامح وجهها، ولمعة الحماس الدايمة في عيونها الواسعة ذات الأهداب الطويلة واللون الرمادي الداكن..
_لوكل وفلاحة..
اتجهت أنظار صبا إلى عُدي الذي ولج للغرفة بملامح جادة باردة، لكزت أسيل وهمست وعيونها بتتأمل عُدي بوقاحة وعدم حياء..
_بس البشمهندس عُدي دا حاجة تخبل يا بت يا أسيل.. طول بعرض ودقن وملامح فظيعة .. غير إن كاريزما مووت..
وغير دا كله اسمه عُدي.
بصتلها أسيل بصدمة وقالت:-
_صبا إنتِ بتقولي أيه، أحمد يسمعك!
_بلا أحمد بلا بطيخ .. سيبيني أركز في العالم التاني ده.
اتصدمت أسيل من موقفها وكلامها لأنها كانت مفكراها بتحب أحمد وهيتخطبوا:-
_دا إنتِ طلعتي خطيرة يا صبا..
عَلا صوت عُدي وهو بيبعد أنظاره كل البُعد عن مكان غصون:-
_أتمنى الجميع يركز في كل كلمة هقولها علشان تعرفوا إللي مطلوب منكم..
زيّ ما إنتوا عارفين قدر ومكانة المؤسسة إللي بتضمكم مُمَيزة .. فعلشان كدا لازم نقدم لها أفكار مُمَيزة تليق بيها وبيكم..
همهم الجميع بجُمل إجابية متباينة:-
_دا أكيد يا بشمهندس .. إن شاء الله هنقدم جديد .. هنبذل قصارى جهدنا.
واصل كلامه بهدوء ونبرة رزينة:-
_قدامي ٨ مصممين بينقسموا لدرجة أولى وتانية..
المطلوب من كل مصمم لكل فصل من فصول السنة الأربعة تصميم، يعني كل مصمم هيصمم ٤ تصاميم .. نموذج لفصل الشتا .. وواحد للصيف وواحد للربيع وواحد للخريف..
إذًا بتكون الحصيلة ٨ نماذج لكل فصل من فصول السنة ومجمل النماذج ٣٢ نموذج..
كان بيتكلم وهي بتسجل كل كلمة في دفتر أزرق بحرص وهدوء، غصب عنه عينه لمحتها .. فعلًا هي مختلفة عن كل إللي حوليها مُمَيزة ولها طالة خاصة جدًا..
كان باقي المصممين منهم إللي بيسجل فويس لكلامه ومنهم إللي بيسجل على نوتس الموبايل..
بس هي كان لازم تكون مختلفة..!
حاولت صبا تلفت أنظاره بأيّ طريقة، فسألت برقة مصطنعة:-
_مستر عُدي .. هل في أي شروط للديزاين؟
أجابها دون أن ينظر:-
_من غير أيّ قيود يا أستاذة، كل واحد يخرّج الطاقة إللي جواه وإبداعه على الورق .. بس أنا عايز مجموعة مُمَيزة عن أيّ مجموعة أنتاجتها مؤسسة Magic…
لازم تكون حاجة مختلفة جدًا عن أي شيء صممتوه وصممه غيركم، وهيتم تقيم نماذج الديزاين واختيار أفضل مجموعة وأفضل ديزاينر في الشركة … دا بالإضافة للمسابقة..
همست صبا لأسيل:-
_دي أفضل فرصة علشان ألفت نظره، لازم أتميز وأنفرد.
_المنافسة دي هتكون شرسة وصعبة جدًا يا صبا، دا خلاف إن عُدي دا شكله تقيل أوووي ومن المستحيل توقعيه دا مرفعش وشه في أيّ حد يا بنتي.
قالت بغضب من بين أسنانها:-
_مش عليا يا أسيل .. مكونش صبا لو موقعتهوش على جدور رقبته، بكرا تشوفي هخليه زي الخاتم في صباعي ويتمنى نظرة مني.
_بس أنا لاحظته بص كام مرة كدا على غصون يا صبا، حسيته كان مركز معاها..
_ أيه!!!!!! مستحيل طبعًا إنتِ اتجننتي يا أسيل، العجوزة دي مستحيل حد يبصلها أصلًا.. قال غصون قال جتها كسرة في غصنها البومة..
_خدي في بالك هي خصم لا يستهان بيه برده يا صبا .. إحنا لازم نعمل المستحيل علشان نخرجها من هنا ومستر عُدي يطردها من هنا شر طردة.
_متخافيش هيحصل صدقيني.
في فترة السكون دي وكل واحد بيراجع بعض التصاميم علشان يعرضها على عُدي استغلت الفرصة وبدأ لسانها يكرر بعض الذكر والإستغفار على مسبحتها الصفراء إللي في صباعها، قرّب بعض الشباب من عُدي يسألوه عن بعض التصاميم بس كان في حالة تشتت رهيبة وبيحاول يكتم العشق إللي في قلبه علشان ميتخطاش جوارحه..
في نفس الوقت قرّب شاب من مصممين الدرجة التانية من غصون وابتسامة عريضة على فمه..
_أستاذة غصون.
التفتت غصون تجاهه، وردّت ببشاشة وإحترام:-
_اتفضل يا أستاذ حازم، خير.
مدّ إيده بكتابٍ ما، وقال:-
_شكرًا جدًا يا آنسة غصون استفدت من الكتاب كتير عن حاجات كانت ساقطة مني في بعض التصاميم والتنبيهات إللي كتبتيها بجد عظيمة.
_العفو يا أستاذ حازم دي حاجة بسيطة، والحمد لله إنّ فادتك وربنا ييسرلك العسير يارب.
_ممكن بس طلب لو اتكرمتي يا أستاذة غصون.
_اتفضل أكيد.
_ممكن رقم والد حضرتك، أنا عارف إن بيشتغل في الخشب كنت عايزه في شغل.
وبصدق نية وصفاء خاطر ابتسمت ونقشت أرقام هاتف والدها على أقصوصة من الورق واعطتها إياه تحت أنظار هذا الذي أصبحت عيناه موطنًا للجمر وقلبه بات يغلي كالمرجل، ورددت بهدوء:-
_اتفضل مفيش مشكلة وواثقة إن شغل بابا هيعجبك.
_أنا واثق يا آنسة غصون.
لو استمر في هذا المكان أكثر سيصدر عنه أمور لا تُحمد عاقبتها وسيُثير تساؤلات لا حدّ لها، قبض على كفيه بقوة عنيفة وهو يرمقها بنظرات نارية لو كانت تقتل لأسقطتها صريعة على الفور .. بينما وأثناء ما يحصل كانت غصون تبتسم ببراءة لا تدري بما يدور..
تمالك أعصابه بشق الأنفس وقال:-
_عن إذنكم يا شباب هخلص شوية شغل وهستدعيكم واحد واحد وأناقشه..
الإجتماع إنتهى ..
وخرج على الفور يسير بغضب وضيق يدُك الأرض دكًا ويشعر بأن الغيرة تأكل قلبه وتحرقه..
شعور مؤذي وقاتل..
لمرته الأولى يشعر بهذا الشعور..!
ولمن!!! فتاة يراها لمرته الأولى منذ عدة دقائق..!
كـــــــــاذب يـــا عُـــــــدي!!
تراها منذ خمسة أعوام … تستوطن فلك أحلامك..
لا تتركك…!
سند على باب مكتبه وغمض عينه بقوة يحاول طرد هذه المشاعر لكن لا فائدة …
نطق لسانه بكل إنسيابية وغذوبة بحروف اسمها من بين شفتيه وقلبه قبل ذلك:-
_ غــــــــــــصـــــــــون..
اتنهد بألم ونطق بعذاب:-
_عملتي فيا أيه، بحاول أقاوم علشان مأذكيش بمشاعري الجياشة، يارب قويني يارب .. أنا مش عايز أعصيك فيها يارب حتى ولو بنظرة..
يارب أنا عايزها في الحلال …اجعلها من نصيبي يا الله..
****************
جلست على مكتبها بتفكر في فكرة جديدة ومختلفة ومحصلتش؛ علشان تبدأ تشتغل عليها..
_فكري يا بت يا غصون .. فكري كدا .. اممم يا ترى أيه هي الحاجة المختلفة وإللي الشركة هنا مصممتهاش قبل كدا..!
شبكت إيديها في بعضها، وقالت فجأة:-
_وأنا هعذب نفسي ليه، أنا هصلي ركعتين قضاء حاجة وأقرأ شوية في القرآن وربنا هيلهمني ويوفقني..
يارب استعملني ولا تستبدل بي..
_السلام عليكم.
رفعت غصون رأسها وكانت بنت من البنات إللي شغاله في الشركة..
_وعليكم السلام..
قالت البنت بعملية:-
_غصون مستر عُدي عايزك في مكتبه بيستدعيكِ لأمر هام.
اتعجبت غصون وكل إللي في المكتب اتعجب جدًا، أمّا صبا فقلبها امتلىء حقد وكره غير عادي..
رددت أسيل بحِدة وغيظ:-
_يا ترى مُصيبة أيه إللي عملتيها يا بومة.!
بقلم ساره نيل 
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
تنفست بهدوء مستعدة للدخول وعقلها يطرح بعض التساؤلات في السبب الذي بعث لها من أجله..
ابتسمت للسكيرتيرة ودخلت بعد ما تركت الباب مفتوح شوية.
_السلام عليكم.
رفع رأسه غاضّ بصره ورد السلام بهدوء:-
_وعليكم السلام ورحمة الله، اتفضلي يا أستاذة غصون.
_حضرتك طلبتني يا بشمهندس.
أشار للمقعد، لتجلس بهدوء، وأردف بثبات وهو يتحاشى النظر تجاهها:-
_لكِ ٣ نماذج المطلوب منك تراجعيهم لأن فيهم شوية تفاصيل مش مظبوطين.
اتصدمت من كلماته وهتفت بإستنكار:-
_نعم!! تصاميم ليا أنا فيهم حاجات مش مظبوطة.!؟
رفع إحدى حاجباه بتعجب وقال بتهكم:-
_أيه مُنزهة عن الخطأ ولا أيه يا أستاذة، يعني مينفعش تغلطي لا بجد برافوو..
حسّت بالتهكم والسخرية من نبرته ودا شيء عصبها جدًا لكن تمالكت نفسها وقالت بنبرة حادة:-
_أنا مقولتش كدا حضرتك، أنا براجع تصاميمي بدقة كذا مرة غير النماذج إللي بتقول عليها مش مظبوطة معروضة على لجنة الشركة ومكانش في أي إعتراض على حاجة فيها أو تعليق…
 
 
لكن إتفاجأت بتعليقك .. يعني أيه إللي اتغير.!
منع إبتسامة من الإنفلات على شراستها الواضحة، وارتسم على وجهه الوجوم وردد بثقة:-
_ أناا! .. أنا إللي براجع ودا سبب كفاية، الديزاين لازم يكون بريفكت مفيش عليه غبار.
_وأيه الغلط يا بشمهندس عرفني غلطي.
_لون القلم إللي صممتي بيه..
طالعته بدهشة وقبضت على كفيها بشدة ثم قالت بهدوء:-
_تمام .. تحب اللون يكون أيه حضرتك؟!
_بجد .. بس كدا!!
_أيوا مش دا تعليق حضرتك.
_تمام..
سحب ورقة وبدأ يسجل بعض الملاحظات المرافقة للتصاميم..
هزّت ساقيها بعصبية ودارت عيونها في غرفة المكتب وإللي كانت تختلف تمامًا عن غُرف مكاتب المُدراء إللي قبله..
بعض لوحات الأيات القرآنية متعلقة على الحائط..
وصوت القرآن الخافت الصادر من اللاب توب..
نقلت أنظارها على سطح المكتب ولمحت المصحف على الملفات واللوحة المنقوش عليها اسمه ..”عُـــدي الحـصـري”
_اتفضلي.
_شكرًا..
وخرجت مسرعة من الغرفة وتنوى الكثير والكثير بداخلها بينما هو فتبسم من تصرفاتها المتذمرة…
وظلت تتمتم بالكلمات بسخرية:-
_قال علشان أنا … أيه ده، واحد بيتلكك بيقولي لون القلم ومش عارف أيه .. شغل تلكيك ميتسماش غير كدا ..
استغفر الله العظيم يارب، أيه الحاجات الغريبة دي..
هدأت من نفسها ودخلت المكتب بهدوء عكس إللي جواها..
_أهلًا تيتا غصون.. مستر عُدي كان عايزك في أيه يا بومة.
قالت أسيل باستفزاز وصبا وأحمد بيبصوا لبعض والفضول سيطر عليهم علشان يعرفوا سبب استدعاءها..
تجاهلتهم غصون وجلست خلف مكتبها وبدأت تراجع الملاحظات إللي هو كتبها لتتوسع أعينها بصدمة..!
اتعصبت صبا من تجاهلها فقامت من مكانها وصاحت بعصبية:-
_أيه يا بتاعة إنتِ، .. إنتِ طارشة كمان مش بتسمعي ولا أيه،
 
 
شيفاكِ بجحة أووي لتكوني مفكرة نفسك حاجة يا بومة إنتِ..
إنتِ فعلًا Stupid..
قال أحمد بإشمئزاز:-
_غباء.. إنتِ مش بتردي ليه يا حجة غصون.
الكل اتفزع من مكانه لمّا قامت غصون من مكانها وطرقت على سطح المكتب بعنف وقوة جعلت الجميع يتصنم..
التهب غضبها واحتقن وجهها بإحمرار الغضب..
بصتلهم بغضب جام وقالت وهي بتشاور عليهم:-
_ أَعرِض عَنِ الجاهِلِ السَفيهِ
فَكُلُّ ما قالَ فَهُوَ فيهِ
ما ضَرَّ بَحرَ الفُراتُ يَوماً
إِن خاضَ بَعضُ الكِلابِ فيهِ..
فغر الجميع أفواههم وهم يجدون صعوبة في فهم ما تقول بينما ابتسمت أروى بخفة عليها..
أمّا هذا الذي مرّ من أمام الغرفة فابتسم بإتساع عندما سمع كلماتها..
ردد عُدي بإبتسامة وهو بيكمل مشيّ:-
_دي جدور مش غصون لا ..
بصتلها صبا بعدم فهم وتسائلت بتردد:-
_قصدك أيه بالكلام ده .. إنتِ بتشتمينا ولا أيه..!!
حملت غصون حقيبتها وبعض الأوراق وقالت بكبرياء:-
_أوعوا تفكروا إن علشان ساكتة ومش برد عليكم يبقا لكم الحق تسوقوا فيها، أنا أقدر أغلط ولساني يبقا طويل بس كل واحد بيعبر عن البيئة إللي جاي منها وتربيته..
لكن علشان ساكته وبتجاهلكم فاكرنِيّ ضعيفة وبتتمادوا..
وإنتِ يا أستاذة صبا بدل ما تبرطمي كلام بالإنجليزي طول الوقت هنا وهناك .. روحي يا أوختي اتعلمي لغتك الأم الأول علشان تفهمي الكلام إللي بيتقال وما تدخُليش في مجموعة الجهلة… وتفرقي دا كلام ذمّ ولا مدح في جنابك.
ويلا سلام وقت شغلي إنتهى..
الكل كان في حالة من الذهول والصدمة ومش مصدقين الكلام إللي سمعوه من غصون ولا مصدقين إن دي غصون إللي دايمًا ساكته..
 
 
صبا وقعت على الكرسي وسندتها أسيل إللي كانت في حالة مش أفضل منها..
أمّا أحمد فضل يبص في مكانها بغضب وهو بيستحلف جواه لها..
_والله لأمحيكِ من وش الدنيا يا بومة وأعرفك مين الجاهل هنا .. دا إنتِ مطلعتيش سهلة اصبري عليا..
قالت صبا بعدم تصديق:-
_إنتِ سمعتي غصون العجوزة قالت أيه يا أسيل..شوفي كانت بتكلمني إزاي..
_هتندم يا صبا والله لتندم..
**************
نزلت من الأتوبيس وهي بتتنهد براحة وحزن معًا..
هي دايمًا في حالها وبتتجنب الجميع لأنها مش فاضية تشغل نفسها بحد غير نفسها…
مش عايزة تأذي حد وتجرح أيّ إنسان ولو بمجرد كلمة، بتخاف تأذي مشاعر غيرها .. مش سلبية ولا قلة كرامة منها ولا ضعف شخصية إنها سكتت الفترة دي على إهانتهم ..
لا …
بس هي عندها مبدأ أكتر الناس بتعتبره غريب..
التجاهل أقسى أنواع الإنتقام، كانت شايفة قيمتهم هي التجاهل وإنها لا تعطيهم أكبر من حجمهم..
بس تمادوا جدًا ..
هي عارفة إن طريقها صعب شوية في العالم ده وسطهم..
طبقات أرستقراطية راقية مُتسيبة ومفيش عندهم أيّ حدود..
هي الوحيدة المختلفة بينهم لكونها مختمرة، بس لها رسالة لازم توصلها على أكمل وجه..
مش هتتخلى عن حلمها بعد ما وصلت لهنا…
_الناس دي بتفكر بطريقة عجيبة أووي، فيهم ناس راقية في فكرها وفيهم إللي ميستحقوش حتى الهدوم إللي عليهم..
استغفر الله العظيم .. يارب صبرني ودلني على الطريق الصحيح دايمًا..
طرقت الباب بطرقات رتيبة، قابلتها والدتها بإبتسامة بشوشة:-
_الحمد لله على سلامتك يا غصون .. جيبي من إيدك يا حبيبتي.
_أيوا شيلي عني يا هدهد دا أنا قاطعة النفس..
_بعيد الشر يا بنتي .. يلا على ما تغيري هدومك وتصلي يكون أبوكِ جه من المسجد وجهزت الغدا.
طبعت قبلة على وجنتها وتسائلت بمشاكسة وهي تُبعد حجابها:-
_عامللنا غدا أيه النهاردة يا هدهد.؟
_شوربة عدس يا عيون هدهد مش شايفة الجو برد إزاي وعايزين حاجة تدفينا.
_ فرصتك دي يا هدهد .. أنا قولت كدا بردوة لما لقيت الجو برد .. الحمد لله نعمة وفضل من الله..
هغير وأصلي العصر وأجي طيارة..
_أما أشوف أخرتك أيه يا بنت عبدو..
ردت غصون من خلف باب غرفتها:-
_كل خير يا زوجة عبدو العزيزة..
ابتسمت والدتها وبدأت تدعيلها بصلاح الحال والهداية..
بدلت ملابسها وتوضئت وبدأت تؤدي فرضها بتأني وخشوع، إنتهت ورددت بعض الأذكار..
غمضت عيونها وقالت بإبتسامة رضا وملامح تشع نور:-
 
 
_اللهم لك الحمد يا الله حمدًا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك .. شكرًا يارب على كل شيء أقسم لكَ بإسمك العليّ إن أنا راضية وقلبي مليان بالرضا على كل عطاياك إللي مقدرش أشكر منها نعمة واحدة..
شكرًا يارب على كل حاجة وعلى كل خطوة كنت معايا فيها، متسبنيش خالص يارب .. إنت الحنين عليا والمُطلع على حالي سامحني وأعفو عن أخطائي وذلاتي.. أنا من غيرك ولا حاجة .. أنا قوية بك ضعيفة من غيرك..
تعرف يارب أنا بحبك أووي بحبك حُب .. أنا ببقا فرحانة وسعيدة دايمًا وأنا معاك متسبنيش لنفسي يارب فتهلكني خليني دايمًا قريبة منك وابعد عني أيّ حاجة تبعدني عنك..
يارب إملا قلبي بالرضا والقناعة دايمًا..
وجلست متحمسة وهي بتبص للسماء الصافية من باب الشرفة وقالت بحماس:-
_هحكيلك على كل حاجة حصلت النهاردة كالعادة، وإللي وجعني وإللي خايفة منه وإللي محتارة فيه..
وبدأت تسرد وتحكي إلى خالقها ما يحدث وما حدث وهو أعلم جلّ جلاله..
عادة اعتادتها .. تنظر للسماء وتأتي بما في قلبها لتشعر بعدها بالراحة والدِفء يملأ قلبها، تستشعر بأن الله ينظر إليها ويسمعها ويشعر بها دون أن يُكلفها ذلك شيء..
الحديث مع الملك الرحمن الرحيم أُولى أسباب سعادتها..
*****************
_بيلا … يا بيلا ..
_عُدي يا نور عيني الحمد لله على سلامتك يا غالي.
_مصر نورت يا بيلا أول ما أنا وإنتِ نزلنا .. سمعتهم بيقولوا إن الشمس مش بتطلع والدنيا ضلمة عالطول.
_ مش ناوي تبطل بكش بقاا يا عُدي باشا..
اشتم أنفه رائحة مألوفة له، التفت ينظر بأركان المنزل المُرتب فعقد ما بين حاجباه بتعجب وقال بعتاب:-
_ليه كدا يا بيلا.. إحنا لسه الصبح راجعين من سفر طويل وإنتِ جيتي نضفتي الشقة وعملتي أكل .. ينفع كدا..
_قولي بس الأول صليت العصر.
_أيوا الحمد لله صليت حاضر قبل ما أطلع.
سحبته نحو الأريكة وهي بتقول:-
_أنا يا حبيب أمك بعد ما وصلتني على هنا ونشفت راسك وروحت على الشغل.. جيت لقيت خالتك فراولة أم ليث منضفة الشقة ومخليها بتضحك زيّ ما إنت شايف..
وكمان عاملة فضلة خيرك محاشي من إللي قلبك يحبها..
وعاملة إحتفارة وأنا يدوب قولتلها إمبارح في نص النهار إننا جاين..
ابتسم بحنين وقال بشوق:-
_وحشتني فراولة ووحشني الواد ليث أووي يا بيلا والله الغُربة وحشة بردوة..
_أمال أيه يا عُدي كمان فراولة مش مجرد جارة ليا وبس دي أختي وليث ابني وأخوك، قضيتوا طفولتكم سوا واتربيتوا مع بعص .. والحمد لله اتلم شملنا تاني..
وضع رأسه على ركبتيها وهتف ببسمة وسعادة غامرة:-
_الحمد لله يا بيلا وأخيـــــــــــرًا..
اتعجبت من حالته فتسائلت بنصف عين:-
_تعال هنا بقا وقولي .. مالك كدا من ساعة ما رجعت حسيت إن الروح ردت في وشك يا واد يا عُدي..
ومالك بتقول وأخيرًا بتنهيدة كدا .. إنتَ مخبي عليا حاجة يا واد..
أعتدل ونظر لها وبعض الدمع الخفيف بعينه وقال بلهفة:-
_مش هتصدقي يا أمي لو قلتلك.
 
 
شعرت بالقلق من نظرته والدمع الحبيس بأعينه، كورّت وجهه بين كفيها بحنان:-
_مالك يا بني .. مالك يا عُدي قلقتني يا كبد أمك.
قَبَل كفيها كُلًا على حِدة وقال بسعادة:-
_ربنا رحيم أووي يا أمي رحيم فوق ما نتصور .. بعد خمس سنين بتيجي في أحلامي وأنا زيّ التايه والغريق ومش فاهم حاجة..
إرادة ربنا فوق كل شيء .. وألاقيها قدامي النهاردة..
تخيلي يا أمي من الأحلام للحقيقة معقول ..
أنا وقفت مصدوم مش مصدق..
اتسعت أعينها بدهشة وقالت:-
_أوعى يكون إللي في دماغي يا عُدي..
_هو يا أمي .. طلعت إنسانة حقيقية وشوفتها النهاردة ..
غــــــــــــصـــــــــون يا أمي.
شدته لحضنها وبدأت تربت على ظهره بحنان وانسابت دموعها قائلة:-
_مش قولتلك يا عُدي ربنا هيدلك .. دا كان شيء خارج إرادتك وملكش دخل فيه وربنا مش هيعذبك بتعلقك ده أبدًا.. ربك كريم يا ابني..
_عندك حق يا أمي .. أنا لغاية دلوقتي مش مصدق، إللي حصل ده زيّ معجزة بالظبط.
_ربك على كل شيء قدير.
_ونعم بالله يا أمي.
_طب أيه هتعمل أيه بقى؟
_هعمل أيه في أيه؟!
_أولًا هتحكيلي كل حاجة .. ثانيًا أيه هتعمل أيه في أيه دي..!
 
 
طبعًا هتتقدم لغصون وتتطلب إيدها…
باقلها خمس سنين معاك في أحــلامــك..
وآن الأون تكون في حيـاتـك وحــلالــــك.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ارتدت دريس من لون اللافندر الفاتح وفوقه جاكيت قصير من قطن البوليسير ذا اللون الكريمي وفي لفة رقيقة جعلت خمارها ذا اللون الكريمي أيضًا فكانت في غاية الرقة والإحتشام.. ووضعت بمعصمها إكسسوار رقيق من الفضة يتدلى منه ريشات صغيرة…
_يا صباح اللبن على الناس القشطة.
_أيه صباحك إللي كله منتجات ألبان ده يا غِصن.
قبلت والدها من وجنتيه وقالت بمرح:-
_كله كالسيوم يا عبدو ومفيد للعظام.
_الله يباركلك يا حاج عبدو متقاوحش معاها مش هتاخد لا حق ولا باطل.
_بقا كدا يا هدهد دايمًا ظلماني كدا .. ماشي..
احتضنها والدها بحنان مُقبلًا رأسها بدِف قائلًا:-
_كله ألا غِصن دي حبيبة أبوها دي..
_أيوا أقعد دلع فيها يا أبوها، أما أدخل أجهز الفطار قبل ما يحصلي حاجة.
قامت غصون وحملت حقيبتها قائلة:-
_أنا همشي أنا يا هدهد علشان ألحق.
_طب والفطار يا غصون، مفيش خروج من البيت قبل ما تفطري مش هيحصل.
_حيلك بس يا هدهد هو أنا أصلًا بسهو على نفسي .. بس النهاردة هفطر من عند البت أمينة، هعدي عليها أخد السندويشه بتاعتي.
_سندويشه برودة وأمينة تاني..
_سيبيها يا أم غصون براحتها أهي تغيرة..
 
 
ركضت نحو والدها وطبعت قُبلة على رأسه ثم طبعت مثلها على خدّ والدتها قائلة وهي تخرج:-
_ربنا يخليكم ليا، يلا سلام ومتنسوش تدعولي..
ابتسم والداها وقالت والدتها:-
_مش ببطل والله يا بنتي ربنا يسترك ويهديك كمان وكمان ويحققلك ما تتمني..
_ربنا يصلح حالها وينور طريقها يارب..
بينما غصون وقفت أمام إحدى العربات الخشبية الموضوعة على ناصية أحد الشوارع وقالت بإبتسامة عريضة :-
_صباح الخير يا شيف أمينة.
_يا صباح الورد على غصون الورد، أيه يا غصغص عاش من شافك يا أوختي أيه كبرتي علينا ولا أيه.
_أمينة الحرمية خلي قلبك أبيض يا بت إنتِ عارفة إللي أختك كانت فيه..
_آآآه ماشي يا سراقة عارفة إن أمينة طيبة بقاا وهتقولك خلاص سماح…
تدخلت سيدة من الخلف قائلة وهي تتخصر:-
_سماح ماتت يا أختي إنتِ وهيّ .. واحدة تقول سراقة والتانية حرامية يا فرحتي يا ناس..
قالت غصون وهي تُقبل رأسها:-
_صباح الخيرات يا خالتي أم أمينة.
_لسة فاكرة يا غصغص .. على العموم صباح الورد يا بنتي.
تدخلت أمينة قائلة:-
_هاا طلباتك أيه يا غصون هانم .. الطلب المعتاد.؟
_أكيد يا أمينتي.
وبدأت أمينة بإعداد الشطيرة وغصون تتابعها بشغف، فأمينة تُحضر أشهر وأشهى شطائر الجُبن التي تعشقها غصون.
وضعت أمينة قطع الجُبن الرومي على سطع الساج ووضعت أعلاه أنواع أخرى من الجُبن فصنعت خليط ذائب منهم ثم رشّت بعض التوابل وبعد التقليب والمزج المستمر، نقلتهم داخل قطعة من خبز الفينو العريض والسميك والتي تصنعه أمينة بذاتها وغلفته ليبقى ساخنًا..
_أحلى سندويشه لأجمل غِصن في الحديقة كلها.
_عايزة أقولك إن لُعابي سال يا بت أمينة حاجة كدا تفتح النفس.
وضعت أمينة عبوة حليب صغيرة معهم وقالت بطيبة:-
_بالهنا على قلبك يا ست غصون ويلا يا أختي على شغلك علشان متتأخريش..
_روحي ربنا يرزقك كدا يا بت يا أمينة بباشا مشهور كدا ويقعدك في قصر طويل عريض وأهم حاجة يكون واحد من بتوع التموين ولا حاجة؛ علشان يريحك من دوشتهم يا بنتي..
شقيتي وتعبتي يااامه وربنا هيجبرك وهترتاحي يا أمينو وكلمة بقولهالك..
قالت جملتها الأخيرة وهي تهرول مُسرعة نحو أحد الأتوبيسات لتبتسم أمينة قائلة:-
_مجنونة والله ..
وبمجرد أن قالت غصون تلك الجُمل كأن السماء كانت مفتوحة .. فكانت سيارة سوداء تعرج للشارع حيث تلك العربة الخشبية ولم يــكن ســوى……..
هــيـبقى اسكريبت تـاني جـديـد إن شاء الله 🙈
وأمينة و…..🤫
مش هقول خلوها مفاجأة🤭
****************
 
 
ولجت للشركة بحماس كعادتها وأوشكت على الصعود لكن لفت أنظارها العمّ سيد وهو يجلس بأحد الزوايا حزين مُطأطأ الرأس..
ذهبت إليه على الفور وتسائلت بقلق:-
_عم سيد مالك قاعد كدا ليه شكلك مهموم.
رفع الرجل رأسه بحزن وقال بإستنجاد:-
_بنتي يا أستاذة غصون .. هتروح مني.
_إهدى بس يا عم سيد وقولي هي مالها وإن شاء الله خير ربك موجود يا راجل يا طيب وإن ضاقت فعند الله المخرج.
_مطلوب ليها عملية في القلب يا بنتي وتكاليفها غالية وأنا مش حيلتي ألا مُرتبي ومش عارف أعمل أيه..
رددت بحزن وعقلها يعمل بجميع الجهات لمساعدته:-
_لا حول ولا قوة إلا بالله، وحد الله كدا وربك هيحلها صدقني .. طب إنتَ مجربتش تاخد سلفة من الشركة ولا حتى قرض..
_روحتلهم يا بنتي واترجيتهم ومحدش وافق وقالوا مفيش عندنا قروض لحد .. حاولت أستلف بس مين هيسلف واحد زيّ مبلغ كبير كدا..
_أيه يا عمّ سيد الكلام ده .. دا إنتَ حتى راجل عارف ربنا أوعى تكون باليأس ده أوعى تيأس من رحمة ربنا..
شوفت الناس إللي رفضت تديك دي هو مين عطاهم!..
وإللي عطاهم قادر يعطيك، كل محنة وفيها منحة، ولازم يكون عندك حُسن ظن بالله ويقين وصدقني ربنا هيفرجها وهيسخر إللي يجيبهم لغاية عندك لأن رب العالمين لا يُكلف نفسًا إلا وسعها ومش هيحملك مالا تطيقه..
_ونعم بالله يا بنتي، يعني قوليلي أعمل أيه يا أستاذة غصون.
_صلي ركعتين قضاء حاجة بنية تفريج كربك وربنا كبير..
توقفت فجأة وقالت مُتسائلة:-
_عمّ سيد هو إنتَ سألت المدير إللي جاي جديد ده.
_لا والله يا بنتي بعد ما روحت لرئيس مجلس الإدارة نفسه ورفض وصاحب الشركة ومراته رفضوا كمان قولت أكيد هو كمان هيكون رده نفس الرد يعني هيعمل أيه يعني..
تلكأت في كلماتها لكن قالت ببعض الثقة والاطمئنان التي لا تعلم مصدره وهي تتذكر هيئته المختلفة:-
_مش هتخسر حاجة يا عمّ سيد وهو باين عليه مختلف عنهم وابن حلال كلمه يمكن يكون ليه طريقة ويكلم صاحب الشركة .. استعين بالله كدا وأنا معاك وهدور من جهتي بردوه وعرفني هيرد عليك ويقولك أيه بس..
_حاضر يا أستاذة غصون هنزل أصلي ركعتين وربك كبير وقادر على كل شيء .. وهكلم أستاذ عُدي وأشوف كدا..
ورحل الرجل من أمامها لتظل تنظر في أثره وبعض التساؤلات ثارت بداخلها عن موقف هذا المدير الجديد..
ماذا سيقول؟!
شعرت بالضيق من مجرد رفضه مساعدة العمّ سيد..
_يا ترى هيقبل يساعده ولا يكون زيّ غيره، بس واضح أووي إن مختلف عن إللي هنا..
أفاقت على نفسها وتنحنحت قائلة:-
_وأنا مالي مختلف ولا غيره..
دخلت المكتب فوجدته خالي وصفا وأسيل وأروى وأحمد لم يأتوا بعد!!
_أحسن حاجة إنهم مجوش والله علشان أكل السندويشه بمزاج وأبدأ شغل..
وبعد مُدة أخرجت طعام إفطارها وبدأت تلتهم الشطيرة بنهم وتلذذ وتُصدر الهمهمات المستمتعة بالطعام وترتشف الحليب البارد بتمهل..
 
 
_البت أمينة إيديها تتلف في حرير .. حاجة كدا وهم إن شاء الله هجيب واحدة بكرا بردوه مش خسارة فيها العشرين جنية..
بينما في الخارج كان يسير نحو مكتبه فوجدها على هذا الوضع فلم يكن منه إلا أنه ابتسم بإتساع من قلبه على حالتها وتصرفاتها المجنونة..
وبعدما طال وقوفه مثل المتلصصين فاق على نفسه وهرول مبتعدًا وهو يلتفت من حوله…
_لا أنا حالتي بقت تخوف .. على رأي بيلا أيه هيخليني أستنى وخير البر عاجله .. وأخيرًا يا ست غصون هتبقى ملكة مملكتي .. يارب وفق ويسر الأمور يا الله..
دخل مكتبه ثم جلس بتأنٍ وأمسك بالمصحف ثم وبصوت عذب بدأ بترتيل سورة البقرة كعادة إعتادها صباح كل يوم..
عند غصون أخرجت مفكرة صغيرة وبدأت تكتب المهام المطلوبة منها وإللي أنجزتها..
_الحمد لله صليت الفجر حاضر وقولت أذكار الصباح وكمان قرأت جزء من الوِرد بتاعي .. آآه وكمان سورة البقرة هقرأها في البريك دا شيء أساسي..
عندي بقا تصميم خريفي النهاردة لازم أكمله، وهبدأ في المجموعة المطلوبة بإذن الله والحمد لله رب العالمين ربنا ألهمني الفكرة يارب أتوفق فيها..
ااه وبعدين بقاا عندي روتين للبشرة وعندي كيّ هدومي..
بالإضافة أكيد مواعيد صلاة الفروض الخمسة في وقتها..
وأختم اليوم بأذكار المساء وجلسات الذكر..
وأيه كمان … ااااه حلقتين من “شامة في البراري” إزاي أفوت شامة..!
أنا كدا رتبت اليوم وأسيبه يجري زيّ ما ربنا مقدر، بس ربنا يعيني ويقويني وأخلص كل المطلوب.
رفعت رأسها للسما وقالت من كُل قلبها:
_يارب يا رحمن يا رحيم ساعد عمّ سيد وفك كربه يارب، يارب أشفي بنته وفرج همه يارب إنتَ على كل شيء قدير وبالإجابة جدير…
*******************
_كدا إتفاقنا على الخطة دي، ومتقلقوش عندي غيرها يعني كدا كدا مش هتقعد فيها..
قال أحمد كدا وهو في السيارة لصفا وأسيل..
ردت صفا بغلّ وحقد:-
_مش هرحمها دا أنا ناوية على كتير ..
 
 
_عايزكم تنفذوا كل إللي مطلوب منكم بالحرف الواحد، وكمان بلاش كلام قدام أروى تمام..
_تمام يا أحمد يلا بينا..
صعدوا إلى المكتب وولجوا للداخل دون بث كلمة واحدة..
تعجبت غصون من حالتهم لكن آثارت الصمت ولم توجه كلمة واحدة إليهم..
*******************
قالت السكرتيرة بهدوء:-
_بشمهندس عُدي .. عمّ سيد الساعي عايز يقابل حضرتك.
رفع رأسه وقال بتعجب:-
_خير إن شاء الله .. ماشي خليه يتفضل..
ودخل العمّ سيد بقلب مرتجف ويدعو الله أن يجد هنا ما يبغيه… ليواجه أخر فرصة ووسيلة له….
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
_أتفضل يا عمّ سيد، أنا تحت أمرك.
_الأمر لله وحده يا بشمهندس عُدي، كان ليا رجاء عندك يا ابني ويارب ما تردني خايب.
عقد حاجباه بتعجب ورق قلبه لملامح الرجل المهمومة، وقال بإحترام:-
_أنا تحت أمرك اتفضل طبعًا ولو أقدر صدقني مش هتأخر.
قال العمّ سيد بحزن:-
_بنتي يا ابني ليها عملية خطيرة في القلب ومطلوب مني مبلغ كبير، قدمت على سلفة أو قرض من الشركة بس اترفض روحت لمدحت بيه صاحب الشركة ومراته زيزي هانم بس همّا رفضوا، مفيش قدامي غيرك يا ابني بس عايزك تتوسطلي يمكن يسمعوا منك أو تقدر تعملي حاجة..
اتصدم عُدي وحسّ بغضب يملى قلبه من موقف الناس السلبي، إزاي في إيديهم مصلحة لحد أو تفريج كربة لإنسان ويقفوا كدا، وقف من مكانه ووقف قدام عمّ سيد، رفع إيده ووضعهم على أكتافه بدعم وقال بقوة وحزم:-
_متتكسرش ولا تحني راسك ألا للي خلقك يا عمّ سيد الرزاق هو الله، وعد شرف مني بنتك هتعمل العملية وهتقوم وتبقى بخير بإذن الواحد الأحد .. هكلم بشمهندس مدحت وإللي فيه الخير يقدمه ربنا ارتاح إنتَ ومتشلش همّ.
عمّ سيد اندهش من معاملة عُدي كان فاكر هيكون موقفه زيهم لأنه عمره ما تعامل معاه بحكم إن لسه جديد على المكان وفي مكانة عالية، لكن الواضح إنّ هو ابن أصول ويختلف فعلًا زيّ ما قالت “غصون” عن الباقي إللي في المكان.
نظر له بإمتنان وقال بطيبة:-
 
 
_روح ربنا يفرجها عليك يا ابني ويعلي مراتبك ويريح بالك وعقلك وينولك إللي في بالك.
ابتسم عُدي ببشاشة وقال:-
_أيوا كدا دا إللي محتاجة ادعيلي كتير يا راجل يا طيب.
وخرج عُدي مُتجه حيث مكتب مدحت صاحب تلك المؤسسة وزوجته المصون زيزي هانم..
طرق الباب وتنحنح قبل الدخول حيث مكتب مديرة مكتبهم:-
_السلام عليكم ورحمة الله.
قامت السيدة والفتاة التي بجانها:-
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتفضل يا بشمهندس عُدي..أيّ خدمة.
قال بأعين بعيدة:-
_عايز أقابل بشمهندس مدحت يا أستاذة.
ظلت الفتاة تتأمله بعدم حياء ووقاحة وقالت برقة ونبرة مصطنعة:-
_في حاجة معينة يا مستر عُدي؟ أصل تقريبًا مدحت بيه مش متفرغ ممكن ترتاح هنا شوية على ما أديله خبر.
زفر بفروغ صبر مُستغفرًا سرًا وردد وهو يستدير:-
_أنا هستنا برا يا أستاذة ولما….
قاطعته السيدة الوقور وهي تنظر للفتاة بحِدة:-
_بشمهندس عُدي أتفضل حضرتك مدحت بيه وزيزي هانم موجودين هعطيلهم خبر بس.
_تمام يا مدام ناهد…
ولجت ناهد للداخل وقالت بإحترام:-
_مدحت بيه بشمهندس عُدي عايز يقابل حضرتك.
_دخليه فورًا يا ناهد.
ولج عُدي للداخل بشموخ وثقة مُرددًا تحية الإسلام فقام مدحت مُسرعًا لعلمه ما أهمية عُدي لشركتهم ومدى الصعاب الذي واجهتهم ليأتي إلى هُنا:-
_بشمهندس عُدي اتفضل .. أيه النور ده.
_شكرًا يا بشمهندس مدحت الله يباركلك، كنت عايز أتكلم معاك في موضوع مهم.
راقبت زيزي هانم الحديث وهي تعدل ثيابها وترتب خصلاتها واضعة قدمًا فوق الأخرى..
ردد مدحت بجدية:-
_اتفضل عالطول يا بشمهندس عُدي .. في مشكلة أو أي حاجة.
_بصراحة طالب من حضرتك سلفة أو قرض يتصرف لعم سيد مسؤول البوفية .. أنا أعرف إن في أي شركة أو مؤسسة يقدر أي عامل فيها يسحب قرض في أي وقت، والراجل بقاله مدة طويلة هنا وبيشتغل بكل تفاني وإخلاص..
ولما يقع في أزمة الواجب نساعده مش نتخلى عنه..
 
 
مدحت اتعجب جدًا إن جاي مخصوص علشان يكلمة على ساعي في الشركة ليس إلا..
بينما زيزي فشعرت بالغضب فقالت بحدة:-
_وأيه الضامن إن واحد زيّ سيد يسدد قرض بالمبلغ ده.؟!
ردّ وقد بدأ يشعر بالغضب من برودهم:-
_هيتم خصم كل شهر جزء من الراتب بتاعه.
_وهو الراتب بتاعه أيه علشان يتخصم منه يا بشمهندس عُدي..
_خلاص تبقا فرصة تزودوا الراتب بتاعه طالما عارفين إنه مش حاجة..
شعرت بالغضب الشديد لإجابته فأوشكت أن تهاجمه بالكلمات لكن سبق الرد من مدحت قائلًا:-
_بشمهندس عُدي إنتَ عارف إن إحنا في داخلين على بداية موسم جيد وفي قدامنا تصاميم كتير هتتنفذ والميزانية بتاعة الشركة واقعة واستعنا بيك علشان نقدر ننهض بيها…
يعني الميزانية مش حمل قرض أبدًا ومتسمحش بيه..
لسه النماذج على قيد التنفيذ والمصانع بتطلب مبالغ كبيرة علشان جودة القماش وأنتَ عارف إللي فيها..
وأنا مقدرش أضحي بشغلي علشان عامل في الشركة..
قام عُدي واقفًا قبل أن ينفلت زمام غضبه لتلك الطريقة التي يتحدثون بها واستهانتهم بحياة إنسان، وهتف بوجه محتقن:-
_تمام يا بشمهندس مدحت وكويس إن عرفت الكلام دا من بدري.. عن إذنك يا باشا…
وخرج دون أن ينظر خلفه ويتعجب من الحال الذي آل إليه البشر، قابله العمّ سيد الذي يقف بترقب ولهفة وقد انحطت عليه الهموم فشعر بقلبه ينقسم من تلك النظرة التي بعينه شاعرًا بالعجز لأجله..
_أيه يا ابني قالولك أيه..
ربت على كتفه يُئآزره:-
_للأسف قالوا الميزانية مش هتسمح وعندهم موسم جديد وتنفيذ لنماذج كتيرة..
شعر الرجل بالحزن والإحباط لكن تماسك وقال:-
_ولا يهمك يا ابني حصل خير .. ربنا هيفرجها بإذن الله.
لم يستطيع أن يجيبه وتركه وخرج خارج الشركة بأكملها وعقله يبحث عن مخرج ..
بينما سار العمّ سيد بأكتاف منهزمة وأعين عاجزة مليئة بالدمع..
خرجت غصون تبحث عنه لتعلم منه ما الذي حدث..
رأته يسير بهذا الإنهزام فهرولت بتجاهه قائلة:-
_عمّ سيد عملت أيه .. هو قالك أيه؟
_قال إن الميزانية بتاعة الشركة متسمحش يا بنتي وهما عندهم نماذج جديدة هتتنفذ..
شعرت بالصدمة تُصيب قلبها والخيبة تسيطر عليها..
جلست على أحد المقاعد في زاوية..
 
 
_طب أنا ليه مصدومة فيه كدا .. وهو أنا كنت واثقة إن هو مختلف عنهم ليه .. أهو طلع زيّه زيّ أي حد هنا ميهموش ألا نفسه، هيزعل ليه على واحد غلبان زي عم سيد ويشغل دماغه بيه وهو شكله ابن أكابر ولا داق المُر..
دفنت وجهها بين راحتيها قائلة بإختناق:-
_يارب لُطفك مش عارفة مالي وليه اتصدمت كدا وحسيت بالخيبة .. يارب افرجها من عندك .. ياريتني كان معايا أي مبلغ وكنت عطيته ليه من غير تردد..
وضعت كفها على قلبها وقالت:-
_يارب متعلقش القلب ده بغيرك .. إنتَ عارف إن أنا إنسان أضغف ما يكون مش محتاجة ولا عايزة ألا راحة البال والسكينة تسكن قلبي ده..
مدت يدها بجيبها وجذبت تلك الملاحظة التي وجدتها بجانب الملاحظات التي تركها فوق تصاميمها أمس..
لِما شعرت بتلك المشاعر تهاجمها بعنف!!!
قرأتها للمرة التي لا تعلم عددها..
“تصاميمك كلها رقيقة زي وردات فوق الغصون، أبدعتي ووُفقتي من الله .. أنتظر المزيد من هذا النتاج الراقي.”
_يارب انقذني يارب …
*******************
_يلا بسرعة هي خرجت إفتحي الفون بتاعها، مش إنتِ عارفة الباسورد.
_أيوا عارفاه يا أحمد شوفت المتخلفة دي بتفتحه كذا مرة قدامي..
_طب يلا بسرعة..
فتحت صبا موبايل غصون إللي سابته وخرجت تدور على عمّ سيد..
فتحت برنامج الماسنجر وانتظرت رسالة أحمد إللي وصلت خلال ثواني بعد ما وصل لأكونت غصون على الفيس بوك..
قالت أسيل:-
_يلا يا صبا ردي على أحمد وكأن هي إللي بتتكلم..
بدأت صبا بكتابة الرسائل على لوحة المفاتيح وتبعث بها لأحمد الذي يُراسلها من جانبها وتكتب الكثير من الرسائل البذيئة والغرامية على لسان غصون..
وظلوا على هذا الحال بينما أسيل تراقب الطريق حتى تكوِن كثير من الرسائل والمراسلات العديدة بينهم..
_بس كدا .. هتعملي أرشفة أو إخفاء للشات كأنه مش موجود..
_تمام .. كدا تمت أول مرحلة..
_برافو يلا اقفلي البرنامج وكدا تمام أووي..خلاص كلها خطوات بسيطة ونرميها براا الشركة دي..
 
 
_صح وبدل ما تبقى المصممة الرئيسية هنا والكل مفكر إنها مبدعة والشغل ده يعرفوا قذارتها وحقارتها وناخد إحنا مكانها..
_أنا شايفة إن مفيهاش حاجة مميزة يعني علشان بشمهندس مدحت ينفذ كل الديزاين بتاعها..
_هانت وهو إللي هيسحبها ويطردها من هنا..
********************
فضل يدور في الشوارع بعربيته حزين مهموم ونفسه يقدم أي مساعدة لإنقاذ أبنة هذا الرجل، تذكر الكثير من أحاديث الرسول صلّ الله عليه وسلم عن تفريج كروب المسلمين..
فمن فرّج عن مسلمٍ كُربةٍ من كُرب الدنيا فرّج الله عنه كُربة من كُربات يوم القيامة..
وقف قدام أحد المساجد ودخل ثم توضأ وبدأ بصلاة ركعتان فالآن يشعر بضيق وغضب شديد والغضب من نار ولا يُطفأ النار إلا الماء .. والضيق سيذهب بالحديث مع المولى عزّ وجل…
جلس عندما إنتهى وشرع يُكرر الحوقلة ويستغفر….
وفجأة …… اتسعت عيناه عندما تذكر…
_إزاي نسيت الموضوع ده..
وخرج من المسجد مُسرعًا ثم قاد سيارته بأقصى ما لديه وبعد مدة توقف أمام أحد البنايات وصعد إليها..
_السلام عليكم
_وعليكم السلام .. أهلًا يا عُدي الحمد لله على سلامتك.
_الله يسلمك .. المهم يا محمود ضروري أنا هنسحب من المشروع ومحتاج السهم بتاعي ضروري.
_الله الله .. خير يا ابني في أيه يا عُدي ..!
_مفيش وقت للكلام ده يا محمود محتاج الفلوس ضروري.
_معدش وقت يا عُدي وانسحابك ده هيخسرك كتير.
_سيبها على الله يا محمود قولتلك محتاج الفلوس حالًا.
_طب طمني طيب خالتي نبيلة تعبانة..
_لا أمي بخير بس يلا خلص الإجراءات ضروري وحالًا..
_حاضر حاضر وإنتَ حر يا عُدي أنا أصلًا مش فاهم حاجة..
قال عُدي بإبتهال:-
_يارب قدرني أساعده .. يارب اشفيها يا الله ..
************************
 
 
وضع العمّ سيد أكواب القهوة أمامهم وغصون تنظر له بعجز وهو يسير بهذا الحزن….
ارتفع رنين هاتفه فأخرجه من جيبه فوجد أن المتصل زوجته..
أغمض عيناه بحزن وأدرك أن صغيرته قد إنتقلت بجوار خالقها، لاحظت غصون هذا فخرجت خلفه وقد ارتعشت دقات قلبها خوفًا…
أمسك الهاتف بأيدي مُرتعشة وأجاب بتردد..
_بنتي ماتت صح يا فادية..
_مسك في العمليات يا سيد بقالها ساعتين والدكتور بيقول العملية ماشية ما شاء الله وهتبقى كويسة إن شاء الله..
_إنتِ بتتكلمي إزاي يا فادية .. مسك إزاي في العمليات أنا مدفعتش الفلوس ..إنتِ بتتكلمي بجد ..
_والله يا سيد بنتك بخير.. ربك كبير، في شاب هنا الله يباركله دفع التكاليف وكمان نقلنا لمستشفى خاصة ونضيفة قووي ووصى أحسن الدكاترة على مسك ومشى..
_يا كريم يارب..مين الشاب ده يا فادية وقالك اسمه أيه ولا هو مين..
_أنا والله ما شوفته ياخويا المستشفى إللي بلغتنا ونقلتنا لمستشفى تانية … بس سألت في إدارة المستشفى وواحدة من الممرضات قالت اسمه باين … عُدي.
الله يباركله ويصلح حاله ويجبر بخاطره..
اتصدم أول ما سمع اسم عُدي ووقف مش عارف يفكر إزاي، قال بفرحة مقدرش يخبيها:-
_قولي عنوان المستشفى وأنا مسافة الطريق وأكون عندك..
أخبرته مكان المشفى وأغلق وهو يدور مكانه يحمد الله بصوت مرتفع وقد هبطت دموعه ليسجد شكرًا لله..
_شكرًا يا حنين يارب لك الحمد يارب حتى ترضى، يارب كمل شفاها يارب..
_عمّ سيد أيه الأخبار مالك بتعيط ليه .. حصل حاجة..
كانت غصون إللي جت حلفه تسأل عن ما حدث..
_غصون يا بنتي طلع كلامك فعلًا صح .. عُدي يختلف عن كل الناس إللي هنا .. الله يباركله ويجبر بخاطره ربنا يصلح حاله ويزيده..
تسائلت بعدم فهم:-
_طب في أيه فهمني أيه إللي حصل..
_بنتي يا أستاذة غصون دخلت العمليات الحمد لله، وكمان نقلها لمستشفى خاصة ودفع كل التكاليف الله يجبر بخاطره..
_قصدك مين يا عمّ سيد.؟!
_عُـــــــــدي..
 
 
_مش إنتَ قولت إن قالك إن مزانية الشركة مش هتسمح.
_أيوا مدحت بيه قاله كدا بعد ما طلب منهم بس باين إن هو إللي اتكلف بالعملية من فلوسه الخاصة..
هروح يا بنتي المستشفى واشكره…
وقفت مصدومة وحست الأرض بدور بيها قالت بدهشة:-
_عُدي…! أنا أول مرة في حياتي أكون سيئة الظن في حد، ظلمته في فكرتي عنه…!
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
_السلام عليكم، إزيك يا بابا.
_وعليكم السلام، الحمد لله يا غِصن، أيه القمر هلّ علينا وبيتصل يعني .. مش إنتِ لسه في الشغل.
_أيوا يا أبي لسه في الشغل بس كنت عايزة بس أستأذن من حضرتك على مشوار كدا.
_خير يا غصون في حاجة ولا أيه يا بنتي.
_عمّ سيد الساعي إللي في الشركة هنا إنتَ عارفة، بنوته مِسك تعبانة وبتعمل عملية خطيرة في القلب وهو كان مهموم وخرج بسرعة على المستشفى لأن مراته لواحدها.
_لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يشفيها ويعافيها يارب، خلاص يا بنتي روحي واقفي جمبهم بس متغبيش يا غصون علشان في موضوع كدا عايزك فيه.
_حاضر يا بابا ومتنساش تقول لماما، بس هو في حاجة ولا أيه!
_خلاص يا بنتي مع السلامة لما تيجي نبقى نتكلم.
خرجت من الشركة بعد ما أخدت إذن بالخروج ساعة بدري عن ميعادها، ركبت أول تاكسي قابلها وقالت للسائق عنوان المشفى بعد أن أخدته من العمّ سيد.
بعد قليل وصلت للمستشفى ¤
طلعت تسأل عن مكانهم وبتدعي من جواها ربنا يشفي <مِسك> وميحرقش قلب أهلها عليها..
_السلام عليكم، ممكن أعرف مكان بنوته جت هنا تعمل عمليه اسمها مِسك سيد.
 
 
 
قالت موظفة الإستقبال بعملية:-
_أيوا يا فندم مِسك في غرفة العمليات لسه مخرجتش وأهلها منتظرين في استراحة العمليات.
_تمام، طب فين الإستراحة.
_في الدور الرابع على الشمال.
_شكرًا جدًا..
صعدت للمكان على أقدامها وهي بتبص حوليها على المرضى إللي داخلين وخارجين وإللي بيتوجع وإللي أهله واقف يدعي بترقب، أهوال وأوجاع مختلفة..
قالت غصون بدموع محبوسة ومن قلبها بصدق:-
_يارب إنتَ الحنين إشفيهم وخفف عنهم يارب، إنتَ أحن عليهم مني ومن أيّ حد .. الدنيا مليانة إحمدي ربك يا غصون ربنا رحيم أووي وإنتِ في نِعم مش حاسة بيها دا إنتِ لما بيجيلك شوية صداع بتبقي على أخرك..
الحمد لله يارب، شكرًا يارب على كل شيء سامحني على أخطائي وذلاتي يا أرحم الراحمين.
فعلًا الحكمة من زيارة المريض كبيرة أوووي وبتخلي الواحد يقف مع نفسه واقفة جديدة، الإتعاظ من إبتلاءات الغير إللي أكيد مقابلها ثواب عظيم من رب العالمين ولها عوض كبير وتخفيف للذنوب..
الحمد لله دائمًا وأبدًا، الحمد لله الذي عافاني مما إبتلى به خلقه وفضلني على كثيرٍ من عباده..
وصلت الدور الرابع واتلفتت حولها في المكان فتفاجأت بِـ عُـــدي إللي تفاجىء بيها برضوا.
شعرت بالحرج وأخفضت أعيونها ثم رددت تحية الإسلام على إستحياء:-
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال العمّ سيد بدهشة لما شافها:-
_وعليكم السلام، آنسة غصون! .. تعبتي نفسك ليه بس يا بنتي.
قالت بهدوء وداخلها متوتر لتواجده ولا تعلم لماذا؟:-
_ولا تعب ولا حاجة يا عمّ سيد .. مِسك أختي ولازم أكون جمبكم في موقف زيّ ده..
_ربنا يباركلك يا بنتي كتر خيرك.
ذهبت بإتجاه الخالة فادية التي تبتهل بالدعاء وهي تبكي، تسائلت غصون وهي تجلس بجانبها وتربت على كتفها بمواساة لترتمي الأخرى على كتفها تبكي فاحتوتها غصون ومسدت على ظهرها برفق:-
_أخبار مِسك أيه؟ .. محدش من الدكاتره طمنكم؟
 
 
لم يستطيع العمّ سيد الذي يجلس بإنهيار الإجابة وأيضًا لم تختلف زوجته عنه، فأجابها عُدي بنبرة رزينة هادئة:-
_إن شاء الله بخير، الدكتور قال العملية ماشية تمام ومعدش وقت وهتخرج بس هي العملية بتاخد وقت ودا إللي مقلقهم.
_عمّ سيد استعين بالله واصبر، البكا عُمره ما هيفيد مِسك صدقني كُل إللي يقدر يساعدها هو الدعاء .. ادعيلها إنتَ وخالتي فادية وخلي عندكم أمل ويقين بالله ومتنساش إن ربنا على كل شيء قدير، دا إختبار لكم ولازم تنجحوا فيه وادعوا وانتوا كلكم يقين، أنا واثقة إن مِسك هتخرج وربنا هيتم شفاها على خبر وهتمارس حياتها بطبيعية جدًا كمان.
_يارب يا بنتي يارب يا غصون ادعياها كتير إنتِ قلبك نضيف وطيبة.
قالت الخالة فادية بانهيار:-
_يارب يا بنتي ونعم بالله.. يارب يا حنين علينا يارب إجبر بخاطرنا يارب وفرج الكرب.
ابتسم عُدي تلقائي أول ما سمع كلماتها اللطيفة وإللي كان لها وقع جميل على قلبه، رقيقة شبه الورود إللي فوق الغصون، هي غصون رقيقة مجمعة أحلى وأندر الورود..
اتنهد بعمق وربت على ظهر عمّ سيد قائلًا:-
_يلا يا عمّ سيد نصلي العصر حاضر وإن شاء الله ربنا يفرجها من عنده .. يلا شد حيلك كدا المسجد جمب المستشفى عالطول.
_بشمهندس عُدي إحنا تعبناك معانا والله كتر خيرك إنتَ عملت إللي عمر ما كان حد يعمله أنا مكسو….
قاطعه عُدي وقال بحزم:-
_عيب الكلام ده يا عمّ سيد أنا مش زيّ ابنك ولا أيه، وبعدين أنا معملتش حاجة ولو سمحت متقولش الكلام ده تاني..
يلا بينا نصلي العصر..
قام عمّ سيد وسنده عُدي دا كله كان تحت مسامع غصون إللي ابتسمت بإبتهاج لإختلافه الملحوظ لكن زاد ندمها على سوء ظنها..
قالت للخالة فادية برفق:-
_يلا إحنا كمان يا خالتي تعالي نصلي ونبرد قلبنا بالصلاة وبإذن الله فرج ربنا واسع..
قامت الخالة فادية معاها بصمت ومشت ببطء يناسب عمرها بالإضافة لحزنها الذي يثقل كاهلها، تمسكت بغصون من ذراعها، وقالت بإمتنان:-
_ربنا يجبر بخاطرك يا بنتي، وقفتك معانا دي إنتِ والبشمهندس عُدي مش هننساها أبدًا ربنا يبارك فيكم يا بنتي.
_أنا معملتش حاجة يا خالتي فادية، المسلمين لو موقفوش جمب بعض وساندوا بعض أمال مين يعمل كدا .. إحنا كلنا إخوة ودي كلها حاجات بسيطة..
_ربنا يكتر من أمثالكم يا بنتي.
دخلوا المسجد وغصون ساعدتها في الوضوء ووقفوا متراصين بعد ما سمعوا إقامة الصلاة..
وفور أن سمعت صوت الإقامة العذب أدركت أنه عُـــدي.
ودون أن تدري ارتسمت إبتسامة ندية على شفتيها..
وكانت الصـلاة هـي أول شـيء يجـمـعـهم.
إنتهت الصلاة وخرجوا سويًا ثم صعدوا مرةً أخرى للمشفى وجلسوا مرتقبين أمام غرفة العمليات، وبعد قليل أتىٰ العمّ سيد بمفرده فاعتقدت أنه رحل..
قالت غصون سرًا:-
_استغفر الله العظيم..استغفرك وأتوب إليك يارب، يارب يا حبيبي متعلقش قلبي بغيرك، خايفة أووي يارب من إن أعمل حاجة تغضبك وتزعلك مني وكمان توجعني وتأذيني..
بستعين بك يا الله وبستنجد بك أنا ضعيفة وبخاف من الوجع بس قوية بيك يا أرحم الراحمين.
دقائق وخرج طاقم من الدكاتره والممرضين انتبهت غصون وهرولوا جميعًا بإتجاههم..
قالت الخالة فادية بلهفة أم:-
_طمني يا دكتور، بنتي عاملة أيه .. هتبقى كويسة، أنا عارفة إن ربنا مش هيردني خايبة أبدًا..
ابتسم الطبيب ببشاشة:-
_اطمني يا حاجة ربك كبير، بفضل الله تمت العملية بنجاح وكان فيها تيسير وسهولة أنا مشوفتهاش قبل كدا، الآنسة مِسك بأمر الله هتقوم زيّ الحصان وأفضل من الأول كمان لأنها مكانتش برعايتنا دي برعاية الرحيم.
أول ما قال الكلام ده عمّ سيد سجد على الأرض بإنهيار وبكى بتشنج وصوت عالي وبيكرر من بين بكائه:-
_لك الحمد يارب .. لك الحمد يارب…
 
 
غصون دموعها نزلت تلقائي غرقت وشها وبصت لفوق وقالت بكل حب ويقين وامتنان:-
_أنا كنت واثقة .. أنا كنت عارفة .. إنت عمرك ما خيبت ليا رجاء وظن .. أنا بحبك أووي يارب .. إنتَ حبيبي يارب.
بينما صرخت الخالة فادية ببكاء:-
_حنين يارب .. حنان ومنان شكرًا يارب العالمين.
كان عُدي واقف في بداية الممر وشاف فرحتهم ابتسم وهمس وهو بيغمض عينه:-
_ لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضا ولك الحمد إذا رضيت، أشفي كل مريض يارب.
قال الطبيب الشاب والذي وجهه يحمل البشاشة والصفاء بإبتسامة وهو يرى فرحتهم:-
_إن شاء الله الآنسة مِسك هتتنقل للعناية لغاية ما تفوق كدا ونطمن عليها وتقدروا تدخلوا تشفوها كمان.
تسائلت فادية بلهفة:-
_هي كويسة يعني يا دكتور .. ليه عناية هو في خطر عليها.
_ لا لا طبعًا بس علشان تبقى تحت المراقبة وناخد بالنا منها أكتر والحمد لله على سلامتها.
_الحمد لله، الله يسلمك يابني..
ورحل الطبيب «عُبيدة» وهو يبتسم ويحمد الله علىٰ إعانته له ويدعو أن يتم شفاءُها إلى أن تتماثل تمامًا..
قابل عُدي الذي ابتسم له وتسائل:-
_أيه يا دوك كل حاجة تمام..
_بفضل الله يا هندسة، أنا بشكرك إن استعنت بيا في العملية دي.
قال عُدي بمرح وهو يغمز له:-
_ الله الله .. دا شكل الصنارة غمزت ولا أيه عُبيدة باشا..
_طول عمرك دماغك شمال يا صاحبي كدا وبتفهم غلط.
_قصدك بفهم صح’!.
_روح روح يا أخ النحنوح إنتَ كمان .. محدش أحسن من التاني ولنا قاعدة طويلة سواا.
_سلام يا أخ عُبيدة..
اقترب منهم وهو يحمل بين يديه أكواب من القهوة وعبوات عصير وبعض الشطائر، مدّ يده ووضعهم بينهم ثم قال:-
_عارف إن لو قولتلكم تعالوا تاكلوا حاجة مش هتوافقوا، اتفضلوا دي حاجة بسيطة على الأقل علشان تقدروا تقفوا على رجليكم وأتمنى محدش يعترض.
قالت فادية وهي تمسح دموعها:-
_والله يا بني أنا محرجة منك .. إنتَ من الصبح واقف معانا وشيلت همّ مش همك..
_لو سمحتي يا حاجة متقوليش الكلام ده صدقيني أهم حاجة بنت حضراتكم تكون بخير وتقوم بالسلامة، اعتبريني زيّ ابنك…
_الخير موجود لسه يا بني والدنيا لسه بخير، ربنا يبارك في إللي ربيتك ومتشوفش وحش فيك ويسعدك يا عُدي.
_الله يباركلك يا أمي.
اخفضت غصون عيونها وفركت إيديها بتوتر بدأ يسيطر عليها في وجوده، استعانت بالحوقلة والإستغفار..
في حاجة غريبة أووي أيه إللي بيحصل ده!!
قلبها!!! بيدق بطريقة مرعبة جدًا، دا إللي كانت بتدعي دايمًا إن ميصبهاش ..
بيدق بطريقة بتخوفها…!
فضلت تضم إيديها بقوة .. دلوقتي بتتمنى إنها تهرب في أيّ مكان…
قرب عُدي منها ومدّ إيده ببعض العصائر والشطائر وقال وداخله مضطرب لمجرد الحديث معها:-
_اتفضلي يا آنسة غصون حاجة بسيطة بقالك فترة هنا وجاية من الشغل.
بلعت ريقها وحاولت تخرج صوتها وهي حاسة بالحرج والإضطراب، تنحنحت وقالت بتحشرج وصوت متقطع:-
_أنا … شكرًا يعني مش عايزة .. مش جعانة..
_يعني هتكسفي إيدي يا آنسة غصون، يلا اسمعي الكلام وخُوديها الله يهديكِ..
أماءت برأسها وسحبت ما بيده دون أن تنظر:-
 
 
_شكرًا يا بشمهندس.
ابتسم وقال ببعض المرح:-
_إحنا مش في الشغل .. تقدري تقولي عُدي بس بلاش بشمهندس ..
احمرت وجنتيها وكان لابد من الهروب، وقفت بتوتر وهرولت وهي تقول بتوتر:-
_تلفوني بيرن هرد عليه .. عن إذنكم..
خرجت بعيدًا وسندت على أحد الجُدران وهي تتنفس بعنف واضعة يدها على قلبها:-
_لُطفك يا الله .. أول مرة يحصلي كدا في حياتي .. بجد وجوده خطر جدًا..
غابت الشمس وكان لابد لها من العودة للمنزل، بعد أن استعادت أنفاسها وهدأت دقاتها عادت لهم..
قال لها العمّ سيد:-
_يلا يا غصون روحي إنتِ يا بنتي كفاية عليكِ كدا مينفعش تتأخري أكتر من كدا..وإنتَ يا بشمهندس عُدي كتر خيرك يا ابني من صباح ربنا وإنتَ واقف على رجلك..
مِسك بقت بخير وكدا كدا مش هتفوق ألا الصبح..
قالت غصون وهي تودعهم:-
_حاضر يا عمّ سيد وإن شاء الله هاجي أشوف مِسك بكرا بعد ما تفوق.. لو إحتاجتي أيّ حاجة كلميني يا خالتي فادية..
_ماشي يا بنتي .. يلا روحي علشان متتأخريش وابقي طمنيني إنك وصلتي..
_حاضر .. مع السلامة..
واستدارت راحلة دون أن تنظر خلفها..
بينما قال عُدي بجدية:-
_لو في أي حاجة متتردتش ترن عليا يا عمّ سيد، وأنا هتابع معاك…
_إن شاء الله يا بني ربنا يبارك فيك..
_السلام عليكم.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وخرج عُدي خلف غصون التي وقفت تنتظر سيارة أجرة من تلك المنطقة البعيدة..
وجدها تقف بمثل هذا الوقت وفي تلك المنطقة فوقف عاجزًا حائرًا لا يدري ماذا يفعل؟!.
أيعرض عليها أن يُوصلها أم ماذا..؟!
اقترب منها ببطء حتى وقف خلفها، وقال بهمس:-
_آنـسـة غـصـون..
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
سمعته بينادي بإسمها بصوت منخفض فأغمضت عيونها جامد ولم تستدير أو حتى تُجيب..
عندما لم يجد منها رد أدرك أنها تتحاشى الحديث معه بعرض الطريق وعاتب نفسه على ذلك، فاستدار هو الأخر مُعطيًا ظهره لها وقال وهو على حاله:-
_مينفعش تروحي لواحدك في وقت زي ده والمكان بعيد، ممكن أوصلك أو أركب معاكِ التاكسي لغاية ما توصلي بيتك.
اتصدمت من كلامه بس أدركت إن دا مجرد موقف شهم منه ولو كان أيّ شاب ابن ناس مكانه كان موقفه هيبقى زيّه..
قالت غصون برفض تام ومازالت على حالتها:-
_شكرًا يا بشمهندس مينفعش بأي شكل من الأشكال أركب مع حضرتك ولا تركب معايا التاكسي دا كمان ميصحش، ربنا هيسهلها وهقدر أروح لواحدي .. كمان مينفعش أقف اتكلم معاك في الشارع عن إذنك..
وسارت بعض خطوات مبتعده عنه لكن ظلت تحت أنظاره، لم يغضب ولم تثار حفيظته بل ابتسم بخفة وسار نحو سيارته وهو يقول:-
_شاطرة يا غصون الحب في قلبي، بس شكلك عنيفة أوي على العموم نقف نستنى لغاية غِصن ما تركب ونطمن إنها وصلت بخير.
 
 
ركب سيارته وظل منتظر بها وهي منتظرة سيارة أجرة، لمحته وهو داخل السيارة ولم يرحل فابتسمت في الخفاء..
أشارت سريعًا لسيارة أجرة سائقها رجل مُسن فتوقف لها وركبت لينطلق بعدما املته العنوان…
بينما تحرك عُدي خلف السيارة، سندت رأسها على زجاج الشباك ولمحته من المرايا وهو وراها وظل يسير خلفها حتى توقفت سيارة الأجرة أمام منزلها ليتوقف بعيدًا وهو يشاهدها تترجل من السيارة..
التقطته قبل أن تدخل فتبسمت وصعدت بحماس..
بينما هو فدار بسيارته عائدًا لمنزله، وردد وهو يتنهد:-
_الحمد لله سلامتك يا غِصني كدا أنا إرتحت..
**********************
_أخيرًا شرفتي يا ست غصون..
_هو أنا غبت يا هدهد، أنا جيت عالطول أهو..
قالتها وهي تقبل وجنتها لتلكزها والدتها بكتفها، وقالت بتذمر:-
_شاطرة تتصلي بأبوكِ وأمك تنسيها خالص كدا..
_اللاه إنتِ زعلتي يا بيضة، بس على فكرا أنا قولت لعبدو يقولك لأن الوقت كان متأخر..
_يلا مش مشكلة المهم قوليلي مِسك عاملة أيه يا غصون بقت بخير.
_الحمد لله يا ماما العملية نجحت والدكتور طمنا وقال إنها هتكون بخير..
_يارب يا بنتي ربنا يتمم شفاها على خير، وقوليلي جيتي من برا تجري على البلكونة ليه كدا..
أخذت غصون تُبدل ملابسها وتُبعد خمارها ثم تحرر خصلاتها وقالت بهدوء:-
_كنت بشوفه مشى ولا لا.!
ضربت هُدى على صدرها بدهشة وتسائلت بصدمة:-
_هو مين ده يا غصون إللي مشى وكمان جاي لغاية هنا..
جلست غصون على فراشها وسحبت والدتها من إيديها وقالت:-
_تعالي يا هدهد وأنا أحكيلك..
وبدأت تحكيلها على كل حاجة من بداية أزمة عمّ سيد ومشكلته مع الفلوس لغاية ما وصلت هنا..
قالت هدى بسعادة:-
_الله يبارك في إللي ربيته يا بنتي والله الدنيا لسه فيها خير يا غصون ربنا يكتر من أمثاله.. فعلًا ابن حلال ومسابكيش ألا لما وصلتي البيت في وقت زي ده .. ربنا يسترها معاه دنيا وآخره..
_أيوا عندك حق يا ماما .. نادر لما حد يقف الواقفة دي مع غيره .. أنا أسأت فيه الظن في البداية وقولت إنسان أناني ميهموش مصايب الناس وفي الأخر ووقت ما كنت بقول كدا كانت مِسك في العمليات بعد ما ربنا سخره لها، ربنا يسامحني على ظني ده.
 
 
_إن بعد الظن إثم يا غصون ومش لازم كل حاجة نشوفها نصدقها، الظواهر ساعات بتبقى مش حقيقية لأن محدش عارف ظروف حد .. لقدر الله لو مكانش معاه المبلغ ده أو لو مقدرش يعمل إللي عمله يبقى هو كدا إنسان مش كويس..!
لا يا بنتي مش كدا أبدًا وربنا أعلم المبلغ إللي دفعه ده وصله بتعب قد أيه ولا ضحى بأيه علشان يوصل للي وصله.
قالت غصون بندم وهي زعلانة من جواها على تفكيرها:-
_عندك حق يا ماما أنا اتسرعت في حكمي .. أصلًا إحنا مش لنا الحق نحكم على حد بس دا كان من حزني على عمّ سيد وقلة حيلتي غير المُحيط إللي أنا جواه والطبقة دي فيهم طبائع مش كويسة خالص يا ماما…
بيكرهوا بعض وبيكرهوا إللي أحسن منهم وفيهم إللي بيدوس على الناس الغلابة وبيحتقروهم مش عارفة أيه السبب .. مش إحنا كلنا خلق الله وبشر زيّ بعض ومفيش فرق عند رب العالمين ألا بالتقوى والعمل الصالح..
ليه الحقد والكره إللي بقى في نفوس بعض الناس ده يا أمي وليه الناس مش بتساند بعضها وتحب لغيرها الخير..
ليه كل واحد مش في حياته وبس ولازم يدخل في حياة غيره ويتابعها.. تعرفي لو كل واحد وفر جهد متابعة غيره ده لتعديل حياته والإهتمام بيها مكانش الحال بقاا الحال..
تلاقي بعض الناس مهتمة بإللي لسه ربنا مرزقهاش بالزوج الصالح وإللي ربنا رزقها واتخطبت وطولت شوية في الخطوبة بردوة مش عاجب ويقولولك دي طولت أووي
وإللي تتجوز وربنا ميرزقهاش بالذرية أو تتأخر بردوة مش بتِسلم من كلامهم وحتى لو خلفت تسمعي كلام غريب .. شوفي دا خلفتها كلها بنات .. شوفي دا خلفتها ولاد ومخلفتش بنات ..
بقى حالنا يحزن القلب والله.. الناس بتنهش في بعضهم يا أمي وكأننا مش أمة واحدة..
بعض الناس عينوا نفسهم القاضي والجلاد وبقوا يحكموا على غيرهم بأحكام غريبة بقوا يحطوا قوانين على حسب هواهم .. إللي خلصت جامعة وماتخطبتش .. ربنا بقى يعوض عليها لأن كدا خلاص فاتها قطر الجواز الرهيب إللي بيقولوا عليه .. إللي تتم خمسة وعشرين سنة خلاص دخلت في فئة العوانز يا حرام…
ليه مش بيفهموا إن رزق الله وما بيده لا يُوزع بقوانينهم المريضة..
تعرفي يا أمي أنا بحمد ربنا ومرتاحة وقلبي مطمئن إن رزقنا بيد الله وحده ومش بإيد حد من البشر أو في إيدينا إحنا شخصيًا ..
فضلت والدتها تسمع كلامها بفخر والدموع في عيونها، كلام غصون كله صحيح ولا غبار عليه، ربنا رزقها بغضون فقط ولم تُرزق غيرها بس عوضها فيها عن كل حاجة..
رزانة عقل وحكمة وأدب ودين وقلب نضيف .. غصون هي كنزها الثمين…
سحبت رأسها وحضنتها وقالت بكل حنان:-
_يزيدك من عنده يا ست البنات .. ربنا يبارك فيكِ يا حبة عيني، الخير موجود يا بنتي والشر بردوة موجود وكلنا مُعرضين للغلط وباب التوبة مفتوح بس إللي يرجع ويتوب وربك غفور ورحيم ..
تعرفي يا غصون أنا بدعي بأيه .. أنا نفسي ربنا يعينك كدا وتغيري المكان إللي إنتِ فيه .. تعرفي الناس إللي فيه مش وحشين بس هما تايهين بس ومش عارفين الطريق ويمكن ربنا بعتك المكان ده علشان تغيري وتصلحي ما يمكن إصلاحه..
_أنا لولا ستر ربنا عليا يا أمي، دا فضل من الله وربنا يقويني ويستعملني ولا يستبدل بيا وأقدر أفيد..
_يارب يا حبيبتي … آآآه صحيح نستيني يا بت يا غصون عن إللي كنت هقولهولك..
_خير يا ماما..
_غيري هدومك وصلي العشا على ما أجهز الأكل تاكلي لقمة علشان أبوكِ عايزك في موضوع..
_خير يا ماما .. هو بردوة قالي وأنا بكلمه..
_كل خير يا غصون بس يلا خلصي وتعالي متغبيش..
_حاضر يا ماما أنا بردوة واقعة جوع هاكل وأظبط بكوباية شاي بلبن علشان قدامي سهرة طويلة على تصميم قلبوظ.
_خلاص يا أخت المصممة هنعطلك عن أعمالك..
_أنا عنيا لكِ يا هدهد..
 
 
خرجت والدتها وهي توضأت وبدأت تصلي العشاء بهدوء وخشوع وتدعو بكل ما يملىء قلبها وما تتمناه وما تخشاه وهل التضرع والتذلل إلى غير الله يُجدي..
انتهت من صلاة العشاء بسنتها ثم بدأت تردد أذكار ما بعد الصلاة وبعض الأذكار التي جدولتها في مُخطط..
مثل الصلاة على النبي عقب كل صلاة عشرون مرة وتدريجيًا يتزايد العدد بالإضافة إلى وِرد صلاة على النبي مع أذكار الصباح والمساء وفي أوقات الفراغ والمواصلات..
وهكذا مع الحوقلة والإستغفار وذكر الله..
قالت بإرتياح وهدوء وقلبها مليان سكينة:-
_ااه الحمد لله أنا كدا مرتاحة جدًا..
مسكت فونها وفتحت الكاميرا وضغطت على زر تسجيل الفيديو وبعدها تنحنحت وقالت وهي قدام الكاميرا:-
_الحمد لله .. شوفي يا غصون السكينة والطمأنينة إللي جواكِ دي عمرك ما هتحسِ بيها ألا وإنتِ مع ربنا وجمبه.. أنا حقيقي مش ببقى فرحانة ألا وأنا مع ربنا.. بالي بيبقى مرتاح وحاسة من جوايا بهدوء وارتياح وعندي طاقة أهد جبال..
دي مش شطارة منك يا ست غصون دا فضل ومِنة من ربنا لازم تشكريه عليها دايمًا..
وصحيح لازم نعمل خطط جديدة وتتعودي على عبادات جديدة ..
النهاردة كان يوم مُميز جدًا ومليان برحمة ربنا وعطاياه.. مِسك بنت عمّ سيد بقت بخير والمشكلة اتحلت..
وإياكِ يا غصون تبقي سيئة الظن في حد تاني دعي الخلق للخالق يا غصون يا وحشة..
أنا فرحانة إن لسة موجود حد بالخير ده وبعتذر من كل قلبي للإنسان ده أنا مدينة بإعتذار له..
احمرت وجنتيها بخجل وتأملت وجهها بالكاميرا ثم ابتسمت وأغمضت عيناها هامسة بنبرة مُحبة بحروف اسمه دون أن تشعر:-
_عُـــــــــــــــــدي…
_غــــــــــــصـــــــــون إنتِ يا بنتي اتأخرتي كدا ليه .. بتعملي أيه جوا كل ده..
فور أن سمعت والدتها وأدركت ما قالته سقط الهاتف من يدها بذعر..
_أيه إللي أنا بعمله ده..
أغلقت تسجيل الفيديو ثم خرجت وهي تقول:-
_أنا جيت أهو يا هدهد، هاا عاملة أكل أيه النهاردة..؟
عيونها لمعت أول ما وقعت على المكرونة البشاميل على طاولة الطعام المستديرة..
جلست وهي تُشمر عن ساعديها وترفع خصلاتها المُموجة بدبوس شعر..
_يا سلام مكرونة بشاميل يا هدهد .. كدا أحبك موووت.
_بت بتاعة مصلحتها وبس .. شوف البت علشان بطنها تقول كدا أحبك..
قال الحاج عبد القادر والد غصون وهو يدخل وبيده كيسٌ صغيرة:-
_سيبك منها يا هدهد ولا تزعلي نفسك خالص، أنا يا ستي بحبك من غير أي حاجة وشوفي جايبلك أيه!!
ابتسمت هدى بسعادة وقالت:-
_حمد لله على السلامة يا أبو غصون..
أخذت الكيس من يده لتجد أعواد العسلية التي تحبها، لمعت أعيونها وشعرت بالسعادة فعلى الرغم من أنه يبدو شيئًا بسيطًا إلا أنه بالنسبة لها عظيمٌ جدًا لكونه دائمًا يتذكر ما تُحب ويحضره لها..
_تسلم إيدك يا غالي عليا تعيش وتجيبلي…
تنحنحت غصون وقالت بصوت مرتفع:-
_أحممم نحن هنا يا عصافير .. ولا أما أكل أحسن بسم الله الرحمن الرحيم..
ضحك والديها وهم يجلسان حول المائدة، وقال والدها:-
_أيه مزعلك كدا بس يا غِصن .. ابقي إديها عسلية يا هدهد..
رفعت أكتفها وقالت بمرح:-
 
 
_لا وهزعل ليه يا حاج عبدو ربنا يديم المحبة، خلي العسلية بتاعتك يا هدهد بالهنا على قلبك..
ضحك الجميع وتناولوا الطعام في جو مليء بالدِفء والوِد يُبهج النفس كان له أثر بتكوين شخصية غصون المستقيمة
فرغوا من طعامهم وتمتموا بالحمد..
قال الحاج عبدو براحة بال:-
_الحمد لله الذي أطعمني هذا وسقاني من غير حولٍ مني ولا قوة..
وهكذا رددت هُدى وغصون..
لعقت غصون أصابعها قالت:-
_لذيذة يا هدهد تسلم إيدك ويديمك لنا..
قالت هدى بإمتعاض على لعق أصابعها:-
_بردوة مش هتبطلي بعد الأكل تاكلي صوابعك كدا وتمُصيها..
ابتسمت غصون وقالت بتفهم:-
_إنتِ تعرفي يا ماما إن بعد ما الرسول صلّ الله عليه وسلم كان بعد ما يخلص طعام كان يلعق أصابعه الثلاثة وكان يأمر بلَعق الأصابع وسَلْتِ الصّحْفة إللي هي الطبق..
دا خبر صحيح رواه مسلم وحكاه كعب بن مالك رضي الله عنه “رأيتُ رسول الله ﷺ يأكُل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لَعِقها”
يعني الحركة إللي بعملها دي سنة عن الرسول صلِّ الله عليه وسلم..
تمتمت هدى:-
_عليه أفضل الصلاة والسلام ربنا يزيدك يا غصون فعلًا مكونتش أعرف المعلومة دي يا بنتي..
_ولا يهمك يا هدهد أي خدعة..
وخليكِ يا ماما أنا هلم الأطباق واغسلهم وأعمل الشاي وهاجي طيارة..
قال والدها:-
_متتعبيش نفسك يا غصون إنتِ طول النهار واقفة على رجلك..
_وماما بردوة مش بتقعد يا بابا .. دي حاجة بسيطة هخلص وأجي عالطول..
قالت هدى بحنان:-
_ربنا يباركلك يا غصون..
وخرجوا بالشرفة وجلسا يتسامران إلى أن تأتي بأكواب الشايّ..
بينما غصون جمعت الأطباق وقالت وهي بترفعهم:-
_ “الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مَكْفيٍّ ولا مُودّعٍ ولا مُستغنىً عنهُ ربّنا.”
وقامت بغسلهم ورصت أدوات المطبخ بترتيب ثم أعدت كوبان شاي لوالديها وكوب شاي بالحليب لها وحملتهم للشرفة….
_وأدي قاعدة .. الشاي يا جلالة الملك الشاي يا جلالة الملكة..
_بطلي لماضة يا بت..
_أديني سكت..
أجلى والدها صوته وقال بهدوء:-
_الموضوع إللي كنت قولتلك عليه يا غصون، لقيت إتصال من واحد بيقول إن بيشتغل في الشركة إللي بتشتغلي فيها أسمه حازم حكيم..
ابتسمت غصون وقالت بصدق:-
_فعلًا يا بابا أخد رقمك وقالي إن عايز حضرتك في شغل خشب بعد ما عرف إنك شغال في الخشب وأنا قولت خير رزق من عند الله..
_هو فعلًا اتصل عليا يا بنتي بس مكانش عايز شغل ولا حاجة..
عقدت غصون حاجبيها بتعجب وتسائلت:-
 
 
_أمال أيه .. مع العلم هو قالي كدا..
ابتسم والدها لصدق نواياها وقال:-
_استاذ حازم طالب إيدك ولقيته جاي لغاية هنا كمان، عرفنا على نفسه وحكلنا على كل أموره وكل إللي عنده وفي الأخر قلنا على اسمه بالكامل علشان لو سألنا عليه، وأنا قولت أقولك قبل ما نقرر أي حاجة..
توسعت أعين غصون بصدمة لتلك المفاجأة ولا تعلم لماذا أصابتها تلك الرجفة وهاجم عقلها طيفُ عُدي؟!
اهتزّ ثباتها ولم تدري بماذا تُجيب!!
حاولت إبتلاع ريقها الذي جف ورددت بتيهةٍ:-
_حازم..!!! يعني مش عارفة إتفاجأت جدًا..
طب إنتَ قولت أيه يا بابا ولا رأيك أيه..
قال الأب بعقلانية:-
_والله يا بنتي مبدئيًا الشاب واضح عليه ذوق ومحترم وكمان أول ما خرج من هنا سألت عليه كام واحد مِعرفة كدا ومحدش قال عليه كلمة وحشة، أُسرته كويسة، والده متوفي وهو بنى نفسه بنفسه .. دا يعني كسؤال مبدئي بس قولت الكلمة الأولى والأخيرة لكِ قبل ما يجي ويدخل البيت وتقعدي معاه..
قالت هُدى بخوف أم:-
_براحتك خالص يا غصون خدي وقتك حتى من قبل ما يجي، ومش هيضر يا بنتي لو جِه وقعدتي معاه وشوفتي هيبقى في قبول ولا لا وهترتاحي ولا لا..
وإنتِ قرارك في الأول والأخر إللي هيمشي ومحدش هيجبرك على حاجة..
كل ما تريده الآن الإنفراد بنفسها ومناجاة ربها تريد الإختلاء والإختباء عن الأعين..
تصنعت المرح وغصبت إبتسامة كاذبة على فمها قائلة وهي تسحب كوبها ثم تقف:-
_سيبوني أستخير رب العالمين وأستشيره وبعدين أرد عليكم.. يلا سلام عليكم يا أهل الخير..
هرولت لغرفتها وولجت بداخلها ثم أغلقت خلفها مستندة على الباب وهي تضع يدها على قلبها بأنفاس سريعة وأعين متسعة مترقرقة بالدمع..
خرجت للشرفة سريعًا تتنفس ثم رفعت رأسها للسماء وبمجرد ما نظرت إليها فاضت أعيونها بالدموع..
وقالت بستنجاد:-
_إلحقتي … أنا متلغبطة رتبني، أكيد في حكمة من كل ده صح!!
أنا خايفة من الوجع يا حنان، طب أقولك بالله عليك يارب لو الموضوع ده في شر أبعده من بعيد لبعيد من أقبل ما يدخل البيت .. لو مفيش نصيب ابعده بما شئت وكيفما شئت يارب من قبل ما يتسبب في جروح..
لو في شر اصرفه عني يارب ولو في خير قربه مني يارب..
أصلًا أنا مليش غيرك .. إنتَ كل حاجة، طب أقولك أنا أصلًا مليش حد أروحله واحكيله ومحدش هيفهمني زيك يارب العالمين .. إنتَ فاهمني من غير ما أتكلم صح..
إنتَ عارف سبب خوفي وبكائي دلوقتي إللي معرفش سببه وعارف إللي جوايا إللي أنا معرفوش صح..
إنت ركني الشديد وحبلي المتين يا الله..
إنت إللي فاهم غصون بالله عليك ما تسبني ولا تتركني إلى نفسي فتهلكني…
تعرف أنا هعمل أيه دلوقتي أنا هسيب الأمور كلها لك .. أنا بطلب منك يارب تتولى أمري وترتبه أنا واثقة في إللي عندك..
دبر لي أمري فأنا لا أُحسن التدبير يا الله …
ولم تُدرك من لهفتها في دعاءها وحديثها مع الله أنا تستحلفه بإسمه العظيم لكن الله رحيم جدًا وحنان على عبادة فليس هناك تكاليف في الحديث مع رب العزة
 
 
ادعو فقط بيقن ومن قلبك حتمًا الله يستمع لكل كلمة وكل همسة .. الله حبيبك … الله أقرب حد لك، فقط انظر للسماء.
توضأت وصلت ركعتان قيام ليل تلتزم بهم خلف صلاة العشاء للضمان لأنها قلما ما تستيقظ ليلًا فهذا أفضل من العدم..
أكثرت من الدعاء وختمت صلاتها بالشفع والوتر ثم جلست تقرأ في كتاب الله مُتسلحة به في كل الصعاب..
شردت قليلًا ثم همست:-
_ربنا هيدلني .. توكلي عليه يا غصون إنتِ هتشيلي هم ليه وتفكري وتجهدي نفسك سيبيها على الله وسلمي أمورك لله .. ومن يتوكل على الله فهو حسبه..
إجابة ربنا هتجيلي بكرا .. أنا واثقة..
✲✲✲✲✲✲✲✲✲✲✲✲✲✲
_غصون حبيبتي وأخيرًا بقيتي حلالي .. كنت واثق ومتيقن إن دعواتي كلها هتستجاب..
نظرت له بحب مختلط بالخجل وهمست:-
_وأخيرًا يا عُدي، أنا كمان دعيت كتير وكنت متلغبطة أووي بس الحمد لله ربنا قادر على كل شيء.
قبل جبينها ثم باطن كفيها قائلًا بعشق وحنان:-
_تعرفي أنا حلمت بيكِ قد أيه .. وبقالك قد أيه مرافقة أحلامي مش بتسبيها .. بس الحمد لله غصون لعُدي وبس مستحيل كنت أتنازل عنك ولا أقدر على بُعدك يا غصون وجذور الحُب بقلبي .. أنا مش مصدق عيني..
ترقرق الدمع بعينيها النجلاوين ورددت:-
_غصون لعُدي وبس … وعُدي لغصون بس .. أنا ولا هسيبك لا في الحلم ولا في الحقيقية يا عُدي..
إنتَ إللي اتأخرت عليا واستنيتك كتير..
فجأة صرخ بصوتٍ مرتفع يُناديها:-
_ غــــــــــــصـــــــــون … غــــــــــــصـــــــــون!!
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ناد بأعلى صوته عندما رأها تختفي من أمامه شيئًا فشيء…
ثــــــــم اسـتيقـظ بفزع وهو يتنفس بعنف ويتصبب عرقًا..
_أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ليه اختفت من قدامي كدا مرة واحدة، دا معناه أيه..؟!
مسح على شعره ونظر في المنبة الذي يقبع بجانبه على وحدة الأدراج فوجد أن الوقت تقارب على الفجر، قام من سريره وقال:-
_استغفر الله العظيم واتوب إليه، يارب احفظها يارب واحميها من أي أذي يا الله..
توضأ وبدأ يُصلى ركتي قيام ليل قبل أن يُأذن الفجر وظل يدعو بسجوده بالخير والصلاح لها ويدعو الله أن تكون حلاله ومن نصيبه بأقرب وقت..
_ربنا يجعل نصيبك أنا يا غصوني..
فرغ من صلاته وخرج من غرفته وهو يستغفر ليجد والدته تجلس ويبدو أنها قد فرغت من صلاتها للتو..
ابتسم ببشاشة واقترب منها قائلًا:-
_تقبل الله يا بيلا..
_منا ومنكم يا حبيب بيلا، مالك يا عُدي وشك أصفر كدا..إنت تعبان ولا أيه..؟
تنهد وهو يجلس بجانبها ثم قال بعدما قبل يديها:-
_إهدي يا أمي أنا بأفضل حال، بس حلمت حلم حلو وقلب في أخره وحش..
تسائلت بتعجب:-
_غصون بردوه .. بس أيه الوحش يا عُدي ما بقالك فترة طويلة بتحلم نفس الأحلام..
 
 
_أيوا بس كانت كلها أحلام عادية وحلوة لكن بتاع النهاردة في أخر الحلم كانت بتبعد عني واختفت من قدامي…
وتابع بحزم:-
_إن شاء الله بعد الشغل بكرا هروح على بيت والدها أنا عرفت مكانه وهكلمه مبدأيًا وبعدين أخد منه ميعاد..
ابتسمت بسعادة وقالت:-
_وأخيـــــــــــرًا يا عُدي .. أيوا خير البر عاجله وربنا يا بني يسهلك أمورك ويسعد قلبك ويجبر بخاطرك يا حبيبي..
متعرفش أنا قد أيه متحمسة إن أشوف غصون ونفسي بفارغ الصبر تبقى في بيتك النهاردة قبل بكرا..
_إن شاء الله يا أمي، دعواتك بس وأنا متأكد إنك هتحبي غصون جدًا..
_أنا بحبها من خمس سنين مش لسه هحبها يا عُدي هو إحنا كان ورانا كلام غيرها لمدة خمس سنين والله سيرتها كانت مهونة غربتنا..
_عندك حق يا بيلا فعلًا هونت عليا كتير .. التعب والغربة..
أنا كنت بحب أنام علشان أشوفها كانت بالنسبة ليا جايزة على كل حاجة حصلت في يومي..
_يا سلام على عم الرومانسي يا نااس .. دي كلت عقلك على الأخر يا ابن نبيلة..
ضحك بشدة وقبل رأسها وهو يقول:-
_بس إنتِ طبعًا الأساس يا بيلا .. إنتِ حبيبتي الأولى ومفيش مقارنة بينكم…
_كُل بعقلي حلاوة بقااا يا سي عُدي .. المهم أنا مرضتش أكلمك إمبارح لما لقيتك تعبان وقولت أسيبك تفوق..
أيه إللي أخرك كدا إمبارح .. كمان لقيت محمود صاحبك متصل يطمن ويقولي الحمد لله على السلامة ويسألني إنتِ كويسة .. وبعدين بيقولي هو في أيه وعُدي ماله..
أنا قلبي كان هيقف لما قالي كدا..
ولما ألحيت عليه حكالي وقالي إن إنت روحت وسحبت نفسك من المشروع وأخدت الفلوس وإنتَ مستعجل جدًا وخرجت وإنت شكلك ميطمنش..
في أيه يا عُدي إحكيلي..
تنهد مستغفرًا وقال:-
_هو الواد محمود ده مابيتبلش في بوقه فوله …
في الأول أنا بعتذر على موقفي لأن انسحبت من المشروع من غير ما أرجعلك وأنا عارف قد أيه كان حلمنا ونفسنا في المشروع ده .. عارف التعب إللي تعبناه علشان نوصله..
بس كوني متيقنة إن ربنا هيعوض بإللي أحسن..
_طب احكيلي حصل أيه .. طمني يا عُدي..
بدأ يحكيلها بموضوع عمّ سيد ومشكلته وكل حاجة حصلت وإنتهى من رواية ما حدث ثم نظر لها وقال:-
_ودا بس إللي حصل يا ست بيلا…
ترقرق الدمع بعينيها ونظرت له بإبتسامة ندية ثم رفعت كفها تمسد على شعره وقالت بفخر:-
_الحمد لله يارب .. خير ما عملت يا ابني خير ما عملت يا حبيبي، ربنا يضع الخير فيك دايمًا يا ابني..
في ستين داهية الفلوس المهم فرجت كربة إنسان، ربنا يزيدك من نعيمة ويعوض عليك يا عُدي..
دا إبني إللي ربيته أنا فخورة بيك يا عُدي..
 
 
انحنى ولثم كفيها ثم لثم رأسها ومسح دمعها مرددًا:-
_دا كله رزق الله يا أمي أنا وما أملك مِلكًا لله، الفضل لله ثم إنتِ من بعده يا أمي، أنا إللي فخور بإن إنتِ أمي وإن أنا إبن إنسانة عظيمة زيك .. ربنا يبارك في عمرك يا أمي..
_حبيبي ونور عيني يا عُدي.. قلبي راضي عندك دائمًا وأبدًا..
_وهحتاج أيه بعد كدا يا أمي، الدنيا وما فيها بين إديا..
_يلا الفجر هيأذن ألحق انزل على ما أحضرلك الفطار قبل ما تروح شغلك..
_لا يا أمي نامي إنتِ واستريحي النهاردة الأتنين نويت الصيام إن شاء الله..
_تقبل الله يا عُدي..
_منا ومنكم يا أمي .. هنزل المسجد بقاا يلا سلام عليكم.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
خرج لصلاة الفجر وبقت هي تدعو له بالصلاح والفلاح من قلب أمّ صادق..
بينما أدى عُدي صلاته وعاد لمنزله يقرأ سورة البقرة كما إعتاد واتبعها بترديد أذكار الصباح ثم بدأ يتجهز ليخرج لعمله بنشاط وحيويه…
✲✲✲✲✲✲✲✲
بمنزل غصون لم يختلف الأمر كثيرًا، أدت غصون صلاة الفجر حاضرة ورددت أذكارها وبعض أيات الذكر الحكيم لتكون لها وقودًا وعونًا وطاقة ليومها وما سيحدث به…
أخذت ترتدي ملابسها فوقع إختيارها على رداء ناعم من قماش الستان ذا لون سماوي رقيق وفضفاض وأكملت طلتها النقية بخمار من اللون الأبيض ذا نقوش من ورود الإقحوان الجميلة والمفضلة لديها .. أحكمته بلفة مختلفة ورقيقة فكانت بغاية الرُقي والنقاء والإحتشام..
سحبت من درجها إكسسوار رقيق من الفضة يتدلى منه ريشات صغيرة ووضعته حول معصمها..
وضعت كل ما تحتاجه في حقيبتها القماشية ذات اللون السماوي والمتناثر عليها سُحب بيضاء ضاحكة..
_يلا بينا .. توكلنا على الله..
خرجت من الغرفة وقالت وهي ترتدي حذائها الأرضي ذا اللون الأبيض:-
_يا صباح الخيرات يا أهل الدار..
خرجت والدتها من المطبخ بينما والدها فكان يُتابع الأخبار على التلفاز:-
_هتخرجي من غير ما تفطري يا غصون، أنا جهزت الفطار أهو استني تفطري يا بنتي..
_لا يا هدهد أنا نويت الصيام إن شاء الله..
_ربنا يعينك يا غِصن..
 
 
_يارب يا بابا.. يلا همشي أنا بقى وادعولي كتير، السلام عليكم..
وخرجت ودعوات والديها تلاحقها..
قالت وهي تهبط السلالم:-
_بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء…
وبعد أقل من ساعة كانت تدخل الشركة بهدوء وسكينة، دخلت مكتبها لتجد الجميع متواجد..
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محدش رد عليها غير أروى إللي ابتسمت بهدوء وقالت:-
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ابتسمت لها غصون وتسائلت:-
_إزيك يا أروى عاملة أيه، أمال مجتيش إمبارح ليه لعل المانع خير..
_خير يا غصون ماما بس كانت تعبانة شوية وعملت أجازة على ما تشد حيلها شوية..
_ألف سلامة عليها يا حبيبتي ربنا يشفيها ويعافيها يارب.
_الله يسلمك يا غصون تسلميلي يارب يا حبيبتي.
صبا وأسيل كانوا بيبصولها بقرف وغل كبير وأحمد كان بيغلي من جواه…
_أيه يا حاجة غصون الألوان اللوكل إللي لبساها دي .. الواحد عينه وجعته من ألوان الطيف دي ولا أيه يا أسيل..
ضحك كل من أسيل وأحمد بصوت مرتفع على كلام صبا وتريقتها بينما أروى حركت رأسها بعدم فايده ومسكت قلمها وأوراقها وبدأت تصمم نموذج لها..
أما غصون ابتسمت بهدوء وحركت يدها على ملابسها بنعومة وقالت ببرود أعصاب:-
_ليه تتعبي نفسك كدا يا صبوبة أنا يا حبيبتي مش طلبت رأيك أصلًا … متجهديش نفسك في التعبير يا روحي وكفاية إن عجبني ومش تاعب عيوني..
اشتعلت عيون صبا بالغضب وأسيل حست بحرج من أجل صبا…
أما أحمد فبصلها بغموض وبيستحلف لها من جواه، وقال من بين أسنانه:-
_شايف إن الحاجة غصون طلع لها لسان وبقت ترد وتتريق علينا .. طب خافي على نفسك بقى علشان هتعيطي كتير يا غصون هانم..
تجاهلت الرد عليه فهي تبغض هذا الإختلاط ووجودها في نفس المكان مع مثل هذا الشخص، لكن كونهم فريق واحد بيستلزم هذا..
قطع تلك الحِدة دخول مدام ناهد فانتبه الجميع لها وأدركوا أن هناك خبرٌ هام….
قالت بعملية وهي تقف بمنتصف المكان:-
_مسابقة التصميم الرسمي تم حسمها وتم إختيار التصميم من قِبل لجنة تحكيمية، في إجتماع الساعة 11 هيتم مناقشة الديزاين وعرض النموذج..
اللجنة كانت مكونة زيّ ما إنتوا عارفين من إتنين أجانب وهما السير جون والبرنسيس أوزلام بجانب البشمهندس عُدي وزيزي هانم..
والتفاصيل الباقية هتعرفوها في الإجتماع…
أتمنى الجميع يكون موجود في قاعة الاجتماعات قبل 11..
ردد الجميع:-
_تمام يا مدام ناهد…
 
 
شعرت غصون بالتوتر وساد الصمت بين الجميع وهم ينظرون لبعضهم البعض بقلق فواحد فقط من بينهم الخمسة سيتم إختياره ليمثل الشركة والمؤسسة وهيبقى ليه مميزات كتير ..
وأهمها إن هيتنقل من المحلية للعالمية..
قالت غصون بداخلها بيقن تام:-
_يارب يارب أجبر بخاطري، أنا واثقة وراضية بأي نتيجة أنا اجتهدت واشتغلت كتير على التصميم ده وراضية بالنتيجة أيّ كانت..
وقفت أسيل تتخصر وقالت بكبرياء:-
_الفوز حقي أنا وتصميمي هو إللي يستحق يكون في الصدارة لأن فعلًا مُميز..
قالت أروى بهدوء:-
_لجنة التحكيم هي إللي قررت وهنعرف مين هو التصميم إللي طابق كل المعاير وتوافر فيه كل الجماليات إنتِ عارفة إن بيدرسوا كل تصميم من جميع الجهات..
_احلموا كلكم حقكم بس أنا إللي هفوز وهنشوف..
نظرت صبا لأحمد وهمست:-
_هنفذ الخطة النهاردة؟
_هيحصل وهنفضحها النهاردة .. وهتنطرد من هنا شر طردة..
والكل يعرف حقيقتها بدل ما هي عاملة فيها الخضرة الشريفة..
✲✲✲✲✲✲✲✲
فتحت عيونها واتلفتت حوليها وهي تشعر بألم فظيع في صدرها وإرهاق بروحها قبل جسدها..
هرولت إليها والدتها ووالدها بلهفة..
قالت فادية بلهفة ودموع تغرق وجهها:-
_مِسك .. بنتي حبيبتي إنتِ فوقتي يا بنتي.. الحمد لله يارب الحمد لله..
قال العمّ سيد بلهفة:-
_آآه يا مِسك أبوكِ ضهره اتكسر .. الحمد لله يارب، أنا أنا هروح أنادي دكتور عُبيدة..
وخرج مسرعًا لتظل فادية تمسد جسد مِسك بلهفة وتتحدث دون توقف:-
_مِسك أيه إللي بيوجعك .. اتكلمي يا بنتي..
هبطت دموع مِسك بغزارة بألم نفسي قبل جسدي وهمست بضعف شديد ووهن:-
_كل حاجة وجعاني .. كل حاجة يا .. أمي .. كل حاجة..
تعرفي قبل ما أجي .. المستشفى زمايلي في الكلية قالولي أيه..؟ وكان عندهم حق
تعرفي يا أمي إن كنت بتمنى الموت وبقول يا ريتني ما أقوم..
نطقت والدتها بصدمة:-
_مِسك .. بنتي إنتِ بتقولي أيه..
_الكل قالي حتى لو عملتي العملية يا مِسك إنتِ معدتيش هتنفعي لحاجة يا حرام .. متزعليش دا نصيبك إحنا كلنا شافقين عليكِ .. إنتِ مستحيل حد يقبل بيكِ وهتعيشي متعذبه طول حياتك بين الفقد ومرارة الرفض..
حتى هتفقدي أبسط حقوقك في كل حاجة ..
مستحيل حد يقبل يتجوز واحدة زيك … أو حتى لو فرضًا جدلًا حصل عمرك ما هتبقي أم..
وفي نهاية دا كله .. يقولوا إحنا بنقولك الحقيقة وبنواجهك بيها أوعي تزعلي..
شوفتي يا أمي نظرت الناس ليا ..
ياريت هما وبس دا أنا بشوف الشفقة في عيون الكل..
وقفت فادية مصدومة مش مصدقة إللي بتسمعه إزاي كانت غافلة عن كل الكلام ده ومقدرتش تحمي بنتها..
هي كانت فين وبنتها بتتعذب العذاب النفسي دا كله..
أيه المرحلة إللي وصلت لها مِسك تخليها بعد ما تفوق وربنا نجاها تزعل إنها عاشت واتمنت الموت..
إزاي دا حصل..؟!
لم تستطع الرد حيث دخل والدها بصحبة عُبيدة الذي دخل مبتهجًا بإبتسامة بشوشة والسعادة ترتسم على وجهه..
_السلام عليكم.
التفتت مِسك بوجهها بعيدًا وتشعر أنها تبغض هذا الطبيب لفلاحه في إنقاذها وكأنه هو السبب وليست أعمار وقدر الله..
اقترب عُبيدة بصحبة ممرضة وتفحص بعض الشاشات والأجهزة بينما تفحصت الممرضة المحلول المعلق بيدها..
 
 
لاحظ عُبيدة أثار الدموع على وجهها فعقد حاجباه وتسائل بإهتمام:-
_آنسة مِسك عاملة أيه .. قوليلي حاسه بأيه .. وأيه بيوجعك..
رفعت أعينها له ونظرت له بحدة وهجوم وتحدثت بوجه محتقن ألمًا:-
_كل حاجة بتوجعني … وجع فظيع في صدري .. ووو
مش قااادرة… أتكلم..
تعجب عُبيدة من هجومها ونظراتها الحادة لكن شعر بالقلق من أجلها وقال:-
_الوجع طبيعي يا آنسة مِسك .. لازم تكوني قوية علشان تقومي بالسلامة .. العملية مش ساهلة ولازم يبقى عندك عزيمة واستعداد إن تكوني بخير وأهم شيء العامل النفسي وتنسي كل حاجة تانية… وو….
قاطعته بحِدة ووقاحة:-
_حضرتك دكتور شغلتك توصف العلاج وبس .. أي حاجة تانية مش شغلتك … مش معقول أقولك تعبانة وجسمي ..
آآآه .. كله بيوجعني تقولي الدرس دا كله وتقولي أبقى قوية …
سعلت بوجع لتنظر إليها والدتها بقلق وتهرول نحوها .. بينما عُبيدة وقف مصعوقًا من هجومها الحاد عليه ووقاحتها في الحديث..
همس بخفوت:-
_استغفر الله العظيم .. أيه القطة الشرسة دي، هو أنا كنت عملت فيها علشان هجومها ده .. لا إله إلا الله..
قال العمّ سيد بقلق:-
_هي مالها يا دكتور عُبيدة … إديها أي حاجة تخفف الوجع..
نظرت له مِسك بحِدة ورددت:-
_أيه يا دكتور هتقف تتفرج كتير ولا .. أيه..
طلب عُبيدة بعض الإبر من الممرضة وهو يتمتم بسخط:-
مِسك أيه دي سم ومكس على بعضه..
_بتقول حاجة يا دكتور..
_بقول هتاخدي حقنة مسكنة .. والعلاج ده هتاخديه في مواعيده وهتتبعي كل التعليمات وهتفضلي مشرفانه هنا شهرين..
_مش هيحصل … آآآه يا دكتور .. أنا مش بحب المستشفيات …قوله يا بابا هنطلع..
نظر عُبيدة للعمّ سيد وقال بحزم:-
_لازم يبقى في إلتزام بالتعليمات يا عمّ سيد علشان ميحصلش انتكاسة .. ولازم آنسه مِسك تهدِي من أعصابها شوية…
_طبعًا يا دكتور هنفذ كل التعليمات وكل إللي هتقول عليه..
نظر لها بتحدي وخرج وهو يقول:-
_الحمد لله على سلامتها … السلام عليكم..
همست بغضب وجفونها تنغلق:-
_دكتور غبي … دا مين … إللي عمله دكتور..!
وذهبت بنومٍ عميق .. ليتغير خلف جدران تلك المشفى أقدار ويحدث ما لم يُتوقع …..
✲✲✲✲✲✲✲✲
جلس الجميع داخل قاعة الاجتماعات بترقب شديد..
غصون … أروى … صبا … أسيل … أحمد…
دخل مدحت بصحبة زوجته زيزي هانم.. وبجانبهم مدام ناهد وبعض الأشخاص الأخرين..
ثم وأخيرًا دخل عُدي وبيده بعض الملفات..
 
 
وقف مدحت قائلًا:-
_خمس تصاميم تم اختيار تصميم واحد فقط هيمثل المؤسسة وهيفوز في المسابقة..
تم دراسة كل التصاميم من جهة خبراء أجانب وكان بشمهندس عُدي ضمن اللجنة وزيزي هانم..
هنعرض التصميم إللي اختارته اللجنة..
بشمهندس عُدي وزيزي هانم متحمسين علشان يعرفوا مين صاحبة أو صاحب التصميم..
شعرت غصون بالتوتر وظلت تردد بعض الآيات القرآنية والذِكر لتهدأ من روعها، رفع عُدي أنظاره نحوها فتبسم ويدعو الله لها بالتوفيق وحقًا لا يعلم من صاحب التصميم المُختار ..
لحظة ترقب .. الجميع على أعصابه ومترقب..
أطفأت الإضاءة وأضاءت شاشة كبيرة بوسط الغرفة..
نظر الجميع بترقب بينما أغمضت غصون عينيها وقلبها يدق بسرعة..
ابتسمت أسيل بتشفي وتكبر وقالت:-
_وأخيـــــــــــرًا…
ظهر على الشاشة التصميم المُختار لينظر الجميع بصدمة غير متوقعة مُرددين:-
_معقول…
فتسائل عُدي بلهفة:-
_مــيــــن صـــاحــب الـتـــصــمـيـم ده؟!.
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وقف الجميع في حالة من الصدمة والدهشة ويوزعون أنظارهم فيما بينهم بينما غصون فكانت مازالت مغمضة عينيها..
أول ما نطق كانت أروى التي قالت بحزن:-
_مش تصميمي..
فتسائلت زيزي:-
_الديزاين تبع مين، متشوقة جدًا أعرف..
هنا فتحت غصون أعينها بحذر وترقب، توسعت أعينها ونما بها بعض الدمع واتسعت إبتسامة عريضة على شفتيها..
وظلت تتمتم بالحمد مرارًا وتكرارًا…
ثم قالت بهدوء وسعادة تنطق بها نبرتها:-
_الحمد لله … التصميم تبعي يا أستاذة زيزي..
كانت أسيل وصبا وأحمد في حال لا يُحسد عليها..
وأسيل كانت تنظر لها بغل وتوعد شديدين..
بينما عُدي فابتسم باتساع وهمس:-
_كنت متأكد .. تصميم شبه الغصون الرقيقة المُميزة والقوية في نفس الوقت..
قال بصوت مسموع موجه كلامه لها:-
_مبارك يا آنسة غصون .. حقيقي التصميم رائع ويستحق الفوز وفعلا جديد..
تقدمت زيزي وقالت بسعادة:-
_مش هتبطلي تبهريني بقى يا غصون، شابوه لكِ يا مبدعة..
 
 
 
شعرت بالحرج من كم هذا الدعم والمدح، خفضت رأسها وقالت على إستحياء:-
_جزاك الله خيرًا يا بشمهندس، ربنا يبارك فيك..
ونظرت لزيزي بإبتسامة وقالت:-
_دي عيونك بس هي إللي حلوة يا مدام زيزي، تسلميلي يارب.
قال مدحت:-
_مبروك يا غصون حقيقي بتدهشينا بأفكارك..
_شكرًا جدًا لحضرتك، الله يبارك فيك..
قال عُدي بهدوء:-
_ممكن تشرحي تصميمك بالتفصيل وأيه الأفكار إللي اعتمدتي عليها..
وقفت بهدوء وأماءت برأسها قائلة بإيجاب:-
_أكيد يا بشمهندس.
تقدمت حتى وقفت أمام الشاشة بثقة تحت أنظار الكارهين والحاقدين وأعينهم تأكل هذا التصميم المُميز الذي قدمته..
تنحنحت ثم قالت بعد أن كررت البسملة عدت مرات:-
_أولًا أنا اعتمدت في تصميمي على عنصر التوفير والرقي..
لما بنحب نشتري ملابس بنقف حيرانين.. لأن أوقات بنبقى محتاجين أطقم رسمية مريحة ومحتاجين في نفس الوقت طقم مناسبات..
فأنا فكرت ليه ماجمعش بين طقم رسمي وفي نفس الوقت للمناسبات..
التصميم يظهر من الوهلة الأولى إن فستان مناسبات..
بس في التصميم الجانبي غير..
لأن التصميم عبارة عن طبقتين بعد ما يتم إزالة الطبقة إللي فوق هيتغير شكل التصميم تمامًا..
دا غير إن نقدر نتحكم في كون الفستان منفوش زي ما البعض بيحبوا أو غير ذلك زي ما البعض الأخر يفضلون..
ودا بيحصل من خلال قطعة قماش بسيطة هتتثبت على كل جانب من جوانب التصميم.
الطبقة إللي فوق من النوع القوي والخفيف في نفس الوقت ودا بيعطي نفشه بسيطة للفستان، والتطريز هيكون بنفس الإتجاهات إللي في التصميم بلألألىء متناسقة الألوان..
أما الطبقة التانية وإللي هي الأساسية هتكون من قماش لين مريح بحيث تكون أكتر عمليه والزركشات إللي عليها هتكون يدوية غير بارزة بحيث لما الطبقة إللي فوق تلزق عليها الزركشات دي تعطي شكل لطيف متناغم مع التطريز الخارجي.. وفي نفس الوقت هيبقى شكلها لطيف جدًا لو الطقم الداخلي العملي اتلبس لواحده وإللي هيبقى ساعتها طقم رسمي ..
تنفست بهدوء وأكملت:-
_اخترت الأنواع دي من القماش في الطبقات علشان في تجاذب بينهم فبيتماسكوا كأنهم قطعة واحدة..
وإللي بيميز التصميم إن رعيت يكون لجميع الفئات .. المحجبة والغير والمختمرة وكمان المنتقبة…
ويبقى كدا قدرت أجمع فكرة ثوبين في ثوب واحد ودا هيوفر أكيد .. فبدل ما نشتري طقمين واحد مناسبات وطقم عملي يكون كدا معانا ثوبين في ثوب..
ولما يتنفذ التصميم أكيد هيوضح أكتر.
وفي الأخر دا مش شطارة مني دا فضل من الله فاللهم لك الحمد ..
صفق الجميع بحرارة بينما قبضت كلًا من صبا وأسيل كفيهم بغضب ونظروا لها بكره شديد…
 
 
 
كان عُدي يشعر بسعادة كبيرة لأجلها والابتسامة لم تُمحى من فوق فمه…
نظرت له صبا وهي ترى انبهاره بتلك غصون فأقسمت أن تجعل منها مسخة في نظره…
تقدمت زيزي وقالت:-
_مبسوطة منك يا غصون .. فكرتك مميزة عن غيرها وهتتنفذ تحت إشرافك وأنا أول واحدة هتلبس الموديل..
قال مدحت يحيها:-
_ملحوظة حلوة إن في تصميم واحد رعيتي كل الفئات .. دا بخلاف بقيت التصاميم القصيرة والمكشوفة وإللي متنفعش ألا لفئة واحدة بس .. ودا هيخلي كل بنت تشتري الموديل من غير تعديل..
_شكرًا جدًا لثقتكم الجميلة وأتمنى دايمًا أكون عند حسن ظنكم..
قام مدحت وقال بحزم:-
_انتهى الإجتماع يا سادة …
وخرج ومعه زوجته المدام زيزي..
ذهبت غصون لأروى لتبتسم لها أروى بطيبة محتضنه إياها فبادلتها العناق..
_شطورة يا غصون .. بجد تصميمك مميز ألف مبروك يا حبيبتي ربنا يوفقك..
_تسلمي ليا يا أحلى أروى .. وأنا بعشق كل النماذج الرقيقة بتاعتك..
استمع عُدي لها وهو يلملم أوراقه بينما أخذت صبا تقترب منه وهي تتأمله بعدم حياء..
وقالت بنعومة مصطنعة:-
_مستر عُدي .. ممكن أعرف القصور إللي في الديزاين بتاعي .. حقي أعرف..علشان أعدل منها.
شعرت غصون بشعور غريب يجتاحها عندما رأت هيئة صبا المتبرجة تقترب من عُدي بتلك الهيئة وتتكلم بتلك الطريقة المبتذلة..
عُدي بعد رأسه للجهة الأخرى وقال بعملية:-
_كل تصميم مرفق بيه كل التعليمات والملاحظات إللي أنقصت منه وعلى العموم الأفضلية بتبقى في التصميم المختلف وإللي فكرته جديدة..
_طب ممكن نتناقش في النقط دي يا مستر عُدي..
قال بثبات ونبرة حادة بعد أدرك ما ترمي إليه:-
_مش مستاهلة يا أستاذة كل حاجة هتبقى مفهومة..
وخرج بثبات لكنه لمح تلك التي تقف وعلى وجهها تلك الملامح الساخطة قبل خروجه فابتسم وذهب إلى مكتبه…
واستشاطت صبا غضبًا..
_ماشي يا عُدي باشا اتقل زي ما إنت عايز وفي الأخر هعمل إللي أنا عيزاه..
قربت منها أسيل وهمست:-
_بردوه بيصد.. مش قولتلك دا تقيل ومش من نوع الشباب بتوع اليومين دول..
_مش عليا يا أسيل .. هتشوفي هعمل أيه..
_شكله منبهر بالبومة إللي اسمها غصون..
_أخدت بالي متقلقيش أحمد هينفذ الخطة النهاردة عايزين نركز علشان ننفذ كل حاجة بالظبط..
جمعت غصون أورقها وشافتهم بيتهامسوا فقلقت من جواها بس قالت بيقين:-
_ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين…
✲✲✲✲✲✲✲✲
وقفت في البلكونة في وقت البريك تتنفس بهدوء وتذكر الله تارة وتحوقل تارة أخرى..
قالت بهدوء وسعادة:-
_شكرًا يارب .. لك الحمد يارب العالمين، كنت عارفة أنك هتجبر بخاطري .. فرحت قلبي وأنعمت عليا، مش عارفة النِعم دي كلها أوافي منها نعمة واحدة إزاي..مقدرش على شكرها يارب.
 
 
جابرني يارب .. تعرف أنا بحبك أووي يارب..
دلني على الطريق الصحيح وريح قلبي لو الموضوع دا في شر ابعده عني بما شئت وكيفما شئت..
من قبل ما يدخل وأقعد معاه .. أصل يارب القاعدى دي بتبقى تقيلة على قلبي ومش سهلة عليا..
ياااارب..
وقبل ما تكمل وصلة كلامها وحديثها الذاتي مع الله عز وجل لقت صوت دوشة جاي من وراها..
الشرفة إللي واقفة فيها كانت الشرفة البحرية وبتقع في ممر طويل فيه مكاتب بعض الموظفين وبناحية هادئة جانبية كان مكتب عُدي …
استدارت لترى أحمد يأتي بغضب شديد وخلفه صبا المنهارة والباكية وتُهدأها أسيل ..
تعجبت كثيرًا من حالتهم وأصابها القلق..
في هذا الأثناء كان يجلس عُدي بمكتبه فسمع ضوضاء وجلبة في الخارج..
خرج بقلق ليرى ما يحدث ليتوقف متسمرًا بصدمة حينما رأى وسمع ما يحدث…
_إنتِ مش ناوية تسبيني في حالي بقى ولا أيه يا أستاذة غصون..
قالها أحمد صارخًا بغضب شديد وهو يقف أمام غصون التي لا تفهم ما يحدث…
أكمل بصراخ لتزيد صبا بالبكاء:-
_قولتلك مية مرة أنا هخطب صبا وبحبها وإنتِ مصممة على الكلام بتاعك وكل يوم والتاني بعتالي رسايل شكل..
أطنش وأجي أكلمك بالعقل مفيش فايدة..
ليه توقعي بيني وبين البنت إللي هخطبها وتخليها تفتكر إن في حاجة بينا..
لم تصدق غصون ما تسمع وهو يصرخ ويتابع بتلك الاتهامات البائسة.. تجمهر من بالشركة بتلك البقعة..ومن بينهم حازم.
ووقف حازم مصعوق مما يسمع..
غصون كان يعتقدها ملاك، وأمس فقط تحدث مع والدها لأجل خطبتها لكن ما هذا الذي يسمعه .. هل ممكن أن يكون هذا مجرد قناع لقذارتها…
شعرت غصون بتية واتسعت أعينها وهي ترى أن الجميع يقف يشاهد ما يحدث .. حازم .. أروى .. صبا التي تبكي .. وأسيل..
وزيزي هانم التي أتت تشهد تلك الفضيحة..
وأخيـــــــــــرًا عُـــــــدي الذي يقف كمن سقط عليه دلو ماء مثلج…
نطقت بعدم فهم:-
_إنتَ بتقول أيه يا أستاذ أحمد .. رسايل أيه .. أنا مش فاهمة إنت بتتكلم على أيه..
_بلاش وكفاية تمثيل يا غصون إنتِ بقالك فترة بطاردني وأنا شوية أتجاهلك وشوية أمسح رسايلك وزهقت أكلمك بالذوق لكن مفيش فايدة .. إرتاحتي لما صبا شافت الرسايل وفكرت إن بينا حاجة .. ليه بتعملي كدا ..
قولتلك مية مرة أنا مش بحبك ولا هحبك…
_رسايل أيه .. أنا مبعتلكش حاجة ولا عمر كان في كلام بينا .. إلزم حدك يا أستاذ..
أخرج هاتفه ومده لها بغضب:-
_أمال أيه ده .. عفريت إللي بعته ولا أيه..
نظرت على شاشة الهاتف وكانت صاعقة… رسائل عديدة غرامية وغير أخلاقية من حسابها الشخصي على برنامج ماسنجر مُرسلة لأحمد..
هزت رأسها نافية وقالت:-
 
 
_أنا مبعتش حاجة ولو سمحت إلزم حدودك يا استاذ أحمد وبلاش تظلمني وتدخلني في ألاعيبك .. أنت واثق من جواك إن أنا مبعتش حاجة..
_أمال أنا بتبلى عليكِ ولا أيه يا أستاذة..
بكت صبا وقالت تنتحب:-
_ليه كدا .. أنا عملت فيكِ أيه علشان دا كله ليه تعملي كدا وتخونوني من ورا ضهري..
اقترب حازم وسحب الهاتف من يد أحمد لتقع أعينه على تلك الرسائل فيغمض أعينه بصدمة حقيقية..
فتحت غصون هاتفها وبحثت في المحادثات فلم تجد شيء ..
كتبت أسمه في قائمة البحث وخرج أمامها ضغطت على أيقونة إرسال رسالة فوجدت الرسائل مرسلة من حسابها لتصعق أكثر …
كيف هذا؟!
هي لم تُرسل تلك الرسائل..!!
سحب حازم هاتفها ليتأكد فمن الممكن أن يكون حسابها قد تم تهكيره أو شيء من هذا القبيل..
وجد الرسائل مرسله من الهاتف ولم يحدث شيء..
نظر لها بخيبة وقال بغضب:-
_إزاي أنا كنت مخدوع فيكِ .. إمبارح لسه طالب إيدك من والدك بس الحمد لله إن ربنا بين وظهر حقيقتك قبل ما تحصل أي حاجة .. كانت هتبقى أكبر غلطة في حياتي..
بجد أنا مصدوم فيكِ … بلغي والدك إن كل شيء نصيب..
ورحل تحت صدمة عُدي الذي صُعق أكثر من كلمات حازم..
هل كان هناك أخر يريدها زوجة وسبقه …
إذًا هذا معني حلمه..!
أما غصون ابتسمت بداخلها وأيقنت أن تلك الإجابة الربانيه..
تعلم أن خلف ما يحدث درس كبير..
تلك إرادة الله .. الله يعلم أنها لم تقم بهذا ولم تفعل شيء..
هذا قدر .. الله سيخرجها من هذا الكرب وسيرد هذا الظلم عنها….
اقتربت زيزي وقالت بحزم:-
_المسخرة إللي بتحصل هنا مش هتعدي على خير …
وسحبت الهواتف لترى من إن كانت حقيقية..
وقالت:-
_دي مؤسسة محترم والسمعة عندنا أهم حاجة .. الوكالة في فترة عصيبة ومش مستاهلة حاجة..
غصون أكيد في موقف من كل ده .. بصراحة خيبتي أملي فيكِ ..
يلا كل واحد على شغله..
ثم رحلت بغضب تام…
رفعت غصون رأسها نحو أحمد وقالت بقوة:-
 
 
_تعرف مين هيجبلي حقي!!…
أنا متأكدة من غير ما أنطق كلمة واحدة الحقيقة هتظهر، مش هقولك عملت ليه كدا أو أيه غرضك..
بس الرد على الظلم ده وإتهامي في شرفي هيكون قاسي وهيخسرك كتير .. ربنا حرم الظلم على نفسه وحرمه بين عباده وأنا مش مسمحاك لأنك اتهمتني وحبكت لعبة عليا..
ربنا شاهد ووكيل .. وحسبي الله ونعم الوكيل .. إنت متعرفش قوة الكلمة دي أيه…
نظر لها أحمد باستهزاء ورحل بغل شديد..
رحل الجميع ومازالت تقف هي ثابتة تتنفس بعنف..
أدارت رأسها وبين جفونها بعض الدمع لتجده يقف ثابتًا في موضعه لم يتحرك وعلامات الصدمة مرتسمة على وجهه…
بالتأكيد صدق ما قال أحمد .. بالتأكيد سيقول ما يقوله الجميع..
اقترب منها حتى وقف أمامها ثم رفع رأسه لتستدير وتغمض عينيها بإنتظار إتهام قاسي ظالم مثل غيره..
قال عُدي بصدمة وهو لا يُصدق ما سمعه:-
_مــــعـــقــول إنـــتِ………….
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
_إنتِ معقول … كنتِ هتتخطبي .. يعني كان في حد متقدملك.. إزاي كدا .. أنا كدا فهمت كل حاجة..
بس خلاص معدتش ينفع ولازم مستناش أكتر من كدا..
توسعت عيون غصون بصدمة من هذه الجُمل الغير مترابطة وإللي ملهاش علاقة بالموضوع خالص، مقدرتش تفهم هو يقصد أيه..
_عن إذنك يا بشمهندس..
ومشيت على مكتبها ولسانها بيدعي إن حقها يرجعلها…
أما عُدي وقف مكانه وحاسس بتيهة كبيرة وخرج وهو مقرر هيعمل أيه..
وغصون إنتهت من عملها سريعًا وخرجت ذاهبة إلى زيارة مِسك والاطمئنان عليها…
✲✲✲✲✲✲✲✲
شعرت بالضيق من الجلوس في هذا المكان ووغزات الألم لا تبرح عنها..
_مالك يا مِسك .. في حاجة وجعاكِ؟..
_أيوا في وجع صعب أوي من الصبح..
وقفت والدتها وخرجت بلهفة لأحد الممرضات، قالت بلهفة:-
_بالله يا بنتي تنادي الدكتور عُبيدة مِسك موجوعة أووي..
قالت الممرضة:-
_الدكتور عُبيدة بيصلي والله يا خالتي عشر دقايق وهيكون هنا..
_طيب يا بنتي يارب ما يغيب أصلها بتتوجع أووي..
 
 
_دا طبيعي علشان عمليتها كانت مش سهلة، ربنا يشفيها ويعافيها يارب..
_يارب يا بنتي .. يارب..
دخلت للغرفة تاني وتأملت وجه مِسك إللي مرتسم عليه الألم الشديد..
_استحملي يا مِسك دكتور عُبيدة عشر دقايق وهيكون هنا..
قالت بغضب وهي بتتوجع:-
_أنا قولتلك مش عايزة أعمل عمليات وسيبني للموت بدل ما إحنا قاعدين تحت رحمة دكتور الهنا ده..
_اصبري يا بنتي واستحملي كدا .. ربنا يشفيكِ ويعافيكِ يارب..
ظلت تتلوي من الألم وهطلت الدموع من أعينها وقد شعرت بالألم يتمكن منها ولا تستطيع التحمل حتى أنفاسها قد ضاقت عليها…
_آآآه يااااارب…
وظلت تبكي بشدة وتنهج بسرعة قوية .. أصاب الذعر الخالة فادية وهي ترى ابنتها تنتفض..
دخل عُبيدة الغرفة مهرولًا ليراها في تلك الحالة أسرع نحوها لتقول والدتها بترجي:-
_بالله يا دكتور عُبيدة إلحقها أنا مش عارفة مالها..
_خير يا حاجة .. إهدى بس كدا مفيش حاجة هي بس بتدلع..
ومن وسط وجعها نظرت له بغضب وهو يستهين بألمها..
قال عُبيدة بجدية:-
_متركزيش في الألم وتوهمي نفسك لازم تتحملي وتواجهي الوجع..
كانت في قمة تعجبها من هذا الطبيب في وسط هذا الألم ..
كيف يقول هذا؟!..
قالت وهي تلهث من بين أنفاسها:-
_بقولك مش قادرة … الو..جع بيقتل…ني ..
بجد … إنت .. إنسان .. معندكش إحساس..
تجاهل فظاظتها وقال:-
_إنتِ إللي واهمة نفسك ومش بتساعدي نفسك على الشفاا
.. أنا قللت المسكن وهتواجهي نفسك وسيبك من الكبرياء ده..
لم تستطيع الرد وهي تنتفض وتلهث وهي ترى بأعينها أنها النهاية والألم يمزقها ومن حولها يشاهدون كأنه مسرحية هزلية…
أغمضت أعينها شاعرة بأن إدراكها يتراجع وتفقد وعيها هامسة:-
_أشهد أن لا إله إلا الله … وأن سيدنا محمد رسول الله..
وسقط رأسها في ظلام دامس..
وقف عُبيدة وهو لا يُصدق ما يرى في صدمة لا يتوقعها..
أما والدتها فصرخت صرخة شقت سكون المشفى وتخشبت على إثرها غصون التي تقف في الخارج…
✲✲✲✲✲✲✲✲
وصل عُدي أمام منزل غصون .. طرق الباب فقابله رجل عرف من مظهره أنه والدها..
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، خير يا ابني أقدر أساعدك في حاجة..
_دا بيت عم عبد القادر صح..
_أيوا أنا …اتفضل يا أستاذ..
دلف عُدي للداخل في حرج .. ثم جلس بهدوء ليجلس والد غصون أمامه بتعجب..
تنحنح عُدي وقال:-
_أنا بعتذر لو جيت لحضرتك من غير ميعاد يا عمّ عبد القادر
_ولا يهمك يا ابني أنا تحت أمرك…
 
 
ورفع صوته قائلًا:-
_الشاي يا أم غصون..
ابتسم حينما سمع اسمها وقال:-
_أنا اسمي عُدي الحصري عندي ٣١ سنة وبقالي ٥ سنين مسافر برا أنا ووالدتي لأن كنت بشتغل في شركة وحاليا استقرينا في مصر وبشتغل في أحد الشركات..
والدي الله يرحمه متوفي ومليش ألا أمي الله يبارك في عمرها…
_أهلًا وسهلًا يا ابني .. اتشرفت بيك..
_أكيد حضرتك مستغرب كلامي ودخلتي .. بس مفيش أفضل من الصراحة وأنا هكون صريح مع حضرتك وهحكيلك على كل حاجة ..
بصراحة كدا على سنة الله ورسوله أنا طالب إيد بنت حضرتك الآنسة غصون…
أنا من فترة كنت عايز أكلم حضرتك بس مكونتش أعرف العنوان أو رقمك..
تأمل والد غصون عُدي وسيمات الصلاح والإيمان المرتسمة على وجهه وطريقته المهذبة في الحديث معه..
شعر بالألفة لهذا الشاب وقبول لا يعلم سببه..
أكمل عُدي حديثه وقال:-
_أنا هحكي لحضرتك كل حاجة..إنت في مقام والدي الله يرحمه..
وبدأ يسرد له كل شيء .. رحلة أحلامه مع غصون ورؤيته لها أول مرة ومجاهدته في الثبات وفي الأخر وصوله لهنا وتجنب الموقف الذي حدث من أحمد وحازم..
رأى والد غصون الصدق والإخلاص بعينه، إنه يشبه ابنته غصون في كثير من الأشياء، حقًا ما بعد الصبر إلا الجبر..
– أنا اتشرفت بيك يا بشمهندس عُدي..
– ليه بشمهندس ما من البداية قولت ابني..
– أكيد طبعًا يا ابني، أنا هعرض الأمر على غصون ونتناقش وربنا ييسر يارب.
– أكيد يا عمي .. ممكن رقم حضرتك..؟
– طبعًا يا ابني .. اتفضل.
أملاه رقمه ليشعر عُدي بالراحة ثم استقام ومدّ يده يصافحه وقال:-
– أنا في الإنتظار يا عمي واتشرفت بحضرتك..
– عالطول كدا يا بني طب اتفضل اشرب الشاي طيب.
– مرة تانية إن شاء الله يا عمي، السلام عليكم.
-وعليكم السلام .. مع ألف سلامة…
 
 
وخرج عُدي ثم صعد لسيارته وهو يتنهد براحة فأخيرًا قد وقف على بداية الطريق إليها..
– يارب العالمين سهل الأمور واجعلها من نصيبي يارب..
سمع رنين هاتفه فأخرجه ليجد أنها مهاتفة من العمل حيث المتصل مدحت..
– السلام عليكم..
سمع صوت مدحت الغاضب يقول:-
_وعليكم السلام .. بشمهندس عُدي أتمنى تكون في الشركة في أسرع وقت ممكن لازم نحط حد للي بيحصل ده ولازم تكون متواجد .. أول مرة تحصل المهزلة دي في شركتي ومش هسكت أبدًا…
تعجب عُدي من غضبه وتسائل:-
_ خير يا بشمهندس مدحت في حاجة حصلت؟!
– لما تيجي يا بشمهندس عُدي.. أنا في إنتظارك.
– تمام دقايق وأكون عندك إن شاء الله.
أما في الأعلى كان والد غصون يروي لوالدتها كل شيء حدث وما قاله له عُدي..
– ما شاء الله يا أبو غصون أنا بصراحة مرتاحة أووي..
ثم صمتت وهي تتذكر حديث غصون عن ما حدث أمس أثناء مجيئها من المشفى وموقف عُدي معها فأيقنت أنه نفس الشخص.. ابتسمت بسعادة وقالت:-
– ربنا يجعل نصيبك حلو من كل حاجة يا بنتي..
ردد والد غصون بقلق:-
– بس متنسيش إن كمان في حازم يا أم غصون..
صمتت هُدى فكانت لا تُريد قول هذا قبل أن تأتي غصون لكن قالت بتردد:-
_بصراحة يا حاج عبدو غصون بعتت ليا رسالة من ساعة كدا وقالت إن كل شيء نصيب وحازم مش الشخص المناسب وهو بلغها بالكلمتين دول وقالها توصلهملك بسبب موقف حصل قالت لما ترجع هتحكي الموضوع من البداية..
– أيه الكلام ده يا هُدي .. مش المفروض دا كلام رجاله والأستاذ حازم زيّ ما كلمني المرة الأولى وكان كلام رجاله يكون بردوه الكلام ده بيني وبينه .. ماله ومال بنتي..
دا كلام يصح..
– إهدى يا أبو غصون .. أنا في البداية زعلت وقلقت بس رجعت قولت دا أكيد خير وربنا مش بيجيب ألا خير وأدي أول موقف منه بين سلوك مش كويس منه..
غصون هتيجي وتحكي على إللي حصل ونعرف الموضوع أيه علشان مانظلمش حد…
– الحمد لله يا هُدى كله خير أكيد …
✲✲✲✲✲✲✲✲
 
 
في هذا الأثناء كانت على وشك الدخول عندما سمعت الصراخ لكن أوقفها رنين هاتفها اللحوح..
أخرجت الهاتف من حقيبتها وتعجبت حينما وجدتها أروى..
– السلام عليكم..
– وعليكم السلام .. بقولك يا غصون لازم ترجعي الشركة دلوقتي ضروري في أسرع وقت..
خرجت من المشفى وتسائلت بقلق:-
_في أيه يا أروى .. أيه إللي حصل..
– لما تيجي يا غصون، المهم في أسرع وقت تكوني هنا .. الدنيا مقلوبة..
– خير يارب .. حاضر يا أروى في أسرع وقت وهكون عندك.. سلام ..
– سلام..
بعد أقل من نصف ساعة كانت تدخل من أبواب الشركة بقلق وأسرعت نحو الأعلى لتجد الكثير من أفراد الأمن منتشرين وموظفين الشركة متجمعين..
الهرج يسود الأرجاء ومدحت وزوجته يقفان غاضبان..
همست بإرتعاش:-
– بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم..
استرها يا الله وكن معايا ومتسبنيش..
 
 
تقدمت وتسائلت بعدم فهم:-
– في أيه .. أيه إللي بيحصل..
انتبه الجميع لها فالتفت عُدي نحوها ثم تقدم مدحت منها بغضب تام وخلفه زوجته مدام زيزي وترميها بنظرات خائبة غاضبة..
– في إنك حرامية ونصابة كبيرة ياللي عاملة شيخة وأنا مش هعمل حاجة ألا إن أسلمك للشرطة وبس……
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
رددت بدهشة:-
_نصابة!!!! أنا مش فاهمة إنتوا بتتكلموا على أيه، مش فاهمة حاجة؟!!!.
– بلاش تعملي نفسك بريئة .. إنتِ فاهمة كل حاجة كويس، التزوير إللي عملتيه في التصاميم وسرقة تصاميم الفريق بتاعك ونسبتها لكِ..
لم تكن ردة فعلها سوى إبتسامة عريضة وهي تسمع لتلك الألاعيب التي حيكت ضدها..
– تمام ماشي أنا مش هرد ومش هبرر بس عايزة أفهم تصاميم أيه إللي زورتها ونسبتها لنفسي ممكن أعرف النماذج دي وأصحابها بس وبعد كدا هسلم نفسي للشرطة مش هستنا لما حضرتك تجيبهم..
– بلاش مراوغة يا غصون .. تقصدي أيه..!
– أقصد إن صاحب التصميم مين وتقدري تسأليه عن تفاصيل التصميم الخفي وإللي ميقدرش يجاوب عنها ألا صاحبه..
كمان بقالي مدة طويلة بشتغل هنا وبدأت من الصفر والنهاردة بس ظهرت إن نصابة وحرامية!!
إنتوا مش ملاحظين إنها حاجة غريبة حبتين!!
قال أحمد بغضب علشان يشوش على المعلومات إللي بتقولها وإللي ممكن تقلب اللعبة كلها ولاحظ إن البعض بدأ يستمع لها:-
– ليه بتنكري وبتراوغي يا غصون أنا فعلًا مصدوم فيكِ بقالك فترة بتطاردني وبتحاولي توقعي بيني وبين صبا والنهارده أخدتي تصاميمها ونسبتيها لنفسك..
ومستخبية ورا ستار الدين والمشيخة بتاعتك دي..
 
 
كان عُدي واقف على أخره ومش قادر يستحمل كلمة زيادة بس انتبه لزيزي إللي تقدمت وقالت:-
– سمعة شركتنا مش مستحملة يا غصون وعلاقاتك العاطفية تقدري تمارسيها برا وتخدعي إللي إنتِ عايزاه..
ثم إلتفتت لِعُدي:-
– بشمهندس عُدي من النهاردة هنكمل من غير الآنسة غصون ونقدر نصفي كل شغلها .. ويلا الكل على شغله..
قالت غصون بقوة ودمها يغلي:-
– خليكم متأكدين إنكم ظلمتوني وادعيتوا عليا .. بس أنا واثقة إن الرد هيكون كبير أووي وكافي ليا..
نظرت لهؤلاء الثلاثي وقالت:-
– أحمد وصبا وأسيل .. ربنا عزيز منتقم وحرم الظلم على نفسه وحرمه بين عباده .. أنا مش هدافع عن نفسي لأن مش معايا أي دليل ضد كلامك بس ربنا مُطلع وهو يكفيني…
وعلا صوتها وهي تقول بقوة ويقين ينضح من صوتها:-
– يارب هما ظلموني وإنتَ شاهد ووكيل ومستمع ورقيب..
يارب خدلي حقي وإظهر الحقيقية..
حسبي الله ونعم الوكيل..
نظرت لها صبا بإحتقار بينما شعر أحمد وأسيل بالإنتصار وقد غفلوا عن قدرة العزيز الجبار..
جاء الجميع ليرحل لكن قال عُدي بصوت مرتفع قوي:-
– الساعة دلوقتي 3 ونص .. على الساعة 4 الكل يتجمع في نفس المكان ده .. وأنا هقولكم عقاب الآنسة غصون أيه ومصيرها معانا أيه .. وصدقوني هتبقى مسرحية ممتعة جدًا أتمنى محدش يمشي لأن هتستمتعوا جدًا…
ورحل حيث مكتبه…..
كانت غصون في حالة من الصدمة الشديدة لا تُصدق ما سمعت أهو الآخر أيضًا؟!…
أما صبا وأسيل فنظروا لبعضهم البعض وابتسموا بخبث..
– مش قولتلك مش هيبص في وشها تاني عيب عليكِ يا بنتي..
– تسلم دماغك يا بت يا صبا .. يلا بقاا إلحقي اتقربي منه ودُقي على الحديد وهو سخن..
– أصبري بس على إللي هعمله .. يلا روحي على المكتب وأنا هشوف شغلي معاه..
– يا جاااامد الله يسهلو ….
سارت صبا نحو مكتب عُدي وهي تمثل البكاء والمسكنة تحت نظرات غصون التي بالكاد تقف على أقدامها..
طرقت صبا الباب ثم دخلت دون أن تنتظر الرد…
– مستر عُدي .. ممكن أدخل.
– اتفضلي يا أستاذة خير في حاجة..
سارت حتى جلست على المقعد المقابل وهي تزيد في البكاء وتشهق بحدة .. شعر عُدي بالدهشة والحيرة..
– خير يا أستاذة في أيه!
انزعجت من حديثة الجاف لكن لن تستسلم:-
– أحمد كان اتقدملي وطلب إيدي من بابا .. وغصون كنت بعتبرها أختي…
وزادت في البكاء:-
– الناس إللي كنت بثق فيهم خدعوني.. أنا كنت عملت أيه علشان دا كله .. أنا مستحقش دا والله…
وبعد دا كله تدمر شغلي وتقول عليا كلام مش كويس لأحمد..
أنا كنت عملت في غصون أيه دا أنا بحبها حتى..
 
 
أنا مش هتنازل عن حقي يا مستر عُدي..
شعر بحيرة كبيرة لا يعلم ما يفعل، أفعى ناعمة ماكرة حاكت لعبة قذرة مثل أفكارها..
قبض يده وقد برزت عروقه وقال بغضب:-
– وعد شرف بعد أقل من نص ساعة يا آنسه كل الحقوق هترجع لأصحابها والكل هياخد حقه..
شعرت بالإنتصار والأمل فقالت وهي تنظر له عَله يرفع أنظاره بها لكن هيهات..
– ميرسي جدًا لحضرتك يا مستر عُدي، أنا بجد مش هنسى إللي بتعمله ده أبدًا..
عن إذنك..
– اتفضلي..
ثم همس:-
– صدقيني مش هتنسيه أبدًا….
بينما غصون فخرجت نحو الشرفة الزجاجية الخالية وجلس أرضًا ثم سمحت لنفسها بالبكاء ورفعت رأسها نحو السماء وقالت:-
– وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرُ لكم..
أنا واثقة فيك وعارفة إنك هتظهر الحق ومش هتسبني هو إنتَ أصلًا إمتى سبتني..
تعرف أنا عارفة إن دي كلها تكفير عن الذنوب وحسنات ليا من غير تعب، إنت عادل يا الله ومش بترضى بالظلم..
بس الحمد لله أكيد إنت بتعلمني درس وأنا راضية يا حبيبي ومش زعلانة يارب..
أنا أهم حاجة عندي إنت بس متزعلش مني وتكون راضي عني وبعد كدا كل حاجة في الدنيا تخفى في داهية..
ااه صحيح بشكرك يارب إن عطتني الإشارة على الموافقة ولا لا على حازم .. كنت متأكده إنك هترد عليا..
أنا مستحقش الحب واللطف دا كله يارب، إنتَ رحيم بيا يارب وأنا بحبك أووي والله .. متزعلش مني…
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى..
أخرجت مصحفها بحماس وهي تمسح دموعها واحتضنته بحماس ثم قبلته وهي تقول:-
– تعرف أنا برتاح أووي لما بحضنك وببوسك أووووي…
إنتَ صاحبي ولما بقرأ كلام ربنا برتاح وبيبقى جوايا شغف وحماس أعمل أي حاجة..
كل حاجة هتبقى بخير .. الله لن يُضيعنا أبدًا..
طالما أنا مع ربنا أكيد ربنا معايا ومش هيسبني أبدًا صح..
يلا أما أقرأ شوية على ما البشمهندس عُدي يخترع حاجة جديدة يقولها بس طبعًا أنا قوية بالله…
وأكملت لنفسها:-
– إهدي يا غِصن كل حاجة هتبقى بخير يا بت..
✲✲✲✲✲✲✲✲
فتحت عيونها بتعب وإجهاد ونظرت حولها بتعجب…
هرولت والدتها نحوها تقول ببكاء:-
– مِسك يا بنتي إنتِ كويسة يا حبيبتي..
همست بتعب وهي تنظر لعُبيدة الذي يفحص بعض القيم بحرص:-
– بخير الحمد لله يا ماما..
اقترب العمّ سيد يقول بحزن:-
– وقعتي قلبنا يا مِسك .. كدا ينفع..
– حقك عليا يا بابا، أنا آسفة..
صمتت وهي تتذكر هذا الحلم الذي شعرت أنها عاشت بداخله أيام وليست بعض الدقائق فقط..
شردت وهي تتذكر تفاصيله فكان بمثابة إنذار لها لتستفيق من غفلتها..
قال عُبيدة بحاجبان معقودة:-
 
 
– أنا مش هسمح بالتراجع دا يتكرر تاني يا آنسه مِسك..
فوقي شوية من الأوهام وإطارات الحزن والكئابة إللي معيشه نفسك جواه ده..
بدل ما تقولي الحمد لله وتحسني الظن فيه يكون دا ردك .. السخط .. رامية ودنك لكلام ملوش أي معنى .. ربنا قادر على كل شيء والرزق بإيده مش بإيد الناس وإللي بين أيادي الرحمن مش بيتوزع بقوانين الناس..
إرضي بكل إللي ربنا يكتبه واعتبريه رسالة لكِ وأكيد هو أرحم بيكِ من أي حد…
كان يظن أنها ستوبخه وتلقي بسمومها بوجهه مثل كل مرة لكن اندهش فعلى العكس تمامًا غامت أعيونها بالدموع وأخفضت رأسها بخزي حقيقي…
– عندك حق يا دكتور .. الحمد لله على كل شيء..
هبدأ أتابع علاجي بإنتظام ومن غير تقصير بإذن الله..
كان عُبيدة في حالة صدمة فتلك النمرة الشرسة لا يصدر منها أي زمجرة تلك المرة..
همس بداخله:-
– مالها البت مستكة دي أيه إللي حصلها .. هو الإغماء أثر على دماغها ولا أيه!!!!
ابتسمت والدتها ووالدها وتنهدا براحة ثم رددت الخالة فادية:-
– ربنا يهديكِ يا مِسك يا بنت بطني…
نظر لها عُبيدة بحنان وردد سرًا:-
– يلا شدي حيلك يا مِسكِي علشان نتجوز بقاا وأكمل نص ديني…
✲✲✲✲✲✲✲✲
في تمام الرابعة 4 كان الجميع مجتمع وهم يستعدون لمشاهدة تلك المسرحية التي ستقام..
حضرت صبا وأسيل وأحمد وهم في حالة إنتشاء وينتظرون إهانة أخرى لغصون..
– أهي البومة وصلت أهي .. وهنا هيدق أخر مسمار في نعشك يا تيتا غصون..
– أهه شوفي شكلها عجوز إزاي وهدومها مهروله بجد شكلها مقرف جدًا…
– عاملة نفسها الخضرة الشريفة وهي من جوا أقذر خلق الله..
– خلاص هتغور في داهية تاخدها…
وقفت غصون في حالة من الثبات والثقة ورأس مرفوع وهي تتجنب همس الآخرين…
كانت زيزي تقف في ضجر ومدحت أيضًا..
قدم عُدي وهو يحمل في يده شيئًا ما وخلفه السكرتير الخاص بمكتبه..
وقف في المنتصف لينظر له الجميع بترقب..
 
 
قال مدحت:-
– أيه إللي إنتَ عايزنا فيه يا بشمهندس عُدي وأيه القرار إللي من وجهة نظرك غصون أحق به…
رفع عُدي أنظاره نحوها ثم قال بصوت أجش:-
– لازم تسمع إللي عندي وبعد كدا إنتَ حُر يا مدحت باشا..
آنسه غصون فعلًا مش هتستنى في الشركة دي دقيقة واحدة ولازم تمشي من هناااا…….!
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ملئت الفرحة قلب العقربتان وأحمد عندما سمعوا هذا الحديث من عُدي..
– مش قولتلك خلاص دي نهاية البومة غصون..
– بصراحة مش مصدقة نفسي.
أمّا غصون فكانت ثابتة راسخة بفضل حُسن ظنها بخالقها وبقت تُشاهد فقط..
قال مدحت برضا:-
– دا المفروض إللي يحصل يا بشمهندس عُدي، الله ينور عليك.
سار عُدي بصمت حتى وقف أمام شاشة عرض رئيسية ثم قام بتغير البرنامج المُكرر ووضع شريحة صغيرة بجهازٍ ما..
– أيوا فعلًا كلامي صح بس تسمع كلامي للأخر يا مدحت باشا..
نظر الجميع بتعجب ينظرون لبعضهم البعض..
وقال عُدي:-
– الحقيقة إن شركتك العظيمة ومؤسستك المبجلة بيحصل جواها مكايد وخطط على أعلى مستوى .. في هنا خبراء في نصب الفخاخ..
أصابت الحيرة الجميع وبالأخص أحمد الذي تسائل بتوتر داخلي:-
– قصدك أيه يا بشمهندس ممكن توضح كلامك .. وأكيد النصاب الوحيد إللي هنا بتكون غصون…
– هنعرف يا أستاذ أحمد دلوقتي .. بس تعرف ربنا كبير أووي ومش بيطلع حاجة في دماغ الإنسان كدا والسلام..
صدق رب العزة حين قال “إن ربك لبِالِمرصاد”
 
 
استدار لمدحت وقال:-
– لما استدعتني لهنا وقولتلي إنك عايز تنهض بالشركة وتغير من أسلوب التصميم وإن عندك لغبطات كتيرة وأخطاء مش عارف لها حلّ …
لما أنا وصلت هنا أول حاجة عملتها إن مريت على أقسام التصميم والتنفيذ وبصراحة لقيت الدنيا سايبة جدًا ومفيش أي ربط .. وأول الأخطاء يا بشمهندس مدحت إن إزاي مكاتب المصممين المشتركة مش فيها كاميرات مراقبة ودا يعتبر أهم مكان في الشركة وأهميته لا تقل عن قسم الحسابات..
ودا أول غلط أنا صححته والحمد لله إن عملت كدا ودا إرشاد من رب العالمين مش شطارة مني ولا حاجة…
اصفرت وجوه كلًا من أحمد وأسيل وصفا وأدركوا أن هناك من كشف مكائدهم..
ابتسم عُدي برزانة وقال:-
وبدون ما أرجع لحد هنا استدعيت المسؤول وتم وضع كاميرات مراقبة خفية في جميع المكاتب..
المطلوب بقاا .. هينعرض دلوقتي قدامكم فيلم هندي من طراز خاص عايز حضراتكم تستمتعوا بالمشاهدة وهتعرفوا مين النصاب والكذاب هنا…
ضغط على أحد الأزرار فأضاءت الشاشة بمقطع فيديو داخل مكتب غصون وأسيل وصبا وأحمد..
انتظارهم لغصون حتى خرجت وترقبهم لها ثم فتحهم لهاتفها المحمول ومراسلة أحمد لصبا التي قامت بدور غصون من خلف الشاشة في إرسال رسائل بشعة قبيحة مثلهم…
ثم توالى بعد ذلك مقطع أخر وهم يدسون في مكتبها مع تصاميمها تصاميم أخرى مزورة وأخرى خاصة بصبا..
وجميع المكائد التي حاكوها ضدها…
خيم الصمت على المكان وهم يرون تلك الخطط الشيطانية..
أما الثلاثي الشياطين فوقفوا عاجزين عن النطق وكأنهم انفصلوا عن الواقع …خابت أمالهم وتهدمت خططتهم..
وقفت المدام زيزي خجلة من غصون وتنظر لكلًا من أحمد وصبا وأسيل بغضب شديد وعقلها لا يصدق ما كان يحدث بداخل مؤسستها وكأنها تشاهد فيلمٌ هندي حقًا..
بينما غصون ظلت على هدوءها وابتسمت برضا وهي ترى كيف نفض عنها تلك الأكاذيب بتسخيرٍ من الله..
تخجل من نفسها على الظنون التي اعتقدتها ضده..
حقًا هو شخصٌ مختلف..
تقدمت وقالت بهدوء:-
– مدام زيزي الصبح هتكون استقالتي على مكتب حضرتك للأسف مش هقدر أكمل مع حضرتك ولا أبقى في المكان إللي إتهان في كرامتي، أنا صدمتي فيكم أكبر من صدمتي في صبا وإللي معاها على الأقل كنت عارفة إن هما بيكرهوني..
كنت معتقدة إن إللي بينا مش مجرد شغل وبس لأن كنت بتعامل معاكم بكل وِد وتقدير ومعتبرة الجميع أخواتي..
بس يبدو إن الناس مش بيهمها ألا مصلحتها فقط لا غير..
نظرت لهم ثلاثتهم وقالت:-
– مع كل الأذية إللي كنت بتسمعوها ليا كل يوم بس عمري ما كرهت حد فيكم .. عدل ربنا كبير أووي وبجد أنا شفقانه عليكم..
قال مدحت متأسفًا:-
– آنسة غصون أنا بعتذر جدًا .. حقك هتاخديه بس خلينا نصلح إللي حصل ونحل كل حاجة بينا من غير إستقالة ومندخلش الشغل في الموضوع..
– إشمعنا دلوقتي مندخلش الشغل في الموضوع يا أستاذ مدحت ومن شوية حضرتك كنت هتجيب الشرطة..
إنتَ في عمر والدي متعتذرش وأنا مش هرجع أبدًا عن قراري زي ما بشمهندس عُدي قال فعلًا أنا مليش مكان في الشركة دي ومش هبقا فيها يوم زيادة … وأنا مسامحة حضرتك..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ثم استدارت راحلة وهي تقول:-
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
– مدحت بلغ الشرطة علشان يجوا يشوفوا الفيلم إللي عندنا ده ويتفرجوا على المواهب..
اتصدم أحمد وصبا وأسيل وإللي كانوا ناوين يعملوه في غصون دار وحصل لهم هم…
التفت أحمد حوله بتوتر ثم وفجأة عندما شعر أن البساط ينسحب من تحت أقدامه..
هرول يجري نحو مخرج الشركة…
اتصدمت صبا وأسيل لما شافوه بيهرب وسابهم في موقف زي ده ..
ناد مدحت بصوت مرتفع على الأمن:-
– امسكوه … وقفوه بسرعة بيهرب..
أسرع رجال الأمن خلف أحمد الذي أخذ يركض بتيهة كبيرة شرع يعبر الطريق السريع ولم يلحظ تلك الشاحنة المسرعة..
حاول السائق الضغط على المكابح مسرعًا لكن كان قد فات الأوان واصتدم جسد أحمد بالشاحنة بقسوة شديدة..
المنظر مروع مهيب يجعل الأبدان تتخشب..
سكن كل شيء فجأة وتجمهر الناس بعدما سقط أحمد جثة هامدة غارق في بحرٍ من الدماء…
✲✲✲✲✲✲✲✲
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام، الحمد لله على سلامتك يا غصون.
– الله يسلمك يا ماما.
اترمت على الأريكة بإرهاق فجلست والدتها بجانبها لتتسائل غصون بتعب:-
– المغرب باقي عليه قد أيه ويأذن؟
– خلاص مش باقي ألا ربع ساعة خلاص هانت..
– الحمد لله ربنا ييسر..
 
 
– أيه شكلك مهبط خالص.
– أيوا تعبت جدًا النهاردة وكان يوم مليان مشاكل بس الحمد لله عدا على خير..
– خير يا غصون! .. وأيه الموضوع إللي قولتلي عليه في الرسالة ده .. احكيلي يا بنتي أنا مش فاهمة حاجة خالص..
– هحكيلك على كل حاجة يا ماما بس أفطر الأول وهقولك على الموضوع كله.
– طب أنا هحضر الفطار على ما تغيري هدومك..
– تسلمي يا هدهد هتاخدي أجر إفطار صائم يا بختك يا عم..
– ربنا يتقبل يا حبيبتي..
– أمال فين بابا يا هدهد..
– نزل لصلاة المغرب وعلى فكرا هو عرف بموضوع حازم والرد إللي قالهولك .. حصل موضوع كدا واضطريت أقوله يا غِصن..
– خير يا ماما أيه إللي حصل؟!.
– قولتلك لما تفطري في كذا موضوع هنتكلم فيهم..
ثم ابتسمت لها وقالت بسعادة:-
– بس خير أووي يا غصون..
ابتسمت غصون ودخلت الغرفة وهي تردد أذكار المساء وقالت:-
– يارب يا أمي…
نظرت للسماء وابتسمت بأعين مليئة بالدموع ثم قالت:-
– الحمد لله يارب .. على الرغم من كل إللي حصل النهاردة بس كان قمة الخير .. أنا راضية يارب العالمين راضية جدًا أكيد دا كله خير وإنت دفعت شر عني..
تنفست بعمق وقالت بصدق نابع من قلبها:-
– تشاء يا الله وأرضى فأنت أحن وأرحم وأدرى..
– إنت سخرت المهندس عُدي النهاردة علشان يكشف كل الحقيقة وبينت ليا حاجات كتير أنا مكونتش واخدة بالي منها وأولها إن كنت ظلماه بتفكيري عنه..
سامحني على أخطائي وذلاتي يا الله..
بدلت ملابسها ثم أخرجت دفتر صغير لها وكتبت بخط عريض ..
” إذا كان المانع من عند الله فهو قمة العطاء.”
وفي منزل عُدي وبنفس الوقت بدل ملابسه واستعد للخروج لصلاة المغرب لكن قبل ذلك أخرج دفتر صغير وكتب بخط عريض..
” – وكيف حالك معها؟!
= ليس لي بها صلة, سوى أنني أُحدث الله عنها واطلبها منه في كل ليله, لا! بل في كل سجدة، فهي حقًا لا يليق بها إلا حلالًا.”
ووضع القلم على الدفتر ثم خرج لصلاة المغرب وهو يحمل تمرتان بجيبه…
********************
 
 
وضعت أكواب الشاي أمام والديها ثم جلست أمامهم بهدوء..
– خير يا غصون قوليلي يا بنتي أيه إللي حصل.!
– أنا سبت الشغل يا بابا..
تعجب في البداية لعِلمه أهمية العمل بالنسبة لها ومدى سعيها وتعبها للوصول لهذا الحد لكن لن تفعل غصون هذا من فراغ..
تسائل قائلًا:-
– أكيد في سبب يا غِصن إحكيلي يا بنتي ..
بدأت تسرد الأحداث من البداية وسخرية أصدقائها وتنمرهم وكيف كانت تتجاهلهم مرورًا بما فعله أحمد من مكائد وموقف حازم الحاد وأخيرًا اتهامهم إياها بالسرقة والنصب وكيف كشف عُدي الحقيقية للجميع..
صُدم كلًا من والدها ووالدتها مما كان يحدث مع إبنتهم وهي لم تُبدي أي ضجر أمامهم دون علمهم..
– دا كله كان بيحصل وإحنا منعرفش يا غصون..
– ملوش داعي أقلقكم يا ماما بمشاكل تافهة زي دي أنا مكونتش بركز معاهم بس إللي حصل في الأخر مكانش ينفع يتسكت عنه..
– لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربنا على الظالم والمفتري يا بنتي ربك عادل ومش بيظلم أي حد يا بنتي وكل إللي حصل ده في خير لكِ واعرفي إن عوض ربنا كبير وبينسي كل الألام..
– ونعم بالله يا بابا..
– الحمد لله حازم شر وربنا بعده بما شاء وكيفما شاء..
– الحمد لله..
– اسمعي بقى إللي عندي .. وعايز رأيك..
– قول يا بابا..
 
 
– تعرفي مين كان هنا النهاردة؟!
– يا ترى مين؟!!!
– عُدي يا ست غصون..
رددت بصدمة وأعين متسعة:-
– بشمهندس عُدي… ليه وكان عايز أيه؟!!!!!!
– طلب إيدك يا غصون….
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
– بصراحة يا غصون الشاب محترم جدًا وإللي لفت نظري إن صادق وسيمات الطيبة وحُسن الخُلق والأخلاق واضحة على ملامحه .. الشاب جه وقال أنا فلان الفلاني وكل كبيرة وصغيرة في حياته قالها بس طبعًا قولت أقولك الأول قبل ما حتى يقعد معاكِ ونسأل عنه.
غرقت في بحر من الحيرة والتيهة .. ماذا تفعل وماذا تقول؟!
ولِما تلك السعادة الخفية التي غمرتها!!!
تخضب وجهها لسببٍ مجهول وتوترت لتقول مسرعة:-
– إللي إنت شايفه يا بابا وأنا هصلي استخارة بردوة ولو في خير ربنا هيقدمه ولو شر ربنا يبعده عني يارب..
ثم تحركت قائمة وهي تقول:-
– أنا هدخل بقاا بعد إذنكم عندي تصميم مهم هشتغل عليه..
واسرعت للداخل فابتسمت والدتها ثم نظرت لوالدها وقالت:-
– مشي في الموضوع ده يا أبو غصون والله أنا قلبي مرتاح..
– بصراحة أنا حبيته وارتحتله بردوة يا أم غصون، هسأل عليه وإللي فيه الخير ربك يقدمه..
– ربنا يسعدك يا بنتي ويرزقك بكرمه يارب يا غصون إنتِ تستحقي كل خير..
دخلت لغرفتها بأعصاب مهتزة..
– أنا متلغبطة أووي ومحتارة وحاسة إن غرقانة وحاسة بحاجات كتير مختلفة … رتبني يارب أنا تايهة..
ااه مفيش حاجة هتريحني ألا الصلاة .. صلي ركعتين كدا يا غصون وتوكلي على الله وخلي عندك يقين بالله ربنا مش هيجيب لكِ ألا كل خير صدقيني..
فردت سجادة الصلاة وبدأت تصلي ركعتين قضاء حاجة حتى يرتب الله دواخلها المبعثرة..
– يارب ارشدني للطريق الصح ومتسبنيش يا الله أنا من غيرك والله ولا حاجة، متوكله عليك ومليش غيرك … أنا لا أملك في نفسي شيء يارب ومش معتمدة على نفسي في حاجة..
تعرف يارب أنا مواصفات فارس أحلامي أيه..
 
 
نفسي يكون بيخاف منك يارب .. أيوا بيخاف منك وبيخاف من غضبك لأن لو خاف منك عمره ما هيزعلني أبدًا وهيحافظ عليا .. نفسي يكون همه الأول هو إنتَ يارب ويراعيك..
يكون هين لين وطيب القلب حسُن الخُلق والأخلاق يكون سند ليا بعدك يارب يكون مثل رسول الله حينما احتمت السيدة عائشة خلف ظهره خوفًا من أبيها..
يقومني نصلي ركعتين قيام ليل ويبقى إمامي ونقرأ مع بعض قرآن لغاية الفجر ونشجع بعض على تسميع القرآن..
دمعت عيونها وأكملت بحماس:-
– تعرف يارب أنا هكون صريحة ومش هكذب عليك .. أنا فعلًا نفسي في الحب والرومانسيات وكل الحاجات إللي بيقولوا عليها دي بس تكون في الحلال يارب..
بيتنا يكون كله طاعة وراحة ومودة مش شرط تكون شقة قد أيه ولا عفشها بكام لا يكفيني بيت دافي صغير زي بيتنا كدا..
رفيق يكون مُعين ليا على طاعتك أخذ بيدي إلى الجنة يارب مش يهمني لا وظيفته ولا شكله لا لا .. بس نفسي يكون بلحية خفيفة كدا..
يشوف عيوبي مزايا ويتقبل عاديتي المفرطة .. من الأخر يشوفني جوهرة ويكون يستحق قلبي إللي هيكون هو أول وأخر ساكنيه..
أنا بفضلك حافظت على قلبي يارب من كل المغريات وجاهدت علشان أطلع من المعركة بقلب طاهر .. نفسي أخوض كل المشاعر دي بس في حلالك يا الله وبرضاك..
أنا طبيعي كبنت نفسي أجرب دا كله ومش هكذب وأقول لا بس منتظره إختيارك إنت..
تعرف يارب يا حبيبي أنا واثقة بكل إللي عندك وراضية بيه..
اللهم أختار لي ولا تُخيرني…
تنفست بعمق وقالت وهي ترتب أوراقها:-
– أنا كدا إرتحت وقولت كل إللي جوايا .. أما كلامي معاك يارب بيريحني راحة وبيخليني قوية أووي..
أكمل بقاا المجموعة دي علشان أقدم في المسابقة دي وإن شاء الله فرصة أعوض بيها الوظيفة إللي طفشت منها..
✲✲✲✲✲✲✲✲
استيقظت تنظر بأرجاء الغرفة فلم تجد والديها..
اعتدلت على الفراش وهي تتنهد بحزن..
 
 
– أنا عارفة إن تعبتهم معايا نفسيًا وجسديًا وفكريًا كمان، يارب فكها من عندك وأخف علشان أشتغل وأقدر أساعد بابا وأشيل الهم من عليه ..
أنا مش وحشة والله يارب بس أنا مش بعرف أعبر وممكن أقول كلام أنا مقصدوش يمكن دا بسبب الظروف إللي مريت بيها والتعب والضيقة..
التنمر إللي كنت بتعرضله بسبب مرضي كان بيخليني حادة في كلامي وأسخط على كل إللي أنا فيه..
متزعلش مني يارب أنا راضيه بكل شيء والله، أكيد دا كله خير واختبار ليا بس أنا للأسف رسبت في الإختبار ده..
أنا مكسوفة منك يارب من بعد التفكير إللي كنت بفكره والحزن إللي كنت حاطة نفسي فيه..
على الرغم من إن كلام الدكتور عُبيدة إللي قاله كان قاسي بس كان هو الحقيقة .. هو قدر يقول حقيقتي في كام كلمة ولما فكرت وراجعت الكلام تاني عرفت فعلًا إن حطيت نفسي في دايرة من دايرتي..
ولما شوفت الحالات إللي أسوأ من حالتي كل يوم في المستشفى منهم أطفال ومنهم ناس كبيرة في السن ومع ذلك كلهم راضين وبيبتسموا وإللي بيموت وإللي مستنين يموت علشان يرتاح من العذاب .. وأنا هنا عملت نفسي في دور الضحية وصدقت شوية كلام ملهمش أي أساس من الصحة وعيشت نفسي في وهم فعلًا..
الحمد لله يارب .. أنا اتعلمت الدرس واتعلمت الرضا بيكون إزاي..
تذكرت هذا الكابوس الذي عاشته والذي كان بمثابة إنذار شديد اللهجة لها..
كانت تغرق في وحل أسود يكاد أن يبتلعها وأفاعي سوداء تلتف على عنقها وكأنها تلك الكلمات السامة التي جعلتها طوق حول عنقها وتبرر بها سخطها على القدر..
وضعت يدها على مكان الجراحة محل قلبها ثم قالت وهي شاردة:-
– يا بختك يا دكتور عُبيدة .. إنسان متزن وواضح إنه سعيد في حياته .. دكتور وليه مركز وكفاية إنه قريب من ربنا وراضي بحياته واضح عليه النور والرضا الصراحة..
كمان مثقف وناجح في شغله ..
يلا اسكتي يا مِسك وكفاية نق على الراجل هتجيبي أجله..
ربنا يوفقه ويرزقني يارب..
بإذن الله هشد حيلي وربنا يشفيني وأبدأ من جديد هركز في أخر سنة دراسة وأجيب تقدير حلو وكمان هكمل مسيرتي ..
أنا كنت ناوية أتخرج وبس كدا بس خلاص هنجح وأحقق ذاتي وكياني وهحضر ماجستير ودكتوراه كمان..
شكرًا يارب هعتبر دي رسالة وهتعلم من أخطائي..
جلس على مكتبه بتهالك يُفكر بطُرق شتى..
– هقول أيه .. ولا أجيبها إزاي .. مش عارف أفاتح أهلها في الموضوع دا إزاي..
قام وظل يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا وردد بتوتر:-
– بس يا عُبيدة دا مش وقته صح .. يعني مينفعش أفاتحهم في الموقف ده وكدا..
زفر وهو يشد شعره للخلف:-
– أووف والله ما بقيت عارف أعمل أيه .. أشوف الواد عُدي كدا خبرة وممكن يفيدني..
آآآه يا مِسك طفلة مشاغبة ومش عارف أعمل معاكِ أيه!!
دا حتى رصيدي معاها مش كتير خالص يعني يا عالم لو وافقت .. يا حظك البمبي يا عُبيدة هترفض بالثُلث..
✲✲✲✲✲✲✲✲
 
 
بصباح يومٍ جديد..
{واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فلا ينالُك عدوٌّ، ولا يصل إليك طاغيةٌ، ولا يغلبك حاسدٌ، ولا يعلو عليك حاقدٌ، ولا يجتاحك جبارٌ.
رددت غصون هذا قبل أن تدخل إلى غرفة المكتب…
– السلام عليكم.
وقفت المدام زيزي حينما رأت غصون تلج للغرفة وقالت بلطف:-
– وعليكم السلام .. اتفضلي يا غصون أهلًا بيكِ..
– أهلًا بيكِ يا مدام زيزي ..
وقفت غصون أمامها ثم وضعت على المكتب ورقة، وقالت:-
– استقالتي يا مدام زيزي .. كدا وصلنا لنهاية الطريق ومش هكمل معاكم الموسم الجديد أخر حاجة بينا كان التصميم الرئيسي..
توترت زيزي فهي تعلم مدى أهمية غصون لهم وما هي مهارة غصون بعملها، حاولت استعطافها وهمست:-
– خلينا نفتح صفحة جديدة يا غصون ونكمل مع بعض إحنا….
قاطعتها غصون بقوة:-
– الكلام ده بقاا مفروغ منه يا مدام زيزي .. كل شيء إنتهى ولو سمحتي متحرجنيش أكتر من كدا..
– بس يا غصون …
– مفيش بس يا أستاذة زيزي أنا مشواري معاكم لغاية هنا إنتهى عن إذنك هروح مكتبي أخد حاجتي…
وخرجت حيث مكتبها فلم تجد به سوى أروى التي هرولت نحوها فور أن رأتها..
– غصون إنتِ عاملة أيه وأخبارك.
– أنا بخير يا أروى الحمد لله إنتِ عاملة أيه وأخبارك.
– أنا بخير … بردوة هتمشي يا غصون..
– همشي يا أروى مقدرش أقعد هنا ولا دقيقة بس رقمك معايا وهتفضلي صديقة عزيزة عليا وهنتكلم عالطول وكمان هنتقابل..
– إنتِ من أنضف الناس إللي شوفتها في حياتي يا غصون ومصدقتش ولا كلمة من إللي سمعتها ولا شوفتها عنك..
ربنا يوفقك يارب وينصرك دايمًا.
احتضنتها غصون بتأثر وقالت:-
– وإنتِ من أطيب الناس والله يا أروى وبحبك في الله .. وربنا يسعدك دايمًا يارب في كل حياتك.
– ربنا أخدلك حقك يا غصون وحقيقي ربنا عقابه أشد .. أنا اتعلمت منك درس كبير أووي يا غصون أنا عيزاكي تعلمني كل إللي إنتِ عارفاه نفسي ابقى شبهك كدا..
انفجرت غصون في البكاء وزادت فصُدمت أروى حتى ظنت أنها قالت شيء خطأ..
– أنا قولت حاجة غلط يا غصون .. ليه بتبكي..
 
 
– علشان أنا مش حلوة وعلشان دا ستر ربنا إللي إنتِ شيفاه ده مش شطارة مني .. دا فضل الملك الواسع وعطاياه إللي ملهاش حدود …
نظرت لأعلى وقالت:-
– إنت بتجملني في عيون الناس رغم أخطائي .. نعمك مغرقاني يارب لو قعدت أحمدك عمري كله مش هوافي منها حاجة . الحمد لله على كل شيء..
– إنتِ إنسانة جميلة من جوا ومن برا يا غصون بجد يا بخت كل إللي إنتِ في حياتهم..
– خلاص بقاا يا روري هتكثفيني وهتخليني أنفش ريشي عليكِ..
– آآآه الدلع ليه ناسه يا ست غصون..
تسائلت أروى بحزن:-
– عرفتي إللي حصل لأحمد إمبارح؟
تغيرت ملامح غصون وقالت بإقتضاب:-
– لا..
– بعد ما إنتِ مشيتي إمبارح بشمهندس مدحت قال للأمن يبلغوا الشرطة وأول ما أحمد سمع كدا ولقى نفسه اتكشف طلع يجري برا الشركة والأمن طلع وراه يمسكوه بس وهو بيعدي الطريق عربية نقل كبيرة ضربته..
شهقت غصون واتصدمت ثم تسائلت بفزع:-
– طب هو ماات..
– حالته وحشه خالص واتنقل على المستشفى بس بيقولوا مفيش أمل في نجاته.
– لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. ربنا ينجيه يارب.
– والشرطة أخدت صبا وأسيل..
– يلا الله يسهل لعباده..
✲✲✲✲✲✲✲✲
– عُدي .. عُدي … عُـــــــدي..
نهض بفزع على نداء والدته .. ثم وثب من الفراش وأسرع للخارج..
– في أيه يا أمي.. مالك .. أيه إللي حصل..
– رزق ربنا واسع أووي يا عُدي .. ربنا كريم وعوضه ملوش زيّ..
تسائل بتعجب وهو يراها تحمل بعض الأوراق:-
– أنا مش فاهم حاجة يا أمي .. أيه إللي حصل؟!
قصدك أيه!!
مدت له الأوراق وقالت:-
 
 
– ورث أبوك الله يرحمه .. لقيت موظف جاي مع عمك نصر وبيقولوا أن أبوك الله يرحمه كان عامل كام مشروع قبل ما يموت مع بعض الشركاء وفضل المشروع في تزايد وكسب ما شاء الله وهما بلغوا عمك لأننا مكوناش هنا وهما كانوا بيدوروا على الورثة بس هو مقبلش يقولنا ولا يعرفهم طريقنا..
وقف عُدي مصدوم ولا يكاد يُصدق ما تقول واستفهم بتيهة:-
– عمي نصر؟! .. أيه فكروا بينا مش هو مقاطعنا!!!
– بيقول ضميرة صحي لما تعب ودور على مكانا لما عرف ان احنا رجعنا مصر وجاب الناس لغاية هنا..
شقيت ياامة يا حبيب أمك واتغربت واتعذبت لغاية ما وقفت على رجلك وكنا في أمس الحاجة لأي دعم بس الأبواب اتقفلت في وشنا وشوف بعد كام سنة حقك رجع .. وعوض عن سنين عمرك إللي اتبهدلت فيها ..
مترددتش وانت بتسحب نفسك من المشروع إللي كان بالنسبة لك حلم وسعيت علشانه كتير علشان تساعد راجل قليل الحيلة بنته كانت بين الحيا والموت واتكفلت بالعملية بنفس راضية .. والنهاردة ربنا يعوضك بأضعاف أضعاف الرزق ده..
ابتسم عُدي وقال بهدوء:-
– أنا معملتش حاجة يا أمي .. دا رزق الله وأنا مليش دخل فيه أنا مليش أي فضل على عمّ سيد وبنته دا فضل الله ياريت هم الدنيا كله فلوس يا أمي..
والله فلوس الدنيا ولا حاجة قصاد جبر خاطر إنسان أو فك ضيقة إنسان .. أنا أحسن من غيري مليون مرة يا أمي..
نعمة من الله إن لهاني بالشغل والتعب وضيق عليا في بداية حياتي علشان يجعل مني إنسان مش هقول صالح .. لا إنسان مقبول…
كان ممكن يحصل إللي أسوأ من كدا .. الكد والتعب دا فخر ليا وإنجاز لولاه مكونتش وصلت لهنا أبدًا..
رعاية ربنا كانت محوطانا يا أمي.. الكل قفل بابه في وشنا بس إللي أقوى وأكرم من الكل فتح لنا بابه أرحم الراحمين.
قبلت والدته جبينه ومسحت على رأسه قائلة:-
– بحمد ربنا إن رزقني بيك يا كبد أمك .. أنا فخورة بيك يا عُدي..
قبل يديها ورأسها:-
– أنا ولا حاجة من غيرك يا أمي .. إنتِ تاج راسي والسبب بعد ربنا سبحانة وتعالى في إللي وصلتله..
إنتِ لكِ حق في الفلوس دي وكمان هنروح زيارة لعمي نصر أطمن عليه وأصله وكمان ياخد حقه..
– ربنا يجبر بخاطرك يا عُدي .. كل إللي ليا ليك يا حبيبي..
بس قولي هتكلم والد غصون ولا أيه!
ابتسم بسعادة وقال:-
– ايوا هرن عليه أشوف الدنيا فيها أيه..
– مستعجل إنتَ أنا عارفة ..
– دا أنا طاير من الفرحة يا بيلا..
– ربنا يسعدك دايمًا يا عُدي …والله أنا فرحانة أكتر منك ومستعجلة أضعافك..
– هانت يا بيلا هانت .. أما أشوف عم عبد القادر هيقول أيه..
رفع هاتفه يتصل بوالد غصون فأتته الإجابة ليقول بتهذيب:-
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
– وعليكم السلام مين معايا ..
– أنا عُدي يا عم عبد القادر..
– أهلًا إزيك يا ابني عامل أيه..
– الحمد لله بخير يا عمي .. إن شاء الله أجي أشرب الشاي معاك إمتى؟
ضحك والد غصون وقال بمرح:-
– ليه الاستعجال ده يا عُدي بس..
– خير البر عاجله يا عمي ولا أيه..
– ماشي يا سيدي .. إن شاء الله تشرفنا يوم الجمعة على بعد صلاة العصر كدا..
– ربنا يباركلك يا عم عبد القادر .. دعواتك بقاا..
ضحك والد غصون وقال:-
– ربنا يسهلك يا عم دا إنت حالتك صعبة..
– جدًا يا عمي ومتأخرة خالص..
وانتهت المهاتفة على هذا النحو ليُحلق عُدي في السماء ويدعو الله أن يسهل له الأمور ويجعلها من نصيبه…
✲✲✲✲✲✲✲✲
داخل زنزانة مُظلمة ينبعث منها ضوء أصفر خفيف وبها عدد لا بأس به من السجينات منهم صبا وأسيل اللتان يجلسان وعلى وجههم غضب العالم أجمع..
قالت أسيل بغل وهي تنظر لصبا:-
– كله بسببك وبسبب كرهك للبومة دي إنتِ إللي ورطتيني معاكِ بسبب غرورك..
وثبت صبا واقفة وقالت بصوت مرتفع:-
– دي كلها أفكارك الغبية إنتِ هتعملي نفسك بريئة ولا أيه..
إنتِ نسيتي غيرتك منها ولا أيه وإنك عايزة تاخدي مكانها..
متحطيش فشلك عليا..
غضبت أسيل وهي تدرك أنها خسرت كل شيء حتى أهلها قد تخلو عنها:-
 
 
– إنتِ إللي فاشلة وإلزمي حدودك يا صبا علشان معملش وشك إللي بتتباهي بيه دا خريطة وأعلمك الأدب..
هبطت صبا بيدها على وجه أسيل وهجمت عليها:-
– تربي مين يا بت إنتي … لتكوني نسيتي نفسك دا إنتي كنت ماشية ورايا زي الخدم..
تشابكت معها أسيل وأخذت تجذب شعرها وتقطع بشرتها باظافرها بينما بقية السجينات تشاهد هذا الصراع بحماس..
أسقطت صبا أسيل وجلست فوقها وهي تبرحها ضربًا والأخرى تقاوم وتقاوم..
ظلت أسيل تقاوم حتى قلبت الوضعية وجذبت شعر صبا تقطعه ..
ضربتها صبا بأقدامها حتى إرتدت للخلف..
وقفت كلًا منهما أمام بعضهم .. حتى هجمت صبا على أسيل تخنقها وتقبض على عنقها ..
ظلت أسيل تتلوى تحاول إبعادها..
– علشان تحرمي تعلي صوتك وتمدي كمان إيدك عليا يا كلبة..
لمحت أسيل قدر الزيت الساخن الموضوع أعلى موقد صغير بجانبها.. ظلت تعافر وتحاول مد يدها وهي تشعر أن أنفاسها أوشكت على النفاذ وأنها ستسقط لا محالة..
نجحت بإمساكه ثم وبقوة ألقت محتواه على وجه صبا التي صرخت صرخة رجت الأرجاء وسقطت وجلدها يذوب ويفنى ما كانت تفتخر وتتباهى بهِ ….
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
سريعًا أتىٰ يوم الجمعة مليء بأحداثه المُثيرة، كان التوتر يُحيط بغصون من كل جانب بينما عُدي فكاد أن يُحلق فرحًا ويتسارع مع الوقت ليمرُ سريعًا..
غصون جميلة رقيقة كأسمها لا حاجة لها بأدوات الزينة ومساحيق التجميل يكفيها جمالها ونقاءها الداخلي الذي طُبع على ملامحها فعكست براءة وجمال فطري..
لكن من صور العناية بنفسها روتين تقوم به كل جمعة من كل أسبوع .. تفرك خليط من السكر والعسل على وجهها ويديها كمقشر طبيعي تليه ببعض الماسكات..
جلست تقرأ سورة الكهف بتأني وخشوع ثم بعد إنتهاءها تنهدت وهي تقول:-
– يارب أنا كل إعتمادي عليك خليك معايا زيّ كل مرة، أنا بطمن وأنا معاك يارب، دلني وأرشدني للطريق الصحيح ونور بصيرتي يا أرحم الراحمين ..
من صور البر بأبنائي في المستقبل إن أختار لهم أب وراعي صالح يارب، أرزقني بالصالح والقائد إللي يربي جيل نافع ينفع أمة حبيبك محمد ويعنّي على طاعتك ويكون خير داعم وسند ليا..
 
 
تنهدت ثم أكملت:-
– كدا أنا خلصت كل حاجة…
– غصون إنتِ يا بت .. شوفوا البت بتهرب إزاي!
ضحكت حين سمعت تذمر والدتها فخرجت وهي تقول:-
– خير يا هدهد زعلانة مني ليش..
– يلا يا أختي بلاش شغل الدلع ده على أوضة الصالون إفرشي السجاد وامسحي القزاز يا هانم يلا معدش في وقت..
– أنا مش عارفة إنتِ هالكة نفسك ليه والله، وليه التعب ده أدي أنا بكره الموضوع ده علشان شغل شيل وحط ده … ماله بيتنا زي القمر أهو مش محتاج نضافة..
– اللهم طولك يا روح .. بطلي لماضة يا ست غصون واعملي إللي قولت عليه.
انحنت على رأس والدتها تُقبلها ورددت:-
– عيوني لكِ يا هدهد .. حكم القوي على الضعيف بقاا.
– طيب يا ست الضعيفة خلصي وانقلي على المطبخ اعملي العصير..
قالت غصون من داخل الغرفة:-
– حاضر يا هدهد حاضر..
انقضى الوقت سريعًا ونفذت غصون ما كلفتها به والدتها ثم فور أذآن العصر توضأت وأدت فرضها بإطمئنان مُحاولة تهدأت التوتر الذي هاجمها..
– يارب لا تتركني يا الله.
أخرجت من خزانة ملابسها دريس أبيض اللون مُطرز يدويًا عليه من أسفله للركبة غصون زيتونية يخرج منها ورود صغيرة، وعلى صدر الرداء نقوش من ورود رقيقة تم حياكتها يدويًا أيضًا وعند الخصر حزام رقيق من لألىء من البلور..
ختمت طلتها بإرتداء حجاب طويل أبيض اللون أيضًا وأسفله حجاب سوري مماثل للونه، ثم وضعت حول معصمها إكسسوار بسيط متراص به زينة على هيئة أحجار صغيرة لامعة تحمل ذات اللون الأبيض المفضل لديها..
كانت طلتها تشع نقاءً وجمال فطري غير ملوث بمساحيق التجميل وإنما قلبٌ مليء بالإيمان والطاعة انعكس على ملامح وجهها..
بعد مرور وقتٍ قليل سمعت طرق الباب فعلمت أنه أتىٰ..
ظلت تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا بتوتر بالغ وقد احمرت وجنتيها..
 
 
– يارب يارب متوترة أووي .. وقلبي بيدق بسرعة ومش عارفة أعمل أيه، مش بقدر أتحمل المواقف دي صدقًا بتبقى صعبة عليا .. بس إن شاء الله هتمر بلطف ربنا..
وقف أمام المرآة تتنفس بهدوء وقالت تحث نفسها على الثبات:-
– إهدي يا غصون وخليكِ ثابتة كدا .. هتعدي إن شاء الله إنتِ أقوى من كل المواقف دي..
يااه نسيت كل حاجة كنت محضراها علشان الرؤية الشريعة يا خسارة على الساعات إللي قعدت أسمع فيها الدكتورة هالة ودكتور محمد الغليظ..
هدخل مش هعرف أنطق أنا عارفة أنا بكما ومش وليدة اللحظة لا .. لازم أكون محضرة كدا ..
سحبت دفتر من على مكتبها وفتحته وأعينها تمر على بضع صفحات كانت الصفات التي تدعو بها الله وتتمنها لزوجها المستقبلي..
– يارب أنا عارفة إن الطريق صعب وإن إللي أنا عيزاه صعب شوية في الزمن ده .. لا الزمن ملهوش ذنب .. الذنب كله علينا..
مش إنت بتقول يارب ومن أراد مرادي أردت ما يُريد ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، أنا مش عايزة أتبع هوى نفسي يا الله أنا بس عايزة أرضيك ومش عايزة أعمل حاجة تغضبك يارب .. أنا عارفة إن البدايات بتبقى صعبة في كل حاجة .. أنا عايزة النهاية تكون مشرقة وإن كانت البداية مُحرقة ودا مش هيحصل ألا بعونك يارب..
أرشدني للطريق الصح ..
اللهم رفيق يأخذني إلى طاعتك، سند صالحًا يا الله إذا اعوجّت الخطوات أقامها.
أنا واثقة بإللي هيجي من عندك يارب، أنا عندي يقين إن خيرك قادم ولطفك شاملي..
اللهم اختر لي ولا تُخيرني، دبر أموري فأنا لا أُحسن التدبير.
سمعت طرقات على باب غرفتها فعلمت أنه حان الوقت..
دخل والدها وقال بإبتسامة حانية:-
– يلا يا غِصن تعالي يا حبيبتي.
وأمسك بيدها بحنان وحب أبوي لتظل تحمد الله على نعمة والدها، كم تشعر بالآمان وهو بجانبها .. اللهم إن هذا أبي عيني الثالثة ومأمني وضلعي الذي لا ينكسر فاحفظه ولا تدع سوءً يمسه..
تنفست بهدوء وهي تدخل الغرفة بجانب والدها لتقابلها عطره الذي ملء ذرات الهواء فيدق قلبها بقوة ثائرًا اخرسته بإستغفار خفي، وقالت بهدوء:-
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم يستطيع أن يصوب أنظاره تجاهها، لمح هيئتها بطرفٍ خفي فكانت شرارات النقاء تتناثر من حولها..
تنحنح ورد السلام بنبرة خشنة:-
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جلست غصون بمقعد مقابل لكنه ينأى بعيدًا بأحد الزوايا، ابتسم والدها وقال:-
– بشمهندس عُدي يا غصون، ودي ست البنات كلهم وحبيبة أبوها غصون يا عُدي .. أسيبكم أنا بقى علشان تتعرفوا على بعض..
وخرج والدها تاركًا الباب مفتوحًا وساد الصمت الأرجاء..
كانت تفرك أصابعها بتوتر وقد جف حلقها كصحراء جرداء وتُردد سراً ببعض آيات القرآن والذِكر وهي خافضة رأسها لم تجرؤ على رفعها..
بينما ابتسم عُدي ورفع رأسه تجاهها قائلًا بهدوء:-
– إزيك يا آنسه غصون عاملة أيه وأخبارك..
 
 
ردت بصوت منخفض هادٍ:-
– أنا الحمد لله بخير الحمد لله..
للمرة الأولى ينظر لها مباشرةً فأخفض عينه وأبعدها وهو بالكاد يُسيطر على هدر قلبه السعيد ..
أجلى صوته وهو يحاول كسر هذا الحاجز وقال:-
– أكيد إنتِ تعرفي عني المعلومات العامة بس إللي تخص الشغل .. أعرفك بنفسي أكتر..
أنا عُدي الحصري عندي ٣١ سنة وبقالي ٥ سنين مسافر برا أنا ووالدتي لأن كنت بشتغل في شركة وحاليا استقرينا في مصر واشتغلت زي ما إنتِ عارفة في شركة بشمهندس مدحت..
والدي الله يرحمه متوفي ومليش ألا أمي الله يبارك في عمرها…
– الله يرحمه يارب .. وربنا يبارك في عمرها..
– اللهم آمين، دا تقريبًا كل حاجة عني بصورة عامة، موصفات الزوجة بالنسبة ليا وعلى رأس مواصفاتي الدين.. تكون ذات خُلق ودين وتكون زوجة صالحة نكمل بعض وناخد بإيدي بعض لكل خير..
أعجبت غصون بهذا جدًا فهو يُشاركها تلك النقطة..
لكن هناك سؤال يلوح في عقلها تُريد معرفة إجابته وتعلم أن المقام ليس مُناسب له ولن تستطيع حتى طرحه، لكن الفضول يُثير عقلها به ..
لماذا هي؟! .. لماذا يُريدها هي بالتحديد؟!!!
تسائل عُدي بصوتٍ رخيم:-
– أيه هي المواصفات إللي بتتمني تكون موجودة في زوجك المستقبلي .. يعني نفسك يكون إزاي .. اتفضلي إسألي أي سؤال ..
وابتسم ثم أكمل بمرح:-
– أنا جاهز لأي إختبار يا آنسة غصون..
نمت على شفتيها إبتسامة ندية وأردفت بينما عُدي فانتبه بكل حواسه لها:-
– في الأول وأهم حاجة يكون همه الأول رضا الله .. يكون بيخاف من ربنا سبحانه وتعالى وبيخاف من غضبه لأن لو خاف منه وكان ربنا الأول في حياته عمره أبدًا ما هيزعلني وهتكون حياتنا أكتر من سعيدة..
يكون أعلى وأفضل مني دينًا وخُلقًا وأخلاقًا وياخد بإيدي لفوق ويساعدني على طاعة الله عز وجل ونتسابق فيها أنا وهو.. نفسي يصحيني كدا نصلي ركعتين قيام ويكون هو إمامي ويقومني لصلاة الفجر ونقرأ القرآن سوا ويسألني عليه عالطول .. لما أغلط في حاجة أرجعله ويدلي برأيه ويرشدني للطريق الصح ويكون رأيه أثق فيه..
يكون حليم وطيب القلب لين وهيّن عليا ومهتم لكل شيء يخصني..
 
 
أكيد الحياة مش بتفضل على وتيرة واحدة وبيبقى في منغصات كتير .. بس حتى نفسي وقت الغضب يكون حليم وحتى لو غضب مني ميعديش يوم ألا وكل حاجة عدت معاه وانتهت .. يُعاملني بالحُسنىٰ، ويَدفع أذى الدُنيا عني بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..
لم تُدرك أنها كانت تتحدث بحماس شديد وقالت كل ما بجعبتها..
بينما عُدي فكان يستمع لها بقلبه قبل أذنه .. وكلما قالت جُملة ازدادت وتوسعت إبتسامته وأيقن أن الله قد رزقه رِزق واسع وأنها نعمة تستحق الحمد..
لم يستطع التعليق على هذا الجمال سوى بقوله..
– ربنا ينفع بيكِ يارب .. طب عندك أي استفسارات أو أي أسئلة..
شعرت بالحرج قليلًا وقالت وهي تعلم أن الآتي لا ينال إعجاب الكثير:-
– أتمنى وبطلب من ربنا إن فترة الخطوبة ألتزم فيها بضوابط الخطوبة قدر الإمكان، علشان حياتي بعد كدا يكون كلها بركة، يعني مش عايزة أغضب ربنا في أقل الحاجات .. الطريق صعب وعايز قوة وعزيمة واستعانة بالله..
لأن فترة خطوبة لا تُرضي الله يبقى حياة زوجية لا تُرضي الزوجين..
إزداد إعجابه وتضاعف تعجبه منها .. حقًا تلك الغصون نجحت في إثارة عجبه..
همس سرًا:-
– دا إنتِ بحر ملوش حدود يا غِصن القلب، تستاهلي كل خير والله إنتِ كتير عليا..
قال عُدي:-
– ربنا يزيدك ويثبتك كمان وكمان .. دا الشيء الطبيعي والمفروض بس للأسف المجتمع شوه الصورة الطبيعية للخطوبة وابتدعوا حاجات الله المستعان .. الدين بريء منها..
وأكمل سرًا:-
– لازم أحافظ عليكِ يا أغلى جوهرة علشان متحرمش منك في الحلال وأحميكِ من نفسي من نظرة أو كلمة علشان متعاقبش بيكِ أو فيكِ .. وإن شاء الله مش هفتح باب للشيطان وهستعين بالله ومتيقن إن هيعيني..
تسائلت غصون هذه المرة:-
– لو حبيت أكمل تعليم في مجالي أو اشتغل وأطور من شغلي وابني كياني دا بالنسبة لك في مشكلة..
– أبدًا ومليش أي حق أمنعك من التعليم أو تحقيق حلمك طالما بما يرضي الله بل هقدملك كل السُبل إللي تساعدك وتدعمك إن شاء الله.
ابتسمت غصون وحركت رأسها بإيجاب، فتسائل عُدي:-
– طب أيه هي هوياتك بتحبي تعملي أيه في وقت فراغك وحلمك أيه.؟
– طبعًا أنا شغوفة جدًا بالتصميم وتخصصت فيه ودخلت المجال عن حب واقتناع بحب أصمم جديد وابتكر كمان بحب أنفذ النماذج إللي بصممها بإيدي لأن بحب الخياطة كمان أوووي ..
كمان بحب القراءة أووي في مجالات متنوعة وبقرأ في أوقات فراغي..
 
 
نفسي أحقق حلمي وهو إن أوصل رسالة لكل مسلمة في العالم إن الحجاب والحشمة عمرهم ما يمنعهم يظهروا بمظهر راقي وجميل، وأتمنى أقدم نماذج مختلفة وأنفع بمجالي كل بنات المسلمين .. أتمنى إن ربنا يستعملني ولا يستبدل بيا.
للمرة التي لا حصر لها تدهشه ولا يعلم كيف تفكر غصون! ويقف عاجز بالرد عليها..
تشعر أنه شيء في وجهة نظر البعض بسيط لكن بالحقيقة هذا هدف عظيمٌ جدًا ينم عن عقل واعٍ وقلب مُحب لله بصدق…
أطرق برأسه وقال بفخر:-
– إنتِ تستاهلي كل خير وبدعي ربنا إن يحققلك كل إللي تتمنيه..
ابتسمت وتسائلت بعدما بحثت بعقلها عن النقاط التي تريد السؤال عليها:-
– طب أخبار صلاة الجماعة أيه معاك .. وصلاة الفجر؟
تنهد وقال بصدق:-
– الحمد لله بفضل الله وحده هُديتَ إليهما اطمئني.
– الحمد لله.
دخل والدها وهو يتنحنح فأخفضت رأسها ثم خرجت على الفور بعدما طلبت الأذن..
اعتدل عُدي وجلس والد غصون يتحدثون عن بعض الأمور بعض الوقت ..
– عن إذنك يا عم عبد القادر هستأذن أنا بقى.
– مستعجل ليه يا ابني ما أدينا قاعدين.
– مرة تانية إن شاء الله..
– خير إن شاء الله يا عُدي..
ابتسم عُدي وقال بلهفة:-
– أنا هستنى رأي الآنسة غصون وادعيلي بقى يا عمي.
ضحك والد غصون على لهفته وتعجله وقال:-
– الله يكون في عونك يا عُدي والله إنتَ صعبان عليا ربنا يقدم إللي في الخير يارب..
ابتسم عّدي في حرج وجذب خصلاته للخلف ثم استأذن للرحيل وهو يقول:-
– يارب .. عن إذنك يا عمي السلام عليكم.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أغلق الباب من خلفه ووقف يقول:-
– بجد الولد صعبان عليا غصون بنتي هتبهدله أحلى بهدلة.
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
 
 
من بين الأجهزة الطبية والأدوية المختلفة والسكون الذي يعم أرجاء المشفى..
كان جسده مُمدد على الفراش يصارح الموت من غير وحول ولا قوة، يئن ألمًا وحسرةً وهو في عالم موازي..
من بين بين همساته الخافته وتمتماته الغير مفهومة استطاعت المُمرضة أن تفهم بعض الكلمات وتفك شفراتها وهي:-
– غصون … أنا عايز أشوف غصون .. جيبوها..
خرجت الممرضة وأخبرت أهله برغبته لينظر الجميع إلى بعضهم البعض بتعجب لكن بالنهاية قرروا تنفيذ رغبته..
وعلى أعتاب المشفى كان مجموعة من ضباط الشرطة يهرولون للداخل بصحبة “صبا” التي كانت تنازع واستقبلها الأطباء ليحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه…
بينما على بُعدٍ منهم بزنزانة منفردة كانت أسيل تلف بها بجنون وتصدم رأسها بالحائط تارة وتجذب رأسها تارة أخرى وتضحك بشكل مُخيف يُثير الذعر في النفوس..
أخذت تسير ذهابًا وإيابًا وهي تضرب الأرض بأقدامها وتضع يديها على رأسها..
اتسعت أعينها وهي تقول بجنون كمن مسه جان:-
– غصون … غصون … إنتِ لازم تموتي!
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
الـحـلـقـة الخامسة عـشـر* ’15’
-الــــخــــــاتـــمـــة- ج3
نسمات الفجر الباردة ضربت وجهها برِقة لتخلق بداخلها الحماسة والشغف تجاة الحياة..
أغمضت أعينها وثمة إبتسامة راضية لاحت على فمها وهي تسحب قدر لابأس به من الهواء…
– مرحبًا أيها الصباح، لديَّ انتماءٌ نحوك وكأنك تشرق من أعماقي، .. صباح الخير..
رددت غصون وهي تقف بالشرفة بعدما أدت صلاة الفجر بنشاط، تحب رؤية نسمات الفجر وتتمتع ببركاته وتلفح نسماته الباردة وجهها..
جلست على مقعد مريح ثم فتحت مصحفها وهمست بشغف:-
– يلا من بدري كدا أقرأ سورة البقرة علشان أبدأ يومي بنشاط لأن اليوم مليان جدًا.
وبالفعل قرأت وانتهت من القراءة ثم جلبت لوحة كبيرة بيضاء وشرعت في عمل تصميمٍ ما بعد أن رددت أذكار الصباح لتشعر أن لديها طاقة تهزم جبال.
قاربت الساعة من الثامنة فخرجت من غرفتها وبدأت تُجهز الإفطار ورصته سريعًا على المائدة.
– يا صباح الخير، أيه سر النشاط ده يا ترى.
– بقى كدا يا هدهد يعني متفتكريش مني حاجة حلوة.
– لا من ناحية الفطار بالذات إنتِ ناسية أمينة إللي معظم الأيام بتاخدي فطارك من عندها والأيام إللي بتكسلي بتصومي يا عيون أمك.
– أمهات بتفضح ولادها استروا من في الأرض يستركم من في السماء يا هدهد .. عموماً يا ستي أنا معنديش شغل وقاعدة النهاردة للتصاميم وكدا فَمش مستعجله قولت أعملكم فطار ملوكي من بين إيديا الحلوة دي..
جلست والدتها على مقعد حول المائدة، وقالت بمرح:-
– طب ربنا يستر بقاا .. وبعدين يا مفترية ملوكي أيه محسساني إن كنت بتعملي عزومة .. دي جبنة وبيض بالبسطرمة وشوية طماطم وخيار ومعلقتين مربي جبتيهم من البرطمان .. يا خيبتك يا هدى في خلفك.
– شوفوا خيراً تعمل شراً تلقى .. وبعدين نسيتي تقولي البطاطس المقلية ولا هي مش من ضمن الفطار .. ظلماني كدهون عالطول يا هدهد.
– الصبر من عندك يارب..
– ليه المناكفة دي من الصبح يا قطة إنتِ وهي..
التفتت غصون لوالدها فابتسمت قائلة:-
– صباح الخير يا عبدو .. عاجبك مراتك كدا قايمة حامية عليا ومش عاجبها فطاري..
انحنى والدها على رأسها مُقبلًا إياه وقال بينما يجلس:-
– صباح الورد على أجمل غِصن في الوجود، أنا أكل من إيدك ولو عيش بملح يا ست البنات..
ابتسمت غصون بإتساع ونظرت لوالدتها بغيظة مُرددة:-
– ربنا يباركلي فيك يا عبدو دايمًا رافع من معنوياتي…
قالت هدى بتذمر:-
– بطلوا كلام وافطروا وانتوا ساكتين..
نظرت غصون لوالدها وقالت بمزح:-
– اللاه هدهد شكلها زعلت وبتغير يا حج عبدو..
ابتسم والد غصون ثم أمسك بيد هُدى بوِدْ وقبلها بتقدير وهتف:-
– دا أم غصون الخير والبركة ونوارة البيت ربنا يباركلنا فيها دي تاج على راسنا يا غصون..
اماءت غصون رأسها مبتسمة بسعادة فكم تعشق هذا الوِد والمودة القائمة بين والديها، وقفت وسارت بإتجاه والدتها ثم عانقتها من ظهرها وقبلت رأسها وقالت:-
– دي نور عيني وتاج على راسي ونعمة من ربنا عليا أمي حبيبة القلب وطمأنينة أيامي..
وإنت يا بابا سندي بعد ربنا سبحانة وتعالى بحبكم وربنا يباركلي فيكم ولا أرى فيكم مكروه أبدًا يا غوالي..
هي ابنتهم الوحيدة وفرحة أيامهم وعوضهم بعد صبرٍ طويل، جاءت بعد أيامٍ عُجاف لتكون مُختلفة عن الجميع بصفاء ونقاء قلبها، أضافت لأيامهم بهجة ولُطف مُخصص بها فقط..
حاوطها كُلا من أبيها وأمها بأحضانهم الحانية فإنها ترى النعيم بأم عينيها حينما يحاوطها دفء أحضانهم..
– تعرفوا حضنكم دا ميتقدرش بتمن، الحنية إللي بحسها منكم وإللي مغرقني بيها مهما كانت ظروف الأيام والواقع المحيط بينا كفيلة إنها تمسح على قلبي وتشحني طاقة ملهاش حدود.
تعرفوا لما اتجوز ويبقى عندي بنت هحضنها عالطول وهغرقها حنان كل يوم هاخدها في حضني وأمسح على شعرها، متعرفوش البنت بتبقى محتاجة قد أيه تحسّ بالحنان والحنية من أمها وأبوها بجد بتفرق أووي .. شعور إنك تلاقي حد حنين عليك دا ملهوش حدود ومش يتعوض بكنوز الدنيا كلها لأن الأمومة والأبوة مش أكل وشرب ولبس بس والله الإحتواء أهم وبعد كدا ربنا بيرزق .. وبردوه هحضن ولادي بردوة زي البنات..
مسحت والدتها على رأسها وقالت بحنان:-
– أمي الله يرحمها كانت معايا كدا وعلمتني كدا بردوة، ربنا يزيدك يا غصون تعرفي يا بنتي أهم حاجة في الإنسان عقله، العقل لما يتحكم فيكِ ويبقى هو القائد بتاعك بتقل أخطائك والتأني عمره ما هيخسرك حاجة هيخليكي تكسبي كتير..
– عندك حق يا ماما كلامك صح، بتعلم منك كتير ونصايحك دي نُصب عيوني..
ربت والدها على كتفها وقال:-
– فخور بيكِ يا غصون ربنا عوضني فيكِ عوض كبير أووي يا بنتي..
– أنا إللي محظوظة بيكم يا بابا، ربنا يديمها نعمة عليا..
كادت والدتها أن تسألها ما تشعر تجاة “عُدي”
لكن رنين هاتف غصون اللحوح جعلها تبتر كلامها..
عقدت غصون حاجبيها وهرعت نحو الهاتف فوجدتها ‘أروى’
أجابتها غصون:-
– السلام عليكم..
– وعليكم السلام، غصون كنت عايزة أقولك على موضوع كدا ضروري..
– خير يا أروى.. اتفضلي طبعًا.
قالت أروى بتردد:-
– أحمد يا غصون مش كنت قولتلك إنه في العناية وحالته صعبة..
شعرت غصون بالقلق وأعتقدت أنها ستخبرها بأنه قد فارق الحياة فتسائلت بوجل:-
– ماله يا أروى .. حصل حاجة.؟
– طالب يشوفك يا غصون.. بصعوبة قدروا يفهموا هو بيقول أيه .. وأهله حاولوا يوصلولك وجم هنا الشركة وطلبوا يقابلوكي لكن المهندس عُدي قالهم إنك سيبتي الشغل وهما قالوا إنهم لازم يوصلولك وحكوا الموضوع فقولت أقولك..
صمتت غصون وشردت بعيدًا فقالت أروى وقد شعرت بأنها سترفض فقالت تقنعها:-
– أنا عارفة إن من حقك تقولي….
قاطعتها غصون قائلة بحزم:-
– عنوان المستشفى أيه يا أروى!..
******************
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
بعد مرور ساعة كانت غصون تدخل المشفى مُسرعة لتقابل أروى في الإستقبال..
– هو فين يا أروى..
– فوق في العناية حالته صعبة أووي يا غصون ربنا يتولاه..
– طب يلا بينا..
صعدت غصون برفقة أروى حيث العناية المركزة لتقف مصدومة حينما رأت ‘عُدي’ أمامها، شعرت بالتوتر بعض الشيء، فلماذا هو هنا يا تُرى، من الممكن أنه أتى للعمّ سيد فالمشفى نفسها التي بها ‘مِسك’، لكن بصوت خفيض ألقت السلام:-
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
هرول أهل أحمد تجاهها وقال والده بإمتنان:-
– شكرًا يا بنتي إنك جيتي .. حقك علينا يا بنتي كلك ذوق..
ثم ناد الرجل على المُمرضة بلهفة:-
– يا بنتي .. أهي غصون جت أهي دخليها بقى الله يباركلك..
ابتسمت الممرضة لغصون بهدوء وقالت:-
– إنتِ بقى غصون .. المريض مش مبطل يهلوس بإسمك وعايز يشوفك ضروري..
قبض عُدي أنامله بقوة حينما سمع هذه الجملة واشتعل صدره بغيرة تكوي ضلوعه لكن ظل مُتماسك لأجل الوضع الماثل وبالأخير الممرضة ستبقى بالغرفة وسيظل هو خلف الزجاج..
دخلت غصون مع الممرضة التي أخذت تجهزها ثم دخلت الغرفة الهادئة إلا من صوت الأجهزة الطبية والأنات الصادرة من هذا الجسد..
بخطوات مرتعشة وقلب تعالت نبضاته اقتربت من موضعه لتجده مغطى بالأسلاك والضمادات الكثيرة..
أدرك أن أحد بالغرفة وبصعوبة شديدة التفت واستطاع برؤيته المشوشة أن يميزها ليهمس بتقطع:-
– غصو..ن … غص..ون..
ادمعت أعينها للحال الذي وصل إليها وهي تراه ضعيف عاجز حتى عن التحدث بعد أن كان لا يترك فرصة لإهانتها..
أبعد الماسك من على فمه وقال بلهاث ليخرج صوته متهدج:-
– شكرا إنك جيت..ي … إنتِ أحسن .. مني .. أنا بطلب منك وطمعان في طيبتك وكرمك … سامحيني يا غصون
. أنا آسف حقك عليا .. سامحني قبل ما أقابل ربنا .. بطلب منك السماح علشان ربنا يسامحني في كل إللي عملته في حقك .. عارف إن أهانتك كتير وعملت .. خطط كتير علشان ألطخ سمعتك .. عارف إن مستحقش بس إنتِ أحسن مني..
أنا آسف سامحيني .. سامحني..
دي النهاية .. سامحني قبل ما أقابل ربنا واطلبي منه يسامحني وادعيلي أنا عارف إن قلبك طاهر..
كان يتحدث بصعوبة شديدة وبالكاد يتمالك نفسه أما غصون فكانت تبكي دون توقف..
أحمد يترقب بلهفة أن تتحدث ومن بالخارج لا يختلف عنها وقد يأس الجميع من أن ينجو..
وأخيرًا هتفت غصون من بين دموعها:-
– هتبقى كويس متيأسش من رحمة ربنا .. ربنا قادر وكبير أووي..
– كل إللي عايزة … تسامحيني يا غصون .. دا كل إللي بقيت عايزة وطمعان فيه..
– مسامحاك يا أحمد ومن غير حتى ما تطلب .. ربنا بيسامح وأنا مين علشان مسامحش .. ربنا يسامحنا جميعًا..
نطق بفرحة واضحة:-
– بجد .. يا غصون .. يعني مفيش في قلبك أي حاجة من ناحيتي ..مفيش أي زعل جواكِ..
– مسمحاك ومفيش أي حاجة جوايا .. وهتبقى كويس إن شاء الله…
ابتسم برضا ثم قال وهو يُغمض عينه وتراخت أعصابه:-
– معتقدش يا غصون … ابقي ادعيلي..
وانطلقت صفارات من الأجهزة المُحيطة لتقف غصون مصعوقة مما ترى للمرة الأولى بحياتها، أسرع الأطباء للداخل يفحصون الأجهزة وأحمد الذي سقط في عالم أخر..
سحبتها الممرضة دون أن تشعر وهي منهارة لا تشعر بما حولها ولا تفعل سوى البكاء، ثار الجميع ودب الهرج حول الغرفة من أسرة أحمد..
استقبلتها أروى تهدأها وتحتضنها .. بينما عُدى فكان يقف يشاهدها بتخشب غارقًا في الحيرة وتساؤلات تعج داخله..
لماذا تبكي الآن!!
ما سبب هذا البكاء لأجل هذا الرجل؟!
أيُعقل أن يكون أنها….!!!
هزّ رأسه نافيًا هذا الهاجس بقوة هامسًا بصدمة رافضًا لتلك الفكرة:-
– مُــــــســـــــــتـــــــــحـــــــيــــل!!!!
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
– لا مستحيل، أيه إللي أنا بفكر فيه ده أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، دي روحها النقية الطاهرة أي حد في مكانها هيبقى ليه نفس الموقف لأن المشهد مش هيّن عليها، الشيطان بيختار مداخل للإنسان علشان يخرب عليه أمانه..
أنا بثق في غصون أكتر ما بثق في نفسي واسلمها روحي وأنا مغمض.
اقترب عُدي منها وهي منهارة مصدومة فقال بهدوء:-
– غصون يلا تعالي في الإستراحة وإهدي كدا ووحدي الله.
رفعت وجهها المليء بالدموع من أحضان أروى ونظرت له قائلة من بين شهقاتها:-
– أول مرة أكون في موقف شبه كدا وأنا عادةً بخاف من الأماكن دي .. مات قدامي كدا وهو كان خايف وندمان..
بس أنا والله سامحته ومن قلبي ومش زعلانة من أي حاجة والله ..
أنا سامحته علشان ربنا بيقول كدا ..
{وَالْكَاظِمنَ الْغَيْظَ} يكظمونه في صدورهم فلا تظهرُ آثارُه من السبِّ والشتمِ والأذى والعداوةِ، بل قهروا أنفسَهم وتركوا الإنتقامَ.
{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} وهم الذين أظهروا العَفْوَ والمغفرةَ، وأعلنوا السماحَ وأعتقوا من آذاهم من طلب الثأرِ، فلم يكظمُوا فحسب بل ظهر الحلمُ والصفحُ عليهم.
{وَاللهُ يُحِبُ الْمُحْسِنِينَ} وهم الذين عَفَوا عمن ظلمَهم بل أحسنوا إليه وأعانوه بمالهم وجاهِهم وكرمِهم، فهو يسيءَ وهم يحسنون إليه، ولهذا أعلى المراتب وأجلُّ المقامات.
علشان الآيه دي ويارب سامحه على كل شيء واعفو عنه فأنتَ أهل ذلك.
ابتسم عُدي وأردف:-
– وكدا أفضل يا غصون ربنا يسامحنا جميعًا كلنا مذنبين، يلا تعالي استريحي..
 
 
اماءت برأسها بإمتنان وسارت خلفه بصحبة أروى التي ظلت تنقل أنظارها بتعجب بيهم..
قال عُدي محاولًا أن يُخرجها من هذه الحالة ويجعلها تنسى:-
– عمّ سيد موجود هنا تيجي تشوفيه وتطمني على بنته.
– ااه صحيح فكرتني لأن كنت وصلت لغاية باب الأوضة ورجعت لما أروى رنت عليا وقالت أرجع الشركة ..
إزاي راح عن بالي الموضوع ده .. مِسك كانت تعبانة وسمعت صوتهم بس ملحقتش أدخل..
ابتسم عُدي وقال:-
– حصل خير يلا تعوضيها دلوقتي.
انحنت أروى على أذن غصون وهمست:-
– خير يا غصون حاسه إن في شيء في الوسط كدا..
توترت غصون وقالت:-
– حاجة أيه يا بنتي، مش فاهمة تقصدي أيه.!
نظرت لها أروى بنصف عين وأردفت:-
– لنا قاعدة طويلة سواا..
ابتسمت غصون بهدوء وقالت بمشاكسة:-
– أمال أكيد هنقعد مع بعض يا بنتي مش صحاب بقى..
– ماكرة..
وصلوا أمام غرفة مِسك، رأى عُدي عُبيدة مُقبلًا عليهم فانتظر وقال لغصون:-
– ادخلي إنتوا أنا هنتظر دكتور عُبيدة.
حركت غصون رأسها إيجابًا دون التحدث ودخلت للغرفة مع أروى..
– باشمهندس عُدي منورنا .. أيه المفاجأة دي، مع إني حالف يا جدع مكلمكش بس يلا ..
– خلاص بقى يا سي عُبيدة جيتلك لغاية هنا أهو..
– بقى أرن عليك وأسألك أعمل أيه .. أكلم عمّ سيد ولا اتصرف إزاي.. تقولي مش هعرف أفكر دلوقتي يا عُبيدة أنا متوتر، بقى دا رد يا أبو الصحاب.
– بكرا تبقى في موقفي وتعرف يا سي عُبيدة، عمومًا أنا بقول تصبر لغاية حتى ما تخرج من المستشفى ويشدوا حيلهم شوية..
– لسه هستنى دا كله .. طب ما أكلم حتى عمّ سيد كلام مبدئي ولما تخرج من المستشفى نعمل خطوبة عالطول ونكون وفرنا وقت..
– أيه ياض مستعجل كدا ليه امسك نفسك شوية، دا إنتَ شكلك مسخرة أووي لو تشوف شكلك..
– والله أنا غلطان إن بكلمك يا شيخ وبعدين إنت بالذات متتكلمش على الاستعجال والكلام ده .. دا إنت بقالك خمس سنين يا باشا، واستنى إنتَ شايف نفسك عليا كدا ليه العروسة لسه مقالتش رأيها يمكن ت..
– امشي من هنا يالا إنت .. بتقدر البلا قبل وقوعه .. صحوبية فقر والله.
أمّا بداخل الغرفة تعرفت غصون وأروى على مِسك وكونت معهم صداقات بل واحبتهم جدًا، شعرت بالسعادة لوجود أشخاص مثل غصون..
وغصون أيضًا قد خففت تلك الجلسة عنها كثيرًا وأنستها تلك الفاجعة..
 
 
فرح العمّ سيد والد مِسك ووالدتها كثيرًا بوجود غصون وأروى وهم يرون تحرر مِسك من حزنها وانخراطها معهم..
– يلا شدي حيلك كدا يا مستكا علشان تخرجي من هنا بقاا ونهيص سوا..
تحدثت مِسك بسعادة وقد تغيرت كثيرًا وأصبحت إنسانة متفائلة:-
– إن شاء الله يا غصون أنا متحمسة جدًا وعندي خطط كتيرة أووي علشان أعملها وعايزة أقولك إن مع إني لسه مش مرّت فترة طويلة بس الحمد لله حاسة بتحسن كبير..
– دا حقيقي فعلًا يا مِسك لأن نظرتك اتغيرت وحالتك المزاجية اختلفت .. الأول كنتي حابسة نفسك في مثلث الحزن واليأس لكن دلوقتي لما قربتي من ربنا ورضيتي وبقى عندك حُسن ظن بالله كل حاجة اختلفت بقيتي حاسة إنك عايشة والدنيا من حوليكِ بقت ملونة..
الحزن بيدمر الإنسان وكفيل يقضي عليه ومفيش أسوأ من إن الإنسان يحبس نفسه جوا وهم ويصدقه، وكل كلمة الناس بتقولها من حوليه يقدسها ويحطها قدام عينه..
الرضا بإللي ربنا كتبه كفيل يقلب حياتك يا مِسك ويفتح قدامك طُرق إنتِ مكونتيش شيفاها..
– عندك حق يا غصون أنا كنت معيشة نفسي في جحيم، أنا مش مصدقة أنا كنت كدا إزاي..
– الحمد لله يا مِسك فضل ونعمة من الله إن ربنا أرشدك للطريق الصحيح ونور بصيرتك ودا علشان هو بيحبك..
الإبتلاء بأنواعه محبة من ربنا لكِ ولازم نستقبله برضا وحب وصبر، ابدأي صفحة جديدة في حياتك واتعلمي من إللي فات، اجتهدي وانجحي واعملي لنفسك كيان يرضي ربنا قبل ما يرضيكي، قربي من ربنا واتعلمي عبادات جديدة وصدقيني رزق ربنا واسع وهيجبر بخاطرك جبر كبير أووي.
– إنتِ جميلة أووي يا غصون بجد من حُسن حظي إن اتعرفت عليكِ، كلامك ريحني أوي ممكن نبقى أصحاب وتعلمني كل إللي إنتِ عرفاه..
– ياااه أنا أبعد ما يكون عن كدا، أنا إللي من حظي إن اتعرفت على بنوتة ربنا بيحبها ومن غير ما تطلبي إنتِ أختي مش صاحبتي يا مستكا، وإن شاء الله أنا وإنتِ والبت رورو نبقى أحلى تيم ونشجع بعض على حاجات جميلة.
قالت مِسك لأروى:-
– مبسوطة أووي يا رورا إن اتعرفت عليكِ وجزاكِ الله خيرًا يا حبيبتي، تقبلي نبقى اخوات..
قالت أروى بأعين دامعة:-
– يا خبر دا من غير كلام طبعًا يا مستكا .. من هنا ورايح هنبقى الثلاثي المرح كدا ومش هنفترق بإذن الله.
– الله بقى شكرًا يارب على الصُحبة الحلوة دي.
لاحظت غصون بعض الكتب على وحدة الأدراج بجانب مِسك فقالت:-
– الناس إللي براحتها بقى ومحدش قدها وقاعدة بصحبة الكتب..
– قولت بدل ما أنا قاعدة كدا وزهقانة ماما تجيبلي كُتب الجامعة على شوية روايات وكُتب تانية .. استغل الوقت بدل ما الترم ده يفوتني..
– ربنا يوفقك يا حبيبتي يارب ويجبر بخاطرك، وبمناسبة الكُتب في شنطتي كتاب لو مقرأتهوش بجد فايتك كتير أووي أووي أووي..
– للدرجة دي .. طب يلا طلعي يا غالية..
أخرجت غصون كتاب من حقيبتها ثم وضعته على قدم مِسك قائلة:-
– دا يا ستي كتاب “لا تحزن” من أحسن الكتب عالميًا، قنبلة تفائل ومتشبعيش منه ومهما تقرأيه تعديه تاني، من أعلى الكُتب مبيعًا في العالم.
– واضح من اسمه .. شكله مبهج أووي ما شاء الله، أنا أصلًا بحب القراءة جدًا.
 
 
– ومين أصلًا ميحبش القراءة، دي غذاء الروح، وإنتِ يا ست رورا معايا بردوة كتاب خطير هيعجبك أووي ومن أحسن الكتب..
– بصراحة مجربتش أقرأ قبل كدا، بس يلا أشطا أبدأ أعود نفسي لأن بصراحة الواحد ثقافته صفر..
– مجرد ما هتبدأي أنا بقولك هتدمني القراءة ومش هتبطلي أبدًا.. اتفضلي يا ست البنات..
دا كتاب “فاتتني صلاة” حاجة كدا وهم..
– واضح إن مؤثر أووي .. بإذن الله هقرأه، شكرًا يا غصون..
– مفيش بينا شكر يا أوختي شيلي الرسميات دي بكرا نسرق الكُتب من ورا بعض..
انغمسوا في الضحك وكان يشاهد ما يحدث العمّ سيد والخالة فادية بفرحة وسعادة لا تُقدر..
– أنا والله مش مصدقة إللي أنا شيفاه يا ابو مِسك، الحمد لله مِسك فاقت خالص وحالها اتبدل.
– عندك حق يا فادية ربك كريم أووي .. الحال اتبدل إزاي اللهم لك الحمد والشكر يارب، غصون دي نعمة على كل إللي تدخل حياتهم، ربنا يسعدها يارب ويجبر بخاطرها..
والباشمهندس عُدي مش عارف أرد إللي عمله إزاي..
الناس دي وقفت جمبي وعملوا إللي القريب معملوش..
– ربك بيقطع من هنا ويوصل من هنا يا ابو مِسك، أنا مبسوطة إن مِسك اتعرفت على غصون وأروى وبقى ليها صحاب عاقلة محترمين.. ربنا يسعدها يارب ويجبر بخاطر بنات المسلمين جميعًا يارب..
– اللهم آمين يارب ..
سمعوا طرق على الباب فأذن العمّ سيد للطارق بالدخول ولم يكن سوى عُبيدة وعُدي الذي جاء يرى العمّ سيد ويطمئن إذا كان يريد شيء..
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعى نحوه والد مِسك وتصافحا:-
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتفضل يا باشمهندس عُدي أيه النور ده..
– أيه يا عمّ سيد مش قولتلك عُدي بس بلاش رسميات لو سمحت..
– الله يباركلك يا ابني ويجبر بخاطرك ويرزقك إللي بتتمناه..
ابتسم بهدوء ونظر لغصون بطرف خفي ثم قال بنبرة ذات مغزى:-
– اللهم آمين يا عمّ سيد .. دعواتك اليومين دول بالله عليك.
– والله دايمًا لك نصيب في دعانا يا عُدي..
– ربنا يجعله من نصيبي يارب..
ثم قال دون أن ينظر بإتجاه البنات:-
– الحمد لله على سلامتك يا آنسة مِسك شفاكِ الله وعافاكِ.
– الله يسلمك شكرًا جدًا لحضرتك.
اقترب عُبيدة من مِسك وقال مبتسمًا:-
– آنسه مِسك عاملة أيه النهاردة.
ابتسمت مِسك بإشراق وأجابت:-
– الحمد لله بخير يا دكتور.
– أيه أخبارك بقيتي أفضل ولا لسه بتحسي بوجع جامد.
 
 
– بقيت أفضل كتير الحمد لله، خالص الوجع خف جدًا عن الأول وبقيت كويسة..
نظر لها بحنان وهمس:-
– يارب دايمًا في أفضل حال..
– بصي يا ستي هنغير العلاج وهنقلله كمان وهنتبع التعليمات دي، نقدر نتمشى وننزل الجنينة نغير جو وزي ما قولت أهم حاجة النفسية تبقى تمام..
– أنا تمام جدًا يا دكتور وأخيرًا هقدر أشوف الجو برا أنا بصراحة اتخنقت من جو المستشفى أووي.
همس بداخله وأعينه تكاد أن تُخرج قلوب من طفولتها:-
– سلامتك من الخنقة يا قلبي..
لاحظ عُدي حالته فابتسم وقال بمرح:-
– مش يلا يا عريس علشان نتكلم في موضوعنا..
التفت عُبيدة وهو ينظر بغيظ له بينما الكلمة فنزلت على قلب مِسك كصاعقة هزت كيانها ودق قلبها بعنف جزعًا..
تسائل العمّ سيد:-
– هو دكتور عُبيدة هيتجوز ولا أيه..
أجابه عُدي بحُسن نية:-
– خلاص دكتور عُبيدة ناوي يُخطب ويكمل نص دينه..
قال العمّ سيد بصدق:-
– ألف مبروك يا ابني ربنا يتمم بخير ويسعدك يارب.
وقالت الخالة فادية بطيبة:-
– ألف مبروك يا دكتور عُبيدة ربنا يسعدك يا ابني تستاهل كل خير..
شعرت مِسك بنغزات ألم بقلبها لتحاول التماسك لتلحظ غصون تبدل حالها فتعجبت من ملامح الألم التي ارتسمت على وجهها..
همست مِسك بداخلها:-
– أيه يا مِسك إنتِ كنتي مستنيا أيه .. محصلش حاجة علشان تزعلي .. إنتِ مجرد مريضة مش أكتر وهتعدي فترة علاجك وهتمشي وتنتهي القصة ولا هو علشان بيعاملك كويس وبيهتم بيكِ زي الأطفال هتفهمي غلط .. ما هو علشان إنتِ مريضة وهو دكتور..
انسي يا مِسك فترة وهتروح لحال نصيبها وهتنسي..
زي ما اتفقنا هتفتحي صفحة جديدة مفيهاش وجع وألم..
هتتعلمي جديد وتهتمي بنفسك وتحبيها..
فوقي فوقي يا مِسك…
افاقت من حالتها واغتصبت إبتسامة على فمها وقالت بغصة:-
– ألف مبروك يا دكتور ربنا يتمم بخير..
 
 
وقف عُبيدة مصدوم وأدرك أنها قد فهمت خطأ، نظر لعُدي بغضب ليبتسم الأخير له .. ليزجره بنظراته وكأنه يقول له..
سنتحاسب على هذه عُدي..
أنا مجنون وسأفعل أي شيء ولا أحد يستطيع توقع ما أفعله..
نظر عُبيدة بتصميم وردد:-
– مينفعش تقولي مبروك دلوقتي يا عمّ سيد..
تعجب العمّ سيد من جملته ولم يستطع فهمه فتسائل بعدم فهم:-
– تقصد أيه .. مش فاهم يا ابني!!
– أقصد لما حضرتك إنتَ والآنسة مِسك تقولوا رأيكم..
– رأينا في أيه.. أنا مش فاهم حاجة!
– أقصد إن كنت هفاتح حضرتك في إن طالب إيد الآنسة مِسك وكنت متكلم مع باشمهندس عُدي..
وقف الجميع مندهشين وعُدي الذي لا يُصدق جنونه أيضًا..
تنهد عُبيدة وقال بحسم:-
– على سنة الله ورسوله يشرفني أطلب إيد الآنسة مِسك.
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وقف الجميع في حالة من الصدمة الشديدة، عمّ سيد لم يستوعب ما سمع ووالدة مِسك كذلك..
بينما وقف كلًا من غصون وأروى ينظرون لبعضهم البعض ببلاهة، إلا أن عُدي أخذ يضحك على جنون صديقه.
كان موقف مِسك مُغاير عنهم، شعرت بأشياء مُختلفة لكن ظلت صامتة جامدة فهي قد تعلمت أن تسمع للنهاية أولًا.
– مش فاهم يا دكتور عُبيدة، إنتَ تقصد أيه.!
– أنا عارف يا عمّ سيد إن الموقف غريب وإن دا لا وقته ولا مكانه بس إنتوا فهمتوا كلام عُدي غلط فكان لازم أوضح، وبردوة أنا تلقائي وإللي بيجي على بالي بقوله يعني لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
– أيوا يا ابني بس إنتِ عارف الظروف والموقف إللي إحنا فيه.
– وأنا مقولتش حاجة يا عمي أنا منتظر لغاية ما تخرجوا من هنا بالسلامة وأجي زيارة لحضرتك في البيت بس أنا قولت يكون عندك خبر..
لم يجد العمّ سيد أمامه خيار سوى أن يقول:-
– خلاص يا ابني بصراحة أنا إتفاجأت ومش عارف أقول أيه.
وهُنا خرج صوت مِسك التي ظلت صامته تتابع الموقف بدقة وقالت بحسم:-
– بس أنا عندي كلام عايزة أقوله يا بابا بعد إذنك.
شعرت غصون وأروى وكذلك عُدي أن الموقف أصبح عائليًا فقالوا:-
– طب إحنا هنستأذن بقاا يا عمّ سيد وإن شاء الله هنيجي أنا وأروى تاني بإذن الله، يلا سلام يا مِسك.
– مع السلامة يا بنات أنا هستناكم.
وقال عُدي:-
– بستأذن أنا يا عمّ سيد .. سلام يا عُبيدة نبقى نتكلم إن شاء الله.
– مع ألف سلامة يا عُدي يا ابني شرفت ربنا يجازيك خير يارب.
خرجوا ثلاثتهم وبقت مِسك بمواجهة عُبيدة الذي شعر بالقلق حيال ما ستقول ..
قالت والدة مِسك بقلق:-
– في أيه يا مِسك كنتِ هتقولي أيه يا بنتي.
رفعت مِسك رأسها تجاة عُبيدة وقالت بصلابة:-
– أنا مش موافقة يا دكتور عُبيدة شخصيًا ومش مستعدة للخطوة دي نهائي دلوقتي.
اهتزّ ثبات عُبيدة وتعالت دقات قلبه شاعرًا بالخيبة بينما صُدم والدها ووالدتها التي رأت بعُبيدة رجلٌ شهم حقًا وزوجٌ صالح فسيمات الطيبة والصلاح تستطيع أن تراها على وجهه بكل وضوح.
أجلى عُبيدة صوته وتسائل بحذر:-
– طب دا سببه أيه يا مِسك طيب.!
– آنسة مِسك لو سمحت ماترفعش الألقاب.
تقطعت أكباد عُبيدة وهو يرى أن الطريق إليها مليء بالعثرات وأردف بصوت مُختنق:-
– تمام يا آنسة مِسك سبب الرفض أيه وإنتِ حتى متعرفنيش.!
قالت بصوت قوي جعل الأخر يقف بدهشة يُحاول استيعاب ما تقول:-
– علشان أنا مش شايفة طلبك ده إلا بدافع الشفقة مش أكتر، وأنا مقبلهاش.
ردد عُبيدة بذهول:-
– شفقة .. شفقة .. يعني أيه شفقة مش فاهم!
– إنتَ أكتر واحد عارف بحالتي كويس يا دكتور وعارف النتيجة، وأنا من سابع المستحيلات إن أحط نفسي في الإطار ده أبدًا مهما عملت..
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
خرجت غصون سريعًا مع أروى وهي تُسرع في المغادرة قبل أن يلحق بهم عُدي..
– في أيه يا بنتي مالك مستعجلة كدا ليه هو في حد بيجري ورانا..
ابتسمت غصون بتوتر وأردفت:-
– لا ولا حاجة يا رورا أصل الجماعة في البيت مستنيني وعايزة أروح علشان ألحق أعمل تصميم علشان خلاص المسابقة قربت ولازم أسلم النماذج بعد بكرة.
– أااه إن شاء بالتوفيق يا غصون وربنا هيجبرك.
– يارب يا رورا وإياكِ يا حبيبتي.
وأكملت:-
– يلا تاكسي أهوو قبل ما يمشي..
تعجبت أروى من تعجلها وقالت:-
– أيه دا كله استعجال علشان الجماعة..
ركبتا سيارة الأجرة وقالت غصون:-
– يا بنتي أصل المنطقة دي التكسيات فيها قليلة وكل ساعة على ما تلاقي فيها تاكسي ولا حاجة.
– ااه طب الحمد لله، ااه صحيح نسيت أقولك.
– خير يا أروى.
– مش باشمهندس عُدي قدم استقالته إمبارح بعد ما خلص شغله..
– بجد .. بتتكلمي جد يا أروى!! طب ليه طيب!
– والله يا غصون ساب الشغل، والله ما أعرف أيه السبب بس شكله علشان الموقف إللي حصل معاكِ ده.
توترت غصون وقالت ناكرة:-
– لا يا بنتي مالهوش علاقة، شوفي يمكن خلص شغله عالطول وإللي جه علشانه خِلص.
– لا بالعكس دا باشمهندس مدحت ومدام زيزي كانوا متمسكين به جامد أووي بس هو أصر.
– ااه ربنا يوفق الجميع..
– صحيح المناقشة بتاعة التصميم بتاعك إمتى؟
– آه فكرتيني الوقت قرب وأنا متوترة أووي يا أروى، دا أنا سمعت إن المُناقشين هيبقوا مصممين عالمين في عالم الموضة والديزاين وهيبقى كمان قدام زائرين وفئات كبيرة أووي..
بس ربنا موجود بصي يا أروى أنا اعتمادي كله عليه وراضية بالنتيجة أيّاً كانت فيكفيني شرف المحاولة.
– أيوا كدا يا بطلة سيبك من التوتر ده وبإذن الله تشرفينا وترفعي راسنا وبعدين تصاميمك تستحق يا غصون وخلي عندك أمل وثقة بالله.
قالت غصون بحماس وإشراق:-
– صح يا رورا عندك حق فعلًا أنا سيباها على الله وبصراحة أنا معدتش بشيل همّ خالص، هعمل إللي عليا وبعد كدا إللي ربنا يكتبه أنا مش بس هرضى بيه أنا هبقى كمان سعيدة بيه.
– زعلانة أووي يا غصون بعد ما قربنا من بعض مش بقينا نشتغل في نفس المكان.
ابتسمت غصون بطيبة ووضعت يدها فوق يد أروى وقالت:-
– الصداقة والحُب مش بالقُرب وتواجدنا في نفس المكان يا أروى، مهما كان مكانك لكن يكفي إن بالقلب موجودة..
المكان الحقيقي للإنسان هو مكانته بالقلب، وأكيد ربنا سبحانه وتعالى ماجمعناش علشان نفترق أو نبعد أبدًا.
– بحب الكلام معاكِ أوي يا غصون .. حقيقي الكلام معاكِ مريح جدًا، يا بخت أي حد في حياته غِصن لطيف شبهك كدا ربنا يديمك في حياة إللي بيحبوكِ يا غصون.
– شوفي بقى هتغر عليكِ وهنفش ريشي يا رورا، بس علشان عيونك جميلة مش أكتر يا بت..
– مش عليا يا غصغص..
– غصغص!! مشي يا بت مش عايزة أعرفك تاني..
ظلوا يتناقشون وهم يضحكون بحب حتى هبطت غصون عند منزلها وأكملت أروى لمنزلها..
سارت غصون حيث منزلها لكن قبل صعودها توقفت تبتاع بعض الفطائر التي تُفضلها والدتها لتُسعد قلبها ولو بأقل شيء.
وعند وقوفها عند المخبز رغمًا عنها سمعت فتاتين يقفون وهم يتمازحون مع بعضهم البعض بألفاظٍ أقل ما يُقال عنها أنها ألفاظ بذيئة، إذا كانوا هكذا يتمازحون فكيف بهم إذا تنازعوا.!!
ابتسمت غصون ببشاشة ثم التفتت وقالت لهم:-
– السلام عليكم، إزيكم يا بناويت .. ممكن أسألكم سؤال لو سمحتوا.
– اتفضلي طبعًا.
– كنت عايزة أسألكم بس لو جربتوا النوع ده من الباتيه حلو أجربه ولا أيه..
قالت إحداهم:-
– حقيقي جميل جدًا جربيه على ضمانتي وهيعجبك.
– تسلميلي يا جميلة القلب، بصراحة شكلكم لطيف أووي وأنا حبيتكم وأمورين أووي تبارك الرحمن.
فرح الفتاتين وابتسما لتقول غصون بهدوء:-
– تعرفوا إنكم لايقين على بعض جدًا وروحكم فيها تشابه كبير، إنتوا أكيد أصحاب.
– فعلًا إحنا أصحاب من عشر سنين..
– ما شاء الله ربنا يباركلكم في بعض يارب، تلاقيكم دعم لبعض ومش بتقولوا ألا ألطف الكلام تدعموا بيه نفسكم.
ضحكوا وهم ينظرون لبعضهم ثم قالت إحداهم:-
– يااه دا إحنا هزارنا مع بعض كله كلام كدا من نوع تاني بعيد عنك.
ابتسمت غصون وقالت بلُطف:-
– تعرفوا يا بنوتات إن ربنا سبحانه وتعالى يُبغض الفاحِش البذيء، وإن المؤمن إللي هما إحنا يعني الرسول قال علينا أيه.. قال إن المؤمن ليس بالطَّعان ولا اللَّعان ولا الفاحش..
يعني المؤمن مش بتخرج من فمه ألا الكلمات اللطيفة إللى بتسيب أثر جميل في النفس حتى لو كان بيهزر..
الرسول عظمنا جدًا وبيحبنا أووي علشان كدا قال علشان يحفظ حقوقنا سِباب المُسلم فسوق ..
تخيلي بس إنك تشتمي حد يكون بالجزاء ده..
الصفات دي لا تليق بالمسلم أبدًا إللي روحه كلها نسمات الإيمان الندية، ونفسه كلها بشاشة الإسلام السمحة..
لنا في الرسول صلّ الله عليه وسلم أسوة حسنة ..
تصدقوا إن الرسول في حياته ما خرجت منه كلمة تخدش سمع السامع أو تجرح شعوره أو تمس كرامته..
ويا وجع قلبي على إللي بقينا فيه .. بقينا نتعمد نجرح شعور بعض ونهزر مع بعض بكلمات تخدش سمع كل إللي يسمعها وممكن يكونوا أطفال ويكرروها وهما مش فاهمين.
كل واحد فينا هيتحاسب على كل كلمة هينطقها لسانه..
وربنا يهدينا جميعًا يارب..
كانت الفتاتين تستمعان بانتباهٍ وبعض الواقفين الذي كانوا يُتابعون المشهد يستمعون بعدما لفتت انتباههم طريقة غصون اللطيفة في النُصح..
تنفست غصون بعُمق وأردفت:-
– أنا قولت نتكلم سوا على ما الفطاير تطلع وحقكم عليا لو صدعتكم ولا حاجة بس بصراحة حبيتكم أووي يا بنات..
ابتسمتا الفتاتان ثم قالت الأولى:-
– إحنا إللي حبيناكي أووي يا جميلة وفعلًا إحنا اتعلمنا درس كنا حقيقي مانعرفهوش وشكرًا جدًا لكِ.
قالت الأخرى:-
– إن شاء الله من هنا ورايح هنهزر بحدود وهنراعي كل كلمة يقولها لسانا، ربنا يكتر من أمثالك.. يمكن علشان لسانا أخد على الكلام ده ومع المُجتمع إللي إحنا فيه وأصحابنا وانتشار طريقة الهزار دي بقينا مفكرينها عادي..
رددت غصون:-
– كلنا معرضين للغلط وكلنا عيوب بس الشاطر إللي يصحح منها.
اندهشت غصون حينما سمعت بعض الواقفين من الأُناس الطيبون يصفقون بحرارة وصاحب المخبز أيضًا مُرددين ببعض الكلمات اللطيفة..
– ربنا يبارك فيكِ يا بنتي … ربنا يكتر من أمثالك .. ربنا يهدي بناتنا وبنات المسلمين يارب..
قالت غصون سرًا:-
– يا الله أنا مش كدا …رزقتني القبول وجملتني في عيون إللي حوليا وأنا مستورة مش أكتر، نعمك كتيرة يارب مقدرش على شكر واحدة منهم..
ابتسمت غصون للجميع ثم قالت:-
– أنا بذكر نفسي معاكم يا ناس يا طيبين .. كلنا محتاجين ده.
تسائلت إحدى الفتيات:-
– اسمك أيه بقى؟
– اسمي غصون .. وانتوا..
– ما شاء الله اسمك لطيف شبهك يا غصون .. أنا جوري وهي حنين..
– والله ما حد جميل هنا غيركم .. جوري وحنين اسماءكم شبهكم والله يا بنات .. أنا اتشرفت بيكم ومبسوطة إن اتعرفت عليكم..
– إحنا أكتر والله يا غصون..
أخذت غصون الفطائر من البائع فوجدت صاحب المخبز يضع بعض “المني بيتزا” بالحقيبة البلاستيكية وقال:-
– دول مني لكِ يا ست البنات علشان الكلام الحلو إللي قولتيه.
– ياربي، شكرًا جدًا يا عمو والله ما مستهلة.
– خلاص بقا هتكسفي إيدي..
– ربنا يجازيكِ خير يا عمو..
وقبل أن ترحل قالت بإبتسامة:-
– سلام يا جوري .. سلام يا حنين..
– سلام يا غصون..
– بجد أنا حبيتها أووي يا حنين..
– وأنا والله يا جوري تلاقيها تدخل القلب عالطول كدا، أيه رأيك نبقى شبهها كدا..
– موافقة جدًا..
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
قبل أن تدخل غصون لمنزلها لمحت فتاة وفتى صغيران يقفان أمام إحدى المطاعم وينظرون للطعام بجوع لينفطر قلبها على منظر ملابسهم الرثة وجسدهم الهزيل..
ودون أن تشعر وجدت قلبها ينبض بألم وهطلت الدموع من عينيها لتمسحم سريعًا ثم هرولت بإتجاههم..
– إزيكم يا حلوين..
انكمشت الفتاة على أخيها بخوف لتقول غصون تهدأها:-
– متخافيش يا أم عيون حلوة، ممكن أطلب منكم حاجة.
تشجع الفتى وقال:-
– نعم يا أبلة..
مدت غصون يدها بقطع البيتزا وبعض الفطائر وقالت:-
– بصراحة عمو بتاع المخبز أصر عليا أخد دول وأنا مش بحب الفطاير دي .. وهو قال إنها حلوة وكدا وقالي دوقيها بس أنا محبتهاش بصراحة.. عايزاكم تدوقوها وتقولوا رأيكم فيها..
نظر الفتى إلى أخته بحذر فهمت غصون لتقول:-
– أصل بصراحة ماما منعاني من أكل المخبوزات وخايفة أطلع بيهم، ممكن تنقذوني وتخدوهم حتى لو مش هاتكلوهم.
جرى ريق الفتاة جوعًا ونظرت لأخها فمد يده وسحب الكيس وأعطاه إياها، ابتسمت غصون وتسائلت:-
– طب إنتوا بتبقوا موجودين هنا دايمًا علشان أعرف رأيكم فيها..
– أيوا يا أبلة بنبيع مناديل في الإشارة..
شعرت غصون بالألم لأجلهم وقالت وهي تغصب إبتسامة على فمها:-
– حاضر هجيلكم بكرا أعرف رأيكم إن شاء الله.
أطمئن الفتى والفتاة لوجه غصون فتبسما ببراءة وقالوا:-
– حاضر يا أبلة.
– ممكن أعرف اسمكم.
– أنا وردة.
– وإنتَ.
– أنا رحيم..
– يا لطيف .. وأنا بقى غصون.
– اسمك حلو يا غصون.
قرصتها غصون من وجنتها وقالت:-
– مش أحسن من وردة يا أجمل وردة.. خلاص كدا بقينا أصحاب.
– اتفقنا يا غصون.
– يلا خد بالك من وردة يا رحيم .. سلام يا حلوين..
– سلام يا غصون.
رحلت غصون وقلبها يتألم عليهم..
– رحيم هي غصون هتجبلنا كل يوم أكل، بصراحة طعمهم حلو أووي.
– بالهنا يا وردة، طالما غصون قالت هتيجي يبقى هتجيب أكل معاها ومتخافيش أنا هشتغل وأشتريلك أكل.
صعدت غصون درجات السلم وكبرت أثناء صعودها..
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله على سلامتك يا غصون.
– الله يسلمك يا هُدهد.
– هاا خير يا بنتي في أيه، كان أيه إللي حصل.؟
قبلتها غصون من رأسها ثم وضعت الفطائر المُتبقية بين يديها وقالت:-
– خدي الفطاير إللي بتحبيها يا هدهد الأول .. وأغير هدومي وأقول أذكار المساء وهحكيلك كل حاجة ..
ابتسمت هُدى وقالت:-
– حبيبة أمك .. ربنا يجبر بخاطرك يا غصوني..
– أيوا ادعيلي كتير يا هدهد..
دخلت غرفتها وهي تبتسم فأقل شيء يُسعد والدتها، بدأت أحداث اليوم تتوافد على عقلها لتتنهد وهي تُخرج دفتر وتبدأ بكتابة كل شيء..
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
بعد مرور أربعة أيام، بمنزل غصون..
– هاا يا غصون قولتي أيه يا حبيبتي، عُدي مستني ردنا وفات أسبوع.
تنهدت بحيرة ثم قالت:-
– بصلي كل يوم صلاة استخارة يا ماما ومستنيا اشارة من ربنا سبحانه وتعالى.
– يا بنتي مش معنى صلاة الاستخارة إنك تلاقي إشارة أو رؤيا ممكن تكون الأمور ماشية بيُسر من غير عرقلات.
توترت غصون وحقًا لا تدري ما تقول، أردفت قبل أن تقوم:-
– إن شاء الله يا ماما، هصلي كدا قبل ما أنام مرة وإللي فيه الخير يقدمه ربنا.. يلا تصبحي على خير يا هدهد.
ثم ذهبت لغرفتها بل هربت بالمعنى الصحيح..
توضأت وبخشوع قامت تصلي صلاة الاستخارة وهي تدعو أن يُلهمها ربها الإجابة ويرشدها للطريق الصحيح..
انتهت ونظرت للسماء قائلة:-
– إشارة واحدة يارب .. أرشدني يارب العالمين، أنا منتظره بس رأيك منتظرة هتقولي أيه..
زي ما كل مرة بتعطيني إشارة أنا واثقة إن كمان هترشدني للطريق الصح..
ذهبت لفراشها ثم بدأت بتلاوة أذكار النوم وسورة الملك..
………………
ببستان واسع جميل مليء بالورود، وقفت وهي ترتدي فُستان أبيض اللون وتبتسم بسعادة بالغة..
ظلت تسير وسط الأشجار بجانب جدول ماء رقراق، اتسعت إبتسامتها عندما وجدته يقف ويُعطي لها ظهره..
هرولت بإتجاهه ثم وقفت خلفه وقالت بحب:-
– أنا هنا .. بقالك كتير مستنيني..؟
التفت إليها حينما سمع صوتها لتنظر لوجه فتقف بصدمة حينما لم تجده عُدي الذي عرفته……
فتحت جفونها مستيقظة وصوت أذان الفجر يعلو بالأُفق..
حي على الفلاح .. حي على الفلاح…
قامت من على الفراش بهدوء غريب وأخيرًا عرفت الإجابة من الملك .. وأخيرًا هدأ قلبها..
توضأت وبدأت تصلي الفجر ومن بعده قالت الأذكار وأمسكت مصحفها وبدأت بقراءة سورة البقرة ..
بعد مرور عدة ساعات..
خرجت غصون فوجدت والدها ووالدتها يجلسون وهم يتسامرون وهم يتناولون الشايء والكعك.
– صباح الخير…
– صباح النور يا غصون..
– يا بابا أنا قررت وعرفت إجابتي..
– خير يا غصون…
– أنا ……….
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
– أعملك شاي يا بيلا..
ابتسمت والدة عُدي فهو دائمًا من يقوم بصنع المشروبات لها ويقف بالمطبخ كثيرًا ليُقدم لها المساعدة ويتسامر معها..
– لا يا حبيبي، خليها شاي بلبن..
– غالي والطلب رخيص يا بيلا..
وبمهارة صنع كوبًا من مزيج الشاي بالحليب لها وكوب نسكافية له ثم وضعهم على الطاولة أمامها..
– أحلى كوباية شاي بلبن لست الكُل..
جاءت لتتحدث فعَلا صوت هاتف عُدي، نظرت له بتسائل فأخرج هاتفه ليرى من المتصل فاتسعت أعينه بزعر حينما وجده والد غصون..
قلقت والدته لتعابيره المتوترة وقد انخطف لونه..
– مالك يا عُدي في أيه، مين بيتصل؟
ظل يجوب الردهة ذهابًا وإيابًا بتوتر ويجذب شعره للخلف برعب جلي..
توترت والدته من مظهره وشعرت بالخوف لأجله، وتسائلت مرة أخرى:-
– في أيه يا عُدي قلقتني يا بني مين بيرن، ومش بترد ليه؟!
وقف أمامها وأردف بتوتر:-
– دا عمي عبد القادر يا أمي، أكيد هيقولي ردهم .. يا ترى هيقول أيه! .. لتكون غصون رفضت يا أمي..
وردد بتيهة:-
– أنا قلقان .. أنا .. غصون شكلها رفضت قلبي بيقولي كدا..
ابتسمت والدته على تصرفاته وهو يلف ويدور مكانه وقد نبت العرق على جبينه..
– طب رد وإنت تعرف طيب..
– خايف يا أمي.. خايف..
– وحِد الله يا عُدي، إن شاء الله خير وافتكر إن إللي ربنا كاتبه كله خير يا حبيبي..
– ونعم بالله … لا إله إلا الله.
فصل الهاتف ورن مرتان وهو لم يجرؤ أن يضغط على الزر…
نظر للسماء وقد ترقرق بعض الدمع بعينه..
– يارب اجعلها من نصيبي .. أجبر قلبي يارب ومتحرمنيش منها وباركلي يارب..
ابتلع ريقه وضغط يعاود الإتصال هو قائلًا بنبرة مهزوزة وصوت مُتحشرج:-
– السلام عليكم، إزيك يا عمّ عبد القادر.
– وعليكم السلام أنا بخير يا عُدي، عامل أيه.
وأكمل يقول بعد التحية:-
– معلش إن اتأخرنا عليك بس بصراحة ……..
يتبع…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
– معلش إن اتأخرنا عليك بس بصراحة أنا سيبت غصون براحتها على ما تفكر كويس.
قال عُدي بتوتر وقلب مُرتجف:-
– لا مفيش مشكلة طبعًا يا عمي دا حقها، وأنا مستعد أستنى.
ابتسم والد غصون وقال ليُريح قلبه اللحوح:-
– تشرفنا إن شاء الله في الوقت إللي تحبه يا عُدي وتيجي علشان تتعرفوا على بعض أكتر.
اتسع بؤبؤ عينه ولم يُصدق ما سمع، تدحرجت دمعة من عينه ثم انحنى مُسرعًا يسجد شكرًا لله..
اتسعت إبتسامة والد غصون وأدرك أن الله حقًا قد رزق ابنته بالرجل الأمثل والصالح المُحب، هذا العوض الذي كان مُتيقن أنه سيأتي في الوقت المناسب تمامًا وما خيب الله ظن الموقنين به أبدًا..
عندما رأت نبيلة ولدها بتلك الحالة بكت فرحًا وابتسمت في آنٍ واحد، فأخيرًا ستراه سعيدًا مرتاح البال بعد رحلة شقاء قاسية جعلته يعتزل العالم.
– بجد يا عمي يعني كدا خلاص .. يعني هي كدا غصون وافقت .. طب أجي إمتى!’
– أيه يا عمّ الملهوف براحة شوية دا إنتَ حالتك صعبة والله يا عُدي.
شعر بالحرج فهو لم يستطيع كبح سعادته ولهفته، حاول الهدوء فتنفس بعمق وقال بنبرة ينبض منها الفرح:-
– بصراحة أنا مش هكذب عليك يا عمي بس أنا كنت هتجنن من التفكير والإنتظار، أنا كنت خايف جدًا، كنت خايف من خسارتها بس كنت واثق بالله لأن أنا دعيت من كل قلبي وبحُسن ظن، أنا مش مكسوف وأنا بقولك الكلام ده بس أنا بحب الصراحة وأحب أكون صريح..
ارتاح قلب والد غصون أكثر وحمد الله بداخله على نِعمه ورزقه الواسع، ابتسم ورد عليه:-
– وأنا حبيتك يا عُدي ودخلت قلبي ويشهد ربنا إن بعتبرك زي إبني، بس عايزك تجمد شوية ومتبقاش طري كدا يا باشمهندس..
عَلَت ضحكة عُدي واضعًا يده على رأسه بحرج وهتف:-
– حاضر يا عمي عبد القادر هسمع كلامك وأتقل..
وأكمل يتسائل:-
– طب أجي إمتى بقاا!
– اللاه مش قولت إجمد يا ولد .. دا أنا لسه مخلصتش كلامي..
– دا سؤال بريء يا حاج عبدو.
– آآآه منك مفيش فايدة فيك والله .. ماشي يا سيدي أيه رأيك في الجمعة..
– لسه الجمعة!! .. لا دي بعيدة، النهاردة الأتنين وأنا مستني بقالي ١٠ أيام يعني كتير عليا يا عمي، أيه رأيك في الأربع أجي أنا والحاجة معنديش حاجة، دا لو حضرتك مش عندك حاجة يعني..
– أنا مش هقول لغصون على الكلام ده .. هبقى صاحب جدع ليك وهحفظ سرك وإللي بينا، دي غصون لو عرفت مش هقولك بقى .. يمكن كانت العشر أيام طالت لشهر..
– عمي عبد القادر إنت فرحان فيا ولا أيه، راعي حالتي شوية، الجمعة هتبقى بعيد خلينا الأربع..
ضحك والد غصون وقد شعر بقُرب عُدي حقيقةً من القلب، وأردف بقلة حيلة:-
– يبقى الأربع يا عُدي .. هقولك أيه أمري لله.
– الله يبارك فيك يا عمي مش هنسالك الجمايل دي يا حاج.
– ماشي يا بكاش، مع السلامة يا عُدي..
– مع ألف سلامة يا عمّ عبدو…
كانت نبيلة تقف تشاهد المشهد بإبتسامة وبعض الدموع وفور أن انتهى عُدي ركض نحوها صارخًا بسعادة نحو عناقها وحضنها الدافيء ثم فجأة حملها لأعلى وهو يقول بسعادة:-
– بركة دعاكي يا بيلا .. بركة دعاكي يا أمي، الحمد لله الحمد لله ربنا وضع القبول بقلب غصوني الحبيبة..
ماذا تريد بعد؟!..
تراه سعيد ولم تراه بهذه السعادة من قبل..!
هذا ما كانت تدعو به وتتضرع لخالقها من أجله، هذا هو حصادها وما لها بتلك الحياة وكل ما يهمها رؤيته مقر العين مسرور…
– قولتلك يا عُدي هتبقى حلالك علشان ربك رحيم أووي بعباده، أنا دعيتلك كتير وكنت عارفة إن مش هيرد إيدي خايبة أبدًا..
قبل رأسها ثم خرج للشرفة وهو ينظر للسماء الصافية وهتف بدموع رقراقة:-
– اتحرمت من أبويا من وأنا طفل واتأزمت حالتنا أنا وأمي وكنا راضين يارب ودي في حد ذاتها كانت نعمة كبيرة لأنك كنت معانا بكل خطوة، رزقتني بأم علمتني وعرفتني الطريق لك، وبعدين رزقتني الرضا وبقيت أنظر لكل حاجة في حياتي بعين الإعتبار، مكانش عندي أب بس كان عندي رب حنان رزاق علمني كل حاجة .. وكنت حاسس بالرضا مع إن مكانش في إيدي أي حاجة..
كل ده مش شطارة مني دي كلها نِعم، كون إني معاك يارب في طريقك دي أعظم نعمة تستحق الحمد..
مكانش ليا علاقة نسائية ولا بأي شكل من الأشكال إلا أمي وتفاجأت ببنت كل يوم بتزور أحلامي لمدة خمس سنين، اتعلقت بيها وهنا تيقنت إن دا كله مش إعتباطًا ومش من نسج أحلامي .. أكيد مش هتعلقني كدا علشان أتعذب..
وتكمل الحكاية وإللي كانت بالنسبة ليا معجزة وأشوف البنت على أرض الواقع .. ويكمل رضاك عليا وتمهد ليا الطريق علشان تكون ليا في الحلال…
رزقتني عِلم، ووظيفة، ومكانة، ورزق واسع واتردت لنا المظالم..
أخفض رأسه وسقطت دموعه ثم رفعها للسماء مرةً أخرى وقال:-
– مش عارف أقول أيه، بس إنتَ رحيم وحنين ورؤوف ورزاق وأنا بحبك يارب .. أنا بحبك أووي ومش عارف أشكرك إزاي على كل النِعم دي .. إنت جبرت قلبي يارب..
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
بنفس التوقيت بالشُرفة وقفت غصون برِداء الصلاة الأبيض والمزركش بغصون وورود صغيرة زاهية..
تنفست بعُمق وهي تشتم الزهور المزروعة بشُرفتها
رفعت رأسها للسماء وقالت بمنتهى الرضا:-
– على فكرا أنا بحبك أووي .. وعارفة إنك بتحبني يارب.. علشان أنا بحس الحب ده..
أنا عارفة إن صلاة الإستخارة مش معناها إشارة أو رؤيا، بتكون بالتيسير أو التعسير بس أنا عاهدت إن بنتظر إجابة واضحة تريح قلبي وإنت مش بتخذلني أبدًا .. وبعتلي إجابة إمبارح … أنا فرحانة أووي أنا بحسك جمبي ومعايا عالطول متحرمنيش الإحساس ده يارب، خليني جمبك عالطول مش عايزة أتحرم من الإحساس ده.
صمتت وهي تتذكر الرؤيا التي بعثها الله لها كإجابة ومحو لكل القلق والشكوك التي بداخلها..
عندما التفت لها فلم يكن عُدي بالهيئة التي عرفته بها..
بل كان يرتدي الإحرام ووجهه ينبعث منه نورٌ ورضا جميل ويبتسم لها ببشاشة ماددً يده لها وهو يقول:-
_ إستنيتك كتير أوي يا غصون.
لتستيقظ على صوت أذآن الفجر يعلو بالأرجاء فعلمت أنها رؤيا صالحة..
تساقط الدمع من عينيها وقالت وهي تعاود النظر للسماء التي تعشق تأملها:-
– إنت راضيتني .. أنا سمعت كلام كتير أووي يجرح حتى من ناس من لحمي ودمي، قالولي إللي إنتِ عيزاه ده مش موجود أصلًا في الدنيا ومستحيل هو إنتِ مش شايفة مجتمعنا ..
بس أنا أخدت الكلام ده كأنه إختبار .. إختبار إنت بتشوفني هثبت ولا هتراجع وأقول فعلًا أنا عايشة في عالم الأوهام..
بس أنا بفضلك كنت من وسط وجعي وبكائي أقول لنفسي إثبت أُحد والكلام ده كان بيزدني إصرار وكنت أرد عليهم أقولهم بكرا ربنا هو إللي هيرد عليكم لما إللي بتقولوا مستحيل يتحقق..
كلام جارح .. إنتِ خلاص بقيتي خمسة وعشرين سنة .. إنتِ أصحابك كلهم اتخطبوا واتجوزوا .. إنتِ اتخرجتي وإنتِ متخطبتيش لسة..
خلي بنتك يا هدى تخلغ الخيمة إللي هي بتلبسها دي .. عمر ما حد هيبصلها أبدًا..
كنت دايمًا عارفة إللي في إيدك مش بيتوزع بقوانينهم..
كنت متيقنة إن في خير كبير أووي مستنيني..
كنت ومازلت مؤمنة إللي إنت كاتبه أفضل وأرحم من إللي أنا عيزاه..
نظرات الناس كانت وحشة أووي، مبدأهم غريب أوي، ومع العلم أنا مكانش أقصى أمنياتي زوج ولا الزواج كان عندي طموح أكبر ومازال بس دي سُنة الحياة فدعيت إن مُرادي يكون مُرادك يا الله..
النهاردة إنت راضتني ورديت على كل كلمة اتقالت، رب المستحيل هو أنت يا الله .. وكل يوم بتنعم عليا..
قُربك هو النعيم الحقيقي يارب..
يارب متسبنيش أبدًا وارزقني الذرية الصالحة .. نفسي أجيب ولاد وبنات كتير وتساعدني وتعيني أربيهم على مباديء الإسلام، نفسي أنشأ جيل يبقوا قادة زي خالد ابن الوليد…
أنا نفسي أعمل حاجة كبيرة أوي للإسلام، نفسي ذريتي الرسول يتباهى بيهم يوم القيامة…
والله بكل إخلاص يارب..
تنهدت بطاقة وقالت:-
– أنا بحبك أووي يارب..
دخلت غرفتها وابدلت ملابسها وهي تذكر اسم الله، ارتدت فستان من اللون الفستقي متناثر على مُحيطة لألىء بنفس اللون وخمار رقيق من اللون الكشميري قامت بلفه بطريقة مُميزة ساترة..
– يا غصون .. إنتِ يا بت .. مش عارفة البنت دي بتغطس فين كدا..
– أنا هنا أهو يا هدهد .. بتنمي عليا كالعادة..
– ماشي يا ستي حقك عروسة بقى..
تخضب وجه غصون وحاولت أن تغير مجرى الحديث لكن سبقتها والدتها وهي تُجهز بعض الأشياء:-
– عُدي جاي بعد بكرا هو والدته يا عروسة..
– بعد بكرا!! .. بدري أووي يا ماما مش بابا قال هيخليها الجمعة.
– أحممم .. سي عُدي مستعجل أوي وقال لأبوكي مش هيقدر يستحمل للجمعة الواد حالته صعبة والله..
بس بصراحة أبوكِ مقليش أنا سمعته وهو بيتكلم، دا كلام بيني وبينك يا ست غصون أوعي تفتني عليا..
شعرت غصون بالحرج وبدأت تجهز وجبتان من الطعام، ثم هتفت بمرح:-
– تنفعي في المخابرات والله يا هدهد .. بس بجد بعد بكرا بدري أوي..
– بدري من عمرك يا روحي .. خير البر عاجله يا عروسة..
– ماما بالله تبطلي تقولي الكلمة دي…
– عروسة!
– أيوا..
– اللاه ما هي حقيقي .. خلاص وست البنات بنتي حبيبتي كبرت وبقت أحلى عروسة .. وأنا هبقى أم العروسة..
– ماما..!!
– يا عيون ماما..
– يووه بقا..
– اسكتي يا عدوة الفرحة سبيني أفرح يا بت متعرفيش أنا حبيت عُدي قد أيه في الله كدا مع العلم من إني ولا قعدت معاه ولا اتعاملت معاه بس فعلًا المحبة دي بتبقى رزق..
– أحممم طب أنا هنزل بقى وهرجع عالطول بإذن الله.
– خدي بالك من نفسك، بردوة مصممة تنزلي بالوجبتين للولاد دول..
– متقلقيش يا ماما .. ليه الفكرة إللي واخدينها على الأطفال ومتقولوش أطفال شوارع .. الكلمة دي أنا مش بحبها..
وردة ورحيم أنا حبيتهم أوي شكلهم بريء جدًا يا ماما ميستحقوش كدا..
– أيوا يا بنتي بس الدنيا بقى يحصل فيها حاجات غريبة وأنا خايفة يكون حد مسلطهم ولا حاجة..
– لا يا ماما .. صدقيني عيونهم كانت بتقول وجع كبير أووي قدرت أقرأه وأنا واثقة إن طالما أنا ناوية خير ربنا مش هيضيعني وهيكون معايا..
– نعم المولى ونعم النصير يا بنتي .. يلا أنا مستبشرة خير إللي يخلوا بنتي غصون تقوم وتتشملل كدا وتعمل أكل إنما أيه فراخ ولحمة ومكرونة بشاميل ولا أجدع عزومة متفائلة خير والله من وراهم .. وكمان ما شاء الله شوفتي رؤيا جميلة..
– بقى كدا .. ليه متفتكريش مني أي حاجة حلوة .. أنا مش عارفة ليه نكران الجميل ده يا نااس .. دا أنا سُكرة ورقيقة مثل غصون البان..
– حصل يا أوختي حصل.! .. أبوكِ فرحان أوي وقالي خلي غصون تعمل االازم للولاد دول.
– ربنا يبارك فيك يا بابا .. عبدو حبيب قلبي..
– اممم طب يلا انجري من قدامي ومتغبيش علشان عندنا شغل كتيررر.
– يا الله دا إللي كنت خايفة منه…
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
وقفت غصون بالقرب من إشارة المرور تبحث عنهم، انفرجت أساريرها حينما رأتهم يجلسون على إحدى الدِكاك..
هرعت إليهم وهي تبتسم في سعادة.
– يا أهلًا بالحلوين..
حينما رأتها الطفلة ابتسمت وهبطت نحو غصون محتضنها:-
– غصون .. كنت خايفة متجيش .. الفطاير كانت حلوة أوي.
أحاطتها غصون بذراعها بحب وقال بحنان:-
– يا روحي وإزاي مجيش لأجمل والورود.
نظرت لرحيم المبتهج وهتفت:-
– رحيم عامل أيه.
– الحمد لله بخير يا غصون.
جلست وسطهم ثم عملت على إخراج الطعام وهي تقول:-
– عيزاكم تسموا الله كدا وتقولولي رأيكم .. أنا إللي طابخة على فكرا ومش عايزة هدهد أمي تشمت فيا..
أنا جايبة أكلي هناكل سوا..
ابتهج الأطفال الجائعين وبدأوا يأكلون سويًا وغصون معهم غير مدركة أن تلك مرتهم الأولى التي يتناولون فيها مثل هذا الطعام..!
– شكرًا يا غصون، دي أول مرة أكل الحاجات دي بعد ما ماما وبابا ماتوا..
شعرت غصون بالألم لأجلهم وقالت:-
– الله يرحمهم .. ربنا أرحم من أي حد..
أكملت غصون متسائلة:-
– طب قولولي إنتوا عايشين مع مين طيب؟!
– مع عمي .. بعد ما ماما وبابا ماتوا أخدنا نعيش معاه..
قالت وردة بحزن وتذمر:-
– بس هو مش بيحبنا ولا طنط مراته وولاده كمان.. بيفضلوا يضربوني أنا ورحيم وكمان مش بيدخلونا البيت وبنام تحت السلم .. ولا بيرضوا يأكلونا وبيقولونا نطلع نشتغل ونأكل نفسنا..
صُدمت غصون من كم هذا الجبروت ونظرت للبؤس المرتسم على ملامح الأطفال..
تسائلت غصون:-
– طب هما مش بيخافوا يحصلكم حاجة لما تخرجوا كدا في الشارع وتغيبوا عن البيت..
قال رحيم بحزن مزق قلب غصون:-
– هما نفسهم منرجعش البيت تاني أصلًا .. في يوم معرفناش نرجع البيت واتأخرنا حتى مسألوش عننا ..
وعمو قالنا أنا ووردة ياريتكم ما رجعتوا ربنا ياخدكم ويريحنا منكم…
ادمعت عيون غصون وبالكاد تماسكت ثم وبقوة قررت أنها لن تصمت، الله قد بعثها لهم وجعل هؤلاء الأطفال بطريقها ليس عبثًا وقفت وقالت:-
– طب يلا بينا..
– هنروح فين يا غصون .. إنتِ خطافة أطفال!
ابتسمت غصون على لُطف وردة وتسائلت:-
– إنتِ عندك كام سنة يا وردة؟
– تسعة يا غصون..
– وإنت يا رحيم؟
– 12 يا غصون .. بس ليه..!
– طب يلا هنروح بيتنا..
– ليه..
– بس متخافوش .. يعني أنا شكلي شرير !!
وبعدين في خطافة أطفال بتستأذن إنها تخطف..
يلا يا ولاد وأنا هقولكم..
٠•✦||ــــــــــــــــــ بقلم/سارة نيل ــــــــــــــــــ||✦•٠
– أنا .. أنا فين وشي .. أنا بقيت مشوة .. إزاي هعيش كدا..
لا لا .. رجعولي شكلي تاني .. رجعولي وشي..
– إهدي يا بنتي .. استعيني بالله واصبري..
نظرت صبا للممرضة ووجها مليء بالضمادات الطبيبة وكذلك أجزاء من ذراعيها وصدرها، شعرت أن الدنيا تدور وجاء بمسمعها تلك الكلمات التي كانت تسمعها لغصون..
وليس هذا فقط بل كانت تتنمر على خِلقة الجميع، تستهزأ بالكثير..
كل المواقف التي قامت بها تمثلت أمامها..
– أنا أستاهل .. دا عقابي على إللي عملته.. كل الناس دلوقتي هيتريقوا عليا وهيقرفوا مني .. محدش هيقبلني خالص..
تعرفي أنا قاسية أووي .. أنا وحشة .. أنا وحشة أووي..
أنا في مرة قولت لبنت كانت مصابة بالسرطان وبتتعالج بالكيماوي .. كان شعرها وقع وحواجبها وشكلها بهتان..
تعرفي قولتلها أيه!!
قولتها .. شكلك مُقرف أووي..
تعرفي أنا إللي طلعت مقرفة لأبعد درجة ممكنة..
أكملت بتألم ودموع أغرقت جروحها:-
– أنا عايزة أتأسف من الناس دي كلهم..
غصون وإللي زيها…
———————–
في مشفى للأمراض النفسية والعقلية..
كانت تجلس أسيل في وسط المرضى وقد نجحت في إقناع الشرطة أنها غير سليمة عقليًا..
– الطريق بقى قصير خلاص .. هقدر أهرب من هنا بكل بساطة وأخلص عليكِ يا غصون..
يتبع…

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا