رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير بقلم ايه محمد
رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة ايه محمد رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير
رواية الاربعيني الاعزب عاصي ولوجين من الفصل الاول للاخير
ها قد حل الخريف المشرق لتلك الأشجار العملاقة، حيث تنتظره بفارغ الصبر من الحين للأخر لتتخلص من ورقاتها البائسة كالمرء التعيس الذي يتخلص من أحزان قلبه الغائمة، كحال الأربعيني صاحب ذاك القصر المرتب، زواره يقسمون أن سيده رجلاً عسكرياً يتحكم بقواعده بحزمٍ وصرامة، ربما لا يعلم أحداً المخبئ خلف ذاك القاسي الذي التاع قلبه حرقةٍ لا يقو عاشق تحملها، تسللت خيوط الشمس من خلف الستار لتنير غرفته ذات الطلاء الأسود الداكن، ليكسو صمتها المخيف صوت رنين المنبه المعتاد سماعه بالنسبة إليه، فرفع ساعديه ليوقف رنينه المزعج، ثم أزاح غطاء الفراش لينهض عن سريره الوثير، ومن ثم اتجه لحمامه الخاص، ووقف مقابل مرآته ليزيل شعر لحيته الزائد، ومن ثم صفف شعره الأسود الذي يكسوه بعض الخصلات البيضاء التي زادت من وسامة وجهه القمحي، عينيه البنية كانت تتوهج بتحدٍ سافر لضوء الشمس المذهب، فكانت تحاوط حدقتيه البني خط خفيف من العسل المسكوب، انتهى مما يفعله ثم خرج ليختار أحدى بذلاته الداكنة المعتادة بالنسبة اليه، ثم هبط ليترأس تلك الطاولة الكبيرة بمفرده، لم يشعر يوماً بمللٍ يهاجمه، وهو يعيش بمثل ذاك القصر بمفرده لأعوامٍ، في عزلة اختارها هو لذاته، انتهى من تناول طعامه في تمام الثامنة والنصف كالمعتاد اليه ثم احتسى فنجان قهوته بالتاسعة الا ربع مثلما اعتاد، ليغادر قصره في تمام التاسعة متجهاً الى شركته، هبط “عاصي” من سيارته ذات الطراز القديم ليتجه لمكتبه، فهرع اليه السكرتير الخاص به وهو يفتح مفكرته الصغيرة ويخبره بمواعيده الهامة:
_لديك اجتماع هام بعد ساعتين من الآن سيدي، وبالمساء عشاء عمل في فندق **مع السيد “قاسم خلدون” ..
أومأ بخفة برأسه وهو يشير له بحزمٍ:
_دعنا لا نضيع وقتاً إذاً، فلتحضر لي الملفات الهامة..
أجابه على الفور:
_في الحال سيدي..
ثم أسرع لمكتبه ليختار له الملفات الهامة قبل أن يغادر الشركة، بينما ولج “عاصي سويلم” بكامل هيبته لمكتبه الخاص، فوضع حقيبته على المكتب ومن ثم القى بثقل جسده الرياضي على مقعده وعينيه تبحران بهيامٍ بتلك الصورة الصغيرة، المعلقة على طرف مكتبه الخاصة، لم تكن مجرد صورة عادية بل سجنه الذي يتسع به عاماً بعد الأخر حتى بات يعتاد ظلامه القاسي، قرب “عاصي” الصورة اليه وعينيه البنية تتعلق بتفاصيل وجهها الذي يحفظه عن قلبٍ محب، ادمعت عينيه وهو يدفنها بصدره بتمني لو كانت مازالت لجواره تشاركه ذاك العشق القاتل بين أضلاعه، نعم غادرت من رغب بها، تاركة عذاب يبتلعه يوماً عن يوم، لم يشعر بالرغبة للاقتراب من أي امرأة سواها، لذا اصبح رجل الاعمال الاعزب المرغوب من الفتيات، والاغلب يظنونه يطمح بالمزيد من الثروة والمال لذا استكفى بوحدته ليحقق طموحاته الصاعدة، لا يعلم احداً بانه فقد قلبه مع من رحلت، فتح عينيه على مهلٍ وهو يهمس لصورتها بابتسامةٍ يجاهد لرسمها:
_صباح الخير حبيبتي، أرى ابتسامتك مشرقة اليوم وكأنكِ تعلمين بأن اليوم عيدي الأربعون..
ثم استطرد بألم:
_أجل، اليوم اتممت الاربعون بدون وجودك لجواري…. وبالتحديد اتممت عشر سنوات بدونك….
لم يشعر بتلك الدمعة الخائنة التي انسدلت على وجهه، وبات يخرج ما يضيق بصدره:
_عشر سنوات وأسبوعين وثلاث ساعات تقريباً… عمراً كامل أطال بي وأنا أعُد الأيام بترقبٍ للقاءك….
ومن ثم قال:
_أحياناً أتساءل إن لم يكن قتل النفس محرماً ماذا كنت سأفعل؟ … هل كنت لألحق بكِ أم أن العيش على ذكرياتك يمنحني قوة لأبدأ من جديد وصورتك تلاحقني فتمدني بقوةٍ أجهل سرها حتى تلك اللحظة..
ومرر اصابعه على شفتيها قائلاً:
_لا أعلم… ولكني أفتقدك كثيراً…. في كل ثانية يجلد قلبي المسكين حينما لم يجدك لجواره… ولكن عل اللقاء أصبح قريباً…
وترك الصورة عن يديه ثم ارتدى نظارته التي زادت من وسامته ليبدأ عمله الذي انتهى بعدما انهى اجتماعه الهام بموظفين شركته، ليتجه لسيارته ليعود للقصر حتى يبدل ثيابه لاجل موعده المسائي، فما أن رآه السائق حتى فتح باب السيارة الخلفي بوقارٍ، صعد “عاصي” بالخلف ثم أخرج هاتفه الذي دق للمرة الثالثة، ابتسم حينما رأى اسم رفيق دربه وزوج اخته الوحيدة، فما ان فتح الهاتف حتى استمع لصوته المتعصب:
_أخبرني لماذا تحمل الهاتف اذا كنت تتجاهله اذاً؟
ابتسامة ماكرة زينت وجهه الجذاب، ومن ثم اتبعها قوله الخبيث:
_أراك تبالغ قليلاً، أعلم إنك تحدثت مع “مصطفى” السكرتير وأخبرك هو بانشغالي باجتماعاً عام… اليس كذلك؟
أتاه رده اللازع:
_بالطبع تحدثت معه، أتعلم أصبحت أتصل به أكثر من اتصالي بزوجتي… بنهاية الامر أنا مجبر هنا فصديقي المتعجرف لا يبالي بي ولا بمكالماتي الهامة له.
احتضن مقدمة انفه بيديه وهو يجاهد الصداع الذي سيتسبب له، لذا قال بصرامةٍ:
_بربك يا “عمر” اخبرني ماذا هناك حتى تنغلق محاضراتك التي لا تنتهي تلك..
تنحنح وهو يردد بمرحٍ:
_كأني بلغت قليلاً ولكن لا يهمني ما يهمني الان أن تأتي بالمساء، فأختك ترغب في مفاجأتك بعيد ميلادك وشددت بأن أتي بك للمنزل بالمساء والا أفصح بالمفاجآة التي تعدها لأجلك.
ابتسم ساخراً:
_وقد فعلت!….
ثم استطرد بمللٍ:
_حسناً حسناً، سأتي حينما أنتهي من مقابلة عمل هامة..
وأغلق الهاتف وهو يردد ساخراً:
_أحمق…
ثم جذب حاسوبه ليلتهي به قليلاً، فابتسم حينما وجد صورتها تستحوذ على لابه الخاص كما تستحوذ عليه هو شخصياً، فغامت عينيه بذكراها الهائمة
##
_أخبرني متى بالتحديد ستتفرغ لي، أنت دائماً مشغول “عاصي”!
ابتسم وهو يخبرها بحنانٍ:
_كيف أنشغل عنكِ حبيبتي وأنتي دائماً ما تقتحمين غرفة الاجتماعات بغضبٍ اعتاد عليه موظفين الشركة المساكين..
لوت شفتيها بسخطٍ:
_عليهم الاعتياد قليلاً فبالنهاية بعد الزواج سيقتسمونك معي.
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يشير لها بمكرٍ:
_مهلاً “هند” أشم رائحة حريق تنبع من داخلك، دعنا نذهب للطبيب لنطمئن بأن الامور على ما يرام..
جزت على أسنانها غضباً ومن ثم جذبت اوراق الملفات التي تملأ مكتبه لتلقيها بوجهه وهي تردد بعصبيةٍ:
_ستلتهمك تلك النيران يا “عاصي” وسترى…
عاد من شروده حينما قال السائق:
_سيدي،لقد وصلنا أترغب في زيارة مكانٍ أخر!
أفاق من دوامة ماضيه والبسمة الفاترة مازالت مرسومة على وجهه، فهبط ومن ثم اتجه لغرفته، ليختار بذلة سوداء انيقة، ثم اغتسل ليستعد بلقاء “قاسم خلدون” رجل الاعمال الشهير، فتلك الصفقة تعد من أهم ما ستحققه شركة “عاصي سويلم” بالشراكة معه، وقف أمام مرآته المطولة ليعدل من جرفاته الرمادية،ثم نثر البرفنيوم الخاصة به على بذلته، ولحيته النابتة، ليلقي نظرة أخيرة على ذاته قبل أن يتجه للاسفل، استقل “عاصي” سيارته التي تحركت به فور صعوده للفندق المنشود، ليجد قاسم باستقباله هو وابيه وعمه، الجميع يرحب به بهيبةٍ وقار، ليشير له قاسم على تلك الطاولة الضخمة التي أعدت خصيصاً اليه، ليجذب الجرسون احد المقاعد التي احتلها بهيبته الوقورة، جلس الاب والعم وقاسم مقابله ليبدأ بالحديث:
_هنيئاً لنا بشراكة مثل شراكتك سيد “عاصي”..
اكتفى برسم ابتسامه صغيرة له، واستكمل” قاسم” قائلاً:
_لذا سأستغل تلك المناسبة الهامة لتصبح الفرحة فرحتين بخطبتي أنا و”لوجين”… ما رأيك عمي؟
بدأت الصدمة جلية على وجه عم قاسم، الذي ابتلع ريقه بصعوبةٍ ملحوظة، ومع ذلك حاول السيطرة على انفعالاته وهو يجيبه:
_كما تشاء ابني… سأخبر “لوجين” لتستعد في الحال…
شعر “عاصي” بأن هناك خطباً ما بين العم وابن اخيه، ولكن لم يعنيه الامر كثيراً، فالمهم بالنسبة اليه انه تمم الصفقة الهامة، فاراد ان يغادر فور اعلان الخطبة حتى يذهب لشقيقته التي تنتظره، انتاب الحفل حالة من الهرج والمرج، لتردد على الالسنة عبارة واحدة “اختفت العروس!”..
كان الامر غريب بعض الشيء وبالاخص غضب”قاسم” الذي بدى للجميع اعتياده على هروبها الدائم من خطبته التي ألتغت اكثر من مرة، رفع “عاصي” كوب العصير ليرتشف منه، عل ريقه الجاف يزداد رطوبة قليلاً، فكاد بأن يسعل حينما توقف العصير بحلقه، لتتجه عينيه لاسفل الطاولة حينما شعر بيد تشدد على بنطاله، فوزع نظراته لجواره، وما ان تأكد بانشغال الجميع بالبحث عن العروس، رفع بمقدمة حذائه غطاء الطاولة الابيض الطويل، ليتفاجئ بمن تختبئ أسفلها!
….
تفاجئ “عاصي” بفتاة تجلس أسفل طاولته، عينيها تشبه الليل الساكن في ليلة سمائها صافية، خصلات شعرها البنية القصير يلتف حول رأسها على شكل دائري فمنحها مظهر بريء للغاية، وبالرغم من جمال تلك الحورية ذات الجمال الرقيق الا انه لم يرمش له جفن، وكأنه مسحور تجاه امرأة أخرى، فرفع عينيه ليتابع المارة بنظرةٍ متفحصة قبل أن يعود لسؤالها:
_من أنتِ؟ وماذا تفعلين هنا!
أجابته بصوتٍ هامس:
_كما ترى بعينيك أختبئ أسفل الطاولة حتى لا يراني هذا الارعن “قاسم خلدون”، أما إجابة سؤالك الأول فإجابته مقتصرة على الاجابة الاولى فأنا العروس الهاربة!
ابتسم رغماً عنه على جملتها الاولى وسبها لابن عمها دون خوفاً، فعاد ليسألها من جديدٍ:
_حسناً، ولماذا طاولتي بالتحديد؟
أجابته بابتسامة واسعة رسمتها بلباقةٍ، استطاع أن يلمسها “عاصي” بحديثها:
_لا أعلم، ربما لأنك تبدو رجل شهم، ستساعدني بالهروب من هنا، فليس من المنصف بالنسبة لك أن تتزوج فتاة من رجلاً لا تحبه بالقوةٍ، وهي تحب رجلاً أخر..
سألها ساخراً:
_وأين الرجل الأخر بذاك الوقت بالتحديد؟
رفعت كتفيها بطفوليةٍ:
_لا أعلم، من المفترض أن يكون هنا، ولكن لحينما يحدث ذلك لا تتخلى عني.. أرجوك ساعدني بالخروج من هنا..
تقوس جبينه بحيرةٍ:
_وكيف سأفعلها؟
قالت على الفور:
_كل ما أحتاجه منك هو جاكيت بذلتك الانيقة، وسارفقك للخارج وكأنني أحضرت للحفل برفقتك..
جز على شفتيه السفلية باسنانه وهو يهمس بسخطٍ:
_لابد وإنكِ تمازحيني يا فتاة، هل تعرفي من أكون؟
ضمت شفتيها معاً بحيرةٍ، فأعاد غطاء الطاولة سريعاً حينما دنا منه “قاسم”، ليشير اليه بحرجٍ:
_أعتذر سيد”عاصي” أعلم بأن هناك عقود لم توقع بعد،ولكن ما حدث لم يكن متوقعاً …
ربت على كتفيه بهدوءٍ:
_لا بأس، دعك من الامر وابحث عن ابنة عمك أولاً…..
أجابه باستياءٍ:
_تلك الفتاة ستقودني للجنون حتماً، كلما قررت اعلان خطبتنا تختفي كالشبح المتخفي..
كبت “عاصي” ضحكاته وهو يرأها تدلي برأسها من اسفل الطاولة وترمقه بنظراتٍ قاتلة، فحك طرف أنفه ليخفي ابتسامته وبجدية تامة قال:
_هل هربت من قبل؟
رد عليه بضيقٍ:
_سئمت من عد المرات التي هربت بها من المنزل…
ابتسم وهو يقول:
_لما لا تدعك منها وتبحث لك عن امرأة أخرى…
قال بابتسامةٍ بلهاء:
_ليتني استطيع ولكنني لم أحب غيرها..
ضحك بصوته كله وهو يرآها تحمل سكيناً التقطته من أعلى الطاولة وتشير به على عنقها وهي تردد بصوتٍ استمع له عاصي جيداً:
_الموت رحمة لي منك أيها الأرعن..
تعجب قاسم من ضحك عاصي، فاستوعب الاخير الامر، ليستعيد ثباته سريعاً وبملامح جادة قال:
_أتمنى ان تجدها بأسرع وقت، وربما تكتسب خبرة بكسب حبها تجاهك..
ودعه وهو يهم بالخروج للبحث عنها:
_اتمنى ذلك..
وما ان غادر قاسم، عاد عاصي ليجلس محله من جديد، وهو يهمس بصوتٍ منخفض:
_ذهب للبحث عن المشاغبة بينما تختبئ كالهرة أسفل الطاولة!
أخرجت رأسها اليه وهي تشير له باستعطاف:
_الفرصة مناسبة للخروج الان، الن تمنحني الجاكيت..
احتدت نظراته تجاهها، فقالت بحزنٍ مصطنع:
_هيا ساعدني وأعدك بأنك لن ترى وجهي مجدداً، أخرجني من هنا وسأتوالى زمام الامور..
تطلع لها بشكٍ، ولكنه لم يعتاد التخلي عن أحداً يطالبه بالمساعدة، لذا رضخ لها وخلع جاكيته ليكوره بغيظٍ وهو يقدمه لها، فلم يعتاد ابداً على التخلي عن جاكيت بذلته بمكانٍ هام كذلك، لا يعلم بأن تلك المشاغبة جعلته يجتاز فقط اول قوانينه أما القادم فسيجعله في حالة عدم استيعاب، ارتدت “لوجين” الجاكيت، فتنحى بمقعده للخلف ثم راقب الطريق من حوله ليشير لها:
_ اخرجي الان..
خرجت من اسفل الطاولة لتقف جواره ومن ثم تعلقت بيديه وخطاهما السريع يدنو من سيارته المصفوفة بالخارج، فصعدت جواره بالخلف، ومن ثم امر سائقه:
_انطلق سريعاً “علي”..
لم يفهم ماذا به، والاهم من تلك الفتاة التي تعتلي سيارة سيده لاول مرة، ولكنه انطلق على الفور تنفيذاً لاوامر سيده، فما أن ابتعدت سيارته عن الفندق بمسافةٍ معقولة، حتى أمره بايقاف السيارة، ثم استدار تجاهها ليشير لها بصرامةٍ:
_هيا، انزلي انتي الآن بأمانٍ..
لعقت شفتيها بارتباكٍ وهي تسأله بصدمةٍ:
_هل ستتركني هنا بمفردي!
استدار تجاهها ثم قال بسخريةٍ:
_وماذا يفترض بي ان أفعل؟
رفعت كتفيها ببراءة مصطنعة:
_لا اعلم..
ثم قالت:
_ولكن على الأقل اعطيني هاتفك لاتصل بحبيبي عله يأتي الى هنا ليحميني..
جز على اسنانه بعصبيةٍ بالغة، على تلك الكارثة التي بلى نفسه بها، فجذب هاتفه من جيب بنطاله ليضعه أمامها بضيقٍ:
_تفضلي..
تناولته منه وهي تردد بابتسامة عابثة:
_شكراً لك آ…
ثم تساءلت باستغرابٍ:
_ما اسمك؟
قال بسئمٍ:
_لا يهم..
رددت بغضبٍ:
_انت فظ للغاية، ولكني أفضل منك..
ثم مدت له يدها وهي تقول بابتسامة سحرته:
_أنا “لوجين”…
ابتسم وهو يردد ساخراً:
_أعلم… بل مدعو الحفلة بأكملهم علموا اسم العروس الهارب!
كبتت غضبها غيظاً، فكادت بأن تتحدث مجدداً فقطعها حينما قال:
_هيا اتصلي به، لدي موعد هام..
جذبت الهاتف ثم حاولت الاتصال برقمٍ كتبته بعشوائيةٍ وهي تراقب انفعالات وجهه ثم قالت بايتسامة واسعة حينما استمعت لصوت المتصل:
_مرحباً، هل أنت “وسيم”؟
انعقدت تعابيرها بغضبٍ وهي تستطرد:
_مهلاً مهلاً، أيها الوقح لم اتعمد مغازلتك سألتك عن اسمك فحسب!
حسناً أغلق هذا الهاتف والا اقتلعت عنقك..
وأغلقت الهاتف ثم دفعته تجاه عاصي الذي يتطلع لها هو والسائق بصدمةٍ، فقالت وهي تتطلع له بخجلٍ:
_بحقيقة الأمر أنا ليس لدي حبيباً، تلك كانت خدعتي لتخرجني من ذلك المكان..
جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، وهو يرى تلك الفتاة القصيرة تتلاعب بعاصي سويلم، الذي لم يجرأ احداً على فعلها من قبل… فتطلع لباب سيارته ثم ردد بصوتٍ حاد:
_هيا إنزلي من سيارتي في الحال…
قالت بحزنٍ مصطنع:
_أتتخلى عني بتلك السهولة، ظننتك رجلاً شهم وستساعد فتاة بريئة بحاجة لمساعدتك ولكنك في حقيقة الامر مثل “قاسم” لا تفرق عنه كثيراً..
ثم تركته وهبطت من السيارة لتقف جانباً بحزنٍ مصطنع وهي تتصنع البكاء، مما جعله يلكم نافذة سيارته وهو يردد بضيقٍ شديد:
_اللعنة!
وفتح باب سيارته ثم هبط ليقترب منها ثم قال باستسلامٍ:
_حسناً سأساعدك… سادعك بمنزلي ثلاث أيام فقط حتى تدبري أمرك.. لا تحلمي بأكثر من ذلك..
_لا تكفي، سأدبر أمري بعد ذلك… اعدك..
أومأ برأسه ثم قال بهدوءٍ:
_حسناً… اصعدي للسيارة..
صعدت “لوجين” لسيارته بإبتسامةٍ نصر، فتحركت بهما السيارة تجاه منزل شقيقته، وحينما توقفت اسفل البناية الراقية، قالت “لوجين” وهي تتطلع لاعلى البناية باعجابٍ:
_هل تسكن هنا!
لم يجيبها، بل قال بصرامةٍ:
_هل انتهيتي من جاكيتي!
فهمت مغزى حديثه، فخلعت جاكيته ثم منحته اياه، فلبسه على الفور ثم صعد الدرج وهو يقول بحدةٍ:
_اتبعيني…
صعدت خلفه حتى ولجت للمصعد ومن ثم توقف بالطابق المنشود، فخرج عاصي ومن ثم طرق الجرس مرتين متتاليتين، فقالت باستغراب:
_اليس لديك مفتاحاً لمنزلك؟
لم يجيبها وظل صامداً كشموخ الجبل، ففتح رفيقه باب المنزل ثم قال بصوتٍ مرتفع حتى تسمعه زوجته:
_لماذا تأخرت هكذا عاصي، الا تعلم أني انتظرك منذ ساعتين؟
لم يجيبه بل دفعه بقوةٍ حتى يفتح الباب على صراعيه، فولجوا سوياً للداخل، لتقف شقيقته هي وزوجها يتطلعون لمن تقف خلفه بصدمةٍ، وبأنٍ واحد قالوا سوياً:
_من تلك الفتاة؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
ستحوذت الصدمة عليهما، فلأول مرة منذ سنوات يصطحب “عاصي سويلم” فتاة معه، كانت “هند” الامرأة الاولى والوحيدة بحياته، وكلما حاولت شقيقته “إيمان” أن تجد له عروس مناسبة اليه، ولكنه رفض في كل مرة أتت له بفتاة مختلفة، وأخبرها بأنه لا يفكر بالارتباط بعد موت خطيبته وحبيبته “هند”، وهي الآن تراه يقف أمامها وبصحبته فتاة جميلة للغاية، تجاهل”عاصي” السؤال المطروح، فعادت شقيقته لتسأله من جديدٍ:
_من تلك الفتاة “عاصي”؟
ابتسمت وهي تقترب منها، لتجيبها بابتسامةٍ عذباء:
_أنا”لوجين” ، وأنتي ما اسمك؟
انتقلت نظراتها المتعجبة تجاهه، ومن ثم أشارت له هامسة:
_أخبرني “عاصي” ..
جذبهما برفقٍ للغرفة القريبة منه، ثم أغلق بابها ليلتفت اليهما ومن ثم قص على مسماعهما ما حدث، فقال “عمر” بصدمةٍ:
_دعني استعب ما قلته لتو… أيعني ذلك ان تلك الفتاة بالخارج هي خطيبة قاسم خلدون والذي من المفترض ان تتم صفقة بينكما في نفس يوم خطبتهما، فخطفتها أنت لأنها لم ترد الزواج منه!…. بربك يا رجل مع من تورطت!
ابتسمت “إيمان” لتقطع حديث زوجها بحماسٍ:
_دعك من هذا يا “عمر”، كل قصص العشق والغرام تبدأ بمثل تلك الاحداث، أنا الآن متفائلة بأن تلك الفتاة ستفعل ما حجزن نحن عن فعله..
استدار تجاهها”عاصم” ثم صاح بها بانفعالٍ:
_هدئي من روعك “إيمان” لن يحدث ما تتمنيه أبداً، اخبرتك مراراً بأن قلبي مات باللحظة التي رحلت بها “هند”..
ثم تركها وخرج من الغرفة ليجلس على الاريكة مقابل”لوجين” التي تنتظرهما بالخارج، فما ان جلس جوارها حتى قالت بخجلٍ:
_أتمنى أن لا أكون تسببت لك بالحرج مع عائلتك سيد “عاصي”..
لمس بحديثها خجل مخفى، وها قد استكشف بها جانب جديد جوار مشاكستها وجرائتها التي أثارت اعجابه، لم ينكر بأن تلك الفتاة بها شيئاً يثير اعجابه، ولكنه علل لذاته بأنه لم يتخلى عن أحداً قط حتى يتخلى عنها وهي بحاجة لمساعدته، فقال بصوته الرخيم:
_لا أبداً… شقيقتي كانت تود الاطمئنان علي فحسب..
قاطع “عمر” الهمس المتلهف بينهما، حينما قال بترددٍ:
_تفضلا بالداخل…
لم يفهم “عاصي” لماذا يريد منه الدخول، فغمز بعينيه وهو يخفض من صوته خشية من أن تستمع له زوجته:
_المفاجأة التي أخبرتك عنها يا رجل ما بك؟
ابتسامة شبه ساخرة رسمت على محياه، بينما نهضت “لوجين” عن مقعدها وهي تشير اليه بحماسٍ:
_أي مفاجأة هذة… هيا أخبرني..
أشار لها بأن تتبعه، فأتبعته للداخل ومن خلفهما “عاصي”، فوجد شقيقته قد زُينت الغرفة بأكملها بالبلالين الحمراء، والشموع، ووضعت طاولة كبيرة بمنتصف الطاولة، تحوى قالب عملاق من الكيك المغرق بالشوكولا الشهية، وكتبت على سطحها بالكريمةٍ
“عيد ميلاد سعيد عاصي”…
تطلع تجاهها وهو يمنحها ابتسامة حنونة، فلم يعد يملك بهذا العالم سواها هي وصديقه الوحيد، لا يعلم ماذا كان سيفعل بدونهما!
ساد الصمت بينهما حتى طوت صفحته صفقات تلك الفتاة واتبعها صياحها:
_أعتقد أنني هنا بالوقت الصائب، هيا فلنقطع الكعك..
ابتسمت لها “إيمان” ثم قالت:
_فلنحضر السكين والأطباق اذن..
أومأت برأسها ومن ثم اتبعتها للمطبخ ومازالت نظرات “عاصي” المندهشة من تلك الفتاة التي سرعان ما تتأقلم مع الأغراب تتابعهن حتى خرجن من الغرفة، أسرع “عمر” تجاهه ثم جذبه على الأريكةٍ ليردف بشكٍ:
_هيا اخبرني الحقيقة والا أستدعيتك بعيادتي الخاصة لقولها… من تلك الفتاة؟
أبعده “عاصي” عنه ثم قال بسخريةٍ:
_اتظن بأن حيلتك الساذجة تلك، ستجدي نفعاً معي مثلما تفعل مع المرضى المختلين!
رد عليه بضيقٍ:
_وظيفتي تحتمني على النبش داخل ماضيهم وحاضرهم فأنا دكتور بنهاية الامر يا صاح!
دفعه بشراسةٍ قبل أن يجيبه:
_حسناً فلتمارس تلك المهنة بعيداً عني والا سأقتلع عنقك..
ابتعد عنه ببعض الخوف:
_إهدأ.. كان مجرد نقاش عادياً لماذا انزعجت هكذا!
استقام “عاصي” بجلسته ثم عدل من قميصه، لينتبه كلاً منهما لصوت الضحكات المرتفع الذي يقترب، حتى بات بالغرفة نفسها، فما كانت سوى ضحكات “إيمان” و”لوجين”المرحة بعدها تعرفت كلا منهن على الاخرى، فكونت صداقة سريعة بوقتٍ لم يستغرق الثلاث دقائق!
ناولت “إيمان” زوجها السكين، قائلة:
_هيا “عمر” فلتقطع الكعك..
جذبت منها لوجين السكين سريعاً ثم قالت بدهشةٍ:
_مهلاً… مهلاً.. سنقطع الكعك بتلك السرعة!
تساءل “عاصي” باستهزاءٍ:
_وماذا يفترض بنا أن نفعل؟
دارت حول الطاولة وهي تدندن بدلالٍ:
_happy birthday عاصي….
دارت عدة مرات وهي تغني بصوتها العذب، لتتوقف بعد فترة قصيرة لتشير لعاصي الذي يرمقها بنظراتٍ حادة:
_هيا إقترب لتطفئ الشمع..
انتقلت نظراته تجاه اخته وزوجها فوجدهما يتطلعوا لبعضها البعض وفمها يكاد يصل للارض من شدة الصدمة، فكان عمر اول من تماسك ليعود لثباته، فدفع “عاصي” برفقٍ وهو يخبره مازحاً:
_ماذا نتتظر؟ هيا أطفئ الشمع!
_أعتذر عن ذلك.. افعل ما تريد..
راقبت “لوجين” ما يحدث بينهما ثم تساءلت باستغرابٍ:
_ماذا هناك؟ كل شيئاً على ما يرام أليس كذلك؟
جذب “عاصي” السكين منها ثم قطع الكعك، ليضعه بالاطباق، ثم ناول “عمر” احداهما وهو يردد بغيظٍ:
_اجلس جانباً ثم تناول الكعك..
كان انذار صريح اليه، بان يكف عن الحديث، فجذب زوجته ثم جلس جانباً، أما “لوجين” فجلست على المقعد تتناول ما قدمه لها بشراهةٍ، وخاصة الشوكولا، خرج “عاصي” للشرفة ليضع طبقه جانباً والحزن يسيطر على معالمه، مازال يتذكر وجودها لجواره بمثل هذا اليوم الذي بات أتعس يوماً بالنسبة إليه، كل مناسبة تخصه باتت نقمة عليه بدونها، لا يعلم كم ظل على هذا الحال، ساعة ام ساعتين قضاهما وهو يتطلع للنيل بشرودٍ، أفاق من غفلته حينما وجد اخته تقترب منه بحزنٍ اتبع لهجتها:
_ما بك “عاصي”؟ أمازلت لا تستطيع نسيانها!
نظراته الضائعة اليها كانت بمثابةٍ اجابة صريحة لها، فربتت على يديه الممدودة على السور بحنانٍ:
_حاول أن تنسى ذكرياتها المؤلمة، عشر سنوات ومازلت كم أنت وكأنها توفت بالأمس… العمر يمضي فمتى ستحتفظ ببعض الذكريات لنفسك “عاصي”!
زفر ليخرج العالق برئتيه ومن ثم قال:
_لا أريد الحديث عن ما مضى”إيمان”..
وتركها وولج للداخل فوقف مشدوهاً حينما رآها غفلت محلها كالطفلة الصغيرة التي اتبعت ابيها لمشوارٍ هام ثم غلبها النوم، حك طرف انفه وهو يردد باستياءٍ:
_لا أصدق!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
شروق شمس هذا اليوم كان مختلفاً كثيراً، وكأن بوجود تلك الفتاة ذو الثلاثة والثلاثون عاماً جعل القصر الكئيب مفعم ببريقٍ من الأملٍ، فتسللت أشعة الشمس لداخل الغرفة بحريةٍ وكأنها تعلن عن بداية يوماً هام، وخاصة مع بداية استيقاظ تلك الفتاة التي يصغرها شكلها رغماً عن سنها المعترف به، عبثت “لوجين” بعينيها وهي تحارب نومها العميق الذي يسحبها بأحضانه، فأتكأت بمعصمها على الفراش الناعم حتى استقامت بجلستها، فحكت عينيها بعبثٍ وهي تتلفت بالمكانٍ باستغرابٍ، فحاولت بقدر الامكان تذكر ما حدث بالأمس، مر على مخيلاتها هروبها من الحفل بصحبة ذاك الرجل الوسيم، وبقائهما بمنزل شقيقته من أجل احتفالهما بعيد ميلاده الأربعون، تتذكر كيف غفلت على الأريكة ومن ثم وجدت ذاتها هنا، فربما وضعها بأحدى الغرف، نهضت عن الفراش ثم اتجهت لباب الغرفة ففتحته وخرجت لتتصنم محلها في ذهولٍ تام، حينما وجدت نفسها بقصرٍ ضخم للغاية، يملأه الأثاث الوثير والانتيكات الباهظة،وأغلب ما يشمل لونها الكحلي الداكن، مشطت بيدها خصلات شعرها وهي تردد بحيرةٍ:
_أين أنا؟ أين ذهب الجميع!
_صباح الخير سيدتي..
انتبهت “لوجين” لصوت الخادمة القادم من جوارها، فانتفضت بفزعٍ، ومن ثم هدأت من روعها لتجيبها بلهفةٍ:
_أخبريني أين انا بالتحديد؟
لمست من تعابير وجهها القلق، فقالت:
_إهدئي قليلاً سيدتي… أنتي هنا بقصر السيد “عاصي سويلم”.
ارتسمت ابتسامة حالمة على وجهها:
_حقاً!
هزت رأسها، ثم قالت باهتمامٍ:
_سأعد لكِ الفطور..
قالت بلهفةٍ:
_أسرعي فبطني تتضور جوعاً منذ الأمس..
ضحكت وهي تهم بهبوط الدرج الضخم، فلحقت بها”لوجين” للأسفل وهي تتطلع لكل ركناً بزوايةٍ القصر، فجذب انتباهها الصور الموضوعة بكل مكانٍ بباحته، تحمل صورته وصورة لفتاةٍ غريبة بملامح هادئة، جدائل شعرها الاسود منسدل على ظهرها، عينيها كحبات الزيتون اللامع، وعلى ما بدى لها بأنها زوجته، خاصة بوقفتها لحواره بحريةٍ كبيرة، أفاقت “لوجين” من شرودها على صوت الخادمة وهي تخبرها:
_تفضلي سيدتي، الطعام جاهز.
سألتها ويديها تشير على الصورة:
_من تلك المرأة؟
راقبت الخادمة الطريق من حولها قبل أن تجيب على السؤال المطروح بحزنٍ ظاهر:
_هذة السيدة “هند”، زوجة السيد”عاصي” السابقة..
ضيق “لوجين” عينيها بذهولٍ، فلم تشبع اجابتها المختصرة فضولها، لذا عادت لتتساءل من جديدٍ:
_ماذا تعني بالسابقة؟ هل انفصلا؟
هزت رأسها بالنفي، ثم قالت بتوضيحٍ:
_توفت قبل الزفاف ببضعة أسابيع، كانت تعاني من مرضٍ خبيث عفانا الله..
حزنت لما استمعت إليه، فرفعت رأسها تجاه الصورة مرة أخرى، لتردف بلهجةٍ مختنقة:
_وجع الفراق لا يعلمه سوى من عاش بصحبته… أتساءل كيف تجاوز الأمر بتلك البساطة!
ردت عليها الخادمة بشفقةٍ تجاه سيدها:
_لم يتجاوز السيد “عاصي” الأمر إلى الآن، فمنذ وفاتها تحول هذا القصر لسجن كئيب، حتى هو لم يفكر بالزواج من أخرى..
استندت بذراعيها على مقدمة المقعد المقابل لها، لتهيم بحديث الخادمة التي زرع الإعجاب بقلبها تجاهه، أعجبت بتفانيه بحبه حتى بعد وفاة من أحبت، وبشهامته واصراره على مساعدتها رغم استغلالها له وكذبتها المتعلقة بأمر حبيبها، وُلد بداخلها رغبة بسماع كل شيء يخص هذا الأربعيني الوسيم، لامست بيدها خصلات شعرها المتدلية على وجهها بدلالٍ، فسكنت لدقيقتين تراقب ملامحه المتغيرة، فعلى ما يبدو بأن تلك الصورة منذ أعواماً والذي أثار تعجبها جاذبيته التي ازدادت كلما كبر عاماً، فهمست بصوتٍ غير مسموع:
_عجباً لك… أتزداد جمالاً كلما تقدم بك العمر أم يعود بك الزمن عاماً أخر للخلف!
قطع حساباتها المعقدة وحالة صدمتها المؤثرة صوت البيانو القادم من إحدى الغرف بالطابق الأسفل، تتبعت “لوجين” الصوت كالدمية المسحورة التي تحركها الساحرة الشريرة، حتى وصلت لأحدى الغرف المغلقة، حررت بابها بربكةٍ غامضى تطرق أبواب قلبها لأول مرة، وخاصة حينما وجدته يجلس على البيانو، يحرك أصابعه على أزراره بحرافيةٍ ومهارة، حتى وعينيه مغلقة، وقفت مقابله تراقبه وتستمع لعزفه الساحر بصمتٍ، ظنت ببدء الأمر بأنه لم يراها لذا استرقت النظر إليه باستمتاعٍ لعزفه المميز، فكسر صوته الرخيم قواع. الصمت المخيمة بالغرفة:
_إن انتهيتي من المراقبة، بوسعك الإقتراب والجلوس أفضل من ان تؤلمكِ قدميك..
انفرجت شفتيها بصدمةٍ، فبللتها لتمنحها ترطيب بعد ان جفت مثل حلقها، ثم قالت بارتباكٍ:
_أتضور جوعاً فكنت أبحث عن طعاماً يشبع جوعي، فجذبني صوت البيانو إلى هنا..
أغلق باب البيانو الصغير، ثم نهض ليقترب منها، قائلاً بهدوءٍ:
_اتبعيني..
إنصاعت اليه، فاصطحبها لمطبخ القصر الرئيسي، ثم أشار بعينيه لأحدى الخادمات، فأتت مسرعة حاملة صينية دائرية الشكل، تحوي أنواعاً متعددة من الطعامٍ الشهي، فوضعتها على الطاولة المستطيلة الموضوعة بالمطبخ، فجلست تتناول طعامها وعينيها تراقبه، جذب أحد المقاعد المقابلة لها ثم جلس يتطلع لها بنظراتٍ ثابتة، قضمت أحدى الشطائر ثم بدأت بالحديث الذي لم تكف عنه منذ أن راته:
_هل تعيش هنا بمفردك؟
رفع حاجبيه ساخراً:
_الا يفترض بي ذلك!
ردت عليه بمرحٍ:
_بالتأكيد..
وتطلعت للخادمة المنشغلة بإعداد للقهوة ثم أشارت بيدها له بأن يقترب ليستمع لما تود قوله، ابتسم “عاصي” على طريقتها الطفولية، ثم قرب وجهه منها، فهمست بخوفٍ اتبع صوتها:
_سمعت بأن الأشباح يسكنون مثل تلك القصور القديمة…
رفع حاجبيه متصنعاً الدهشة:
_حقاً!
أومأت برأسها عدة مرات، ثم استكملت حديثها:
_أجل، اسمع لا تنام بمفردك بهذا القصر الكئيب، أنصحك بالزواج حتى لا تعشقك أحدى جنياته وحينها لن تتمكن من النجأة..
اخفى ضحكاته، وبدى جادياً:
_ومن تلك العروس التي ستوافق على الزواج من رجل القصر المسكون!
وضعت طرف الملعقة في فمها وهي تفكر قليلاً، فارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة وهي تجيبه:
_فلننظم حملة من الدعايا، نطالب بها بعروس مناسبة لك..
ضحك بصوتٍ مسموع ولأول مرة، فتابعه الخدم بصدمةٍ، اظلمت ابتساماته مع ظلام ذاك القصر المظلم وها قد اضاءتها تلك الفتاة مجدداً، نقل نظراته لساعة يديه، ثم جذب الجاكيت الموضوغ خلف مقعده، ليشير لها ساخراً:
_لدي اجتماع طارق… أستأذنك بالانصراف…
واستكمل طريقه للخارج، وقبل أن ينهى خطاه تجاه الرواق استدار تجاهها يذكرها بما قد غفلت عنه:
_لا تنسي تبقى لكِ يومين فقط… استغليهم جيداً بالبحث عن سكن أخر..
وضعت الملعقة عن يدها، ثم قالت بتأففٍ:
_أعلم ذلك..
وغادر “عاصي” والابتسامة التي صنعتها على وجهه مازال يتحلى بها، حتى انه لم يستغل وقت القيادة للعمل بالحاسوب مثلما يفعل كل يوم، بل صفن بها طوال الوقت، لا يعلم كيف انهى اجتماعه الذي استغرق ثلاث ساعات كاملة ، وبالكد حصل على فترة استراحة بمكتبه، ليجد هاتفه يضيء بعدد مكالمات تصل لعشرون مكالمة جميعها من “عمر”، فحرر زر الاتصال وهو يجيب على مضضٍ:
_ كل تلك المكالمات منذ الصباح!
أتاه صوته الذي بدى اليه منصدماً بعض الشيء:
_نعلم انك تمر بأزمة عاطفية منذ وفاة” هند” وكنا ندعو الله أن تمر على خير، وتقطع وعدك بالعزوبية وتتزوج ولكن ما فعلته هو صدمة بكل المقاييس يا رجل!…
واستكمل ساخراً:
_أخبرت شقيقتك أكثر من مرة أنك خبيث ولكنها لم تصدقني، فحتماً حينما ترى ما أراه ستصدق كل حرفاً أخبرتها به..
مرر يديه على جبينه يحارب صداع رأسه الذي يهاجمه فور سماع صوته، ثم قال:
_ما بك “عمر”؟ أخبرني ما تقصده دون ألغاز!
قال بمشاكسةٍ:
_أرسلت لك الخبر على المحادثة الخاصة بنا… اذهب وأرى بنفسك..
فتح”عاصي” لينك الموقع الذي قام عمر بارساله اليه، فقرأ بعدم اهتمام المكتوب، فجحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، فاعتدل بمقعده سريعاً ليعيد القراءة مرة أخرى ببطءٍ
«رجل الأعمال الشهير “عاصي سويلم”، يبحث عن فتاة أحلامه، فمن ترى نفسها تليق بالأربعيني الأعزب الوسيم تملي تلك الاستمارة وسيتم اختيار عدد لمعينة مقابلة سريعة في قصره الخاص»
فتح الاستمارة الموضوعة أسفل الإعلان فصعق حينما وجدها عبارة عن أسئلة متعلقة بالوزن والطول، ولون البشرة وطول الشعر واخرى متعلقة بالعلاقات السابقة والمؤهلات التعليمة، أغلق الهاتف وهو يردف بتعصبٍ شديد:
_” لــــــوجين”… مـــــــــاذا فعلتي يا فتاة!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
عاد للقصر على الفور، والدماء تفور داخل اوردته، فما أن توقفت السيارة حتى أسرع بالهبوط ومن ثم ولج للقصر باحثاً عنها بغضبٍ عاصف، فإهتدت عينيه على الخادمة التي تنظف الطاولة القريبة منه، فصاح بصوتٍ جمهوري:
_أين تلك البلهاء؟
ارتعبت الخادمة من ملامحه المتعصبة، فأشارت باصبعها المرتجف على مكتبه، تهجمت معالمه وهو يتساءل بدهشةٍ:
_ماذا تفعل بمكتبي الخاص؟
أشارت اليه بكتفيها بقلة حيلة، فتركها واستكمل طريقه للداخل، فتفاجئ بها تجلس على مقعد مكتبه وتضع قدميها على حافة المكتب المرتب، وبين يدها ثلاث من هواتفه الهامة، فبدت حائرة بالرد على اي منهما، فرفعت سماعة احداهما ثم قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أهلاً بكِ في قصر الاربعيني الاعزب، أنا “لوجين” سكرتيرته الخاصة… من أنتي؟
انصتت للجهة الاخرى ثم قالت بذهولٍ:
_ماذا 120كيلو!!… حسناً أقترح عليكي اتباع حمية غذائية والاتصال بأحد النوادي الرياضية بدلاً عنا..
وأغلقت الهاتف وهي تهمس بسخريةٍ:
_تريد أن تسحق بحزامٍ ناسف وليس الزواج!
وأمسكت القلم من أمامها ثم وضعت علامة «×» أمام الاسم المطروح أمامها، ورفعت السماعة المجاورة لها لتستقبل مكالمة أخرى، لترسم ابتسامة مصطنعة وهي تردد:
_مرحباً… أهلاً بكِ… حسناً فلتخبريني سريعاً هل يتعدى وزنك المائة كيلو؟
ارتخت تعابير وجهها الرقيق حينما استمعت لما قالته، ثم قالت بحماسٍ:
_بالطبع بإمكانك الحضور غداً لمقابلة “عاصي سويلم”..
وأغلقت الهاتف بابتسامة غرور:
_أشعر وكأن مشكلة ذاك المعقد على وشك أن تحل… وربما سيتبدل حال هذا القصر الكئيب حينما يتزوج بفتاة مرتبة..
_وهل قدمت لكِ شكوة بأنني أعاني هنا؟
كلمات انطلقت من فاهه بعصبيةٍ شديدة، جعلتها ترتد عن مقعدها بفزعٍ، فرفعت يدها على صدرها وهي تتحكم بدقاتها المتسرعة:
_أفزعتني.. الا يمكنك الحديث بصوتٍ منخفض!
انهى المسافة بينهما، حتى أصبح قريباً منها وبصوتٍ كالرعد قال:
_انتظري قليلاً… فالقادم أبشع مما يحدث الآن..
ومن ثم جذبها من تلباب قميصها الوردي وهو يصرخ بانفعالٍ:
_اخبريني ما تلك الجلبة التي صنعتيها، فتاة ماذا التي تبحثين عنها لي!
قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أنت لا تعلم شيئاً من حل تلك الامور المعقدة، أنت بحاجة لفتاة لتتخطى تلك الازمة التي تمر بها.. وحدها فقط الفتاة من ستساعدك..
جز على أسنانه ومن ثم شدد من ضغطه على خصلات شعره، قبل أن يقول:
_وأنتِ من ستقررين عني!
أجابته بكل غرور:
_أجل…
لعن ذاته في تلك اللحظة على تقديمه المساعدة لتلك الحمقاء، فتشبث بأخر ذرة أعصاب يمتلكها ثم قال:
_اسمعيني جيداً.. سترحلين من هنا بعد يومين فقط.. لذا اجلسي باحترامك حتى تنقضي مهلتك..
وكاد بالخروج من الغرفة، فاتبعته وهي تشير له بحماسٍ:
_مهلة كافية لاختيار شريكة فتاة مناسبة لك أيها الوسيم..
استدار تجاهها ليحدجها بنظرةٍ قاتلة، فجذبت لوحة الاسماء ثم جلست تتايع عملها وهي تردد بصوتٍ منخفض بعض الشيء:
_لقد ساعدتني في التخلص من ذاك الارعن قاسم… لذا ساساعدك بتخطي عقدتك تلك وسترى بذاتك..
اطبق على شفتيه بقوةٍ كادت بأن تبترها، فاستكمل طريقه للاعلى هامساً بحنقٍ:
_يا الله ماذا فعلت بنفسي!
*******
بعيادة الدكتور “عمر أيوب” الخاصة بالعلاج النفسي.
ارتشف كوب قهوته التي تعدت السابعة، وهو يتأمل خبر الموقع للمرة التي نسى عدها، هامساً بقلقٍ:
_ترى ماذا أصابه؟
واردف بعد مهلة من التفكيرٍ:
_من المؤكد أن تلك الفتاة الغريبة الاطوار أصابته بالجنون.. فبات يبحث عن عروسه علناً بعد أن بات عازباً لأكثر من عشرة اعوام..
وأغلق حاسوبه وهو يدندن بسخريةٍ:
_زوجتي تحمل هم أخاها بينما هو يبحث عن عروسه بين شبكات الانترنت!… شيئاً عظيم يدعو للفخر حقاً…
وجذب الهاتف الموضوع لجواره ثم صاح بضيقٍ:
_احضر لي فنجان من القهوة وأدخل أول حالة…
وبالفعل ولجت أول حالاته، لتتمدد على السرير المريح ومن ثم بدأ بأول جلساته، فأذا بصوتٍ من الضوضاء يأتي من الخارج ليتبعه صوت اصطدام قوي، فلم يكن سوى باب المكتب الذي دفعته “إيمان” بقوةٍ، لتدنو من زوجها الماسد جوار مريضه ثم صاحت بحدةٍ:
_أخبر تلك الممرضة الحمقاء بالا تمنعني من الدخول إليك بأي وقت…
تحولت نظراته لتلك الممرضة البائسة التي تعاني من تسلط هرمونات زوجته التي توشك على الولادة، وكلما شعرت بتعبٍ بسيط هرعت اليه وكأنه طبيب متخصص بالنسا والتوليد، وضعت “إيمان” يدها حول خصرها وهي تتأوه بألمٍ:
_أنت أيها الابله متى ستشعر بعنائي!
سلطت نظراته على المريض المستلقي، ثم قال بحرجٍ من طريقتها:
_أخفضي صوتك حبيبتي، ستضيع مسيرة أعوام دراستي بالطب بسبب أفعالك الجنونية تلك!
لوت شفتيها بسخطٍ، وهي تصرخ بوجهه:
_أهذا كل ما يهمك؟ .. شهاداتك والمرضى!..
هز رأسه بخفوتٍ، فجزت على أسنانها بغيظٍ، ثم تركته واتجهت للسرير المريح لتلكز المريض بغضبٍ:
_أأصابك العمى مثل طبيبك؟ … أترى امرأة حامل وعلى وشك الولادة في أي لحظة بينما تسترخي براحةٍ هنا!..
ودفعته بعيداً عن الفراش ثم تمددت وهي تشير لزوجهة المنصدم مما يحدث:
_هيا افحصني وأخبرني ماذا هناك؟
وزفرت ببطءٍ وهي تخبره:
_أشعر وكأن ابني ليس على ما يرام وخاصة بعد ان قمت بتنظيف ملابسك المتسخة بنفسي..
عبث بعينيه وهو يجيبها:
_لا تقلقي عزيزتي سأكف عن ارتداء الملابس، سأتعلم كيف أعيش عارياً لأجل سلامة الولد وسعادتك…
وسألها بثباتٍ مصطنع:
_هل أنتي على ما يرام الآن!
أومأت برأسها بابتسامةٍ نصر، ثم قالت:
_بدأ الأمر يروق لي… والآن اطلب لي عصير حتى تهدأ أعصابي قليلاً..
تحكم بانفعالاته الثائرة، ثم اشار للممرضة بابتسامةٍ يرسمها بالكد:
_أحضري له كوبين باردين من العصير “رقية” ، وإحرصي الا تتأخرين بعودتك والا ابتلعتني حياً.
كبتت السكرتيرة ضحكاتها وهي تسرع بالخروج لتنفذ طلبه، فجذب “عمر” المقعد ثم قربه منها وهو يناديها بخوفٍ:
_هل أنتي بخير الآن إيمان؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة، فلعق شفتيه الجافة بارتباكٍ مما سيقول:
_حسناً حبيبتي، أريدك ان تنصيتي الي جيداً، إن استمريتي بالقدوم إلى هنا وطرد المرضى من أين سنجني المال لولادتك!
ضيقت عينيها بضيقٍ من حديثه، ثم قالت:
_ماذا أفعل عمر، فحينما أشعر بالألم يهاجمني أخشى ان يكون موعد ولادتي لذا أتي اليك سريعاً..
اصطنع ابتسامته، ثم قال:
_يكفي أن تمنحيني مكالمة وأعدك سأتي اليك سريعاً بدلاً من افتعال الفضائح كل يوم..
احتدت نظراتها الغاضبة، فصرخت بشراسةٍ:
_ماذا تقصد بحديثك يا هذا!
ابتلع ريقه بخوفٍ وهو يجيبها:
_لا شيء حبيبتي انا فقط كنت آآ..
ابتلع كلماته حينما وجدها تحتضن بطنها وتصرخ بجنون:
_آآه.. “عمر” أشعر بوجعٍ شديد..
واتبعها صرخة أكثر ارتفاعاً وقولاً يلاحقه:
حملها عمر ثم هرول للاسفل ركضاً، فوضعها بسيارته ثم حمل هاتفه ليطلب عاصي الذي اجابه بتأففٍ:
_ماذا بعد!
اتاه صوته اللاهث بلهجته الساخرة:
_أعتذر منك أيها الأعزب الوسيم، أخشى إن كنت سأعطلك عن مقابلة هامة تخص مستقبلك الوردي ولكن وددت أن أخبرك أن أختك ستلد الآن… إن كان بمقدورك الحضور سيكون كرماً منك..
رد عليه بجحيمٍ مهلك:
_سأقتلك ذات يوم.. تذكر ذلك!
ثم أغلق الهاتف بوجهه وهو يلعن هذا اليوم الغامض في حياته الذي بدأ بما فعلته تلك الحمقاء وانتهى بشقيقته وزوجها!…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
أسرع “عاصي” لخزانته، فجذب القميص الأقرب اليه، وبنطال أسود اللون يليق عليه ليرتديهم على عجلةٍ من أمره، وجذب مفاتيح سيارته ثم هبط مسرعاً للأسفل، ليجدها تجتاز طريقه لتسده من أمامه، فتساءل باستغرابٍ:
_ماذا هناك الآن؟
فتحت دفترها الصغير وهي تخبره بدهشةٍ:
_أخبرني أنت ماذا بك؟ فحسب قواعد قصرك الممل ذاك بأنك تتناول الغداء كل يوماً في تمام الساعة الرابعة عصراً وأنت الآن تغادر بمنتهى البساطة!
زفر بضيقٍ شديد وهو يجيبها:
_ليس الآن علي الخروج لأمراً طارئ..
ودفعها من أمامه برفقٍ ثم كاد باستكمال طريقه، فاوقفته مرة أخرى وهي تتساءل تلك المرة:
_حسناً بإمكاننا وضع قاعدة استثنائية ولكن عليك اخباري أولاً إلى اي مكان تقصد يا سيد؟
جز على أسنانه وهو يتمتم بغيظٍ:
_أتعلمين شيئاً أنا لست نادماً على شيء في حياتي الا شيئاً واحد..
سألته باهتمامٍ:
_وما هو ذلك الشيء.
انطلق صوته المنفعل يجلجل بالارجاء:
_مساعدتك… فمنذ لحظة قدومك والمشاكل تتساقط على رأسي من كل إتجاه..
اخفت ابتسامتها ثم قالت بجديةٍ مصطنعة:
_دعك من هذا وأخبرني الى أين تذهب بعدما انتهيت من عملك!
مرر يديه على وجهه بقسوةٍ، فاستسلم لأمره أخيراً لذا اجابها من بين اصطكاك أسنانه:
_”إيمان” تلد بالمشفى، بربك أتركها وأجلس أتناول الغداء برفقتك..
جحظت عينيها في صدمةٍ، فركضت سريعاً تجاه الخزانة الجانبية لتجذب حذائها، ثم ارتدته سريعاً والأخر يراقبها بدهشةٍ، وما ان انتهت من ارتدائه حتى هرولت اليه تلتقط أنفاسها بصعوبةٍ وهي تشير اليه:
_هيا لنذهب..
رفع حاجبيه بسخريةٍ:
_أنا سأذهب علمت ذلك ولكن إلى أين أنتِ ذاهبة؟
أجابته بابتسامةٍ واسعة:
_لرؤية المولود..
وتركته يحاول استيعاب ما يحدث وأسرعت للسيارة، لتجلس بالخلف جواره ومازال يقف محله يوزع نظراته بينها وبين السائق الذي يكبت ضحكاته بصعوبةٍ، فغلب على أمره وصعد بالخلف جوارها، فجلس السائق بمحله هو الأخير، ينتظر اوامر سيده بأي مكان سينطلق، فقال الاخير على مضضٍ:
_اذهب للمشفى..
تحرك السائق سريعاً للواجهة المنشودة، بينما بالخلف كانت هناك معركة دامية بالنظرات بين تلك العنيدة والشرس الذي لم يعتاد أن ينصاع لأمر أحداً…
**********
صراخها تسبب له بحالة مزمنة من الصداعٍ، فأعدل من وضع الكمامة الطبية على فمه وهو يصيح بها بانفعالٍ:
_اهدئي حبيبتي…
امسكت برقبته وهي تصرخ بألمٍ:
_بالله عليك يا عمر ساعدني، أشعر وكأن هناك خنجر يمزق أحشائي..
تأوه ألماً من غرس أظافرها في جلد رقبته، فردد بصوتٍ متقطع من الغضب:
_أخبرتك أكثر من مرة بأنني متخصص بالأمراض النفسية والعقلية، كيف سأساعدك!
ازداد حدة صوتها، فنزع يدها عنه ثم قال بتعصبٍ شديد:
_سأنتظر بالخارج أفضل من أن تنقطع رقبتي.
وتركها وغادر للخارج يلهث وكأنه ركض لمسافاتٍ طويلة..
وصل “عاصي” و”لوجين” للمشفى، فعلموا من الاستعلامات بمكان جناح النساء والتوليد، صعدوا سوياً للاعلى، فوجدوا “عمر” يجلس بالخارج على أريكة معدنية قريبة من غرفة العمليات ولجواره احدى الممرضات التي تضع اللاصقات الطبية على رقبته وتقوم بمعالجته، والأخر يصرخ ألماً ويؤدد بصوتٍ واهن:
_ضعيها برفقٍ…
ثم تطلع لها متسائلاً:
_هل تأذيت كثيراً؟
نفت ذلك بهزات رأسها، فابتسم اليها متغزلاً:
_أشكرك كثيراً على اهتمامك بي…
وكاد باستكمال كلماته اللطيفة، ولكنه انتفض حبنما استمع لنداء يعلم صاحبه جيداً:
_عمـــــــــــــر!
نهض من جوارها سريعاً ثم اتجه تجاه “عاصي” فلعق شفتيه بارتباكٍ:
_هل أتيت “عاصي”!
ثم تطلع جواره وهو يرسم ابتسامة بلهاء:
_مرحباً”لوجين”… كيف حالك؟
منحته ابتسامة ساخرة قبل أن تمتم:
_بخير حال..
وبخبث استطردت:
_أرى الممرضة تعالجك منذ فترة هل أنت بخير؟…
اصبح وجهه قاتماً للغاية، فقال بتلعثمٍ:
_كانت تعالج جروح رقبتي، فإيمان أحياناً حينما تتعصب تفقد التحكم بأعصابها..
ضحكت بصوتٍ مسموع جذب انتباه عاصي إليها بشكلٍ أدهش عمر الذي شعر بأن رفيقه على وشك الوقوع بالحب للمرة الثانية، قطعت تلك اللحظة الطبيبة التي خرجت من غرفة العمليات للتو، فهرعت اليه تخبره:
_دكتور” عمر”، الولادة الطبيعية ستكون صعبة لها لذا سنلجأ للقصرية..
قال بقلقٍ شديد:
_افعلي ما تجدينه مناسب..
عادت لغرفة العمليات مرة أخرى، فجلس “عاصي” على الأريكة القريبة من غرفة العمليات، أما “لوجين” فحينما ألمتها قدميها جلست لجواره، ولج “عمر” لداخل غرفة العمليات بعد ان صمم الانضمام اليهما، ففي طبيعة الحال زوجته في سبات عميق بفعل المخدر، أصبح المكان فارغ من حولهما، يسوده الصمت المطول، فقطعه “عاصي” حينما قال بثباتٍ تام:
_لماذا تكرهين “قاسم” هكذا؟
رفعت حاجبيها بدهشةٍ من سؤاله، فأوضح مقصده حينما قال:
_أقصد بأنه لا يوجد عيب يذكر به، غني وابن عمك وفوق كل ذلك يحبك بجنون..
ابتسامة شبه ساخرة رسمت على محياها، فتحررت كلماتها التي اصطحبتها وابل من الدموعٍ جعلت عاصي في حيرة من أمر تلك الفتاة التي ترسم البسمة دوماً على وجهها:
_ربما لأنه يفرض نفسه علي، ولم يترك لي حرية الاختيار، منذ الصغر وهو يتسبب لي بالحرج دائماً أمام أصدقائي، إن رأني أتحدث مع شخص يكسر ذراعيه وربما يقتلع عينيه، وأخرهما الدكتور الجامعي الذي تقدم لخطبتي وكنت قد اتخذت قرار بشأنه فتفاجئت حينما ذهبت للجامعة في اليوم التالي بأنه توفى جراء حادث أليم، كنت على علم بأن “قاسم” خلف ما حدث..
لمس “عاصي” جزء من معاناتها المخبأة خلف وجهها البريء، وخاصة حينما استكملت حديثها:
_حتى أبي كلما أخبرته بأنني أكرهه ولا أريده كان يشرح لي ضرورة هذا الزواج بالنسبة للعائلتين..
ومسحت دموعها بأطراف يدها:
_أتعلم ربما ليس سيء لتلك الدرجة ولكن هو من جعل الكره يتسلل لقلبي تجاهه بسبب أفعاله الاجرامية، تريد تملكي بأي طريقة كانت وكأنني سلعة تباع وتشتري…
وبعزمٍ شديد أضافت:
_ليس هذا الشخص الذي أريده، لا أراه مناسب لي…
ومسحت العالق بأهدابها وهي ترسم ابتسامة صغيرة:
_دعك من أمري، وأخبرني ما سر تعلقك بحبيبتك السابقة حتى تظل مخلص لها حتى بعد وفاتها!
نغز صدره بالألم فور تذكره زوجته وحبيبته الراحلة، فالتقط نفساً مطولاً حبسه داخله لفترة طويلة قبل أن يجيبها بكلمات تشتق معاني العذاب بأكملها:
_عشقها مثل المخدر الذي يصعب التخلص منه، مجرد تردد ذكرياتها بعقلي يمنحني دفء يكفيني بمواجهة برد مشاعري القاسية…
تحمل الوخزات المؤلمة التي تضرب قلبه واسترسل بصوته الرخيم:
_وجع فراقها لم يكن بنفس حدة وجع قلبي وأنا أراها كل يوم تواجه الموت، وخاصة بعد أن تغلب السرطان على جسدها بأكمله، ولم يعد بمقدرتها محاربته..
انسدلت دمعاتها على وجهها وهي تستمع لكلماته الصادقة التي نقلت لها صورة مصغرة عما خاضته، فتغلبت عما يحاربها من حزنٍ عميق ثم قالت:
_الم تمنح نفسك فرصة أن تنير فتاة أخرى ظلام قلبك الدامس!
ابتسم وهو يجيبها ساخراً:
_برأيك أنني لم أحاول! بالطبع فكرت كثيراً في فكرة الإرتباط وخاصة بعد أن تقدم العمر بي… فأحياناً أفكر جدياً في عمري الذي قضيته بالعمل، أتساءل أحياناً من الذي سيرث كل ذلك بعد موتي؟
والأهم من ذلك من الذي سيخلد اسم عائلتي!…
ورفع كتفيه باستسلامٍ:
_حاولت ولكني لم أستطيع، فبمجرد التطلع لامرأة أخرى أشعر وكأنني ارتكبت جريمة عقابها أسوء من تخيله!
ابتسمت “لوجين” ثم أخبرته بإعجابٍ شديد:
_ليت قدري يجمعني برجلٍ يحبني مثلك…
رفع عينيه تجاهها فصفن بها لدقائق، شعر بهما بأنه استعاد جزء من حياته، تلك الفتاة غامضة بكل ما تحمله معنى الكلمة، من يراها يظنها طفلة ساذجة رغم عمرها المعقول، وأحياناً يشعر بأنها امرأة ناضجة تمتلك من الحكمة والعقل ما يجعلها تحكم عالمه، انقطع فترته الوجيزة بتأملها حينما تسلل لمسماعهما صوت بكاء الرضيع، وبعد قليل خرج “عمر” يحمله بين ذراعيه بابتسامةٍ يتخلالها دمعات الفرحة والسعادة، ليضعه بين يد عاصي الذي فشل بالتعامل معه، وكأنه يحمل شيء رقيق يخشى أن ينكسر بين يديه، فحملته عنه “لوجين” لتردد بفرحةٍ:
_إنه جميل حقاً…. ماذا ستسميه “عمر”؟
ابتسم وهو يتطلع لرفيقه:
_اختارنا الاسم سابقاً… سنسميه” عاصي”..
اتجهت نظراته المندهشة لرفيقه، فربت بيديه على كتفيه وهو يردد بحنانٍ:
_أتمنى أن يكون مثل خاله يوماً…
منحه ابتسامة هادئة وقال بتمني:
_حفظه الله لك من كل سوء..
انقطع الحديث بينهما حينما خرجت “إيمان” من غرفة العمليات، فتتبعوها لغرفتها، لتدنو منها لوجين ثم قالت:
_حمداً لله على سلامتك حبيبتي..
ابتسمت رغم محاربتها للألم:
_أشكرك “لوجين”…
ثم نقلت نظراتها لأخيها لترغمه باشارتها على التطلع تجاه لوجين التي تحمل الصغير بكل حب وحنان، لتعود لترشيحاتها الصامتة من جديد، هز رأسه باستسلامٍ لعدم تغيرها بعد، فاقترب ليطبع قبلة صغيرة على جبهتها وهو يهمس باستهزاءٍ:
_حتى وأنتِ على فراش المرض تكتثرين لأمري!
همست بتعبٍ واضح:
_لن يرتاح لي بال الا حينما تتزوج لذا عليك بالاعتياد على طريقتي المزعجة..
_ماذا هناك؟
دفعه عاصي وهو يشير له بصرامةٍ:
_حديثاً خاص بين الأخت وأخيها ما شأنك به!
حدجهما بنظرةٍ منفرة، ثم غادر للخارج قائلاً:
_حسناً… سأذهب لأرى الطبيبة حتى أسألها ان كنا سنغادر اليوم أم غداً..
فور خروجه استأذنت”لوجين” هي الاخرى بحجة رغبتها باحتساءٍ كوب من القهوة، ولكنها فضلت الانسحاب حينما شعرت بحاجة “إيمان” بالحديث مع أخيها على انفراد… فهبطت لكافيه المشفى الخاصة لتواجه أسوء كوابيسها!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
فور خروج “لوجين”، استغلت “إيمان” بقائها بصحبة أخيها بمفردهما، فقالت بحزنٍ:
_إلى متى ستظل تتجاهل رغبتي “عاصي”؟
زفر في سئمٍ من عودتها لنفس الموضوع الذي لا ينتهى أبداً، فقال بانزعاجٍ:
_الا تملين الحديث في هذا الأمر..
انجرف تفكيره تجاه نقطة هامة، فاسترسل حديثه بعد فترة من الصمت:
_مهلاً مهلاً، في العادة ينقطع بنا الحديث عن ذاك الأمر فترة لا تقل عن عام او أكثر، أول مرة تتحدثين عن زواجي مرتين في نفس الأسبوع تقريباً.. أخبريني ماذا هناك؟
ابتسامة رقيقة رسمت على محياها قبل أن تخبره:
_ربما لأنني وجدت لك عروساً تليق بك، وأراك لا تعترض على وجودها لجوارك طوال الوقت..
ضيق عينيه بذهولٍ:
_من تقصدين؟ لوجين!
هزت رأسها عدة مرات وقد اتسعت ضحكاتها، فرمش بعينيه عدة مرات بعدم تصديق:
_لا أصدق ما استمع إليه!…أترين تلك المجنونة تليق بي!
قالت والضحك يتابعها بحديثها.:
_بل أراك مهتم بها كثيراً… امنحها فرصة تقترب منك علها تتمكن من السيطرة على مكان بقلبك..
كور يديه بقوةٍ حتى أبيضت من فرط ضغطه عليها، فعادت لتستعطفه لكلماتها من جديدٍ:
_أعلم بأنك ستظل تحب”هند” حتى أخر أنفاسك ولكن ما المشكلة اذا سمحت لأخرى بالدخول لحياتك وأيضاً ستحتفظ بحبها كما كان!
نهض “عاصي” عن مقعده ثم هم بالخروج وهو يردد ساخراً:
_سأعود حينما يخرج المخدر من جسدك بأكمله، فمازلت أراكِ مغيبة عن الوعي.
وأغلق الباب من خلفه، ثم انفرد بذاته على أقرب أريكة استراحة من غرفة شقيقته، فعلى الرغم من تماسكه الشديد أمامها الا ان قلبه لمس شيء من حديثها، نعم هي تمتلك جزء من الحقيقة فمازال يتساءل ماذا فعلت به تلك الفتاة في ثمانية وأربعون ساعة!
كيف استطاعت أن تجبره على مساعدتها والأغرب من ذلك بأنه صرح لها عن وجع قلبه بمنتهى البساطة، ثمة شيئاً غامض يجذبه تجاهها، شيئاً لم يعد يفقهه أو يعلمه!
********
طلبت “لوجين” كوب من القهوة، فقررت الجلوس بالكافيه لترتشفها، فجذبت أحد المقاعد ثم جلست تتفحص أحدى المجلات الموضوعة من أمامها لحين أن ينتهى النادل من احضار قهوتها، ألتهت بتفحص الموضوع الشيق الذي كتبت عنه المجلة فشردت به وكأنها ببقعةٍ منعزلة عن الجميع، حيث أفاقت من غفلتها الصغيرة على صوتٍ مألوف بالنسبة اليها وربما يكون أكثر ما تمقته في الحياةٍ:
_هل تظنين أنك ستنجحين بالفرار مني!
ازدادت ضربات قلبها المرتجف بخوفٍ شديد، وباتت مترددة بإخفاض الجريدة عن وجهها لتتمكن من رؤية من يجلس أمامها بوضوحٍ، انهت الصراع القائم بداخلها فأبعدت المجلة عنها لتراه يجلس أمامها ببرودٍ منتاهي، ومن خلفها كان يقف رجلين من رجاله، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي ترسم دور الثبات المخادع عليه، فقالت بضيقٍ:
_ ماذا تريد بعد “قاسم”،أخبرتك كثيراً بأنني لن أتزوج بك رغماً عني..
ابتسامةٍ ساذجة رسمت على محياه قبل أن يتحرك لسانه ناطقاً:
_وهذا ما سيحدث صغيرتي..
رفعت حاجبيها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_ماذا تقصد؟
اتاها رده الصريح:
_ساتزوجك رغماً عن أنفك… والآن بالتحديد..
ثم أشار لرجاله الذين هموا بالاقتراب منها ثم قيدوها، وحُملت على كتف أحداهما، فصاحت بانفعالٍ شديد:
_اتركني… دعني وشاني
لم يستمع اليها احداً وكأن من بالمقهى يتعمد تجاهل الأمر خوفاً من السلاح الذي يحمله رجاله، اتبعهم”قاسم” بثباتٍ ثم قال بسخطٍ:
_ لا أعلم كيف تمكنتي من اقناع السيد “عاصي” ليساعدك بالهروب من الحفل ولكن لا تقلقي انا الآن أزحت عنه الحرج عن مساعدتك..
علمت بأنها تلك المرة لن تستطيع الفرار منه بعد أن قرر يتزوج منها عنوةٍ، فثارت بحركاتها وباتت تركل بقدميها من يحملها على كتفيه، فأصابته اصابة بالغة بحذائها ذو الكعب العالي، فحررها ليتركها أرضاً بجراج المشفى الضخم، ركضت “لوجين” وسط السيارات، ثم إختبأت بين احداهما، فتمكنت بعد مراقبة حذرة من التعرف على سيارة “عاصي” فأنخفضت بجسدها للاسفل، لتتقدم منها زحفاً على الاقدام خشية من أن يراها أحداً، ظنت من أنها ستجد السائق بداخلها ولكنها لم تجد احداً فلم يكن امامها خيار أخر، لذا خلعت حذائها وضرب مقدمة السيارة عدة مرات فانفجر انذار منها يعلن عن سارقٍ يحاول الاقتراب من السيارة، فأسرعت “لوجين” بالاختباء سريعاً وخاصة حينما رأت رجال “قاسم” يقتربون من السيارة، ولحظها حينما اتى السائق الخاص بعاصي يتفحص أمر السيارة، فوجد الرجال يلتفون حول السيارة، فتساءل بدهشةٍ:
_من انتما؟ وماذا تريدون؟
كاد أحد من الرجال بأن يجيبه، فاوقفه “قاسم” بإشارة يديه ثم اقترب من السائق ليجيبه بجديةٍ تامة:
_كنت في زيارة لأحد الاصدقاء وحينما نزلت لاستلقى سيارتي وجدت زجاج النوافذ منكسر، وحينما بدأت بالبحث وجدت تلك السيارة محطمة هي الاخرى..
واستطرد بغضبٍ:
_يبدو أن هناك أحداهما قد اذهب عقله تماماً..
لم يكن حديثه مقنع للسائق، وخاصة حينما انتبه للوجين وهي تتخفى خلف أحدى السيارات وتشير له بأن يبلغ “عاصي” بالأمر، فتصرف بلباقةٍ حينما رسم ابتسامة صغيرة اتبعها قوله:
_ربما يكون طفل صغير يلهو..
ثم استطرد بلطفٍ:
_سأذهب لأحضر ما يناسب لتنظيف بقايا الزجاج..
ثم اختفى من امام اعينيهم ليبعث برسالة سريعة لسيده بما حدث بالأسفل فأنصاع الى اوامره بان يراقبهما بحذرٍ لحين أن ينضم اليه..
********
مجرد منح عقلها تخيلات بأن “قاسم” سيصبح زوجها جعل جسدها يتشنج، زحفت “لوجين” للخلف حتى استندت بجسدها على باب إحدى السيارات الخلفية، فجلست تردد بخوفٍ:
_أفضل الموت على الزواج من هذا الأرعن!
_سيخلصني”عاصي”..
ثم اكدت لنفسها بابتسامةٍ صغيرة:
_أجل سيأتي ليخلصني… إهدئي لوجين سيأتي بالتأكيد..
تمنت بتلك اللحظة لو كانت تمتلك فانوس سحري يحقق لها أحلامها فتتحقق امنيتها برؤيته في تلك اللحظة..
اتقبض قلبها رهبةٍ حينما صاح أحد الرجال:
_وجدتها…
وفي لحظات معدودة وجدت رجال “قاسم” يحيطونها فلم يعد بإمكانها الفرار، وتلك المرة اقترب منها “قاسم” ليهوى على وجهها بصفعةٍ قوية وهو يردد بغضبٍ قاتل:
_كفي عن مقاومتي… انتهى الأمر..
ارتدت على أثر صفعته أرضاً أسفل أقدام من تمنت وجوده، فهمست بدمعاتٍ لحقت عينيها الحزينة:
_عـــاصـــي!..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
رفعت رأسها إليه تاركة دموعها تشكو إليه قلة حيلتها، وكأنها تستنجد به من هذا اللعين الذي يريد أن يتزوج بها رغماً عنها، وكأنها سلعة تباع!
لطالما كانت تتهرب منه على أمل أن يشعر برفضها التام إليه، ولكنه كان يصر على طلبه أكثر من سابق، انحنى”عاصي”ليعاونها على الوقوف، فهمست بصوتٍ باكي:
_عاصي..
منحها نظرة شملت حنان ودفء استطاعت لمسه بهما، فدفعها بيديه برفقٍ لتقف خلفه ويكن هو أمامها كالسد المنيع، ارتبك “قاسم” من وجوده وبالرغم من ذلك سيطر على انفعالاته ليبدو أكثر اتزاناً، فقال بابتسامةٍ مصطنعة:
_ أنا أعتذر لك كثيراً على الإزعاج الذي تسببت به حبيبتي “لوجين”، فمازالت لا تستوعب بأن دلالها الزائد لا يصح التعامل به مع الغرباء..
ثم استطرد بمكرٍ:
_أتعلم حينما راقبت تسجيلات الكاميرا ووجدتها خرجت من الحفل برفقتك اطمئننت كونها خرجت مع رجلٍ أمين مثلك..
ثم نقل نظراته تجاهها ليشدد على حديثه بحزمٍ:
_ولكني أعاتب عليها فمازالت تصرفاتها كالطفلة الصغيرة..
خرج ” عاصي” أخيراً عن صمته، فأجابه باستهزاءٍ:
_حتى الطفلة يحترم قرارتها ويترك لها الحرية باختيار ما تريد… أترى نفسك مسؤولاً تصدر القرار.ولا تنتظر من يعارضك!
لعق شفتيه بارتباكٍ مما قد علمه عاصي عنه، فاسترسل حديثه بصرامةٍ:
_ما تفعله ليس منصفاً بحق رجولتك “قاسم”… دعها وتزوج بفتاة أخرى ترغب الزواج بك..
قطع”قاسم” المسافة القصيرة بينهما، حتى بات لا يفصلهما كثيراً، ليخبره وعينيه تحدجها بنظرة استحقارٍ:
_أرى انها برعت في الايقاع بك حتى تجعلك تقف أمام شريكك لتنطاحه لأجلها!!…
ثم اخفض صوته بمكرٍ:
_أخبرني “عاصي”، هل أغرمت بها! أم أنها سمحت لك بالاقتراب منها في تلك الليلة التي قضتها بقصرك؟
اتفرجت شفتيها في صدمةٍ مما يلقيه على مسمعها من تهمة مهينة، فصرخت في وجهه بعصبيةٍ بالغة:
_إخرس أيها الحقير، أنا أشرف منك أيها القذر…
اشتعلت نظراته حنقاً، فجز على أسنانه بغيظٍ:
_دعينا نذهب من هنا وسترين ماذا سيفعل القذر بكِ..
وكاد بأن يلامسها في محاولةٍ منه لجذبها بعيداً عن” عاصي” الذي منع يديه من الوصول إليها، فضغط بكل قوته على معصمه الذي تهشمت عظامه بين يديه مصدرة صوتٍ طقطقة، ولاحقها صوت صراخه الهيستري مما دفع رجاله للتدخل، فحاول احداهما لكمه فتفادي”عاصي” يديه ومن ثم رفع جسده للأعلى ليركله ركلة أبعدته مسافة عنهما، فحاول الاخر التداخل، فسدد له عدد من اللكمات القاسية ومازالت يديه الاخرى حبيسة لمعصم “قاسم” ، اما السائق فأتى للأسفل سريعاً بعدما اخبر “عمر” الذي هبط معه بفزعٍ، لينضم لعاصي بساحة المعركة التي باتت ميزانها متعادل، انشغل “عمر” والساىق بالقتال مع رجاله، أما “عاصي” فتكفل بأمر “قاسم”، فاطاح به أرضاً ثم حبس مجرى تنسفه بيديه ليكيل له ضربة تلحقها قوله الشبيه بالسواط:
_عديم الرجولة والنخوة هو من يستغل ضعف امرأة ويجبرها ان تتزوج به قصراً..
اصطحبها لكمة أشد عنفاً:
_والآن تبرر ضعفك فتطعنها في شرفها أيها الرخيص…. أنت عار على الرجال!
احتبس جلد رقبته أسفل يديه، فحارب لالتقاط نفسه المتقطع بصعوبةٍ، في تلك اللحظة اتى”عمر” مسرعاً ليبعده عنه وهو يصيح بها بحدةٍ:
_إبتعد سيموت بين يديك…
لم يتركه بل ازداد من احكامه على عنقه، وكأنه ختم قراره بقتله وتخليص تلك الفتاة البريئة من مصائبها، دفعه بيديه معاً للخلف وهو يناديه بانفعالٍ:
_عاصي… إبتعد..
ابتعد عنه، فتفحص عمر نبضه، ليجده مازال على قيد الحياة، استعاد “قاسم” وعيه تدريجياً، فإتكأ على معصمه حتى اعتدل بجلسته، ليلتقط أنفاسه بصوتٍ مسموع، فقال بلسانٍ يتقطع كلماته:
_لا تنسى أن بخسارتك لشراكتي، ستجعلك تخسر ملايين..
عاد إليه مجدداً وتلك المرة فشل “عمر” بإيقافه، فناوله لكمة قوية اتبعها سبابه العنيف:
_خسارة عالم بأكمله أهون من زواجها من لعين مثلك..
ثم أشار له بشراسةٍ:
_وإذا كنت تخشى على حياتك فإغرب الآن عن وجههي والا لا تلومن الا نفسك..
زحف على ظهره للخلف، ثم نهض على قدميه ليتبع رجاله للخارج وهو يردد بوعيدٍ:
_أنت من بدأت بتلك الحرب “عاصي”.. سترى الآن جحيمها بعينك..
وغادر من أمامه على الفور، فما ان اختفى من أمامهما حتى استرخى جسد” لوجين” براحةٍ، فكانت تخشى ان ينجح في إقناعه فيتخلى “عاصي” عنها، فلا تنكر اعجابها الشديد بشخصه المميز، من الذي يتخلى عن صفقة بملايين لاجل فتاة لا تربطها به اي علاقة، فبالطبع كان اختيارها له من البداية بمحله، ولكن الذي تخشى البوح به لنفسها حتى بأنها قد وقعت في حب الأربعيني الوسيم!
توقف بها الزمن وهي تراه يقترب منها، وكأن العالم انقرض ما به من أناس ولم يصبح فيه سواهما، تراه مع كل خطوة يصبح قريباً منها، بينما هي تقف محلها ساكنة، لا تعرف كيف المفر من ذاك العشق الغامض!…
هل باتت حمقاء لتقع في حب رجلاً قدم لها المساعدة مرتين؟ أم أنها معجبة بادق تفاصيله الغامضة بما يخص حبه المخلص لتلك المرأة التي فقدها منذ سنوات! …
انقطع بها حبال الوصال، حينما رأته يقف أمامها، ويتساءل بكل لهفة امتلكها:
_هل أنتِ على ما يرام؟
هزت رأسها والابتسامة الصغيرة على وجهها:
_لا أعلم… ولكني أصبحت بخير حال حينما أتيت لتخلصني..
منحها ابتسامة صغيرة ثم أشار لها على السيارة بهدوءٍ:
_حسناً فلنغادر قبل ان يعود ذاك المعتوه مجدداً..
اتسعت ابتسامتها فقالت وهي تسرع بخطواتها تجاه سيارته:
_هيا.. أسرع..
رأها تصعد بالمقعد الخلفي وتنتظره، بينما وقف يتأملها بنظرةٍ غامضة، ازدادت حدتها حينما اقترب منه “عمر” ليوزع نظراته بينه وبين من يتأملها، ثم قال:
_أشعر وكأن هناك ما ينبغي علي علمه… لذا أقترح عليك زيارتي غداً في العيادة ربما أسهل عليك الحديث بالأمر..
حدجه عاصي بنظرةٍ شرسة، فعدل من جاكيت بذلته وهو يتابع دون خوف:
_سأنتظرك في الرابعة عصراً، لا تتأخر..
وتركه وغادر بهدوءٍ، ليتحرك الاخير تجاه السيارة، فصعد بالخلف ليعود بهما السائق للقصر..
**********
بالغرفة الخاصة بإيمان..
استرخت بفراشها قليلاً بعد أن اطمئنت على الصغير وضمته بين ذراعيها، فوجدت الباب يفتح من أمامها، ليدلف زوجها للداخل، فأسرع بجذب المقعد الجانبي ليضعه جوارها، ثم قال بلهفةٍ تسبقه بالحديث:
_تأكدت الآن بأن شكوك تجاه “لوجين” بمحلها… هناك شيء بينها وبين “عاصي”..
ابتهجت”إيمان” كثيراً عما تسمعه، فقالت بتمني:
_أدعو الله أن يفكر بها جدياً تلك المرة ليتخذ قرار بشأن حياته..
تمدد على المقعد براحةٍ ثم قال:
_اتمنى ذلك..
*********
بقصر “عاصي سويلم”
تركت المياه الباردة تطفئ النيران المشتعلة بداخلها، فمازالت كلماته المشككة بأخلاقها تطعنها كالسهام التي تستهدف قلبها بحرافيةٍ، غامت عينيها في ظلام دامس بدده ذاك الضوء المضاحب لذكراه، تذكر كلماته التي رددها بثقةٍ، وثورته العارمة تجاه “قاسم” فور سماع ما طعنه بها أمامه، ابتسامة زارت شفتيها المغموسة أسفل المياه، فرسمت أمامها شاشة صغيرة لتريها لقطته حينما انحنى ليجذبها اليه، ليعاونها على النهوض، فقرعت الطبول بداخلها وكأن جسدها مازال يستحضر تلك اللقطة، باتت حائرة، تائهة لا تعلم ما الذي يحدث إليها بالتحديد والمضحك في الامر بأن قاسم الارعن كما تلقبه فعل المحال لسنواتٍ ليستحوذ على قلبها، أما ذاك الأربعيني الأعزب تمكن من فعل المحال في ساعاتٍ معدودة…
أغلقت “لوجين” المياه المتدفقة عليها وهي تردد في صدمةٍ:
_أأحببته، هل يعقل ذلك!
ثم جذبت الصابون المجاور لها لتلقيه وهي تدور بسعادةٍ ختمتها حينما ارتدت ملابسها ثم هبطت للاسفل سريعاً لتبوح له عما تريد!… ولكن ترى هل سيتمكن من محو ذكريات حبه الذي طال لأكثر من عشرة سنوات!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
تسللت على أطراف أصابعها حتى وصلت للطابق الأسفل ومن ثم راقبته حتى ولج لغرفة مكتبه، فلحقته على الفور وقبل أن يصل لمقعده ولجت ثم أغلقت الباب من خلفه فأصدر صوتاً مزعجاً للغاية، فاستدار “عاصي” على الفور، فوجدها تحكم اغلاق الباب ثم دنت لتجلس على المقعد القريب منه مشيرة بيدها على المقعد الأساسي:
_إجلس سيد “عاصي”، هناك أمراً هام أريد مناقشته معك..
رفع حاجبيه بذهولٍ:
_والأمر الهام هذا الا يمكن مناقشته في وقت لاحق؟
رسمت الحزن باجتيازٍ على معالمها، ثم قالت:
_ليس لدي وقت… أنت رأيت بنفسك كيف يطاردني ذاك الأرعن!
تلك الكلمة باتت لا تليق سوى بهذا الأحمق ولكنها لا تفشل بإضحكه، فتحرك تجاه مقعد مكتبه الرئيسي، فجلس وهو يتساءل ساخراً وعينيه مسلطة على باب الغرفة:
_وموضوعك الهام الا يصلح مناقشته الا وباب الغرفة مغلق!
أومأت برأسها عدة مرات وهي تؤكد له قائلة:
_لأنه هام لذا لا أرغب في ان يستمع إليه أحداً..
حك جبهته باستهزاءٍ على طريقتها المضحكة وعلى الرغم من ذلك الا أنه تماسك وهو يباشر سؤالها بثباتٍ:
_حسناً بإمكانك الحديث الآن..
ابتلعت ريقها عدة مرات وكأنها تجلي أحبالها الصوتية المنقطعة قبل أن تستجمع قواها للنطق:
_كما رأيت وسمعت بأذنيك “قاسم” لا ينوي أن يتركني وشأني، حتى وإن هربت لأبعد مكان على الكرة الأرضية..
ولوت فمها بتهكمٍ وهي تستكمل:
_ذلك الغبي لا يستوعب بأنني أكرهه ولا أرغب بالزواج منه، يظن بأنه اذا تزوج بي عنوة سأعشق قسوته وسأخضع لحبه الأحمق مثلما يحدث في الروايات..
وطرقت المكتب بيدها لتجعله يلمس غضبها:
_ولكن حلمه الغالي هذا لن يتحقق أبداً، وبعد تفكيراً عميق وجدت حل لتلك المشكلة..
كبت ضحكاته لأقصى درجة، تلك الفتاة لا يعلم ماذا يحدث اليه كلما يستمع لحديثها المجنون، يفقد القدرة على التحكم بذاته ويشعر بأنه لا يود سوى الضحك طوال الوقت على حديثها وتصرفها، وها هو الآن مجبر على العودة من شروده القصير حينما وجدها تتطلع له بنظراتٍ مغتاظة، فتنحنح وهو يتساءل بخشونةٍ:
_وما هو!… أرغب في سماعه.
ارتسمت بسمة غرور افترشت وجهها وهي تجيبه بثقةٍ من حلها الأمثل الذي توصلت اليه بعد عذاب:
_أن اتزوج… حينها لن يتمكن من أن يتزوجني رغماً عني..
تطلع لها لثوانٍ ثم انفجر ضاحكاً والاخرى تحدجه بنظراتٍ قاتلة، فرفع يديه يشير لها وهو يردف:
_أعتذر حقاً، ولكن الأمر مضحك حقاً…
ثم هدأ قليلاً قبل أن يشرح لها بطريقةٍ كوميدية:
_فتاة لا تريد الزواج بابن عمها فتتزوج أخر حتى لا يتمكن من الزواج منها!.. وما الداعي بالبحث عن كبش فدا وأنتي بنهاية الأمر ستتزوجين أي شخص!
ابتسمت وهي تجيبه بصوتٍ رققت طبقاته:
_ومن قال بأنني سأتزوج بأي رجل!
أشار لها باستسلامٍ ومازال الضحك يملأ وجهه :
_ومن الذي سينال هذا الشرف العظيم..
بابتسامة واسعة قالت:
_أنت “عاصي”..
انكمشت تعابير وجهه في صدمةٍ، وكأن الفرحة التقطتها رداء الحزن الأسود، فردد بدهشةٍ:.
_أتمزحين معي!
قالت بجديةٍ تامة:
_وهل هذا الأمر يحتمل به المزح… أتحدث جدياً..
احتل الضيق عالمه، فنهض عن مقعده وهو يجيبها بتعصبٍ شديد:
_أعتقد بانكِ تجاوزتي حدودك”لوجين” ، أساعدك رغبة مني في ذلك ولكن الأمر لن يصل بنا للزواج..
أشارت له بهدوءٍ:
_لم ينتهي حديثي بعد، إجلس واسمع لما سأقوله أولاً..
إنصاع إليها وجلس على مضضٍ يستمع الى ما ستقول، فقالت بابتسامةٍ ماكرة:
_الأمر يصب في مصلحتنا سوياً..
تطلع لها بعدم فهم، فاستطردت بتوضيحٍ:
_أنا سأتخلص من “قاسم” وأنت ستتخلص من إلحاح شقيقتك بالزواج..
ابتسم ساخراً، فاستكملت بخبثٍ:
_حسناً لا تنكر بأنك تخفي خلف ابتسامتك تلك إعجاب بي…
ولوت خصلة من خصلات شعرها حول أصبع يدها لتستكمل :
_أنا لست سيئة لتلك الدرجة، فلن تجد زوجة تسمح لك بأن تحتفظ بذكرياتك التي تجمعك بحبيبتك السابقة، أنا سأسمح لك بذلك..
ضحك حتى برزت أسنانه، فقال بدهشةٍ:
_لا أصدق ذلك، في العادة يعرض الرجل الزواج على الامرأة وأنتي دائماً ما تفعلين غير المعتاد!
استندت بيدها على سطح مكتبه ثم مالت برأسها عليها لتشير له بغمزةٍ من عينيها:
_أليس هذا ممتعاً… الخروج عن المعتاد هو أمراً جنوني وأنا أعشق ذلك..
استند على مكتبه هو الاخير ليسألها بجدية تامة:
_ولماذا أنا بالتحديد “لوجين”؟
وضعت أصبعها جوار فمها وهو تردد بخفوت:
_لا أعلم… ربما لأنك أوسم رجلاً قابلته على الإطلاق، أو ربما لانك قدمت على مساعدتي دون أن تعرفني، وربما لأنك سمحت لي بالدخول على عائلتك ومنحتني شرف عيش مواقف مختلفة حرمت منها وربما لأنك خلصتني من”قاسم” الأرعن!
وبعد صمتٍ تام التزمت بها لدقائق معدودة عادت لتهمس بصوتٍ اخترقته المشاعر الصادقة وبوحٍ نابع من الصميم:
_وربما لأنني معجبة بك وأخشى أن ينقلب إعجابي بك لأمراً خطير أفقد السيطرة به..
هام بعينيها وكأنهما بحراً يغمسه بمعسول عينيها الصافي، ولأول مرة يشعر بعجزه التام عن الحديث، إن كانت فتاة اخرى من تحدثه عن ذاك الامر ربما كان سيثور ويغضب ولكن الغريب إنه يتقبل كل ما تقصه عليه بابتسامةٍ وصدر رحب، اما هي فدقائق صمته تلك مرت عليها كالسنوات الثقيلة، لذا قطعت مهلتها بالانتظار حينما قالت:
_سأدعك تفكر بعرضي جيداً… وستخبرني رأيك بالصباح..
ثم نهضت عن مقعدها لتشير له بابتسامة مشرقة:
_تصبح على خير “عاصي”..
وغادرت من أمامه كنسمةٍ عابرة، اختطفت قلبه ودعته حائراً في اتخاذ أي قرار قد يوصله لبرٍ آمن… فاستند بجسده الثقيل على المقعد وهو يردد بحيرةٍ:
_ماذا يحدث لك”عاصي”؟…
ظلت مستيقظة طوال الليل، تفكر في رده على عرضها، تبتسم تارة حينما تتذكر هيامه بها وتردد تارة أخرى خوفاً من أن يرفض عرضه لها، مر الليل بظلامه الكحيل وأشرقت شمس اليوم التالي ومازال عقله مزحوم بالتفكيرٍ به، فما أن سطع النهار بشمس يومه الجديد، هرعت لخزانتها لتجذب الأقرب ليدها، ثم أسرعت بالهبوط للأسفل، فوجدت احدى الخادمات تضع الطعام على المائدة، فسألتها بابتسامةٍ مشرقة:
_أين السيد” عاصي”؟
أجابتها وهي تسكب كوب من العصير إليها:
_خرج منذ الصباح وأخبرني أن تنتظريه لحين عودته، فأنتِ هنا بأمانٍ تام..
وتركتها وعادت للمطبخ مرة أخرى، فجلست على المقعد باهمالٍ ثم همست بضيقٍ:
_أين ذهب بالصباح الباكر! … أليس هناك اتفاق موثق بيننا!
ثم عبست بطبقها وهي تتحدث مع ذاتها بصوتٍ شبه مسموع:
_حسناً سيمر اليوم وسيعود سريعاً، وحينها سأعلم رده على اقتراحي…
وحملت كوب العصير ثم صعدت مجدداً لغرفتها لتجلس أمام شرفتها تترقب لحظة عودته.
*******
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
بالمشفى..
شعر بسعادة الكون بأكمله حينما حمل الصغير بين يديه، فطبع قبلة صغيرة على جبينه ثم قال بحنانٍ:
_حفظك الله بني..
وأخرج من جيب جاكيته ظرف أبيض وضع فيه مبلغ من المال، فوضعه بين الغطاء الثقيل الذي يحيط بجسده الهاش، ليعيده لاحضان امه مجدداً، فهمست بانزعاجٍ:
_ما الداعي لذلك “عاصي”… هذا مبالغ به كثيراً..
أجابها ونظراته مازالت تحيط الصغير:
_لا شيئاً ثميناً جواره..
ثم تطلع اليها ليمرر يديه على كتفيها وهز بقول بحنانٍ:
_أعلم بأنك خسرتي أخاكِ منذ اللحظة التي خسر به نفسه، لذا أردت أن أخبرك بأنني لن أسمح لكِ بالمعاناة للمرة الثانية..
وطبع قبلة عميقه على جبينها وهو يهمس لها بحنانٍ:
_ولكن كفى لن أدعى هذا يحدث مجدداً..
ابتسمت إيمان والدمع يتلألأ بعينيها لعدم تصديق ما يحدث امامها، نهض”عاصي” ثم أغلق زرار جاكيته ليودعها قائلاً:
_سأغادر الآن ولكني أعدك بأنني سأخبرك بما سيسعد قلبك قريباً..
قالت بصوتٍ متقطع من أثر بكائها:
_سأنتظر حتى ذلك الوقت بفارغ الصبر..
منحها ابتسامة مشرقة قبل أن يغادر لوجهته، ليترك الأمل ينير وجهها المتعب، ليعود لدمويته من جديدٍ.
**********
تركها وصعد لسيارته التي صمم على قيادتها بنفسه تلك المرة، فلم يعلم الى أي وجهة يسلكها، وربما شعر في ذلك الوقت بحاجته للحديث، فلم يجد أفضل من رفيق دربه، اتجه اليه متناسياً الموعد المنسق بينهما، كل ما همه بتلك اللحظة أن يتحدث إليه فيما يقلقه، وبالفعل صعد اليه وفضل الانتظار بالخارج لحين أن ينتهي من كشوفاته، حتى انه شدد على الممرضة بالا تخبره بأنه بالخارج، وبعد ما يقرب الساعتين من الانتظار أخيراً أتاه وقت رآه مناسب للبوح عما يضيق صدره، فطرق عدة مرات على بابه قبل أن يدلف، فوجد “عمر” منشغل بحاسوبه، حتى انه لم يتمكن من معرفة المريض الذي اتاه دوره، فقال دون النظر إليه ويديه تشير على الفراش الطبي الصغير:
_استرخي قليلاً… سأنضم إليك بعد قليل..
لم يشاكسه بحديثه الصارم تلك المرة، بل فضل التمدد على الشزلونج، وكأنه يجلس على مقعد يحتمه على قول الحقيقة ولا شيء سواها، كأنه يواجه نفسه بمرآة تشع بالصدق فقط، ترك عمر مكتبه ثم نهض ليجلس على المقعد القريب منه، فاندهش حينما وجده، فقال بذهولٍ:
_ماذا تفعل هنا “عاصي” هيا فلنجلس بالمكتب..
تجاهل حديثه عن اختياره لمكان جلوسه، ثم قال وعينيه شاردة بتأمل الضوء الهادئ الذي منحه نوعاً من السكينة:
_لا أعلم بالتحديد ما الذي أصابني! ولكنه بالطبع أمراً غريب ليس له أي تفسير…
والتقط نفساً مطولاً قبل أن يضيف:
_أشعر بالحيرة أحياناً وأحياناً أتساءل ما الذي تغير في هذا الوقت؟ مازلت أنا ومازال قلبي عاشقاً لها إذاً لماذا يسمح بالتفكير بأخرى… نعم”عمر” ثمة رغبة بداخلي تطالبني بالقرب منها، رغبة تدفعني على التطلع لها طوال الوقت، مشاعر أخشاها دائما… تحارب في صراع قوي بين حنين الماضي المرتبط بهند وبين تلك المجنونة التي قيدتني وجعلتني كالأبله الذي لا يعلم اتخاذ القرار المناسب..
تألم لأجله “عمر” فلأول مرة يقع الجبل الذي صمد لسنواتٍ شامخاً، محتفظاً بوجعه وبما يضرب قلبه بمفرده، وها هو الآن يبوح أخيراً بما يشعر به، فسأله بحذرٍ:
_هل تحبها يا “عاصي”؟
أجابه بعد فترة طويلة عن اجابته وكأنه يحسم أجابته، فقال:
_لا أعلم إذا كانت تلك الفترة كافية بحبها أم لا، ولكن بقائها لجواري يسعدني وأراه كافياً..
ابتسم”عمر” ثم قال باستغرابٍ:
_حسناً وماذا تنتظر؟… وجدت إجابة لسؤالك دون عناء… هيا فلتجعلها زوجة لك..
انكمشت تعابير وجهه وهو يرد عليه بحزنٍ:
_الأمر ليس بتلك البساطة “عمر”، قرار الزواج أمراً سهل ولكن القادم فيما بعد هو الأصعب على الاطلاق..
احتار في فهم ما يعنيه فقال باستياءٍ:
_لم يعد لدي القدرة على فهمك عاصي، ماذا تقصد؟
نفث عما بداخله من هواء يزحم رئتيه ثم قال بوضوحٍ:
_أخشى أن لا أتمكن من نسيان هند بعد الزواج عمر، أخشى أن لا أستطيع منحها الحب أو أن أكون زوجاً لها،أخشى أن أكون ظالماً وغير منصفاً بحقها..
تطلع له”عمر” بهدوءٍ ثم قال بابتسامةٍ هادئة:
_لا أعتقد ذلك…. أنا صديقك وأفهمك جيداً، وأعلم بأن ذاك اليوم الذي سينبض قلبك بحبها أتي لا محالة… كن على يقين بأنها ستكون الخلاص لك مما تعيشه “عاصي”، تمسك بها ودعها تشدد على يديك لتخطفك من ظلمة الليل لضياء ليس بعده شقاء ولا وجع..
حديثه اينع في نفسه الراحة والأمان، حمسه لخوض تلك الخطوة الهامة في حياته، فتركه وعاد للقصر وهو على يقين بأنه على صواب…
*********
مضى النهار سريعاً ومازالت تنتظر عودته، سيطر عليها الحزن فكسر فرحتها وباتت على يقينٍ بأنه رفضها ورفض عرضها، شعرت”لوجين” بالإهانة، وكأنها فرضت نفسها عليه لذا قررت الحفاظ على ماء وجهها وغادرت القصر قبل عودته ودموعها استحوذت عليها، شعرت وكأنها تفرض ذاتها على شخصٍ يحب غيرها، طمعت بكرمه بعد أن قدم لها المساعدة والعون من “قاسم” المحتال، فما ذنبه أن يظل يضحى حتى بالزواج منها، فقررت انهاء القيود التي تأسر حركاته، فخرجت من القصر لتقف من أمامه تودعه بنظراتها الباكية، ومن ثم صعدت لسيارة أجرة فتحركت بها فور أن صعدت بها في نفس ذات اللحظة التي عاد بها “عاصي” للقصر، فاستغرب كثيراً حينما وجدها تصعد بأحد السيارات، فهمس بذهولٍ:
_إلى أين تذهب في ذلك الوقت؟
لم يضع احتمالات لاجابته ولحق بها على الفور، فكلما انعطفت السيارة في الطرق المودية لمنزل “قاسم” كان يردد بصدمةٍ:
_مجنونة حقاً تلك الفتاة..
***********
توقفت السيارة أمام منزل العائلة، فترددت كثيراً بالهبوط من السيارة، ولكنها هبطت بالنهاية، مسحت دمعاتها بتأثرٍ شديد فكانت تقدم قدماً وتؤخر الاخرى، حتى ساقتها للداخل، فصارت حالة من الجلبة حينما وجدوها تقف أمامهما، فأسرع تجاهها “قاسم” وجسده يملأه الضمادات الطبية، فقال ساخراً:
_ماذا حدث، تخلى عنكِ السيد “عاصي”؟
حدجته بنظرةٍ محتقنة، فاسترسل حديثه باستهزاءٍ:
_ربما حسبها جيداً فوجد أنكِ لا تستحقي خسارة صفقة ستكلفه الملايين..
تلألأت الدموع في حدقتيها، وهي تستمع لحديثه اللازع، ليست ضعيفة للانصات له بصمتٍ، فتمتلك لسانٍ تراه سليط للغاية، ولكنها بتلك اللحظة مهزومة ولا تقوى على المحاربةٍ، لذا اختارت الصمت وسيلتها للهروب، حتى حينما اقترب منها أبيها فرمقته بنظرةٍ تمنى بعدها الموت، فهمس لها بصوتٍ منخفض:
_لماذا عدتي يا ابنتي؟ الا تعلمين ما يضمره لكِ” قاسم”!
منحته ابتسامة شبه ساخرة على خوفه الغير لائق به، قطع “قاسم” حديثه المنخفض حينما رفع يديه ليطوفه وهو يردد بنظرة ذات مغزى:
_جيد أنك تخبر ابنتك بمن الصالح لها، لا تنسى عمي أملاكك مازالت تحت سيطرة أبي، لذا من مصلحتك أن يتم هذا الزواج..
ازداد بداخله شعور النفور منه ومن ذاته، فانهمرت دمعة تحمل مكنونات العجز على وجهه، فكرهت “لوجين” رؤية ابيها بتلك الحالة المعتادة، فصاحت بضيقٍ شديد:
_كف عن مضايقة أبي أيها الأرعن، تحدث إلي فأنا من يقف بوجههك وليس هو!
جز على أسنانه غيظاً من حدتها التي لم تخسرها بعد، فترك عمه وذهب ليقف أمامها، فجذبها من خصلات شعرها وهو يردد من بين اصطكاك اسنانه:
_كيف تجرئين على الحديث معي بتلك الطريقة!… تعلمي كيف تحترمي زوجك المستقبلي “لوجين” والا سأقطع لسانك ذات مرة…
ازدادت المشاحنات بقاعة المنزل الكبير، ليقطعها صوتاً مألوف اليها حينما تردد بالارجاء:
_هل انتهيتي عزيزتي!
التفوا جميعاً تجاه مصدر الصوت، فوجدوا “عاصي سويلم” يقف من أمامهما بثباتٍ مخيف، ففور أن رآه قاسم حتى أخفض يديه عنها بخوفٍ، وبات يبتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، أما لوجين فتطلعت له بفرحةٍ وكأن أمنيتها الثمينة تحققت بوجوده، نعم كانت مرتبكة، حائرة، ولكنها بالتأكيد سعيدة لوجوده، اقترب عاصي منهما ومازالت يديه موضوعة في جيب بنطاله فمنح طالة أكثر ثقة وصرامة، ليقف جوارها ثم قال ونظراته تتوزع بينهما جميعاً:
_أخبرتك بأن تنتظري عودتي حتى أخبرهما بنفسي..
ضيقت عينيها بعدم فهم مما يقصده بحديثه، فتساءل أبيها باستغرابٍ:
_عن أي شيء تتحدث سيد “عاصي”..
أجابه بكل ثقة وعينيه تتركز بنظراتها على الأرعن المصون:
_سنتزوج أنا وابنتك الأسبوع القادم لذا شرفنا أنت وعائلتك بالحضور..
ثم لف يديه حولها وهو يغمز بها بابتسامةٍ مهلكة:
_فلنرحل الآن… سيأتوا للحفل بالتأكيد..
انطلق صوته الغاضب كالشرارة القاتلة حينما قال:
_عن أي زفاف تتحدث!… لوجين لن تتزوج الا بي أنا..
تركها”عاصي” ثم ذهب ليقف من أمامه، ليجيبه بابتسامةٍ هادئة تخفي من خلفها شر وانذار عظيم:
_ستتزوج من “عاصي سويلم” وأنت تعرف هذا الرجل جيداً، من يقف أمامه يدعس جثمانه كالجرذان…
ثم انحنى على أذنيه ليهمس بصوتٍ منخفض:
_أظنك تخشى الجرذ أليس كذلك؟
انقلبت تعابير وجهه لخوف شديد، فتابع بقوله:
_لا تختبر قوة تحملي كثيراً، فربما تلك الكسور والكدمات التي تملأ وجهك تلقنك درساً بعدم التعرض لها مجدداً والا حينها لن يكون هناك مجال لتذكارٍ أخر، فمن الذي سيحمل تذكار ثمين على قلبه القبو!
ورفع يديه ليشير بحركاتٍ دائرية:
_أعد حساباتك مجدداً قبل أن يدعسك قطار الموت..
وتركه وخطى للخارج بكل غرور، ليدنو منها فلف يديه حول معصمها وارغمها على الخروج خلفه، فما أن ابتعدوا سوياً عن المنزل حتى جذبت يدها منه وهي تتساءل ببكاءٍ:
_لماذا فعلت ذلك؟ أنت لست مجبراً!
ابتسم عاصي ثم ضرب كف بكف وهو يردد بحيرةٍ:
_لا أصدق، أنقذتك من ذلك الأرعن منذ قليل ولم يعجبك ذلك!
أطبقت على شفتيها بقوةٍ وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
_الى متى ستظل تنقذني منه!
منحها نظرة عميقة قبل ان يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم:
_إلى أن تزهق روحي فحينها سيكف عن ملاحقتك..
ثم تابع بقوله المعسول:
_ماذا حدث لك؟
تعلقت عينيه بعينيها وهو يجيبها ببطءٍ:
_أحببت الحياة التي عكستها عينيكِ… والآن أرغب برؤية المزيد…
ثم جذبها اليه ليردد بهمسٍ ساحر:
_فلنتزوج “لوجين”..
ابتسمت ساخرةٍ:
_لا أصدق أن من يقف أمامي هو السيد” عاصي سويلم” الكئيب، علني أحلم حلماً سخيف وربما سأستيقظ منه قريباً..
هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكرٍ:
_لن أدعك تستيقظي منه إذاً…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
الخاتمة…
اليوم بالنسبة إليها ليس عادياً، فاليوم الذي كانت تخشى قدومه هي الآن تنتظره بفارغ الصبر، اليوم لن تجبر على الزواج من البغيض الذي لطالما كرهته، بل ستتزوج من الرجل الذي حمل معظم موصفات فتى أحلامها، حتى وإن كان أربعيني العمر ولكنه مازال جذباً بحفاظه على جسده وعنايته بذاته، وما يحليه صفاته ورجولته، شهامته التي أعجبت بها منذ اللحظة الأولى، تلك الفتاة المشاكسة التي وجدها تختبئ أسفل طاولته ستصبح الآن زوجة له، في حضور الجميع وعلى رأسهم “قاسم” الأرعن وعائلته، بل والمضحك في الأمر بأن عاصي اختاره ليشهد على عقد الزفاف بنفسه.
إنتهت “لوجين” من وضع لمساتها الاخيرة من المكيب، الذي صممت وضعه لنفسها ومن ثم وضعت التاج على رأسها ليمنحها مظهراً أنيقاً، فاستدارت تجاه “إيمان” التي تحمل الصغير، فما أن رأتها حتى رددت باعجابٍ شديد:
_حفظك الله من الأعين..
واحتضنتها بفرحةٍ:
_أنتي عوض الله لأخي بعد صبر سنوات “لوجين”.. أريدك أن تمنحيه السعادة ولا شيئاً سواه..
ابتسمت وهي تمازحها:
_سأمنحه أشياء لا تعد أولهما الضغط والسكر وأخرهما “هند”..
تعجبت للغاية، فقالت:
_هند!
أومأت برأسها وهي توضح لها:
_أجل.. سأنجب له فتاة وسأسميها هند حتى لا ينسى حبيبته وزوجته السابقة..
انكمشت تعابيرها في ذهولٍ، ثم قالت:
_ألن يزعجك ذلك..
واستطردت موضحة:
_أعني مجرد تفكيره باخرى ألن يزعجك!
ابتسمت وهي ترد عليها بحكمةٍ:
_وما الذي سيزعجني، تفكيره بما مضى من حياته وبات مجرد ماضي!…أنا الآن حاضره ومستقبله..
ضحكت إيمان حتى برزت أسنانها البيضاء، فشددت من ضمها اليها ثم قالت:
_عرف عاصي كيف يختار من تناسبه.
ثم أشارت لها بغمزة من عينيها:
_دعينا نخطف قلبه اذاً بطلتك الساحرة تلك..
_هيا… لننطلق..
وبالفعل هبطت معها للاسفل، ليمر اطراف الفستان الطويل على زهرات الياسمين الملقاة أرضاً، ومن حولها عدد من الاطفال يحمل كلاً منهما شموع مزينة بالدنتيل الابيض، لينتهي الدرج الخارجي للقصر بمنتصف حفل الزفاف، لتجده يقف نهاية الخط المفروش بالورود، ينتظرها بلهفة وشوق يسبقه برسائل من غرامٍ، تاه به وتاهت به، فكان يبدو وسيماً للغاية ببذلته السوداء الانيقة، هيبته تلك تمنحه وقار واحترام يجبر الجميع على احترامها، انتهى طريقها المحفور بالورد حينما اصبحت امامه، فسلمته يدها وكأنها تستئمنه على روحها، لتستكمل معه طريقها حتى وصل للمأذون الذي عقد قرانهما في حضور اهم رجال الاعمال، وعدد مهول من الصحافة والتليفزيون، وبعدها انضمت معه على المنصة، فتمايلت معه على ايقاع الموسيقى الهادئ، ليقطع عاصي الصمت الذي طال بينهما:
_أتساءل أين تلك المشاكسة التي إعتادت عليها… أراها متختبئة خلف تلك الانوثة المهلكة!
ابتسمت لوجين وهي تهمس له بخبثٍ:
_وأنا أيضاً اتساءل أين ذلك الاربعيني الكئيب، أراه يختبئ خلف شاباً في العشرون من عمره ويخشى عين الحسود بينما هي تلاحقه..
تعالت ضحكاته فزادت من وسامته، فحملها بين ذراعيه ثم طاف بها وسط صفقات من الجميع وتشجيع عمر له بمزحٍ:
_أحسنت..
تعالت ضحكات ايمان على صفير عمر المزعج، أما “لوجين” فهمست باذنيه على استحياءٍ:
_أحبك “عاصي”..
توقف عن الدوران بها ثم تطلع بعينيها قبل أن يضع قبلة عميقة على جبينها وهو يهمس لها بنفس رقة صوتها:
_وأنا أعدك أن لا أفعل شيئاً سوى أن أعشقك لباقي حياتي……
…………. تمت بحمد الله……….