رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13

رواية فوق جبال الهوان بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث عشر 13

قيل أن مرآة الحب عمياء، هذا الوصف ينطبق على طبيعة حالتها معه، فعشقها غير المشروط له، جعلها تتغاضى عن الكثير والكثير من طباعه الحادة، ومساوئه غير المقبولة، حيث أَدرجت إفراطه في التعبير عن مشاعره تحت مسمى الغيرة الزائدة لرجل شرقي يهوى أنثاه بجنون؛ لكن الأمر كان غير ما ترجمه عقلها بتفكيرها الساذج والمحدود .. فهو بطبعه شخصية عملية، أنانية، لا يهتم سوى بنفسه فقط، وما يخدم مصالحه، تربى ونشأ على ذلك، وبالتالي لم يكن من السهل تغيير طباعه بين عشية وضحاها، هذا إن انتوى التغيير من الأساس!!
كان “راغب” لا يلجأ للتهذيب القاسي إلا في بعض المواقف، معتبرَا ذلك حقًا شرعيًا له باعتباره زوجها، والذي من المفترض أن يقوِّم سلوك امرأته إن انحرف عن المألوف .. ولا تهم الطريقة أو الكيفية طالما أنها تأتي بنتائجها المرجوة في النهاية.
انكمشت “إيمان” على الفراش، تضم ركبتيها إلى صدرها، وتحاوطهما بذراعيها، أحنت رأسها الباكي في انكسارٍ وأسى، ولم تكف عن ذرف الدموع الغزيرة، فهي لم تُجرم لتنال مثل ذلك الجزاء الشديد منه. كانت ترتجف من الخوف والألم، فجسدها أصبح مكدومًا بفعل لكماته القاسية وضرباته العنيفة، تلك التي لم تترك موضعًا إلا ووضعت آثار عنفه المفرط عليها، حتمًا لن تختفي قبل مرور عدة أيام، وباستخدام الأدوية الطبية.
ولج زوجها إلى الحمام ليستحم بعدما تفصد جسده بالعرق جراء ما بذله من مجهود ليؤدبها، فخرج منه بعد برهةٍ وهو يلف حول عنقه منشفته القطنية، رغمًا عنها انفلتت منها شهقة مذعورة حينما سألها في صوتٍ يعبر عن ضيقه:
-هتفضلي كده قلبهالي نكد؟
رفعت عينيها الحمراوين من أثر البكاء تجاهه، لتجده يواصل مخاطبتها في جمودٍ، وبلا ندمٍ:
-مكانتش أول مرة يعني!
وكأنه يذكرها بهذا الطبع السيء الذي حاولت التأقلم معه، وتجنب إخراجه منه طوال الوقت، بل إنها أخفت عن عائلتها الأمر حتى لا تتعقد الأمور وتتفاقم، وجاهدت لتبدو مطيعة له، وملبية لكل أوامره، مما منحه الفرصة لاستغلال سكوتها بإخضاعها أكثر إليه، فإذ ربما إن تسلحت بالقدر الكافي من الشجاعة، وتكلمت لمرة واحدة، لما اضطر للتمادي هكذا معها.
انتشلها من دوامة أفكارها التي غرقت فيها بصياحه وهو يكمل ارتداء ملابسه:
-وإنتي عارفة لما بتخبي عليا الحاجة النتيجة بتكون إيه!!
مجددًا تحملت كامل اللوم بتقريعه اللفظي، فأخبرته من بين دموعها المسالة:
-وأنا مكانش قصدي أعمل حاجة من وراك، أنا كنت بس عايزة أطمن على أهلي.
صاح بها في زمجرةٍ جعلتها ترتجف:
-برضوه بتأوحي في الغلط؟
مناطحته الرأس بالرأس لم يكن من شيمها، لذا أثرت التراجع عن مواجهته أو حتى معاتبته، وقالت في صوتٍ متقطع:
-أنا أسفة.
دنا من الفراش، ليمسك بها من ذراعها، جذبها بقوةٍ طفيفة لتنهض معه، وأمرها:
-قومي اغسلي وشك وحضريلنا الأكل.
الحركة المفاجئة لجسدها الواهن، جعلها غير قادرة على حفظ اتزانها، فترنحت في وقفتها، واستندت على صدره بكفيها لتمنع نفسها من السقوط. لف “راغب” ذراعه حول خصرها ليسندها، وهمس بالقرب من أذنها بأنفاسٍ غلفتها حرارة الرغبة:
-اقفي على حيلك، لسه ليلتنا طويلة!
نظرت إليه بعينين مغلفتين بالدموع رغم اتساعهما، فشدد من ضمته إليها مكملًا بهمسٍ جعل موجة من الرعدات تسري في بدنها:
-وبعدين إنتي وحشتيني.
كانت تواقة لسماع مثل هذه العبارات التي تبدو كالسحر عليها، فتغطي على أي عيوب أو نواقص بشخصيته، ثم مال عليها ببطءٍ، وعيناه لا تبارحان شفتيها، ليلتقم خاصتيها في قبلة طويلة نهمة محملة بالأشواق، اكتسحتها كعاصفةٍ هوجاء، وجعلتها فاقدة للقدرة على التنفس، تراجع عنها فرأى مدى تأثيره عليها، ليقول في انتشاءٍ وزهو:
-عرفتي أنا بغير عليكي ليه؟
ابتسمت في خجلٍ وهي تعترف له:
-بحبك.
لم يقل لها الكلمة الوحيدة التي لطالما رغبت في سماعها منه، وقال وهو يخفض ذراعه ليربت على ردفيها فيما يشبه الصفعات الخفيفة:
-طب يالا يا حبيبتي، ظبطي نفسك.
وكأنها تناست في لحظة ما اقترفه في حقها، لتعود إلى لطافتها ووديتها الحانية معه، فاتجهت إلى الحمام لتغتسل وتبدل ثيابها إلى أخرى جذابة مثيرة، تشعل فيه الرغبة، وتجدد معه مشاعر حبها إليه.
…………………………..
اعتراها في هذه اللحظات الحرجة مزاجًا متوترًا، وكأنها تخوض التجربة لأول مرة، وليس كامرأة محنكة، تعرف كيف تُوقع بأكثر الرجال تماسكًا وصلابة تحت وطأة الشهوة والرغبة، فمن هي على وشك الزواج به ليس بشخصٍ عادي، يسهل خداعه، أو التلاعب به واستدراجه لفخها، ناهيك عن معرفته الكاملة بتاريخها غير المشرف!
توقعت أن تكون علاقته بها جامدة، جافة، مفروضة عليه كواجب لابد من تنفيذه وإلا لتعرض للعقاب من قِبل رؤسائه، إلا أنها تفاجأت به يمارس طقوس الحب معها كزوجين متحابين، تجمعهما علاقة ممتدة لسنوات، حيث نقلها بخبرته وطريقته المتحكمة إلى عالم آخر، عاشت فيه لحظاتها المميزة معه بكل جوارحها، وكأنه وجد في صغر سنها متعة ولذة عجيبة، تختلف كليًا عن تلك التي يشعر بها وهو في أحضان “توحيدة”.
حينما فرغ مما يفعل، وهدأت نيران الجسد، استلقى على الفراش، وأشعل سيجارته، ليبدأ في سحب دخانها بعمقٍ إلى رئتيه، اعتدلت “وِزة” في رقدتها، ومسحت بنعومةٍ على صدره اللاهث وهي تتجرأ لتأمله بنظرة مطولة. شجعتها تعابيره الهادئة على سؤاله:
-ناوي على إيه يا سي “عباس” بعد كده؟
دون أن ينظر تجاهها قال بصوته الخشن:
-أنفذ كلام كبيرنا.
علمت بالطبع بتفاصيل ما تم تقريره في منزل “توحيدة” حينما كانت فاقدة للوعي، فشككت في احتمالية تنفيذ ذلك، خاصة أن تلك المرأة ليست بالشخصية السهلة التي يمكن التعامل معها، وتقبل ما يُفرض عليها بغير مشاكلٍ، لكونها رائدة في مجال المكائد والمؤامرات.
سألته في صوتٍ مهتز، لتتأكد من صحة الأمر:
-يعني هرجع أعيش في بيت “توحيدة”؟
التوى ثغره بابتسامة متهكمة وهو يخبرها:
-ومش بس كده، هتأمري وتنهي زيها!!
شعرت بجفافٍ في حلقها، فازدردت ريقها، وسألته بترددٍ:
-وهي.. مش هتعترض؟!
حانت منه نظرة جانبية ناحيتها، وقال بهدوءٍ:
-دي أوامر “كوبارتنا”.. ولو مش عاجبها تمشي.
ها قد واتتها الفرصة أخيرًا لإذاقتها من نفس الكأس المرير الذي تجرعته لسنواتٍ وسنوات، خفضت من جسدها عليه لتقبله في صدره، وهي تخبره في امتنانٍ صادق:
-ربنا يقدرني يا سي “عباس” وأسعدك.
وكأنها بحركة العفوية تلك جعلت شرارات خفية تنبعث في سائر جسده، لتوقظ فيه مجددًا مشاعره الذكورية، فلفظ دخان سيجارته قبل أن يطفئ عقبها في منفضدة السجائر الموضوعة على الكومود الملاصق للفراش، ليتقلب على جانبه، ويطوق عنقها بكف يده قائلًا بابتسامة بارزة على زاوية فمه:
-وماله، ما إنتي طلعتي حوار يا بت!
فهمت ما ترمي إليه نظرة المتوهجة تلك، بجانب عبارته الموحية، وردت بتدللٍ كانت واثقة من نتيجته الفعالة معه:
-خدامتك يا سيد الناس!
……………………………….
رغم انقضاء عدة أيام منذ الواقعة الأخيرة، إلا أنها ظلت قابعة في المنزل، تلازم غرفتها غالبية الوقت، رافضة الخروج منها؛ لكن اليوم قررت التخلي عن عزلتها الاجتماعية التي فرضتها على نفسها، وخرجت منها لتمكث مع أمها بالخارج. فرحت “عيشة” لرؤية ابنتها تستعيد عافيتها، فأعدت لها ما لذ وطاب لتتناوله في وجبة الإفطار، راحت تربت برفقٍ وتحنانٍ أمومي على كتفها وهي تستحثها على أكل المزيد:
-كلي يا بنتي، ده إنتي بقالك كام يوم من ساعة اللي حصل وإنتي وشك دبلان، وجسمك خاسس.
لم تبدُ “دليلة” ممانعة من الإفراط في تناول ما تحب، فقالت وهي تومئ برأسها إيجابًا:
-حاضر.
استحسنت تجاوبها معها وردت:
-يحضرلك الخير يا حبيبتي.
جمعت “عيشة” الصحون الفارغة فوق بعضها البعض، وتابعت باهتمامٍ:
-عايزين نكلم أختك نطمن عليها.
هزت رأسها مرددة باقتضابٍ:
-ماشي.
تساءلت والدتها بعدها وهي تضع قطعة من الجبن في طبقها:
-ناوية تروحي كليتك إمتى؟
حسنًا، لم تكن مستعدة بعد لمواجهة العالم الخارجي، خاصة بعد إحراجها علنًا، في معقل هؤلاء الأوغاد، فإذ من المحتمل أن يكون الجميع على معرفة بالأمر، وهي لن تتحمل نظرات الغير الفضولية عليها، فكان من الأسلم لها الابتعاد عن مثل تلك الضغوط، لهذا أجابتها بفتورٍ، وهذا التعبير المهموم يكسو وجهها:
-اليومين دول معنديش محاضرات مهمة، وأنا موصية أصحابي يصورولي الناقص.
تفهمت أمها لما تمور به نفسها من انزعاجٍ، وقالت بشيءٍ من التشجيع:
-وماله، واحنا نخلي أبوكي يجيبلك الورق تذاكريه.
ردت باختصارٍ:
-طيب.
انتبهت كلتاهما لرنين الهاتف الخاص بأمها، فاستطردت “عيشة” تقول وقد تركت ما في يدها لتتجه إلى حيث تركت هاتفها المحمول بداخل غرفة نومها:
-ده بينه بيتصل، هروح أكلمه من جوا، لأحسن الشبكة وحشة هنا.
علقت عليها بهدوءٍ:
-براحتك يا ماما.
ابتلعت “دليلة” ما تبقى في صحنها، وجمعت الأطباق الفارغة لتضعها في حوض المطبخ، ثم خرجت إلى الصالة، ومنها إلى الشرفة لتلقي نظرة عابرة على العالم الخارجي. وقعت عيناها مصادفة على مجموعة من ذوي الوجوه المميزة، تلك التي تنتمي لفئة الخارجين عن القانون، فقد رأت أشباههم حينما كانت في التَبَّة العالية .. للغرابةِ كانوا مرابضين في مواجهة شرفتها، وكأنهم تعمدوا الجلوس في هذه الوضعية لمراقبة مكانها، نفرت منهم بشكلٍ لا إرادي، وعاودت أدراجها للداخل وهي تتمتم بضيقٍ:
-أعوذ بالله، أشكال ضالة على الصبح.
اندهشت أمها من حالة العبوس التي كانت عليها، وسألتها باهتمامٍ:
-في حاجة يا “دليلة”؟
أخبرتها وهي تشير بيدها نحو الشرفة:
-جيت أبص من البلكونة شوية، لاقيت ناس أعدة في وشنا شكلها صعب.
أسرعت ناحيتها لتغلق نافذتي شباكها الخشبي قائلة بتبرمٍ:
-اقفليها، احنا مش ناقصين مشاكل تانية مع حد.
اكتفت بهز رأسها كتعبيرٍ عن قبولها بأمرها، فلم ترغب في إثارة المزيد من البلبلة دون داعٍ. تحولت أنظارهما معًا نحو الباب عندما سمعتا قرع الجرس، فتساءلت “عيشة” بشكلٍ آلي:
-مين ده اللي جاي على الصبح؟
أشارت لابنتها بالتوقف حينما همت بالتحرك ناحيته لفتحه، واتجهت بدلًا منها إليه، لتتفاجأ بجارتها السمجة عند عتبته، وهذه الابتسامة السخيفة تملأ كامل وجهها، رددت بشفاه مقلوبة، وكأنها بطريقة غير مباشرة تُشعرها بعدم ترحيبها بزيارتها الثقيلة:
-ست “إعتدال”!
كعادتها اقتحمت المكان دون استئذانٍ، وقالت وهي تفتعل الضحك:
-وربنا أنا المفروض أزعل منك، ليل نهار تلاقيني عندك، ومافيش مرة كده تفوتي عليا، ليا لي حق أزعل ولا لأ؟
بررت بسحنة منقلبة:
-معلش، مشاغل البيت وطلبات الحاج مخلياني مش فايقة لحاجة.
علقت عليها وهي تطوف ببصرها على الصالة:
-عمومًا أنا قلبي أبيض وبسامح على طول….
سرعان ما جمدت ناظريها على “دليلة” لتهتف في حماسٍ مريب:
-الله، ده ست البنات أهي فاقت وراقت!
لم تكن “عيشة” بحاجة لتخمين سبب الزيارة تلك المرة، فطريقتها المستهلكة في تقصي الأخبار جعلتها مكشوفة للغاية، وتأكدت من صدق تخمينها عندما استطردت “إعتدال” موجهة حديثها إلى ابنتها تحديدًا في خبثٍ:
-المرة اللي فاتت خاضتنا عليها لما كانت راجعة غميانة مع سي “زهير”.
ما لبث أن غامت ملامح الأخيرة ضيقًا وتجهمًا، فهي بالكاد تحاول تجاوز ما مرت به، لتأتي تلك المرأة اللزجة وتُذكرها بما لا تحبذ معايشته، في التو تدخلت أمها لتأمرها بنظرة صارمة، وهذا التعبير الجاد يحتل كامل وجهها:
-قومي يا “دليلة” علقي على الشاي لطنطك “إعتدال”.
سألتها الأخيرة في استعتابٍ سخيف:
-وهو أنا ضيفة؟
ردت عليها بفمٍ ملتوٍ:
-لأ إزاي؟ ما يصحش، يالا بسرعة يا “دليلة”.
وكأن في أمرها نجدة من السماء، هربت في التو من الصالة وهي تردد:
-حاضر يا ماما.
مثل العادة، افترشت “إعتدال” الأريكة بأريحية تامة، وتساءلت بلا مقدماتٍ استهلالية، وتلك النظرة الماكرة تصدح في حدقتيها:
-ما قولتليش صحيح، إيه لم الشامي على المغربي؟
تعاملت معها بنفس أسلوبها اللئيم، وسألتها:
-قصدك إيه؟
جاء ردها مباشرًا:
-سي “زهير”، على بنتك.
فهمت ما ترمي إليه، وأخبرتها بحزمٍ:
-مافيش حاجة من اللي في دماغك يا ست “إعتدال”…
ومع ذلك نظرت “إعتدال” لها بتشكك، فاضطرت للكذب عليها وتلفيق حكاية وهمية لإقناعها، لهذا استرسلت في هدوءٍ، محاولة ترتيب أفكارها في رأسها لتخرج منطقية:
-دي كانت صدفة، البت تعبت، ووقعت من طولها، وهو كان موجود، فعرض على أبوها يساعده ويجيبها على هنا، وشكرناه، واتقفل الموضوع.
زمت شفتيها مرددة بغير تصديقٍ:
-والله!
قالت بثباتٍ:
-أيوه، واحنا ناس في حالنا، مالناش دعوة بحد.
ردت بفتورٍ، حيث بدا ما ألقته على مسامعها غير مقنع بالمرة:
-كويس.
صاحت بعدها “عيشة” منادية في رنة صوتٍ شبه منزعجة:
-الشاي يا “دليلة”، لأحسن طنطك “إعتدال” مشغولة ومش فاضية!
برغم تلميحها المفهوم بعدم ترحيبها لها إلا أنها تجاهلته عن عمدٍ ما فاهت به، وظلت ماكثة من أجل إشباع فضولها بتتبع أخبار هذه العائلة، وعن كثب!
……………………………………..
بمجرد أن انقضت الإجراءات الخاصة بخروجه من قسم الشرطة، والتي استطالت لبضعة أيامٍ للتأكد من عدم تورطه في جرائم أخرى، انطلق “سِنجة” عائدًا إلى التَبَّة العالية لتقديم فروض الولاء والطاعة لمن يملكون زمام أمره. جثا على إحدى ركبتيه، وطأطأ رأسه وهو يمد يده ليمسك بكف “كرم” مرددًا في امتنانٍ عظيم أمام كافة الحاضرين:
-إيدك أبوسها يا “كوبارتنا”…
تركه يفعل ذلك بغير ممانعة، ليتابع كلامه إليه بتذللٍ:
-لولاك كان زماني عفنت في الحبس.
استطرد “عباس” معلقًا في سخافةٍ:
-مش كل مرة تسلم الجرة يا غشيم.
نهض من رقوده ليقول بعد نحنحة سريعة:
-صح كلامك يا ريس “عباس”.
أشاح “كرم” بيده في وجهه يأمره بصبرٍ قليل:
-روح شوف مصالحك، مش ناقصين خوتة.
في التو أطاعه:
-اللي تؤمر بيه.
في حين أشار إليه “عباس” وهو يوجه إليه أمره ليتبعه:
-تعالى معايا يا واد، عايزك في مصلحة.
حك “سِنجة” مؤخرة عنقه وهو يرد:
-ماشي يا ريس.
انتظر “كرم” مغادرتهما، وانفضاض الجمع ليتمشى مع شقيقه الأصغر في الباحة، وسأله مباشرة وهو يتفرس في وجهه:
-في جديد في حوار البت إياها؟
توقف “زهير” عن السير، وطالعه بهذه النظرة الغامضة، فما كان من شقيقه الأكبر إلا أن سأله في نبرة لا تبشر بخيرٍ:
-ولا شكلك طنشت؟
بلا ابتسامٍ أخبره:
-متقلقش، عندنا حاجات أهم منها دلوقت، بس هي في دماغي!
جملته كانت موحية للغاية، تحمل الكثير من المعاني المبطنة، ورغم هذا لم يقف “كرم” عندها كثيرًا، وخاطبه في لهجةٍ جادة مشوبة بقدرٍ من التهديد:
-وماله، خليني معاك للآخر، علشان محدش يزعل في الآخر!
لم يعقب عليه، وتركه يفرغ ما في جعبته من عبارات منزعجة، لينتقل إلى الحديث عن أعمالهما الخاصة، بالرغم من انشغاله بالتفكير في بعض الأحيان -حينما يختلي بنفسه- في شأن تلك الشابة العصيَّة، خاصة بعدما بلغه بامتناعها كليًا عن النزول وعدم رؤيتها في الشارع منذ المرة الأخيرة التي أحضرها إلى منزلها، وهذا ما جعل فضوله يزداد أكثر حولها.
………………………………….
بدت على تعابير وجهه أمارات الاستياء والانزعاج، خاصة وهو يسعى بكل جهده لإصلاح ما فسد في دراجته النــــارية. حدق “حمص” في رفيقه متسائلًا باهتمامٍ:
-مالها الماكنة؟ لابخ نفسك بيها ليه من الصبح؟
أجابه “شيكاغو” بتذمرٍ:
-المرايات اتكسرت…
نظر له مصدومًا، فأكملت توضيحه باستياءٍ عارم:
-عيل دغوف دخل فيا بالتوك توك بتاعه!
سأله “حمص” مهتمًا وهو يدور ببصره على بدنها المعدني:
-طب وإنت سبته؟
التوى ثغره بابتسامةٍ متشفية وهو يخبره بعدما غمز بطرف عينه:
-عيب عليك، خدت حقي تالت ومتلت.
في شيءٍ من الفضول تساءل “حمص” وهو يفحص موضع المرآة المهشمة:
-وهتتصرف إزاي؟ هتشتري مرايات غيرها؟
قال بعبوس قد ساد تقاسيمه من جديد:
-وأنا بتاع شرا برضوه؟
قطب جبينه متسائلًا:
-أومال؟
أخبره في ثقةٍ:
-بسيطة، نشوفلنا أي عربية نهبأ عليها، وناخد منها المرايات.
استحسن فكرته الجهنمية مرددًا:
-زي الفل.
لم ينتظر كثيرًا، وشرع في تنفيذ ما هداه إليه تفكيره الشيطاني، فأخذ يجول بعينيه الثاقبتين على السيارات المصفوفة على جانبي الطريق، على ما يبدو وجد واحدة مناسبة، فطوح بيده لرفيقه يأمره:
-أمن المكان لحد ما أقلب العربية دي.
رد عليه “حمص” بإذعانٍ:
-ماشي الكلام.
انطلق “شيكاغو” ناحية هدفه، وتلفت حوله بنظرات سريعة دقيقة، ليقوم بعدها بانتزاع إحدى المرايا الجانبية لهذه السيارة الحديثة؛ لكنها تهشمت أثناء محاولته لفكها، فتركها أرضًا، ثم دار حول السيارة، واستل الأخرى بحذرٍ قبل أن يفر من المكان ليعيد تركيبها في موضعها المخصص بدراجته النــــارية.
عاونه “حمص” على تثبيتها، واستطرد يُعلمه:
-صحيح الريس “عباس” عايزنا نرقد عند بيت حد.
دون أن ينظر تجاهه تساءل وهو يمسح بخرقةٍ قديمة على المرآة لتبدو لامعة وبراقة:
-ليه؟
أجابه وهو يمرر يده على رأسه:
-معرفش لسه، بس دي الأوامر.
لم يبدُ ممانعًا على الإطلاق من تنفيذ ما لا يفهم، وقال وهو لا يزال يتفحص دراجته:
-نخلص، ونطلع على هناك.
لم يضف المزيد، وتعاون معه للتأكد من سلامة وسيلة انتقالهما، قبل التحرك نحو وجهتهما الجديدة.
…………………………………..
-إنت بتقول إيه؟
نطق بهذه العبارة في صوتٍ أقرب للصراخ المستهجن بعدما وصلته الأخبار بالتفصيل عن استعانة شريكه “فهيم” بأتباع “الهجام” لتهديده، وذلك بوساطة سمسار المنطقة “كيشو”، ليزداد ثورة وغضبًا من ازدرائه وتحقيره علنًا. أكد عليه تابعه بملامحه الغائمة:
-زي ما سمعت يا حاج “درويش”.
ضرب بعكازه في عصبيةٍ على الأرضية الصلبة لمخبزه، وهدر في توعدٍ:
-ده نهاره أسود ومهبب!
تساءل تابعه في اهتمامٍ:
-هنتصرف إزاي؟
جاء رده حاسمًا:
-أنا هكلم “العِترة”، ولازمًا أخد حقي منه!
لم يجادله مُطلقًا، بل أبدى استعداده التام لخوض كافة معاركه ضد الطرف الآخر:
-واحنا جاهزين بالرجالة يا حاج.
كز “درويش” على أسنانه في غيظٍ، وهسهس من بينهم في وعيدٍ شديد، وشرارات الغضب تنتفض في عينيه الحمراوين:
-ماشي يا “فهيم” الكـــــلب، إن ما ربيتك وعرفتك مين هو الحاج “درويش” ………………………… !!!
…………………………………….
منذ أن أصبحت مهمشة في بيتها، وأحوالها قد تبدلت، فارتدت الثياب السوداء، ومسحت الزينة عن وجهها، وجلست على الأريكة تنوح وتندب حظها وهي تعقد حول رأسها عُصـابة من اللون الأسود، وكأنها فقدت عزيزًا تبكي فراقه.
تحسرت “خضرة” على حال ربة عملها، فقد نهش الحزن والقهر في معالم وجهها، وجعلها تبدو أكبر عمرًا بعدما كانت تفيض بالحيوية والدلال. حاولت جاهدة تخفيف وطأة الأمر عليها بمواساتها، إلا أنها ظلت أسيرة همومها، فليس من السهل عليها تهميشها بعدما كانت الآمر الناهي، والأسوأ من ذلك الإتيان بأخرى وضيعة تستحقرها لتشاركها في زوجها.
أعدت تابعتها المخلصة كوبًا من عصير الليمون الطازج، أسندته على الطاولة أمام “توحيدة”، وجلست عند قدميها تسألها في اهتمامٍ مشوبٍ بالضيق:
-هتفضلي لابسة أسود كتير كده يا أبلتي؟
لم تجب عليها، فاستمرت تقول في امتعاضٍ:
-ده حتى وحش عليكي.
حررت “توحيدة” زفيرًا ثقيلًا من صدرها، وأخبرتها بوجومٍ تعيس:
-ومين يجيله نفس لحاجة بعد اللي حصل؟!
هنا انتصبت بكتفيها، وأخبرتها في نبرة ماكرة لتستحثها على الخروج من قوقعتها المهلكة:
-ما تشمتيش فيكي الأعادي، ده إنتي سِت الكل، ومهما حصل مافيش ولا واحدة تقدر على الست “توحيدة”.
آنئذ تطلعت إليها بغرابة، فتيقنت أن كلامها المحفز قد بدأ يؤثر فيها، لهذا واصلت على نفس المنوال:
-وبعدين “وِزة” مين وبطة مين اللي هتيجي تركب وتدلدل هنا؟!!
قطبت جبينها، وضيقت ما بين حاجبيها بشيءٍ من الاهتمام، لتضيف “خضرة” بنفس الوتيرة المحفزة:
-ده هي ماتجيش مداس في رجلك.
تبدلت تعبيراتها من التعاسة إلى الجدية، خاصة وتابعتها تخبرها في لؤمٍ:
-وفرصتك جتلك لحد عندك تربيها بطريقتك…
تعمدت خفض نبرتها عندما أتمت باقي جملتها الخطيرة:
-أو حتى تخلصي منها!
لحظتها فقط اعتدلت “توحيدة” في جلستها على الأريكة، ونزعت منديل الرأس الكئيب عن شعرها لتقول بتحمسٍ:
-إنتي بتتكلمي صح يا “خضرة”.
ابتهجت أساريرها لأنها نجحت في إخراجها من دوامة الحزن التي حبست نفسها داخلها، واستطردت تقول المزيد وقد هبت واقفة:
-ده أنا لحم كتافي من خيرك يا أبلتي.
نهضت “توحيدة” بدورها، وقالت بعزمٍ، ونظرتها الغامضة راحت تشرد في الفراغ أمامها:
-أنا لازمًا أفرسها وأكيدها، وبعد كده أزحها من طريقي.
فركت “خضرة” كفيها معًا في حماسٍ، وأخذت تردد بتحفيزٍ:
-هو ده الكلام.
حلت “توحيدة” أزرار عباءتها الداكنة، تلك التي تلفحت بها على مدار الأيام السابقة، وهتفت تأمر تابعتها:
-روحي عندي الأوضة، وطلعيلي من الدولاب الحتة المدندشة.
انتفضت بنشاطٍ مهرولة تجاه الغرفة وهي تهتف:
-عينيا يا ست الناس كلها.
أزاحت الأخيرة العباءة عن جسدها وأسقطتها أرضًا، لتخاطب نفسها في عزمٍ، وقد باتت ملامحها أكثر إصرارًا على استعادة ما تملك بكل قوةٍ وتصميم:
-مش “توحيدة” اللي تطاطي لحد أبدًا!
…………………………….
على غير العادة، حينما خرجت “مروة” من الحمام الملحق بغرفتها، وهي تجفف شعرها المبتل بالمنشفة، تفاجأت بوجود أكثر من تبغض مستلقيًا بأريحية على السرير، بثيابه التحتية فقط، وكلتا يديه تتوسدان خلف رأسه، فانفلتت منها شهقة عفوية، فقد عزف عنها منذ اللحظة التي أخبرته فيها بقدوم ضيفتها الشهرية، لتنصدم بظهوره اليوم هنا، وكأنه يذكرها بأنه لا مناص لها أو مهرب منه.
تطلع إليها “كرم” بعينين جائعتين، طامعتين في تعويض ما فاته، فجسدها البض الذي ما زال رطبًا من أثر الاستحمام، بجانب شعرها المبتل المنسدل على جانب كتفها، استثاراه بشكلٍ كبير، ظل على وضعيته الساكنة، وسألها في تهكمٍ، مستخفًا بهذا التعبير الذاهل المرسوم على كامل وجهها:
-إيه شوفتي بعبع؟
انخفضت يدها بالمنشفة، وسألته في صوتٍ مرتعش:
-إنت.. بتعمل إيه هنا؟
جاء رده متهكمًا، وكذلك نظرته:
-هو إنتي ناسية إن دي أوضتي؟
يبدو أنها تناست حقيقة الأمر، وظنت أن عزلتها وبقائها بعيدًا عن أنظاره سيجعله يغض الطرف عنها، إلا أنها كانت مخطئة! حلت بها رعشة أقوى عندما استطرد بغلظة:
-ولا تكوني مفكرة إنك خلاص عرفتي تضحكي عليا بحجتك إياها، وإنها دخلت عليا..
ارتاعت منه، وتراجعت للخلف بعدما ألقت بالمنشفة من يدها، خاصة حينما وجدته ينهض من رقدته، ويتجه إليها بخطاه البطيئة وهو يكلمها:
-ده أنا سايبك يا قطة بمزاجي، وما يفرقش معايا الحلال من الحرام، طالما عايزك هاخدك على أي وضع.
حُوصرت عند الزاوية، وأصبحت أبعد ما يكون عن الخلاص من الهلاك الحتمي، خرجت من بين شفتيها شهقة صارخة حينما انقض على خصرها ليجذبها منه تجاهه، لم تستطع الإفلات من قبضتيه، ولكزته في صدره بقبضتيها، فاستلذ برفضها له. أبعدت وجهها عن أنفاسه التي تبغضها؛ لكنه مال عليها برأسه، فشعرت بحرارتها تلفح بشرتها وهو يخبرها:
-وأنا النهاردة نفسي هفتني عليكي.
استخدمت كامل قواها لإزاحته؛ لكنه كان كالجبل الراسخ، لا يتحرك من موضعه، ارتجفت بقوةٍ وهو ينحني على شفتيها ليقبلهما بضراوة وتملك، انحبست أنفاسها وعجزت عن المقاومة، حرر شفتيها بصعوبة ليخبرها بما جعل جسدها يرتج:
-ومش هحلك من إيدي.
شعرت بتورم شفاهها، وتوسلته في استجداء يائس، مبدية نفورها التام منه:
-ابعد عني.
ضحك مستهزئًا بها، وقال وهو يضيق الخناق عليها:
-أموت أنا في شغل المقاومة ده.
نظرت إليها ببغضٍ أشد، قبل أن تنعته:
-بكرهك، إنت مش بني آدم.
صرخت في فزعٍ، عندما انحنى ليحملها بين ذراعيه، وصوته المشبع بأنفاسه الحارقة يرن في أذنها:
-عارف، وتعالي بقى أما أفكرك أنا مين بالظبط يا مدام!
……………………………..
امتعضت ملامح “حمص” بشكلٍ ملحوظ وهو يتذوق طعم التبغ الزهيد في جوفه، فأطفأ ما تبقى منها تحت قدمه، ونظر إلى رفيقه بتأففٍ قبل أن يوبخه:
-ما تغير أم السجاير التعبانة دي!
سخر “شيكاغو” منه قائلًا:
-المرة الجاية هجيبلك مستورد.
حك “حمص” طرف ذقنه، وأشار له بيده هاتفًا:
-طب اطلبنا اتنين شاي في الخمسينة نظبط دماغنا بيهم.
جاء تعقيبه فيما يشبه أحلام اليقظة:
-مافيش حاجة تظبط دماغنا غير حجرين معسل متلغمين.
سرعان ما تحولت أنظارهما معًا تجاه عربة الربع نقل التي تباطأت سرعتها بالقرب منهما، ما أثار ريبتهما هو وجود عدة رجال على ظهرها المعدني، يستعدون للترجل منها، ومن خلفهم جاءت سيارة أخرى هبط منها أحدهم، ومعه رجل كبير في السن. وقتئذ تأهب الاثنان في جلستهما، وبادر “حمص” بالتعليق:
-الظاهر في عوأ هيحصل!
ثبت “شيكاغو” ناظريه على أحدهم، وتكلم وهو يتعمد التواري عن الأنظار:
-مش الواد ده تبع “العِترة”؟
تساءل “حمص” باسترابةٍ:
-هو باعت ناضورجي ولا إيه؟
رد عليه مؤكدًا ظنونه:
-الظاهر كده.
في التو انتقل لسؤاله التالي بتحفز:
-طب إيه الكلام؟
جاء رده مباشرًا:
-بلغ الريس “عباس” أوام!
-وجب.
ردد هذه الكلمة الموجزة قبل أن يختفي عن الأنظار وهاتفه قد وضع على أذنه، فيما بقى “شيكاغو” في موضعه، يرتكن بظهره على الحائط، ومراقبًا عن كثب لما يدور.
……………………………………
أوشكت شمس العصاري على المغيب، فولج “فهيم” إلى داخل غرفته ليأخذ قيلولته بعدما تناول طعام الغداء، في حين جلست “دليلة” على الأريكة تتطلع حينًا إلى ما يبثه التلفاز، وفي أحيانٍ أخرى إلى شاشة هاتفها المحمول.
تنهدت “عيشة” في أسى، وخاطبت ابنتها وهي تطوي الثياب الجافة وترصها فوق بعضها البعض:
-أختك صوتها مكانش عاجبني….
رفعت عينيها عن شاشة هاتفها المحمول، وحدقت فيها وهي تكمل كلامها إليها:
-عايزين نتفق معاها نزورها في يوم، ده بعد ما تقول لجوزها، علشان ما يحصلش زي المرة اللي فاتت.
ردت بنبرة عادية:
-تمام يا ماما.
ما لبث أن انتفضت في جزعٍ عندما سمعت الدقات العنيفة على باب المنزل، بينما هبت “عيشة” واقفة لتهتف في استنكارٍ:
-مين بيخبط على الباب بالشكل ده؟
قبل أن تتقدم خطوة واحدة لتتفقد الطارق، تفاجأت بالباب يُفتح على مصراعيه، فارتدت عائدة للخلف، وصرخت بذعرٍ وهي تلطم على صدرها:
-يا نصيبتي! إنتو مين؟!!!
التصقت “دليلة” بظهر أمها، وحملقت في هؤلاء الغرباء الذين تسربوا للداخل تباعًا بوجلٍ شديد، فكل شيء في هذه اللحظات الحرجة بدا على الحد الفاصل بين الحلم واليقظة، استدركت حقيقة ما يحدث، هم جماعة غوغاء اقتحمت المنزل بشكلٍ سافر، لتجعلهم محاصرين بداخله .. عفويًا صرخت عاليًا مستنجدة بأبيها:
-بابا، الحقنا يا بابا!
على إثر ذلك الصوت المدوي، خرج “فهيم” من الداخل مرتديًا منامته، حدق بذهولٍ في هؤلاء الوقحين الذي تجرأوا على اقتحام بيته دون سابق إنذارٍ، وهدر فيهم:
-هو إيه اللي بيحصل هنا؟ إنتو مين؟!!!
سرعان ما اختفت دهشته وحلت تعابير الاستنكار على كامل ملامحه عندما ظهر أحدهم من المؤخرة متقدمًا تجاهه، نطق باسمه مصدومًا:
-“درويش”!!!
وقف الأخير قبالته، ووجه إليه موجة من اللوم والاتهامٍ:
-بتتفق مع جماعة “الهجام” ضدي يا “فهيم”؟ أل يعني بكده بتتحامى فيهم؟
استهجن بشدة ما يقوم به، وصاح فيه بغيظٍ:
-اللي إنت بتعمله ده ما يصحش يا “درويش”.
من الوراء هتفت “دليلة”، وكأنها تبحث دومًا عن وسيلة لإقحام نفسها في المشاكل:
-أنا هطلب البوليس.
قبل أن تضغط على زر الاتصــال، حذرها “درويش” بغلظةٍ:
-سيبي اللعبة اللي في إيدك دي يا بت بدل ما أكسره على دماغك.
اشتعل وجهها غضبًا منه، وقبل أن ترد عليه هتف والدها عاليًا:
-ملكش دعوة ببنتي ولا مراتي، كلمني أنا!
ثم خاطبها بلهجته الآمرة وهو يشير بيده إليها:
-خدي أمك وخشي جوا، واقفلوا عليكوا الباب.
اعترضت على تركه بمفرده وسط هذه العصبة من الأشقياء:
-بس آ…
أسكتها بإصراره:
-من غير بسبسة، خشوا جوا!
جرجرتها “عيشة” معها وهي تهمس بصوتٍ مرتعش:
-تعالي يا بنتي، استرها علينا يا رب!
على مضضٍ تركهما “درويش” يختبئان بالداخل ليصبح في مواجهة غريمه الذي كان يرمقه بنظراتٍ نارية مستنكرة، وانفجر صارخًا فيه:
-طب خليك راجل وواجهني بدل ما تبعت عيل سيس يفرد عضلاته عليا، حتى علشان تكبر في نظر حريمك.
رد عليه مبررًا تصرفاته:
-ما أنا كلمتك بالذوق وطلبت حقي وإنت مارضتش تدهوني.
نظر لها باستحقارٍ قبل أن يخبره بعنادٍ:
-ولا هتاخده مني عافية كمان!
قبل أن يتفاقم الوضع أكثر من ذلك، انضم إليهم خصومهم الأشداء، واقتحموا المنزل بكل عدتهم وعتادهم، وكان على رأسهم “زهير” فتقدم الصفوف هادرًا بصوته المجلجل:
-طب مش تقولوا إن في حفلة هنا؟ حتى على الأقل نقوم بالواجب ……………………………… !!!
………………………………………….

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا