رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2

رواية بحر ثائر بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل الثاني 2

من يخبرك أنه يشعر بك كاذب  ، هي فقط كلمة خُلقت للمواساة ولكن شتان بين الكلمات والتجربة  ، لن يشعر بك سوى من عاش تجربتك كاملة   .



بقلم آية العربي  



❈-❈-❈




أكثر ما يثير جنونها هو التجاهل  ، خاصة إن كان مصدر التجاهل هذا هو طليقها الذي تتملكه أو تريد ذلك  . 



تشعر بالأدخنة تتصاعد من رأسها  ،  تتمنى لو تعبر عن غضبها بردة فعل قوية ولكن كيف بعدما نالت الأغراض المنزلية نصيبها منها وقد قرر والدها منذ فترة ألا يعاود وضع تحفًا أنيقة مادامت على جنونها هذا  . 



يجلس على مقعده يضع ساقًا فوق الأخرى ويدخن لفافة تبغه ببرود  ، يطالعها وهي تجوب البهو جيئًة وذهابًا وتسب بألفاظ فرنسية مجردة من الأدب  . 



يطالعها بهدوء وصل ذروته ليتخلى عن صمته بالأخير ويردف بلا مبالاة  : 



-  أرى أن هاتفكِ مازال سليمًا  ،  أنا مندهش  . 



لم يكن على وجهه أية علامة اندهاش ولكنه قالها ليستفزها لذا توقفت تطالعه بغيظ وتحدثت من بين أسنانها  : 



- أنت السبب  ،  بسببك أنت وبسبب عملك اللعين انفصلنا  ،  لا تتحدث الآن  . 



نفث دخان سيجارته للأعلى ثم استرسل دون أن يرف له جفن  : 



-  السبب الرئيسي هو جنونكِ مارتينا  ،  لا تلقي باللوم علي  ، تعلمين أن ثائر رجلٌ يحب الهدوء وأنتِ امرأة تثيرين الجنون   . 



تمسكت بجانبي رأسها بعدما شعرت أنه سينفجر ثم صرخت به غير عابئة أنه والدها  : 



- اصمت لا تتكلم الآاااان  ، لا أطيق سماع صوتك  .



قطع جنونها رنين جرس المنزل لتسرع الخطى نحو الباب وتفتحه بعنف لم يهتز له كلًا من ثائر وابنه بل وقفا يطالعانها ببرود أثار حنقها أكثر ولم تنظر نحو ابنها بل نظرت نحو ثائر قائلة بغضبٍ أعماها عن العواقب  :



- إن أخرته مرةً أخرى لن تراه مجددًا  .



باغتها بنظرة تحمل على متنها أنواعًا لا حصر لها من التوعد ثم تجاهلها ونزل بنظره لابنه يحدثه بهدوء ويده تحثه على الدخول : 



- هيا يا معاذ ادخل وسأراك غدًا  . 



- لا لن يحدث  . 



قالتها بتحدٍ غير متكافئ ولكنه تحامل ينتظر إلى أن دلف معاذ وذهب مسرعًا إلى غرفته ليقف ثائر يدس يده في جيبه وينتشل علبة سجائره ليستل منها واحدة يضعها في فمه ثم أشعلها بقداحته وسحب منها نفسًا واحدًا قبل أن يلقيها ويدعسها بقدمه تحت أنظار مارتينا ثم رفع نظره يطالعها وأردف بنبرة ثاقبة وهو يحك ذقنه  : 



- كيف لن يحدث  ؟ 



تضاءل غضبها وانسحب في ركنٍ بعيد وحل محله الاشتياق  ،  اشتاقت لهذا الجزء المظلم منه لذا تقدمت منه خطوة حتى باتت ملتصقة به لترفع وجهها وتصبح عينيها أمام شفتيه فسلطتهما عليهما واسترسلت بنبرة متلهفة يعلمها جيدًا  : 



- ما رأيك أن تدخل ونتحدث  ،  يمكننا أن نصل إلى حلٍ وسط وبإمكانك أن تظل هنا وقتما تريد  . 



لم يبتعد بل اقترب منها أكثر لتصبح شفتيه بين عينيها وتابع بخفوت ضاغطًا على أحرفه  : 



- نحن انفصلنا مارتينا ألا تتذكرين  ؟   انفصلنا بعدما كدتُ أن أخنقكِ حينما رفعتِ يدكِ تنوين صفعي  ،  أخبريني الآن كيف يمكننا الوصول إلى حلٍ وسط  ؟   الأفضل أن تتجنبيني حتى لا تتأذي  . 



نزع نفسه عنها فجأة ليبتعد خطوة ثم أردف بثباتٍ عرف به  : 



- غدًا سأصطحب معاذ  ،  لدينا زيارة إلى متحف اللوفر  ،  وداعًا princesse  . 



التفت يخطو نحو سيارته يستقلها ويغادر وتركها تقف تتحسر على انفصالها منه بعدما تملكها الكبرياء ووافقت ولكنها الآن نادمة ،  ليتها لم توافق وقتها   . 



لقد ظنت وخدعها غرورها بأنه لن يستطيع العيش بدونها وبدون نفوذ والدها  ،  لقد فتحت له أبواب الأمنيات على مصراعيه  ،  أدخلته عالمها  ،  فرضته عنوةً على عائلتها  ،  عرفته على الطبقة المخملية و  ...  أحبته  ، ألم يكن من السهل عليه أن يتغاضى عن جنونها لأجل كل تلك المميزات  ؟ 



زفرت بقوة ثم التفتت تدخل وتغلق الباب ليقابلها والدها قائلًا قبل أن يتجه لغرفته  : 



- ما رأيك  ؟   يمكنني أن أجلبه تحت قدميكِ  ،  هل تودين ذلك  ؟ 



حدقت في عيني والدها لثوانٍ قبل أن تردف بنبرة متجهمة  : 



- لا تتدخل في شؤوني  ،  أنت من أفسدها لذا لا تتدخل  . 



اندفعت تصعد غرفتها والغضب يلحق بها  ،  الشيء الوحيد الذي يقيد وحوشها هي عزوبية ثائر  ،  منذ أن انفصلا وهو لم يقترب من إحداهن على الإطلاق بل يعيش وسط كتبه وجولات ملاكماته لتظن أنه يعيش على أطلال حبها . 





❈-❈-❈



إشراقة الصباح في وجهها  ،  الابتسامة التي توزعها على طفليها وابتسامات طفليها لها هما الترياق من عثرات اليوم وكل يوم . 



لم تيأس يومًا برغم ما تمر به من ضغوطات بل مفعمة بالأمل دومًا  ،  أو ربما هناك جزءًا منكسرًا منها يختبئ خلف الأقنعة الكثيرة التي لم تعد ترتديها بل التصقت بها حتى باتت جزءًا لا يتجزأ منها  . 



نادتها حماتها فاتجهت إليها تطالعها بتفحص متسائلة  : 



- أيوة يا ماما  ؟  عايزة حاجة  ؟ 



أشارت السيدة نحو التلفاز تشير لها على الممثلين موضحة بعقلٍ مفقود  : 



- شايفة اللي لابسة أحمر دي  ؟  تبقى بنت خالتي  ،  واللي جنبها دي تبقى أختها اللي أخويا علي كان هيتجوزها  . 



حولت ديما نظرها نحو التلفاز ثم تنهدت بقوة وعادت إليها تتعمق في عينيها وتتعجب مما أصابها  ،  الأيام غدارة والزمن يشبه الدائرة  ،  تتخيل نفسها مكانها عند الكبر وتفكر ماذا سيكون مصيرها لذا  ...  ابتسمت لها بلطافة وتحدثت تستجيب معها  : 



- بس إنتِ أحلى منهم على فكرة  . 



ابتسمت العجوز وانفرجت ملامحها تجيبها بلهفة  : 



- أيوا ماهما كانوا بيغيرو مني  ،  بس خلاص بقى أنا كبرت  ،  أومال كمال فين  ؟ 



ثم نظرت حولها واسترسلت بصياح  : 



- كمــــــــــــال  ،  يا كمــــــــــال  ؟ 



اتجهت نحوها ديما تمنعها قبل أن يستيقظ الآخر غاضبًا وتقول بتريث وهي تربت على كفها  : 



- لسة نايم يا ماما  ،  هروح أصحيه واخليه يجيلك  . 



أومأت السيدة وعادت تتحدث مع نفسها كأنها تجلس وسط عائلتها وتحركت ديما نحو غرفة نومها ثم إلى السرير حيث ينام زوجها فمدت يدها تضعها على كتفه بخفة وتوقظه بنبرة هادئة بملامح ثابتة  : 



- كمال يالا اصحى الساعة داخلة على عشرة  . 



- عملتي الفطار  ؟ 



هكذا كان سؤاله قبل أن يبصر حتى لتومئ مجيبة بشفاه ملتوية  : 



- أيوة عملته  ،  قوم يالا  . 



فتح عينيه يطالعها فوجدها تنظر له بترقب ليبعد عينيه عنها ويسترسل بنزق وتجهم  : 



- أقولك امبارح تعالي وماتجيش  ؟   خلي بالك أنا مطوّل بالي عليكي أوي  . 



وقفت أمامه كالمتهمة وانعقد لسانها عن إجابة مناسبة  ،  هو لن يفهمها قط مهما حاولت الشرح  ،  لذا تنهدت بقوة وأردفت وهي تغمض عينيها وتومئ بكلمات تتناسق مع حديثه : 



- تمام ماشي شكرًا إنك مطول بالك عليا  ،  قوم الأول نفطر وبعدين نتكلم  . 



نفض نفسه ووقف يتحرك للخارج بعدما لكمها في كتفها بحركته المتعمدة لترتد على أثرها لذا باتت تؤدي تمارين التنفس كي تهدأ  ،  كل ما تريده هو الحصول على مخزون كافٍ من الهدوء ليمر اليوم كغيره  . 


الرفاهية والثراء مناسبان لعطلة راقية ولوجبة شهية ولملابس أنيقة ولعدة صور يحسدونك الناس عليها  ،  ولكنك لن تستطيع شراء الحب  ،  فالحب عملته الوحيدة هي الصدق ، والصدق طريقه الوحيد هو قلبك  . 



وقفت تنظر في عين عمها الذي يحدثها بنبرة مغلفة بالنصح والإرشاد  : 



- صدقيني يا بسمة أنا خايف عليكي   ،  وبلاش بقى الكلام الأهبل ده والعيون اللي براقبك بيها كل ده علشان مصلحتك  ،  إنتِ شابة غنية وجميلة وألف واحد ممكن يستغلك ويضحك عليكي علشان كدة لازم أأمنك كويس  . 



أخفت سخريتها أسفل رداءٍ من البرود وتحدثت بهدوء  : 



- تمام يا أونكل المرة دي مش هقول كلام أهبل  ،  بس على الأقل احترم ذكائي شوية  ،  يعني إيه حد يضحك عليا أو يستغلني  !   أنا مش غبية  . 



تحدثت زوجته التي نهضت من جلستها بعدما لمحت ثقة بسمة تلوح حولها  : 



- إيه الكلام ده يا بسمة  ؟   إنتِ عارفة ومتأكدة إن عمك بيخاف عليكي وهو على دراية بالناس أكتر منك  ،  وبعدين يا حبيبتي محدش قلل من ذكائك بس هو ذكائك ده ليه مش قادر يتقبل ماجد  ؟ 



حاصرتها زوجة عمها بالقيود التي تقبض على أنفاسها لتزفر بقوة وتجيبها بترجٍ مبطن بالجدية   : 



- طنط لو سمحتِ  ،  قلت لحضرتك مليون مرة إن ماجد أخويا  ،  عن اذنكو  . 



قالتها والتفتت لتغادر الفيلا بشعورٍ مختنق وتركتهما ينظران لبعضهما نظرات ذات مغزى  ،  كلٍ منهما يخطط للاستيلاء على ثروتها التي ورثتها من أبويها بأي وسيلة ،  ربما ظن عمها أنه الأحق بها  ،  هو يعاملها بجدية لا بقسوة ولا بحنان  ،  فقط بعض المشاعر التي تم انتشالها من أسفل ركام العائلة خاصةً بعدما توفي شقيقه وزوجته ولم يتبقَ لابنة أخيه سوى ورثها الكبير وهو  . 



لم يخطئ حينما طلبها لابنه بل يجب أن تسعد وتشعر بالامتنان ولكنها شامخة لا تنحني مثلها مثل والدها  ،  لتفكر زوجته بدلًا عنه في كيفية هدم قلعة الشموخ هذه بينما يتركها هو تفعل بها الأفاعيل ما دام هذا سيصب في مصلحتهم ولكن ما يمنعهما من تحقيق حلمهما هو ابنهما ماجد الذي يرى أن بسمة بمثابة شقيقته  . 



❈-❈-❈




( نبرع في شرح ما يعتلينا للبحر  ،  نجلس أمامه ومن نظرة واحدة للأفق نعترف بكم الآهات والصراعات التي حبسناها داخلنا والتي لم نتفوه بها أمام البشر حتى لا ننتقص من أنفسنا ولكن  ..  هل فكرت يومًا أن تبدل الأدوار وتستمع أنت إلى البحر ؟



 ذلك الذي تبوح له بكل أحزانك ألم تسأل نفسك عن مشاعره هو  ؟  



ربما هو حزين ويبكي وما أمواجه هذه إلا دموعًا فائضة ظننتها طبيعته  ،  تحبه هادئًا وديعًا مطيعًا لك وتخشاه حينما يثور برغم أن ثورته هذه ربما كانت صرخة تحمل شكوى متنكرة لأنه قرر من البداية أن يظل شامخًا مهيبًا لا يدركه أحد    ) 



وضع نقطة بعدما خطّ بقلمه هذه الكلمات في دفتره الخاص ثم التقط لفافة تبغه من بين شفتيه ونفث دخانها للبعيد وعاد يضعها مجددًا بين شفتيه بعدما قرأ ما كتبه  ،  دومًا يعيد قراءة ما يكتبه بنظرة مختلفة فيصبح هو الكاتب والناقد في آنٍ واحد لذا فهو لا يتقبل أي نقد  ،  عُرف في الوسط الأدبي بهجومه على ناقديه  ،  شيد لنفسه قلعة شامخة يُنظر لها بإعجابٍ فقط  ،  ولهذا هو له أعداءً كُثر وله أيضًا جمهورًا خاصًا به  ،  جمهورًا حول العالم أحب الغرق في دوامة كلماته  ،  كلماته التي لم تمس سوى المغتربين ،  الساكن في قلوبهم هجرة وظُلمة  ،  الباحثين عن وطن  ،  المتلهفين للدفء  . 



أعلن هاتفه عن مكالمة مرئية من والدته التي اشتاقت له حتى جفت ينابيع الاشتياق  ،  هذه السيدة التي في كل مرة تحدثه تستطيع إضاءة غرفته المظلمة لعدة ثوانٍ فقط فيصبح أمامها مرئي الأركان ثم يعود بعد ذلك لانطفاءه وغموضه  . 



نزع سيجارته وسحقها في المطفأة ثم حمل الهاتف يجيبها بملامح جادة ونبرة شبيهة قال بها بالفرنسية : 



- صباح الخير يا أمي  ،  كيف حالك  ؟ 



تعمقت في ملامحه قبل أن تجيبه ورأت في عينيه الصراعات كما تراها دومًا ولكنها ابتسمت الابتسامة التي يتخذها درعًا يحتمي خلفه وقالت بنبرتها العاطفية تجيبه بالفرنسية المماثلة  : 



- بخير يا ثائر  ،  لِم لم تهاتفني أمس  ؟ 



استدار بوجهه عنها يبحث عن كذبة سريعة ثم عاد يطالعها بعد لحظات ويجيب بنبرة فاترة  : 



- انشغلت قليلًا يا أمي  ،  كيف حال أبي ؟  هل هناك من جديد  ؟ 



تنهيدة حارة خرجت من جوفها وهي تخبره بما حدث أمس ولكن تلك المرة بلهجتها  : 



- طلبت من أمجد أجيلك فرنسا بس قالي مش هينفع  ،  نفسي اشوفك والمسك بإيدي وأحضن معاذ يا ثائر  ،  خلاص اتحكم عليا اتحرم منكم   ؟    حد يفهمني إيه اللي بيحصل ومش هينفع ليه  ؟ 



نهض من مقعده واتجه نحو النافذة يفتحها ويمد يده خارجها كأنه يرحب بالمطر الذي هطل فجأة لينتشله من تساؤلات والدته لذا لف الهاتف للجهة الأخرى واسترسل بنبرة تعمد بها تجاهل كل ما قالته علياء ظاهريًا ولكنها مبطنة بمغزى فهمته جيدًا  : 



- انظري إلى المطر الذي هطل فجأة برغم سطوع الشمس  ،  الطبيعة دومًا تدهشني يا أمي  ،  لا أحد يعلم ما يمكن حدوثه بعد لحظات من الآن  . 



تنفست علياء بقوة وأومأت ثم ارتدت قناع الجدية فهي تعلم جيدًا أنها لن تجد الجواب لا عنده ولا عند أحد لذا تابعت تواري اشتياقها في جوف الصمت لتردف حسب الرغبة  : 



-  أيوة امبارح بردو مطرت فجأة عندنا  ،  كنت أنا وباباك قاعدين بنشرب القهوة في الفراندا ومطرت  ،  أمجد دخل بس أنا لاء  ،  إنت عارف إني بحب المطر جدًا  . 



وهو أيضًا يحبه وهذه صفة ورثها منها لذا قال  : 



- نعم أعلم لذا أردت أن أريكِ مطرًا فرنساويًا برائحة القهوة التي تناولتها منذ قليل  . 



- وفطرت ولا شربت قهوة على معدة فاضية زي عادتك  ؟ 



سألتها علياء باهتمام ليبتسم ثائر ويتجه نحو المطبخ الخاص به ويبدأ في تحضير شطيرة أمامها كي يريحها قليلًا  ،  راحة جزئية مجردة من السكينة  . 



ظلت معه إلى أن أنهى تحضيرها واتجه يعود لجلسته ثم تساءل بسخرية حينما وجدها صامتة فقط تطالعه  : 



- هل ستظلين تحدقين بي هكذا  ؟   أليس لديك رجلًا جائعًا ينتظر إعدادكِ للطعام  ؟ 



- عايز تقفل  ؟ 



لم يجبها وكان هذا جوابًا تفهمه لذا تساءلت حينما تذكرت أمر منشوراته على وسائل التواصل  : 



- مش هتبطل بقى منشوراتك دي  ؟  ، بتستفاد إيه من إثارة الجدل نفسي افهم ؟ ماتعلمتش حاجة من كل اللي حصل  ؟ 



قضم قطعة من الشطيرة يلوكها في فمه ثم استرسل قبل أن ينتهي منها  : 



- هذا رأيي يا أمي من تقبله مرحبًا به ومن لم يتقبله فالحظر أفضل خيار  . 



تمعنت فيه بنظرة متفحصة ثم استرسلت  : 



- تمام اعملي حظر يا ثائر  ،  مهو أنا مش هتقبله أبدًا ، هو انت ناسي إني عربية مسلمة ومحجبة  ؟ معقول شايفني بلا عقل  ؟ 



بدأ يشعر بالضيق لاحظته جيدًا لذا أسرعت تتابع  : 



- اقفل اقفل  ،  بدل ما تعملي بلوك بجد  ،  وابقي طمني عليك ولما معاذ يبقى معاك خليني أكلمه  ،  مش عايزة أكلمه واتفاجئ بمارتينا طلعالي من المكالمة تشوح وتلوّح . 



ابتسم حينما أفلتت قبضتها من حوله لذا استرسل  : 



- حسنًا يا أمي  ،  هيا اذهبي واطمئني على زوجكِ ودعيني أكمل عملي  ،  سلام  . 



أغلق معها وعقله تعلق بحديثها عن منشوراته التي يهاجم بها المجتمع العربي وخاصة المصري وتحديدًا النساء التي تعد والدته واحدة منهن  . 



ابتسم بخبث وهو يستعد ليكتب منشورًا آخر من هذا القبيل متذكرًا كلمات تلك المصرية التي ظنت نفسها تهاجمه  . 



أسرع يعبث بهاتفه لتظهر أمامه صفحتها التي حفظها  ،  للمرة الأولى تكتب إحداهن تعليقًا باللغة العربية فمن أين أتتها الثقة أنه سيهتم به ؟ وكأنها تعلم مسبقًا  . 



وقفت عينيه أمام منشوراتها والتعريف الخاص بها يقرأه مرة تلو الأخرى ويردد بهمس  : 



- ديما الصابر 

مصرية مسلمة 

متزوجة ولدي شمسًا وقمرًا 

كوكبي قابل للعيش بسلام  . 



لم تضع صورتها بل وضعت صورة خيل من السلالة المصرية الأصيلة  ،  كلمة متزوجة لم تشفع لها ليتوقف عن البحث بل أراد الهبوط على كوكبها ليستكشف السلام الذي قالت عنه لذا بدأ يقرأ تدويناتها واحدة تلو الأخرى وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة ساخرة وهو يردد داخله  : 



( من هذه المرأة التي تظن الأرض خلقت للسلام  ، بالنسبة له هي زوجة مصرية تعيش حياة هادئة مرفهة لا تفقه شيئًا عن العالم من حولها ،  فليتركها في أحلامها الوردية ويذهب إلى الواقع ) 



ابتسم حينما جعلته يستلهم منشورًا جديدًا بسببها لذا أسرع يدون لمتابعيه الذين تخطوا الملايين  : 



( نساء العرب تعتقدن أنهن يمتلكن النعيم الذي يبحث عنه أي رجل  ،  والحقيقة أن إحداهن تقرأ رواية عن زعيم عصابات فيصبح بطل أحلامها  ،  وإحداهن تقرأ عن رجلٍ يتزوج امرأتين فتهيم به عشقًا وتتمنى أن تصبح الثالثة  ، وأخرى تقرأ عن رجلٍ يعاني من باقة أمراضٍ نفسية فتتخذه قدوة أمام صديقاتها متباهيةً بأفعاله  ،  نساء العرب لا يمكن الوثوق بهن فخيالاتهن مليئة بالرجال المنحطين وفي النهاية يحدثونك عن كوكب السلام  ! ) 



دون منشوره وأرفق معه صورة ساخرة و...  تم النشر بنجاح وعلى محيّاه ابتسامة متحدية وكأنه يدوّن هذا المنشور لها . 



❈-❈-❈



استمعت إلى رنين هاتفه وهي تقف في المطبخ واستشعرت هوية المتصل دون أن ترى  . 



ترقبت السمع جيدًا ليصدق حدسها حينما سمعت زوجها يجيب بنبرة صلدة قائلًا  : 



- أهلًا يا حاج محسن  . 



شعرت بعصرة تقبض صدرها لذا حاولت سحب الأوكسجين بالقدر المستطاع وصبت اهتمامها على القهوة قبل أن تفور وأحضرت فنجانًا تصبها به ثم أحضرت صينية صغيرة تضع بها الفنجان وبجواره صحنًا احتوى على قطع الشوكولاته والبسكويت المحشي  . 



انتظرت قليلًا تستمع إلى زوجها يتحدث بصوتٍ مرتفع صاخب يثير حنقها ولكنها اعتادت  ،  ما إن أنهى مكالمته حتى حملت الصينية واتجهت نحو غرفتهما حيث يجلس  . 



وضعتها أمامه على الطاولة واعتدلت تردف  : 



- اتفضل القهوة  . 



- أبوكي بيكلمني على فلوس سلف  ،  هو مفكرني قاعد على بنك ولا إيه  ؟ 



لم يسعَ يومًا لمحاولة تجنيبها الخوض في مواجهات مرهقة  ،  لم يقدّر يومًا طبيعة شخصيتها التي تجنح للسلم بل يتعمد أن يضعها وسط ساحة قتال لا تحمل فيها درعًا  وليس لها فيها ذنبًا  . 



زفرت واتجهت تجلس في مقابلته واسترسلت بنبرة جعلتها لينة كطبيعتها  : 



- قوله مش معايا وخلاص يا كمال  ،  مالوش لزوم الدخول في جدالات  . 



تجاهل قولها وحمل قهوته يرتشف منها ثم نظر للأمام يستعيد ذكريات مضت منذ سنوات ويردف بنبرة صلدة قاسية استهدفت روحها   : 



- كان عامل لي فيها ياما هنا وياما هناك وعمال يتشرط ويتأمر وأنا بطلبك وقُرب الجواز كل شوية يكلمني هات كذا انت يا كمال  ،  ومعلش أصل وفصل وفي الآخر شيلني الحاجات اللي المفروض انتوا اللي تجيبوها  . 



هكذا أقنعته والدته قبل أن تمرض  ،  بل أنه ترعرع على الذكورية المطلقة والأنانية التي جعلته يتربع على عرش اللا مبالاة بمشاعر من أمامه  . 



ومع ذلك هذا الحديث كان يحطمها في السابق وتسبقها دموعها أما الآن فباتت تبدو فولاذية لا يكسرها شيئًا ظاهريًا

 فقط لذا تحدثت باندفاع تدربت عليه لسنوات  : 



- إنت بتتكلم في إيه دلوقتي  ؟    حاجة راحت من سنين وعدت لسة بتحكي فيها ليه  ؟  واحد طلب منك مبلغ وقلتله لاء  ،  خلصنا  . 



حينما تجابهه ينتبه لها ويستشعر ثورتها لذا يخمدها سريعًا وهذا ما حدث حينما التفت يطالعها لثوانٍ ثم تبدلت نبرته وهو يلتقط إحدى قطع الشوكولاتة ويتابع  : 



- ماقصدش حاجة يا ديما يعني وبعدين هو إنتِ تايهة عن جوزك ؟  مابيعرفش ينسى بسهولة  ،  وبعدين إنتِ زعلانة عليه ولا إيه  ؟  مش هو ده اللي سابكو وراح دور على مزاجه واتجوز على أمك  . 



ألقى عليها قنبلة كلماته التي هدمت كل دفاعاتها  ،  هذه النقطة تحديدًا لا تتحملها  ،  تستنكرها وتستنكر ذكراها ويظل هو يذكرها بها  ،  دخول صغيرتها كان رحمة لها حيث حاولت البحث عن شاطئ الهدوء وأثناء ذلك اقتربت الصغيرة منها تسألها مشيرة بإصبعها نحو صحن الحلوى  : 



- ماما عايزة شوكلت  . 



مد كمال يده يأخذ واحدة وناولها لصغيرته يقول بفظاظة تحذيرية  : 



- خدي واحدة أهي بس ماتعمليش كدة قدام حد غريب  ،  اوعي  . 



أومأت الصغيرة وهي تأخذ منه القطعة وعادت من حيث أتت فنظرت ديما إليه وتحدثت بجدية موضحة  : 



- اسمعني كويس يا كمال  ،  مش كل شوية هتعيد نفس الكلام قدامي  ،  اللي عمله أبويا لهو عيب ولا حرام ده مهما كان شرع ربنا  ،  ماتتكلمش تاني معايا في الموضوع ده  . 



مد يده يتحسس وجنتها وهو يتابع بنبرة تمثيلية متظاهرًا بالود  : 



- إنتِ زعلتي ولا إيه  ؟    ياستي سيبك منه إنتِ محتجاله في إيه يعني ؟  أنا جنبك أهو اعتبريني أبوكي وجوزك وحبيبك وكل حاجة  ،  مع إنك مزعلاني إمبارح بس إنتِ عارفة مابتهونيش عليا  . 



عادت لطبيعتها الهشة  ،  طبيعتها التي تستنكر ما قالته منذ قليل  ،  تعلم يقينًا أن والدها أخطأ ولم يلتزم لا بشرع ولا بحلال  ، تعلم يقينًا أن والدها باع الغالي واشترى البخس وخسر معركة الأبوة معهم ولكنها أبت أن تنحني أمام هجوم كلماته القاسية التي سيتخذها كسلاحٍ يصوبه نحوها بعد ذلك  . 



أبعد يده عنه حينما لم يجد منها ردًا على كلماته الودودة التي قالها لذا نهض يزفر باختناق واسترسل بتجهم  : 



- هاتيلي هدومي يالا علشان البس وانزل  . 



نهضت تتجه لخزانته تفتحها وتنتزع منها إحدى الأطقم المهندمة وتساعده على ارتدائها بصمتٍ استحوذ عليها كليًا فقط تؤدي واجباتها  . 


جلست دينا على مكتبها الجديد تتحسسه بسعادة حلقت فوق ملامحها وهي ترى أنها تلملم شتات أحلامها واحدًا تلو الآخر  . 



دينا تختلف عن ديما في كثير من الأشياء  ،  فهي تفضل نفسها في المقام الأول وقبل أي شخص  ،  تسترق سعادتها من الحياة مهما كانت النتائج  ،  أما ديما فهي تضع سعادتها في السطر الأخير من قائمة أحبائها  . 



دلفت عليها شابة في مقتبل عمرها تخطو بثقة ظاهرية ثم اتجهت تجلس على المكتب المقابل ونظرت إلى دينا بابتسامة مصطنعة ثم أومأت لها بصمت فبادلتها دينا نفس الابتسامة والإيماءة ثم تنهدت وحاولت الاندماج في حاسوبها متجنبة وجودها ولم يدم ذلك طويلًا حتى دلفت أخرى تردف بمرحٍ  : 



- صباح الخير  ،  اتأخرت كالعادة  . 



جلست الفتاة ثم نظرت نحو دينا واسترسلت بعفوية  : 



- إيه ده معانا وجه جديد  ،  ازيك  ، اسمك إيه ؟ 



ابتسمت لها دينا بهدوء وتحدثت بنبرة واثقة  : 



- دينا الصابر  . 



أومأت لها الفتاة مبتسمة ثم التفتت إلى الأخرى وتساءلت بنظرة مندهشة حينما لاحظت خلو المكتب الرابع في الغرفة  : 



- هو شريف لسة ماجاش يا مايسة  ،  معقول  ؟ 



زفرت مايسة بنزق وتحدثت وهي تنظر لحاسوبها بطريقة عملية بحتة  : 



- مش عارفة ومايهمنيش يا فرح   . 



طالعتها فرح بغيظ ثم نظرت نحو دينا تشتكي لها جفاء مايسة لتجد ملامحها ثابتة أيضًا لذا تحمحمت بحرج وتابعت عملها بصمت بعدما اكتشفت أن دينا تشبه مايسة في نفس ردود أفعالها  . 



❈-❈-❈




بعد عدة أيام في فرنسا  . 



يجلسان يشاهدان  عرضًا  تمثيليًا بطولة ابنهما معاذ وآخرين من زملائه المقام على مسرح المدرسة حيث تم دعوة أولياء الأمور لمشاهدة هذا العرض  . 



جلست مارتينا تصفق بحماس في ظاهره تشجيعًا لابنها ولكن الحقيقة هي سعيدة بتواجدها بالقرب من ثائر خاصةً وأنه يعد الرجل الوحيد هنا  ،  أو يعدان الثنائي الوحيد هنا  ،  فجميع الطلاب إما مع أمهاتهن فقط أو أبائهم فقط  . 



لذا فهى ترى ابنها محظوظًا بأبٍ مثله يحبه ولم يؤثر انفاصلهما عليه في شيء  ،  لما لا يعودان سويًا ويريحها فهذا ما تسعى لتحقيقه في الفترة الراهنة  . 



مالت عليه تتحدث بهمسٍ عند أذنه  : 



- انظر إلى دور ابننا  ،  إنه البطل  ،  مميز كوالده  . 



لم يحرك ساكنًا غير شفتيه التي نطقت بثباتٍ وعينيه على ابنه  : 



- إنه لا يشبه سوى نفسه  ،  لا تحاولي مارتينا أنا لا أحب أن يشبهني وبالطبع لا أحب أن يشبهكِ  . 



لم تغضب بل ابتسمت واسترسلت بثقة زائدة ونبرة حماسية نسبةً لحديثه معها  : 



- لا عزيزي فهو يشبهني شئت أم أبيت  ،  لهذا أنت تحبه جدًا . 



كاد أن يبتسم ساخرًا ولكنه لم يفعل بل تجاهل حديثها وأطلق صافرة تشجيعية لابنه الذي تحمس ونظر له مبتسمًا فبادله ثائر الابتسامة وتجاهل مارتينا التي زفرت بضيق وعادت تتابع العرض بملل  ،  دومًا التجاهل صفته المعهودة الذي تغذى عليه جنونها  . 



في الصف الخلفي جلس عدوه الثاني يمعن النظر إليه وإلى ثباته وشموخه بحقدٍ بلغ مبلغه   ،  حتى أنه جاء هذا العرض ليراه هو بدلًا عن ابنه الذي ينظر إلى والده بحزن حينما لم ينظر الأول له لذا انشغل عقل الطفل عن التمثيل فزجره معاذ في كتفه ينبهه لينتبه الصغير سريعًا ويحاول لملمة شتاته  . 



أما شيرلي فظلت نظراته الحاقدة مصوبة على ثائر والآخر لا يبالي بأي شيءٍ حوله  .  



❈-❈-❈



يقود سيارته عائدًا بشقيقته التي بات مؤخرًا يوصلها ويحضرها من عملها بعدما تأخرت من زحمة السير منذ يومين  . 



تحدثت دينا بنبرة مراعية مبطنة بالخبث   : 



- معلش يا داغر بتعبك معايا كل يوم  ،  وأكيد وراك ورشتك وشغلك  ،  لو بس تخليك أنت وتسيب لي العربية  . 



- بعينك  . 



نطقها بصرامة بعدما فهم إلام ترمي بحديثها ليتابع ناظرًا أمامه  : 



- نفسك تاخديها وتسوقي إنتِ أنا عارف  ،  بس مش هيحصل يا دودو  . 



تذمرت ونطقت بنبرة تملؤها الدلال   : 



- ليه بقى يا داغر ما أنا اتعلمت السواقة وطلعت رخصة ولا هي يعني خيال مآتة  ؟ 



- أيوة خيال مآتة  ،  معلش خديني على أد علقي أنا مش بثق في سواقة الستات  . 



- ليه بقى إن شاء الله ؟  وانت اللي محترف أوي  ؟   نسيت لما كنت هتدخل في شجرة إمبارح  ؟ 



تذكر ما حدث أمس فهو لا يقود دومًا بل يفضل ركوب المواصلات العامة كما اعتاد  ،  يبدو أن حياة الرفاهية لا تناسبه أبدًا بالرغم من شرائه لسيارة جديدة منذ عام حتى تساعده في الوصول بشكلٍ أسرع إلى زبائنه المتعطلين في الطريق  . 



زفر بقوة واسترسل مبررًا بملامح مقتضبة وهو يتطلع إليها  : 



- لاء دي حاجة مش مقصودة وربنا ستر  ،  وبعدين احمدي ربنا إني بوصلك وبجيبك بدل ما تتبهدلي في المواصلات ويتخصم منك تاني  ،  صحيح البني آدم مابيملاش عينه غير التراب  . 



لم يكد يلتفت أمامه حتى وجدها تجحظ وتردف صارخة ويداها تحاول إيقافه : 



- حـــــــــاسب يا داغــــــر  . 



تشتت في لحظة ولم يلحظ إشارة المرور التي تجاوزها ليصطدم بمؤخرة سيارة أخرى أمامه  . 



ارتدا سويًا بعدما توقف وتحدث بصدمة تجلت في نبرته  : 



- يانهار أبيض  . 



- قال مش بيثق في سواقة الستات قال 



قالتها دينا بعدما تجاوزت صدمتها نسبةً لبساطة الاصطدام ليلتفت مشيرًا لها بسبابته وهو يستعد للنزول  : 



- اخرسي خالص  . 



ترجل يتجه نحو السيارة التي ترجلت منها فتاة فلم يلحظها بل انحنى قليلًا يصب كامل تركيزه على فحص الجزء المصطدم من السيارة ليومئ قائلًا لنفسه  : 



- بسيطة بسيطة  . 



- والله  ؟ 



نطقتها الفتاة التي وصلت إليه وسمعته لذا اعتدل يطالعها وتحمحم بحرج يتابع  : 



- أنا آسف يا آنسة حصل غصب عني بس ماتقلقيش أنا هصلحها  . 



- يعني إيه هتصلحها  ؟ 



نطقتها بسمة ثم نظرت نحو سيارتها وزفرت بقوة لتترجل دينا تجاور شقيقها وتنطق بدفاع مبررة  : 



- هيصلحها لإنه مهندس ميكانيكا وفاهم بيقول إيه  ،  وعلى فكرة إنتِ كمان غلطانة لإنك وقفتي فجأة  . 



نظرت لها بسمة بتعجب ثم رفعت إصبعها تشير نحو الإشارة موضحة  : 



- ماشوفتيش دي ولا إيه  ؟ 



نطق داغر بنبرة رتيبة جادة  : 



- يا آنسة حصل خير أكيد وزي ماقلتلك أنا هصلحها  ، هي ملهاش علاقة بالميكانيكا بس بسيطة وهعرف اظبطهالك   ،  اتفضلي بس معانا لما الإشارة تفتح هنوصل لحد ورشتي وأوعدك هترجع أحسن من الأول في ساعة واحدة  . 



تعجبت من ثقته ولكن نبرته جعلتها تتنفس وتردف بهدوء  : 



- لا خلاص مافيش داعي  . 



كادت أن تتحرك ولكنه أوقفها قائلًا بنبرة تحمل تصميمًا صريحًا  : 



- يا آنسة لو سمحتِ امشي معانا لإني هصلحها حتى لو فضلت ماشي وراكي لآخر الطريق  . 



تعمقت فيه قليلًا ثم التفتت تنظر نحو دينا التي تطالعها بتباهٍ بشخصية شقيقها لذا عادت إليه تومئ باستسلام قائلة  : 



- تمام  ،  اتفضلو  . 



استقل كلٍ منهم سيارته وتحركا بعدما أعطتهم الإشارة الضوء الأخضر  .


تجلس على الأريكة تسرح شعر صغيرتها بعناية حتى انتهت ليرن هاتفها معلنًا عن اتصال من صديقتها يسرا لذا لفت صغيرتها إليها تطالعها بنظرة إعجاب وحب ثم مالت تحتضنها بعمق وتأخذ منها مخزونًا كافٍ من الطاقة الإيجابية ثم حررتها قائلة بمرح  : 



- يالا روحي العبي مع مالك  . 



أومأت الصغيرة وأسرعت تركض نحو شقيقها بحماس لتزفر ديما وهي تحمل هاتفها وتجيب على صديقتها قائلة بمرح : 



- يااااسو  ،  أخبارك إيه يا بنت الإيه ؟ 



شخصيتها تختلف كثيرًا حينما تهاتف يسرا  ،  تعلم جيدًا أن يسرا تحمل طباعًا جادة لهذا تحاول كسر جديتها بنبرتها المرحة التي تستقبلها يسرا بابتسامة حقيقية دومًا تنجح ديما في إظهارها لذا أجابتها الأخرى بحبٍ صادق  : 



- مادام كلمتك هبقى كويسة  ،  وياسلام لو سي كمال وافق نخرج النهاردة شوية هبقى كويسة جدًا  ،  محتاجة اشتري شوية حاجات ومحتاجة أشوفك  ،  وحشتيني يا ديما  . 



زفرت ديما بإحباط فهي تعلم رفض زوجها المسبق ولكنها نطقت بعكس ما تشعر  : 



- نسأله مانسألوش ليه يعني سي الأوستـــــــــــاذ كمال الدين أفندي  . 



ضحكت يسرا على نبرة ديما واسترسلت   : 



- أيوة إسأليه  ،  بصي خلصي اللي وراكي ولما يرجع اديله شوية رومانسية كدة على أكلة حلوة وهو هيوافق  . 



شهقت ديما بصدمة كاذبة ونطقت بضحكة ظاهرية  : 



- ابقى بتاعة مصلحتي  ؟  دي عمرها ماحصلت  ،  بس ومالو خليني اجرب  . 



شجعتها يسرا قائلة  : 



- أيوة جربي  ،  وهاتي الولاد بالله عليكي يا ديما  . 



نطقتها يسرا بلهفة خرجت من جوفها  ،  لهفة وحنين حينما تذكرت مالك ورؤية التي تحبهما حبًا جمًا لتومئ ديما كأنها تراها وتجيبها بالقبول وهي تدعو سرًا أن يقبل زوجها  : 



- بس كدة دانت تؤمر يا جميل انت  ،  يالا خليني أخلص اللي ورايا واشوف هعمل إيه وهبلغك  . 



تمتمت يسرا لتتخذ ديما نبرة الخذلان في حديثها المتبقي مستطردة  : 



- بس لو ماوفقش يا يسرا ماتزعليش علشان خاطري  ،  أوعدك نتقابل عند ماما أول ماروح عندها  ،  تمام  ؟ 



تنتظر من يسرا التمام كمن ينتظر الإذن حتى يتنفس لتجيبها الأخرى بنبرة مرحة كي تهون عليها  : 



- طب تصدقي فكرة ممتازة  ،  أصلًا طنط منال وحشاني جدًا  ،  خلاص شوفي هتعملي معاه إيه ولو ماعرفتيش مافيش مشكلة نتقابل عند منولة  . 



تنفست الصعداء وابتسمت وهي تجيبها  : 



- عيوني يا عيوني  ،  يالا سلام دلوقتي  . 



أغلقت معها ونهضت تنهي أشغالها بطيب خاطر  ،  ليته هين لين رحيم لكانت هانت الدنيا وما فيها ولكنها تحمل أعباء الخوف والترقب والحيطة لتتجنب الدخول معه في ضغوطاتٍ لن تخرج منها سالمة  . 



❈-❈-❈




انتهت حفلة معاذ وجلس في الكرسي الخلفي من سيارة والده بوجهٍ عابسٍ بعدما صممت مارتينا على المكوث في المقعد الأمامي  . 



كان ثائر كل دقيقة يطالعه في المرآة ويغمز له بينما الأخرى تجلس تثرثر وتتحدث عن حفلة هامة ستقام في فيلا والدها  . 



انتبه ثائر لها لتتابع بترقب  : 



- هل يمكننا أن نجلس في منزلك إلى أن تنتهي حفلة والدي ؟  أنا أكره حفلاته كثيرًا  . 



تساءل ثائر بنبرة فضولية لا تمثله وهو ينعطف وينظر نحو الطريق  : 



- وما سبب تلك الحفلة  ؟ 



أجابته بحماس من حديثه معها  : 



- من المؤكد هناك احتفالًا بشيء لا أعلمه ولا أريد أن أعلمه  . 



أومأ لها ثم تابع بثبات  : 



- حسنًا يا مارتينا أخبريني موعدها وسأنتظركما في المنزل وقتها  . 



انتابتها سعادة هجمت عليها لذا عبرت عنها بطريقة مندفعة مثلها وهي تميل عليه وتقبله من وجنته قبلة هجومية وعادت أدراجها تردف بحماس  : 



- أعدك ستكون سهرة ممتعة  . 



لم يحرك ساكنًا إلا عينيه التي نظرت لابنه في المرآة ليجده يلف وجهه للجهة الأخرى بضيق ثم نطق بتجهم  : 



- لن آتي معكِ  ،  سأجلس مع جدي  ،  أنا أحب حفلاته  . 



هزت كتفيها بلا مبالاة واسترسلت  : 



- حسنا كما تريد  . 



وهذا ما تتمناه من الأساس  ،  تريد أن تختلي بثائر بأي وسيلة يكفيها قبوله لذلك الاختلاء وها هو قبل للتو  . 



أما ثائر فشرد في الطريق ولم يعلق لا على حديث ابنه ولا على ردها بل واصل قيادته إلى أن توقف أمام الفيلا ليترجل معاذ قاصدًا الداخل وقبل أن يفعل ناداه والده الذي ترجل واتجه إليه ثم انحنى لمستواه يقبله من وجنتيه ويودعه قائلًا بترقب  : 



- أنت تعلم أنك أغلى ما لدي  ،  أليس كذلك  ؟ 



ابتسم الصغير برضا وأومأ لوالده بثقة يجيبه  : 



- أعلم يا أبي  . 



ابتسم ثائر ولكمه بخفه على ذراعه قائلًا  : 



- هيا استمتع  ،  وبلغ سلامي إلى جدك  . 



ركض الصغير للداخل ونهض ثائر يتجه عائدًا لسيارته ولكن مارتينا نادته ليتوقف ثم اتجهت إليه تقف قبالته وكالعادة تسلط عينيها على شفتيه متسائلة : 



- وهل أنا غالية لديك أيضًا  ؟ 



قلب عينيه وأشار برأسه نحو الفيلا ينطق بملل  : 



- هيا مارتينا ادخلي  . 



قبل أن تنفذ طلبه لبت نداء رغبتها وقبلته على شفتيه قبلة لم يحرك فيها ساكنًا ولم يعترض ولم يشعر بأي شيء إلا بالهواء الذي عاد لرئتيه بعدما ابتعدت تطالعه بابتسامة انتشاء مردفة  : 



- حسنًا أراك قريبًا عزيزي  .


يتبع...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا