رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة سارة محمد رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير

رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير بقلم سارة محمد

رواية حافية علي جسر عشقي من الفصل الاول للاخير


في إحدى شقق القاهرة بالمناطق الراقية ، و وسط ذلك الجو شديد الحرارة ، فتاة يافعة ترتدي كفوف الملاكمة و أمامها كيس الملاكمة الطويل ، أخذت تضرب به بقوة بقدميها وبكفيها ، عاقدة خصلاتها التي تصل لما بعد ظهرها كذيل حصان مما أعطاها مظهرً جاد ، مرتدية زي الرياضة بكنزته "الكت" و بنطاله الملتصق بساقيها الرشيقتان ، تنبعث من بين جفنيها المغطان بأهدابٍ كثيفة تصميمٍ شديد ، ظلت تضرب الكيس حتى تصببت عرق من جميع أنحاء جسدها ، أمسكت بالكيس بكلتا كفيها لتسند رأسها عليه وصدرها يعلو و يهبط بلهاث..

ثم قامت بنزع الكفوف بعصبية و هي تلقيها أرضاً ، شرست ملامحها و هي تقف أمام المرآة ، شردت قليلاٌ و هي تنظر لنفسها ، بملامحها الشرسة و الحادة إلا أن بهما جاذبية خاصة بلون بشرتها الخمري و مقلتيها العسليتان سبحان الخالق و كأنه صب العسل بأعينها ..! و خصلاتها الفحمية المجعدة بغجرية و بالطبع جسدها الرشيق الممشوق لمواظبتها على التمارين الرياضية ، أُنتشلت من شرودها على صوت رنين هاتفها بـ موديله الحديث ، ألتقطته من على فراشها الوثير لتضغط على زر الإجابة ثم وضعته على أذنها قائلة :
- خير ؟

أجاب الطرف الأخر والذي لم يكُن سوى صوت أنثوي به رجفة خوف :
- أنا أسفة يا فندم اني ب.. بتصل في وقت بدري كدة بس في موضوع مهم حضرتك لازم تعرفيه ..

أشتدت ملامحها غضباً لتجأر بها :
- مـ تنجزي في أيه ؟!!!

- الشركة يا فندم .. بتضيع !!

"ملاذ خليل الشافعي"

صاحبة أكبر شركات الأزياء بالوطن العربي ، أستطاعت تكبير شركتها في سنة ونصف رُغم صغر سنها الذي لم يكن سوى أربعة و عشرون ، إلا أن شركتها الكبيرة و سيطها العالي يعود إلى عمليات النصب و الأحتيال التي قامت بها ، فـ أخر عملية نصب قامت بها كانت حول رجلٍ بالخمسون من عمره فقد بصره ، تلاعبت عليه ك الأفعى .. نصبت شباكها بحرفيه ليقع العجوز بالفخ دون عناءٍ يُذكر ، كتب لها أملاكه .. ثروة بملايين الجنيهات فُرغت في أحضانها ، و حتى لا تُكشف وتقع خلف القضبان دائماً ما كانت تحرص على التلاعب بالرجال الفاقدين حاسة البصر خاصة كبار السن .. و تفكر مئات المرات قبل أي خطوة تتقدم بها ، حيث تظهر بأسماءٍ مختلفه كـ "سميرة" "اسيل" دنيا" و الكثير من الأسماء الزائفة ، تتميز بوجهٍ حاد الملامح ، عينان سمرواتين مغلفتين بقسوةٍ و برود و حواجز منيعة هي من وضعتها ، عيناها حادة خاصةً عندما تضع ظل العيون الأسود -مستحضر تجميل- ، خمرية البشرة ذات جسد ممشوق ، خصلاتها بها تمويجة بسيطة ليصل لما بعد ظهرها ، توفى والديها أثر أنفجار حدث ببلدتهما الفقيرة نجت منها هي و شقيقتها عندما كانا عند خالتها -المرحومة - بالأسكندرية ، كانت طفلة لا تتعدى الست سنوات ، و شقيقتها كانت رضيعة عمرها لا يتعدى السنتان ، لم تكن تعي أنها لن ترى والديها مجدداً ، دائماً ما كانت "براء" شقيقتها رغم صغر سنها إلا أنها كانت المدللة لوالديها ، يجلبوا لها ما تريد إن كان بإمكانهم ، يجلبون لها الألعاب وو كأنهم لم ينجبوا إلا إياها !! ، بينما "ملاذ" يصرخون بوجهها و يضربونها أحياناً ، دائما عند طلب و لو شئٍ صغير كانوا يزمجرون بها ، لم تجد "ملاذ" حنان أبداً في طفولتها ، فـ بقيت تلك الفتاة المنطوية المنبوذة من جميع من حولها لاسيما والدها !! ، ربما هي لم تكره والدتها بقدر كرهها لذلك الرجل الذي بالخطأ أُطلق عليه ذلك المسمى ..!!
بعد تلك الحادثة المريرة .. رفقت بحالها السيدة "كريمة" جارتهما التي لم تُرزق بأطفالٍ ، إلا أنها هي من ربتهما تربية صالحة ، كان دائماً زوجها يعترض على وجودهما في المنزل ، فكانت تقول له بفظاظة :
- دة بيتي ياخويا و اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل !!!

تهدج صدرها علواً وهبوطاً تنفي برأسها بحركات هيستيرية و هي تحاول إبعاد تلك الذكريات عن عقلها ، لملمت شتات نفسها لترتدي ملابسها الرسمية ، ألتقطت مفاتيح سيارتها بعجلة ..
• • • •

- أنتوا أيه متعرفوش تعملوا حاجة من غيري أبداً ، مشغَلة عيال صغيرة !!!

صدح صوتها بالشركة بأكملها و أمامها صفٍ من الموظفين مطأطأين رؤسهم بخوفٍ ، فـ هم يعلمون أنها لا تتهاون في العمل ، و غضبها الجحيمي أيضاً ..

أهتاج صدرها بغضبٍ لتطرق بكعب حذائها الأنيق على الأرضية و هي تعقب محذرة :
- قسماً بالله لو حصل حاجة زي دي تاني هرفدكوا كلكوا و مش بس كدة هخليكوا مش لاقيين تاكلوا فـاهمين !!!

أومأوا جميعهم مبتلعين الإهانة كالعادة لتبتعد عنهم و هي تدفع باب مكتبها بقوة ، كان أنيق يطغى عليه اللونين الأبيض و الأسود تتوسطه طاولة خلفها مقعد وثير و نافذة شديدة الأتساع ، أتجهت نحو النافذة و طرقات كعبها تصدح بالمكتب ، و قفت أمام الزجاج الشفاف لتطالع المنظر و راءه ، سمعت طرقات عشوائية ليدلف الطارق حتى دون أن ينتظر أستئذانها ، أشتعلت مقلتيها العسليتان لتلتف مطالعة الشخص الذي أمامها و هي تقول ببرودٍ :
- بـرا ..

توسعت حدقتي الشخص ليفتح ثغره ببلاهة قائلاً :
- نـعـم ؟!!

- إنت أستئذنتني قبل مـ تدخل ؟!
كانت لهجتها هادئة ، بينما تنحنح الشخص بإحراج ليخرج مغلقاً الباب ، طرق مجدداً منتظر أستئذانها لتعتلى ملامحها رضا و هي تستطرد:
- أدخل .

دلف الشخص ليطالعها بحنق و هو يقول :
- مش هتبطلي معاملتك الناشفة دي ؟ دة أنا حتى خطيبك يعني ..

تحركت نحوه بخطوات أنثوية غير مقصودة لتقف خلف مكتبها مقربة وجهها منه بملامحها المشدودة :
- إذا كان عاجبك يا عماد !!

حدق بها المدعو "عماد" بعشق و بملامحها القوية الجذابة ليقول بلوعة :
- عاجبني و نص يا قمر !

حدجته بسُخرية لتعود جالسة على مقعدها و هي تعقد كفيها بعملية ليظهر أظافرها المطلية باللون الأسود و هي تقول :
- خير ؟

أبتسم "عماد" ليجلس و هو يقول بجدية :
- نصَباية جديدة !!

تأففت بحنقٍ لتضرب على المقعد :
- أحنا مش كُنا خلصنا م القرف دة !!

غمز لها "عماد" قائلاً بإنتشاء :
- حد يقول لـ ظافر سرحان الهلالي لاء !!!!!

تغيرت معالم وجهها للصدمة الشديدة و هي تنهض قائلة بذهولٍ :
- قولت أيـه ؟!!!!

قهقه "عماد" بسماجة و هو يقول :
- لاء بقولك أيه ونبي كدة نضفي ودنك و ركزي معايا ، هننصب على ظافر الهلالي اكبر رجل أعمال يا ملاذ !!

جلست "ملاذ" و هي تنظر للفراغ ، بينما أكمل "عماد" :
- طبعاً هو غني ع التعريف ، ابن المرحوم سرحان عيلة الهلالي أكبر صعايدة في مصر !! ، هو الوحيد اللي عنده سيط جامد أوي أوي مع أنه عنده أخوات بس ميجوش نقطة في بحر شهرته و أيده الطايلة !!

دوى الصوت بأذنها عدة مرات ، فـ لم تستمع حتى لباقي كلماته ، "ظافر سرحان الهلالي" بن "سرحان الهلالي" ، ذلك الرجل الذي سلب منهما الكثير ، ذلَّها ، تشبَّع ببكاءها ، لم يرحمها أو يرحم شقيقتها حتى عندما كانت طفلة صغيرة ، برقت عيناها بوميض ثم ألتفتت إلى "عماد" قائلة :
- أمتى ؟

• • • •
في الوجه القبلي من مصر حيث الصعيد ..

بـ جناحٍ راقي يجعلك تتأكد من ذوق صاحبه الرفيع ،
أغلق أزرار قميصه الأسود القاتم الذي عزز عضلات جسده عدا أول زرين ، ثم شمّر عن ساعديه و عيناه متصلبة على المرآة أمامه ، ألتقط ساعة ذات ماركة عالمية ثم إرتداها ، صفف خصلاته بعناية لينثر عطره الجذاب بغزارة ، ثم ألقى نظرة واثقة على نفسه بالمرآة ، أنتعل حذاءه ليلج لخارج جناحه
"ظافر سرحان الهلالي"

أكبر تاجر سلاح بالشرق الأوسط ، يفوق القوانين فـ بنظرهما هو فوق مستوى الشبهات ، كيف وهو من يخضع له الصغير و الكبير ، دائماً ما يُرسم لنفسه صورة نظيفة .. خالية من الأوساخ ، سمعته لم و لن تُلطخ ، رغم سنه الأثنان والثلاثون إلا أنه يملك أمبراطورية كبير بإسمه البرّاق "ظافر سرحان الهلالي" .. ذو جسد مُعضل يجعل الفتيات تُلقين بأنفسهن تحت قدميه ، يمتلك طولٍ يافع أطول من المعتاد بقليل ، بشرة برونزية ، و عيناه حادة كالصقر و لكن يشفع لذلك غابات الزيتون التي زُرعت بمقلتيه ، توفى والده لتآكل السرطان بجسده و لحالته المتأخرة لم يتقبل جسده أية علاجات ، عندها جن جنونه ، ذلك اليوم لن ينساه مهما حيا ، أنقلبت المشفى رأساً على عقب .. خاصةً ذلك القرار الذي أخذه والده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ذلك القرار الذي كان ظالماً بحقه ، و عندما مات أبيه بعد مرور أسبوعان ، لم يذرف دمعةٍ واحدة ، بقى متحلياً بالقوة عكس أشقائه

• • • •

و بالأسفل ، زُين بهو القصر المتسع -ذو الطابع الفرعوني الأصيل- بـ مزينة كبيرة تدلت من السقف العالي ، تعالت الضحكات المرحة على طاولة وُضِعت بالمنتصف ، ولكن ع ضحكاتهم العفوية صوت خطوات "ظافر" التي صدحت بالمكان ، ألتزموا الصمت لـ هالة "ظافر" التي تحيط به ، أقترب منهم "ظافر" ليترأس الطاولة ، تفحصهم جيداً ثم أخذ بتناول الطعام أمامه ، تطلعوا الجميع له بحذرٍ ثم أمتدت كفوفهم ليشرعوا بتناول الطعام بهدوء ، رفعت "مريم" (زوجته) عيناها لتحدق به ، بزوجها ، معذبها ، جلادها ، كم تعشقه .. و كم هو باردٍ ، كم سعت لتتزوجه ، نعم فـ "ظافر" ابن عمها ، تزوجها ليرضي أبيه الذي كان على فراش الموت ، تزوجها قسراً ، إلا أنه يحترمها و يقدرها ، و لكن لم يُحبها يوماً و لن يفعل ، ليس لأنها ليست جميلة .. "مريم" ذات قدرٍ من الجمال و لكنه لا يكن لها الحب مطلقاً ، لم يرزقهما الله بأطفال إلى الأن .. رُغم مرور سنتان على زواجهما .. الأمر الذي جعل العائلة بأكملها تمقت منها ، و الأمر الذي جعل "مريم" تنتفض خوفاً من أن يتركها "ظافر" .. تمتلك "مريم" جمالاً صعيدياً أصيل ، حيث الخصلات الفحمية و البشرة البيضاء الناعمة و المقلتي المتسعتان بلونها البني و الجسد الآخاذ .. و برُغم كل ذلك ، لم يراها يوما "ظافر" كحبيبته .. هي فقط زوجته و هي يأست من أن تنتظر منه الأكثر من ذلك ..

رفع "ظافر ناظريه يحدق بهما ، على يساره تجلس والدته السيدة "رقية"التي زحفت السنوات على وجهها لتطبع تجاعيدٍ وقورة بخصلات فحمية تتخللها بعض الخصلات البيضاء واضعة وشاح على رأسها ..هي أغلى شئٍ على قلبه .. عيناها بهما بريقٍ من الحزن على وفاة زوجها ، رُغم مرور العديد من السنوات إلا أن حبه بقلبها لن يموت ..

أنتقل ببصره لما يلي والدته ، ليجد شقيقته "ملك" .. شقيقته الصغرى التي لم تكمل عقدها الثاني ، فتاة مرحة دائماً ما ترسم البسمة على وجوه الأخرين ، تملك جمالاً من نوع خاص حيث البشرة السمراء و العينان الزيتونية ورثتها عن أخيها و الخصلات الحريرية تحجبها حجابٍ زين وجهها الأسمر كالشوكولا الذائبة . "ملك" و "مريم" لا يطيقا بعضهم ، حيث دائماً ما كانت "مريم" تسخر منها على ألتزامها و على -الوشاح- (مثلما أسميته مريم) التي ترتديه و لكن دائماً ما يتصدى لها "ظافر" ، حيث أخر مرة زمجر بها بعنفٍ جعل أوصالهم ترتجف :
- قسماً بالله لو كلمتيها بالطريجة دي تاني هنسفك يا مريم !!!

و لأنها تعشقه ، صمتت .. وقفت الحروف على طرف لسانها .. عادت من شرودها لتستفيق على واقعٍ مرير

حرَّك "ظافر" ملعقته بالصحن أمامه ليقول بلهجةٍ باردة :
- فين باسل ؟!

تكلفت والدته الرد عليه و هي تقول بنبرة عادية :
- باسل سبقك على مصر ع الشركة ، بيقول عنده شغل كتير رايد يخلصه ..

تابع "ظافر" دون تكبد عناء النظر لها :
- مازن ؟

تابعت والدته مجيبة إياه بنبرة حزينة :
- والله يابني من الفجرية مختفي تلاجيه بيعمل مصيبة زي العادة ..

أُظلمت عيناه على ظلامها ، ليضرب بكفه على الطاولة بقوة جعل الأطباق تهتز خائفةٍ كأهتزاز قلوب الجالسين ، جأر بهما بحدةٍ :
- يعني أيه بيعمل مصيبة !!!! مازن لو عمل مصيبة تانيه هخليه يترمي في السجن و هوصي عليه أوي عشان يتربى ..!!!

ثم تركهم ملتقطاً "چاكت" بذلته السوداء و مفاتيح سيارته ليصفع باب القصر بقوة حتى أهتزت جدران القصر ، أنقبض قلب "مريم" لتركض ذاهبة وراءه و هي تنادي عليه بأعلى صوتها :
- ظــافـر .. ظـافر !!

فتحت باب القصر لتجده مازال يتجه لسيارته ذات النوع الفاخر .. ، لم يتوقف "ظافر و أكمل خطواته الهادئة عكس ما بداخله ، وقفت أمامه "مريم" بصدرٍ يعلو و يهبط من أنفاسها التي تبعثرت ، بينما زفر "ظافر" بتأففٍ ثم نظر لها بتململ ، حاوطت "مريم" وجنتيه بدورها ثم قالت بحنوٍ :
- أهدى يا ظافر صدقني مازن هيبجى كويس ، و سوق على مهلك يا حبيبي ..

رمى لها أبتسامة باردة خالية من الحياة ، ثم أبعد كفيها متابعاً سيره .. دون ان ينبث ببنت شفة ، تجلت خيبة الأمل واضحة على وجهها ، تهدلا كتفيها بأملٍ تبعثر على الأرضية ، فرت دمعة هاربة من عيناها تليها دمعات تُلهب وجنتيها ، ركضت لداخل القصر ، ثم إلى داخل جناحهما .. أرتمت على الفراش تبكي على حالها و بروده معها ..
• • • •

أدارت إطار مقعدها المتحرك حتى تسطيع التحرك في المنزل التي تقطن به وحدها سوى من خادمة ترعاها ، خصلاتها الناعمة منثورة على كتفيها ، شحب وجهها وكأنها بالسبعون من عمرها رُغم سنها الذي يصغر شقيقتها بـ عامين ، سمعت صوت صرير باب الشقة يُفتح ..نظرت خلفها لترى شقيقتها ، سُرعان ما تغيرت معالم وجهها إلى الحقد ، صرخت بغلٍ أنبعث من بين شفتيها بوضوحٍ :
- هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني !!!
رُغم صراخها ، نبرتها الحادة و الغل الكامن بداخل صوتها ، إلا أن "ملاذ" أبتسمت بـ حنوٍ يظهر فقط إلى "براءة" ، أقتربت من مقعدها متجاهلة تماماً كلماتها و النظرات التي ترميها بها التي كانت كالنصل يمزق جسدها بلا رحمة ، قرفصت أمام مقعدها لتصل إلى مستواها لتضع يداها على كتفها ، و سريعاً ما نفضتها "براءة" بعنف و كأنها ستلوثها !! ، أبتسمت "ملاذ" وكأن شيٍ لم يكن لتقول بنبرة حانية :
- كلتي ؟

نكزتها "براءة" في كتفيها بعنف حتى كادت "ملاذ" أن تسقط للوراء و لكنها تماسكت ، لم تؤلمها تلك الضربة العنيفة التي صدرت من شقيقتها بقدر من آلمتها ما قالته "براءة" :
- أنتِ أيه معندكيش دم مبتحسيش بقولك مش عايزة أشوف وشك !!!

تماسكت "ملاذ" كالجبلٍ و لم تُعلق لتنادي على الخادمة بصوتٍ شديد العلو ، جاءتها الخادمة راكضة و هي تقول :
- أؤمري يا ست هانم ..

- براءة هانم أكلت ؟

ردت الخادمة سريعاً وسط تأففات "براءة" :
- أكلت يا ست هانم و غيرت للهانم هدومها حاجة تانية ؟

- على شغلك ..قالت "ملاذ" بقوة لتذهب الخادمة للمطبخ ، نظرت إلى "براء" قائلة بحنانٍ بالغ :
- أنتِ كويسة يا براءة ؟ محتاجة أي حاجة ؟

صرخت بها "براءة" بـ قهرٍ :
- محتجاكي تبعدي عني ، أنت أيه يا شيخة عايزة مني أيه تاني بسببك بقيت مشلولة وقاعدة على كرسي ، قوليلي عايزة تاخدي أيه مني تاني ، أبعدي عني بقى أنت بتوسخيلي حياتي !!!!!!

جمدت عيناها على عينان شقيقتها ، تخشبت ملامحها و كأنها أصبحت صنم ..دون أن تتفوه بحرف ، نهضت على قدميها تخفي تماماً الأنكسار الذي تجلى في مقلتيها بوضوعها نظارة الشمس السوداء التي حجبت ترقرُق الدمعات في عيناها ..

تركتها وذهبت خارج الشقة ، و صدرها يعلو و يهبط بإهتياجٍ كالغريق ، خرجت من العمارة الراقية بأكملها و هي لا تستطيع إدخال الأكسجين إلى رئتيها ، سرعان ما أخرجت رذاذ الربو من حقيبتها لتضغط على الرذاذ داخل فمها ، بعد أن هدأت قليلاً ذهبت مستقلة سيارتها الفخمة بلونها المستردة ، قاومت اادموع التي تصرخ بالخروج داخل مقلتيها ، قاومت ذلك الشعور لتضغط على مكابح السيارة بقوة مخلفة ورائها دخانٍ كثيف ..

• • • •

دلفت لشقتها ذات الذوق الرفيع ، و لكنها باردة ، رُغم الطقس الحار و لكن شقتها تبعث الرجفة في الأنفس ، أغلقت الباب بقدميها ثم دلفت بهدوءٍ ، ألقت حقيبتها على الأرضية بإهمالٍ لتجلس على الأريكة بالبهو الواسع ، كل شىٍ ضدها ، بدايةٍ بـ شركتها التي خسرت مبلغٍ عظيم نتيجة تسرُب تصاميم الأزياء التي صممتها ، أقسمت على أن تعلم تلك الخائنة التي سرقت الصور إلى الشركة المنافسة ، وصولاً بـ عماد الذي أخبرها على أحتيالٍ جديد ، " ظافر سرحان الهلالي" .. فريستها الجديدة ، والده سبب كل شئ ، هو من جعل شقيقتها تكرهها بتلك الطريقة ، و هي التي أعتقدت أنها ستخرج من ذلك الوحل ، لا تلاحظ أنها أصبحت تنغمس به..

أمسكت بهاتفها تحادث "عماد" بنبرتها الجامدة :
- عماد ، أسمعني كويس ، طبعاً أنت عرفت أن تصاميمنا أتسرقوا ، عايزاك تعرفلي مين اللي سرق الصور ..بليل يكون عندي أسمه يا عماد !! ، و تقول للموظفين على أجتماع بكرة عشان نبدأ نصمم تصاميم تانية قبل ال show مـ يبدأ .. قدامنا شهر يا عماد شـهـر !!!

• • • •

وقف واضعاً ذراعيه المفتولين وراء ظهره ، عيناه تجول على المنظر البديع أمامه ، حتى زجاج المكتب لم يستطيع إخفاء جمال المنظر أمامه ، سمع رنين هاتفه المحمول ، دس يده بجيبه ليخرج الهاتف ، ضغط على زر الإتصال بجمودٍ :
- في حاجة يا مريم ؟

سمِع صوتها الحنون و هي تقول :
- وصلت بالسلامة يا ظافر ؟

أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ليقول بصوتٍ جاهد أن يكون هادئاً :
- مـريـم ، لاحظي أني قولتلك قبل كدة أني مش صغير ، فـاهـمـة !!!!
لم يستطيع كبح غضبه فـ صرخ بأخر كملة حتى برزت عروقه ، زمت "مريم" شفتيها بحزنٍ لتقول :
- مش قصدي والله .. أني بس كنت خايفة عليك عشان الطريج بيبجى طويل من أهنه لمصر ..

تأفف بصوتٍ عالي لتسرع "مريم" قائلة :
- طب خلاص متتلجلجش .. هسيبك دلوكتي تشوف شغلك ..

ثم أغلقت سريعاً قبل أن يُفرغ غضبه بها ، مسح على خصيلاته السوداء بقوة ليجد "باسل" يدلف له و الأبتسامة تغمر ثغره قائلاً بمرحٍ :
- بتشد في شعرك ليه ؟!!

"باسل سرحان الهلالي" ..
يصغر أخيه بعامين فقط ، ذو سيطٍ عالٍ بالسوق ، و لكن بالطبع ليس كأخيه ، إلا أنه دائماً ما يعترض على أعمال أخيه المشبوهة، حاول الكثير من المرات أقناعه أن يتوقف عن تصدير الأسلحة وغيرها من الكوارث و لكن دائماً يزجره "ظافر" و يحذره ألا يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك بنى "باسل" شركته المنفردة ، مبتعداً تمام البعد عن أعمال "ظافر" و الوحل الذي أخذ يقحم نفسه به بإرادته، و أصبحت شركته من منافسين شركاتٍ كبيرة في وقتٍ قصير، يمتلك "باسل" جسدٍ رياضي كأخيه ، عيناه سمراء تختلف عن مقلتي "ظافر" الزيتونية ،يقصر "ظافر" ببعض السنتيمترات المحدودة جداً ، بشرته حنطية جذابة ، و خصلاته سوداء .. ، رُغم ضيقه من أفعال أخيه الأكبر إلا أنه يحبه ، لا يستطيع أن يخسره ..

زمجر "ظافر" بحدة و هو ينظر له بتهكمٍ :
- خفة ياض !!!

قهقه "باسل" ملء فمه ليقترب من مكتب أخيه جالساً على المقعد الوثير :
- لاء بجد أيه اللي مضايقك أوي كدة ؟

- مافيش .. ردّ بغموضٍ و هو يدس يداه بجيب بنطاله ناظراً من النافذة بشرودٍ ،تفهم "باسل" حالته و لم يشأ أزعاجه فـ قال مغيراً مجرى الحديث :
- طب أنت راجع الصعيد ولا هتقعد فـ القاهرة شوية ..

قال "ظافر" بهدوءٍ :
- لاء راجع بكرة عشان أشوف أخوك هبب أيه المرادي !!!

أتسعت مقلتي "باسل" و هو يقول بـ صدمة :
- مـازن !! عمل أيه تاني الغبي دة !!
ألتفت له "ظافر" و أخيراً ليرفع له سبابته محذراً بلهجة شديدة :
- باسل أسمع ، المرادي لو مازن عمل حاجة أنا مش هعتقه ، و رحمة أبويا مـ هعتقه يا باسل !!!!

إزدرد "باسل" ريقه و هو يرى أخيه نظراته ملتهبة ، و هو يعلم تمام العلم أنه إذ أقسم برحمة والدهما إذاً هو لا ينتوي خيراً .

• • • •

عندما ذهب "باسل" جلس "ظافر" منكب على أعماله ، طرقت سكيرتيرته الخاصة الباب ليأذن لها بالولوج ، دلفت "سمر" مطأطأة رأسها و هي تقول بحذرٍ شديد :
- بعد أذن حضرتك يا فندم لو كنت بزعجك حضرتك أنا بس كنت جاية عشان أقول لحضرتك يعني آآآ أنا كنت جاية اقول يعني ..

صرخ بها بنبرة جعلتها ترتد للخلف و هي على وشك البكاء :
- مـ تخلـصـي !!!

أومأت سريعاً و هي تقول :
- حاضر .. حاضر ، حضرتك كنت قايلي أفكرك انك عايز تعمل uniform (زي موحد) للعمال و عايزني أدور لحضرتك على شركة أزياء ..

هتف متذكراً :
- أيوة ايوة أفتكرت ، شركة أيه بقا اللي لقتيها ؟

- الـ company صاحبتها ملاذ خليل الشافعي ..

قطب حاجبيه قليلاً ، أسمها مألوفٍ بالنسبة له ، اومأ بهدوءٍ و هو يقول :
- تمام ، تتصلي بالشركة و تاخديلي منهم معاد بكرة ..

أومأت "سمر" ليشير لها "ظافر" بالإنصراف ، فـ ذهبت تهاتف "عماد" لتخبره بما فعلت ..

• • • •

في إحدى ضواحي القاهرة ، سيارة تمشي على سرعة مائتان ، صاحبها يكاد يتحكم في المقود بسبب يداه الأخرى الممسكة بقنينة مليئة بالخمر من نوعها الفاخر ، أخذ يدور بالسيارة -ذات الطراز الحديث- بلا هوادة ، و لكنه توقف فورما لمح فتاة جالسة بزاويةٍ ما بـ أزقة الشارع مخبئة وجهها داخل كفيها و هي تبكي بحرقة حقيقية ، ترجل "مازن" مترنحاً أثر المشروب الذي اودى بعقله ، أقترب منها بعينان زائغتان ، سال لعابة بطريقة مقززة عندما رأى ساقيها البيضاويتان يظهران للعنان ، و بلا وعي منه و بحذرٍ شديد أمتد كفه لتلمس ساقيها قائلة بلا وعي و عيناه شبه منغلقة :
- أنتِ حلوة أوي !!!!

أنتفضت المسكينة تطالعه برعبٍ شديد ، نهضت محاولة الفرار منه إلا أنه جذبها من خصرها و هو يقربها من صدره هامساً أمام وجهها كفحيح الأفعى و رائحة أنفاسه الكريهة منبعثة منه تضرب وجهها بقسوة :
-أنتِ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه يا مُزة !!!!

أهتاج صدرها علواً و هبوطاً والذعر يكاد يقفز من عيناها ، حاولت دفعة عنها و هي تشعر بيده تستبيح جسدها ، هتفت في رجاءٍ حار وسط بكاءها :
- بالله عليك سيبني أمشي ، أنت مش في وعيك ..

لم يبدو أنه سمعها ، مال برأسه نحوها حتى كاد أن يقبلها إلا أنها ألتقطت القنينة من يداه ثم ضربت بها رأسه بقوة جعلته يُطرح أرضاً ، وضع يداه على رأسه بإعياء و هو ينظر لها بحقدٍ ، بدأت رأسه تترنح ليسقط كالجثة الهامدة ، نظرت له "رهف" بذعرٍ ، لا تعلم أين تذهب و إلى من ، أرتجفت يداها و هي تلتقط هاتفه من جيبة ، و عندما علمت أنه بالبصمة أخذت أصبعه ليفتح الهاتف ، وقع نظرها على أسم "باسل" الذي من الواضح أنه هاتفه عشرات المرات ، وضعت الهاتف على أذنها بأيدي مرتجفة ، جاء صوتٍ رجولي جذاب و لكنه حاد :
- أنت فين يا حيوان دة أنا لما أشوف و الله لأظبُطك أنا و ظافر !!!

أزدردت ريقها بهلعٍ و من دون قصدها فُلتت منها شهقة لم تستطيع كبحها ، بينما ارتسمت ملامح الذعر جليه على وجه "باسل" عندما سمع شهقاتٍ أنثوية ، هتف بقلقٍ :
- ألو !!! مين ؟؟؟؟

حاولت التكلم و لكن رغماً عنها خرجت كلماتها متقطعة و وسط كل كلمة و الأخر جسدها ينتفض ببكاءٍ :
- لو .. لو سمحت تعالي بسرعة ، اخوك بينزف أوي !!!!

جحظت مقلتي "باسل" بقوة ليأخذ منها العنوان منطلقاً بسيارته و الغضب أرتسم أشده على وجهه ..

بعد دقائق وصل ، وجد فتاة ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي و من الواضح أنها منامية ، تكتم شهقاتها بيديها ، و أمامها أخيه !!!! غارقاً بدمائة !!!!

ركض نحوه بقوة ليجلس كالقرفصاء صائحاً بجنون :
- مـازن !!!! مـازن قوم ..

تحامل على نفسه ثم حمله على ظهره و أجلسه بالأريكة الخلفية لسيارته ، تخضب قميصه و يداه بالدماء إلا أنه ذهب لها جاذباً إياها من ذراعيها صارخاً بها بنبرة جعلتها تزداد في بكائها :
- أركـبـي !!!! و رحمة أبويا ما هسيبك !!!!!!!
صرخ "باسل" بكل ما أوتي من قوة ليصدح صوته بالمشفى ،جاء جميع الأطباء و طاقم كامل من الممرضين على صوته ، وقفت المشفى على قدمٍ وساق عندما وجدوا صغير عائلة "الهلالي" قاطع النفس و رأسه تنزف ، وضعوه على ناقل المرضى ليركضوا به نحو غرفة العناية المركزة ، هم "باسل" بالذهاب و رائهم إلا أن عيناه لُهبت جمراً عندما تذكر ان تلك الفتاة مازالت جالسة بالسيارة منكمشة على نفسها و عيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع ، ذهب نحوها يطوي الأرض بقدميه لينزلها من السيارة جاذباً إياها من ذراعيها ، لتصرخ "رهف" بألمٍ من قبضتيه الحديدية ..أخذت تبكي بحرقة و أصابعه تكاد تخترق ذراعها ، ألتفتت الأنظار نحو الفتاة ذات الجسد المكتنز بتناسق و ملابسها التي لايصلح التجول بها في الشارع ، نظر لما ترتديه. بإحتقارٍ هو لا يستطيع تحمل النظرات الجائعة الموجهه لها ، و بحركةٍ سريعة كان ينزع بذلته ليضعها على كتفيها بصرامة، ظهر قميصه الملتصق بصدره ليجعله بمظهرٌ جذاب ، أحاطت "رهف" بذلته و رائحة العطر تخترق أنفها ، أستطاعت بذلته إخفاء جسدها الضئيل إذا قورن بجسده الضخمة بحركة سريعة فتح باب سيارتها ليدفعها داخلها بقوة ، أرتطمت رأسها بسقف السيارة لتتأوه بألمٍ ، لم يعيرها أهتمام ليقبص على فكها بقوة مقرباً وجهها من خاصته . لم يفصلهما سوى بعض السنتيمترات ، ألتهبت عيناه بقوة و خرجت نبرته مرعبة :
- إياكي تتحركي من هنا .. حسابنا لسه مخلصش ..

دفع وجهها ليغلق باب السيارة بقوة أخرج به شحنات غضبه .. أرتجفت ضلوعها و هي تراه يبتعد ذاهباً صوب المشفى بخطوات أشبه بالركض ، فتحت باب السيارة لتترجل منها راكضة وراءه و هي تقول بتوسلٍ عله يسمعها :
- لو سمحت أفهمني أنا معملتش حاجة !! أنا ..

كان قاب قوسين أو أدنى من دفنها مطرحها ، لذلك ألتفت لها قابضاً على كتفيها بقوة شديدة ليضرب ظهرها بالحائط خلفها حتى تأوهت هي بتألمٍ و هي تشعر بعظامها تهشمت ، ناهيك عن رأسها الذي يكاد يفتته الصداع من الضربة المؤلمة التي تلقتها ، أقترب بوجهه منها بشدة و هو يقول بنبرة جحيمية :
- قسماً بالله لو أخويا حصله حاجة بسببك هدفنك !!!

لم تستطيع النبث ببنت شفة ، و كأن لسانها رُبط ، و عيناه السمراء تقتحم عيناها الرصاصية بقوة !!!
نفضها و كأنها مرضاً معدي ثم ذهب حيث يرقد أخيه ..

سقطت "رهف" على الأرضية تشهق شهقات متتالية ، ضمت بذلته إلى صدرها لتخفي جسدها عن الناظرين ، البعض يرمقها بشفقة و البعض بلا مبالاة و كأن قلوبهم أصبحت كالحجر ، منذ هروبها من منزل والدتها و زوجها الذي كان يتحرش بها يومياً و هي مطبقة الفم ، ليأتى و يكمل عليها ذلك الحقير ، ثم يليه أخيه الذي ما إن رأته و هو يعنفها دون حتى سماعها ..

ظلت جالسة على الأرضية ما يقارب الساعتين ، قررت النهوض عندما لم تجد فائدة من جلوسها هكذا ، سارت في الرواق بإنهاكٍ تجُر قدميها ، حتى رأته يقف بهيبته ناظراً لزجاج غرفة أخيه ، أستطاعت رؤية عيناه تلمع بدموع رافضة النزول ، أقتربت منه ببطئٍ خائفة من بطشه، لم يتكبد "باسل" عناء النظر لها ، ظل شارداً و هو يسألها بصوت جاف مميت :
- عمللك أيه عشان تضربي دماغة بالإزازة اللي كانت ممكن تفتحله دماغه ؟ عـمـلك أيــه ؟؟!!!!!!
صرخ بحدة بالأخير و هو يلتفت لها قابضاً على فكها حتى كاد أن يهشمه ، مما جذب أنظار الناس من حوله والجميع يغمغمون بغرابة ، أنسابت دموعها لتضربه بصدره بقوة منفضة يداه عنها و هي تصرخ به بصوتٍ هز أرجاء المشفى :
- كـان عايز يغتصبني !!!!!!!

جمدت عيناه داخل عيناها ، "مازن" أخيه ولكنه يعلمه جيداً و يعلم قذارته، لاسيما أنه لم يكن بوعيه أساساً ، إذاً فهو يتوقع أي شئٍ منه ، أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ، و الأهم الأن أن لا يعرف ظافر شيئاً مما حدث و إلا سيقوم الدنيا و لن يعقدها و لن يبرح من "مازن" إلا و هو جثة هامدة ..

بهدوءٍ أخرج من جيبه رزمة مال ليمد كفه بها و هو يقول ببرود :
- أظن أنه ملحقش يعمل حاجة ، خدي دول و إياكي حد يعرف باللي حصل و لا حتى تقوليه بينك و بين نفسك !!!!

و كأن دلواً من الماء البارد سُكب عليها ، نظرت له بحقدٍ شديد ، أخذت المال منه إلا أنها ألقتها بوجهه بأقوى ما لديها من قوة لتصيح به بحدة :
- واضح أن كلكوا نفس الوساخة !!!!

ثم أبتعدت عنه ببعض خطوات ، بينما "باسل" يكاد ينفجر من الغضب ، لم تتحمل "رهف" فسقطت مغشياً عليها يُحيطها الظلام من جميع النواحي

• • •

طرقات تتوالى على باب منزلها ، قطبت حاجبيها قليلاً فمن سيزورها ، نهضت بثقلٍ لتجد "عماد" يقف و الأبتسامة مرسومة على ثغره ، نظرت له بجمود لتسند يداها على إطار الباب مانعة إياه من الدخول و هي تردف بفظاظة :
- خير ؟!!

أستطرد "عماد" بدهشة :
- الله !! مش هتدخليني ولا أيه دة أنا حتى جايبلك أخبار عنب .. ثم نظر إلى ما ترتديه الذي كان عبارة عن شورت يصل لفوق ركبتيها بقليل تعلوه كنزة بيضاء خفيفة ، لاحظت "ملاذ" نظراته الجائعة تجاهها لتمسك بفكه بحدة و هي نقول :
- عـمـاد !!! لم نفسك و شوف أنت واقف قدام مين ، أنا ملاذ أنت واعي صح !!!

- نسيتي تقولي أنك خطيبتي !!!
قال بسُخرية ، بينما هي جمدت نظراتها و هي تقول بتهكمٍ :
- أظن أنت عارف أنا خطيبتك ليه ، مش عشان سواد عيونك و حُط في بالك أن أنا محدش يجبرني على حاجة ، ممكن في ثانية ألغي الخطوبة دي خالص !!!!

أمسك "عماد" بيدها و هو يقول برجاءٍ :
- لاء يا ملاذ و حياة أغلى حاجة عندك دة أنا سمعتي تبوظ !!!

نفضت يدها عنها و هي تقول :
- يبقى خاف على نفسك ، أحنا مخطوبين قدام الناس بس أنا حتى مش لابسة دبلتك يا عماد !!!

زفر "عماد" بيأسٍ ، فـ لطالما كانت "ملاذ" حلمه الوحيد ، تمنى لو تُحبه مثلما أحبها هي ، نظر لها قائلاً بنبرة واهنة :
- طيب ممكن أدخل بقا عشان فعلاً الموضوع مهم ، متقلقيش انا مش هعمل حاجة !!

قهقهت ملء فمها لتفتح الباب على آخره و هي تقول :
- أقلق ؟ و مش هتعمل حاجة ؟ ع أساس أن ممكن تفكر تعمل حاجة معايا يا ماجد ، طلعت غبي أوي بس معلش هعديهالك ، يلا أدخل .

دلف "عماد" متغاضياً عما قالته "ملاذ" ، جلس على الأريكة لينظر لها و هو يراها تتوجه ناحية المشاية الكهربائية ، ظلت تركض عليها و أصبعها يضغط على الزر مما جعل الآلة تُزيد سرعة الركض ، بدأ "عماد حديثه قائلاً :
- سمر لسة مكلماني من شوية وقالت أنه وافق أنه يتعامل مع شركتنا و هييجي الشركة بكرة عشان التصميم بتاع الـ uniform ..

برقت عيناها بنشوة و هي تقول :
- براڤو يا عماد ، بس أهم حاجة تكون دافع للبت سمر دي.كويس عشان متفكرش تلعب بديلها ..

نفى "عماد" برأسه قائلاً بثقة :
- لاء متقلقيش ، البت دايبة فيا ومتقدرش تطعني في ضهري أبداً ..

نظرت له بسخرية والعرق يتصبب من جبينها :
- ويا ترى عارفة أنك خاطب ؟

- عارفة و راضية ..

- طب كويس ..

قالت "ملاذ" :
- أنا أصلاً بفكر ألغي تعاقدي مع شركة الهواري و هدفعلهم الكام ملطوش اللي مكتوبين في الشرط الجزائي ، كدة كدة التصاميم اتسرقت و انا مش هفضي أصمم تاني أنا عايزة بس أنشغل بال uniform اللي هعمله مع ظافر دة ، بس مش قبل مـ أعرف مين اللي سرق التصاميم ..

حك "عماد" ذقنه و هو يقول :
- معاكي حق ، أنا هعرفلك مين اللي عمل كدة ، بس المشكلة بقا دلوقتي ظافر الهلالي ذكي أوي يا ملاذ ، أزاي هنعرف نضحك عليه !!! و بعدين دة لو عرف أن أحنا اللي مخططين لـ ده كله مش بعيد ينسفك !!!!!!

رمت به نظرة جامدة لتقول :
- عماد حاسب على كلامك مين دة اللي ينسفني ، و بعدين أحنا سمعتنا في النور كل اللي نصبت عليهم قبل كدة ميعرفونيش أصلاً مكنوش بيسمعوا غير صوتي حتى أسمي ميعرفهوش أنت ناسي أن كلهم كانوا عاميين ؟!!
أنا في دماغي خطة كدة عشان أوصل لظافر وفلوسه .. و أقهره زي مـ أبوه قهرني و قهر أختي اللي بقت تكرهني بسببه !!!

جحظت مقلتي "عماد" و هو ينظر لها بضياع :
- مش فاهم ..

- مش مهم !!!

• • • •

وُضعت "رهف" على فراش المرضى ، كانت لا تشعر بما حولها ، بينما "باسل" يطالعها بقلقٍ ، لاسيما عندما أخبره الطبيب أنها تعاني ضغوطاتٍ نفسية حادة ويجب عليها الراحة التامة ..

خرج من الغرفة ليتركها ترتاح ، ليجد طبيب حالة أخيه يخرج من الغرفة ماسحاً العرق المتصبب من جبينه ، ركض له باسل قائلاً في خوف شديد :
- عامل أيه يا دكتور ..

نظر له الطبيب قائلاً يطمئنه :
- متقلقش يا باسل باشا ، مازن بيه عال .. الأزازة اللي أتخبط بيها مأذتهوش جامد هو بس نزف شوية بس أحنا وقفنا النزيف ..

زفر "باسل" براحة شديدة ليقول :
-طب هيفوق أمتى ؟؟؟

- كمان ساعتين هو بس عايز راحة تامة ، بعد أذنك ..

مسح "باسل" وجهه بعنف ، ترك الطبيب ذاهباً لغرفة مدير المشفى بخطوات أقرب للركض، باغته بصفع الباب بقوة ، أنتفض على أثره المدير ذو الخصلات البيضاء التي تتخلل خصلاته السوداء ، أرتبك المدير بقوة و هو يقف مرحباً بحفيد صاحب المشفى ، و رغماً عنه خرجت نبرته مهتزة :
- أتفضل يا باسل بيه ، خـ .. خير في حاجة ؟
حدجه "باسل" بنظرة باردة أربكته ، اقترب بخطواتٍ هادءه ، وقف أم مكتبه ثم سرعان ما قبض "باسل" على تلابيب الرجل أمامه ليجعل رأسه على مقربه منه ، نظر له الأخير بإرتعادٍ ليردف "باسل" بنبرة هادئة و لكنها تبث الخوف بالأوصال :
- و رحمة أبويا يا "مهاب" ، لو حد من عيلة الهلالي ولا الصحافة عرفوا أن مازن أتنقل ع المستشفى خاصةً ظافر هخليك تبيع بليلة ع الطريق ، فــاهم !!!!!

شخصت أبصار المدعو "مهاب" و أرتجف جسده من صراخ "باسل" بآخر الجملة ، أومأ بحركاتٍ سريعة و هو يقول بأنصياع تـام :
- حاضر يا باشا .. حاضر .

تركه "باسل" ببطئ مبقياً يداه على تلابيبه و لكن تلك المرة حتى يهندمها له ملقي له بإبتسامة جافة ، ثم تركه و ذهب تاركاً الباب خلفه مفتوح على مصراعيه .. ندى جبين "مهاب" و تجمعت حبات العرق عليه ، أزدرد ريقه ليمسك بهاتفه الأرضي عابثاً بأزراره ، وضع سماعة الهاتف على أذنه ، أنتظر قليلاً حتى هتف سريعاً :
- ظـافر بيه .. مصيبة !!!!!

• • • •

شرد بذهنه بالفراغ ، و كأن عقله توقف عن العمل ، منذ أنهاء مكالمته مع "مهاب" و هو كمن تلقى صاعقة أودت به ، لم يستوعب بعد ما فعله أخيه المراهق ، تشنجت تعابير وجهه و تقلصت ملامحه ، برزت عروقه و ألتهبت مقلتيه ، لن يجعل الأمر يمر مرور الكرام ، و بنفس الوقت سيحول دون ألقاء أخيه خلف القضبان و تلطُخ سمعة عائلة "الهلالي" التي لم يشوبها شائبة منذ العديد من السنوات ، تأهبت جوارحه لينهض و عيناه مظلمة لا تنوي خيراً ، ألتقط مفاتيح ليلقي نظرة على ساعة معصمه ذات الماركة المعروفة ، وجدها بالواحدة و النصف بعد منتصف الليل ، ألتقطت مفاتيح سيارته وهاتفه ليلقي نظرة على الشركة التي فُرغت تماماً سوى من سكيرتيرته الخاصة التي أسندت وجهها على مكتبها غافيةٍ بإرهاق مطلقة شخيراً عالياً ..

أقتضب وجهه ثم نادى عليها بحدة جعلها تنتفض من مكانها و بوادر النعاس لازالت على وجهها ، وبخها "ظافر" بحدة قائلاً :
- دة مكان شغل يا أنسة مش أستراحة عشان سيادتك تنامي فيها ، مش عايز أشوف وشك هنا تاني !!!!!

جحظت المسكينة و ترقرقت العبرات في عيناها بقوة البرق لتتوسله قبل أن يذهب بـ نبرة مهتزة :
- والله يا فندم أنا خلصت كل الشغل اللي عليا و كلمت الـ assistant بتاعة الشركة اللي حضرتك قولتلي عليها ، و بصراحة أتحرجت أقول لحضرتك أمشي و حضرتك لسة موجود ..

قالت آخر الجملة و هي تضغط على شفتها السفلية بحرجٍ ، نظر لها "ظافر" ببعضٍ من الرفق ليقول بنبرة صارمة :
- أخر مرة تتكرر و تنامي في المكتب يلا روّحي ..

أشرق وجهها لتومأ بقوة و هي ترى سرابه و كأنه تبخر من أمامها ..

• • • •

أستقل سيارته حديثة النوع ليدس المفتاح بها منطلقاً بها إلى وجهته ، و سرعان ما وصل إلى الشقته بـ منطقة "المعادي" ، صف سيارته بموقف السيارات الخاص به ، صعد للبناية المرموقة التي يقطن بها لنظر للبواب الذي أنتفض ما إن وجده قائلاً بترحيبٍ شديد :
- ظافر بيه حمدلله ع السلامة يا بيه العمارة نورت ، أنا عملت زي م حضرتك قولت و بعت مراتي تنضف الشقة و آآآ..

بتر "ظافر" عبارته بنظرة نارية جعلت الكلمات تقف على لسان البواب رافضة الخروج ، تركه "ظافر" ماضياً نحو المصعد ، فُتح المصعد ليستقله "ظافر" بوجهٍ خالٍ من التعبير ، ضغط على الطابق الذي يقطن به ثم خرج من المصعد بعد دقيقتان ، أخرج مفتاح شقته ليدسه بالباب ، ما إن فتح الشقة حتى بردت أطرافه ، و كأنه دلف لإحدى المقابر و ليست شقة طبيعية ، برودة ليست طبيعية رُغم الطقس الحار ، تفتقر شقته لذلك الدفئ العائلي المفتقده هو ، رُغم أنه متزوج إلا أن "مريم" لم تكن يوماً سوى مجرد زوجة ، ليست حبيبه أو صديقة أو أم له ، هي فقط زوجة تنصاع لزوجها في كل شئ و كأنه دمية هو المتحكم الأساسي بخيوطها ، نوعاً ما لا يُحب ذلك ، لا يحب عندما يقول لها تذهب تذهب .. تجلس تجلس .. تبقى أو تغادر ، تلبي ما يؤمرها به بفمٍ مطبق..

أشتاق لتلك الشقة ، فـ هو لم يزورها لثلاثة أشهر ، إلا أنه حرص على تنضيفها كل يوم من قِبل زوجة البواب الثرثار ، تجول بعيناه متفرساً أرجاء الشقة ، لدائماً ما يتمتع "ظافر" بذوق رفيعٍ ، ذو خبرة و كفاءه بـ كل شئ يخصه ، كان يطغى على الشقة اللون الرصاصي المخلوط باللون البنفسجي القاتم ، حيث السقف يخلط بين اللونين الرقيقين متدلي من السقف "نجفة" أنيقة ، معظم الأثاث بنفس اللونين ، و الستائر بنفسجية أيضاً ، رمى بهاتفه و مفاتيحه على الأريكة بإهمالٍ ، ليدلف لغرفته التي أشتاق لها، أخرج مفتاحها من جيبه ثم فتح الباب ، الأتربة بكل مكان، لم يستطيع أن يرى سوى تلك الأتربة تطغى على الغرفة محجبة الأثاث خلفها ، ظهرت ملامح الأمتعاض على وجهه جلياً ، ولكن هو من قرر ألا تدلف زوجة الواب لتنظف تلك الغرفة محتفظاً بخصوصياته ، نفض التراب بيده من على الفراش بتقزز ليجلس عليه بإرهاقٍ ، أسند مرفقيه على فخذيه عاقداً كفيه مطالعاً الفراغ بتركيزٍ شديد و هو أصبح متيقن لما سيفعله .. حل بذلته عنه ملقياً بها على الأرضية بزفيراً مختنقاً، ظهرت عضلاته بوضوح أسفل قميصه الأسود الملتصق بصدره العريض ، حل أزرار قميصه بدوره ليظهر صدره الأسمر و بطنه ذات العضلات السداسية ، كان يتفوق على شقيقاه رياضياً و لياقةً ، فـ الكل يحسده على جسده المتناسق و عضلاته ، انزل بنطاله أيضاً ليبقى بالشورت فقط ، ولج خارج الغرفة لبهو الشقة الواسع ، أرتمى بجسده على الأريكة بإنهاكٍ محجباً عيناه بذراعه المفتول ، و هو قد علم كيف يعاقب "مازن" على ما فعله ..

• • • •

منذ ذهاب "عماد" و هي تفكر في مقابلته ، أقسمت و قطعت عهداً مع نفسها بإذلاله و قهره مثلما فعل أبيه بالماضي ، جلست على فراشها الوثير ذو الأغطية الحريرية ، نظرت للسقف بشرود و هي تطلق تنهيدة غامضة ، ليست حزينة أو خائفة ، تنهيدة فارغة .. ألتقطت هاتفها لتضغط على أزراره ، رفعته لأذنها منتظرة إجابة الطرف الأخر ، و بعد لحظات كانت "ملاذ" تقول بإيجاز إلى خادمة "براءة" :
- براءة عاملة أيه يا فتحيه ..

أخفت "فتحية" نظرة حزينة داخل عيناها ، فـ هي تعمل لدى الشقيقتين "ملاذ" و براءة" منذ أكثر من عشر سنوات ، تعلم "ملاذ" جيداً ، فـ هي ذات قلب طيب خاصةً مع شقيقتها ، رُغم علم "فتحيه" بالغل و الحقد الذي تكنه"براءة" إلى "ملاذ" ، و لكن لم تبادلها "ملاذ" يوماً ، بل على العكس كانت تتعامل معها برفق و كأنها أبنتها رُغم فارق العمر الذي لا يذكر ، و لكن دائماً ما ترى "ملاذ" ليست مجرد شقيقة إلى "براءة" .. بل كانت بمثابة الصديقة و الأخت و الأم لها ، و لكن دائماً "براءة" ما تصفعها بكلماته القاسية ، زوت ما بين حاجبيها بإستغراب ، قالت "ملاذ" بعدما ساد ذلك الصمت الرهيب :
- فتحية أنتِ معايا ؟

جاء صوت "فتحية" الحنون :
- معاكي يا ست البنات ، براءة هانم كويسة متقلقيش يا هانم و نامي .. تصبحي على جنة يارب ..

أبتسمت "ملاذ" نصف أبتسامة لم تصل لعيناها ، ثم أغلقت الهاتف مودعة إياها ، أصبح من الروتين أن تهاتف "فتحية" ليلاً قبل أن تنام لتطمئن على "براءة" ..

أطبقت بكفيها على بعضهما ثم وضعتهما أسفل رأسها ، أغمضت عيناها ببطءٍ لتذهب في سُباتٍ عن العالم ..

• • • •

أبتعد "مازن" قليلاً عن ظهر الفراش الطبي ليفسح المجال إلى الممرضة التي تضع الوسادة خلف ظهره ، نظر لها بمكرٍ و هو يمسك بيدها قائلاً بغزلٍ صريح :
- متشكر يا قمر، قولتيلي أسمك أيه بقا ؟

أبعدت ذراعه بحدة قائلة بعينان تشعان جمراً :
- هطلب لحضرتك الدكتور يطمن عليك ..

ألتمعت نظرانه إعجاباً و هو يتمتم بنبرة لعوبة :
- أموت أنا في القطط اللي بتخربش !!!

"مازن سرحان الهلالي"
يصغر أخيه "باسل" بثلاث سنوات فقط حيث يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً ، يختلف تماماً عن اشقائه ، فـ هو ذو ألاعيب ملتوية ، غير متحمل للمسؤلية فقط يركض وراء الفتيات ، دائماً ما يسبب العديد من المشاكل إلى عائلة الجارحي مما جعل أشقاءه غير معتمدين عليه أبداً و لم يفكروا أبداً أن يجعلوا "مازن " يتولى منصب في شركاتهم ، ذو مقلتي سمراء ورثها عن والدته مع بشرة مائلة للسمار ، جسده رياضي متناسق بطبيعة الحال كأخوته ، مدلل والدته دائماً ما تدافع عنه من بطش أخيه الأكبر ..

أحتدت نظراتها بقوة لتصرخ به :
- أنت بني آدم مش محترم و متستاهلش السرير اللي أنت نايم عليه في غيرك أحق بالأوضة دي !!!!

فغر ما بين شفتيه ، كيف تجرؤ أن تتحدث معه بتلك الطريقة و هي تعمل لديه بمشفى عائلة "الهلالي" !!

أحتدت عيناه لينهض من على الفراش بتأهب ، رُغم الدوار الذي شعر به إلا أن عزيمته على أن يشعر تلك الفتاة بقدرها الحقيقي كان أكبر حتى من تألمه ، صرخ بها بقوة بنظرة حادة :
- أنتِ بتعلي صوتك في مستشفى أبويا دة أنتِ ليلتك طين !!! أنتِ فاكرة نفسك بنت دة أنتِ متسويش في سوق الستات تعريفة !!!

كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير ، رفعت كفها لتهوى به على صدغه ، لم تكتفي بل رفعت سبابتها في وجهه قائلة بنبرة قوية لاتنهزم :
- أحترم نفسك .. هو أنت اللي راجل ؟!!! أنت كنت هتغتصب البنت اللي مرمية في الأوضة اللي جنبك ، دي أقل حاجة عملتها أنها ضربتك بإزازة القرف اللي بتشربة دة أنت تستاهل الشنق !!! بُص لنفسك الأول في المراية يا أستاذ ، يمكن أكون أنا عادية شكلاً بس عايزة أقولك أنك مشوه من جوة يا مازن بيه !!!!

ألتفتت موجهه ظهرها له خارجة من الغرفة صافعة الباب خلفها ، تعالت أنفاسه الحادة ليطيح بالأجهزة التي بالغرفة بجنون هيستيري

ولج "باسل" يطالع الغرفة التي أصبحت على الارضية ، وجده صدره يعلو و يهبط بغضب شديد ، أقترب منه في خطواتٍ معدودة ، و بإندفاع أهوج قبض على تلابيبه ، ثم و من دون مقدمات أخذ يسدد له اللكمات بقوة صارخاً به واصلاً لأقصى بلوغ غضبه :
- يا زبالة يا *** ، دة أنا هطلع ******** يا *** ..

دلف طاقماً من الممرضين والأطباء مفزوعين ، وبصعوبة شديدة أستطاعوا تخليص "مازن" الذي بصق دماً من أيدي "باسل" بصعوبة ، صرخ بهم "باسل" بقوة ليرتدوا جميعهم للخلف منصاعين لأحفاد "الهلالي"، أخذ "مازن" يسعل بقوة حتى كادت روحه أن تخرج من مكانها ، بينما لم تهدأ النيران المستعرة بداخل "باسل" ، أهتاج صدره بقوة ثم ركل الأرض بقدميه باصقاً على أخيه ، ثم سبّ بنابية وخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه ، جلسة على إحدى مقاعد المشفى المترصاة ، أسند مرفقيه على فخذه ليمسك بجبينه منكساً برأسه ، يعلم أخيه و تهوره و أندفاعه الأهوج ، إلا أنه لم يكن يتخيل أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أغتصاب فتاة ليس لها ذنب بقذارته ، جمع رباط جأشه ثم نهض بثبات ، دنى من الغرفة الماكثة بها و بحذرٍ شديد فتح الباب ، رآها تتمدد على الافراش غارقة بسُباتٍ عميق ، أغلق الباب خلفه ثم مضى نحو فراشها بخطواتٍ هادئة عكس غضبه الثائر قبل برهـة ، تفحص وجهها بنظرات شاملة دقيقة منزوياً ما بين حاجبيه ، وجهها مستدير كالبدر ببشرته البيضاء ، خصلاتها مفروشة بجانبيها عدا خصلات ثائرة سقطت على وجهها ، جفنيها المطبقان تحول دون رؤية عيناها ، هل كانت تلك البريئة سيُنتهك عرضها بتلك البساطة ، ماذا لو كانت متمددة هكذا ولكن و هي جثة هامدة لا مجرد أغماءً بسيط !!!!

أطلق زفيراً مشفقاً على حالها ، أمتدت أنامله لتزيح خصلة ثائرة على جبينها متلمساً بشرتها الناعمة ، تملمت "رهف" على أثر لمسته الخشنة ، و فجأة فتحت عيناها برعبٍ معتقدة أنه من حاول أغتصابها ، صرخت بهلع على تلك الذكرى و هي تضع يداها على أذنها صـارخة بهلعٍ و نبرة صائحة :
- أبعد عنـي ، سيبوني في حالي بقـا !!!!!!

تذكرت زوج والدتها و ما يفعله بها ، و أستنكار والدتها معتبرة حديث أبنتها مجرد هذيان و ترهات ، تجسد أمامها أنتهاك جسدها على يد زوج والدتها ، دائماً ما يحاول تلمسها بيدته القذرة و عيناه التي تجعلها كالعارية أمامه ، أندهش "باسل" من حالة البكاء الهيستيرية التي تملكتها ، أمسك بكتفيها بقوة محاولاً أن يهدأها ، و لكنها بدت كالمغيبة لا تعي شئ ، جلس "باسل" أمامها سريعاً ثم أزاح بكفيها بعيداًعن أذنها و هو يقول بصوتٍ حنون لأول مرة يخرج لفتاة :
- أهدي ، مافيش حاجة هتحصلك طول مـ أنا جنبك ..

هدأت تدريجياً عندما أنبعث صوته الدافئ لجوارحها ، اهتاج صدرها و كأنها تصارع غرق روحها ، حاوط "باسل" كتفيها بذراعه ليصبح شبه محتضنها ، سارت رجفة في جسدها و كأنها صُعقت بصاعق كهربي ، نظرت لعيناه السوداوية ، غرقت في ظلمات عيناه ، شعورٍ قوي يطمأنها مادامت بجانبه ، كان وجهه يبعد وجهها بعض الإنشات ، سقطت "رهف" ببصرها ، ثم فرت دمعة هاربة منها عندما تذكرت أن لا مفر من زوج والدتها ، و أنها ستعود للجحيم مجدداً و بقدميها ..

سمع رنين هاتفه المكتوم في جيب بنطاله ، لذا نظر لها قبل أن ينهض تاركاً الغرفة ، أضاءت شاشة الهاتف بإسم أخيه ، أزدرد ريقه توجساً من أن يكن علِم "ظافر" بما فعله أخيه ..
تحلى بالشجاعة ثم ضغط على زر الإجابة ليضع الهاتف على أذنه ، أنتظر ردَّ "أخيه" و لكن ساد صمتاً موحشاً ، لذا بادر "باسل" بثبات :
- ظافر ..

- بكرة .. الـ *** اللي عندك يبقى عندنا في القصر ، تجيبه و تيجي ، وتجيب البنت اللي عمل فيها كدة ، الصحافة مش عايزها تشم خبر ، فــاهـم !!!!!!!

ثم أغلق الخط و لم ينتظر جتى ردّ أخيه ، ألتهبت مقلتي "باسل" حتى أصبحا كالجمر ، غمغم بعدائية شديدة و هو يقول متوعداً :
- ماشي يامهاب الكلب !!!!

• • • •

حل الصباح سريعاً ، و نهضت "ملاذ" مقاومة بوادر النعاس التي علقت بجفنيها ، أغتسلت ثم ذهبت نحو المطبخ ، وقفت أمام الموقد تعد قهوتها ، أنتشرت الرائحة لتنبعث داخل رئتيها مصيبة إياها بحالة عجيبة من الأنتشاء ، أرتشفتها ببطئٍ متلذذ ، ثم ذهبت لغرفتها و فتحت ضلفة خزانتها ، أخرجت ملابس رسمية حيث التنورة تصل لأعلى ركبتيها بقليل مظهرة سمار بشرتها الجذاب ، أعلاها كنزة بيضاء خفيفة بجانب بذلة نسائية رسمية ، عقصت خصلاتها للأعلى ليسقط كذيل حصان مفرود بنعومة على ظهرها ، نثرت عطرها بغزارة ، ثم أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ ، حرصت "ملاذ" على أن تبقى بكامل أناقتها وجمالها ، لذا وقفت أمام المرآة ممسكة بأحمر الشفاة ، زمت شفتيها لتضع احمر الشفاه الصارخ بحرص ، نظرت لنفسها بغرور ، أرتسمت بسمة متحدية على شفتيها و عيناها الحادة تراقب أدق تفاصيلها ، طقطت بكعبها العالي الأرضية لتخرج من المنزل ملتقطة هاتفها و مفاتيح سيارتها ..

• • • •

نظرت لمرآة سيارتها لتتأكد من مظهرها ، أبتسمت برضا ثم ترجلت من السيارة مطرقة بكعبها العالي الأرضية ، تغنجت في سيرها ، جذبت أنتباه الواقفين أمام شركتها بكعبها العالي ، أكلتها النظرات الشهوانية و هما يطالعونها بدقة شديدة ، طالعتهم بنظرة متعالية ثم دلفت لشركتها ، سرعان ما لحقتها السكرتيرة الخاصة بها و هي تقول بتوترٍ ملحوظ :
- ظافر بيه جيه ومستني حضرتك في مكتبك يا فندم ..

لم تتغير تعابير وجهها المتصلبة و هي تتابع سيرها حتى وصلت أمام مكتبها ، أخذت زفيراً عميقاً ثم وضعت كفها على المقبض بثبات لتديره ، رأته يقف بطوله المهيب أمام نافذة مكتبها الزجاجية واضعاً كفيه بجيبه ، أغلقت الباب لتلفت أنتباهه و بالفعل ألتفت لها ، جمدت عيناها على عيناه الزيتونية القاتمة ، لم تهتز عيناها من عيناه المظلمة و الحادة عكس أقرانها ، رسمت أبتسامة لم تصل لعيناها لتمضى نحوه بخطواتها المتغنجة ، مطالعة إياه بنظرة بدت و كأنها تنبعث من أفعى !! ، وقفت أمامه لتطالع قامتها التي فجأة أصبحت قصيرة إذا قورنت بضخامته ، هي لم تكن يوماً قصيرة و لكن أمامه تلاشى طولها ، جمد وجهها مجدداً ثم مدت كفها لتصافحه قائلة بنبرة قوية :
- ملاذ خليل الشافعي ..

أخرج يد واحدة من جيبه ثم بادلها المصافحة لا بل أبتلع كفها بين كفه الغليظ مستشعراً نعومة بشرتها ، ثم قال بنبرة لا تقل قوة عنها :
- ظافر سرحان الهلالي ..

حاولت الحفاظ على نظرة الحقد التي برقت بعيناها بلحظة و هي تسمع أكثر أسم تمقته بحياتها ، تدفقت الذكريات لذهنها و لكنها حافظت على رباطة جأشها لتبتسم نصف أبتسامة و هي تبعد كفها عن كفه الخشن ، بادرت "ملاذ"و هي تتجه صوب مكتبها :
- تشرفنا ..
جلست على الكرسي خلف مكتبها بهدوءٍ ، ثم عقدت يداها ببعضهما مظهرة أناملها المطلية بطلاء الأظافر الأسود ، راقبته بتفحصٍ و هو يجلس على الكرسي أمام مكتبها ، نظر لها بعيناه الزيتونية ثم بدأ حديثه قائلاً بنبرة فاترة :
- أكيد عرفتي أني جاي عشان الـ uniform الجديد بتاع شركتي ..

بتر عبارته باب المكتب الذي فُتح بقوة ، حرّكا كلاً من "ملاذ" و "ظافر" على الباب ، وجدت "ملاذ" "سالم الهواري يقتحم مكتبها تعاقبه سكيرتيرته التي أردفت له بتوترٍ شديد :
- يا سالم بيه مش كدة ..

نظرت السكرتيرة لـ "ملاذ" مبررة بنبرة مهتزة :
- صدقيني يا ملاذ هانم أنا قولتله أن حضرتك في أجتماع مهم بس هو آآ

بترت عبارتها مشيرة بأصبعها لتخرج من المكتب ، أزدردت السكرتيرة ريقها بتوترٍ ثم خرجت من المكتب بحذرٍ، ظلت "ملاذ" جالسة على كرسيها بغرور و هي تطالع "سالم" الذي يكاد يخرج نيران من أذنه ، قالت "ملاذ" بوجهٍ جامد :
- خير يا سالم بيه ؟!! في حد يقتحم مكتب حد كدة ..

تأججت النيران المستعرة بداخل المدعو "سالم" ثم أقترب من مكتبها في خطوات سريعة ، ليضرب على المكتب بقوة صارخاً بها بذروة غضبه :
- يعني أيه تلغي الأتفاق اللي بينا في يوم وليلة ، أنتِ كدة بتدمري سمعة شركتي !!!! الـ show بعد أسبوع فاهمة يعني أيه ..

لم تتغير تعابير وجهها ، بينما نهض "ظافر" عندما شعر بتجاوز حدود المدعو "سالم" ، وقف أمام مكتب "ملاذ" محجباً الرؤية عنه ، وضع كفيه بجيب بنطاله ثم نظر له بإستهزاء ليقول بنبرة باردة :
- مش واخد بالك أن في راجل قاعد !!! ولا أنت مبتتكلمش غير مع النسوان بس !!

شخصت أبصار "سالم" على "ظافر" ، أشتعلت عيناه ليهدر به :
- أنا كلامي مش معاك ..

ثم أبتعد عنه ملتفاً حول مكتب "ملاذ" التي نهضت بغضبٍ شديد ضاربة المكتب بكفيها :
- صوتك ميعلاش في مكتبي يا سالم أحسنلك و أطلع برا عشان متتهانش أكتر من كدة !!!!!

جحظ بعيناه من أهانتها له ، رفع يده عالياً متأهباً لصفعها و لكن تعلقت يده بالهواء عندما أمسك به "ظافر" الذي أحتدت عيناه بل توحشت ، سدد له لكمة أطاحته أرضاً و هو يزمجر به :
- أيدك متتمدش على ست يا *** !!!!!

أفترش "سالم" أرضاً لتنزف أنفه ، بصق دماً و هو ينظر له بعدائية كبيرة ، حاول التوازن ثم نهض مزيلاً الدماء على أنفه موجهاً نظرة نارية إلى "ملاذ" قائلاً بصراخ هزَّ الشركة بأكملها :
- مش هسييك يا ملاذ !!!!

خرج من المكتب صافعاً الباب، نظرت له "ملاذ" و هي تقول بغيظ حاولت كبحه :
- مكنتش محتاجة حضرتك أنا أعرف أدافع عن نفسي كويس أوي ..

قهقه ملء فمه و هو يطالعهاً بتهكمٍ قائلاً :
- هو أنتِ فاكرة أني ضربته عشانك ؟!! لاء خالص أنا بس مبحبش أشوفة واحدة بتضرب و أنا واقف !!!

جمدت أنظارها عليه ، حاولت كبح ثورتها لتعاود مجالسة و هي تشير بيدها على المقعد ليجلس ، نظر لها "ظافر" بإستهزاءٍ ثم عاود النظر في ساعته ، و بعجرفته المعتادة قال :
- نكمل كلامنا وقت تاني هبقى أبعتلك السكرتيرة تتفاهموا مع بعض ..

ألتقط مفاتيحه ثم ولج خارج المكتب بخطواتٍ رزينة ، أشتعلت حدقتي "ملاذ" بغضبٍ ، ولجت خارج مكتبها بخطواتٍ تحفر الأرض بقوة ، خرجت من الشركة بأكملها ثم وققت أمام حارس البوابة قوي البنية ، رفعت سبابتها في وجهه قائلة بلهجة صارخة :
- الحيوان سالم ميعتبش باب الشركة تاني يا أما أقسم بالله أرفدك فـاهم !!!!

لم يكن أمام الحارس سوى الأنصياع لها ، ألتفت "ملاذ" عندما شعرت بنظراتٍ مصوبة نحوها كالسهام المندفعة ، رأته ينظر لها بعيناه الزيتونية فاتحاً باب سيارته مستعداً للولوج لها ، أحتدت نظراتها نحوه ولكنه بقى ساكناً ، جامداً ..!!

رمى بها نظرة هازئة ثم أستقل سيارته ، و أنطلق بها بقوة مخلفاً وراءه أدخنة كثيفة
أنقبض قلب السيدة "رقية" بعنف ، شعرت بشيٍ سئ سيحدث ، بجانبها "ملك" بملامحٍ مذعورة تحاول مواساتها ، بينما "مريم" تقف مكتفة ساعديها أمام صدرها تطالعهم بتململ غير عابئة بتلك السيدة الكبيرة التي على بدت وكأنها على مشارف الموت ، صرخت بها "ملك" لتأتي بكوب من الماء ، تصنعت "مريم" أنها لم تسمعها و هي تنظر لأظافرها باهتمامٍ زائف ، ركضت "ملك " بدلا عنها لتأتي بكوب ماء ، جلست تحت أقدام والدتها ثم أعطتها الكوب لترتشف ببطئٍ ، عادت تتنفس بشكلٍ طبيعي لتزفر "ملك" بإرتياح حقيقي و هي تقول مربتة على كتفيها :
- بجيتي كويسة ياما ؟

أومأت السيدة رقية ببطئ و لكنها قالت بنبرة قلقة :
- أنا بخير يابتي أطمني ، أنا بس جلبي مقبوض أجده و كأن في حاجة عفشة هتُحصل ..!!!

ربتت "ملك" على كتفيها في محاولة بائسة لطمئنتها ، لكن كيف تطمئنها و هي من الأساس توازيها إحساساً بالخوف ، نهضت "ملك" من جوار والدتها لتلتفت إلى "مريم" التي ترميهم بنظراتٍ ساخرة ، لتردف بوقاحة بالغة :
- خلصتوا التمثيلية البايخة ديه ؟

لم تستطيع "ملك" أن تتحمل ، رفعت كفها عالياً لتهوي به على صدغ "مريم" بقوة صارخة بها يجنون :
- أكتمي مش عايزة أسمعلك حس !!!

ألتف وجه "مريم" إلى الجهة الأخرى ، تلونت عيناها باللون الأحمر القاني ، شهقت السيدة "رقية" لتنتفض صارخة بـ "ملك" :
- مـلـك !!!!!!

أعتدلت "مريم" بوقفتها مطالعة "ملك" بنظراتٍ لو كانت تُقتل لكانت "ملك" جثة هامدة ، ولكنها شخصت أبصارها خلف "ملك" مطالعة"ظافر الذي ولج لداخل القصر ، أنزوت شفتيها بمكرٍ و في ثواني معدودة كانت تركض صوب "ظافر" الذي تجمد ما إن طالع وجهها الذي تلون باللون الأحمر ، أرتمت "مريم" بأحضانه متشبثه بخصره بقوة لتقول بصوتٍ باكي :
- ألحجني يا ظافر ، أختك ضربتني يا ظافر !!!!
أنزوى ما بين حاجبيه و هو يطالع أخته بنظرة أخرستها ، كانت نظرته تطالبها بتفسيرٍ في الحال ، لم ترتعب من نظرته على عكس العادة ، همت بالحديث ولكن "مريم" قاطعتها حاظية بتلك الفرصة الذهبية لتتشبث بذراع زوجها بقوة و هي تردف ببكاءٍ زائف :
- انا معملتش حاچة يا ظافر ، الحاجة رقية تعبت فچأة و انا چريت چبتلها ماي "ماية" اختك رمتها من يدي و ضربتني بالجلم !!!!!!!

أشتد فكه ، وجه نظرات نارية إلى "ملك" التي فغرت شفتيها بذهول ، لم تتوقع وقاحتها التي تزايدت عن حدها ، صكت أسنانها و هي تضيق عيناها ناظرة لها بإشمئزاز ، لم يبالي "ظافر" لهم بل ركض بأقصى سرعته إلى والدته التي يدى الإرهاق كاسياً وجهها ، قرفص على ركبتيه ممسكاً بكفيها المجعدان ليقبل كليهما بحنانٍ جارف و هو يقول مربتاً على كفيها :
- أنتِ كويسة يا أمي ، تعالي نطلع على أكبر دكتور في مصر .

لانت نظراتها و هي تطالع ولدها الأكبر ، لطالما أعتبرته بمثابة السند لها ، الدرع الحامي لها دائماً ، هي تحب "باسل" و "مازن" بالطبع و لكن هو له معزة خاصة بقلبها ، أمتد كفها الواهن لتربت على وجنتيه بحنان أموي غريزي و هي تردف بلطف :
- لاه يا جلب أمك ، أنا زينة مافييش حاچة ..

لم يريد أن يضغط عليها ، أومأ بإبتسامة باهتة ثم نهض مجدداً بطوله الفارع ، لم يتكبد عناء النظر إلى "ملك" أو "مريم" ، صعد على الدرج بخطواتٍ سريعة ، ذهب مباشرةً إلى غرفته ، تلك الغرفة التي لا يدخلها أحد على الإطلاق ، و من يتجرأ و يُعصي أمره ؟! ، حتى زوجته لم تلج لها منذ زواجهما ، ليس بها شئٍ مثير للأهتمام فقط فراش وثير يتوسط الغرفة مع شاشة تلفاز كبيرة ، و مرحاض واسع ملحق به ، ولكنها غرفة يجد بها نفسه ، يبتعد عن ضجة الحياة ويهرب لها .. أخرج مفتاح الغرفة بين العديد من المفاتيح المصحوبة لها ، دس المفتاح بالباب ثم دلف للغرفة ، أوصد الباب خلفه ثم توجه مباشرةً إلى الشرفة الملحقة بالغرفة ، ولج لها لينزع بذلته ، حرر أزرار قميصه و كأن شيٍ ما يطبق على أنفاسه ، حتى جلس عاري الصدر ، استند بيداه على حافة الشرفة ، يطالع المنظر الذي أمامه بعينان فارغة ، عينان نُزعت منهما الحياة نزعاً ، شارد بالا شئ ، بزوجته التي للأن لم تنجب له ولدٍ يحمل أسمه ، يكمل نسل عائلة الهلالي ، ولكن كيف و زوجته عقيمة لا تنجب ، فعلوا كل شئ ، الكثير من العمليات الجراحية الباهظة و لكن لا فائدة ، دون عن ذلك والدته التي تحثه ان يتزوج من أخرى تنجب له ولداً يكمل نسل العائلة و أسمها العريق ..

أخرج هاتفه من جيبه ، عبث بـ شاشته ثم وضعه على أذنه ، أنتظر قليلاً ليأتي صوت باسل من الطرف الأخر ، نفث "ظافر" دخان سيجارته والنيران تنبث من حدقتيه لا سيجارته ، ظهر صوته ببحته المميزة :
- أنتوا فين !!

- جايين يا ظافر ، جبت مازن والبنت وجاي .

• • • •

منذ ركوبها تلك السيارة و هي تشعر بشئ أشبه بحجرٍ كامن على صدره ، فقط تسند رأسها على النافذة تذرف الدموع بعدما أرغمها هذا ال "باسل" على في الصعود السيارة ، رُغم صراخها بأن يتركها في سبيلها إلا أنها لم تنتصر عليه بالنهاية لينتهي بها المطاف جالسة بجانبه بينما هو يجلس خلف المقود و لتوه أنها مكالمه مع مجهولٍ -بالنسبة لها- ، و ما زاد الطين بلة إلا هذا الحقير الذي يجلس خلفهما ، تجنبت تماماً النظر إليه مثلما أخبرها "باسل" ، من الحماقه أن تصعد بسيارة بها رجلين إحداهم كاد أن يسلب منها أعز ما تملك ، و لكن هي تثق بعض الشئ في "باسل" .. و هذه أيضاً حماقة ..

بعد مرور أكثر من ساعتين ، صف "باسل" السيارة بموقف السيارات الخاص بهم والذي ضم الكثير من السيارات الفخمة ، ترجل "باسل" من السيارة مطلقاً زفيراً ، هو يعلم جيداً كيف يفكر "ظافر" ، يعلم ان "مازن" سيتلقى صفعة لم يرى لها مثيل من قبل ، نظر إلى "مازن" بإشمئزاز و هو يراه يترجل من السيارة بينما مقدمة رأسه محاوطة بشاش طبي ، كاد أن يهجم عليه و هو يراه يطلق صفيراً مدوياً ، ألتف حول السيارة ليفتح بابها مخرجاً "رهف" التي كانت ترتجف كالجرذ المبلل ، قبض على رسغها البارد بقوة ليتجه بها نحو القصر ..

لم تستطيع "رهف" إخفاء دهشتها من ذلك القصر الفخم والمكون من أربع طوابق ، سارت خلف "باسل" و هي لا تستطيع مقاومة فضولها لرؤية القصر من الداخل ..

• • • •

رآهم عبر النافذة ، طالع "مازن" بنظرات متوعدة قاسية ، أرتدى قميصه الأسود ثم شمر عن ساعديه ليخرج من الغرفة موصداً بابها بالمفتاح من الخارج ، و بخطوات رزينة هادئة كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، لم يلاحظه "مازن" أبداً ، بينما والدته فور ما رأته بتلك الحالة ركضت نحوه لتحاوط وجهه المضمد و هي تقول بفزع غريزي :
- واه !! مين اللي عمل فيك أكده يابني أيه اللي حُصُل !!!!

طالع "مازن" والدته بإبتسامة باردة و هو يقول بلا مبالاة :
- مافيش حاجة انا بس آآآ ..

- كنت هغتصب بنت .. مش كدة ؟
قاطعه "ظافر" بنبرة باردة و هو يقف أمامه و والدته الحاجز بينهما ، شخّص "مازن" بصره على أخيه بهيبته المعهودة ، بلل شفتيه و هو لا يستطيع حتى أبتلاع ريقه ، وقف الحديث على طرف شفتيه وكأنه فقد النطق ، أعتدل بوقفته أمام أخيه و رسم -ببراعة- البراءة على وجهه علّ "ظافر" يرأف بحاله و هو يقول بنبرة خافته نسبياً :
- أبيه أنا مكنتش أقصد أنا ...
لم يستطيع حتى أن يُكمل عبارته ليجذبه "ظافر" من خصلاته بقوة مبعداً إياه عن والدته حتى لا يحتمي بها ، كاد أن يقتلع خصلاته بيده حتى تأوه "مازن" بقوة و هو يحاول إبعاد كف أخيه عن خصلاته ، بينما ضربت السيدة "رقية" على صدرها بقوة على صغيرها الذي وقع بـ يد "ظافر" ، حاول أيضاً "باسل" التدخل و لكن منعه "ظافر" بإشارة من يده و نظرة كانت كفيلة بعودة "باسل" إلى محله ، أبتسمت "رهف" شبح أبتسامة و هي ترى من أراد أنتهاك حرمتها أصبح كالجرذ الذي وقع بالمصيدة ..!!

- من أمتى و أحفاد الهلالي بيتعرضوا لحُرمة يابن ال*** !!!

هتف "ظافر" بجملته التي تردت صداها في القصر بأكمله تلاها لكماتٍ وجهها إلى "مازن" على أماكن متفرقة من جسده ، أشتعل القصر بصراخ "ظافر" بأبشع السباب و أستنجاد "مازن" و صراخه يكاد يخترق أذان المتابعين بصمت ، فـ هُم يعلموا جيداً أن من يحاول التدخل سينفجر به "ظافر" ..

طُرِح "مازن" أرضاً و قوته تخور شئٍ فـ شئ ، لم يرحمه "ظافر" و لم يشفق عليه مقدار ذرة ، بل ظل يركله بقدمه بقوة حتى بصق "مازن" الدماءٍ ..

حتى "رهف" أشفقت عليه قليلاً و هي تراه يتلقى لكمات مفزعة في جميع أنحاء جسده ..

وقع قلب السيدة "رقية" أرضاً التي ظلت تنوح و تضرب صدرها على ما تراه من مشهد مُرهق لقلبها ، رؤية بِكرها يضرب أخيه الأصغر كان بمثابة لكمة بقلبها ، و كأن من يُضرب هي ليست ابنها !!

لم تعلم ما تفعل غير البكاء و بجانبها "باسل" محاولاً تهدئتها و هو يحاول إقناعها بأن تعود للغرفة ولكنها أبت صارخة بوجهه بقوة ، ولكن عندما رأت فلذة كبدها وجهه مغطى بالدماء بالكامل ركضت نحو أبنها الاكبر تضربه بقوة في صدره الذي يعلو و يهبط ، ظلت تضربة بهستيرية و هي تصرخ به بقوة ، انخفضت ضربات قلبها تدريجياً لتتهاوى بين يدي "ظافر" مغشياً عليها ..

عيناه حمراوتان بطريقة يُرثى لها ، الإرهاق بادياً على وجهه بوضوح ، يشعر بضيق في صدره و بعلقم في جوفه ، بمجرد التفكير بأنه أمه مستلقية على فراشٍ أبيض بسببه يجعله يود قتل نفسه ، والدته هي أغلى شخصٍ بحياته .. لا يستيطع الإستغناء عنها، لم يكن قلقاً على مازن _الراقد بجانب غرفة والدته_ بقدر قلقه على والدته ، بغضون ساعات تحولت حياتهم إلى جحيمٍ مُهلك ، راقب بعيناه "باسل" الذي يسند رأسه على كفيه بجانبه "رهف" يبدو عليها الذعر ،و زوجته التي للتو علِمت ما حدث و هي أيضاً يبدو عليها القلق ، مروراً بشقيقته التي تبكي بحرقة بين أحضان عمتها ، عيناها منتفخة و صوت بكائها يقطع نياط القلوب ، اقترب من مقعدها ليجلس جانبها .. وبهدوءٍ نزعها من أحضان عمتها ليُسند رأسها على صدره ، أجهشت "ملك" بالبكاء أكثر و تمسكت بقميص "ظافر" بقوة و هي تقول بحرقة :
- ماما يا ظافر .. أمي هتروح منا .

مسح على ظهرها بيدٍ وبالأخرى شدد على عناقها و هو يقول بنبرة حاول أن يجعلها جامدة مخفياً البراكين في قلبه :
- أهدي يا حبيبتي أمك هتجوم و ترجع أحسن من الأول .. أهدي .

ظلت تبكي بين أحضانه حتى غلبها النعاس ، عندما ثقلت رأسها على صدره علم أنها نامت ، أشار لـ "باسل" بعيناه ان يحملها من بين يديه و هو يقول : خدها يا باسل على البيت و خلي الخدامين ياخدوا بالهم منها ..

أومأ "باسل" بصمت ولم ينبت ببنت شفة ليلتقط "ملك" من بين يدا أخيه، همَّ بالذهاب ليجد "رهف" تتشبث بذراعه قائلة بنبرة خائفة :
- ممكن أجي معاك .. أنا خايفة اقعد هنا لوحدي ..

أومأ بصمت فـ هو أيضاً يشعر بالشفقة عليها، خرج من المشفى حاملاً اخته و "رهف" تمشي بجانبه منكسة برأسها و هي تفرك اصابعها بتوترٍ ، وضع "باسل" "ملك" في الأريكة الخلفية للسيارة ، ليستقل هو امام المقود و تعقبه "رهف بالمقعد جواره ، أنطلق "باسل" بالسيارة بوجهٍ متجهم ..

• • • •

حمل "باسل" شقيقته ثم وضعها على فراشها ، هتفت "رهف" بمزاح قليل لتخفف عنه :
- أطلع برا بقا عشان أغيرلها هدومها .. يلا طرّأنا ..

أومأ بإيجاز -بوجهٍ خالٍ- من الملامح ثم خرج مغلقاً الباب خلفه ..

أخرجت لها "رهف" منامه مريحة ثم ألبستها إياها ، خرجت "رهف" من الغرفة بعد أن أغلقت أنوارها ..

كان "باسل" ينتظرها بعد أن أخذ ملابس جديدة له ولشقيقه ، هبطت "رهف" الدرج قائلة :
- يلا عشان نرجعلهم ..

- لاء .. هروّحك ..
قال "باسل" بجمود ظهر في نبرته ..

حدقت به "رهف" بذهول قائلة :
- تروّحني فين ..؟!!

- هروّحك فين يعني عند أهلك !!!
أردف "باسل" بغضبٍ ساخر ..

لم تستطيع أبتلاع ريقها لتفرك أصابعها و هي تحاول أختلاق حجة مقنعة لتبقى قائلة بأرتباك :
- أيوة بس .. بس أحنا في الصعيد وانا بيتي في مصر يعني هناخد وقت عشان نروح مصر و مينفعش تسيب مامتك واخوك في المستشفى وتمشي كدة ..
بتر "باسل" عبارتها قائلاً و هو يخرج من القصر متجهاً لسيارته بنبرة لا تقبل النقاش :
- لاء متخافيش عليهم أنا عارف أنا بعمل ايه ..

ذهبت وراءه مطأطأة رأسها بحزن ، أستقلت السيارة بجانبه بهدوءٍ تام ، ألتف "باسل" برأسه لها قائلاً :
- هنطلع ع مصر ، ساكنة فين ؟!!!

• • • •

- دخول والدة رجل الأعمال المشهور و صاحب شركات التصدير المعروفة بأسم "الهلالي" المشفى بالعناية المرّكزة ، و الحزن يخيم على عائلة الهلالي بأكملها ..!!!

قرأت "ملاذ" تلك العبارة على "مواقع التواصل الاجتماعي" ، شقت البسمة ثغرها لتجلس على المقعد بأريحية ، و سرعان ما هاتفت "عماد" الذي ردّ عليها في الحال ، بادرت "ملاذ" بنبرة ذات مغزى لا تخلو من الأمر :
- أعرفلي مستشفى ايه في قنا يا عماد ، لازم اعمل الواجب بردو !!!!!

• • • •

بعد وصول "باسل" و "رهف" للقاهرة ، وقف "باسل" بسيارته أمام مبنى يبدو عليه الرقي في منطقة لا تقل فخامه ، خفق قلب "رهف" بقوة ، أرتجفت يداها و هي تنظر لذلك المكان والذي من المفترض أنه عنوانها -الزائف- الذي أخبرت به "باسل" ...

- ده بيتك ..؟!
أخرجها من شرودها نبرة "باسل" التي تملؤها الشك ، أومأت "رهف" بصمت ، فـ هي لو تحدثت بنبرتها المرتجفة سيستطيع "باسل" أن يكشف كذبها بسهولة ..

أمتدت أناملها لمقبض باب السيارة ، همَّت بفتحه ولكن منعها قبل أن يلتقط "باسل" رسغها ، ألتفت له "رهف" ببطئ ، فتح كفها الصغير ثم وضع به كارت مدوّن عليه رقم المحمول بطبيعة الحال ، هتف "باسل" بنبرة دافئة بعد أن أغلق كفه على الكارت :
- لو أحتاجتي أي حاجة .. أي حاجة يارهف كلميني ، أنتِ زي أختي الصغيرة ..

أبتسامة لم تصل لعيناها رُسمت على وجه "رهف" ، يليها إماءه صغيرة ثم سحبت يدها و ترجلت من السيارة ، عصف بها الهوار فور نزولها من سيارته ، و كأنها أصبحت في مهب الرياح بدونه ..!!!!

أراد أن يطمئن عليها فـ أنتظر حتى دلفت إلى داخل المبنى ، ثم أنطلق بسيارته عائداً إلى قنا

أنقبض قلبها بخوف و هي تسمع مكابح السيارة ، أختفى الصوت تدريجياً لتنزل من على درج البناية سريعاً و هي تراه قد أحتفى بلمح البصر ، تقف بمفردها في طريق لا يمر به أمرؤ ، و الساعة قاربت على منتصف الليل ، أحتضنت "رهف" الكارت إلى صدرها و هي تحاول أن تقوى كـ قوة الأسم المدون عليه ، أقتربت من رصيف الشارع لتجلس عليه ، سرعان ما أجهشت ببكاءٍ كطفله فقدت والدها ، عندما تتذكر أنها مرغمه لتعود لوالدتها و زوجها اللعين يعلو صدرها و يهبط و كأنها في حالة هيستيرية ، شعرت بيد وضعت على كتفيها ، أنتفضت "رهف" بقوة معتقدة أنه أحد الشباب الثامل ، ولكن أرتخت ملامحها عندما رفعت رأسها ووجدته ، شهقت بأسمه بقوة لتقف قبالته ، و بدون تفكير أرتمت بأحضانه متشبثه بقميصه بقوة و هي تقول بشهقات متتالية :
- ب.. باسل ..

- ششش .. اهدي .
قال "باسل" مربتاً على ظهرها بحنانٍ بالغ .. أبعدها عن أحضانه ليقول بعتابٍ مثبتاً عيناه على مقلتيها الزائغة :
- كدبتي ليه وقولتي أنه بيتك ؟!!! أفرضي مكنتش رجعتلك عشان حسيت أنك بتكدبي ؟ أنتِ عارفة كان ممكن يحصلك ايه !!

نظرت أرضاً بحزنٍ و شهقاتها تخرج جاعله جسدها بأكمله ينتفض ، ربت على كتفيها بشفقة لحالها الذي يُرثى له ، أمرها بلطف ان تستقل السيارة لتنصاع لأمره دون بث كلمة ، جاورها هو قابعاً خلف المقود لينطلق بالسيارة ..

اوقف "باسل" السيارة جانباً في مكان عام ، ألتفت لها مرّكزاً جميع حواسه عليها ، نظرت له "رهف" بتوترٍ حاولت أن تنظر إلى أي شئ حولها عدا عيناه السوداوية البرّاقة ~

- كدبتي ليه ؟
كانت نبرته مستفهمه ، وبنفس الوقت حاول أن يحافظ على هدوء أعصابه حتى لا يخيفها .. ولكن بداخله سيجن ، لِمَ كذبت ؟! لِمَ قالت أنها تقطن بتلك البناية وهي لا تعرف شئ عن تلك المنطقة من الاساس ؟!! كل هذا يفقده عقله !!!

فركت "رهف" اصابعها بتوتر قائلةً بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا قاعدة مع ماما و جوزها و لما أخوك حاول يعتدي عليا كنت هربانه منهم .. ومستحيل أرجعلهم تاني لو هموت ..

ثم أنفجرت في بكاءٍ مرير ، غطت وجهها بباطن كفيها ، لا تعلم أين ستذهب و من سيحميها ، كلما تذكرت ما يفعله ذلك الرجل الملقب بـ زوج والدتها بها ، تشعر بأنها تريد التقيؤ !!!

مسح "باسل" وجهه بباطن كفيه ليقول بنبرة متحشرجة :
- معندكيش قرايب .. أي حد من عيلتك ؟ خال ولا عم ولا اي حد ؟!!

نفت برأسها بقوة قائلة و قد أزدادت في بكائها :
- معنديش حد ، بابا كتب كل حاجة بأسمي ومكتبش حاجة بأسم ماما ، هما أصلاً مكنوش بيحبوا بعد عشان كدة ماما اتجوزت بعد مـ بابا مات بعد م خلصت عدتها بيومين .. عشان كدة الحيوان دة عايز ياخد ورثي .. هو هددني انه هيخليني أمضي على تنازل لورثي ليه ..

أزداد بكاءها أكثر ، شعر "باسل" كما لو أن قلبه يتمزق عليها، حاول أن يجد مخرج من ذلك المأزق ولكن لم يكن أمامه سوى شئٍ واحد ..

- تتجوزيني ؟!!!!
• • • •

عندما أنارت الشمس بوهجُها الذهبي الساطع ، ارتدت "ملاذ" بنطال أسود تعلوه كنزة بيضاء خفيفة تلائم ذلك الطقس الحار مع بليزر باللون النبيتي القاتم ، عقصت خصلاتها على هيئة ذيل حصان ليُعطها مظهر جادي ، أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ لتأخذ مفتاح سيارتها مع هاتفها قبل ان تخرج من المنزل ، حاولت أن ترتدي أخفّ ما لديها خاصة الجو الذي لا يُحتمل في الوجه القبلي بالصعيد ..

أستقلت سيارتها خلف المقود ، عبثت في الهاتف قليلاً لتهاتف "فتحية" (التي تعتني بـ براء) ، أخبرتها "ملاذ" بطريقة موجزة انها ذاهبة للصعيد في بعض الأعمال الضرورية ، وأخبرتها بنبرة صارمة أن تعتني بـ "براء" جيداً ، أغلقت معها بعد دقيقتين لتطالع الرسالة المبعوثة من قبل "عماد" مدوّن بها عنوان المشفى التي تقطن بها العجوز والدة "ظافر" ذلك ..
ألتمعت عيناها ببريق مخيف لتنطلق بالسيارة سريعاً ..

• • • •

بعد مشوار كان شاق بالنسبة لها ، أصطفت سيارتها جانباً أمام المشفى الراقدة بداخلها والدة "ظافر" ، ألتقطت باقة الورود الحمراء التي أبتاعتها ، ترجلت من السيارة و حذائها يطرق الأرضية الصلبة أسفلها ، ألتوى ثغرها بأبتسامة مغترة وهي تمضي نحو المشفى في خطوات مدروسة ، وجدت فتاة الأستقبال لتسألها بإيجاز عن رقم غرفة والدة "ظافر" ، ذهبت لرقم الغرفة التي أخبرتها الفتاة بها ، استقلت المصعد لتصعد الغرفة رقم 201 ، ذهبت نحو الغرفة بخطى واثقة .. طرقت الباب مرتان لتسمع صوت تألفه جيداً .. كيف لا تألفه و هي أتت لأجل صاحب الصوت خصيصاً ، أدارت مقبض الباب لتفتحه بلطفٍ زائف .. دُهش "ظافر" عندما رآها تطل بوجهها الخمري وقوامها الممشوق ، تلقي التحية بلطفٍ بالغ ..

بينما صُدمت "مريم" من كتلة الجمال التي دلفت لهم ، خفق قلبها بقوة كالطبول من أن يكون زوجها يعرفها .. بالتأكيد هو على صلة بها فهي ولأول مرة تراها ، نهضت متأهبة و كأنها ستتشابك معها ..

مدت "ملاذ" كفها إلى "ظافر" قائلة بحفاوة شديدة :
- أزيك يا ظافر باشا ، اعذُرني جيت من غير ميعاد بس أول مـ عرفت أن والدتك في المستشفى جيت ع طول .. أتمنى مكونش أزعجتكم ..

أنتصب "ظافر" بقوة معيداً الجمود لوجهه ليمد يده مقابلها يصافحها بجمودٍ قائلاً :
- أهلاً يا أنسة "ملاذ" ، أزعاج أيه بس أنتِ نورتي ..

بادلته أبتسامة لتنزع يدها من يده ذاهبة بدورها إلى والدة "ظافر" التي تعلقت أبصارها بـ "ملاذ" بإعجاب بأخلاق الفتاة وجمالها التي لا تدخل به في منافسة مع أحد ، أقبلت عليها "ملاذ" منحنية بجسدها قليلاً لتصل إلى "السيدة رقية" التي ترقد على الفراش ، صافحتها بلطف لتقبلها على وجنتيها قائلة بتهذيب :
- أزي حضرتك يا طنط ، ألف سلامة عليكي ..

وضعت "ملاذ" الورد على الكومود الذي يجاور الفراش ، بينما أبتسمت "السيدة رقية " و هي تتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها ، رسمت أبتسامة عريضة و هي تقول بترحاب بلهجتها الصعيدية الأصيلة :
- الله يسلمك يا بتي ، تعالي يا حبيبتي أجعدي چاري .. " أقعدي جنبي"

لم تفهمها "ملاذ" و أرتسم ذلك على وجهها بوضوح ، لتجذبها الأخيرة من ذراعها لتجلسها جوارها على طرف الفراش ، و على الطرف الأخر كان يجلس "ظافر" ليصبحا في مقابل بعضهما البعض وكان الحاجز بينهما والدته ..

كظمت "مريم" غيظها من مظهرهم الذي جعل الأدرينالين يرتفع لديها بقوة ، حتى انها أرادت أن تجذب تلك الحمقاء من خصلاتها المموجة تلك ، نهضت بقوة عازمة على التصرف ، أظلمت عيناها و هي ترى تلك الفتاة تنظر لزوجها بجرأة ، عيناها تشعان خبثاً عكس اللطف التي تحاول إصطناعه بجدارة ، تقدمت نحوها بخطوات عنيفة لتقف أمامها قائلة بعنفٍ ظهر جلياً في نبرتها :
- بعد أذنك عايزة أقعد جنب حماتي و چوزي يا أنسة .!!

أصتنعت "ملاذ" أبتسامة صفراء لتنظر لها بعيناها السمراوتين تتفحصها ، تناظر خِصمها و كم كانت النتيجة حاسمة لصالحها ..

وثبت "ملاذ" لتتنحى جانباً قائلة بودٍ زائف :
- أكيد طبعاً أتفضلي ..

تأففت "السيدة رقية" بقنوط ولكنها سمحت إلى "مريم" أن تجلس جوارها على مضض ، نظرت "ملاذ" إلى "ظافر" قائلة بنبرة جادة :
- معلش يا ظافر باشا انا عارفه انه مش وقته بس أحنا لازم نتكلم في الشغل عشان نبدأ نصمم ال uniform ..

أومأ "ظافر" بهدوءٍ ليثب حتى يتحدثوا خارج الغرفة تاركين "مريم" تشتعل غضباً ..

****

وقفوا في ممر المشفى قبالة بعضهم ، "ظافر" يضع يده في جيب بنطاله الأسود منتظراً منها أن تتحدث ، أخذت "ملاذ" مهمة البدأ بالحديث قائلة بنبرة آسفة :
- بدايةً أنا بعتذر على اللي حصل أخر مقابلة بينا ، أنا عارفة أني كنت غِلسة شوية بس أنا أتعصبت لما شوفت الزفت دة ..

تخلى "ظافر" عن صمته قائلاً :
- ولا يهمك ..

رسمت أبتسامة على ثغرها و هي تقول بمرحٍ :
قولي بقا يا سيدي نبدأ التصميم أمتى ؟

- الوقت اللي تعوزوه ..

أومأت "ملاذ" بإبتسامة لتعود إدراجها الغرفة ، دلفت للغرفة لتخبرهم بلزوم ذهابها الأن ، أعترضت "السيدة رقية" بقوة قائلة بنبرة لا تقبل النقاش :
- معقولة يا بتي ، يعني تبقي ضاربة مشوار لحديت الصعيد و تمشي أكده على طول ؟ لاء ميصحش دي مش عوايدنا ، متقول حاجة يا ظافر !!

ألتفت لها "ظافر" قائلاً :
- أقعدي يا أنسة ملاذ ، الدكتور هيكتب للحاجّة على خروج دلوقتي و روّحي معانا أتغدي و أنا تبقى أوصلك ..
رسمت "ملاذ" الخجل على وجهها قائلة بترددٍ زائف :
- بس آآ ..

- مافيش بس !!!
قاطعتها والدة "ظافر" بنبرة حادة ..

و كأنها تجلس على جمرٍ مشتعل ، تهدج صدرها بعنف و عيناها تقطر حقداً ، تود أن تقفز عليها لتوسعها ضرباً ..

سارت الإجراءات سريعاً وخرجت والدة "ظافر" من المشفى ، أخبر "باسل" "ظافر" بأن يذهبوا بمفردهم و هو و "رهف" سيلحقا بهم بسيارته ، أومأ "ظافر" رغم أستغرابه أن "رهف" تلك لم تذهب لبيتها إلى الأن ..

جلست "السيدة رقية" بالأمام جوار "ظافر" بوجهٍ يظهر عليه الإعياء والحزن ، نظرت له "السيدة رقية" قائلة بترددٍ :
- ظافر .. كنا استنينا مازن عشان نطمن عليه آآآ

بتر عبارتها بنبرة حادة :
- أمي لو سمحتي متفتحيش الموضوع دة .. أعتبري أن مازن مـات !!!

ساد جو من الشحنات المذبذبة ، والدته بدت و كأنها فقدت النطق ، وقفت الكلمات على طرف شفتيها ، بينما كانت "ملاذ" تجلس بالأريكة الخلفية جوار "ملك الجالسة بالمنتصف وعلى يسارها "مريم" التي تفادت الجلوس بجانب تلك الفتاة ، قطبت "ملاذ" حاجبيها عندما حذرّت أن أخيه أيضاً بالمشفى ، ويجب أن تعلم لماذا و بأسرع وقت لديها ..

• • • •

أستقلت السيارة جواره و هي تفرك يديها ببعضهما بتوترٍ ملحوظ ، لا تصدق أنها ستتزوج شقيق من حاول اغتصابها، ولكن ما يُطمئنها أن "باسل" ليس كأخيه أبداً ، هي بدون أسباب يطمئن قلبها عندما تكُن جواره ، انطلقت السيارة سريعاً مما جعل "رهف" تشعر وكأنهما يسابقا الرياح ، أنتفض قلبها من محله عندما قال "باسل" :
- أوصفيلي عنوان بيتك ..!!

ابتلعت شهقة كادت أن تصدر من داخل جوفها و هي تقول بعينين متسعتين :
- لـيـه ؟!! أنت .. أنت هترجعني ليهم ؟!!

تابعت وقد بدأت عيناها بذرف الدموع و هي تقول بتوسلٍ :
- عشان خاطري بلاش ترجعني ليهم ، هبقى خدامة تحت رجليك بس بلاش ت..

بتر عبارتها و هو يقف بالسيارة بقوة حتى أنها أرتدت إلى الوراء ، ألتفت لها ليقبض على كفيها بحنو ظهر في نبرة صوته :
- أهدي .. مستحيل أرجعك ليهم .. و أوعي تاني مرة ترخصي نفسك كدة ، أنتِ مش خدامة يا رهف ، أنتِ غالية جداً عندي ..

لم تفلح كلماته إلا في زيادة بكاءها أكثر ، لأول مرة يعطف عليها شخص في حياتها بعد والدها ، منذ أن مات والدها اصبحت هي في تقف أمام الدنيا بمفردها ، تتلقي صفعة تليها الأخرى و تتوالى الصفعات على حياتها ، لم يواسيها شخص حتى و إن كانت كلمة ، نظرت "رهف إلى حدقتيه الحانية ، يتدفق من داخلهما دفئٍ يجعلها تتمنى لو أن تسكن بعيناه طيلة حياتها .. بعدما هدأت وصفت له عنوان بيتها في المنطقة التي تسكن بها ..

عندما وصلا أمام بيتها ، ترجل كلاً من "باسل" و "رهف" تلحقه ، جالت نظرات من المارّة من تلك السيارة الفخمة التي ولأول مرة تزور حيّهم الشعبي ، ألتهمتها النظرات الحاقدة و المنفرة ، أبتسمت بسُخرية محدثة نفسها :
- طبعاً مستنيه ايه لما تباتي يومين برا البيت و فالأخر تيجي ومعاكي واحد بعربية واو .. مستنيه ايه غير النظرات دي ..

صعدا كلاً منهما الدرج المتهالك ، تعالت ضربات قلبها بتوجسٍ و هي لا تعلم ماذا ستقول لوالدتها ، و مجدداً سترى وجه زوج والدتها البغيض ، أشارت "رهف" إلى "باسل" على باب شقتها ، أنتصب "باسل" بجسده العريض .. بينما "رهف" تقف خلفه ينتفض جسدها بين الفينه والاخرى ، فتح زوج والدتها و الملقب بـ "بُرعي" ، أعتلت ملامحه ارتباك جليَّ و هو يطالع "باسل" الذي يفوقه طولاً و عُرضاً ، إزدرد ريقه قائلاً بتوجسٍ :
- خير يا بيه ؟!! انت مين ؟

ثم طالع "رهف" التي تقف خلفه بغضب عارم مسطرداً :
- ولا بنت الـ *** دي عملت حاجة ؟!!

قست ملامحه بطريقة مُرعبة ، أسودت عيناه التي ترمقه بتوعدٍ لسبّ زوجته المستقبلية ، زجره في كتفه ليُزيحه من أمامه ، دلف للمنزل بعينان تجولتا في أنحاءه ، كان بسيط ومتواضع للغاية ، دلفت "رهف" وراءه و هي تنظر لزوج والدتها بقرف تجلى على صفحات وجهها ، مضت نحوهم والدة "رهف" ، سيدة بدينة الجسد بعض الشئ تعشق زوجها الذي أستغل هذا العشق لينهب نقودها و ليتحرش بأبنتها ، و لأنه تثق به ثقة عمياء فدائماً عندما تخبرها أبنتها أنه يحاول التحرش بها لا تصدقها و في بعض الأحيان تصفعها بقوة لتكف عن الافتراء عليه -كما تظن هي- ..

نظرت السيدة "زهرة" (والدة رهف) إلى أبنتها بغضب و هي تصيح بها :
- كُنتِ فين بابت !!! بنتيمينا على ودانا وتدوري على حل شعرك !

لاذت "رهف" بالصمت ولم تعلّق ، بادر "باسل" قائلاً بنبرة تحذيرية رافعاً سبابته بوجهها :
- لولا أنك ست كبيرة كنت رديت عليكي .. بس عيلة الهلالي مبتضربش نسوان !!

- عيلة الهلالي !!!
أردف بها "بُرغي" بنبرة مرتابة ، فـ هو قد سمع الكثير عنها و عن صيتها و ثراءها الفاحش ، أبتلع ريقه و هو يطالع "باسل" بتوجس قائلاً :
- و ابن سرحان الهلالي عايز مننا ايه ؟!!
ألتفت له "باسل" مجاوراً "رهف" ، قبض على يدها بتملكٍ و هو يقول :
- هتجوز رهف !!!

• • • •

صف "ظافر" سيارته في موقف السيارات الملحق بالقصر .. أسند والدته حتى تستطيع السير بينا ترجل كلاً من "ملاذ" و"مريم" و "ملك" ، دلفوا جميعهم إلى القصر لتنظر "ملاذ" إلى باحة القصر والحديقة التي زُينت بزهور أنواع مختلفة و ألوان مبهجة ، تغلغلت رائحة الزهور الذكية إلى روح "ملاذ" ، أستنشقتها "ملاذ" سامحة لها بالتعمق داخل جوارحها ، رأتهم جميعهم يدلفون إلى القصر يساندون السيدة "رقية" بينما وقفت هي بالحديقة تطالع الزهور من حولها ، لفت أنتباهها زهرة حمراء نبتت وسط الزهور البيضاء حولها ، بدت متميزة عن باقي من حولها ، سارت لها رغماً عنها تطالعها كم هي براقة و لامعة ، أمتدت أناملها الرقيقة لها لتتلمسها بلطف ، دائماً ما كان لونها المفضل هو الأحمر ، ترى به نفسُها و كأنه مرآة تنعكس لها .. لم تلاحظ أبداً ذلك الذي يقف خلفها يضع كِلتا يداه في جيبه ، عيناه تكاد تثقب ظهرها بنظرات كالصقر ، و بدون مقدمات أردف بنبرة غامضة :
- عجبتك ؟!!

أنتفض جسدها بذعر مطلقة شهقة عنيفه لتفاجأه بصوته ، التفتت له في حدة صارخة بغضبٍ أهوج :
- في حد يخض حد كدة !!!

أحتدت عيناه عند صراخها بوجهه بتلك الطريقة ليهتف بنبرة حادة و نظرات صارمة محذرة :
- متعليش صوتك !!!

- أنا أعلي صوتي براحتي !!
قالت بعناد ولهجة باردة و هي تكتف ذراعيها أمام صدرها مطالعة إياه بتهكمٍ أغضبه ..
وجّه لها نظرة غامضة ليتحرك من أمامها يطوي الأرض بقدميه بعينان مشتعلتان من الغضب ، دلف إلى القصر تاركاً باب القصر مفتوح ..
بينما الأخيرة أنعقد ما بين حاجبيها بغرابة .. لِمَ لم يصرخ بها ؟ لِمَ لم يعنفها ؟ أو لِمَ لما يقوم بطردها خارج قصره ؟ دارت تلم الأسئلة في عقلها و لكنها لم تجد أية إجابة لها ، دلفت إلى القصر بخطوات بطيئة ، شردت بذهنها و هي تسير داخل القصر عيناها تتجول على كل أنش به ، لم تجد نفسها إلا وهي تصتطدم بـ "ظافر" بقوة لترتد للخلف بألم و كأنها أصتدمت بحائط ضخم ليس بإنسان ، قطب "ظافر" حاجبيه بغضب صارخاً بها :
- مش تاخدي بالك أيه عميتي !!!!

تفاجأت من ردة فعله الغاضبة و صراخه بوجهها لتصرخ بوجهه هي أيضاً بعنفٍ :
- أنت بتزعق ليه انا مكنتش اقصد ..

- يعني أيه مكنتيش تقصدي أنتِ غبيه مش تبصي قدامك !!!

ضربت الأرض بقدميها بغضب صارخة به بإحتجاج :
- متقولش عليا غبيه و متزعقش !!!

وقفت "ملك" خلفهم فارغة فاهها بصدمة و كأنها تشاهد طفلين يتشاجروا أمامها ، لم تستطيع كتم ضحكتها لتدوي بالقصر و هي تنحني من شدة الضحك ، ألتفتا لها يقولان معاً بغيظ :
- بتضحكي على ايه ؟

نظرا كلاهما لبعضهما البعض بغيظ لتستطرد "ملك" محاولة إيقاف ضحكاتها :
- عاملين زي العيال الصغيرة !!

- مـلـك !! حاسبي على كلامك ، هي اللي عيلة !!!

نظرت له "ملاذ" بشرارات تخرج من حدقتيها ليقول "ظافر" بجمودٍ إلى "ملك" :
- وصلي ضيفتنا لأوضة الضيوف .

أومأت "ملك" بأبتسامة مرحة لتأخذ "ملاذ" من يديها صاعدين الدرج ، تابع "ظافر" صعودهم بنظرة ثاقبة حتى أختفا كلتاهما عن ناظريه ..

• • • •

أوصلت "ملك" "ملاذ" إلى غرفة الضيوف جالبة لها منامية مريحة لتُقضي بها اليوم ، شكرتها "ملاذ" بلطفٍ زائف لتحاول أستدراجها مسطَّردة :
- قولي لي ياملك هو اخوكي مازن في المستشفى ، أصلي سمعت طنط مامتك بتقول انه محجوز في المستشفى ، خير حصله حاجة ؟

أرتبكت "ملك" لتفرك يداها تنظر إلى "ملاذ" التي قالت بحزن مصطنع :
- خلاص يا ملك لو مش عايزة تقولي خلاص براحتك ..

تراجعت "ملك" قائلة سريعاً :
- هحكيلك ..

أنتبهت لها "ملاذ بجميع جوارحها ، قصت لها "ملك" ما حدث مع اخيها الأصغر و العراك الذي صار بينهُ و بين "ظافر" ، ألتوى ثغر "ملاذ" بخبث استوطن صفحات وجهها و ملامحها لا تنتوي الخير أبداً !!

• • • •

بدت و أنها تقف على جمر مشتعل ، وجهها أصبح احمر من كثرة غضبها ، تشعر و كأن روحها تُسحب منها ، تعلم أن تلك الدخيلة ليست لطيفة او بريئة كمان تتصنع ، فـ هي لمحت نظرات خبيثة بعينها عندما تنظر إلى زوجها و ذلك ما جعلها تتمنى لو تقفز على عنقها تكسره بيداها ، ألتفتت للباب الذي فُتح لترى "ظافر" يدلف للغرفة ، اتجهت له ومن دون سابق إنذار ارتمت بأحضانه بقلبٍ ملتاع ، تفاجأ "ظافر" من عناقها له بتلك الطريقة و لكنه رفع يده يربت على خصرها قائلاً بتساؤل :
- مالك يا مريم ؟ في حاجة ..
نفت برأسها و هي تشدد عناقها على خصره أكثر قائلة بنبرة خائفة :
- ظافر .. أنت مش هتسيبني صُح ؟

قطب حاجبيه بغرابة ليبعدها عن احضانه ، رأى وجهها الممتلئ بالدموع ليرفع حاجبيه بإندهاش أزداد أكثر ، فـ هو و لأول مرة يراها تبكي بتلك الطريقة ، أمتدت انامله الخشنة لتمسح دمعاتها من على وجهها قائلاً بلطف :
- ليه العياط دلوقتي ؟..

وكأن جملته كانت القشة التي قسمت ظهرت البعير لتنفجر في البكاء بقوة و هي تقول بتقطع أثر بكائها :
- أنت هتسيبني يا ظافر .. أنا متوكدة ، أنت عمرك مـ حبيتني و فوقه أنا مجبتلكش العيل اللي نفسك فيه .. يعني أكيد هتتچوز عليا ..

ربت على رأسها بحنان و هو يقول :
- أيه اللي جاب الأفكار دي لدماغك يا مريم ..

لم تخبره أن تلك الشكوك بدأت تحل على رأسها بسبب تلك الفتاة ، جذب رأسها إلى صدره عندما رأى صمتها ، يمسح على ظهرها مشفقاً على حالها ، يعلم أنها تعشقه و لكنه لم يبادلها ذلك العشق يوماً ، ولكن بدلاً من ذلك العشق كان يعوضها حناناً و عطف ..
أجتمعوا جميعاً على طاولة الطعام العريضة ، جلس "ظافر" على رأسه السُفرة بطبيعة الحال ، تجاوره والدته الذي بدى الشحوب على وجهها و رُغم ذلك رفضت تناول الغداء في غرفتها لتصرّ على أن تجلس معهما ، و من جهة اليمين جلس "باسل" الذي قد أتى للتو بحوزة "رهف" ..

بدأوا الجميع بتناول الطعام بصمت تام ، كانت "ملاذ" تحدق بصحنها بشرود ، لا تصدق أنها تجلس في قصر ذلك الرجل بل و تأكل على طاولة طعامه ، شردت لبعيد تماماً عندما كانت تبلغ من العمر خمس سنوات ..

طفلة صغيرة تصرخ بصوتٍ عالٍ على تلك السيدة الكبيرة بالعمر ، رُغم عُمرها الذي لم يتعدى الخمس سنوات و قُصر قامتها إلا أن صوتها كان يصدح بالبيت الصغير بأكمله ، حاولت تلك السيدة أن تهدأها بكلماتها الحنونة و هي تجلس كالقرفصاء لتصبح في مستواها :
- أهدي يا ملاذ يا حبيبتي صدقيني براءة أختك هتبقى بخير أهدي ..

نفت "ملاذ" بوجهها الطفولي الذي أمتلأ بالدموع و هي تقول بطفولية بريئة :
- لا مُس (مش) هتبقى كويسة هي لاسم (لازم) تعمل عملية بفلوس كتير .. أنتِ بتضحكي عليا أنتِ كذابة !!!

ثم تركتها وذهبت بعيداً خارج البيت بأكمله ، عيناها غارقة بالدموع الطفولية ، ركضت من على الدرج غير عابئة لصراخ تلك السيدة عليها ، عيناها مُلتمعة ببريق أصرار رغم صُغر عمرها ، ولكن معالجة شقيقتها كانت أكبر من أي شئ أخر ..

قادتها قدميها الصغيرة لقصر ذلك الرجل فاحش الثراء ، لم يكُن يبعد كثيراً عن بيتها المتواضع ، وقفت أمام البوابة و رُغم الفزع الذي أعتراها عندما وجدت رجلين قويان البنية و منكبيهما العريضان و طولهما الفارع ، أعتلت ملامحهما غرابة شديدة لوجود تلك الطفلة أمام قصر متحجر القلب ذلك ، قرفص أحدهما على قدميها أمامها قائلاً بحنو :
- عايزة حاجة يا حبيبتي ؟ فين مامتك وباباكي توهتي منهم ولا ايه ؟..

هزت رأسها برفض قائلة بنبرة قوية لا تليق إلا بها :
- عايسة (عايزة) أقابل عمو اللي جوا ، اللي معاه فلوس كتير ..

رفع ذلك الشخص حاجبيه بدهشة مسطرداً :
- و أنتِ عايزة عمو في أيه ؟ تعالي أوديكي لمامتك وباباكي ..

ثم سحبها من يديها لتنفض يده بقوة ، أنفجرت في بكاء شديد ليصرخ بها الأخر بعنف شديد :
- أمشي يابت من هنا مش ناقصين قرف ع الصبح !!

نظرت له بحقد و لم تكف عن البكاء المزعج والقوي ، فمن يراها لا يصدق بأن ذلك الصوت المرتفع نابع من تلك القزمة !

ظلت تبكي الكثير من الوقت حتى أعلن أستسلامه أحد الحراس قائلاً :
- خلاص هنخليكي تقابليه ..

أبتهج وجهها سريعاً لتلمع عيناها من فرط سعادتها ، قفزت تصفق بطفولية ، صرخ الأخير محتجاً بإستهجان عما قاله رفيقه :
- أنت بتقول أيه يا مراد لو شافها سيدنا الكبير هيتعصب علينا أحنا ..

صرخ به المدعو "مراد" هو الأخر متأففاً بضيق :
- أنت مش شايفها مهرية من العياط ازاي دي ممكن تموت كدة !!!

فتح الحارس بوابة القصر بضيق مشيراً لها بالدخول .. دلفت "ملاذ" بنصرٍ و بخطوات سريعة ، نظرت حولها للحديقة التي أمتلئت بالزهور مبهجة اللون لتصدم بجمالهما ، لم تعبأ كثيراً لتركض نحو باب القصر ، أخذت تطرق الباب بكفيها الصغيرتان لتفتح لها الخادمة ، صُدمت من تلك الصغيرة لتقول بغرابة :
- أنتِ مين يا عسولة ؟ و آآ

و في غضون ثانيتان كانت "ملاذ" تعبر تاركة إياها تهذي ، فقد ملت كثيراً أهذا كله لكي تقابل ذلك الرجل فقط ، وقفت "ملاذ" في منتصف القصر تقول الخادمة بنبرة يغمرها الغرور :
- فين أوضة اللي بتستغلي (بتشتغلي) عنده ؟

جحظت حدقتي الخادمة و لكنها لم تمنع تلك الأبتسامة التي زحفت على ثغرها لتشير لها على غرفة مكتب "سرحان الهلالي" لتذهب "ملاذ" لتلك الغرفة لا تصدق أنها و أخيراً ستتحدث مع الذي سينقذ شقيقتها ، وقفت أمام الباب لتقف على حافة قدميها حتى تصل لمقبض الباب ، جاهدت كثيراً و لكن فتحته بالأخير ، دلفت للغرفة بخطوات خائفة لتجده أخيراً ، "سرحان الهلالي" ذو الملامح القاسية و العينان المخيفتان بلونهما الأسمر ، خصلاته تتخللها الشيب قليلاً يجلس خلف مكتبه بغرورٍ يعمل بأوراقه ، لفت أنتباهه تلك الصغيرة التي دلفت لمكتبه لينتفض محدق بها بذهول ، أخذ يتسائل من أين جاءت ولماذا ، وقف أمامها واضعاً كفيه بجيوب بنطاله و معدته تدلى قليلاً أثر الشحوم المختزنة بها ، لم يتخلى عن جموده ليردف :
- أنتِ مين و بتعملي أيه في مكتبي ؟
لم تنبث "ملاذ" ببنت شفة ، مدت كفها الصغير في جيب بنطالها الصغير لتخرج بعض الجنيهات القليلة ، بسطت كفيها الصغيرتان معانا أمامه ، لم تجرؤ على رفع رأسها لتقول بعينان ممتلئة بالعبرات ليخرج صوتها متحشرجٍ أثر البكاء العالق بصدرها :
- دول بس اللي معايا .. ممكن يا عمو تساعد أختي عسان (عشان) تقدر تمسي (تمشي) على رجليها لو سمحت .. أنا عايفة (عارفة) أنك معاك فلوس كتير أوي .. لو سمحت يا عمو ساعدنا ..

قست ملامحه يطالعها بتهكمٍ ليصرخ بالخادمة بقوة :
- يا مديحة .. تعالي طلعي الأشكال دي من القصر ..

لم تفهم "ملاذ" ما قاله و لكن عندما وجدت الخادمة تأتي لتأخذها صرخت بقوة به و ببكاء يفطر القلب :
- لاء يا عمو لو سمحت ساعد أختي .

نظر لها ببرود جليدي ، و كأن الرحمة نزعت من قلبه نزعاً فأصبح كالحجر ، بل ربما قد نظلم الحجر إن شبهنا ذلك الشخص به ..

بكت "ملاذ" بكل ما أوتيت من قوة عندما سحبها ذلك الرجل بقوة ليدفع بها أمام مكتبه بقوة غير مراعياً صِغر سنها ، شفقت عليها الخادمة لتهم بإيقافها و لكن منعها "سرحان" بإشارة منه ، نظر لها بعيناه القاسيتان ليقول بنبرة خالية من الرحمة :
- لو شوفتك هنا تاني هحبسك في أوضة ضلمة فاهمه ؟!!!

ثم دلف لمكتبه صافعاً الباب خلفه ، أجهشت "ملاذ" بالبكاء لتترسخ عيناه القاسية بعقلها ، لم تيأس "ملاذ" أبداً بل نهضت رُغم جسدها الصغير الذي تألم من قوة دفعته ، طرقت على الباب مجدداً و لكن تلك المرة بقوة أكثر و هي تصرخ به بغضب :
- أفتح الباب .. أفتح أنت لازم تساعدنا !!!

رق قلب الخادمة لها لتجذبها و هي تقول برأفة :
- أبعدي يا حبيبتي عشان ميحبسكيش في الأوضة ، أنا مش عارفة أزاي باباكي و مامتك سابوكي تيجي القصر دة ..!!!!

نفضت "ملاذ" يدها عنها بقوة و هي مازالت تطرق على الباب بحدة رافضة الذهاب قبل أن تعود أختها في السير كما كانت ...

فتح "سرحان" الباب بعينان ملتهبتان ، حدقتيه حمرواتان بطريقة مرعبة تطلق شراراً ، شهقت "ملاذ" بخوف طفولي عندما وجدته هكذا لتنكمش على نفسها برهبة ، جرّها "سرحان" من ذراعها بعنف لغرفة كانت بالقبو ، باردة كالجليد ، حاولت الخادمة منعه و لكن لم تستطع لتركض لزوجته السيدة "رقية" لتحاول منعه مما سيفعله بتلك الطفلة ، ألقى "سرحان" بـ "ملاذ" داخل تلك الغرفة شديدة الظلام ، نظرت "ملاذ" حولها برعبٍ شديد محتضنه نفسها ، فـ فوق ظلام الغرفة الموّحش و لكن أيضاً برودتها لا يتحملها شخصٍ بالغ ما بالك بطفلة صغيره لا تفقه شئ !!!

اغلق "سرحان" الباب عليها ليوصده بالمفتاح ، قابل زوجته في وجهه بملامح فزعة مما قصت لها الخادمة ، أمسكت السيدة "رقية" ب تلابيب زوجها قائلة بفزع شديد :
- وديت البت فين يا سرحان .. متجولش أنك دخلتها الأوضة إياها !!!!

نظر لها بحدقتان خاليتان قائلاً :
- دخلتها يا رقية .. أبعدي من وشي الساعة دي ..!!!

جحظت عينان الأخيرة بقوة لتصرخ في وجهه ضاربة على صدرها بقوة :
- يـخـرابـي .. دي البت زمانها مفلوجة من العياط يا حبة عيني ، هات يا سرحان المفاتيح ..

تركها ماراً بجوارها غير عابئاً لها أبداً ..

بينما في الداخل كانت المسكينة تبكي بقوة. بشهقات لم تتوقف ، ينتفض جسدها بين الحين و الأخر من قوة بكاءها ، أخذت تناجي والدتها و والدها قائلة ببكاءٍ شديد :
- تعالي يا ماما خوديني ، تعالي خوديني أنا خايفة أوي ، أنا عايسة (عايزة) أخرج من هنا ، تعالي يا ماما أبعدي السرير (الشرير) دة عني ، أنا مس عايسة أقعد هنا أنا بخاف من الضيمة (الضلمة) .. الجو برد أوي هنا تعالي يا ماما خوديني بقا تعالي يا مـامـا !!!!

أنفجرت في بكاء قوي لتجلس بزاوية ما في الغرفة تضم ركبتيها إلى صدرها لتنسدل خصلاتها الغجرية على كتفيها ، سمعت صوتٍ من وراء الباب ، كان صوت فتى .. و لكن صوته حنون للغاية ، نبرته تغلغلت في جوارحها بقوة ، كان يمهس من وراء الباب بنبرة مطمأنه :
- متخافيش .. هطلعك من هنا !!!!

أجهشت بالبكاء بقوة ، أزرقت شفتيها من شدة البرودة و بردت أطرافها ، زاغت عؤناها لتصتدم رأسها على الأرضية بسكون تام ، و في تلك اللحظة بالضبط دلف "ظافر" إلى الغرفة الباردة ، ليشاهد ذلك الجسد الصغير يسقط امامه على الأرضية الباردة ، أنقبض قلبه ليركض نحوها ، طالعها بنظرات قلقة تشمل وجهها بأدق تفاصيله ، بشرتها الشاحبة بقوة و ثغرها المزموم الذي تحول لـ اللون البنفسجي ، دموعها العالقة بأهدابها المغلقه و البعض منثور على وجنتيها كاللؤلؤ ..

لم ينتظر ليحمل جسدها الصغير بين ذراعيه ، كان "ظافر" آنذاك بعمر الخامسة عشر ، رُغم سنه إلا أنه يملك جسد صخم ورثه من أبيه ، لذلك فقد كانت "ملاذ" كالريشة بأحضانه ، أستندت "ملاذ" برأسها على صدره بإرهاق ، نظر لها "ظافر" بشفقة ليصعد لغرفته تاركاً أبيه يصرخ به ، صعد الدرج بخطوات واسعة ليصل لغرفته ، فتح الباب بقدميها ليلج ، وضعها على فراشه الناعم برفقٍ شديد ، عيناه الزيتونيه تجول على وجهها بقلق أعتراه ، و كأنها مسئولة منه هو فقط ..
أعنتت بها أمه أيضاً لـ تأتي تلك السيدة التي تعِش معها "ملاذ" و "براءة" لتأخذ "ملاذ" ، و لكن لم تكن نفسها "ملاذ" .. بل كانت طفلة بقلبِ قاسٍ ، قلب و عقل ترسخ بهما حدقتين .. تلك العينان السمراء القاسية و المتحجرة ، و عيناه الزيتونية الممتلئة بالدفء النابع منها ..

‏”ليتنا نستطيع أن نعالج خدوش أرواحنا.”
• • • •
بدون مقدمات رفعت رأسها لتنظر إلى "ظافر" .. بعيناه الزيتونية الحنونة ، و لكنه يحجب ذلك الحنو بجمود قاسٍ ، لتتمثل أمامها حدقتي مزيج بين قسوة "سرحان الهلالي" و حنو "ظافر سرحان الهلالي" ..!!

نهضت "ملاذ" فجأة من على طاولة الطعام شاعرة بأختناق كبير .. و كأن شئ يجثى على صدرها يمنعها من التنفس حتى ، نظروا جميعاً لها لنهوضها المفاجئ و من بينهم "ظافر" الذي طالعها بإستغراب .. هم بأن يسألها عما بها لتقاطعه "ملاذ" قائلة بنبرة لاهث تجاهد لتلتقط أنفاسها :
- أنا .. أنا لازم أمشي ..

قطب "ظافر" حاجبيه كما فعلت والدته لتسألها بقلق :
- فيكي حاجة يابتي ؟ أنتِ بخير ؟

أومأت "ملاذ" بصمت و هي تستشعر نبرتها الحنونة ، لم تنتظر بل ذهبت بخطوات واسعة نحو باب القصر لتخرج سريعاً ..

ذهب "ظافر" ورائها ليرى ما حدث لها ، وجدها تقف وسط الحديقة تضع يدها على قلبها و باليد الأخرى تستنشق الرذاذ النابع من بخاخ الربو ، هدأت ضربات قلبها المتسارعة لتعود لطبيعتها ، تقدم "ظافر" نحوها .. وقف أمامها ليراها مغمضة العينان تحاول تنظيم تنفسها غير ملاحظة وقوفه أمامها ، لأول مرة يرى ملامحها بالقرب ذاك ، تجولت حدقتيه على وجهها بدايةً من حدقتيها المغلقتان و أهدابها الكثيفة التي علقت بها حبات "الماسكرا" الجافة ، نزولاً بأنفها الصغير .. عبرت عيناه على شفتيها و عند تلك اللحظة لم يتسطيع إزاحة نظره عن شفتيها المُطلية باللون الأحمر القاني ، شعور يدفعه لأن يهجم على شفتيها مقبلا إياها ، و لأنه "ظافر" الذي لا يقف أمامه شئ ، وباللحظة الأخيرة توقف عما كاد أن يفعل ، بل أبتعد عنها تماماً و كأنها مرض سيُعديه ، نبض فكه لشدة غضبه ، التنين عيناه كما لو كانت سيضخ من داخلها الدماء ، منذ متى و هو يشعر بذلك الشعور تجاه أنثى ؟ منذ متى و عيناه تحيد على فتاة ؟ لقد عاهد نفسه بأن لا يُميل للحب مهما صار ، و لكن لما عندما يرى "ملاذ" يشعر و كأنها مسؤليته ، يشعر كمل لو أنه رآها من قبل ، عندما يراها يشعر و كأنه عاد طفلٍ من جديد ، و لكنه لن يسمح بنضج ذلك الشعور داخله ، سيقتلعه من جذوره في الحال ..!!!

فتحت "ملاذ" عيناها تطالع "ظافر" بإستغراب ، تفحصت هيئته الغاضبة لتتمتم بتساؤل :
- في أيه ؟ .. إنت كويس ؟ باين عليك آآ ..

بتر عبارتها و قد عاد الجمود إلى عيناه الزيتونية الباردة :
- مافيش حاجة .. يلا عشان أروحك ..

- طب وعربيتي ؟

- هخلي السواق يبعتهالك على عنوان شقتك ..

سبقته بخطوات ذاهبة نحو سيارته ، أستقلت المقعد الذي يجاور مقعد السائق ، كما أستقل "ظافر" وراء المقود ، كانت صفحات وجهه لا تفسر ، الغابات الزيتونية بحدقتيه كانت وكأنها تشتعل مصدرة لهباً يحرق الأخضر واليابس ، ذراعيه المشمرتان بقميصه الأسود الأنيق كانا مشدودان على المقود بطريقة مفزعة ، برزت أوردته البنفسجيه بـ رسغيه و كأنه يعاني حرباً نفسياً بداخله ، كل تفاصيله تلك لاحظتها "ملاذ" ، عندها لاحت أبتسامة خبيثة على ثغرها ، فـ خطتها تسير كما المطلوب ، عادت ترسم البراءة على وجهها ببراعة ، عيناها السوداوية تلتمع ببريق ربما مخيف ، بريق الأنتصار الذي لطالما لم ينزاح من حدقتيها ، تحركت السيارة مصدرة صرير عالٍ ، كانت السيارة تسير على سرعة مئة و عشرون ، تجمدت "ملاذ" بكرسيها .. و لأول مرة تشعر بالخوف الذي جعل جسدها بأكمله ينتفض ، هجمت الذكريات السيئة على ذهنها ، تخيلت أن بتلك السرعة أفتعلا والداها حادث أودى بقدم شقيقتها ، رُغم إنها لم تكن بالسيارة في ذلك الحادث و لكنها استطاعت ان تشعر بذلك في تلك السيارة ، بدأت تلك الحقيقة تتجسد أمامها شيئاً فـ شئ ، و بالفعل لاحظت شاحنة ضخمة يصدر منها أبواق الأنوار العالية التي كادت أن تُعمي بصرها ، جحظت عيناها بقوة و قلبها يدق بعنف شديد غطت وجهها بكفها و كأنها تريد أن تختفي من ذلك العالم ، و باللحظة الأخيرة أنحرف "ظافر" بالسيارة ليتنحى بها جانباً ، أهتز صدره علواً و هبوطاً من الذي كاد أن يحدث بهما ، تلك هي الحياة ، فقط ثوانٍ معدودة شعر بهما أن الحياة توقفت ..!!!

التفت لينظر إلى "ملاذ" التي لازالت تخفي وجهها داخل كفيها كالأطفال ، الصمت يسود السيارة سوى أنفاس "ظافر" اللاهثة ، لا يعلم كيف سيتصرف ليمد كفيه يزيح كفيها عن وجهها قائلاً بنبرة لاهثة :
- متخافيش .. مافيش حاجة حصلت ، أنتِ كويسة ؟

أخذت "ملاذ" بعض الدقائق تستوعب بهما ما حدث ، و لكن نبرته الدافئة جعلتها تسند رأسها على كفيها الموضوعتان على فخذيها ، رأسها تميل للأمام لتنساب خصلاتها مسترسلة حول كتفيها ، بنبرة قوية تمتمت :
- روّحني !!!!

حاول تهدأتها ببعض الكلمات :
- أهدي مافيش ..

بترت عبارتها بصراخها بوجهه بقوة شديدة حتى ألتهب وجهها :
- روَّحني دلوقتي حالاً !!!!!

أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ، فـ و لأول مرة يصرخ أحد بوجهه بتلك الطريقة و لكنه مراعياً فزعها وخوفها ..

أنطلق بالسيارة ولكن بسرعة أهدأ و طوال الطريق لم يسمع سوى صوت أنفاسها العالية ..

قاطع ذلك الصمت الذي ساد بينهما و الجو المشحون بذبذبات هاتف "ملاذ" الذي صدح صوته بالسيارة ، تفاجأت "ملاذ" بأسم "براءة" يلتمع بالشاشة ، فمنذ الكثير من الوقت لم تهاتفها شقيقتها ، سريعاً ما ضعطت على زر الإجابة لتضع الهاتف على أذنها بنبرة حنونة للغاية :
- براءة ..!!

جحظت عيناها عندما وجدت السيدة "فتحية" التي تعتني بشقيقتها تصرخ بأن عليها المجئ بالمشفى الأن فحال شقيقتها سئ ..

انقبض قلبها و توقفت الأحرف على طرف شفتيها ، لم تكن تملك القدرة حتى للرد عليها ، ألتفتت إلى "ظافر الذي كان يوزع نظرات استفهامية بينها وبين الطريق ، أخبرته بنبرة متوجسة :
- متروحش البيت أطلع ع مستشفى **** بـسـرعـة !!!!!

• • • •
ترجلت "ملاذ" راكضة حتى كادت أن تتعثر بخطواتها و هي ذاهبة نحو المشفى ، لحق "ظافر" بها و لأول مرة يراها بذلك الفزع ، ركض وراءها ليلحق بها ليمسك برسغها قائلاً بنبرة هادئة :
- ممكن تهدي عشان نتصرف ..

تلوت بين ذراعيه صارخة به في غضبٍ ليتركها ، تركها "ظافر" بالفعل بدمٍ بارد ، ذهبت "ملاذ" إلى موظفة الاستقبال تصرخ بها :
- فين براءة .. براءة خليل الشافعي ..

أرتبكت الأخيرة من صراخها بوجهها لتبحث بين أسماء القابعين بالمشفى لتجد بالفعل الأسم ، تمتمت موظفة الأستقبال قائلة بنبرة خائفة :
- في أوضة 301 الدور الرابع

لم تنتظر لتركض نحو المصعد ، ضغطت على الزر منتظرة قدومه ، فركت أصابعها بتوتر شديد ليقف "ظافر" بجانبها بشموخٍ كالمعتاد ، حاول تهدأتها بنبرة دافئة لطيفة :
- بإذن الله أختك هتبقى كويسة ..

نظرت له من فوق كتفيها ليأتي المصعد ، أستقلا كلاً منهما المصعد لتضغط على الطابق الرابع ، الوقت يمر كمرور سنوات وليس مجرد لحظات طفيفة ، صدرها يعلو ويهبط من فرط خوفها على شقيقتها ، فـ هي لن تتحمل أن تصاب بأذى ، سستحول دون أذيتها ولو كلفها ذلك حياتها ..

بينما "ظافر" لم ينبث ببنت شفة ، فقط يراقب تعابير وجهها القلقة ، حتى ذلك القلق الذي غلف صفحات وجهها لم ينقص من جمالها أو جاذبيتها مقدار ذرة ، بل باتت و كأنها لوحة فنية متوجسة رُسمت بقلم رسامٍ محترف ..

وصل المقعد و أخيراً لتركض "ملاذ" خارجه منه وقفت أمام الغرفة المطلوبة لتفتح بابها على حين غُرة ، رقت تعابير وجهها عندما رأت غاليتها تجلس على الفراش نصف جلسة أمامها تجلس "فتحية" ممسكة بصحنٍ من الحساء الساخن ، كانت تطعمها برفق .. أنزوت شفتيهاا بأبتسامة حانية ، دلفت الغرفة بخطواتٍ مترددة و هي تُمضي نحو فراشها ، نظرت لها "براءة" بغضب صارخة بها :
- أنتِ جيتي هنا ليه ؟!!!!

أسبلت "ملاذ" بعيناها قائلة بنبرة هامسة لصوتها المبحوح من كثرة الصراخ :
- جيت أتطمن عليكي ..

- أطلعي برا !!!
رمت بكلمتها التي كانت كاللكمة لقلب "ملاذ" الدامي ، لم تعيرها "ملاذ" أهتمام أو هذا ما اظهرته ، رسمت الجمود على وجهها ببراعة لتشير إلى "فتحية" بالأبتعاد ، انصاعت لها "فتحية" لتضع الصحن الذي بيدها على الطاولة الصغيرة القابعة بحجر "براءة" جلست "ملاذ" على طرف الفراش لتأخذ هي الصحن ممسكة به ، همت بإطعامها لترمي "براءة" الصحن بقوة على الأرضية ، تناثر بعض من الحساء الساخن على كفي "ملاذ" ، و لسخونته الشديدة أغمضت "ملاذ" عيناها تفرك يدها التي شبه أحترقت و لم تتغير تعابير وجهها قط ، أشتعلت حدقتي ذلك الذي يقف يراقبهما ، كان يحاول التماسك محاولاً ألا يتدخل بشؤنهما ولكن عند فعلة شقيقتها تلك لم يستطيع التحكم بأعصابه ليذهب نحوهما ، أمسك بكف "ملاذ" غير منتبهاً لذلك الحرق ، تمتم بنبرة حادة كالنصل :
- قومي يا ملاذ نمشي ..

نظرت له "براءة" بنظرة مشدوهة ، أرتسمت علامات الأعجاب داخل عيناها من ذلك طويل القامة و صدره العريض و غابات الزيتون بعيناه ، أخفت نظرات الإعجاب سريعاً لتنتهز الفرصة لتنهرها شقيقتها أمامه لتشعر بالخجل أمامه غير عابئة بمشاعرها :
- خودها و امشي يلا ، مش عايزة أشوف وشك يا ملاذ في بيتي مش ناقصة قـرف يا هانم !!!!!

لم تتغير تعبيرات وجهها الهادئة ، و لكن داخلها براكين مشتعله على أهُبة الأستعداد لتحرق الأخضر واليابس ، أشتدت كفيه على كفيها مغمضاً عيناه و هو شعر بروحه تحترق ، لم يستطع السير هكذا دون أن يردها لها ، صاح بها بنبرة نارية كالجحيم :
- لما تعرفي تتكلمي مع أختك الكبيرة يبقي أتكلمي ، أه وبالمناسبة أنتِ فعلاً متستهليش يبقى عندك أخت حنينة زيها ..

جذب "ملاذ" من يدها ليسيرا في ممر المشفى ، كانت مستسلمة تماماً بين يداه ، وقفا أمام المصعد ينتظرا مجيئه ، وبدون وعيٍ منه ضغط على كفها بقوة ، أنفلتت شهقة متألمة من ثغر "ملاذ" ، تفاجأ "ظافر" بها تبعد يداها عنه تفرك كفها بألم ظهر على قسمات وجهها ، نزل بناظريه لكفها ليجد الأحمرار يسود مع ندبة تصل من مقدمة أصابعها حتى رسغها ، قطب حاجبيه بقوة ليجذب كفها متمتماً بصدمة :
- إيدك مالها ؟!!!

سحبت كفها مجدداً من كفه الغليظ و هي تقول محاولة ألا تظهر الألم القابع داخل عيناها :
- سيبني .. ملكش دعوة..

تقلصت ملامحه بغضبٍ أهوج و عينان سودويتان ليجذب ذراعها نحوه لتصتدم بصدره عيناها تقابل عيناه الزيتونية الحادة ، لفحت أنفاسه الساخنه وجهها عندما نهرها بحدة :
- بلاش عناد يا ملاذ ، و أخر مرة تتكلمي معايا بالأسلوب دة !!!

لم ينتظر ردّها ليمسك بكفها بلُطف داخل كفيه الغليظتان ، اشفق على حالها عندما رأى تلك الندبة ، ظن أنها من ذلك الحرق علاوةً على أحمرار كفها الرقيق ، و أكمل هو عندما ضغط عليه بقوة غير مقصودة لتطبع أصابعه على كفها ، تحدث بلطف تلك المرة و هو يأخذ كفها داخل كفه الخشن :
- تعالي هجيب دكتور يشوفك ..

لا تعلم لِمَ لم تعاندها تلك المرة ، و لكن نبرته الحانية التي تغلغلت بين ثنايا روحها جعلت فمها مطبوق منصاعة له .. فقط تلك المرة ..!!!

• • • •
بالفعل أطمئن الطبيب على أحوالها ووضع لها ضمادة حتى تمنع الحرق من الملوثات ، لم تُخفى نظرات الإعجاب التي كان ينظر بها الطبيب إلى "ملاذ" عن "ظافر" .. ، لا يعلم لما شعر بأنه يريد الفتك بذلك الطبيب الوسيم ، تغاضى عن فعلته الأن ليقف أمام "ملاذ" واضعاً كلتا يداه بجيب بنطاله و هو يسألها بنبرة فاترة :
- بقيتي كويسة ؟!

أومأت له "ملاذ" و لم ترد .. بينما لم يستطيع "ظافر" محاربة فضوله أكثر و هو يسأل عن تلك الندبة :
- هي الندبة اللي كانت في إيدك دي من الحرق؟!!..

رفعت بصرها له بنظرات غامضة ، نفت برأسها و عيناها لازالت معلّقة على حدقتيه الساحرتان ، همّ بأن يسألها عن سبب وجودها ولكنها قالت بنبرة غامضة :
- عايزة أمشي من هنا ..

ثم خرجت من الغرفة تُسبقه نحو المصعد ، أغمض "ظافر" عيناه يحاول تهدئة نفسه .. يشعر كما لو أنه يصارع حرباً نفسية داخله ، خرج أيضاً من الغرفة و هو يراها تقف أمام المصعد محدقة بالفراغ مكتفة ذراعيها أمام صدرها ، وصل المصعد ليستقلا إياه ، عاد "ظافر" واضعاً كفيه بجيب بنطاله بهيبة لا تليق إلا به ، ألتفتت له "ملاذ" محدقة به ، ظلت تنظر له لبعض اللحظات لتلاحظ ثغره الذي أنزوى بسُخرية :
- خلاص عرفت أني وسيم ..!!!

جحظت عيناها متمتمة بصدمة :
- نعم ؟!!!

التفت لها يمنع ضحكته بصعوبة :
- أصلك مبحلقة فيا من أول م دخلنا الأسانسير !!!

ضيقت عيناها بغيظ ليصل المصعد منقذ إياها من ذلك الموقف المقحمه به ، سبقته بخطوات سريعة ليبتسم "ظافر" مكشراً عن أسنانه اللؤلؤية ..

ذهبت نحو سيارته لتستقل المقعد الذي يجاوره تزم شفتيها بغضب حتى أشتعل وجهها أحمراراً من شدة الغيظ ، أستقل "ظافر" السيارة ينظر لحالها ، أنفلتت منه ضحكة رجولية صاخبة صدحت بأرجاء السيارة ، ليست فقط السيارة ، بل نشرت صداها في جوارح تلك المسكينة الجالسة جواره ، لأول مرة تراه يضحك من قلبه هكذا ، طرق قلبها كالطبول و هي تنظر له بذهول مُحبب ، تابعت تحرك تفاحة أدم خاصته التي تعلو وتهبط لضحكاته ، رنت بأذنها تلك الضحكة تقسم باللذي لا إله إلا هو أنها ستظل محفورة في قلبها مهما حيت !!!

أبعدت خصلة سقطت على وجهها لتضعها خلف أذنها ، لوهله تبعثرت روحها في الأرجاء ، شردت أمامها فكيف ضحكته تكن بذلك الجمال و الرجولية البحتة ، إزدردت ريقها تحاول أبعاد تلك الأفكار عن ذهنها ، ألتفتت له مجدداً لتجد أبتسامة عابثة تتراقص على شفتيه المرسومة بدقة ، تمتمت بهمسٍ سمعه "ظافر" :
- ضحكتك .. عاملة زي الأطفال !!!

رفع أحد حاجبيه بخبث قائلاً بعدم فهم زائف :
- قولتي أيه ؟!

أرتبكت سريعاً لتخىج منها العبرات متلعثمة :
- مقولتش حاجة .. ممكن تمشي بقى عشان عايزة أروح ..

أومأ دون أن يتكلم ، و لكن أبتسامته العابثة لاتزال تزين ثغره !!!

• • • •

أوصلها للعنوان الذي أخبرته به ليقف بسيارتها أسفل ناطحة السحاب التي لا يقطن بها سوى أصحاب الطبقة المخملية .. ألتفتت له "ملاذ" تنظر له قائلة بلطفٍ زائف :
- ميرسي على اللي عملته معايا النهاردة و ع الغدا اللي أتغديتوا عندكم ..

أومأ بأبتسامة بسيطة ليقول هو الأخر بجدية :
- الـ uniform هستلمه أمتى ؟!!

- هبدأ اصمم فيه النهاردة ..

أومأ هو بجدية ، كادت أن تترجل "ملاذ" لتلتفت له و بدون مقدمات أقتربت بشفتاها لوجنته المزينة بلحية زادته وسامةً لتطبع قبلة رقيقة على وجنته ، تصلب جسد"ظافر" غير مصدقاً ما فعلته ، همست بأذنه بنبرة صوتها المميزة :
- بـاي !!!!

ثم تبخرت من أمامه ، و كأنها كانت مجرد سراب ، لم يلاحظ أبتسامتها الخبيثة التي أرتسمت على وجهها عندما أدارت ظهرها له ذاهبة إلى شقتها و خطتها تسير بنجاحٍ باهر ، لم يعي "ظافر" ما حدث و نعومة شفتيها لازال يتذكرها ، أغمض عيناه فـ لو كانت بقت لدقيقة أخرى لكان أقدم على فعل حقاً يروق له ..

أخرج هاتفه من جيب بنطاله يضغط على أزراره بأنفاس تهتاجٍ ، وضع الهاتف على أذنه يقول بنبرة قوية :
- ملاذ خليل الشافعي ، تعرفلي عنها كل حاجة من أول من أتولدت لحد اللحظة دي ..!!!!

• • • •

وصل "ظافر" قنا بقريته إلى قصر الهلالي ، أول من قابل كان شقيقه الذي أخبره بنبرة جادة :
- ظافر عايزك دقيقتين ..

تحدث "ظافر" بإرهاق :
- باسل مش قادرة أتكلم جعان نوم ، أجل أي حاجة لبكرة ..

اوقفه "باسل" ممسكاً بساعده بنبرة لا تحمل النقاش :
- ظافر .. مش هاخد من وقتك دقيقتين ..
قطب "ظافر" حاجبيه لجدية "باسل" الشديدة بالحديث رُغم روحه المرحلة ليعلم أنه حقاً حديث هام ، أومأ له ليذهبا نحو مكتب "ظافر" ، دلفا للمكت ليجلس "ظافر" أمام شقيقه قائلاً :
- خير يا باسل في ايه ؟

تنهد "باسل" قائلاً بنبرة لا تزال جدية :
- عايز أتجوز !!!!
تفاجأ "ظافر" بما قاله "باسل" ، تمتم بنبرة متسائلة بجدية :
- تتجوز ؟ دلوقتي !!!

أومأ "باسل" بإصرارٍ و تحدٍ يلتمع بعيناه و هو يبادر بنبرة جامدة :
- الوقت دة أكتر وقت مناسب ..

أشتعل صدر "ظافر" غضباً لينهض صارخاً به :
- أنت أتجننت يا باسل ؟ أخوك يبقى عامله المصايب دي ومرمي في المستشفى و امك لسة طالعة من نكسة وتقولي عايز أتجوز !!!!

نهض "باسل" قبالته قائلاً بعقلانية :
-ظافر أهدى .. مش لما تعرف الأول هتجوز مين ؟!!

مسح "ظافر" على وجهه بغضب و هو يقول بسُخرية لاذعة :
- وتبقى مين الهانم ؟!

- رهف ..
قالها كمن قال شئ أعتيادياً غير عابئاً بما فجره في وجه أخيه الذي لم يستوعب ما قاله ، أستغرق دقيقتين ليتقبل ما قاله ، و بعد ذلك الصمت الرهيب لم يقل سوى شئ واحد :
- ليه ؟!!!!

- حبيتها !!!
قالها رافعاً كتفيه بإعتيادية ، لم يصدق "ظافر" حرف مما قاله أبداً ليبتسم أبتسامة صفراء ساخرة :
- حبيت اللي أخوك كان هيغتصبها و أنت لسة شايفها من يومين ؟ أعقل يا باسل ، أنا هعتبر نفسي مسمعتش ولا كلمة !!!!

كاد أن يذهب لولا يد أخيه التي أمسكت بذراعه بقوة ، عيناه بها وميض غريب تفاجأ به "ظافر" ليلتفت له بكامل جسده .. فكّر بعقلانيه قليلاً أستغرقت بعض الدقائق ، رفع أنظاره له ليقول بـ بريق مخيف ظهر في حدقتيه هو الأخر :
- و انا موافق !!!!!

• • • •

دلفت لشقتها لتخلع حذائها ذو الكعب العالي ، ألقت بحقيبتها على الأرضية بأهمال تجلس على الأريكة ، عقدت اصابعها معاً تنظر أمامها شاردة ، لا تعلم لما بدأت تلك الاحاسيس تدفق عليها كتدفق الدم بالشرايين ، نظراته الدافئة لم تتغير من صِغره ، منذ ذلك اليوم الذي أنقذها من بين براثن أبيه ، و منذ رؤيتها لعيناه وهي صغيرة لم تتجاوز الخمس سنوات .. شعرت بشعور غريب يخالجها ، و كأنها أستوطنت عيناه !!!

ذهنها يكاد ينفجر من شدة التفكير ، نظرت إلى كفها المحاوط بضمادة خفيفة ، ظهرت شبح أبتسامة على ثغرها و هي تتذكر نظراته الحنونة لها ، و عندما جذبها من كفها موبخاً شقيقتها عما فعلته ، و عند تلك النقطة تيبس جسدها صائحة بقلقٍ عارم :
- براءة !!!!

ركضت نحو حقيبتها لتخرج منها هاتفها ، سرعان ما هاتفت "فتحية" التي ردّت عليها بقلق هي الأخرى :
- ملاذ يابنتي .. انتِ كويسة يا حبة عيني ؟!

همهمت "ملاذ" سريعاً و اضعة كفها المضمد على جبينها :
- كويسة يا دادة كويسة .. براءة كويسة روّحتوا البيت ؟!

أسبلت "فتحية" بعيناها تشعر بالعطف تجاه تلك المسكينة لتجيبها بتنهيدة حارة :
- كويسة يا حبيبتي و احنا روّحنا دلوقتي ، قوليلي يا ملاذ مين الراجل اللي كان معاكي دة ؟

أرتبكت "ملاذ" و زاغت أنظارها قائلة بتلعثم :
- دة .. دة ظافر يا دادة .. بينا business .. قولي لي طيب يا دادة هي براءة كان مالها ..

- ولا حاجة يا بنتي داخت شوية والدكتور قال نقص كالسيوم و اني اهتم بصحتها ..

أومأت "ملاذ" متنهدة بعمقٍ لتودع "فتحية" .. همت بأغلاق الهاتف معها ولكن سمعت "براءة" تقول بنبرة حادة :
- عايزة أيه تاني الست ملاذ مش قولتلها مش عايزة اسمع صوتها و لا ألمحها حتى ولا هي معندها ذرة كرامة .. انا مش عارفة أزاي قابلة على نفسها تيجي تزورني و أنا أصلاً مش طايقة أشوف وشها!!!

ثم أُغلق الهاتف ، للمرة المائة و العشرون تشعر "ملاذ" بنغزة حادة بقلبها ، و كأنه يُطعن بنصلٍ حاد طعنات أماتتها و هي على قيد الحياة ، شعرت بأن شقيقتها توجه لقلبها لكمات أدمته بلا رحمة ، لم تشعر بنفسها إلا و هي تلقي الهاتف في الحائط امامها ليسقط على الأرضية تتبعثر محتوياته ، أنقبض صدرها تشعر بضيق شديد في التنفس .. و كأن الهواء لا يصل لرئتيها ، أهتاج صدرها علواً وهبوطاً لتخرج رذاذ الربو من حقيبتها .. وضعته بفمها مستنشقة إياه ، هبط صدرها مفمضة عيناه لتستند برأسها على مسند الأريكة ، تدفقت الدماء داخل عيناها التي تلونت بالأحمرار القوي ، نظرت لتلك الشقة الباردة التي تقطن بها بمفردها ، لا أحد يزورها ولا أحد يطمئن عليها ، و كل هذا بسبب من ؟ .. نعم بسبب والد "ظافر" ذاك ، عند تلك النقطة أشتعل صدرها و لمعت عيناها بوميض أنتقام مخيف ، بدت و كانها فقدت عقلها عندما لاحت أبتسامة خبيثة على ثغرها ، عادت لتلتقط هاتفها تحاول لملمة شتاته المتفرقة ، أعادته لحالته الطبيعية لتعبث به قليلاً ،وضعت الهاتف على أذنها والأبتسامة الجذابة لا تمحو من على ثغرها الصغير ، جاءها صوت رجولي من الطرف الأخر يقول بترحيب حار :
- مش معقول ملاذ الشافعي بتكلم جريدتنا المتواضعة !! أزيك يا ملاذ هانم ..
رفعت أنفها بشموخ يضاهي شموخ الجبل ، خرج صوتها في كبرياءٍ ملحوظ :
- مش عايزة رغي كتير يا صابر ، عندي للجورنال بتاعكوا خبر بمليون جنيه هيطلعكوا لفوق !!!!

تأهبت حواس المدعو "صابر " ليعتدل بجلسته قائلاً بتركيز شديد :
- سامعك ؟!

- مازن سرحان الهلالي في مستشفى *** دلوقتي نتيجة محاولة أغتصاب بنت و هو سكران .. ولما اخوه ظافر عرف ضربه لحد مـ كان هيموت واتحجز في المستشفى !!!!

• • • •

وبالفعل بعدما فعلوا الصحفيين اللازم و الذهاب إلى المشفى و تأكدوا من أنه بالفعل قابع بالمشفى ، رغم تردد مدير الجريدة عن نشر خبر كهذا لخوفه من شر "ظافر" و أبناء الهلالي باكملهم ، ولكن حثته "ملاذ" على فعل ذلك مخبرة إياه بأنها ستُعطيه "مبلغ محترم" جعلت لعابه يسيل ، كُتب ذلك الخبر -الذي كان كالفرصة الذهبية لهم- بخطٍ عريض في تلك الجريدة ..

قرأت "ملاذ" الخبر على الأنترنت بأبتسامة شامتة أكتسحت شفتيها :
- محاولة "مازن سرحان الهلالي" بن أكبر عائلات الصعيد و شقيق "ظافر سرحان الهلالي" بأغتصاب فتاةٍ ..

ثم قرأت ما يليه عما حدث بالتفاصيل التي أخبرته بها ، لاخت أبتسامة خبيثة لا تنم بخير على شفتيها ، بل صاح عقلها بفرحةٍ بما أودت بمصيبةٍ ستلاحق عائلة "الهلالي" مهما حيت ، ألتمعت عيناها بنصرٍ له مذاقٍ لذيذ بفمها لتجلس على الأريكة خلفها بأريحية واضعه قدمٍ على الأخرى وهي تقول بغلٍ حاقد :
- قربت نهايتك يا ظافر !!!!

• • • •

كاد أن يقتلع خصلاته من فرط غضبه ، لا يصدق من ولماذا ينشر ذلك الخبر وكيف ولا أحد يعلم ما حدث أبداً خارج عائلتهم !!! ، زمجر بعنفٍ شديد ليقلب غرفة مكتبه رأساً على عقب ، طرح بكل شيء على الأرضية بغضبٍ أهوج ، تشنج فكه بغضبٍ بل و أسودت عيناه كظلام الليل .. أقسَم برحمة أبيه أنه لن يرحم من فعل تلك الفعلة المشينة و تجرأ وأساء لسمعة عائلته ، وجد "ظافر" الباب يُفتح على مصراعيه ليجد أخيه "باسل" يكاد يطوي الأرض من غضبه الأعمى ، أقترب "باسل" من شقيقة متفادياً الأشياء المتناثرة على الأرضية و هو يقول بعصبية :
- مين اللي عمل كدا يا ظافر !!!! مين ابن **** اللي عمل كدا !!!

مسح "ظافر" على وجهه بعنفٍ و هو يردد بجنون تلبسه :
- معرفش معرفش !!!!

ثم تابع متمتماً بسرعةٍ و كأنه يسابق الوقت :
- أسمع يا باسل .. أنت لازم تتجوز البنت دي بسرعة بأسرع ما يمكن و تاخدها وتسافر على مصر ..

أومأ "باسل" سريعاً مؤكداً على.كلامه المنطقي :
- فعلاً دة اللي هيحصل عشان نشيل عننا أي شبوهات و نصرّح أن هي مراتي و أن مازن مستحيل يقرب من مرات أخوه ..!!

- صح .. دة اللي هيحصل يلا روح خدها دلوقتي ع أقرب مأذون و أكتب كتابك عليها و سافروا مصر روح ع شقتي اللي في المعادي غير اللي في الزمالك و انا هديك المفتاح ..

ثم ذهب "ظافر" إلى خزانته ليفتحها مخرجاً مفتاحاً فردي ليُعطيه إلى "باسل" الذي أنطلق من أمامه سريعاً ..

أعتلى الحقد ملامح "ظافر" قائلاً بتوعدٍ مُريب :
- هدفع اللي عمل كدة تمن غلطته كبير أوي ..

أخذ مفاتيح سيارته لينطلق خارج القصر بل خارج قنا بأكملها متجهاً إلى القاهرة ..

• • • •

جلسا الفتاتان "رهف" و "ملك" يتسامرون بأشياء عدة يتخلل حديثهم ضحكاتهم المرحة ، ليقتحم "باسل" الغرفة دون أستئذان و هو يقول سريعاً :
رهف ألبسي أي حاجة من عند ملك و هاتي بطاقتك و حصليني على تحت ..
كانت نبرته لا تنم على خير أبداً لتضيق "رهف" ما بين حاجبيها قائلة بغرابة :
- ليه ؟ هنروح فين ؟! ..

أنفجر بوجهها فالوقت يمر على تساؤلاتها الحمقاء :
- أنتِ هترغي ألبسي يلا مش عايز كلام كتير !!!

تفاجأت من صراخه بوجهها لتومأ برأسها بهدوء ، كاد أن يخرج لولا "ملك" التي أوقفته متجه له و هي تشعر بأن أخاها ليس على ما يُرام ، أمسكت بذراعه المفتول قائلة بتساؤل عجيب :
- خير يا باسل شكلك أجده مش مظبوط في حاچة حُصلت ؟

نفى برأسه يحاول أن يرسم أبتسامة زائفة ليطمئنها ، حاوط كفيه الغليظتان وجهها و يُملي عيناه من شقيقته الصغيرة فهو لن يراها لفترة ربما تكون طويلة حتى تهدأ الأوضاع ، خرج صوته في حنو ودفئ لطالما كان يغلف نبرته :
- مافيش حاجة يا حبيبتي .. لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي و قولي لظافر و قولي لأمك متزعلش مني !!

وقع قلب الأثنتان أرضاً تتعالى نظرات الدهشة من حدقتي كِلتاهما ليخرج "باسل" منتظراً "رهف" في سيارته ..

أنتظر خمسة دقائق ليراها تنهض مرتدية إحدى قطع ملابس شقيقته المحتشمة ، أستقلت "رهف" السيارة جواره ملتفة له قائلة بتوجسٍ :
- ممكن أعرف هتودينا فين ؟!!

- رايحين للمأذون ..
قالها بأعتيادية لا يشعر بالقنبلة التي فجرها بوجهها للتو ، نظر لملامحها يراقب تعبيراته المصدومة و شفتيها التي تحرك بهمسٍ خافت متلعثم من حجم صدمتها :
- مأذون !!! ليه !
نظر لها بحنق هادراً بعصبيه :
- هو أيه اللي ليه اكيد مش هنروح عنده نعمل مكرونة بشاميل .. عشان هنتجوز يا رهف !!

- دلوقتي !!
قالت بغباء تلبسها لتتمتم مصححة ما قالته :
- يعني .. ليه بالسرعة دي ؟!

- حصلت مشكلة وهنطلع ع القاهرة هنجيب المأذون هناك وياريت بلاش اسئلة كتير كانت إجابته مختصرة بإنجاز ، أدار مقود السيارة لينطلق ..

• • • •

وفي مكان أخر بالقاهرة و بمشفى عائلة الهلالي تحديداً ..

جلست "فريدة"_ ممرضة "مازن" و التي تتابع حالته_ على الفراش امامه متأملة محياه الهادئة و المستكينة ، جفنيه المسبلتين و أنتظام أنفاسه ، لا تصدق أن ملامحه الهادئة ينبع منها ذلك الشر !! ، بدأت بتفقد حالته لتجد وجهه المكدوم قد بدأ في الشفاء قليلاً ، كادت أن تنهض من أمامه لتجد جفنيه يتحركان ببطئٍ واهن ، أقبلت عليه سريعاً تنحني بوجهها له قأئلة بقلق :
- أنت سامعني ؟ لو سامعني حرك أيدك ..

نزلت بحدقتيها إلى كفه لتجده يتحرك ببطئ ، همت بالركض لتنادي على طبيبها حتى يرى المريض و لكنها وجدت يده تمتمد ليمسك برسغها ضاغطاً عليه بقوة ، تجمعت حبات العرق على جبينه و هو يقول بمهس و هو مازال مغمض العينان :
- أنا مش وحش أوي كدا .. والله مش وحش !!!

خرجت الحروف من شفتيه مرتجفة كأرتجاف كفه الممسك بذراعيها الأن ، هي لا تُخفي أنها تشمئز منه و من أفعاله ، و لكن نبرته تلك جعلت قلبها يرق لحاله ، ربما هو يُخفي ألمٍ كبير داخله ، بلا وعي وجدت كفها الأخر موضوع على كفه الممسك برسغها ، ربتت عليه بأبتسامة ملائكية رُسمت على وجهها و هي تقول بنبرة دافئة :
- أنا عارفة أنك مش وحش ..

نزعت يدها من يده ببطئ لتنادي على الطبيب وقد تغيرت صورته بعيناها تماماً ..

عادت "فريدة" مع الطبيب ليطمئن عليه وبالفعل أخبرها بأن حالته أصبحت تتحسن تدريجياً لاسيما أنه من أبناء عائلة الهلالي ف العناية به تكُن على أكمل وجه ، أخبر الطبيب ممرضته "فريدة" قائلاً بجفاء :
- ممكن يقوم كمان شوية ، أول م يقوم أهتمي بيه كويس و بأكله ..

أومأت له "فريدة" ليخرج الطبيب تاركاً إياه معه ..بمفردهما ، و بالفعل بعد القليل من الوقت فتح "مازن" عيناه السمراوتين ، وجد "فريدة" واثبة و هي تعلّق المحاليل بجانب فراشة ، طالع بشرتها ناصعة البياض و خصلاتها بلونها كالشوكولا الذائبة المنسدلة على وجها بنعومة ، براءة عيناها العسلية و أنفها الرقيق مع شفتيها المكتنزة ، بدى و كأنه يرى لوحة تمزُج بين البراءة و الأنوثة ، للحظة برقت عيناه و تعالت دقات قلبه ، هزّ رأسه بعنف يخالف ذلك الشعور الذي يخالجه عندما يراها ، بل تعالى غضبه من حاله ، وجد نفسه بلا وعي يصرخ بها بنبرة أفزعتها :
- أنتِ واقفة بتعملي أيه عندك و ليه أنا لسة هنا لحد دلوقتي ..

وضعت يدها على قلبها تخفف من فزعها لتطالعه بعنف هادرة به بعصبيه :
- في حد يخُض حد كدا !!! ، و بعدين أنت بتزعق ليه كدا اللي يشوفك دلوقتي مش يشوفك و أنت نايم و مسالم جداً و كان شكلك .. زي الأطفال !!!

أرتفعا حاجبيه و هو ينظر لها بدهشة ، و لكن سرعان ما غضبت ملامحه ليهم بالنهوض معتدلاً بوقفته و لكنه عاد جالساً عندما شعر بالدوار يهاجم رأسه ليحاوط جبينه بوهنٍ ، أمسكت "فريدة" كتفيه سريعاً لتوبخه بنبرة حانية :
- مينفعش تقوم فجأة كدة عشان متدوخش ، أنا هروح أجبلك أكل عشان وشك أصفر أوي ..

ثم ذهبت من أمامه و كأنها تبخرت ، لأول مرة تبقى قريبة منه هكذا ، رأئحتها تغلغلت روحه مدابعه كيانه بأكمله ، أغمض عيناه متمنياً أن تظل رائحتها معبقة بالأجواء حوله ، أنحنى برأسه ممسكاً بها سانداً مرفقية على فخذيه محدثاً نفسه بغضبٍ من نفسه :
- فوق يا مازن .. أنت مستحيل تحبها أنت مش بتحب و معندكش قلب ، أنت عايزها بس عايز تملُكها و دة اللي هيحصل !!!

• • • •

- يعني أيه باسل راح وخد البت اللي أسمها رهف دي ؟ هو ناوي يچنني !!!
صاحت السيدة "رقية" و هي تضع يدها على قلبها تخفف من الألم الذي يخالج صدرها ، حاولت "ملك" تهدئتها حتى لا تنتكس مرة أخرى و هي أيضاً لم تفهم شئ ..
هدأت والدتها قليلاً و هي تقول :
- طب ظافر أخوكي فين راخر (هو كمان) ؟

رفعت الأخيرة منكبيها و هي تقول بأسى :
- معرفش ياما هو كمان كلمني وقالي أنه راح مصر ..

ضربت السيدة "رقية" على رأسها ببكاء :
- يا حزنك يا رقية ولادك الأتنين ضاعوا و الثالت مرمي في المشتشفى (المستشفى) معرفش عنه حاچة .. اهه يا حزنك يا رقية يا حــزنك !!!
- ياما أهدي أبوس يدك متعمليش فنفسك أكده هما چايين بليل أن شاء الله ..
قالت "ملك" مربتة على كتفيها و هي الأخرى أصبح ينتابها القلق مما سيحدث ..

كانت "مريم" تستمع لهم من وراء الباب عيناها مشتعله كالجمر ، بالتأكيد ذهب وراء تلك الملعونة كما أسميتها ، ركضت إلى غرفتها تبحث عن هاتفها بعيناها لتجده قابع على الفراش ، ألتقتطه بنيران مشتعله داخل صدرها لتعبث بأزرارة لتجد أسمه مسجل لديها "حبيبي" ، ضغطت على أزراره بعنف حتى كادت أنه تهشمه ، وضعت الهاتف على أذنها و ملامحها لا تنبؤ بخير أبداً ، سمعت صوته من الطرف الأخر يقول بنبرة عادية :
- في حاجة يا مريم ؟

خرج صوتها غاضب و هي تقول بصوتٍ عالٍ :
- أنت فين يا ظافر ؟!!

تخشب وجهه و هو يقول بنبرة تحذيرية :
- متعليش صوتك وملكيش دعوة أنا فين ، و يلا أقفلي دلوقتي عشان ورايا حاجات مهمه ..!!

ثم فصل الخط بوجهها ، شهقت "مريم" من أفعاله لتقذف الهاتف بالحائط أمامها ليقسط متهشماً ، هتفت بحقدٍ تلألأ بحدقتيها واضعة يدها في خصرها :
- ماشي يا ظافر .. أنا هفرجيك (هوريك) ..

•• •• ••

حدث .. و أصبحت زوجته أمام الجميع ، فركت يداها مبعدة خصلة ثائرة سقطت على وجهها الذي يشتعل أحمراراً ، لأول مرة تكُن خائفة لتلك الدرجة فـ الأمور جرت سريعاً لتصبح الأن تقف في منزل "ظافر" الذي أعطى المفتاح إلى "باسل" ، تراه يودّع أصدقاءه الشاهدون على تلك الزيجة ، خرج الجميع من المنزل تاركين العروسين لتصبح هي و هو بمفردهما ، أقتري منها "باسل" خطوة لتبتعد هي عشر خطوات ، رفع "باسل" كلتا حاجبيه و هو يقول بدهشة :
- أنتِ خايفة مني يا رهف ؟!!!

نكست رأسها للأسفل و لم تنبث ببنت شفة و كأن الحروف تأبى الخروج ، رق قلب "باسل" لها مبادراً حتى يُطمئنها :
- متخافيش يا رهف أنا مستحيل أغصبك على حاجة لأني مستحيل أأذيكي .. أنا عارف أنك زي أي بنت عايزة فستان أبيض وفرح بس صدقيني مكنش فيه وقت ..

قطبت "رهف" حاجبيها لتتخلى عن صمتها و هي تقول بهدوء :
- أنا مكنتش عايزة حاجة من دي .. كفاية أني هبعد عن شر زوج ماما ..
ثم تمتمت بشك ناظرة له بتساؤل :
- بس عايزة أعرف ليه دة حصل بسرعة كدا يا باسل ؟

توترت ملامح "باسل" لوهله ولكنه حافظ على توازنه حتى لا يجعلها تشعر بشئ :
- أنا كنت قلقان الزفت زوج أمك دة يعمل حركة واطية من حركاته عشان كدة سرّعت الموضوع .. و كمان عشان ورث أبوكي ..

أومأت "رهف" بأقتناع فهي تثق بـ "باسل" فيما يقوله ،ردد "باسل" بمزاح حتى يغير مجرى الحديث :
- بقولك أيه بقا أنا جعان أوي بتعرفي تعملي أكل ولا هتسمميني و هتدخليني المستشفى و أنا لسة عريس جديد ؟

قهقهت "رهف" برقة و هي تقول بثقة :
- عيب عليك أنا طباخة قديمة !!!

ضيق عيناه و هو ينظر لها بشك مصطنع :
- أنا قلقان منك يا رهف ..!!!

صدح صوت ضحكاتها الرقيقة ، أبتسم "باسل" ملء فمه و هو يطالع ضحكتها الملائكية ، بل مال برأسه جهة اليمين ينظر لها و قد برقت حدقتيه بإحساس جديد لأول مرة يشعر به ، صمتت "رهف" و هي تنظر له بخجلٍ لينفجر الدماء في وجنتيها الممتلئتان و هي تطالع عيناه السمراوتين الساحرة قائلة بصوتٍ مذبذب :
- أنت بتبصلي كدة ليه بقى ؟..

لم تمحو الأبتسامة من على وجهه ليقول بلا وعي و لأول مرة يصبح شفاف أمام أمرأة بتلك الطريقة :
- ضحكتك .. حلوة اوي .. حتى خدودك وهي شبه الفراولاية كدة !!!

جحظت عيناها العسلية الواسعة لتعُض على شفتيها السفلى بخفة ، ضربت بقدميها بالأرض كالأطفال و هي تقول بخجل شديد :
- يا باسل خلاص بقى الله !!!

قهقه "باسل"بقوة عائداً برأسه للخلف على مظهرها الذي كالطماطم الجاهزة للقضم ، نظرت له بغيظ لتذهب من أمامه إلى الغرفة التي قابلتها ، بينما صاح "باسل" و هو يقول محاولاً السيطرة على ضحكاته الصادحة :
- اسمعي بس في شنطة هدوم عندك غيري لبسك و خودي شاور و تعالي عشان ناكل .. لو أتأخرتي هاكل لوحدي !!!

دلفت "رهف" إلى الغرفة لتجد بالفعل حقيبة مكتظة بالملابس موضوعة على الفراش ، أخرجت بيجامة تتكون من بنطال و كنزة رُسمت عليها أشخاص كرتونية مختلفة و بنصف كُم ، وضعتها على الفراش لتبحث عن الأشياء الأخرى بالحقيبة فـ وجدتها ممتلئة بملابس الخروج و ملابس النوم و العديد من الملابس ذات الذوق الرفيع ، دلفت إلى المرحاض و لم تتذكر منامتها أبداً تاركة إياها موضوعة على الفراش كما هي .. تجولت أنظارها بإنبهار كم هو واسعٌ و به كل شئ تحتاج له .. مضت نحو رذاذ الماء لفتح الصنبور ، بعد دقائق من أنتهاءها بحثت بعيناها عن البيجامة لتضرب كلها برأسها قائلة بغباءٍ :
- نسيت البيجامة على السرير .. طب وبعدين !!!

ألتقطت المنشفة كبيرة الحجم لتحاوط بها جسدها ، وثبت في مكانها قليلاً و هي تفكر بصوتٍ عالي :
- هو ممكن يدخل الأوضة ؟ لاء أكيد لاء يا رهف هو عارف أني بغيّر هدومي .. يارب ميدخلش ..
قالت جملتها الأخيرة برجاء حار ، أمسكت بمقبض الباب لتتوقف قليلاً مفكرة :
- طب م أنا أندهله هو يجبهالي أحسن !!

و بالفعل فتحت الباب نصف فتحة لتصرخ بصوتٍ عالٍ حتى يسمعها :
- بــاســل .. يا بـاســل !!!!!
ركض "باسل" ليفتح باب الغرفة و هو يقول بهلعٍ :
- في أيه يا رهف وقعتي في الحمام ولا أيه !!!!

منعت "رهف" ضحكتها من الخروج لتقول من وراء الباب بخجلٍ :
- أسمع يا باسل في بيجامة على السرير هتهالي لو سمحت ..

ألتمعت مقلتي "باسل" بخبث لم تستطع "رهف" أن تراه ليذهب نحو المرحاض و هو يقف خلف الباب مستطرداً و هو يضع كلتا يداه في جيب بنطاله :
- تدفعي كام يا حلوة ؟!!

- يا باسل انجزز !!!
قالت "رهف" بغضب ليبتسم "باسل" قائلاً :
- طب خلاص خلاص ..

ذهب نحو الفراش ليلتقط البيجامة .. نظر لها بصدمة ليلوح بها بالهواء و هو يقول بدهشة :
- أيه يا رهف دة !!!! دي بيجامة بنت أختك الصغيرة دي ولا أيه !!!

ضربت "رهف" الأرض بقدميها و هي تقول :
- يا باسل" هات بقى أنجز الجو برد و انا لابسة الفوطة و هبرد كدة !!!

أزداد بريق عيناه السمراوتين ليأخذ البيجامة متجهاً نحو المرحاض ، أنزوت شفتيه بأبتسامة ماكرة لمد البيجامة بجانبه و هو ليأمرها أن تأخذها ، مدت "رهف" ذراعها المبتل بحسن نية لتجد يد تسحبها خارج المرحاض ، لم تستطع "رهف" أن تُكتم شهقتها جاحظة العينان و هي ترى مقلتيه يتفرسان بها ، سُحر "باسل" من جمالها ، بدايةً بخصلاتها المنسدلة على كتفيها يقطران بالماء لتزحف قطرات الماء على ذراعيها و عنقها و بشرتها البيضاء ، ترفع رأسها له لقُصر قامتها أمام طوله المهيب ، عيناها العسلية تحدق به في براءة ممتزجة بخجلٍ فجعل من عيناها كلوحة فريدة من نوعها ، رأئحتها المسكرة التي تختلج جوارحه بأكملها ، كيف لها أن تكن بتلك النعومة !!!! ، و بلا وعي منه مدّ أنامله متلمساً وجنتيها الساخنتان كاللهيب من شدة خجلها ، لا يعلم لِمَ يريد أن يقترب و يقبل كل إنش بوجهها ..إحساساً داخلياً يدفعه إلى ذلك ، لم يمنع نفسه من تلك القبلة البريئة -من وجهة نظره-، ليقترب مبهوراً من جاذبيتها التي تعادل جاذبية نيوتن ، أقترب بثغره لوجنتها ليطبع قبلة بثّ بها أحاسيسه المكبوتة ، أغمضت "رهف" عيناها تستشعر شفتيه على وجنتها الناعمة ، و ذقنه الخشنة المنمقة التي ربما تجرح وجنتيها ، كانت كالهش بين يداه ، لا تعلم لمَ لم تمنعه .. و كأن قدميها شُلت !!! ، زحف "باسل" بشفتيه بزاوية شفتيها قُرب شفتيها بالضبط ، أغمض عيناه بلا وعي لِمَ يفعله ، بل توطدت أكثر قبلاته ليصبح مقبلاً كل إنش بوجهها و كأنها طعامه اللذيذ ، و جاء عند شفتيها الكرزية ، رويداً طبع قبلة رقيقة على شفتيها ، قبلة دامت كثير من الوقت .. بينما هي مستسلمة تماماً من رقة قبلاته التي جعلتها تكاد تذوب بين ذراعيه ، جذبها "باسل" من خصرها متعمقاً بقبلته لتصبح أكثر شغفاً ، أصبحت قبلته كالزلزال يعصف بكيانها ، بل و تجرأ اكثر ليمد كفه حتى كاد أن ينزع المنشفة من عليها ، هنا جحظت مقلتيها برعبٍ قوي ، تداهمت الأفكار على ذهنها كالموجات العاصفة ، أمسكت بكفيه تمنعه لتضرب صدره بقوة مبعدة إياه ، تلبستها حالة من الفزع جعلتها تبتعد عدة خطوات للخلف و هي تنفي برأسها بهيستيرية ، و كأن أحدا صفعه على وجهه ليفوق مما كان مقبل عليه ، مسح على وجهه بكفه بعنف ليستعيد رباطة جأشه ، نظر لها "باسل" رافعاً كفيه حتى يطمئنها قائلاً بصوتٍ متحشرج :
- أهدي يا رهف .. متخافيش مش هعملك حاجة ..

نفت برأسها بقوة أكبر ممسكة بالمنشفة مثبتة إياها على جسدها بقوة و هي تصرخ به بصوتٍ مبحوح :
- لاء أنت زيهم ، أنت زي الحيوان جوز ماما و أخوك مش هتفرق عنهم يا باسل ، أبـعـد عني أنا عايزة أروح عند ماما ..

أنهارت عند تلك اللحظة لتسقط على الأرضية تخفي وجهها داخل كفيها ، شهقاتها تقطع نيّاط قلبه .. كانت أشبه بخناجر تمزق قلبه ليسير صوبها .. أنحنى على ركبتيه ليصبح بمستواها ، و بهدوء شديد أبعد كفيها عن وجهها ليطالع عيناها الغارقة بالدموع العالقة بأهدابها ، حاوط وجهها قائلاً بحنو و دفئ ينبعث من نبرة صوته :
- أنا مكنش قصدي يا رهف .. ومش عارف أزاي كنت هعمل كدة ، أنا أسف أنا هروح أنام في الاوضة التانية وصدقيني مش هقربلك أبداً .. بس أنا عايز أقولك حاجة يا رهف ، إياكي تاني مرة تشبهيني بجوز أمك ابن ***** دة تمام ؟..

أسبلت "رهف" بعيناها ليمسك بذقنها رافعاً إياها و هو يقول بحنان :
- ألبسي هدومك و الأكل برا على السفرة أنا طلبته من مطعم جنبنا م هو أكيد مش هسيبك تعملي أكل في يوم زي دة ، كُلي و نامي .. أنا داخل أنام تصبحي على خير !!!!

ثم تبخر من أمامها .. عصفتها البرودة عندما أبعد يداه الدافئتين من على وجهها .. و كأنه الأمان و المسكن لها ..~

•• •• •• ••

تفاجأ مدير الجريدة بـ "ظافر" يقتحم المكتب بعنف ، وثب المدير بصدمة وقد شُلت أطرافه بالكامل ، أقترب منه ظافر بخطوات باردة ، بدت ملامحه كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، وقف أمامه يد وضعت في جيب بنطاله والأخرى ببطئٍ شديد التفت حول عنق الأخير ليدفعه نحو الحائط بعينان سوداوية ، وضع المسكين يده على كف "ظافر" الصلب بطبيعة الحال ، حاول إزاحة كفه و لكنه كان كالجداه لا يتزحزح فقط يوجه له نظرات مشتعله جعلته يرتجف ..!!

- مين اللي طلب منك تنزل الخبر ؟!!!!

جحظ المدير بعيناه ليشعر بأنقطاع أنفاسه ، تلونت شفتيه باللون البنفسجي المائل إلى الأزرق ، خرج صوته في ضعفٍ شديد و نبرة صوته تختفي تدريجياً :
- سيبني يا باشا ..وأنا هحكيلك على كل حاجة بس سيبني أبوس إيدك !!!!

دفعه "ظافر" بقوة ليسعل ذلك الرجل بقوة لينحنى إلى الأمام و هو لا يستطيع إلتقاط أنفاسه ، نظر له "ظافر" بإحتقار ليلتفت إلى المقعد ، جلس واضعاً قدم على الأخرى ليُخرج لُفافة تبغ بنية اللون .. أشعلها بقداحته الذهبية لينفث دخانها متابعاً ذلك المدير بنظرات ثاقبة كالصقر تكاد تخترق عظمه ، جلس المدير بالمقعد المقابل إلى "ظافر" بعد أن هدأ قليلاً و أستعاد أنفاسه المبعثرة ، فرك يداه بتوتر فهو يعلم من هو "ظافر سرحان الهلالي" ويعلم بروده و جموده .. يعلم أيضاً أن لا أحد يستطيع أستفزازه فهو عندما يغضب يتحول إلى جحيم مشتعل بالنيران !!!

أشار "ظافر" بسبابته ليتحدث و هو لازال ينظر له مضيق عيناه بإنصات .. و بالفعل أملى عليه المدير ما أمرت "ملاذ" بأن يتحدث به قائلاً بتوجس متلعثماً :
- آآآ .. اللي قالي انشر الخبر دة .. بنت أسمها رهف ، رهف محمد الجندي يا ظافر باشا !!!
دلفت "فريدة" إلى الغرفة القابع بها "مازن" و على يدها صينية بها تحمل طبق من الحساء الساخن ، وجدته مستنداً على فخذيه برمفقيه محاوطاً رأسه بعينان مغلقتان ، تنحنحت "فريدة" لتلفت أنتباهه و هي تتمتم :
- الأكل ..
-مش عايز ..!!!
قال بأقتضاب و هو لازال على وضعه ، تقدمت منه واضعة الصينية على الكومود بجانب الفراش قائلة ببرودٍ و رسمية :
- الأكل عندك أهو .. هسيبهولك لحد مـ تجوع و آآآ
شهقت "فريدة عندما دفع "مازن" الصينية لتسقط على الأرضية ليتناثر الحساء مزمجراً بقوة واثباً بأندفاع :
- بقولك مـش عـايـز أنتِ مبتفهميش !!!

تراجعت "فريدة" للخلف من غضبه الجحيمي ، جف حلقها و هي تراقب وجهه شديد الإحمرار وعيناه اللتان تحولتان لجمرتين من الجحيم ، صرخت "فريدة" و هي تقول بلا وعي وحدةٍ :
- أنت مش طبيعي .. أنت مريض مستحيل تكون طبيعي !!!!!

تخشبت عيناه عليها ليقترب منها موجههاً لها نظرات مرعبة ، أبتعدت "فريدة" عدة خطوات للخلف حتى وجدت أنها حوصرت بين يداه فـ خلفها ذلك الحائط المنيع و من أمامها صدره العريض ، إزدردت ريقها تراقب وجهه الجامد وعيناه الباردتان ، لم تجد بمقلتيه ذرة من الشفقة .. لم تجد سوى جحودٍ و قسوة جعلتها ترتعد من الداخل مما هي مقبلة عليه ..!!
أفاقت على صوته المخيف و هو يقول بنبرة مشتعلة :
- كنتِ بتقولي أيه يا حلوة ؟!!!

أستعادت رباطة جأشها لتنتصب أمامها قائلة بشجاعةٍ :
- بقول أنك مستحيل تكون طبيعي ..لأن دي مش أفعال ناس سويّة !!!

تلاعبت أصابعه على وجنتيها و هو يقول بوقاحةٍ بالغة :
- خافي على نفسك يا فريدة .. أنا مبرحمش !!!!

أبعدت وجهها بتقزز و هي تنظر له بإشمئزاز قائلة :
- أنا مبخافش ..!!!

رمى بها بنظرة متوعد ليلتوى ثغره بإبتسامة خبيثة و هو يقول متلاعباً بأعصابها التالفة :
- أخبار أخوكي الصغير أيه .. "يزيد" !!!!

جحظت عيناها تلك المرة بصدمة و كأنه أسقط دلواً بارداً فوق رأسها ، تعالت نبضات قلبها فهو علِم نقطة ضعفها الوحيدة لترتجف شفتيها أمام عيناه التي تراقبها كالصقر ، نظفت حلقها بعد أن شعرت بجفافه التام لتقول بنبرة مهتزة :
- أنت تعرف يزيد منين ..!!! ، أسمع ، ورحمة أبويا و أمي لو لمست شعرة من أخويا هندمك باقي حياتك !!!!

تعالت ضحكاته الصاخبة الرجولية مقهقهاً بتسلية ليبتعد عنها .. سرعان ما ظهر وجهه الحقيقي لتتوّحش حدقتيه مكشراً عن أنيابه ، أمسك بخصلاتها البندقية بقوة يكاد أن ينزع جذورها بين يداه ، شهقت "فريدة" بقوة لتضع يدها على كفه الغليظ تحاول أن تبعده و هي تصرخ به بعنف :
- أبعد عني يا حيوان .. ألـحـقـونـي !!!

صرخت بكل ما أوتيت من قوة ليكتم "مازن" صراخها بكفه الأخر ، أشتدت قبضته على خصلاتها محدقاً بحدقتيها الثابتتان ، أراد أن يرى ولو ذرة من الخوف في عيناها ولكن تطايرت آماله و هو لازال يرى عيناها تحطم ذلك العهد الذي أخذ به على نفسه على أن يذُلها ويجعلها كالحشرة يتركون بصمات أحذيتهم عليها، أتخذ وعداً بأن يمزق تلك الفتاة أشلاء مبعثرة حتى لا تعود و تتحدى أسيادها ، أعاد رأسها للوراء و الألم الذي يعصف بخصلاتها التي تكاد تتمزق من جذورها لا يُحتمل ، ظهر عنقها الطويل أمامه لينظر لها برغبةٍ سرعان دفن أنفه بعنقها و رائحة زهور اللافندر المنبعثة منها تجعله كالثمل الضال .. أغمضت "فريدة" عيناها بألمٍ جسدي و نفسي ، تشعر بروحها تتمزق عندما تعصف أنفاسه الغاضبة بشرة نحرها الرقيق ، ظنت أنه سيفعل ما أراد فعله بتلك الفتاة التي نجت من بين براثنه ، ولكنها عادت لفتح عيناها بقوةٍ تكاد تخرج من محلها عندما أستطرد بأنفاسٍ لاهثة :
- هتجوزك يا فريدة ، غصب عنك أو برضاكي هتجوزك ..

شهقت بقوة لتلكم صدره بقوة ليبتعد "مازن" ينظر لها بحدقتان زائغتان لاهثتان، بللت شفتيها الجافة مبتعدة عدة خطوات للخلف و نبرته التي تشع أصراراً عميقاً أخافتها ، هي تعلم إن وضعها برأسه لن يتركها إلا وهي بقايا انسانه محطمة، عند تلك النقطة نفت برأسها بقوة هيستيرية و هي تُردد :
-مستحيل .. مستحيل أتجوزك فـاهـم !!!!

-بـرا ..
قال ببرودٍ مشيراً نحو الباب وكأنه لا يأخذ برأيها بل جوازها منه هو واقع محتوم ستتقبله رغماً عنها

• • •

تجولت "رهف" في منزلها بحرصٍ تتفرسه ، رأت غرفة مغلقة لتتجه نحوها ، طرقت على الباب بخفة لتسمع صوته المحبب إلى قلبها مردفاً :
- أدخلي يا رهف ..

كم تعشق أسمها عندما يخرج من ثغره ، أدارت مقبض الباب لتدلف ، وجدت الغرفة يُطغى عليها اللون الرمادي و ذلك الفراش الوثير الذي يتوسطها ، تنحنحت بإحراج عندما وجدته مستلقي على الفراش و جزعه العلوي عاري واضع ذراعه الملئ بالعضلات على عيناه ، أعتدل "باسل" ليجلس على الفراش ناظراً لها بحدقتيه السمرواتين الناعستان :
- عايزة حاجة يا رهف ؟

نظرت "رهف" أرضاً بوجهٍ متورداً وهو تقول بقنوط :
- ألبس حاجة يا باسل ..
رفع "باسل" كِلتا حاجبيه قائلاً بمزاحٍ :
- بس أنا مش بعرف أنام غير وانا قالع التيشرت وبعدين انا نايم ف أوضتي ..!!

رفعت "رهف" عيناها له لتلتفت نحو الباب قائلة بحزنٍ :
- أسفة أزعجتك ..

نهض "باسل" سريعاً من على الفراش ليلتقط ذراعها مانعاً إياها من الذهاب و هو يقول :
- أستني يا بنتي أنتِ بتقفشي ليه كدا أنا كنت بهزر والله .. خلاص يا ستي هلبس اهو عشان خاطر خدودك الحمرا دي !!!

نظرت "رهف" أرضاً لتبتسم بخجلٍ ، ألتقط "باسل" كنزته ليرتديها سريعاً ثم نظر إلى "رهف" قائلاً بتساؤل :
- قوليلي بقا كنت عايزة حاجة ؟ الأكل برا عندك على السفرة طلعيه وكلي .. وفي التلاجة اللي أنتِ عايزاه و آآآ....

- أنت زعلان مني صح ..؟
بترت "رهف" عبارته قائلة وهي تنظر بالأسفل بحزنٍ أعتلى صفحات وجهها ، قطب "باسل" حاجبيه بدهشة لتعتلي أبتسامة حانية وجهه ليمسك بذقنها رافعاً إياها بلطف قائلاً بحنو :
- أولاً أياكي تنزلي عينك قدام أي حد حتى لو أنا ، ثانياً بقا أنا مقدرش أزعل منك أساساً وانتِ معملتيش حاجة تزعل ..

شخصت أنظارها على عيناه السوداوية البرّاقة ، لم تستطيع وصف مشاعرها نحوه ، كل ما تعلمه أنه حنون كأبيها التي تفتقده بشدة الأن ، أبتسمت بحزن عندما تذكرت أبيها وذلك الرجل المحتل مكانهِ ، أغرورقت عيناها بالدموع عندما تذكرت ما كان يفعله بها ذلك الرجل ومحاولته للتحرُش بها وأنتهاك حُرمة جسدها
قطب "باسل" حاحبيه و هو يرى الدمعة التي فرت من عيناها بل و نبرتها التي تقول أنها على مشارف البكاء :
- باسل أنا شوفت حاجات كتيرة وحشة في حياتي ، فجأة لقيت بابا بيضيع من بين أيديا .. كان مريض وبيحتاج أدوية كتير و أحنا وقتها ظروفنا مكانتش أد كدا بس أنا كنت بحاول أوفرله اللي أقدر عليه كنت بشتغل صبح وبليل و كنت بدرس كمان ، و ماما مكانش بيهمها حاجة وكانت بتكره بابا أوي وكان نفسها يموت النهاردة قبل بكرة عشان تعيش حياتها ، و فعلاً بابا توفى بعد شهر ووصى ماما عليا ، و أول مـ العدة بتاعة ماما خلصت أتجوزت على طول يا باسل كأنها مصدقت ، و ماما حبته جداً لدرجة أنها كتبت كل حاجة بابا سابهالنا ليه و حتى الشقة كتبتها بأسمه .. و كنت دايماً بشوف الراجل دة بيبصلي بنظرات مكنتش مرتحالها لحد مـ فيوم ماما كانت برا و أنا كنت نازلة رايحة الشغل .. و بكل وقاحة دخل أوضتي وكان عايز آآآ ..

أظلمت مقلتيّ "باسل" لترتجف خلايا جسده غضباً شديداً ، نبض فكه كالطبول ليغمض عيناه بتوعد ليقول يحثّها على الكلام :
- كملي ..

إزدردت ريقها لتكمل بقية الحديث بنبرة متألمة :
- و لما روحت أقول لماما مصدقتنيش .. أفتكرت أني بقول كدا بس عشان أخليهم يطلقوا عشان هي عارفة أني مش برتاحله ، بدأ أنه يتمادى لما بقى واثق أن ماما مش هتصدقني و أنا للأسف مكنتش بفتح بوقي ولا بقول لحد حاجة ، لدرجة أنه في يوم خلاص كان هينفذ اللي في دماغة وقتها أنا هربت من البيت وقابلت أخوك و للأسف هو كمان كان هيكمل عليا ، أنا مريت بظروف صعبة يا باسل أنا حقيقي تعبانة أوي و حاسة أن روحي بتتسحب مني بالبطئ !!

أنفجرت في بكاءٍ مرير ليجذبها "باسل"إلى صدره يدفن وجهها بجانب قلبه تحديداً ، حاوط خصرها النحيل بقوة و باليد الأخرى ربّت على خصلاتها الحريرية لتحاوط هي الأخرى خصره و بكائها يزداد ، تذكرت عناق والدها الذي مان يشبه عناق "باسل" بالضبط ، فزوجها يمتلك دفئ والدها وحنوه المفرط ، شددت على خصره لتتبلل كنزته أثر دموعها ، مسح على ظهرها مغمضاً عيناه بألمٍ ، صوت بكاءها يتردد بأذنه ممزقاً قلبه تمزيقاً .. جسدها المرتجف بين يداه جعله يود لو أن يقتل كل من تسبب بنزول دمعاتها ، توعد أمام نفسه و أمام خالقه على أن لا يترك من أذاها وجعل تتذوق المرار كؤوساً ، ألتهبت عيناه بقوة لتصتك أسنانه ببعضهما حتى كاد أن يحطمهما ، أنحنى بعيناه لها عندما وجد جسدها يتراخى بأحضانه ، نبرتها الواهنة و عيناها الناعسة التي تشبه الغزلان ترتفع نحو عيناه قائلة بإرهاقٍ :
- أنا تعبانه و عايزة أنام ..
أنحنى بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفةٍ ، تشبثت "رهف" بعنقه بعفوية لتستند برأسها على صدره ، وضعها "باسل" على الفراش بلطفٍ شديد ليجدها قد نامت ، أنحنى نحوها وعيناه تتأمل كل إنشٍ بوجهها ، أمتدت أنامله لتُزيل العبرات العالقة بعيناها و على وجنتيها الناعمة ، مال أكثر مقبلاً جبهتها ليُطيل بالقبلة مغمضاً عيناه ليُشبع نفسه بتلك القبلة البريئة ، أبتعد ينظر لها بشفقةٍ .. ف هي لا زالت لم تُكمل العشرون ولكن عيناها الحزينة تخبرك بأن الهموم أثقلت ظهرُها ..

كاد أن يذهب حتى ينام خارج الغرفة ليجدها مشبثة بكفه الغليظ وهي لازالت مغمضة العينان لا تعي ما تتفوه به :
- بابا متمشيش أرجوك .. متسبنيش لوحدي يا بابا خليك جنبي !!!!

رقت عيناه السمراء ليبتسم بحنوٍ نحوها ، و سرعان ما أستلقى بجانبها واضعاً ذراعه المفتول أسفل رأسها والأخر حاوط خصرها النحيل ، أستند برأسه على خاصتها دافناً وجهه بخصلاتها لتكن نائمة داخل أحضانه الدافئة .. وبين ذراعيه الحنونة ..

• • • •

أمسك ذلك الرجل بالهاتف المحمول واضعاً إياه على أذنه و هو يقول بنشوةٍ تجلت في نبرته :
- أنا عملت اللي قولتيلي عليه يا ملاذ هانم .. بس أهم حاجة تحليلي بؤي يا ست البنات !!!

على الطرف الإخر ، زمت "ملاذ" شفتيها ليتقلص وجهها بإشمئزاز قائلة :
- أي الأسلوب المقرف اللي بتتكلم بيه دة مش انا قولتلك هديلك الفلوس مش عايزة رغي كتير بقا ..
لم تنتظر إجابته لتُنهي المكالمة بنفاذ صبر ، وضعت الهاتف على الأريكة وقد أصابها ضيقٌ كبير ، صدرها مختنق وكأن الهواء لا يصل إلى رئتيها ، أنزوى مابين حاحبيها و هي تقول موبخة نفسُها :
- مالك يا ملاذ مش اللي عايزاه حصل و فضحتي عيلة الهلالي فضيحة مش هتتنسي بسهولة ؟!! أومال أنا مالي مخنوقة ليه وحاسة اني مش كويسة ..
نفت برأسها بقوة مبعدة تلك الأفكار عن ذهنها لتعود قائلة بأنفٍ شامخ :
- لاء يا ملاذ فوقي .. اللي مضايقة عشانه دة أبوه رفض يساعد أختك ودمر أسرة كاملة ، و لسة لحد دلوقتي أختي بتكرهني بسببه .. الرجالة كلهم ملهمش أمان ..!!!

صدح رنين الهاتف مجدداً لتنظر له بقنوط ، ألتقطته
لتضعه على أذنها مستطردة بنبرة فاترة :
- في أيه يا عماد ..

على الجانب الأخر .. زفر "عماد" بحزنٍ مغمضاً عيناه ، أخذ نفساً عميقاً متأهباً لتلك القُنبلة التي ستنفجر بوجهُها ، نظف حلقه لتتسلل العبارات من بين ثغره قائلاً :
- ملاذ آآآ .. أنا عرفت مين اللي سرق التصاميم بتاع ال show اللي كان لـ "سالم العياط" ..

أنتصبت "ملاذ" منتفضة معها حواسُها بالكامل قائلة بإنتباه :
- مين يا عماد !!!!
- لما عرفت البنت اللي خدتهم طلعت من قسم الحسابات .. لما جبتها وحبستها عندنا في المخزن وخليتها تعترف .. عرفت أن براءة أختك هي اللي بعتاها وهي اللي قالتلها تسرق التصاميم عشان تبوظلك شغلك !!!!!

توقف قلبها عن النبض .. أو هذا ما تخيلته ، سارت برودة غريبة في جسدها ، برقت عيناها بدموعٍ تسربت إلى حدقتيها لتشرد في اللاشئ .. ليسقط الهاتف من كفها ليستكين على الأرضية أسفلها تاركاً "عماد" ينادي عليها ، بدت وكأنها بعالمٍ منزوي عن ذلك العالم الشرير ، شعرت بشئٍ يكمن على صدرها مانعاً إياها في التنفس ، و لأول مرة تشعر أنها لا ترغب في التنفس .. بل لا ترغب في الحياة أبداً ، أستندت على الحائط بجانبها بصدرٍ يعلو ويهبط ، رفعت رأسها إلى الأمام تنظر إلى سقف الغرفة واضعة كفها على صدرها لا تستطيع التنفس ، جلست على الأرضية تشهق بقوة تشعر بأنها بين الحياة والموت !!!

تصببت عرقاً من جميع أنحاء جسدها رُغم ملابسها الفضفاضة ، وبصعوبةٍ شديدة أسترقت السمع للباب الذي يُضرب بعُنفٍ شديد ، تحاملت على نفسها لتنهض رُغم جسدها الذي بدأ بالتراخي ، توجهت نحو الباب بصعوبة مستندة عليه لتفتحه و ليتها لم تفعل .. فقد رأت أكثر وجهه تبغضه لتقول بصعوبةٍ ونبرة خافتة :
- سـالـم !!!!

دفعها "سالم" بذراعه القوي لتترنح "ملاذ" للخلف و هي تراه يدلف مغلقاً الباب خلفه و قد أرتسمت على وجهه معالم الخُبث و هو يقول بصوته المخيف :
- أيوا سالم يا ملاذ .. سالم اللي هيطلع عليكي القديم والجديد !!!!

ثم هبط بأنظاره متفرساً جسدها الرشيق و الملابس التي تظهر حدقتيه أمتلئت بالرغبة المُقززة ..!

• • • •

طرح بالمزهرية الموضوعة على الكومود أرضاً لتُبرز عروقه ، أشتدت عيناه أحمراراً ملتهباً ، لم يستطيع إخبار أخيه بما قاله مدير الجريدة ، هو موقن إن أخبره ربما يؤذي "رهف" لما تسببت لهم بفضيحة لن تُمحى بسهولة ، و لكن و للأسف لا مفر من إخباره .. سينتظر إلى الغد و من ثم يُخبره بما فعلته وجهاً إلى وجه ، مسح على وجهه بعصبية مفرطة لينظر لهاتفه الذي يرن ، أمسك به و بنبرة لاهثة قال :
- في حاجة يا صلاح ؟!

أجاب المدعو صلاح و عيناه تراقب ما أمر به "ظافر" كالصقر :
- أنا واقف قدام بيت "ملاذ" هانم زي ما حضرتك أمرتني ، و في واحد طلع البُرج و سأل البواب عن شقتها .. ولما سألت البواب مين دة قالي أنه سالم العياط يا ظافر باشا ..

لا .. ذلك كثير على أن يتحمله .. ماذا يُريد منها ذلك الذي صفعه بمكتبها ، تدفق الأدرينالين بأوردته عندما مرّ على ذهنه ما يُمكن أن يفعله لينتقم منها ، أنطلق كالذئب الجريح ملتقطاً مفاتيح سيارته و هاتفه ليعبُر الدرج سريعاً غير مُنتظر ذلك المصعد ، أستقل سيارته و لأول مرة من مجيئه لخبر أنتقال أبيه إلى المشفى يسوق بذلك التهور ، كاد أن يفتعل حوادث كفيلة أن تؤدي بحياته ولكن رغبته في الذهاب إليها والأطمئنان عليها من ذلك الـ "سالم" كانت أقوى بكثير ، وصل و أخيراً عبر ذلك الموقع الذي أرسله له "صلاح" حارسه و المكلّف بمراقبة "ملاذ" و جمع أدق المعلومات عنها ، ترجل من السيارة غير عابئاً بـ بابُها الذي تُرك مفتوحاً للعنان ، وجد "صلاح" بإنتظاره مخبره بالطابق التي تسكن به ليصعدا الأثنان لها

وقفا خلف الباب ليسترق "ظافر" السمع .. وجد "سالم" يصرخ بصوته الجهوري ونبرته الحاقدة :
- مش هسيبك يا ملاذ .. مش سالم العياط اللي يضحك عليه فــوقـي أنا مش عيل برياله سامعه !!!!

لم يجد "ظافر" رد من "ملاذ" .. أنقبض قلبه بألم من أحتمالية أن يكن فعل لها شئ يتمنى ان لا يحدث ، تراجع للخلف خطواتٍ قليله ليركض تلك المسافة مرتطماً بالباب بقوة ليسقط الباب محطماً ، غلت الدماء بدمه عندما وجد "ملاذ" مستلقية على الأرضية بسكونٍ تام مغمضة عيناها بينما "سالم" يشرف عليها صافعاً إياها بكل ما أوتي من قوة ، ركض "ظافر" نحوه ليبعده عنها ، سدد له لكمات ليتكوم "سالم" على الأرضية صارخاً بألمٍ بصوته الجهوري ليركله "ظافر" في معدته و "تحت الحزام" جاعلاً "سالم" يتلوى على الأرضية يجأر بقوة و هو يقول مقبلاً حذاء "ظافر" بدنائةٍ وبخس :
- أرحمني يا ظافر باشا أرجوك سيبني !!!

أنحنى له بجزعه ليقبض على فكه بقوة كادت أن تُسحق أسنانه ، تشنج وجه "ظافر" بوضوح وعيناه الملتهبة تُصدر شرارات جحيمية نحو "سالم" قائلاً بزمجرةٍ كالأسد :
- اللي يتجرأ ويتطاول على أسياده وعلى حاجة تخص ظافر الهلالي لسة متخلقش يا روح أمك .. و أنا هخليك تبوس رجلها هي وتتوسلها عشان تسامحك يا *****

أنتصب بقوة ليضغط على وجه "سالم" كالحشرة الحقيرة بحذائه البراق ليجعل من كرامته ورجولته خرقة ينظف بها الأرضيات ، ألتفت إلى "صلاح" ذو الجسد الضخم قائلاً بنبرة جحيمية :
- أربطه يا صلاح و وديه المخزن وخلي الرجالة يعملوا أحلى شغل معاه !!!

أوماً "صلاح" دون أن ينطق ، تركه "ظافر" ليتوجه نحو تلك المسجية أرضاً .. آلمه قلبه لرؤية خصلاتها المشعثة و وجهها الأحمر المكدوم وكنزتها التي تمزق جزء منها ، جلب "ظافر" إحدى الشراشف الموضوعة على الطاولة ليحاوط جسدها به ثم وضع ذراعٍ عند ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها ، تراخى جسدها بين ذراعيه ليقترب بوجهه من وجهها ليجد أنفاسها بطيئة وكأنها تُصارع الموت ..

تجمعت الجيران أثر صوت الصراخ ليشهقوا جميعهم مشفقين على حال تلك الفتاة ، يتمنوا أن تكثُر أمثال "ظافر" بذلك المجتمع ، أنزوت إحدى الجارات لتمسك بهاتفها واضعة إياه على أذنها و هي تقول بفزعٍ :
- ألحقي يا ست فتحية في مصيبة!!!!
نزل بها الدرج بسرعة شديدة ليستقل السيارة واضعاً إياها في المقعد بجانبها ، ألتفت سريعاً ليحتل مقعده هو الأخر ، أدار السيارة ذاهباً إلى مشفى "الهلالي" و هو يقبض على كفها الصغير متمتماً بصدرٍ مهتاج :
- مافيش حاجة هتحصلك .. متخافيش !!!

وصل سريعاً إلى المشفى فرع القاهرة ليترجل من السيارة حاملاً "ملاذ" ليصرخ بالأطباء و الممرضين الذين ألتفتوا له بفزعٍ :
- هاتوا تروللي بسرعة يا شوية بـهـايـم !!!!

و بالفعل أحضروا فراش نقل المرضى و عندما حاول طبيب ما أن يمسك هو "بملاذ" عنه صرخ به "ظافر" بنبرة أخرسته أمراً إياه بأن يبتعد إلى الخلف .. وضعها "ظافر" ليتجهوا نحو غرفة العناية المركزة ، أنتظر "ظافر" بالخارج جالساً على المقعد و قدميه تهتز بتوترٍ ، عيناه تجول هنا وهناك ذلك الذي لا يؤثر به شئ .. لا يعلم لمَ تعلق بها في الفترة الأخيرة و لذلك أمر بأن يجلب جميع المعلومات عنها ، و علِم وقتها أن تلك الفتاة الناضجة هي نفسُها تلك الطفلة العنيدة الذي أنقذها من براثن أبيه في ذلك الوقت رُغم صِغر سنه بذلك الوقت .. و عند تلك النقطة إزداد تعلقه بها فهو كان يشك من البداية أنها تلك نفسها .. فعيناها السمراء الواسعة تلك من الصعب نسيانها فمقلتيها التي تجنع بين الحدة والبراءة حُفرت في ذاكرته و أؤرخت بين ثنايا قلبه وروحه ، لن يجعبها تبتعد بعدما وجدها أخيراً ..!!

تذكر عندما سرد له "صلاح" الكثير عنها ..

• عودة إلى الوقت السابق •

- ملاذ خليل الشافعي .. عندها 24 سنة وأختها عندها 22 .. و زي مـ حضرتك عارف يا ظافر باشا أن ملاذ الشافعي عندها شركة كبيرة بأسمها وليها كذا فرع في دول عربية مختلفة ، شخصيتها قوية جداً وصعب حد يتحداها دة غير أنها بتدرب بوكس و ملاكمة .. بتحب الرسم بس مش بتعرف ترسم وبتحب الموسيقى الهادية الكلاسيكية و بتعشق القهوة ، أكتر حد بتحبه في حياتها أختها وللأسف أختها دي نصها السُفلي مشلول وقاعدة على كرسي من وهي صغيرة بسبب الحادثة لما كانت "براءة" أختها موجودة مع مامتها وبابا لما كانت صغير و الحادثة دي أثرت عليها .. ولحسن حظ ملاذ أنها كانت عند جارتهم في الوقت دة ، ملاذ رغم أنها كانت صغير في الوقت دة بس هي حاولت تساعد أختها بس دة قدر ربنا .. و من ساعتها و أختها براءة بتكرهها جداً و لما ملاذ هانم بتروحلها البيت عشان تطمن عليها دايماً أختها بتطردها وبتهينها و مع ذلك رغم أن ملاذ عندها كرامة بس اللي عرفته أنها مستعدة تدوس على أي حاجة و أي حد عشان خاطر أختها وعُمرها مـ جرحتها بالكلام أو حتى قالتلها ليه بتعاملها كدا .. براءة دي قاعدة مع ست طيبة وغلبانه أسمها فتحية .. فتحية بتحب ملاذ و براءة بس صعبان عليها ملاذ عشان المعامله اللي بتعامل بيها براءة و أنها مشيلاها مسؤلية شللها دة رغم أن بالفعل ملاذ عرضت حالة أختها على أشهر ألأطباء جوة مصر وبرا وكلهم بيقولوا أنها يكاد يكون مستحيل ترجع تمشي على رجليها عشان الحادثة كلنت من وهي صغيرة وفات عليها وقت كتير .. و ملاذ قاعدة في شقة كبيرة لوحدها في المعادي .. و من سنة طلع خبر في الجرايد أنها مخطوبة لعماد دراعها اليمين في الشغل بس لما عرفت و أطأست ( دورت كويس ) لقيت أنها قالت كدة عشان عماد دة كان في night club مع واحدة في وضع مُخل و عشان "ملاذ" تغطي على الموضوع و سمعة الشركة متتأثرش بكلام الصحافيين طلعت و بكل جرأة قالت أن هي خطيبته و أن مستحيل طبعاً حد يبقى خاطب "ملاذ خليل الشافعي" و يبص برا !! وفعلاً بداً الموضوع يتنسي تدريجياً .. ومن فترة قريبة أتسرقت تصاميم show بتاعها وبتاع راجل أعمال كبير و لحد دلوقتي مش عارفين لسة مين اللي سرق التصاميم دي .. و دي كانت المعلومات اللي قدرت أجمعها يا ظافر باشا ..!!!

• عودة إلى الوقت الحالي •

أفاق على صوت هاتفه يرن ، أمسك به بوهنٍ ليجيب قائلاو بنبرة متعَبة :
- في حاجة يا أمي ؟!

صرخت السيدة "رقية" على الهاتف و هي تجءر بعنفٍ يدل على خوفها على أبناءها :
- أنتَ فين يا ولدي .. وفين باسل أخوك يابني .. حرام عليكوا ليه بتعملوا أكده فيا أنت مش موچود و اخوك باسل خد البنيّة اللي أسمها رهف ومشيوا و أخوك الصغير مرمي في المشتشفى " المستشفى" محدش عارف عنه حاچة و أنت مانعني اروح حتى أطمن عليه .. أنتوا عايزين تموتوني يابني !!!

وضع "ظافر" يده على رأسه و الصداع يكاد يهلكه .. و لكنه ردّ بنبرة حاول أن يجعلها هادئة رغم النيران و البراكين المنفجرة داخله :
- يا أمي أهدي .. أنا في مصر دلوك "دلوقتي" في حاجة مهمه هخلصها و هاچيلك .. ومتجلجيش "متقلقيش" على مازن أنا متابع أحواله و هو بجى "بقى" بخير و هيطلع من المستشفى قريب .. أنا لازم أقفل يا أمي هخلص وهكلمك ..
قال ليُنهي المكالمة ليطرح بهاتفه أرضاٌ بإنفعال .. و لأول مرة تتذبذب مشاعره بتلك الطريقة .. فإن حدث لها شئ سيجعل ذلك الـ "سالم" يكره اليوم الذي ولِد به ، لا يستطيع محو مشهد ضرب الحقير لها ، شعر بخنجرٍ ينغرز بقلبه مقطعاً إياه أشلاء .. أمسك برأسه بأطراف أصابعه يرمق الغرفة التي هي بداخلها بثباتٍ ظاهري ، و ما يخشاه حقاً أن يحبُها فهو بالآونة الأخيرة أحب وجودها جواره ..
نفى برأسه بسرعة و هو الذي عاهد نفسه ألا يميل .. وجد الطبيب يخرج من غرفة العناية المركزة ليثب "ظافر" مستطرداً بقلق حاول ألا يظهره :
- خـيـر يا دكتور ؟!!!

أبتسم له الطبيب ببشاشة وهو يقول :
- الأنسة كويسة يا ظافر بيه ..هي واضح أنها أتعرضت لصدمة دة اللي خلى يجيلها ضيق في التنفس خاصةً انها عندها مرض الربو أصلاً .. بس للأسف هي حالياً وضعها النفسي مش كويس ، ياريت حضرتك تحاول تخفف عنها شوية دة غير ان هي مش واكلة من الصبح ومناعتها ضعيفة ..

قطب "ظافر" حاجبيه لمرضها الذي لم يلاحظه عليها ، أومأ للطبيب مستطرداً بهدوء :
- هي فاقت ؟ أقدر أدخلها ؟

أومأ الطبيب قائلاً بإبتسامة مهذبة :
- أكيد طبعاً أتفضل ..
ليكمل بإبتسامة مهتزة بقلقٍ :
- بس يا ظافر بيه الأنسة في أثار ضرب على وشها .. أنا كنت هبلغ البوليس بس قولت أقول لحضرتك الأول و آآآ

اخرج "ظافر" لُفافة تبغ بنية اللون من جيبته ، أشعلها بقداحته الذهبية و عيناه تراقب الطبيب الذي إزدرد ريقة موجهاً نحوه سهامٍ من النظرات كفيلة بأن تجعله مرتعبٍ ، أقترب منه بخطوات بطئة مدروسة ، أبتسم "ظافر" أبتسامة خفيفة جعلت ذلك الطبيب ينظر بالأسفل ، ليمد "ظافر" كفيه ليمسح على تلابيب قميص الطبيب المسكين ، نفث عبق سيجارته بوجه الأخير ليسعل بحدة ، و بعينان محذِرتنان ونبرة واثقة قال :
- ومين اللي قالك يا شاطر أن ملاذ عليها أثار ضرب .. أنا بقول تخليك في شغلك أحسن عشان تعرف تعيش ..!!!

أمسك "ظافر" بالسيجلرة ليدفنها في كف ذلك الطبيب الذي شهق بحدة ليهتف "ظافر" بسُخرية :
- معلش يا دوك نسيت أن السجاير غلط في المستشفى ..
دفعه "ظافر" من أمامه تاركاً إياه يفرك يده بحدة ، فتح باب الغرفة بطئٍ حذر ليجدها مستيقظة تجلس نصف جلسة على الفراش بينما خصلاتها منسدلة على كلتا أكتافها ، تألم قلبه عندما لاحظ وجنتها الحمراء أثر صفعة ذلك الحقير لها ، يقترب من الفراش ليجلس على طرفه متمعناً النظر بوجهها الطفولي والأنثوي بالوقت نفسه ، عيناها السمراء الشاردة تنظر إلى الفراغ بتعابيرٍ غامضة لم يستطيع تفسيرها ، مدّ كفه لوجنتها الملتهبه ليتلمسها.. وجدها ساخنة كالنار المشتعلة لتبعد "ملاذ" وجهها عن مرمى كفه الدافئ ليعود "ظافر" ويتلمس وجهها قائلاً بأنفعال :
- أثبتي !!!

اقترب منها "ظافر" أكثر مطالعاً وجنتيها بتركيزٌ شديد ، نظرت "ملاذ" إلى عيناه الرمادية التي أختطلت مع لون أخضر طفيف جعلت منهما مزيجاً رائعاً ، تمعنت النظر بوجهه مستغلة فرصة قربه منها بذلك الشكل .. فهي لن يحق لها كثيراً أن تراه بقربٍ هكذا .. لازالت عيناه جذابة كما هي منذ صغره .. دافئة .. رائعة .. قوية ، تغلغلت رائحة عطره الرجولي الجذاب إلى أنفها لتدغدغ روحها لتغمض عيناها ، وحين تلك النقطة أرتفع "ظافر" بمقلتيه قليلا و يطالع حدقتيها المسبلتان .. وجهها البرئ الذي لم يُلطخ بـ مستحضرات التجميل ليصبع ناعم وجذاب ، أنفها الشامخ وثغرها المكتنز الشاحب قليلاً ، عند تلك النقطة أبتعد عنها فوراً كمن لدغته عقرب .. فهو إن لم يبتعد الأن ربما سيفعل أشياء ليست صحيحة بالوقت الحالي

فتحت "ملاذ" عيناها ببطئ لتعود و تنظر أمامها ، برقت عيناها بوميض حقدٍ خالِصاً لتقول بنبرة متوعدة :
- مش هخليه يفلت بعملته !!! هدفعه التمن غالي أوي و أنا و أنت و الزمن طويل يا سالم !!!

وضع "ظافر" كلتا يداه بجيبه ليقول بصوت متحشرج أثر تأثره بقربه منها بتلك الطريقة :
- أنا اللي مش هسيبه وهخليه يتمنى الموت وميطولوش !!!!

- دة حقي أنا و أنا اللي هاخده بإيدي !!!
قالت "ملاذ" بشراسة ليقاطع ذلك التواصل البصري "فتحية" التي دلفت بعينان أمتُلئت بالدموع ، ركضت نحو "ملاذ" لتتلقاها في أحضانها و هي تقول ببكاءٍ :
- تعالي في حضني يا ضنايا .. مين يا حبيبتي اللي عمل فيكي كده !!!

شددت "ملاذ" على عناقها الدافئ لتستريح برأسها على صدرها الدافئ ، مسدت "فتحية" على خصلاتها كالطفلة الصغيرة و هي تقول بقلبٍ أموي مفطور :
- أنا كنت قلقانه من أنك تقعدي لوحدك يا حبة عيني الناس مبترحمش و أنتِ مينفعش تقعدي كدا من غير راجل !!! و بعدين فين خطيبك الزفت اللي أسمه عماد ؟!!

أبتعدت "ملاذ" عن أحضان تلك السيدة الحنون لتضم كفيها محاوطة إياهم و هي تقول بوهنٍ :
- أنا كويسة يا ماما فتحية متخافيش هو معمليش حاجة .. وعماد ميعرفش حاجة عن اللي حصلت .

قالت جملتها الأخيرة و هي تنظر إلى "ظافر" الذي وثب بشموخٍ ، علمت وقتها أنه جمع معلومات كثيرة عنها فلم تتفاحئ أبداً فهي كانت متوقعة ذلك .. "ظافر" ليس باليسير اللعب معه ..

أبتسمت السيدة "فتحية" لتعود شاهقة بعنف ضاربة يدها على صدرها :
- أيه اللي في وشك دة يابنتي اللي أتهجم عليكي هو اللي ضربك كدا ؟!!!!

أسبلت "ملاذ" عيناها بحزنٍ لتعود وتخفيه وراء قناع القوة و هي تقول بمزاحٍ زائف وداخلها حُطام :
- لو كنت فايقاله كنت ردتله القلم عشرة بس حظه أني أغمى عليا عشان مكنتش قادرة أتنفس ..

ربتت "فتحية" على خصلاتها بشفقة لتلتفت و هي تنظر إلى "ظافر" قائلة بوجهٍ بشوش :
- معلش يابني لامؤخذة أنشغلت في ملاذ .. مش أنت اللي كنت معاها لما براءة أختها كانت في المستشفى ؟!!

أومأ "ظافر" دون أن يتحدث لتبادر هي بحنو :
- أنت اللي أنقذتها مش كدا ، ربنا يحميك لشبابك يا بني ومتشوفش حاجة وحشة أوي .. ما شاء الله عليك طول بعرض بجمال وعيون ملونة و آآآ

-خلاص يا ماما فتحية !!!
قالت "ملاذ" بغيظ ليقهقه "ظافر" و هو يرد بلباقة :
- دة من ذوقك يا حاجة ..
• • • •

- يعني هو قالك أنه هييچي ياما طيب ميتى ؟ "أمتى" ؟!!
قالت "ملك" بقلق لتردف والدتها بقلقٍ أكبر :
- معرفش يا بتي والله أنا خايفة على أخواتك قوي .. طب أتصلي أكده بالمستشفى اللي هنا عايزة أسمع صوت مازن يابتي وحشني قوي ...

أشفقت "ملك" على والدتها لتومأ بالإيجاب ، جلبت هاتفها لتتحدث مع مشفى "الهلالي" .. أوصلت الممرضة الهاتف إلى أخيها الذي أستطرد بنبرة فاترة - خير يا ملك في حاجة ؟!!

صرخت "ملك" بفرحة و هي تقول :
- مازن الحمدلله أنك رديت .. أنت بخير يا اخوي ؟!!

أقتربت منها السيدة "رقية" سريعاً لتلتقط الهاتف من بين يداها و هي تُردف بسعادة شديدة :
- مـازن .. وحشتني يا جلب أمـك !!

تنهد "مازن" بحرارة ليتمتم :
- أنا كويس يا أمي متقلقيش و هخرج من المستشفى بكره أو بعدُه بالكتير ..

أنتفضت والدته بحنان أموي وهي تقول :
- بچد يا ضنايا ؟!! أنا هبجى "هبقى" أقول لباسل أخوك يروح يچيبك يا حبيبي ..

أغمض "مازن عيناه و هو يقول بإصرارٍ قوي :
- أنا مش هاجي لوحدي يا أمي .. عاملكوا مفاجأة هتعجبكوا !!! ، أنا هقفل دلوقتي ..

أغلق الخط ولم ينتظر ردّها ليلقي بالهاتف أمامه بغضب شديد ليمسك بذهنه يضغط عليه .. برزت الشعيرات الدموية داخل مقلتيه جازاً على أسنانه كما لو أنه فقد عقله ..

نهض بعنف ليهادمه ذلك الدوار المفاجئ ، أستند على الكومود ممسكاً بمقدمة رأسه ، عاد لإتزانه ليهرول نحو الباب دالفاً إلى خارجها ، سار بخطوات سريعة إلى مكتب مدير مشفى "الهلالي" ليدفع الباب بعنف و عينان يتطايران منهما الشر ، نهض المدير بخوف و هو يقول :
- في حاجة يا مازن باشا أيه اللي خرجك من أوضتك أنت لسة تعبان و آآ ..
أمسك "مازن" بتلالبيبه صارخاً في وجهه بصرامة :
- هــي فـيـن !!!

- مـ .. مـين يا باشا !!!
قال المدير بتلعثم و هو يطالعه بغرابة ، أفرغ "مازن" شحنة غضبه بذلك المسكين ليكور كفه ملكماً إياه ، طُرح المدير أرضاً ليزحف إلى الوراء متمتماً برجاءٍ حار :
- يا باشا قولي بس مين دي اللي بتسأل عليها و أنا هقولك ..

- فـريدة !!!!!
قال "مازن" و هو ينحنى بجزعه قابضاً على عنقه ، لم يكن طبيعياً بالمرّة عندما نُطق أسمها من بين شفتيه ، عيناه محمرتان وأذنبه تنفس عن النيران الكامنة به ، شاش طبي محاوط رأسه ليزيد من الألم الفتاك الذي يشعر به ، أرتجف جسد المدير ليلهث بوجهٍ محتقن :
- فـ فـريدة .. مين يا .. يا باشا سيبني أبوس إيدك !!! ..

نفضه "مازن" من يده ينظر له بتقزز ، وضع الأخير كفه على نحره يحكه بعنف و هو يسعل بحدة ، لم يكن "مازن" يعي ما يحدث .. عيناه غائمتان بشرٍ مخيف :
- مش هسيبها .. فريدة بتاعتي أنا بس !!!!!

• • • •

- كُلي يا حبيبتي الدكتور بيقول انك مش بتهتمي بصحتك كويس ....!!

أدخلت "فتحيه" المعلقة الممتلئة بالحساء داخل فمها رغماً عنها ، ابتعلت "ملاذ" المعلقة بصعوبة قائلة بمزاح :
- حرام عليكي يا ماما أفرضي كنت شرقت و موت دلوقتي ؟!!!

ضربت "فتحية" كتفها قائلة بتوبيخ حاد :
- بس يا ملاذ بعد الشر عليكي من الموت يحبيبتي ..!!!

وقف مستنداً على جدار الباب عاقداً ذراعيه معاً يراقبها بتفرس ، همست شفتيه بخفوت شديد و قد تبدلت ملامحه سريعاً :
- بعد الشـر عليكي !!!

أمسكت "ملاذ" بكف "فتحية" التي تعيد الكرة لتجعلها تأكل رغماً عنها ، همهمت "ملاذ" بإبتسامة بسيطة و عينان قويتان لاتُهزم :
- روحي أنتِ يا ماما فتحية عشان تاخدي بالك من براءة مينفعش نسيبيها لوحدها كدا !!!

فرغت "فتحية" ثغرها للحظة .. بعد ما فعلته "براءة" بشقيقتها و بعد أن جعلتها تخسر عملاً مهم كهذا ما زالت " ملاذ" تفكر بها وبراحتها ، نكست عينان "فتحية" بحزن .. أشفقت بشدة على "ملاذ" ، فرت دمعة هاربة من بين عينان تلك السيدة البسيطة لتحاوط وجه "ملاذ" ترتب خصلاتها المموجة بإثارة و هي تقول بنبرة شارفت على البكاء :
- ربنا يحميكي يابنتي و يخليكي ليا و ميحرمنيش منك أبداً ، متقلقيش يا ضنايا براءة مع واحدة صحبتي من الجيران و بتاخد بالها منها كويس ، وبعدين مين اللي قالك اني هسيبك بس و انتِ في الحالة دي !!

- لاء يا ماما فتحية .. انا عارفة براءة أختي مش بترتاح مع أي حد وهي بتحبك وبترتاح معاكي أنتِ بس ..

تظن أنك تقاوم ذلك الحزن الذي يدفعك على حافة الانهيار .. لكنك في الواقع تنطفئ مع كل بقعة من الحزن تُكئب حياتك لتصبح كالذين قُبضت أرواحهم .. ولكن أجسادهم لازالت تمشٍ على الأرضية ، تتحدث بهدوء .. عيناه توحي قوة ليست باليسيرة ، و لكن داخلها ؟ خالقها وحده من يعلم كم تألمت روحها ، تمنت لو أن تصرخ باحضن إحدهم ، لو أن تُفرغ ما به من حزنٍ مكبوت .. و لكن "ملاذ" ليست الفتاة التي تبكي على أطلال روحها .. هي ليست ضعيفة لتبكي أمام أحدهم ، و لكن ذلك الوقت سيمضي .. سيمضي كما لو كان كـ عبور شاحنه فوق روحك لكنه سيمضي !!!!

- متقلقيش عليا والله .. ظافر معايا .. آآآ قصدي ظافر باشا موجود مش هبقى لوحدي !!!
تعمدت قول أسمه مزيلة ذلك التكلّف المزعج ، و ما أجمل أسمه من بين شفتيها .. و ما أجمل لَفظ أسمه بلسانها ، أكد "ظافر" على حديثها موجههاً كلماته إلى "فتحية" و هو يقول بنبرة واثقة :
- أيوا يا مدام أنا هبقى معاها متقلقيش وروحي لأختها عشان متسيبهاش لوحدها ، دة غير ان الدكتور قال أنها هتمشي ..

- بس آآآ ..
تمتمت "فتحية" بتردد لتقاطعها "ملاذ" بحدة زائفة :
- مافيش بس يا ماما يلا روحي عند براءة هي محتجالك أكتر مني !!!

- حاضر يا قلب ماما فتحية .. لو عوزتي أي حاجة يا حبيبتي قوليلي ..

أومأت "ملاذ" بإبتسامة طفيفة لم تصل لعيناها ..

أقتربت السيدة "فتحية" لتجذب "ملاذ" إلى أحضانها ، تشبثت بها "ملاذ" بقوة تتمنى أن لو تبتعد عن ذلك العناق الدافىٍ الذي رحب بها ، دفنت وجهها بصدرها تمنع حالها بقوة عن الأنهيار تواً ، أوقات كثيرة لا نريد الأنعزال عن العالم .. بل نريد الإنعزال عن أنفسُنا .. عن كل من حولنا .. عن آلامنا وتمزق روحنا .. عزلتنا عن العالم لن تُجدي نفعاً ، نزعت "ملاذ" نفسها من بين أحضانها لتخرج "فتحية من الغرفة لتخبر "ظافر" بضرورة التحدث معه لتتبدل ملامحها إلى الغموض ، ذهبا إلى كافتريا المشفى ليجلسا مقابل بعضهما البعض ، نظرت له "فتحية" و هي تتمتم بتوترٍ :
- أنا عارفة يابني أنك مش فاضي بس انا مش هاخد من وقتك كتير ، أنا مش طالبة منك غير أنك تاخد بالك من الغالية بنت الغاليين دي ، ملاذ ملهاش حد في في الدنيا يا بني أبوها و أمها ماتوا في حادثة من وهي صغيرة و أتربت على إيد واحدة جيرانهم ربنا يباركلها و انا قريبتها .. للأسف يا بني حتى الأخت اللي طلعت بيها "ملاذ" من الدنيا واللي هي براءة اللي بتكرهها جداً ، براءة بتحقد على أختها الكبيرة دايماً وشايفة أن هي سبب اللي هي فيه ، أمبارح سمعت براءة بتتكلم في الموبايل وكانت بتقول أن البنت الجاسوسة اللي محطوطة في شركة "ملاذ" واللي سرقت تصاميم عرض ملاذ و اللي عماد حابسها عنده في المخزن قالت كل حاجة و أعترفت عليها ، لما سمعتها حسيت أن أد أيه ملاذ وحيدة في الدنيا ملهاش ضهر تتسند عليه .. بس أنا عارفة ملاذ كويس مستحيل تبين زعلها قدام حد حتى لو أغلى شخص في حياتها ، أنا كبيرة يا بني وعندي خبرة في الدنيا ونظرات عينك فاضحاك .. وبسهولة أقدر أعرف أنك حبيتها ، خد بالك منها يابني وحياة أغلى حاجة عندك .. ملاذ ملهاش حد يا ظافر باشا خُد بالك منها
• • • •

سار "ظافر" بخطوات سريعة صارمة تكاد تطوى الأرض من أسفله ، إصرارٍ كبير يقفز من عيناه معاهداً أن التراجع ليس من شيمه ، فتح الباب سريعاً ليجدبها لازالت تجلس كما هي تحدق في اللاشئ بعينان شاردتان ، وبدون مقدمات أقترب من الفراش ليقف أمامها واضعاً كِلتا كفيه بجيبه ليسطرد بنبرة جهورية :
- تتجوزيني ؟ !!!!
تعلقت عيناها بعيناه ليجريا حديثاً دون أن يتحدثا ، لا تعلم لما داهمها شعور بالندمٍ ، ندم على ما فعلته .. ندم على أنها جعلته يتحمل ما لا ذنب به ، ما فعلته التي من المفترض شقيقتها كان بمثابة خنجر أستقر بين أضلُعها ، هي تكرهها بل وتحاول تخريب حياتها متحججه بأنها السبب بما حدث من شللٍ لقدميها ، ندمٍ تلبسها عما سيحدث بها بعدما يكتشف أنها لم تكن سوى نصابة لعينة دلفت لحياته وحياة غيره كثير لتدمرها لهم ، هي ليست بذلك السوء .. ولكن أحياناً ما تجبرك الحياة على أفعال ليست من شيمك ، و هي تلك الطفلة التي أُجبرت قسراً على تحمل ما لا طاقة لها به ، تلاقت عيناه الزيتونيه بعيناها البندقية ، تلك العينان الدافئتان التي لطالما لم تفارق ذهنها منذ الخامسة من عمرها ، و لأول مرة يتسرب لها إحساسٍ بذلك الخوف الذي جعل جسدها يرتجف من الداخل ، لم يكُن خوفاً منه ، بل خوفاً عليه عندما يعلم بما خطت له و هو الذي أنقذها من بين براثن "سالم" ، خائفة من الخزى الذي سيشعر به و عيناه التي تطلق حباً جماً موجهاً لها يُخفيها بـ ظلام عيناه وذلك الجنود القاطن بهما ، ثُبِتت عيناها على عيناه تتمتم بنبرة باردة عكس ما يجيش بصدرها :
- ليه و أنت متجوز أصلاً ؟!!!

جلب ذلك الكرسي ليجلس أمام فراشها ثم وضع قدماً على الأخرى و هو يقول بنبرة صادقة واثقة :
- بصي يا ملاذ .. أنا مش بحب اللف والدوران ، بصراحة أنتِ عجباني ، سيدة أعمال ليها أسم كبير في السوق ومصممة أزياء شاطرة وموهوبة ، و الأهم من دة كله شخصيتك قوية و الراجل القوي لما بيبقى عايز يتجوز بيختار مراته تبقى قوية زيه لأن الراجل الضعيف هو بس اللي بياخد واحدة ضعيفة عشان يفرض شخصيته عليها و يذلها عشان عنده نقص ومن جواه عارف أنه ضعيف فـ بيعوض النقص فيها ، و كمان أنتِ جمالك جذاب جداً ، وحكاية متجوز دي مريم جدعة بس أنا متجوزها من زمان وكان بالغصب لما كنا أنا وهي صغيرين ، دة غير أن هي مش بتخلف روحنا لدكاترة كتير جوة وبرا مصر كله قال أن أحتمالية أنها تخلف ضعيفة جداً ، وصدقيني العيلة كلها عايزاني أتجوز يعني لما تبقي مراتي هُما هيفرحوا وهيحبوكي جداً .

رُغم حديثه الذي لمس قلبها ، ولكن نبرته باردة تجعلها تشعر بالصقيع يرجُف جسدها ، ولكن عند النظر إلى عيناه تتبخر تلك البرودة للتيقن أن كل هذا ترهات .. و أنه سيتزوج بها لأنه يحبُها منذ صغره ، منذ أن حملها وهي طفلة بين ذراعه غير مبالٍ للعقاب القاسي الذي سيتخذه أبيه بحقه ، رفعت أنظارها له و هي تردف :
- بس أنا قدام الناس والصحافة مخطوبة من عماد .. حتى لو كان كذب و أنا عملت كدا عشان المصيبة اللي كان فيها بس آآآ ...

أحتدت عيناه كالصقر ليعقد يداه معاً آخذاً حيز صغير من الكرسي الجالس عليه منحني بجزعه العلوي للأمام و هو يقول بتحذيرٍ :
- لما تبقي على ذمتي متجبيش أسم راجل تاني على لسانك ، عماد اللي بتقولي عليه دة زي مـ أعلنتوا خطوبتكوا في الجرايد و على التلفزيون هتنهوها من غير شوشرة .

قطبت حاجبيها تنظر له بحدة :
- أنت بتتكلم معايا بصيغة الأمر ليه ؟!

أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليفتحمها مجدداً وقد نهض و هو يستطرد :
- تحبي نكتب الكتاب أمتى وبعدين نبقى نعمل الفرح ؟

ضيقت عيناها تنظر صوبه و هي تهتف بتساؤل :
- هو الفرح هيبقى هنا ولا في الصعيد ؟!!!

ردّ بإيجاز :
- هنكتب الكتاب هنا انا وانتِ والشهود على الضيق و بعدين هنعمل الفرح في الصعيد .. و أنا رأيي نسرع بقا ويبقى الخميس دة اللي هو بعد بكرة نكتب الكتاب واللي بعده الفرح ..

أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول :
- بس كدا بدري أوي !!!

- مافيش حاجة نتأخر عشانها !! ، قولتي أيه ؟

- أديني فرصة أفكر دة جواز مش سلق بيض !!!

أبتسم "ظافر" ملء فمه و هو يقول بثقة و إعجابه بها يزداد كل لحظة :
- مش قولتلك ذكية !!! حاضر يا ملاذ

ثم أكمل و هو يستعد للخروج من الغرفة قائلاً :
- أنا هشوف الدكتور لو حالتك تسمح أنك تخرجي النهاردة .. أنتِ بقيتي كويسة صح ؟ حاسة بحاجة ؟

هزت رأسها بالنفي تُخفي عنه يدها التي تحاوط معدتها أسفل تلك الملاءة البيضاء و قسمات الألم التي أزالتها من على وجهها ببراعة ، اومأ بشكٍ ليخرج من الغرفة ، نهضت "ملاذ" سريعاً وقد تصبب العرق من على جبينها تنحنى بجزعها للأمام و الألم لا يُحتمل لتعُض على شفتيها بقوة كادت أن تُدميها ، أتجهت نحو المرحاض سريعاً لتسمع صوت باب الغرفة يُفتح مجدداً فقد جاء لأخذ هاتفه ، وجد الأخير الغرفة فارغة ليسمع صوت أنين ألم ينبعث من المرحاض جعل قلبه ينخلع من مكانه ، أتجه للمرحاض بخطواتٍ سريعة ليجدها تقف بالحوض تُفرغ ما بمعدتها ، أقترب منها "ظافر" سريعاً ليبعد خصلاتها عن وجهها يُربت على ظهرها ثم قام بغسل وجهها بلطفٍ شديد ، قرّبها منه يحاوط خصرها و عيناها الواهنتان تحدقان به .. أستندت على صدره شبه محتضنة إياه ، أخفى جسدها الصغير بذراعيه اللذان حاوطا خصرها ، هدئها "ظافر" و هو يضع رأسها على كتفه يمسح على خصلاتها لتستقر شفتاه بجانب أذنها يهمس بصوته الدافئ قائلاً بلطفٍ :
- أهدي خلاص مافيش حاجة ، تعالي أرتاحي على السرير و أنا هجيبلك دكتورة غير الدكتور دة ..

بدأ جسدها بالتراخي بين يداه مغمضة عيناها بإرهاق ، ليضع ذراع أسفل ركبتيها والأخر عند ظهرها ، تشبثت به "ملاذ" تحاوط عنقه لتغفى على صدره ، أقترب من الفراش يضعها عليه برفقٍ شديد و كأنها ماسة غالية يخاف أن تُخدش ، مسد على خصلاتها و هو يتمتم بنبرة خافتة حتى لا تسمعه :
- هجيبلك دكتورة عشان مش مستحمل أن راجل يقرب منك !!!!!

• • • •

سُلِط ضوء الشمس المتوهج على عيناها ، أغمضت "رهف" عيناها لتضع يداها على وجها لتمنع ضوء الشمس من التسلل لعيناها ، وجدت يده تحاوط خصرها وظهرها ملتصق بصدره ، ناهيك عن رأسها التي تنام على ذراعه المعضل القاسي ، ألتفتت له و هو لازال يشدد على خصرها مانعاً إياها من مجرد التفكير بالنهوض ، حاولت نزع يده ولكنها كانت كالحديد و هي المغناطيس الذي يجذبها ، أرتفعت بأنظارها تحدق في وجهه الرجولي البحت ، و ذقنه الخفيفة التي زادته وسامة ، تمنت لو أن تكتم نبضات قلبها التي علت من رؤيتها له نائم كالطفل بتلك الطريقة ، أرتفعت بأنظارها أكثر لتتسلل أبتسامة على وجهها لخصلاته المشعثة ، تمنت لو أن تظل باقي حياتها بين ذراعيه تحدق به فقط وهي تجزم أنها لن تمل ، تذكرت ما قالته له البارحة و بكائها بأن يظل جوارها ، كلما تتذكر زوج والدتها ينتفض قلبها من بين أضلعها ، أدمعت عيناها لتكتم شهقاتها حتى لا تُزعجه واضعة كفيها على فمها ، فتح "باسل" عيناه بنعاس عندما شعر بجسدها ينتفض بين يداه ، نهض نصف نهضةٍ مفزوعة عندما رأى الدموع تفيض على وجنتيها بجسدٍ مرتعش ، أسند بكفه على الفراش والأخر أخذ مكانه لوجنتيها يمسح دموعها مردداً بقلق و حالتها جعلت قلبه ينتفض فزعاً :
- مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه ، حاسة بحاجة في حاجة بتوجعك ؟!!
لم تُزيدها رقة كلماته و كلمة "حبيبتي" التي خرجت من بين شفتيه بعفوية سوى البكاء أكثر و بحُرقة أكبر ، لم تكن وحدها تبكي .. قلبه أيضاً قد أدماه البكاء عليها ، أستلقى على الفراش جاذباً إياها في أحضانه لتدفن "رهف" وجهها بصدره متشبثة بكنزته بأقوى ما لديها تردد بهلعٍ مفاجئ :
- أنا خايفة ، خايفة منه أوي !!!!

أشتعلت حدقتيه ليمسح على ظهرها يهدهدها مردداً بعنف :
- خـايفة منه ليه ؟ أروح أخلصلك عليه دلوقتي وأخليه جثة عشان متعيطيش بسببه كدة !!!!

أنتفض جسدها لتتشبث به أكتر متمتمه وهي تنفي برأسها بقوة مرددة :
- متوديش ن .. نفسك في داهية عشانه ..!!!

أبعد وجهها عنه ليمسح على وجنتيها بأنامله الخشنة قائلاً بهمس أمام شفتيها :
- أنا مستعد أرمي نفسي في النار عشانك ، مش عايز أشوفك بتعيطي كدة مرة تانيه عشان مروحش أقتله بإيدي دلوقتي ويبقى أنتِ السبب ..

هزت رأسها بقوة ليقترب "باسل" بثغره مقبلاً مقدمة رأسها ، أغمضت "رهف" عيناها لينزل "باسل" بشفتيه مقبلاً عيناها المسبلتان برقة جعلتها تذوب بين يداه ، قبّل وجنتيها وكل أنش بوجهها ، لتستقر عيناه على شفتيها التي ترتعش ، عاد بنظره لعيناها المفتوحتان و هو يهمس بتفهمٍ يحاول كبح مشاعره وكل ذرة بداخله تنتفض مطالبة إياها :
- رهف قوليلي لو أنتِ هتضايقي أنا هبعد و آآآ

نفت برأسها بخجلٍ شديد منكسة ببصرها بوجنتين مشتعلتان ، جحظت عيناه غير مصدقاً ليندفع مطبقاً بشفتيه على ثغرها يقبلها بمزيجٍ بين الشغف والعنف المحبب .. ليغرقوا في بحور عشقهما فتصبح زوجته أمام الله ..

• • • •

قامت بدس المفتاح في باب شقتها المهترئ بإرهاق ، وجدت الشقة كالعادة يسودها الظلام ، رمت بحقيبتها تجلس على المقعد بوهن و هي تتمتم مع حالها :
- هقعد أرتاح شوية وبعدين هجيب يزيد من عند أم بطة ..

جحظت عبناها بقوة حتى كادتا أن يخرجا من محلهما عندما صدح صوتٍ رجولي يرد بتهكم :
- متقلقيش يزيد في الحفظ والصون !!!!

نهضت "فريدة" بهلع لتشعل الأضواء ، خرجت شهقة عالية منها عندما وجدت أخيها نائماً على قدم ذلك متحجر القلب الذي صوّب مسدس ناحية رأسه ، أنسابت دموع "فريدة" و هي تشعر بروحها تُنزف ببطئ مؤلم صارخة به :
- أنـت عملت فـيه أيــه !!! ودخلت هنا أزاي رد عليا

أشار لها "مازن" بأن تصمت واضعاً المسدس أمام فيهِ و هو يهمس بسُخرية :
- شششش أهدي يا فريدة عشان متقلقيش دودي وتصحيه من النوم ..

ركضت "فريدة" نحوه تُبعد ذلك المسدس عن رأس أخيها لتغرسه بقلبها و هي تمسك بيده على المسدس قائلة بعينان حمرواتين و نبرة هالكة :
- أقتلني أنا .. اقتلني و ريحني بس بلاش يزيد !!!!

أبعد "مازن" رأسه أخيها من على قدمه ليسندها على الأريكة ، نهض يقف قبالتها و هو ينظر إلى يداها الناعمه التي تشتد على يداه ، عيناها التي لمعت بهما دموع حزينة جعلت قلبه يرتجف لوهله ، أخفى الشفقة عليها يجمود ليقترب منها ، وجهها قبالة وجهه وعيناه السوداوية تحدق بعيناها الحزينة :
- هتجوزك .. هكسر مناخيرك و هعلمك الأدب هخليكي تدفعي تمن القلم اللي أدتهولي و مش هرحمك ، وهعرفك قيمتك وأنك ولا حاجة يا فريدة ، وياريت متعيشيش في دور الشريفة كتير مش لايق عليكي بصراحة ، أنا اللي بعوزه باخده حتى لو بالعافية ..

صمت قليلاً يطالع عيناها التي جحظت بصدمة لتعتلى عيناه خبثاً كبيراً و هو يجذبها من خصرها نحوه :
- و لا أقولك بلاش جواز ، أنتِ متستاهليش أنك تشيلي أسمي .. أنتِ واحدة رخيصة و أنا هتعامل معاكي على الأساس دة !!!!

وبلحظة كانت ينزع المسدس الفارغ من الطلقات من بين يداها ليُلقيه على الأريكة ، جذبها من مؤخرة عنقها ليهجم على شفتيها بعنف ، لم يكتفي بذلك فقط بل أخذت يداه تستبيح جسدها ما لا حق له به ، كانت لمساته بمثابة النيران التي تحرقها ، أخذت تضربه بصدره لتنساب دموعها على وجنتيها من ذلك الأذى النفسي الذي تتعرض له و لمساته القذرة تكوي جسدها ، أبتعد "مازن" عنها ليمسح الدماء التي تنزف من شفتيها بصدرٍ يعلو ويهبط ، و بأنفاس لاهثة ردد بقسوة :
- تحبي نكمل اللي كنا بنعمله و لا أجيب المأذون و أكتب عليكي دلوقتي حالاً !!!!

- ماشي .. ماشي بس متعملش فيا كدا !!!!
قالت بأنفاس متقطعه ونفس تمنت لو أن ينقطع !!!!!

• • • •

النيران تأكلها و تلهب روحها ، منذ أكثر من ساعتين تهاتفه ولكن دائماً ما تقول تلك البلهاء أن الهاتف مغلق ويرجى إعادة الأتصال في وقتٍ لاحق ، قلبها يخبرها أن شئ سئ قادم في الطريق ، نزلت إلى أسفل لتجد السيدة "رقية" تصلي بخشوعٍ ، كتفت "مريم" ذراعيها تطالعها بحدة ، أنتهت الأخيرة من الصلاة لتصيح بها "مريم" بوقاحة و لم تراعي كبر سنها :
- جاعدة ولا على بالك ولادك التلاتة مختفيين محدش يعرف هما فين !!!

نظرت لها السيدة الوقورة بهدوء قائلة :
- أنا كلمت "ظافر" و أطمنت عليه وجالي أنه بخير و باسل معاه هبياتوا في شقته اللي في المعادي ، و مازن چاي بكرة بإذن الله .. أهدي أنتِ بجى !!!

نظرت لها "مريم" بإستخفاف لتستطرد بحدة :
- وليه سي ظافر مكلمنيش وموبايله مقفول ، ليه يكلمك أنتِ وميكلمنيش هو ناسي أنه متچوز !!!

نهضت السيدة "رقية" لتقترب منها متعمدة إغاظتها :
- و هو أنتِ حسستيه أنه متچوز .. دة حتى العيل اللي نفسنا فيه مش عارفة تچيبيه !!!

و كأنها صبت البنزين على النار لتجأر بها بحدة :
- أتكتمي يا ولية يا خرفانه أنتِ !!!

شهقت الأخيرة تضرب يدها على صدرها قائلة بعدم تصديق :
- أنا خرفانه يا بنت المركوب !!!! طب تعالي بجى !!!
صفعتها "رقيه" بقوة لتقع "مريم" على الأرض ، جاءت "ملك" على صوتهما لتتفاجأ بما رأته ، وقفت بينهما لتفصل والدتها عن "مريم" التي نهضت تنظر لها بحقدٍ قائلة :
- هدفعك تمن القلم دة غالي قوي قوي يا حماتي !!!!
ثم ذهبت نحو غرفتها تداري وجنتها المشتعله ، نادت "رقية" على الخادمة آمرة إياها بأن تصنع أشهى و أطيب الماكولات لعودة فلذة كبدها الصغير غداً ، مُلئ البيت بالزغاريد الفرِحة لعودة"مازن" القريبة

• • • •

و بالفعل جلب "ظافر" طبيبه بدلاً من ذلك الأبله ، فحصتها الطبيب لتلتفت إلى "ظافر" الذي ينصت لحديثها بإنتباه :
- الأنسة كويسة يا ظافر باشا هي بس محتاجة راحة و واضح أن نفسيتها سيئة و بخصوص الخروج فـ هي ممكن تخرج النهاردة حالتها مستقرة بس ياريت الأهتمام بصحتها وبأكلها شوية .. عن إذنك ..

توجه "ظافر" ناحيتها يجلس أمامها على طرف الفراش لينظر إلى وجهها المرهق المهموم ، و الخوف الكبير بعيناها التي تحاول إخفاءه وراء قوتها و هالة الجبروت التي تحيط بها ، مدّ كفه يمسح على خصلاتها المموجة و كأنها طفلته الصغيرة ليسأل بلطفٍ :
- مالك ؟!!!

أغتصبت أبتسامة على وجهها و هي تتمتم بكذب :
- أنا كويسة ..

- كدابة !!!
قالها بحدة طفيفة فـ أكثر شئ يكرهه الكذب ، أستلقت "ملاذ" على الفراش لتضع يداها أسفل وجهها قائلة بإرهاق :
- أنا نعسانه و عايزة أنام ..

ضغطت على شفتيها مذبذبة لا تعلم أتطلب منه ذلك الطلب أم لا .. حسمت قرارها أخيراً و هي تنظر له قائلة بتردد :
- هو أنا ممكن أطلب منك طلب ؟!!

أبتسم "ظافر" مجيباً بترحاب :
- أكيد ..

- ممكن تمسحلي على شعري زي مـ بابا كان بيعمل لما كنت صغيرة ؟!!!

أبتسمت عيناه قبل ثغره ليقترب منها أكثر ، و بالفعل أخذ يمسح على خصلاتها الحريرية بحنو لا يظهر إلا لها ، أغمضت "ملاذ" عيناها لتغرق بالنوم تحت دفء كفه ..!!!

• • • •

جلب "مازن" المأذون وبعضٍ من أصدقاءه ليشهدوا على تلك الزيجة ووالد احد اصدقائه ليكون وكيلها ، نبض قلبها بعنف عندما أمسكت بالقلم بيدٍ مرتعشة ، عيناها زائغة تريد أن تصرخ بأنها تتمنى الموت دون أن تصبح زوجته ، و بالفعل نهضت تحاول إجتناب نظراته النارية التي تحرقها ، ارتجفت شفتيها و هي تتمتم بنبرة مهتزة :
- أنا .. أنا داخله أشرب !!!!

ثم ركضت من أمامهم نحو المطبخ ، أستندت على الثلاجة بأنفاسٍ لاهثة و عينان أرتفعت إلى خالقها تنجوه هو الوحيد الذي سينتشلها مما بها ، كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج بكفيها عندما وجدته أمامها ، قبض "مازن" على رسغيها ليلويهما أسفل ظهرها جاعلاً من جسدها ملتصق بجسده ، تصبب وجهها عرقاً لتلتصق بعض الخصلات القليلة بجبهتها ، و قبضته على رسغيها جعلتها تغمض عيناها من فرط الألم التي تشعر به !!

- لما أكلمك تُبصيلي !!!
هزت رأسها بعنف رافضة تماماً أن تفتح عيناها ليمسك بها من كتفيها ضارباً بظهرها بالثلاجة صارخاً بها بنبرة جعلت معدتها تتقلص خوفاً :
- بـقـولك لمـا أكلمك تُحطي عينك في عيني ..

فتحت عيناها وليتها لم تفعل ، نبض قلبها برعبٍ تحدث بوجهه عن كثب ، عيناه النارية و وجهه المشتنج و فكه الذي ينبض بغضب و جبهته الملتفة بشاش طبي ، لم تعد تشعر بأطرافها و لم تقوى حتى على الوقوف ، لو أنه لم يمسك بها بذلك العنف لكانت سقطت على الأرضية بقدمتان هلاميتان ، أمسك "مازن" بخصرها وباليد الأخرى تمسح دموعها الملتهبة لتزداد وجنتيها إلتهاباً وكأن أنامله نيران تهشم روحها لتتركها رُماداً منثوراً :
- أمسحي دموعك يا حلوة ، وياريت توفريهم بعد مـ اللي برا يمشوا ، مش عايزهم يفتكروا أنك مغصوبة على الجوازة ولا حاجة ..

أكمل ممسكاً بفكها حتى كاد أن يهمشمه :
- أنا خيرتك وقولتلك أخُد اللي عايزه منك بجواز شرعي و لا تبقي زيك زي أي فتاة ليل هاخد اللي عايزه و أرميكي في أقذر صندوق زباله و أنتِ متأكدة أني أقدر أعمل كدا !!! لسة الأختيار قدامك أنا مستعد أمّشي المأذون والناس كلها دي دلوقتي حالاً !!!

نفت برأسها بقوة و هي تقول و قد أنهمرت في البكاء :
- لاء خلاص .. خلاص همضي بس أرجوك أخويا نايم و لو صحي وشافني بالحالة دي هيتعب ..!!
حاوط وجنتيها قائلاً بإستهزاء لاذع :
- متخافيش يا حبيبتي و متعيطيش أنا مش بستحمل أشوف دموع التماسيح دي في عينك !!!!

ثم قهقه بصوت عالٍ ليصفع وجنتيها بخفة :
- يلا يا مراتي عشان المأذون ميستناش أكتر من كدا ..

جذب يدها بقوة جاراً إياها كالشاه ، جلست "فريدة" محلها مجدداً لتلقي نظرة على أخيها الذي لم يُكمل السبع سنوات غارقاً بالنوم على الأريكة ، خطت بالقلم على ورقة إعدامها شنقاً ..
أستقبل "مازن" المباركات بإبتسامة مغتصبة ، خرجوا جميعاً من الشقة ، ظلت "فريدة" محدقة بالفراغ بشفتين منفجرتين ، وقف "مازن" قبالته يجأر بأمرٍ محتوم :
- يلا عشان هنمشي من هنا !!!

نظرت له "فريدة" بصدمة قائلة :
- نمشي نروح فين !!!!

- مش عايز أسألة كتير .. تمشي معايا و أنتِ ساكتة !!!
قال "مازن" بحدة لتنظر "فريدة" إلى "يزيد" قائلة و هي على مشارف البكاء :
- طب و يزيد !!!

أشاح بيداه قائلاً بلا مبالة وقلبٍ متبلد :
- أرميه في أيه نيلة وديه عند جارتك اللي كنتي سايباه هناك !!!

- أنت مستحيل يكون عندك قلب !!!! مستحيل ..!
هتفت "فريدة" بلا تصديق و هي تعود للوراء ، تأفف "مازن" بغضب ليصرخ بها :
- م تنحزي يا ماما لسة هتعمليلي فيها شُغل الصعبانيات دة !!!!

نظرت به بكرهه حقيقي نابع من قلبها ، و قبل أن تخطو خطوة واحدة تمتمت :
- مش همشي قبل مـ تقولي دخلت هنا أزاي و أزاي ام بطة أدتهولك كدا بسهولة !!!

نظر لها "مازن" لتزحف إبتسامة خبيثة على ثغره و هو يقول بنبرة ماكرة :
- مع أن محدش يتشرط عليا عشان ممكن بسهولة أشيلك واحطك في عربيتي .. بس أنا هقولك ياستي ، بإختصار لما مشيت من المستشفى عرفت عنوانك و أنك بتسيبي أخوكي مع جارتكوا عشان بتثقي فيها و كل ده عرفته من مصادري الخاصة ، فتحتلي الست دي قولتلها أني خطيبك و أني عايز أعملك مفاجأة وقولتلها اننا هنكتب الكتاب النهاردة ، و طلبت منها يزيد و هي عشان ست كريمة أدتني كمان النسخة اللي سيبهالها من مفتاح بيتك عشان لو يزيد أحتاج حاجة من هنا ، خدت أخوكي وشربته منوم في العصير وبس ، عارفة أنا بحكيلك ليه ؟ عشان تعرفي أني لما بحُط حاجة في دماغي بعملها و أني حطيتك في دماغي خلاص يا فريدة !!!!

نفت برأسها تعود إلى الوراء أكثر و هي باتت تعلم أنه ليس شخص طبيعي أبداً ، أرتجف جسدها بأكمله وقد شعرت بخطورة ما سيحدث بها ف قررت أن تُسايره حتى لا تغضبه ، حملت أخيها بين أحضانها تقبل كل أنش بوجهه و دموعها بللت وجهه ، مسحت على خصلاته الناعمه لتلتفت إلى مازن الذي ينظر لها كالصقر و هي تقول :
- هروح أوديه عند جارتي ..

- أسـتـني !!!
زمجر بها بحدة ليمسكها من ذراعها مقرباً إياها منه و هو ينزل برأسه ليصبح مقابل لوجهها الطفولي قائلاً بتحذير :
- إياكي تجيبي سيرة لحد على اني اجبرتك ، أنا ممكن في 5 دقايق أخلي سمعتك ف الشارع دة أوسخ من أوسخ جزمة واقولهم ان انتي االي آآآ ..

بترت عبارته وهي تنفض يدها عنه ناظرة له بتقزز قائلة بملامح ممتعضة :
- أنا بكرهك وبكره النفس اللي بتتنفسه !!!!

أرجع رأسه إلى الوراء ليضع أحد كفيه في جيبه والأخرى يعبث بخصلاتها قائلاً بسُخرية :
- صدقيني مش أكتر من كُرهي ليكي ، يلا روحي و أعملي اللي أتفقنا عليه .. ولا تحبي أجي معاكي وأقولهم أنك بقيتي مراتي خلاص ؟!!

أبعدت رأسها عن مرمى يداه وهي تهز رأسها بعنف قائلة برجاء :
- لاء بالله عليك متقولش حاجة دلوقتي ، أقف هنا و أنا هديلها يزيد وهاجي معاك و هعملك اللي أنت عايزة بس بلاش سُمعتي تبوظ أرجوك الناس هنا مش بيرحموا !!!

إلتوى ثغره بخبث كالشيطان و ربما ألعن ، ليسطرد بتهكم :
- ماشي يا ست الشريفة أنا واقف هنا ومراقبك عشان متلعبيش بديلك و كويس أن باب جارتك دة جنبك هنا ...

أومأت ببطئ لتخطي خطوات بطيئة ، هي حتى لم تعد تستطيع حمل نفسها كيف لتحمل أخاها أيضاٌ ، لا تصدق أن حياتها ستتدمر بعد دقائق معدودة ، أتجهت نحو منزل جارتها لتطرق الباب ببطئ ، فتحت لها سيدة بدينة الجسد ذات وجهٍ بشوش لتقول مرحبة :
- يا أهلاً وسهلاً بـ فريدة ويزيد ، دة خطيبك لسة واخده مني من شوية عشان المفاجأة اللي هيعملهالك ..

ثم أكملت و هي تنظر للسقف بحالمية :
- يارب أرزق بطة بنتي بواحد قمر وطول بعرض و حليوة زي خطيبك يابنتي ما شاء الله عليه ربنا يخليكوا لبعض ..

تأفف "مازن" بالداخل لثرثرتها كحال "فريدة" التي بدأت قدميها تخور لتخبر جارتها سريعاً و هي تمد لها يدها بـ "يزيد" قائلة بنبرة واهنه :
- معلش يا أم بطة خلي يزيد عندك النهاردة و بكرة الصبح هاجي أخده منك عشان طلع عندي نبطشية سهر بس هخلصها وأجي أخده ..

ألتقطته الأخيرة قائلة بحب لذلك الصغير و حنو أموي :
- طبعاً يا حبيبتي دة يزيد دة حتة سكرة لما بتيجي تاخديه بزعل أوي والله ، ربنا يقويكي يابنتي على الشغل بس هو عينك حمرا ليه أنتِ معيطة يا حبيبتي ولا حاجة قوليلي دة أنا زي والدتك الله يرحمها ..
تمنت أن ترتمي بأحضانها لتبكي من هنا إلى الغد ف هي بالفعل بمثابة والدتها ، و لكن نظرت بطرف عيناها إلى "مازن" الذي يقف مراقباً إياها ، نظر لها بنظرة جعلتها لا تحاول حتى أن تفكر بما يجول بعقلها الأن ، رسمت إبتسامة زائفة على وجهها لم تصل لعيناها و هي تقول بوهنٍ :
- لاء يا أم بطة متقلقيش أنا بس نعسانه شوية ولما هروح المستشفى هنام ..

أومأت جارتها مودعة إياها و هي لا تستطيع إزاحة نظرها من على أخيها الصغير ، أغلقت "أم بطة" الباب ليتجه "مازن" صوبها بعينان لا تنتوي خيراً ، جرّها وراءه بعنف حتى كادت أن تنزلق من على الدرج و لكنه لم يعبأ ، خرجا من المبنى المتهالك ليفتح لها الباب دافعاً إياها داخل السيارة ، نظرت له "فريدة" بغضب صارخة و عيناها متعلقة به و هو يلتفت ليجلس خلف المقود :
- أنت بتجر بهيمة مـ براحة ..!!!!

أستشاط غضباً ليلتف و هو يصر على أسنانه بحدة رافعاً سبابته بوجهها :
- متصرخيش ومش عايز أسمع نفسك لحد مـ نوصل شقتي !!!

عقد ذراعيها أمام صدرها و هي تسبه بصوتٍ خافت :
- حيوان و وقح !!!!

لم يمسعها "مازن" لبنظر لها قائلاً بتساؤل حاد :
- بتبرطمي بتقولي أيه ؟!!!

نظرت له بتوترٍ لتقول بنبرة مهزوزة :
- مبقولش حاجة ممكن نمشي بقا ؟!

• • • •

فتحت عيناها المغرمة لتلتفت جانبها تنظر له بخجل شديد أكتسى حُمرة وجهها ، كان هو بدوره سانداً رأسه على كفه يحدق بوجهها عن قرب متلاعباً بخصلاتها ، أبتسامة جذابة تشق وجهه معطية إياه مظهر وسيم ، نكست "رهف" أنظارها أرضاً و هي تردف بنبرة مذبذبة :
- أنت بتبُصلي كدا ليه ؟!!

دفن وجهه بعنقها يشتم عبق خصلاتها برائحة اللافندر المنعشة و هو يهمس :
- أنا شكلي كدا حبيتك !!!!

جحظت عيناها ليتسمر جسدها و هي بيعده قائلة بذهول :
- أنت قولت أيـه !!!!

أمسك بكفيها يعانقهما بخاصته ليقبلهما قبلات رقيقة و هو يقول بصدقٍ نابع من صميم قلبه :
- أنا بحبك يا رهف .. يمكن الأول كنت بكرهك بس في حاجة بتجذبني ليكي ، لما بشوفك بتعيطي بحس أني مخنوق و عايز أكسر راس اللي خلى دموعك تنزل حتى لو كنت أنا ، وعد مني مش هخليكي تزعلي أبداً يا حبيبتي ..

أسند جبهته على جبتها مغمضاً عيناه كنا فعلت هي يداعب أنفها بخاصته ، أغرورقت حدقتيها بالدموع لتحاوط وجهه بأناملها تحدق به بسعادة غامرة ، لثم "باسل" شفتيها يبث بها عشقه اللامحدود لها و هي مستكينة تماماً بين ذراعيه ، صدح هاتفه برنين مزعج له .. نهض "باسل" ممسك بهاتفه الموضوع على الكومود ليضعه على أذنه مزمجراً بأخيه "ظافر" بحدة :
- في أيه يا ظافر حد يرن على حد و هو في شهر العسل !!!

- باسل أسمعني ..
لم تكن نبرته مازحة أبداً لينهض "باسل" و هو يخرج من الغرفة قائلاً بإنصات تام :
- في أيه ؟!!!

- لما كلمت مدير الجريدة الو*** اللي نشر الخبر دة قالي أنه اللي وصل الخبر مراتك يا باسل .. رهف !!!!!
يديه مكبلة خلف ظهره ، شفتيه تنزف بدماءٍ جافة يححبها ذلك الشريط الذي أطبق علي ثغره ، وجهه مكدوم يغلب عليه اللون البنفسجي و خصلاته المشعثة ، رأسه عائدة إلى الوراء مغمضاً عيناه بإرهاق ، دلف "ظافر" بخطوات بطيئة يتلاعب بأعصابه ممسك بلُفافة تبغ ينفث داخنها بنظرة ثاقبة ، أطرق بأصبعيه ليلقي ذلك الرجل ذو الطول الضخم بدلوٍ ماء بارد على جسد ذلك الملقي ، شهق "سالم" بحدة وقد تجمدت عيناه بفزع على "ظافر" ، نظر له "ظافر" بقتامة جعلت فرائصه ترتعد ، أرتجف جسده بالكامل و هو يلصق ظهره بالكُرسي و بنبرة راجية مرتجفة قال :
- يا ظافر باشا أرجوك .. صدقني مكنتش أعرف ان ملاذ تخصك !!!! و آآآه !!!!

لكم "ظافر" فكه بقوة جعلته يتآوه ألماً ، سال خيط رفيع على ذقنه ليبصق "سالم" دماً ، نظر له "ظافر" بعيناه الحادة ، شد على خصلات "سالم" للخلف حتى كاد أن يقتلعهما من جذورهما ، حدقتيه تطلق شراراً مصوباً تجاه ليسترسل بفكٍ مشتنج :
- أسمها ملاذ هانم يا زباله ، و إياك تجيب سيرتها على لسانك ال*** دة تاني ..

نزل ببصره ليحل عقدة كفيّ ذلك الأخير ، ضغط عليهما "سالم" يفركهما بألم ، نظر له "ظافر" بقتامة و هو يُردف بنبرة سوداوية :
- فين أيدك اللي أتمدت عليها .!! اليمين ولا الشمال !!!!

أحتضن "سالم" كفيه إلى صدره يقول برجاء باكٍ :
- خلاص يا باشا و حياة أغلى حاجة عندك !! غلطة و مش هتتكر أنا أسف !!!! ، أبوس رجلك !!!

نظر له "ظافر" بتقزز ليمسك بتلابيبه يربت عليهم بهدوء ثلجي :
- مـ أنت لو مقولتليش دلوقتي يا حيلة أمك هكسرلك الأتنين و أستعوض ربنا فيهم بقا !!!!

نظر "سالم" له ، يعلم أنه لا يمزح و لن يتراجع عن كسر يداه بل و تأديبه لما فعل ، أرتجفت يداه اليُمنى و هي تمتد إلى ظافر" ، أمسكها"ظافر" وبلمح البصر كان يلويهما بقوة جعلت "سالم" يُقسم أنه سمع أحتكاك أضلُعه ببعضهما البعض ، صرخ"سالم" بكل ما أوتى من قوة و الألم الذي يشعر به بكفه لا يُحتمل ، حاول إبعاد يده ولكنه كان كالحجر المتصلب بجنون ، عيناه جامدتان على هيئة "سالم" المذرية ، كلما يتذكر أنه كان يعتليها و هي كالجثة الجامدة يصفعها بعنف يريد أن يقتلع قلبه من محله، طفلته الذي لا يطيق بها نسمة الهواء ، يرتجف قلبه عند إصابتها بالأذي ، غُشيّ على عيناه .. أصبح لا يرى شئ و هو يركل "سالم" بقدميه بمعدته ، أفرغ "سالم" ما بجوفه و هو ينوح بترجي أنها غلطة لن تتكرر ، و كيف أن تتكرر من الأساس ! ،تعالَ صراخ "ظافر" و هو لم يكف عن ركله بأبشع الطرق ، دلف "صلاح" متمتماً بتوجس وعيناه مسلطة على جثة "سالم" الهامدة :
- هيموت في إيدك يا باشا !!!!
ركله "ظافر" للمرة الاخيرة جعلت جسده ينتفض على الأرضية الباردة ، مسح "ظافر" على وجهه بعنف بصدرٍ بعلو ويهبط ، يكاد نفسه ينقطع من فرط مجهوده ، و عيناه المشتعلتان التي حكت عما بداخلها ، أشار بسبابته إلى "صلاح" يقول بصوتٍ لاهث منقطع :
- مش عايزه يموت !!! لسة حسابي معاه مخلصش !!!!!

• • • •

أنتفض جسدها بقوة عندما جرّها "مازن" إلى خارج السيارة جاذباً إياها من ساعدها ، نظرت حولها لتجد نفسها بمنطقة نائية شبه صحراوية ، نظرت للمبنى المخيف التي ستدلف له إجباراً ، كادت أن تتعركل بصخرة صغيرة و هي تحاول موازنة خطواتها ، حاولت إبعاد ذراعها عن كفه الغليظ ولكنه كان كالجبل لا يتزحزح ، فاضت عيناها بالدموع التي لهبت وجنتيها ، دلفا للمصعد ليضغط "مازن" على رقم الطابق الذي يقطن به ، حاولت "فريدة" كتم شهقة كادت أن تنفلت منها مطبقة جفونها بقوة عندنا شعرت بنظراته المشتعلة تكاد تحرقها ، أقترب منها "مازن" بخطوات بطيئة يتفرس ملامح وجهها ، وثب أمامها تماماً يحاصرها بذراعيه المفتولتين ، يراقب شفتيها التي غُرست بها أسنانها عندما شعرت بأنفاسه الحارقة تضرب وجهها بقوة ، حركتها جعلت الدماء تفور بأوردته ، ل يقترب أكثر قابضاً على خصرها ملصقها به ، أنتفضت "فريدة" و هي تضع كفيها على صدره تحاول إبعاده ، كانت كمن أشعلت فتيل قلبه عندما وضعت يداها الصغيرة بتلك الطريقة ، أمتدت أنامله ليضع خصلة ثائرة سقطت على وجهها خلف أذنها ، أقترب بدوره من أذنها ليهمس بفحيح كالأفعى جعلت دموعها تنهال على وجنتيها :
- موتك النهاردة يا فريدة .. صدقيني أنتِ بقيتي في جحيم مش هتطلعي منه !!!!!

حبست أنفاسها داخل رئتيها ليقشعر بدنها من قربه لها بذلك الشكل و هي و لأول مرة يقترب منها رجل بتلك الطريقة ، رفعت أنظارها لقامته الطويلة تنظر إلى عيناه القاتمة التي بعثت الخوف في نفسها ، حمدت ربها عندما وصل المصعد للطابق المنشود ، لا .. لا تريد الولوج لتلك الشقة الباردة ، قدميها ثُبتت بالأرض مانعة إياها من الدلوف ، كادت أن تسقط أرضاً عندما دفعها "مازن" للداخل صافعاً باب الشقة بحدة ، أعتدلت بوقفتها ناظرة له بحقد صارخة به بجنون :
- أنت حيوان !!!!

ألتوى ثغره بإبتسامة خبيثة و هو يفك أزرار قميصه متمتماً بمكرٍ خبيث و عينان جائعتان :
- أنا هوريكي الحيوان بيعمل أيه !!!

أرتدت إلى الخلف و هي تراه ينزع قميصه مظهراً صدره الصلب ، لا وقت للتفكير ، ركضت إلى الداخل مسرعاً ليركض "مازن" خلفها و بثوانٍ معدودة كان يجذبها من خصلاتها بقوة حتى كاد أن يقتلعهما ، صرخت "فريدة" بألم تحاول نزع كفه عن خصلاتها ناظرة له برجاء حار و هي تقول ببكاءٍ مزق قلبها :
- عشان خاطر ربنا سيبني !!! متعملش كدا يا مازن بالله عليك ..!!!

لا يعلم لما رق قلبه عندما رأى حالتها ، و لكن لن يهدأ إلا عندما يحقق أنتقامه منها ، هي من تحدته وصفعته بجرأة و وقفت بوجهه ، جذبها من خصلاتها وسط صرخاتها ليدلفا إلى غرفة يُطغى عليها اللون الأسود كسواد قلبه ، صفعها "مازن" بقوة لتسقط "فريدة" على الفراش تبكي بحُرقة و هي تشعر بتشنج فكها ، زحفت إلى الخلف تبعد جسدها عن مرمى يداه التي أمتدت لها ، تضم ساقيها إلى صدرها تُنفي برأسها بقوة و هي تسترسل بأنفاس منقطعة وعبرات لاهثة تترجاه بعينان ممتلئتان بالدموع :
- متعملش فيا كدا أرجوك ، أقتلني أضربني بس متدبحنيش بالطريقة دي يا مازن .. خد حق القلم اللي ضربتهولك عشرة .. أنا موافقة ، بس بلاش تعمل كدا فيا !!!!

لانت ملامحه ليكور كفيه بقوة مانعاً ذلك الشعور من التوغل بداخله ، مغمضاً عيناه حتى لا يرى دموعها التي تجعل قلبه يرتجف داخل أضلاعه ، ألتفت يوليها ظهره ماسحاً على وجهه بعنف ، لا يستطيع .. لا يستطيع أن يقترب منها ، يشعر بوخزٍ حاد في قلبه لصوت بكاءها الذي يتردد في أذنه ، هو كان يريد إذلالها و لكن لمَ يشعر أن تلك لم تكن رغبته بالبداية ، جل ما أراده أن يُكسر أنفها و لكن قلبه يؤلمه على حالها ، ألتفت لها يطالع حدقتيها البندقية المتوجسة و جسدها الذي يرتجف ، وضع قناع القسوة مجدداً ليقترب منها سانداً بذراعيه على ظهر الفراش ليصبح وجهه قبالة وجهها ، ظنت "فريدة" أنه لن يتراجع عما ينويه لتنفجر في بكاء حارق مزق قلبه تمزيقاً ، أخفت وجهها داخل كفيها كالطفلة الخائفة من عقاب مدير مدرستها القاسي ، نظر "مازن" للجانب يلعن قلبه الذي يبكي بدلاً منها و هو للأول مرة يخالجه ذلك الشعور المتضارب كأمواج البحر ، جلس أمامها ليبعد كفيها عن وجهها ، منع نفسه بصعوبة من النظر إلى عيناه الدامعتان ، يكاد يجزم أنه لو نظر لهما سيقع صريع سحرهما ، أدار وجهها للجانب يطالع وجنتها الملتهبة و جانب شفتيها النازفة أثر صفعته العنيفه ، مسح تلك الدماء بإصبعه مانعاً نفسه بكل ما أوتي من قوة حتى لا ينقض على شفتيها ، نظرت له "فريدة" بغرابة عندما نهض مبتعداً عنها متمتماً بنبرة قاسية :
- حسابي معاكي مخلصش !!! انا هسيبك دلوقتي بمزاجي .. دلوقتي بس !!!!

أبتهج وجهها كثيراً وكأنه حَكم عليها بالأفراج ، أستكانت قليلاً عندما خرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه ، وضعت كفها على صدرها تطمئن قلبها بأنه أبتعد و أخيراً ، نهضت عن الفراش بخطواتٍ واهنه بطيئة ، أنتفضت بقوة عندما وجدته يدلف مجدداً ، ألتصقت بالحائط خلفها تتمنى لو أن يبتلعها ذلك الحائط بداخله ، أتجه "مازن" إلى الخزانه ليُخرج ملابس نسائية تُظهر أكثر مما تخفي ، القى به على "فريدة" التي ألتقطهما ، نظرت لهما لتشهق بحدة و هي تقول بفزع :
- اللبس دة مستحيل ألبسه .. أنت .. أنت أكيد بتهزر !!!!

نظر لها بدهشة أخفاها سريعاً أسفل ملامحه الجامدة و هو يُردف بفتور :
- لـيه ؟!!!

أردَفت هي بدهشة مماثلة :
- ليه !!! دة عريان أوي !!! وبعدين أنا متأكدة أن واحدة تانية لبسته قبلي .. انا هقعد بلبسي مش هغيره ..

أقترب منها يجز على أسنانه بحدة ، أنكمشت "فريدة" على نفسها تطالع عيناه المظلمتان التي هبطت لما ترتديه من بنطال من الخامة الجينز تعلوه كنزة بيضاء قصيرة ، و بلمح البصر كان يمزق كنزتها الخفيفة ، جحظت "فريدة" بقوة و هي لم تستوعب بعد ما فعله ، ضمت تلك ملابسها تنظر له بعدم أستيعاب !!!!

- كدة بقى للأسف معندكيش حاجة تلبسيها غير اللي في إيدك .. يا أما تلبسيه يا أما تفضلي من غير هدوم خالص ، و أنا بصراحة عاجبني الخيار التاني !!!!!

نظرت له بإشمئزاز تجلي في معالم وجهها و هي تتمتم بتقزز :
- مشوفتش أو** منك !!!!
- و أنا مشوفتش أرخص مِنك !!!!
قالها بإستفزاز ليخرج من الغرفة بعجرفة ، أنهالت الدموع على وجنتيها بضعفٍ تمنع نفسها من البكاء ، أتجهت نحو الخزانة تحاول إيجاد شئ يكُن أكثر سُتراً من هذا ، و لكنها لم تجد سوى قُمصانه العبِقة برائحته التي تمقتها !!! ، ألتقطت أحد قمصانه باللون الأبيض الزاهي أرتدته سريعاً تغلق أزراره بتعجل ، فردت خصلاتها الحريرية على كتفيها و هي تهمس بتحدٍ :
- ماشي يا مازن يا بن الهلالي !!!

خرجت من الغرفة سريعاً تتفحص تلك الشقة المشؤمة و التي يغلب عليها طابع راقي ، لم تجده بالشقة لتسمع صوت مكابح سيارته تتحرك ، أتجهت نحو النافذة سريعاً تنظر له بكُرهٍ عميق و هي تتمتم :
- روح إللهي مـ ترجع يا أخي !!!

نظرت لقميصه التي ترتديه بقرف و رائحة عطره التي ألتصقت بها تكاد تخنقها !!!

جحظت عيناها بقوة لتذهب نحو باب الشقة و كما توقعت وجدته موصد بالمفتاح ، لعنت على حظها العاثر الذي اوقعها بطريقه ..

• • • •

وصل أمام المشفى بعد أن بدل ملابسه التي تلطخت بدماء"سالم" ، ترجل من السيارة ليدلف إلى المشفى بهيبته المعهودة ، قطب حاجبيه و تصنم مكانه عندما وجد "براءة" شقيقة "ملاذ" تخرج من غرفتها و جوارها "فتحية" علِم "ظافر" سريعاً من الأبتسامة الخبيثة التي أرتسمت على شفتيها ، أنقبض قلبه من أن تكون قد فعلت إلى "ملاذ" شيئاً ، حدقت به "براءة" بوقاحة ممتزجة بإعجاب ، كم هو رجولي المظهر و شخصيته الفريدة من نوعها وعيناه الجذابة أيضاً ، تمنت لو أن تحصل عليه و يبقى ملكها .. هي وحدها ، نظر لها "ظافر" بجمود و كأنه يقرأ أفكار و يعلم بما تنتويه ، نظر لها بفتور قائلاً :
- كُنتِ بتعملي أيه عند ملاذ !!!!

قطبت "براءة" حاجبيها من أهتمامه الزائد بشقيقتها و هي تردد بحدة :
- و أنت مالك بـ "ملاذ" !!! "ملاذ" أختي أنا !!!

تمتم "ظافر" بسُخرية لاذعة ، و هو يضع يده في جيبه :
- أختك ؟!!! طب كويس والله أنك عارفة أن ملاذ أختك مش عدوتك !!!

نظرت له "براءة" و الكره بقلبها يزداد أكثر نحو "ملاذ" ، أكمل "ظافر" و هو يُردف بثقة ليجعلها تبتعد عن تلك الأفكار التي تدور بخلدها :
- و أحب أقولك أني هتكتب كتابي على ملاذ بكرة .. و طبعاً انتِ معزومة !!!

تخشبت ملامحها عكس "فتحية" التي أطلقت الكثير من الزغاريد مما جذب أنظار المتواجدين بالمشفى متهكمين على ما تفعله ، باركت إلى "ظافر" بحرارة و هي تقول :
- يا ألف مبروك يا ظافر بيه و الله أنت وملاذ حبيبتي لايقين على بعض أوي ، بس ملاذ أزاي متقوليش يابني .. أقولك أنا من بكرة هاجيلكم عشان أقف جنب ملاذ ..

أبتسم لها "ظافر" أبتسامة بسيطة و هو يؤكد على حضورها غداً ، و كأن بحديثها ذلك صبت النيران على البنزين لتشتعل "براءة" و هي تكور يداها بقوة ، ضغطت على ذلك الزر الملحق بالمقعد لتسير به بحدقتي أشبه بالبراكين التي إن أنفحرت ستؤذي كل من حولها !!!
ذهبت "فتحية" وراءها سريعاً تخشى أن تفعل بنفسها شيئاً ما ، دلف "ظافر" إلى غرفة "ملاذ" ليجدها تجلس على الفراش شاردة بالفراغ ، ترتدي بنطال من الجينز ملتصق بها برشاقة ، و كنزة باللون الأحمر الدموي ترفع خصلاتها على هيئة ذيل حصان ، لتسقط بعض الخصلات الثائرة على وجهها ، لم تنتبه لوجوده ليتيقن أن تلك الفتاة و التي من المفترض شقيقتها أزعجتها مجدداً ، شرد قليلاٌ بها ينتهز فرصة أنها لم تلاحظه ، بدايةّ بـ خصلاتها المموجة بنعومة والمسترسلة على ظهرها ، و حدقتيها البندقية الواسعة ، أنفها الحاد المستقيم و شفتيها الجميلتان ، و تلك الشامة التي تعتلى ثغرها و أيضاً طبع الحسن المنغرز بذقنها ، يداها التي تعقدهما و أناملها التي تفركهما ، وبلا وعي منه همس بنبرة متحشرجة :
- مـلاذ !!!!

رفعت "ملاذ" أنظارها بفزع لتثب متمتمه بدهشة :
- ظافر !!! أنت جيت أمتى أنا مخدتش بالي خالص ..

أفاق "ظافر" ليلملم شتات نفسه مستعيداً جمود عيناه و هو يقول :
- لسة جاي دلوقتي ، جاهزة عشان نمشي ؟!!

رفعت "ملاذ" حاجبيها بغرابة قائلة :
- نمشي !!! فين ؟!!

- هروّحك بيتك يا "ملاذ" عشان تجهزي لأن بكرة كتب كتابنا !!!!

جحظت "ملاذ" بقوة و هي تصيح :
- نــعــم !!!!! كتب كتاب مين !!!!

أبتسم بدوره و هو يقول متفرساً تعابير وجهها العفوية :
- كتب كتابنا يا ملاذ !!!!

- أنت بتهزر صح ؟!!!
قالت بتفاجأ لتكمل بعدم أستيعاب :
- لاء يا ظافر مش بُكرة أنا لسة عندي حاجات كتير أعملها ، أنا حتى لسة هتفق مع عماد عشان ننهي الخطوبة الـ fake دي !!!

أظلمت عيناه الزيتونية ليقترب منها مزمجراً بنبرة حاول أن يجعلها هادئة :
- مش قولتلك قبل كدا متجيبيش سيرة راجل على لسانك ، و بعدين أول مـ كتابنا هيتكتب عماد مش هيبقى ليه ظهور في حياتك أصلاً !!!

أنزوى ما بين حاجبيها و هي تقول بإعتراض تام :
- مستحيل عماد دراعي اليمين في شغلنا و أنا بثق فيه جداً !!!

أغمض عيناه بأنفعال ليفتحهما مجدداً قائلاٌ بإيجاز :
- هنبقى نشوف الموضوع دة بعدين !!!!
نظرت له "ملاذ" بتوتر و هي تقول بخفوت :
- ظافر دة جواز .. و أنا لسة مش عارفاك أوي و أنت متعرفنيش كمان ..!!!

أقترب منها "ظافر" لحدٍ خطير و هو لا يستيطع التحكم بنفسه ، نظرت "ملاذ" داخل عيناه و أنفاسه الساخنة تضرب وجهها ، وجدت يداه تمتد إلى خصلاتها تزيحها عن وجهها ، أغمضت عيناها تتنفس بصدرٍ مهتاج ، وصل إلى مسامعها همسه الخافت و هو يتمتم :
- لاء أنتِ عارفاني .. من لما كان عندك 5 سنين و كنتي بتعيطي عشان تطلعي من الأوضة اللي أبويا كان حابسك فيها ، يمكن متفتكريش بس المهم أني عارفك ، و عارفك كويس أوي يا ملاذ يمكن أكتر منك أنتِ نفسك ، عارف أن من وأنتِ صغيرة عنيدة ودماغك ناشفة ، مش بتسيبي حقك مهما حصل ، ذكية و قوية ومحدش يهزمك ، عارف كمان أن أكتر لون بتحبيه الأحمر ، و التاريخ اللي عدى عليكي و مستحيل تنسيه لما باباكي و مامتك .. أتوفوا ، عارف أنك بتحبي أختك جداً ومش بطيقي أن حاجة وحشة تحصلها ، عارف أنك عندك حرق كبير في رجلك الشمال بس مش عارف من أيه ، عارف أنك عصبية جداً .. و عارف أنك لما بتشوفي طفل صغير بتبقي طفلة زيه بالظبط ، عارف أن في حاجات جواكي مكتومة مش عايزة تطلعيها ، و أنك مش بتحبي أبداً تبكي قدام حد .. عارف أن في خراب جواكي بس مش بتظهري دة .. عارف أنك هشة جداً من جوا مع أنك من برا تباني أقوى بنت في الدنيا ، مهما حصلك دايماً بتبهريني بإبتسامتك وقوتك ، عشان كدا عجبتيني .. أنا عارف عنك حاجات كتير أوي يا ملاذ !!!

أغمضت عيناها بقوة .. لا لن تبكي .. لن تسمح لتلك الدمعة من الفرور خارج عيناها ، هو حقاً يعلم عنها كل شئ ، يعلم أدق تفاصيلها بل ويفهمها جيداً لأول مرة يُخبرها شخص بأنه يعلم أنها تمثل تلك الهالة القوية التي تحيط بها ، دائماً ما يندهشوا بالمظاهر لا يعلموا ما بداخلها ، لا يعلموا ان قلبها يتمزق من الداخل ، يتلقى صدماتٍ تجعله يدمي ، لا تصدق أنها حاولت أن تؤذيه .. بل وتفننت بذلك رُغم ذلك الحنان الذي يعاملها به ، طعنته بظهره لأجل شقيقتها التي لم تُحبها يوماً ، تعلم أنه سيتألم عندما يعلم بحقيقتها ، سيتألم عندما يعلم أنه وضع ثقته بإنسانه خائنة لا تستحق الحب من أي شخص ، لا تستحق شئ من تلك الحياة سوى الألم فقط ، راقب "ظافر" تعابير وجهها عن كثب ، أحاط بكفيها ليرفعهما إلى فمه مقبلاً إياها قائلاً بحنو لها فقط :
- أنتِ كويسة ؟!!

فتحت "ملاذ" عيناها المبتلة بالدموع التي علقت بأهدابها ، وقع قلبه أرضاً و هو يحاوط وجنتيها مردفاً بهلع :
- مالك ياملاذ ؟!!!

أندفعت "ملاذ" لترتمي بأحضانه بقوة ، تفاجأ "ظافر" و لكنه حاوط خصرها بذراع والأخر مسح على شعرها بحنوٍ مفرط ، شعر بإرتجاف جسدها بين يداه يعلم أنها تكتم بكائها بصعوبة ، تمتم بدوره قائلاً بحزن على حالها و هو يُزيد من أحتضانها :
- عيطي يا حبيبتي .. متكتميش في نفسك كدا .. عيطي !!!

كلماته كانت كالقشة التي قسمت ظهر البعير ، أنفجرت "ملاذ" في البكاء بحُرقة و هي تشدد على خصره ، تبكي و تبكي بقوة عما يخالج صدرها ، بكائها و ألمها أعمق من وصفه بمجرد الكلمات ، جل ما أستطيع قوله أنها كانت تبكي من داخل صميم قلبها لأول مرة ، أغمض "ظافر" عيناه بقلبٍ منفطر على حالها ، يمسد على خصلاتها و كأنها طفلته الصغيرة ، لتتشبث هي بقميصه أكثر و أكثر تقول بجسدٍ ينتفض بين الحين والأخر و عبرات متقطعة :
- أنا تعبت .. مبقتش قادرة أستحمل ، كل حاجة ضدي حتى أختي بتكرهني و بتتمنى موتي ، أنا وحشة للدرجة دي .. مستاهلش الحب أوي كدا !!!
أبعدها عن أحضانه بعنف طفيف ممسك كتفيها و هو ينهرها بحدة :
- متحبيش سيرة الموت على لسانك بعد الشر عليكي ، و أختك دي بني آدمة مريضة مش طبيعية ..!!!

نظرت له بألم شديد أحتل عيناها و هي تهمس بخفوت متقطع :
- أنت كمان هتكرهني زيها .. محدش هيفضل بيحبني .. أنا زي الوباء اللي كله بيبعد عنه ، كله بيقرب مني عشان مصلحته بس ، أنت كمان هتكرهني زيها يا ظافر !!!!

أغمض عيناه بألم ليحاوط وجنتيها مجدداً سانداً جبهته على جبهتها و أنفه يداعب أنفها هامساً :
- حتى لو كُنتي وباء .. مش هبعد عنك .. حتى لو همرض بيكي !!!!! مستحيل هبعد عنك أو أكرهك .. في حد عاقل يكرهك يا ملاذ !!! صدقيني أنتِ تستاهلي أن كل اللي حواليكي يحبوكي .. مش عشان أختك مش بتحبك يبقى كلنا مش بنحبك ، أنا جنبك ومش هسيبك أبداً ..!!!!

كم أحتاجت لتلك الكلمات التي كانت كالبلسم على قلبها ، تشبثت بياقة قميصه و وجهها لايزال مستنداً على وجهه هامسة بنبرة مهتزة :
- أنا أسفة .. أسفة أوي على اللي عملته .. سامحني يا ظافر أنا غبية صدقني !!!! غبية أوي !!!!

قبّل "ظافر" أرنبة أنفها قبل أن يبتعد قائلاً بتساؤل :
- أسامحك على أيه ؟!!

لم تجاوبه ، أندفعت متشبثة بعنقه تقف على أطراف أصابعها لتصل لطوله تسند وجهها على كتفه ، و فجأة شعر "ظافر" بتراخي جسده بين يداه ليعلم أنها فقدت الوعي ، تمسك بها جيداً ليضع يده أسفل ركبتيها و الأخرى على ظهرها يحملها بين يداه ، تشبثت "ملاذ" بعنقه بعفوية ليخرج من المشفى بأكملها ..

• • • •

دلف "باسل" الغرفة غير مصدقاً ما سمعه تواً ، ضغط على الهاتف الممسك به بقوة ، فُرغت عيناه من معاني الحياة عندما رآها مرتدية قميصه الأبيض الذي وصل إلى اعلى ركبتيها ، تنظر له بغرابة و هي تتجه نحوه محاوطة وجنتيه بكفيها الرقيقتان قائلة بقلق :
- مالك يا باسل ..؟ في حاجة ؟!!!

أمسك بكفيها ينزعهما ببطئ ينظر لها ببرودٍ أخافها ، لأول مرة ينظر لها بفراغ هكذا ، توجس قلبها و هي تتمتم :
- مالك ؟!! أنا ضايقتك في حاجة طيب ؟!!!

- لـيـه عملتي كدا !!!!
هتف مسطرداً بهدوءٍ ما قبل العاصفة ، لم تفهم "رهف" ما قاله ، همت بالرد لتجده يمسك بكتفيها بقوة ينهرها بعنف صارخاً بها :
- مـ تـردي يا هــانـم !!!!!

نظرت له بصدمة لتنظر إلى أظافره المنغرسة بذراعيها ، رفعت أنظارها له بجمود لتنزع ذراعيها من أسفل كفيه تفركهما بهدوء ، تفاجأ "باسل" بردة فعلها لتشتعل عيناه مطلقة جمرات من النار ، ثبَتت أنظارها عليه لتسترسل بنبرة فاترة :
- لما تبقى تسألني هجاوبك ..

ذهب "باسل" من أمامها ليجلب تلك الجريدة ، دلف للغرفة مجدداً وسط أنظارها المندهشة ، يقترب ممسكاً بكفها الصغير بحدة ليضع بها الجريدة بعنف ، نظرت له "رهف" بغضب لتفتح تلك الجريدة ، وجدت ذلك الخبر مدّون بالخط العريض حول فضيحة عائلة الهلالي ، جحظت عيناها بقوة لترفع أنظارها له بصدمة قائلة بصدقٍ :
- أنا والله معرفش حاجة عن اللي مكتوب دة يا باسل ، أنا أول مرة أقرأُه صدقني !!!!

أمسكها من عضديها مجدداً مزمجراً بها بعلو صوته :
- أنتِ كدابة يا رهف !!!!!

أمتعض وجهها بألم و هو يضغط بكل قوته على ذراعيها ، أمتلئت عيناها بالدموع و هي تتلوى بين ذراعيه :
- باسل سيبني .. بتوجعني !!!!

هزها بعنف و هو يجأر بوجهها :
- بــوجعـك !!! و أنتِ موجعتنيش لما خلتيهم ينزلوا الخبر دة !!!! طب لـيـه !!!!

نفت برأسها بقوة وقد أسترسلت الدموع على وحنتيها :
- والله ورحمة بابا معرفش حاجة يا باسل .. صدقني أنا مش خليتهم ينزلوا حاجة !!!!!
رق قلبه عندما وجدها تشهق ببكاء حاد ، تركها و هو يرى علامات أصابعه على ذراعها ، مسح على وجهه لا يعلم من الصادق ، ولكن ما يوقنه أنه عندما يراها تبكي يشعر أنه يختنق من داخله ، شعر أنه بالغ في ردة فعله بل وقسى عليها كثيراً ، أقترب منها ليهم بوضع يده على ذراعيها ، وجدها تبتعد عنه ملتصقة بالحائط تحتضن هي نفسها تنظر إلى الأرضية تحاول كبح جسدها من الأنتفاض أمامه ، أقترب منها "باسل" مجدداً و هو يقول :
- رهـف أنا ...

تبخرت من أمامه تاركة إياه لتذهب خارج الغرفة بأكملها ، سبّ "باسل" نفسه ليُطيح بالمزهرية التي تناثرت على الأرضية ، ذهب وراءها عازماً على أن لا يتركها وحدها ، وجدها تجلس على الأريكة ممسكة بكوب من الشاي بكفيها ، أقترب ليجلس جوارها ينظر لها بدفئ ، أقترب أكثر ليجدها تبتعد ملتصقة بآخر الأريكة و هي تقول زامة شفتيها كالأطفال :
- أبعد عني يا باسل ..!!!

وضع كفيه الغليظتان على كفيها الناعمتان الموضوعى على الكوب ، أبتلع يدها داخل يده ليرفع الكوب إلى فمه يرتشف منه ، أغمض عيناه بتلذذٍ مسطرداً بإطراء :
- أحلى شاي دوقته في حياتي !!!!

أرتبكت "رهف" تنظر إلى كل شئ عدا عيناه الساحرة ، أرتجف جسدها عندما سار بأنامله على ذراعيها المحمرتان أثر قسوته عليها ، نظر إلى ءراعها ليُميل بثغره ببطئ ، أطبق بشفتيه على تلك الكدمة التي هو من تسبب بها ، أغمضت "رهف" عيناه بوجهٍ تخضب بالدماء ، أرتفع "باسل" بأنظاره ليجدها مطبقة جفونها و وجهها أحنر كالفراولة الجاهزة للقضم ، غرس أنامله بخصلاتها محاوطاً وجهها بكفيه ، فتحت "رهف" عيناها تنظر له بحزن ممتزج بخذلٍ طفيف ، كم آلمته نظرتها .. لم تكن مجرد نظرة ، بل كانت خنجر استقر في قلبه ..، بات يعلم أن تلك البريئة لن تفعل شيئاً مشيناً كهذا ، أقترب بثغره يقبل شفتيها قبلة رقيقة هامساً بخفوت شديد :
- أسف .. أسف يا حبيبتي ..!!!

نفت برأسها و هي تقول مسبلة عيناها بحزن طفولي :
- لاء أنا زعلانه منك ..!!!

أبتسم بحنو ليقبل طرف ثغرها متمتماً بإعتذار حار ، تحولت قبلاته الهادئة إلى أخرى شغوفة موزعاً قبلاته على وجهها بأكمله مدغدغاً طيات قلبها ، تجولت يداه على قميصه التي ترتديه محاولاً فكّ أزراره و هو مازال يقبل شفتيها برقة ، تراخت "رهف" بين يداه ليتراخى معها ذلك الكوب الساخن ، و بلمح البصر سقط ذلك الكوب على قدمها !!! ، صرخت "رهف" بقوة لينتفض "باسل" جاحظاً عيناه ، قفزت "رهف" من محلها تقفز من شدة الألم ، حملها "باسل" سريعاً ليذهب نحو المرحاض وسط بكاءها ، أجلسها على حوض الاستحمام ليجلب رذاذ الماء ، فتح الصنبور ليتدفق الماء على قدمها ، تشبثت "رهف" برقبته و هي تبكي بألم ، مسح على ظهرها مقطباً حاجبيه ، جفف ذلك الحرق الملتهب بمنشفة نظيفة بلطف حتى لا يؤلمها ، حملها مجدداً ليدلف بها إلى غرفتهما ، وضعها على الفراش برقة ،ثم جلب مرهم مسكن للالآم ليضعه على مكان الحرق ، فركه بلطف شديد ثم نفخ بفمه على الحرق ليلطف تلك السخونة المنبعثة منه ، نظرت له "رهف" بحبٍ شديد لتراه يرفع أنظاره لها متسائلاً بقلق :
- بتوجعك يا حبيبتي .. أستني هتصل بالدكتورة تيجي تشوفك ، نفت برأسها بإبتسامة جذابة و هي تمسك بكفيه قائلة بحنان :
- لاء متجبش حد .. أنتَ كفاية عليا صدقني ..!!!

ذاب بنظراتها الحنونة لينهض جالساً بجانبها ، جذب رأسها إلى صدره يمسك على خصلاتها قائلاً بنبرة حزينة :
- أنا أسف يا حبيبتي .. أسف عشان قِسيت عليكي .. و أسف عشان أنا السبب في الحرق دة !!!

وضعت كلها على شفتيه قائلة بعشقٍ خالص :
- أنت ملكش ذنب في الحرق دة يا باسل ، متتأسفش ..

قبّل باطن كفها ليضمها له مجدداً بحنانٍ شديد ..!!

• • • •

دلف "مازن" إلى الشقة مترنحاً بخطوات غير متوازنه ، تفوح منه رائحة الخمر المقزز ، دلف لغرفته ليجدها ترتدي قميصه الأبيض على بنطالها الجينز تجلس أمام طاولة الزينة تمشط خصلاتها ، أنتقضت "فريدة" عندما وجدته بتلك الحالة الرثة وعيناه الزائغتان المحدقتان به، وقع قلبها أرضاً عندنا بدأ بالأقتراب منها رويداً ، ألتصقت "فريدة" بالحائط تمد ذراعيها للأمام علها تمنعه مما هو مقبل عليه ، و لكنه أقترب ممسك بكفيها يلويهما خلف ظهرها ملصق جسدها به ، أنهال على وجهها بالقبلات المتفرقة التي جعلتها تشمئز منه ، حاولت دفع جسده ولكنه كان يفوقها اضعاف ، فهي ضئيلة الحجم بجواره ، كان مغيب عن الوعي تماماً لا يسمع صراخها حتى ، رفع أنظاره لوجنتها الملتهبة ليبتعد عنها سريعاً يثبت خصرها بيداه ، مسح دموعها بسبابته قائلاً وقد برقت الدموع بعيناه :
- أنا مش وحِش أوي كدا .. ومش هأذيكي ، عشان مش قادر .. مش قادر أوجعك مع أن دة كان هدفي ، دموعك بتقتلني ، فريدة أنا حاسس أني بغرق ومش حاسس بنفسي ، حتى اللي كنت معاها من ساعة مقدرتش تنسيني أني مش عارف أذيكي ، أو يمكن مش عايز .. لو وجعتك هتوجع أكتر منك !!!!

جحظت عيناها تستمع له غير مصدقة ، لوهله ظهر بعيناها شفقة له ، علِمت أنه ليس سئ كما تصورت ، لربما الحياة هي من جعلته هكذا ، ربما هو ليس وَحش ولكنه قاسي ، رفعت أناملها ببطئ .. تتلمس تفاصيل وجهه ، أغمض "مازن" عيناه يستشعر لمستها الرقيقة بوهنٍ ، كادت أن تفر دمعه حزينة من عيناه ولكنه منعها بصعوبة ، حاوطت وجنتها بيدٍ واحدة و هي تقول ببعضٍ من الحنان :
- أيه اللي خلاك كدا طيب ؟!!

حاوط خصرها يسند رأسه على صدرها ، همت "فريدة" بأن تملس على خصلاته الحريرية ولكنها منعت نفسها بصعوبة ، أغمضت عيناها عندما دفن رأسه يكاد يخترق قلبها ، يشدد على خصرها لتجزم أن أضلاعها قد تكسرت ، أسبلت بعيناها عندما سمعته يقول بنبرة متحشرجة :
- أنا أتجوزتك مش عشان أنتقم منك يا فريدة .. بس أنا حسيت أنك الحاجة الوحيدة اللي هتنقذني من اللي أنا فيه .. أنا لما شوفتك كنت عامل زي الغريق اللي لقى قشاية يتعلق فيها عشان تنقذه ، أنا عارف أني صعب .. وقاسي و ممكن أكون حيوان كمان .. بس أنا عارف أنك هتقدري تغيريني عشان أنتِ الوحيدة اللي وقفت في وشي !!!!

لأول مرة تشعر أنها عاجزة لا تستطيع فعل شئ ، أتضمه وتخبره أن كل شئ سيصبح بخير ، أم تدفعه و تخبره أنها لن تستطيع تغيير وَحش مثله ، أنتصر قلبها بالأخير .. وبالفعل رفعت ذراعيها تحاوط وجهه تمسح على خصلاته وقد برقت عيناها بتصميم ، جذبت كفه لتجرّه وراءها ذاهبة صوب المرحاض ، وقفا أمام الحوض الصغير لتنظر له قائلة بنبرة لطيفة لأول مرة يسمعها منها :
- يلا عشان تُحط راسك تحت الميا عشان تفوق من اللي أنت فيه ..
بدى كالطفل يستمع لحديث أمه ، وبالفعل مال بجزعه يفتح الصنبور يضع رأسه تحت الماء بوهن ، كتفت "فريدة" ذراعيها تراقبه بصمت ، ثم جلبت المنشفة لتجفف خصلاته التي ألتصقت بجبينه ، شردت بعيناه السمرواتين وذقنه التي زينت بشرته السمراء ، تعمقت في حدقتيه الذابلة لتشفق عليه ، أخذته لينام مدثرة إياه بعنايه و كأنه طفلها ، أغلقت الضوء لتجلب وسادة صغيرة من على الفراش ، أتجهت صوب الأريكة الموضوعة بالغرفة ليوقفها "مازن" بنبرة صارمة :
- رايحة فين ؟!!!!

نظرت له بدهشة لتجيب ببساطة رافعة كتفيها :
- هنـام !!!!

ضرب الفراش جواره بخفة قائلاً :
- تعالي يا فريدة نامي هنا ..!!

هتفت "فريدة" بعناد قائلة :
- لاء هنام ع الكنبة !!!

أظلمت عيناه ليجأر بنبرة حادة :
- فريدة مبحبش أعيد كلامي مرتين !!!

تأففت تعلم أن العند معه لن يجلب لها شئ ، خاصة أنها عاهدت نفسُها بأن تُغير شخصيته القاسية ، ضربت الأرض بقدميها بطفولية لتذهب نحوه ، أستلقت على الفراش بخوف منه .. ما كاد يفعله الصباح بها لم تنساه ، دثرت جسدها بالغطاء لتحمي نفسُها منه ، جعلت بينهما مسافة كبيرة وساعدها بذلك حجم الفراش الكبير ، ولكنه مدّ ذراعه المفتول ليجذب بخصرها نحوه ، شهقت "فريدة" بحدة ، ليزمجر بها "مازن" قائلاً وهو يضع رأسها على صدره المفتول :
- هششش أتهدي بقا ونامي !!!!

ضربته "فريدة" على معدته ليتآوه بألم زائف :
- أنتِ قاسية أوي يا فريدة !!!!

رفعت "فريدة" رأسها تضيق حدقتيها قائلة بسُخرية :
- لا والله ؟!!!

قهقه "مازن" ملء فمه ليُقبل خصلاتها قائلاً بنعاس :
- يلا نامي بقا بلاش كلام كتير !!!

قضمت "فريدة" أظافرها بخوف قائلة :
- مازن أنت سكران .. مش في وعيك !!!!

أبتسم "مازن" مغمض عيناه :
- فريدة أنا هنام مش هغتصبك متقلقيش !!!!

شهقت "فريدة" لتنهض ضاربة صدره صارخة به :
- أنتِ قليل الأدب و وقح و أنا مش هنام جنبك !!!

أدمعت عيناه من كثرة الضحك ليجذبها دافناً وجهه في عنقها مقيداً حركتها بذراعيه ليغرق في النوم ، نظرت له "فريدة" بتوعد قائلة :
- و الله لأوريك يا مازن !!!!!

• • • •

أسندها إلى صدره بذراع و الأخر دسّ به المفتاح بالباب ، دفعه بقدمه ليُفتح على آخره ، حملها مجدداً ليدلف لشقته ، أنفاسها تضرب عنقه مدغدغه مشاعره ، دلف لغرفته الخاصة ليضعها على الفراش بلطفٍ ، ظل مائلاً برأسه عليها يسند يداه على الفراش متأملاً إياها ، أمتدت أنامله لتمسح تلك الدموع العالقة بأهدابها ، أبعد خصلاتها عن عيناها ليُقبل مقدمة رأسها بحنوٍ مفرط ، أصبح يعلم لما يدق قلبه بتلك الطريقة عندما يكن جوارها ، أحتضن كفها بكفيه الأثنين ليقبله بعشقٍ مغمضاً عيناه ، فتحت "ملاذ" عيناها البندقية لتنظر له بغرابة ، أعتدلت بجلستها ليُسند "ظافر" ظهرها بوسادة وثيرة ، جلس بجانبها محاوطاً وجنتها بكفٍ واحد و هو يقول بحنو :
- أنتِ كويسة ؟!!!

أومأت "ملاذ" دون أن تنبث ببنت شفة ، نظرت حولها لتلك الغرفة الغريبة عليها ، نظرت له قائلة بتوجس :
- أنـا فين ؟!!!!

- في شقتي !!!

أنتفضت "ملاذ" عقب جملته كمن لدغتها أفعى لتقول :
- شقتك!!!! لـيـه ؟!!!! أنا كنت عايزة أروح بيتي ..

أبتسم يطمأنها بنبرته الساخرة:
- متخافيش مش هاكلك يعني ..
ثم أكمل و هو يقترب من وجهها قائلاً بخبث و وقاحة :
- مع أنك تتاكلي بصراحة !!!!

عادت بظهرها إلى مسند الفراش بعينان جامدتان ، قهقه "ظافر" ملء فمه ليعود للخلف ، وثب يستعيد رزانته مجدداً قائلاً :
- هروح أحضرلك حاجة تاكليها ..
ثم أختفى من أمامها كأنه لم يأتي قط ، تحاملت "ملاذ" على نفسها لتنهض تحارب ألم معدتها من شدة الجوع ، ألتفت حولها تتفرس الغرفة بأكملها ، أتجهت نحو طاولة الزينة لتُمسك بزجاجة العطر الثمينة ، رفعتها إلى أنفها تشتمها بعمق ، أغمضت عيناها بإستمتاع فذلك العطر المميز ما ينثره دائماً على ملابسه ، وضعته محله لتتفقد باقي الغرفة بفضول ، ألتفتت لتجده يدلف ممسك بصينية وُضع عليها وعاء من الحساء الساخن مع كوب من الماء بجانبه شريط دواءها ، توترت ملامحها قليلاً و هي تُردف بتبرير :
- أنا بس كنت بتفرج على الأوضة و آآآ ..

أبتسم لها "ظافر" بحنو وهو يضع الصينية على الكومود :
- مش محتاجة تبرري .. أنا واثق فيكي !!!!!!

أرتجف جسدها لوهله ، ألمتها جملته حد الموت ، بل جعلتها تشعر بدناءتها حقاً ، أغمضت عيناها تمنع دموعها بالهطول .. هي و ببساطة تخون تلك الثقة الذي وضعها بها ..!!!

- يلا تعالي عشان تاكلي و تاخدي الدوا ..
أفاقت على جملته بتذهب نحو الفراش تجلس عليه مجدداً بخطى مرتعشة ، جلست قبالته على الفراش تنظر لزيتونتيه البرّاقة، تراقبه و هو ينفُخ بالملعقة ليجعلها تتناولها، قرّبها من فمها لتفتحه هي بلا وعي ، أغمضت عيناها بتلذذ و هي تقول بإستمتاع طفولي :
- طعمها حـلو أوي ..!!!

أبتسم لها "ظافر" قائلاً :
- بالهنا والشفا .. عايزك تخلصي الطبق كـلـه ..!!!

أومأت سريعاً ليسرع هو بإطعامها ، وبالفعل أنهت "ملاذ" الطبق بأكمله لمذاقه الطيب ، تناولت دواءها ليمسك هو بالكوب يجعلها ترتشف منه ، أبتسمت له "ملاذ" بشكر وما أجمل أبتسامتها ، و لكن سرعان ما أختفت تلك الأبتسامة وهي تنظر له بتأنيب ضمير ، ستخبره .. نعم ستخبره حتى و إن كرهها ولكنها لن تستطيع أن تواصل كذبها عليه بتلك الطريقة ، أمسكت "ملاذ" بكفه الأسمر و هي تهمس بخفوت :
- أنا عايزة أقولك على حاجة مهمه ..!!!

أومأ لها "ظافر" بقلق يحثها على الحديث ، همت "ملاذ" بفتح شفتيها لتجد هاتفه يعلن عن مكالمة، تناول هاتفه يضعه على أذنه قائلاً :
- عايز أيه ؟..
صمت قليلاً يستمع لما يقوله الطرف الأخر لينهض صارخاً بحدة جعلت "ملاذ" ترتجف :
- لـاء .. مستحيـل ، مستحيل نرجع نشتغل مع ****** دول ، بعد م كانوا هيخسرونا صفقة بـ 10 مليون جنيه وكذبوا علينا مستحيل أرجع أثق فيهم ، تغور الفلوس بس أنا مبديش فرصة تانيه الناس كدبوا عليا فـاهم !!!!!

أرتعدت أوصالها لتتراجع مئة خطوة حول أخباره بما فعلت ، لا تريد أن تخسر ثقته بها أبداً ، لا تريد أن تُخيب أمله بها .. أغلق "ظافر" هاتفه بعنف لتنظر له بقلق هاتفه :
- أنتَ كويس ؟!!

أومأ لها ليجلس أمامها مرة أخرى قائلاً بإبتسامة صفراء :
- كنتِ عايزة تقولي أيه ؟!!!

بللت ريقها و هي تقول بمزاح :
- كنت عايزة أقولك أن الشوربة اللي عملتها كانت حلوة أوي بجد !!!

أبتسم لها "ظافر" قائلاً :
- بالهنا والشفا .. هسيبك تنامي عشان ترتاحي و لو عوزتي حاجة قوليلي ع طول ..

أومأت "ملاذ" لتستلقي على الفراش ، دثرها "ظافر" جيداً ليخرج من الغرفة بعد أن أغلق الأنوار ، تمسكت "ملاذ" بالوسادة لتبدأ دموعها بالأنهمار مما هو قادم !!
كانت تسير في ظُلمات موّحشة ، ترتجف من برودة الجو لتنكمش على نفسها ، نظرت لما ترتديه لتجد ثوب أسود يكتم على أنفاسها ، عارٍ يظهر أكثر مما يخفي كجميع ملابسها ، جحظت بعيناها عندما وجدت أناملها مُلطخة بالدماء ، برقت عيناها بدموعٍ حبيسة وذلك المشهد يُفزعها ، نظرت حولها لذلك المكان الأشبه بالمقابر ، كتمت شهقة داخل جوفها و هي ترى أسمها محفور على إحدى القطع الرخامية ولكن لا يوجد لها تاريخ ، و بجانب قبرها أستوطنت قطعة رخامية أخرى محفور عليها أسمه ، "ظافر" !!! ، قطبت حاجبيها بهلع ، أستمعت إلى صوت أقدام خلفها لتلتفت سريعاً ،أبتسمت ملء فمها عندك وجدته خلفها لتركض له سريعاً ، تفحصت ملامحه الجامدة الرجولية ، عيناه الزيتونية الظالمة ، وجدته يرفع كفيه الملطختان بدماءٍ أيضاً ، حاوط وجها لتتخضب وجنتيها إحمراراً ، نظرت بفزع ليداه التي شوهت وجهها لتتمتم بفزع ونبرات متقطعة :
- ظـافر .. ايه .. ايه الدم ده ، و ليه هو على إيدي و إيدك ؟!!!

لم يلفظ "ظافر" بحرف ، بل ظل يتلمس وجهها ليختفي وجهها أسفل تلك الدماء البغيضة ، ألتوى ثغره بيأس وقد أمتلئت عيناه بالدموع و هو يسترسل :
- الوقت فات .. فات يا ملاذ ، محدش فينا هيلحق يصلح غلطاته !!!!

جحظت "ملاذ" بقوة لتلتفت لتلك المقابر حولها ، أنهالت الدموع على وجنتيها عندما علمت أن جسدهما يرقدا أسفل التراب ، ألتفتت له لتجده أختفى بلمح البصر ، صفعها الجو البارد مجدداً لتتراجع إلى الخلف و هي تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وصدى صوتها يتردد بأذنها :
- ظـــافــر !!!!!!!! ظـــــافــر !!!!!

أنتفضت من النوم بفزع ، جسدها بالكامل يتصبب عرقاً ، خصلاتها ملتصقة بجبينها و عيناها أغرورقت بالدموع ، وجدت "ظافر" يفتح الباب بقوة و هو يطالعها بقلق ، أقترب منها سريعاً ليجلس جوارها على الفراش ، مسح على جبينها ليبعد خصلاتها محاوطاً وجهها ثم قال بتوجس :
- في أيه يا ملاذ !!!!

جذب وجهها لصدره ممسداً على ظهرها ، تشبثت "ملاذ" بقميصه و هي تقول بشرود و كأنها بعالم آخر :
- كـابوس .. كابوس وحش أوي !!!!

- طب أهدي .. خلاص متخافيش ...

أنتفضت "ملاذ" لتبعد كفيه و هي تزحف للخلف ، تنظر إلى كفيه برعب لأول مرة يظهر بعيناها ، قطب "ظافر" حاجبيه بغرابة و هو يتفرس عيناها الهلعتان ، نهضت "ملاذ" عن الفراش لترفع كفيها لعيناها ، لم تجد بهما شئ لتضمهما إلى صدرها ، نظرت إلى "ظافر" الذي يحدق بها بعد فهم ، أقتربت لتجلس أمامه ، عزمت على إخباره بكل شئ ، لن تستطيع خداعه أكثر ، نظفت حلقها لترفع عيناها البندقية له و هي تتمتم بشئٍ من التردد :
- ظافر أنا عايزة أقولك على حاجة مهمة .. أنا ..
قاطعها "ظافر" سريعاً و هو يقول برزانه :
- انا اللي عايز أقولك على حاجة مهمة .. المأذون جاي بعد ساعة يا ملاذ .. جهزي نفسك !!!

حدقت به بصدمة مزمجرة :
- نــعـــم !!!!!!

أبتسم "ظافر" يتأمل عفويتها ، لتصك "ملاذ" أسنانها قائلة بنبرة غاضبة :
- أنت بتضحك ليه دلوقتي !!! يا ظافر دة جواز مينفعش يبقى بسرعة كدا .. أنت حتى معرفتش أهلك باللي هتعمله ..و لا .. ولا مريم !!! مراتك !!! ، متضحكش يـا ظافر ..!!!!

لم تمحو أبتسامته .. بل زادت أتساعاً حتى أصبحت ضحكات مجلجلة كادت أن تصيبها بالجلطة ، لا تعلم أتضغب من لامبالاته، أم تضع كفها أسفل ذقنها تتأمل أبتسامته التي جعلت قلبها يرتجف من السعادة ، زمت شفتيها بغضب عندما تحول إلى الجدية سريعاً بطريقة أدهشتها :
- راجل عنده 31 سنة يقول لأهله ليه أنه هيتجوز !!! شايفاني عيل بـ ريالة !!!!

رفعت حاجبيها بدهشة لتكتف ذراعيها قائلة بسُخرية :
- طب ومراتك !!!!

أظلمت حدقتاه لينهض قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- قومي جهزي نفسك المأذون في الطريق !!!

نهضت رافضة طريقته في إنهاء الحديث لتقف أمامه قائلة بصوتٍ مرتفع :
- و أنا مش هتحرك من الأوضة دي غير لما أفهم كل حاجة هتمشي أزاي .. مش معقول بين يوم وليلة أبقى مراتك !!!!

طالعها بنظرات حادة و هو يقول بنبرة صارمة :
- متعليش صوتك !!!! ، أنتِ بتاعتي من أول من أتولدتي يا هانم ، بتاعتي من ساعة مـ جيتي على الدنيا دي ، بتاعتي أنا وبس ، فاهمه ؟!!!!!

ضربت الأرض بقدميها قائلة بتمردٍ وغضب شديدين :
- لاء أنا مش بتاعة حد !!!! أنا مش سلعة عشان أبقى بتاعتك ، أنا مش عايزة أتجوزك .. أنا مش عايزة أكون مراتك أبداً فاهم !!!!!

أقترب منها خطوة جعلتها تهاب مما سيفعل ، و لكن قدميها تسمرتا بالأرضية محدقة بعيناه التي بدت مخيفة ، جذبها من خصرها ليُلصقها بصدره ، شهقت "ملاذ" بعنف لتضع يدها على ذراعه تحاول إبعاده ، ضغط على خصرها بقوة مما جعلها تكتم شهقة مؤلمة كادت أن تُفلت منها ، حاولت إبعاده ولكنه لم يتزحزح مقدار خطوة ، هي وبسهولة تستطيع أن تضربه بركبتيها في معدته ، و لكنها تهابه ، هو حنون لكن غضبه جحيمي ، أقترب "ظافر" بثغره من أذنها قائلاً بهمس مخيف :
- هتجوزك يا ملاذ .

أغمضت و هي تشتم رائحته المميزة و عطره الرجولي ، تحركت أنامله على ذراعيها بينما يقول بإبتسامة صفراء :
- لو مش برضاكي يبقى هتجوزك ورجلك فوق رقبتك !!!!

رفعت حاجبيها بسُخرية قائلة :
- أنا مافيش حد يجبرني على حاجة ، ده جواز و آآآ ..

بتر عبارتها بإبتسامة واثقة قائلاً :
- و أنا مش حد !!!!

لم تستطيع النطق ، بل وقفت الحروف على أطراف ثغرها ، أقشعر بدنها عندما لامس وجهها بأنامله الخشنة ، تأملت غابات عيناه الزيتونية وقد نمت أبتسامة خفيفة على شفتيها لا تعلم ماسببها سوى أن نظرات الحب التي تغدق عيناه قد جعلتها تتيقن أنه يعشقها ، أختفت الإبتسامة تدريجياً عندما تذكرت من هي .. تذكرت أنه عندما يعلم بما فعلت سيراها قذرة تحاول سلب أمواله والأنتقام منه لوساوس بغيضة في ذهنها ، جحظت عيناها و هي تدفعه بعيداً ، أرتدت إلى الخلف و هي تتمتم تنفي برأسها بهيستيرية :
- لاء .. لاء مش هتجوزك .. مستحيل !!!!

توحشت تقاسيم وجهه المُتشنجة ، يقترب منها قابضاً على ذراعيها صارخاً بها :
- مــش بمـزاجك يـا مـلاذ !!!!!!!

جفلت "ملاذ" و لأول مرة يصرخ بها بتلك الوحشية ، حاولت إبعاد كفيه عن ذراعيها ، لأول مرة تهاب رجل بتلك الطريقة ، ملامحه المشدودة و فكه المتشنج ، عيناه التي أصبحت أكثر قتامة، دفعها بعيداً ليلتفت بظهره واضعاً يداه بـ جيب بنطاله قائلاً بجمود :
- لو مكتبناش كتابنا النهاردة هخسرك شغلك وصفقاتك اللي انتِ داخله فيها ، هدمرك وهدمر شركتك و سمعتك و مكانتك كـ business woman ، هدمر "ملاذ خليل الشافعي" و بردو بعدها هتجوزك، صدقيني جوازك مني هيفيدك مش هيضُرك !!!!

ألتفت لها راسماً على صفحات وجهه الجمود المتناهي رغم وجهها المصدوم :
- كونك هتتجوزي "ظافر الهلالي" فـ ده شئ هيرفعك للسما ، كل حاجة هتبقى تحت رجليكي من قبل مـ تطلبيها ، صدقيني جوازنا هيبقى مصلحة ليا وليكي ، انتِ اكتر واحدة تليق انها تشيل أسمي، يعني .. مستوى أجتماعي .. جمال، ذكاء و قوة، أنتِ أكتر واحدة هتبقي مناسبة ليا ، آه وبالمناسبة .. أخر صفقة ملابس أنتِ دخلتي فيها واللي حطيتي فيها فلوسك كلها .. أنا أبقى صاحب الشركة اللي اتعاقدتي معاها .. واللي كتبتي على نفسك عقد بـ خمسة مليون دولار ، و أنا عارف أنك مش معاكي المبلغ دة ، وحتى لو بيعتي شقتك و الڤيلا اللي فالساحل وعربيتك أخر موديل و لو سحبتي فلوسك اللي في البنك كلها مش هتكمل المبلغ دة ، أنا ممكن أعمل أي حاجة في مقابل أني أسترد حاجة في الأصل هي بتاعتي !!!!!

جامدة الملامح ، قدميها تنغرس بالأرض رافضة التحرك مقدار خطوة ، عيناها تحدق به ، لا ليس هو ، ليس من أهتم بها في اليومان الماضيان ، ليس من رعاها بل و أغدقها بحنانه ليس هو ، هي ترى أبيه ، تراه بقساوته و عيناه التي نُزعت منها معاني الرحمة بأكمله ، بوجهه الجامد ونبرته الفاترة ، من يقف أمامها ليس "ظافر" ، ليس من يمتلك عينان دافئتان و عبرات حنونة ، لوهله شعرت أنها وللمرة المائة تُصدم بما حولها ، و للمرة المليون تشعر بقلبها يعتصر داخلها ، أبعد ناظريه عنها لا يستطيع أن يرى تلك النظرة بعيناها ، لا يستطيع مقاومة نظرة الخذلان التي لمحَها بمقلتيها ، أدار ظهره لها يغمض عيناه بقوة و كم آلمته عيناها ، لو تعلم فقط أنه يعشقها أكثر من أي شئ بذلك العالم ، لو تعلم أنه قال هذا فقط حتى لا يخسرها مجدداً بعدما وجدها ، ليتها تعلم أن كل حرف خرج من جوفه ما هو إلا ترهات بغيضة ، لم يستطع أن يلتفت لها ليقول محافظاً على نبرته الفاترة :
- نص ساعة تلبسي فيها اي حاجة من اللي جابتهالك الست فتحية موجودين في الشنطة !!!!
ثم تركها وخرج صافعاً باب الغرفة خلفه ، ظلت واثبة مكانها ، عيناها شاردة بالمكان الذي كان يقف به ، هي صامدة ، مهما تلقت من صدمات مميتة لقلبها الذي بحجم الكف ولكنها صامدة ، لن تسمح لأحد بأن يكسرها هي "ملاذ" التي لا تُهزم .

• • • •

أخذت صرخاتها و عويلها يتصاعد تدريجياً ، تضرب كفيها بقدميها بحسرة و بكاء زائف ، نظرت إلى النائم على الفراش بجانبها بغيظ لتقترب تنظر له بغل قائلة :
- هوريك النجوم في عز الضُهر يابن الهلالي !!!!!

تذكرت ما فعلت قبل ساعتين ، عندما أخرجت من حقيبتها الكبيرة مستحضرات التجميل اللازمة ، بدأت برسم كدمات على وجهها بل و أثار ضرب و دماء جافة حيث كانت بارعه حقاً في هذا !!!!

أقتربت من أذنه لتصرخ ببكاء قوي ، أنتفض "مازن" فزعاً و هو يصرخ بلا وعي :
- أيـــه !!!! مـين مـات !!!!!!

فرك عيناه بقوة ليرى "فريدة" تجلس بثيابٍ شبه ممزقة و وجهها مكدوم بينما شفتيها تنزف بقوة ، أنتفض ممسكاً بوجهها و هو يقول بهلع :
- أنتِ أيه اللي عمل فيكي كدا !!! ، أيه اللي حصلك م تــردي !!!!!!
صرخ بأخر جملته وقلبه يكاد يقتلع من محله ، صفعت الأخرى كفيه بعيداً وهي تصرخ بحُرقة :
- أبعد عني يا حيوان !!!! ، مين هيكون عمل كدا فيا غيرك واحد حيوان زيـك !!!!!

جحظت عيناه ليتذكر أنه بالفعل لم يكُن بوعيه البارحة بل كان ثمل حد الموت ، تفحص كدمات وجهها بندم حقيقي و هو يقول :
- أنا بجد عملت فيكي كدا ؟!!!! أنا مش عارف أزاي ده حصل صدقيني دي أول مرة تحصل اني أبقى مش فـ وعي بالطريقة دي !!!

تلمس كدمات وجهها الزرقاء ليجد مستحضرات التجميل تطبع في يده ، جحظت "فريدة" بعيناها و هي تراه ينظر إلى الألوان التي خرجت بيده قائلاً بصدمة :
- دة makeup !!!!!!

نفت برأسها و هي تنهض تدريجياً من على الفراش متمتمه بهلع :
- makeup أيه دي أفعالك الوحشية يا متوحش !!!!!!

- و حيــاة أمــك !!!!!!
صرخ بها لينهض من على الفراش يركض وراءها كالفهد الذي سيلتقط فريسته لا محاله ، ركضت "فريدة" تقف بمقدمة طاولة الطعام العريضة بينما هو يقف بنهايتها ، كادت "فريدة" أن تبكي من فرط الخوف الذي تلبسها و هي تراه يكاد يُخرج دخاناً من أذنيه :
- أنا اسفة يا مازن والله أخر مرة هعمل كدا عشان خاطري !!!!!!

صرخ بها بجنون و هو يضرب على الطاولة بقوة :
- أسفة !!!!! دة أنا قلبي وقف لما شوفتك بالمنظر ده ده ولا كأن قطر داس على وشك فرَمه ، أنتِ عارفة أني كان هاين عليا أضرب نفسي مية قلم لو كنت فعلاً عملت فيكي كدا و أنا مش في وعيي ، أنتِ متخلفة ومبتفهميش !!!!!

أهتاج صدره بعنف بقلبٍ يكاد يتوقف عن النبض ، أقتربت منه " فريدة" بعينان أغرورقتا بالدموع و هي تتمتم بحزن :
- حقك عليا أنا مكنتش أعرف أنك هتضايق كدا !!!!! و الله مكنتش أقصد !!!!

جذبها من خصرها لتجفل "فريدة" بفزع ، وضعت كفيها على صدره لتبعده ولكنها وجدت نفسها تغوص بين ذراعيه أكتر ، بل وتغرق بعيناه الراغبتان بها ، أنفه الحاد والمستقيم وشفتيه القاسيتان ، شعرت بتقلص معدتها عندما تحركت أنامله على وجهها وشفتيها ، مال بشفتيه تلامس شفتيها هامساً بأفكار جحيمية تجتاح عقله :
- تعالي نخلي المقلب اللي عملتيه فيا .. حقيقة ، بس برضاكي !!!!!

توسعت عيناها لتهم بالحديث لتجده يلتقط شفتيها في قبلة أودتها لعالم آخر ، أستسلمت بين يداه تماماً تاركة له الحرية ، أرتجف جسدها لتفر دمعة من عيناها رغماً عنها ، هي تسير بطريق مبهم ليس له ملامح ، بل هي لا تثق بـ "مازن" ، هو لا يحبُها ، تلك ليست سوى رغبة بغيضة سترتطم على أثرها على الأرض لتسقط أشلاء !!!! دفعته بعيداً تمسح شفتيها بتقزز و وجهها تُغرقه الدموع ، تفاجأ "مازن" من حالها ليقترب منها قائلاً :
- فريدة !!! انتِ بتعيطي !!!!

صرخت به بهيستيرية :
- أبعد عني !!!! أنت مش بتحبني ، أنت عايز تتملكني لكن مش بتحبني ، دي مجرد رغبة ولما تاخد اللي أنت عايزه مني هترميني مش كدا !!!!!

جحظ بعيناه صارخاً بها بصدمة :
- أخد اللي عايزة و أرميكي أزاي أنا جوزك يا مجنونة !!!!

صرخت به بالمقابل و هي تطيح بالمزهرية على الأرض :
- جــوزي !!!! جـوزي بالغصب يا مازن أنت اللي غصبتني على الجوازة دي طبعاً عشان مازن الهلالي لما بيعوز حاجة بياخدها مش كدا !!!!!

مسح على وجهه بعنف ليجأر بها كالأسد :
- أنتِ عبيطة ولا بتستعبطي ، أنا لو كنت عايز منك حاجة كنت خدتها من غير جواز برضاكي أو غصب عنك ، أنا مافيش حاجة تقدر تقف قدامي واللي يقف قدامي أفعصه فــاهمه ، فوقي لنفسك متفكريش نفسك حاجة أنتِ ولا تسوي أنتِ حتة حشرة أدوس عليها بجزمتي !!!! و مش أنا اللي واحدة زيك ترفضني أنا مازن الهلالي اللي أحلى منك بيترموا تحت رجليا يا حتة زبالة !!!!!

رمى بكلماته السامة بوجهها ليخرج من الشقة بأكملها ، تاركها كالصنم الذي فقد الحياة ، فقد الشغف وفقد كل شئ و أولهما كرامته !!!!!!

صدى كلماته يتردد بأذنها ، ليكون سبباً كبيراً في أنهمار دموعها على وجنتيها ، سمعت الباب يطرق ، بالتأكيد ليس هو ، و هي لن تفتح بجميع الأحوال ، ولكن الباب يزداد طرقاً بل وعنف حتى كاد أن ينكسر الباب ، دلفت لترتدي شئ أكثر سُتراً لتذهب نحو الباب ، فتحت الباب بجسد خالي من الروح ، أرتدت إلى الخلف و هي تشهق بصدمة قائلة :
- بـابا !!!!!!!

• • • •

تنام معانقة إياه و هي تتمتم بقلق :
- بـاسل ..؟
- نعم يا حبيبتي ..
قال "باسل" مغمضاً العينان ، تمتمت "رهف" و هي تنهض قائلة :
- ينفع أروح أشوف ماما النهاردة ؟!!!

أنتفض "باسل" يجأر بصرامة :
- رهف إياكي تفكري أنك تروحي بيت ابن ***** دة لو شوفته صدقيني هقتله في إيدي !!!!

نفت برأسها بعينان مملؤتان بالدموع قائلة ببكاء كالطفلة :
- بس أنا عايزة أشوفها .. هي وحشتني أوي يا باسل ، وبعدين أنا خلاص مش خايفة منه عشان أنت معايا و مش هتسمح لحد يأذيني .. صح ؟!!

جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها بحنو قائلاً بتأكيد حتمي :
- طبعاً ياحبيبتي ، طول مـ فيا النفس عُمري من هسيب حد يلمس شعرة منك !!!

مسد على خصلاتها يقبل مقدمة رأسها ، رفعت "فريدة" أنظارها له قائلة بحماس :
- يعني أقوم ألبس يا حبيبي !!!!

توسعت عيناه ليقبض على خصرها قائلاً بمزاح :
- أهو عشان حبيبي دي مش هتعتبي باب البيت من هنا لشهرين قدام !!!!

صفعته "رهف" على صدره بخفة و هي تتلوى بين ذراعيه :
- يا باسل خلاص بقا مكانتش كلمة !!!!

- أبداً دخول الحمام مش زي خروجه !!!!

أنقض يُقبل كل أنش بوجهها يُدغدغها بمعدتها ، كاد أن يُصيبها نوبة قلبية من كثرة الضحك

• • • •

يقود هو السيارة و بجانبه "رهف" تفرك أصابعها بتوتر ، تقضم أظافرها شاردة في الفراغ ، لاحظ "باسل" هالة القلق التي تحيط بها ليمسك بكفها مشدداً عليه و بالأخر يمسك بالمقود مسترسلاً ليُطمأنها :
- أنتِ بتثقي فيا ولا لاء ؟!!

ألتفتت له "رهف" تؤكد بقوة :
- أيوا طبعاً !!

رفع كفها لثغره ليُقبله بحنو مُثبتاً أنظاره على الطريق أمامه :
- يبقى مش عايزك تخافي من أي حد و أنا جنبك .. أنا عندي أستعداد أني أهد الدنيا فوق دماغ أي حد يزعلك يا حبيبتي ..!!!!!

أرتسمت أبتسامة فرحه على ثغرها ، رقص قلبها فرحاً لأنها و أخيراً وجدت من تستند عليه و من يحبُها بصدقٍ جماً ، تُريد أن تُقبّل كل دقيقة تمر و هو معها، ذلك هو الحُب .. أن يُنير وجهك وروحك ، لا أن يطفأ بك كل ذرة شغف داخلك، نظرت له نظرة عاشقة، نظرة متفرسة وجهه ، و بالفعل أسندت وجهها على كفها تنظر له مبتسمة بأتساع، لاحظ "باسل" تحملُقها به ليطلق ضحكة رجولية أظهرت تُفاحة آدم خاصته لتبتسم "رهف" أكثر على أثرها ، بينما قال "باسل" بإبتسامة واسعة و نبرة وقحة :
- لو فضلتي تبُصيلي كدا هحلف نرجع البيت يا رهف ، أو هنعمل حادثة أيُهما أقرب !!!

مالت برأسها ولم تنبت ببنت شفة ، مازالت الأبتسامة تزهر بوجهها ، تمتمت بنبرة مُشرقة :
- أنا حاسة أن دة حلم .. حلم جميل أوي .. بتمنى أني أموت قبل مـ أفوق منه !!!!

أنقبض قلبه ليضغط على المكابح السيارة بقوة ملتفتاً لها مزمجراً بنبرة أشبه بالصراخ :
- إياكي تجيبي سيرة الموت على لسانك يا رهف ، و رحمة أبويا لو قولتي كدا تاني هـ ...

قاطعته بعناقٍ حنون دافئ ، تستمع لنبضات قلبه العالية لتربت على ظهره العريض قائلة بإبتسامة :
- طب خلاص يا بسلة متزعلش ، متبقاش قفوش بقا الله !!!!

رفع حاجبيه بعينان جاحظة و هو يتمتم :
- بسِلة و قفوش ؟!!!! أنا بسِلة يا رهف ؟!!!!

أومأت "رهف" مطلقة ضحكة عفوية ، خبئها "باسل" بين ذراعيه يُقبل خصلاتها بـ ولهان ، ليبتسم قائلاً بوقاحة :
- حبيبتي لو فضلنا كدا أنا مش همسك نفسي وهيتقبض علينا بفعل فاضح في الطريق العام و صدقيني هعترف عليكي و أقول أن أنتِ غرغرتي بيا !!!!

أبتعدت "رهف" تضربه على صدره قائلة زامة شفتيها بطفولية :
- أنا بغرغر بيك يا بسِلة ؟!!! طب يلا بقا أتفضل امشي !!!!

قهقه بقوة ليسير بالسيارة و ضحكاتهما تملأ المكان ..

• • • •

شعرت برأسها يدور بها ، لا تستطيع الوقوف على قدميها التي ربما تخذلانها لتسقط على الأرض بضعف ، أبيها الواثب أمامها بغضبٍ شديد ، و زوجة والدها التي ملامحها لا تُبشر بالخير ، ممسكين بأخيها الذي يُحدق بها ببراءة ، و سُرعان ما تشبث الصغير بقدميها مُعبراً عن حبُه لشقيقته ، أنحنت له لتحتضنه ببكاء قوي :
- أنا أسفة يا حبيبي مش هسيبك تاني أنا أسفة !!!!

نظرت لأبيها حتى كادت أن ترتمي بأحضانه فكم تحتاج إلى عناقه الأن ، ولكنه أوقفها بمد كفيه يمنعها حتى أن تلامسه و كأنها عدوى ، و بلمح البصر كان يصفعها صفعة أوقعتها أرضاً ، أمسكت "فريدة" بوجنتها تمسح الدماء عن شفتيها ، فهي لطالما أعتادت على إهانته وضربه المستمر لها ، لم يكتفي بذلك بل أنحنى يُمسك بخصلاتها ليرفع وجهها له صارخاً بها بوحشية :
- بتتجوزي من ورايا يا بنت الكـلـب ، يا بنت ***** !!!!!

بكت "فريدة" بقوة ، لم تستطيع الدفاع عن نفسها ، زادت زوجة والدها الجو أشتعالاً و هو تصرخ بشماته :
- طبعاً م هي تربية أمها الشمال !!!!!

كادت أن تُلقنها درساً قاسياً و لكن ما ألجم لسانها وجوده خلفهم يصرخ بهم بقوة :
- أيه اللي بيحصل هنا !!!!

ألتفت جميعهم إلى "مازن" الذي كاد أن ينخلع قلبه عندما رآها بتلك الحالة ، شفتيها متورمة تُدمي حقاً وليست مستحضرات تجميل ، مستلقية على الأرض و ما زاده أشتعالاً عندما رأى ذلك الرجل ممسكاً بخصلاتها بكل ما أوتي من قوة ، أقترب منه حتى كاد أن يُلكمه بوجهه لتصرخ به "فريدة" :
- مازن ده أبويا !!!!
جحظت عيناه بقوة ليلتفت لها ، أمسكها من ذراعيها بلطف ليجعلها تنهض ماسحاً على وجنتيها الملتهبة ، أوقفها خلف ظهره ليلتفت لذلك العجوز ، عيناه توحي عما بداخله من نيران متفاقمة ، ليسكب أبيها البنزين على النار عندما جأر به :
- أنت بقى سبع البرُمبة اللي أتجوزتك من ورا أهلها !!!!

أقترب منه "مازن" يضع يداه بجيب بنطاله يحدق به بجمود قائلاً :
- و أنت بقا أبوها اللي سايبها هي و أخوها لوحدهم و عايش برا مصر مع الزبالة اللي واقفة جنبك ومش بتصرف عليهم ؟ تصدق أول مرة أشوف راجل تجرُه مرا (ست) ، عيب على شنبك حتى !!!!

شهقت "فريدة" من مدى وقاحته لتصرخ به :
- مــازن !!!!!

توترت معالم وجه أبيها ليقول :
- ماشي يا جوز بنتي .. مقبولة منك !!!!!

ليُكمل و هو ينظر لأبنته بعينان مشتعله :
- هو ده اللي أتجوزتيه ؟!! بيهين أبوكي و أنتِ ساكتة !!!!

صرخ به "مازن" بنبرة حادة صارمة :
- كلامك معــايـا أنــا !!!!!

نظرت له تلك ذات النظرات الخبيثة والتي تتفحص "مازن" بهيبته ورجولته لتقول بنبرة رخيصة :
- خلاص بقى يا حبيبي نبقى نجيلهم في وقت تاني !!!!

نظر لها "مازن" بسُخرية ليُكمل :
- أنا شايف كدا بردو !!!

نظر له أبيها قائلاً وقد ظهر الطمع في عيناه :
- و أيه المقابل !!!!

كتمت "فريدة" شهقة حزينة كادت أن تُفلت منها ، بينما أبتسم "مازن" بغرور قائلاً :
- عايز كام ؟!!!

أنقبض قلبها و هي تشعر أن ظهرها أنكسر في تلك الدنيا ، تشعر بخراب العالم بروحها ، أنطفئت معالم الحياة بعيناها ، زاغت أبصارها و هي تشاهد تلك المسرحية القاتلة لقلبها المسكين ، يُبيعها أبيها كسلعة بخسة ، ما قاله كان كرصاصة بمنتصف قلبها، تمنت لو أن تموت قبل أن تسمع هذا الحديث المقزز الذي يدير بينهما ، رأت "مازن"يُخرج دفتر الشيكات من جيبه ليدون رقم ، مده لأبيها قائلاً بجمود:
- عشرة مليون ، و تبعد عن حياتها خالص هي و أخوها يزيد ، أعتبر من النهاردة أن بنتك مـاتت !!!!

بالفعل ، ما قاله صحيح ، هو لم يكذب أبداً في تلك اللحظة هي حقاً أصبحت جسد بلا روح ، نظرت إلى أخاها الممسك بكفها و كأنه يفهم حُزنها، وبالفعل ذهب ما يُسمى بأبيها و مع زوجته العقربة ، تشبث الصغير بثيابها قائلاً بعينان دامعتان :
- فريدة هو بابا مشي ليه ؟!!!!

لم تستطيع الرّد ، تركت يد أخيها محملقة بعينان ذلك الواقف أمامها يطالعها بالقليل من الشفقة ، أقتربت منه لتضربه على صدره بهيستيرية صارخة بجنون :
- حــرام عليك ، ليه تعمل فيا كدا عملتلك أيــه عشان تكسرني كدا !!!!! ربنا ياخُدني عشان ترتاحوا مني كلكوا !!!!!!

جفل الصغير ليبكي على أخته ، بينما هو يقف يستقبل ضرباتها القوية بصدرٍ رحب، لم يحاول أن يوقفها عما تفعل لرُبما تنفث عن غضبها بتلك الطريقة، يعلم ذلك الشعور عندما يخذلك أقربهم إلى قلبك، أبتعدت عنه تصرخ به بألم أخترق قلبه :
- أنت شيطان مش بني آدم ، أنت أقذر واحد ممكن أشوفه في حياتي ، أنت عُمرك مـ هتتغير يا مازن ، أنت وَحش مش بتحس، ياريتني كُنت مُت قبل م أتجوزك يا أخي، مبسوط دلوقتي ؟!!! فرحان كدا لما كسرتني وخليتني ماليش ضهر ؟ مبسوط لما شوهت صورة اللي المفروض أبويا في عيني ؟ مبسوط أني بقيت مضطرة أعيش هنا و رجلي فوق رقابتي عشان مافيش مكان أروحله غير سجنك !!!!!!

أغمض عيناه من كلماتها التي كالسهام المسمومة، هم بالذهاب من أمامها لتتشبث به "فريدة" من تلابيبه مقربة وجهها من وجه الجليدي صارخة به حتى ظهرت عروق عنقها :
- أنت رايح فين !!!! هتمشي ببساطة بعد م خربتلي حياتي ، لما أكـون بكلمك متمشيش وتسيبني فاهم ، أنت هتسمع كل حاجة أنا هقولها دلوقتي ، أنا هاخد يزيد و هنمشي من هنا .. و أنساني بقا!!!!

أشتعلت عيناه ليمسك فكها بقوة أمام أخيها الذي أنفجر بالبكاء :
-خلصتي ؟ في أحلامك ، أنتِ مراتي و هتسافروا معايا الصعيد في بيت أهلي !!!!!

ضربت صدره بقوة لتصرخ بجنون :
- أنت مبتفهمش بقولك مش هروح معاك في حتة !!!!

أتجهت نحو المطبخ لتجلب نصل حاد ، وضعتها على على عنقها بجنون ليصرخ "يزيد" ببكاء :
- فـريدة !!!!

جحظت مقلتيه ليمسح على وجهه بأنقباض قلب و هو يقترب قليلاً قائلاً :
- فريدة سيبي الزفتة دي !!!

صرخت به ضاغطة على السكين أكثر صارخة به :
- إياك تقرب مني !!!!

وقع قلبه أرضاً عندما وجد خط رفيع من الدماء ينزف من عنقها ، كاد أن يجن و لأول مرة يقف عاجز لا يعلم ماذا سيفعل ، أقترب من أخيها الذي يبكي هو الأخر بهيستيرية ، أقترب منه ليحمله و هو يوجه حديثه إلى "فريدة" صارخاً بها:
- أخوكي حرام يشوف أخته بالمنظر دة بقولك سيبي السكينة يا فريدة !!!!!

نظرت إلى صغيرها الذي يستعطفها بعيناه ألا تفعل ، نقطة ضعفها والشئ الوحيد الذي تبقى لها من تلك الدنيا ، ألقت بالسكين أرضاً لتنهار على الأرضية الصلبة جالسة على ركبتيها تُغطي وجهها بكفيها ، أنزل "يزيد" الذي ركض نحو شقيقته ، ذهب هو ايضاً نحوها ليجلس على ركبتيه مثلها، أبعد كفيها عن وجهها بتردد، عيناها الباكية جعلته يغمض عيناه بألم، و سُرعان ما أرتمت "فريدة" بجسدها على جسده فاقدة الوعي !!!

• • • •
- هو فين مأذون الغفلة !!!!
قالت "ملاذ" و هي تقف أمامهم واضعة يداها على خصرها ، ترمق "ظافر" بتحدٍ ، نظرت لجارتها وزوجها الذي سيتولى تزويجها من ظافر و إلى المأذون والأثنان الذين سيشهدوا على تلك الزيجة ، شعرت بأنظارهما تفترسها نهض "ظافر" يطالع الثوب الذي خرجت به "ملاذ" بصدمة ، فقد كانت ترتدي ثوب قبل الركبة يلتصق بها و كأنه جلدها يظهرها بسخاء !!!!! ذهب نحوها ليقبض على ذراعها بقوة آلمتها حقاً ليدفعها داخل الغرفة حتى كادت أن تسقط أرضاً، نظر لما ترتديه بإشمئزاز مشيراً بأصبعه :
- أيه القرف دة ؟!!! أزاي تخرجي كدا !!!!
صرخ بأخر الجملة، جفلت "ملاذ" و لكنها هتفت بقوة :
- ماله ؟ مـ الفستان حلو أهو !!!!

صرخ بها "ظافر" :
- أنــتِ أتجننتي !!!! غيري القرف دة حالاً !!!!!

كتفت ذراعيها أمام صدرها قائلة بعندٍ :
- لاء مش هغيره ، عاجبني !!!!

مسح على وجهه بعنف لينظر لها بنظرات نارية تقذف جمراً بوجهها :
- و رحمة أبويا لو مـ دخلتي وغيرتي الفستان دة يا ملاذ لأكون مموتك في إيدي دلوقتي ، متخلينيش أكرّهك فيا !!!!!

خافت ، لا بل أرتعبت من نبرته و ما يقوله ، تابعته بأنظاره و هو يتوجه نحو الحقيبة الكبيرة ليُقلبها رأساً على عقب ، أخرج منها عباءة سوداء كان قد أبتاعها لها ليُرميها بوجهها قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- دقيقتين و تبقي لابساها ، أتقي شري ، أنتِ لسة ماشوفتيش وشي التاني و أنا مش عايز أوريهولك يا ملاذ !!!!!!

ثم خرج من الغرفة تاركاً قلبها ينبض بعنف ، أرتدت تلك العباءة الواسعة على ثوبها ، و بالفعل خرجت قبل الدقيقتين لتذهب نحو "ظافر" الذي نظر لها برضا ، مضت على الورقة التي أمامها لتكمل تلك الزيجة، كتبا الكتاب لتصبح زوجته ، ذهبوا جميعاً بأمر من "ظافر" ليتركوهما بمفردهم ، خفق قلبها بعنف عندما وجدته يقترب منها وملامحه لا تُبشر بالخير، أرتدت خطوتين فـ نظراته حقاً جعلت فرائسها ترتعد ، أقترب منها "ظافر" أكثر و كلما يقترب تعود هي إلى الخلف، تفاجأت بالحائط خلفها و أمامها صدره الصلب ، حاصرها بذراعيه يتأمل وجهها الجذاب و أحمر الشفاه الذي يُزين ثغرها ، مال بثغره ليلتقط شفتيها في قسوة يقبلها أو لنقول يُنفث عن غضبه بها، شعرت "ملاذ" بشفتيها تدمى لتضربه على صدره بقوة ، أبتعد "ظافر" و هو ينظر إلى شفتيها والتي ظهر لونها الوردي الطبيعي و الجذاب ، تمتم "ظافر" بأنفاس حارة :
- كدا أحسن !!!!

توقف عقلها عن العمل لِمَ تتركه يفعل بها هذا ، لِمَ لا تتحدث و كأن لسانها قُطع ، لِمَ تُحدق به هكذا اتريده أن يفعل مجدداً دون قصدٍ منها، و بالفعل أستجاب "ظافر" ليقبض على خصرها بلطف ، عانق شفتيها بشفتيه ولكن تلك المرة بحنان شديد، أغمضت "ملاذ" عيناها مستسلمة تماماً بين يداه ، جال بخاطرها ما قاله حول أنه لا يُحبها أبداً ، لتضربه على صدره تدفعه بكل ما أوتيت من قوة صارخة به :
- أبــعــد !!!!!!

صرخ بها "ظافر" يلوي ذراعيها خلف ظهرها :
- أهــدي !!!!

نفت برأسها بهيستيرية ليتركها "ظافر" مبتعداً عنها ، أمسك بخصلاته ليقول بصدرٍ مهتاج :
- جهزي شنطتك عشان نروح لقصر الهلالي يا مدام !!!!

• • • •
الفرحة تسود القصر بأكمله لعودة بِكرها ، وُضعت أشهى المأكولات على طاولة الطعام و جميع من بالقصر على قدمٍ وساق يُجهزون كل شئ ، أخبرها "ظافر" على الهاتف أنه تزوج من "ملاذ" ، بتلك اللحظة أطلقت زغاريد فرِحة أرتابت لها "مريم" ، أخفت السيدة "رقية" هذا الخبر عن العائلة بأكملها بأمرٍ من "ظافر" حتى مجيئه هو ليعلم البلدة بأكملها ، قالت "السيدة رقية" بينها وبين حالها :
- و أخيراً يا ظافر يابني أتچوزت ، أخيراً هتچبلي حفيدي اللي نفسي فيه، أحمدك يارب !!!!

نادت على الخدم تقول بصرامة :
- يالا يابت أنتِ وهي عايزة البيت يُبرق من النضافة عشان ضنايا جاي !!!!

بينما "مريم" تكاد تجن و كأنها تقف على جمرٍ مشتعل ، لا تصدق متى سيأتي زوجها الذي لم يهاتفها أبداً منذ أن ذهب و هي لا تعلم عنه شئ سوى من والدته ، تتمنى أن لا يحدث شئ سئ بعودته !!!

• • • •

أطرقت "رهف" بخفة على الباب ، يقف بجانبها زوجها وحبيبها ، فتحت والدتها الباب لتجد أبنتها تقف على وجهها أبتسامة واسعة ، لم تبدو أن والدتها فرحت برؤيتها خاصة عندما قالت بفتور :
- عايزة أيه يارهف ؟!! مش خلاص أتجوزتي وعيشتي حياتك !!!!!

أغرورقت مقلتيّ "رهف" بالدموع و هي تقول بحزن :
- أنتِ وحشتيني أوي يا ماما !!!!

رق قلب والدتها لتجذبها لأحضانها مربتة على ظهرها :
- أنتِ اللي وحشتيني يا ضنايا ، تعالي أدخلي ..

نفت "رهف" برأسها قائلة :
- لاء يا ماما كفاية عليا أني شوفتك ، أنا بس كنت جاية أطمن عليكي ..
ربتت أمها على خصلاتها بحنو :
- و دة ينفع يابنتي ، تعالي أتفضلي أنتِ و جوزك !!!!

دلفت "رهف" بتردد يُعقبها "باسل" كظلها ، دلفوا جميعاً ليجلسوا في غرفة الصالون، جلست "رهف" جوار والدتها تتشبع من حنانها لرُبما لن تراها مرةً أخرى، ترددت كثيراً أن تسأل عن هذا الحقير، ولتقطع الشك باليقين تمتمت و هي تتمنى أن تسمع خبر موته :
- أومال جوزك فين يا ماما ؟!!

تحدثت بإعتيادية :
- نايم يا حبيبتي ...

أطلقت "رهف" زفيراً إرتياحياً و هي تتمتم بصوتٍ منخفض :
- يارب ينام مـ يقوم !!!!

ربتت والدتها على قدمها و هي تسعُل بقوة :
- رهف يا بنتي .. ممكن تروحي تجيبيلي كوباية ميا أشرب يا حبيبتي ..

أومأت "رهف" سريعاً لتهم بالذهاب و لكن قاطعها صوت زوجها الصارم قائلاً :
- خليكي يا رهف أنا هجيب .. المطبخ من فين ؟

أستطردت "رهف" سريعاً وهي ترى والدتها تسعل بقوة :
- لاء يا باسل خليك انا هجيب الميا ع طول ..

هم "باسل" بالإعتراض ولكنها تبخرت من أمامه تاركة إياه يسب بينه وبين حاله ..

سكبت "رهف" الماء داخل الكوب الزجاجي، توقفت الدماء عن السير بأوردتها عندما شعرت بـ يدٍ غليظة تقبض على خصرها، كادت أن تصرخ ليضع هو يده على فمها مكبلاً إياه ليصبح شبه محتضنها، ظهرها ملتصق بصدره و بـ يدٍ يطبق فمها وبالأخر يسير على جسدها بأكمله برغبة مقززة ، لمساته تحرقها و هي حية، رفعت قدميها لتضربه بقدمه بقوة من الخلف ، تآوه الأحمق بصوتٍ منخفض ليُطلق سراحها ممسكاً بقدميه، ألتفتت له لتُبصق في وجهه، ركلته بقدميها على رُكبته ليتكوم بالأرض، أرتجفت يداها وهي تلتطقت كوب الماء لتدلف خارج المطبخ، منعت بصعوبة إنهمار الدموع بعيناه لتخرج إلا والدتها ، مدت يدها بكوب الماء قائلة بنبرة مهتزة :
- أ .. أتفضلي يا ماما ...

أخذت والدتها الكوب لترتشف منه دُفعةً واحدة ، نظرت إلى "باسل" الذي يطالعها بشكٍ، تمنت لو أن تخبره ليذهب يُلقنه درسٍ قاسٍ لن ينساه طيلة حياته، ولكن خوفها على زوجها كان أكبر، هي تعلم أنه لن يتركه سوى جثة هامدة، و هي لن تُضحي به، إلتفتت إلى أمها تقول :
- ماما أحنا ماشيين بقا يا حبيبتي ..

أحتجت والدتها قائلة بحُزن جلي :
- أنتوا ملحقتوش تقعدوا يا بنتي .. و أنا لسة مش أطمنت عليكي ..

مالت عليها "رهف" لتحتضنها مجهشة ببكاء مرير ، أنقبض قلبه و هو ينتفض من على المقعد ، يرى والدتها تُربت على ظهرها و هي تقول بجزع :
- مالك يا ضنايا ؟!! فيكي أيه أوعي يكون جوزك مزعلك !!!!

نفت "رهف" و هي تبتعد عن أحضانها ، مسحت دموعها قائلة بحُزن :
- أنا بعيط عشان هتوحشيني أوي يا حبيبتي ..!!!

ربتت والدتها على كتفها قائلة :
- هو أنا هروح فين أبقي تعالي أشوفك البيت مفتوحلك في أي وقت ..

أومأت "رهف" لتودعها ، خرجا كل من "رهف" و "باسل" الذي يربت على ظهرها بحنو ، نظرت له "رهف" لتتشبث في يده و هم يسيروا نحو السيارة، استقل كلا منهما محله ليلتفت لها "باسل" مردفاً بشفقة :
- أنتِ كويسة يارهف ؟!!

أومأت "رهف" دون أن تتحدث ، انطلق "باسل" بالسيارة عائدين نحو بيتهما !!!!

• • • •

أستقل كلاً منهما السيارة بملامح جامدة، أردف "ظافر" قائلاً بنبرة فاترة :
- أخر مرة تلبسي فيها القرف دة .. و هدومك أنا اللي هختارهالك !!!!

ألتفتت له "ملاذ" بصدمة قائلة :
- تختارلي هدومي ، ليه إن شاء الله أنت فاكر نفسك مين ؟!!

ضرب على المقود بعنف لترتد "ملاذ" إلى الخلف عندما صرخ بوجهها :
- أنــا جــوزك .. و أنــتِ مـلـكـي أنـا .. بطلـي العنـاد والغرور اللي أنـتِ فيه و كلمتي تتسمع !!! دي أخر مرة أقول فيها الكلام دة ، فـــاهـمـه !!!!!

أنتفضت "ملاذ" من ذلك الرجل الذي أمامها، لا ليس هو .. هي لا ترى "ظافر" الأن بل ترى والده أمامها بصراخه الدائم و بنبرته المُرعبة و قساوة حديثه، ليس هذا "ظافر" من أهتم بها و رعاها، ليس من جعلها تشعر أنها ملكة متوّجة، لم تنبت ببنت شفة ، ليس خوفاً منه .. و إنما ذكاءاً منها حتى لا تجعله يخرج أسوأ ما به و هو في تلك الحالة المشحونة بذبذبات الغضب و لكن حديثه لم و لن يروق لها، أنطلق "ظافر" بالسيارة بجسدٍ متشنج أثر غضبه ، أنطلق بالسيارة التي تكاد تطير من فرط السرعة التي يسير بها، قطبت "ملاذ" حاجبيها بخوفٍ لم تُظهره، منذ صغرها تخاف من سُرعة السيارات بل تتلبسها حاله من الذُعر، وضعت يداها على كتفه و هي تقول بصوتٍ مُرتجف :
- ظافر هدي السُرعة .. ظـافر بقولك هدي السرعة لـو سمحت !!!!!
لم يكُن يسمعها ، لم يسمع حبيبته و هي شبه تترجاه أن يُبطئ السرعة لم يُكن يرى أو يسمع شئ ، هو هكذا عندما يغضب لا يرى أو يسمع، و لكن صوت شهقات بكائها و هي تدفن وجهها داخل كفيها يخترق أذنه لتعصف به بقوة ، ضغط على مكابح السيارة لترتد إلى الخلف، ألتفت لها وقد ذهب غضبه إدراج الرياح، ترجل من السيارة ليذهب نحوها، لم تكف "ملاذ" عن البكاء القوي رُغم توقف السيارة، لم تستفيق سوى على ذراعه الذي يجذبها نحوه بلُطف ليُخرجها من السيارة ، أبعدت يداها عن وجهها لتظهر عيناها المبتلة و الحمراء .. لو بإستطاعته كان ليقتل نفسه حتى لا يتسبب في بكاءها بتلك الطريقة، جذبها إلى أحضانه ليجعلها تحاوط عنقه رُغماً عنها، قبل خصلاتها مربتاً على ظهرها و هو يُردف بندم حقيقي :
- أنا أسف .. متعيطيش خلاص أنا أسف أنا مكنتش شايف قُدامي، ملاذ أرجوكي متعيطيش يا حبيبتي خلاص ...

أبتعدت عنه تضربه على صدره ضربات قوية متتالية قائلة بصراخٍ باكي :
- أنـت غبي و مجنون .. أنا مبحبش السُرعة العالية بفتكر بابا و ماما ماتوا أزاي يا ظافر و أنا مبحبش أفتكر ده ..

جذبها لأحضانه مجدداً في عناق يسحق عظامها يدفن وجهه بعنقها يقول بأسفٍ :
- أهدي أنا أسف .. خلاص وعد مش هسوق بسرعة تاني بس كفاية عياط !!!!

حاوطت عنقه برجفة و هي تسند رأسها على كتفه و قد شعرت بالطمأنينة بين يداه، شعور فريد حقاً ، تشعر أنها تحتضن أباها بدفئ عناقه ولمساته الحنونة، هدهدها "ظافر" يمسح على خصلاتها مغمضاً عيناه يشتم رائحتها الجذابة، كم تمنى ذلك العناق كثيراً، كم تمنى أن تعانقه وتتشبث به مثل الأن، دام عناقهما رُبما عدة دقائق كِلاهما صامتان، أبتعدت عنه "ملاذ" ليحاوط "ظافر" وجهها بكفيه ماسحاً دموعها، أقترب بثغره ليُقبل مقدمة رأسها بحنو جارف، نظر لها قائلاً بمرحٍ :
- تمام كدا يا باشا ؟!!

أبتسمت "ملاذ" و ما أجمل أبتسامتها بعد بُكائها .. نظرت له قائلة بتحذير وهي تزم شفتيها :
- مش هتزعقلي تاني أبداً ؟!!!

ملئت ضحكاته الرجولية الطريق الفارغ الذين يقفوا به ليجذب وجهها نحوه مقبلاً طرف ثغرها بعُمق قائلاً بحنو :
- لاء مش هزعقلك تاني أبداً ..

أومأت "ملاذ" لتستقل السيارة بمشاعرٍ مختلفة كُلياً ، أستقل هو أيضاً لينطلقوا نحو قصر "الهلالي"

• • • •

ترجل "ظافر" من السيارة بعد أن صفها في مصف السيارات الخاص بعائلتهما، ترجلت هي الأخرى بتردد لتتمسك بذراعه قائلة :
- ظافر .. أنت متأكد أن هُما هيقبلوا بيا ؟!!

ربت على كفها قائلاً بلطف :
- أيوا متأكد .. أنا قايل لأمي أصلاً اني كتبت كتابي عليكي !!!!

شهقت "ملاذ" قائلة بصدمة :
- بجد !!! طيب و هي قالتلك أيه !!!

كوّب وجهها بين يداه قائلاً :
- كانت مبسوطة جداً ..!! وبعدين متخافيش و أنا جنبك !!!

قطبت حاجبيها قائلة بإنزعاج :
- أنا مش بخاف أصلاً !!!

قهقه "ظافر" ليُقبل جبهتها ممسكاً بكفها، سارا نحو باب القصر ليجد والدته تستقبله بالأحضان ، أحتضنت "ملاذ" أيضاً بأمومة لتبادلها "ملاذ" العناق، بينما "ظافر" لازال ممسك بكفها يرفض أن يتركه، ظهرت "ملك" التي أتجهت لتحتضن أخيها بإشتياق، تفاجأت من وجود ملاذ" بجانبه ممسك بيدها لتقول :
- ملاذ ؟!! أنتِ هنا ..!!
لم تعلق "ملاذ" أبداً ، لتظهر "مريم" من وراء السيدة "رقية" عيناها مثبته على كف زوجها الممسك بكفها ، تسمرت بمكانها لتنظر إلى "ظافر" بصدمة ، وفجأة تعالى صوتها لتصرخ به بقوة أفزعتهما :
- ظـــافـــر !!!!!!
جلست على أريكة غرفتها التي تجاور غرفة "ظافر" ، ثم أطلقت العِنان لعقلها لتتذكر ما حدث من مطاحنات بينهم، عندما أندفعت "مريم" تجأر في ضراوة :
- بتعمل أي أهنه دي يا ظافر ، وماسك في أيدها ليه أكده !!!!!

عقّب "ظافر" بملامح مبهمة وبعينان جامدتان:
- مـلاذ بقت مراتي يا مريم، كتبنا كتابنا والدخله كمان كام يوم !!!!!

هللت والدته فرِحة تقول بنبرة شامتة :
- أيوا أكده ياضنايا ، اللي عملتهة الصح يا حبيبي عايزة أشوف حفيدي قبل مـ أموت !!!!!

توقف عقلها عن التفكير، تحدق بكفيهما المتشابكان بجمود، لم تعد قدميها تحملها حتى كادت أن تسقط من أعلى الدرج ، لتساندها "ملك" التي أشفقت عليها قليلاً ، ليس من السهلاً أن ترى من تحبه متشبث بآخر، وقعت عليها كلماته كالصاعقة، هزت رأسها نافية ما يقول و كأنها بكابوس، هو وعدها أن لن يتزوج بأخرى ، هو من قال أنه لن يتركها، حدقت بـ "ملاذ" بحقد إن وُزع على بلدة بأكملها سيُكفي ويفيض، بينما نظرت لها "ملاذ" بإنتصار جلي، تخبرها أنه أصبح ملكها، لها هي فقط و أنها فقدته للأبد، عندما وجدتها تنظر لها بتلك الطريقة ركضت نحوها تجتاز الدرج وعيناها تشع غضباً سيودي بها، أسرع "ظافر" ليجعلها تتوارى خلفه منتصباً أمام "مريم" يحذرها قائلاً :
- إياكي تلمسيها !!!!!

ألتوى ثغرها بإبتسامة ماكرة وهي تقف خلفه لتستفزها أكثر، نظرت له "مريم" بخذلان ، بضعفٍ، بعينان حزينتان، تستميله بنظراتها عله يتراجع، ولكن لم تؤثر به نظراتها مقدار ذرة، أسرعت السيدة "رقية" تنهي اللحظات المشحونة لتجلب "ملاذ" من ذراعها متمتمة بإبتسامة مِرتابة :
- تعالي يحبيبتي أما أفرچك على جِناحك ، هو جنب جِناح "ظافر" على طول !!!

نظر لها "ظافر" قائلاً :
- لاء يا أمي ملاذ هتقعد معايا !!!!

رفضت والدته رفضٍ قاطع قائلة :
واه !!! تقعد معاك كيف يابني أنت عايز الناس ياكلوا وشوشنا ويقولوا عايشين مع بعض في نفس الچناح من غير دُخلة، لاع ملاذ هتقعد في جناحها لحد م تتدخلوا يا حبايبي !!!!

لم يُجيب "ظافر" لينظر إلى "ملاذ" يُريد أن يشبع من عيناها ، أمرت والدته الخادمة بأن تحضر ثيابها وترصصهما في خزانتها
أفاقت على رنين هاتفها لتجفل بتوجس، ألتقطته لتتأفف ثم وضعته على أذنها ترد بإيجاز :
- نعم يا عماد ؟!!

أسترسل "عماد" سريعاً وبنبرة مخنوقة :
- ملاذ حقيقي اللي سمعته ؟!! أنت واللي أسمه ظافر كتبتوا الكتاب ؟!!!

رفعت أحد حاجبيها قائلة :
- و أنت عرفت منين !!!

صاح بها "عماد" و لأول مرة بغضبٍ ثائر :
- مــش مهم عـرفـت منين جاوبيني اللي سمعته دة حـقـيـقـي !!!!!

جمدت ملامحها لتعلق بنبرة هادئة وكلمات مسمومة :
- لما تعرف تتكلم معايا أزاي ساعتها هكلمك !!!!

ثم أغلقت الهاتف بأكمله لتلقيه على الفراش بغضب تاركة "عماد" يتمتم بجنون كمن يجلس على جمرٍ مشتعل :
- لاء يا ملاذ أنتِ بتاعتي ، مش هسمح لحد ياخدك مني أنتِ ملكي أنا !!!!!

سمعت الباب يطرق بهدوء لينبعث صوتٍ أنثوي رقيق يتمتم :
- ملاذ أنا ملك .. ينفع أدخل ؟؟

ردّت "ملاذ" قائلة على مضض :
- تعالي يا ملك أتفضلي ..

دلفت "ملك" داخل الغرفة لتشهق بإعجاب مردفة :
- أيه يا بنتي الجمال دة ما شاء الله عليكي بجد ، أنا بقول لو ظافر شافك كدا ممكن يخلي الدخلة دلوقتي !!!

أبتسمت "ملاذ" ببهوت على إطراءها لتنظر إلى ما ترتديه ، فقد أبدلت ملابسها إلى منامية تتكون من بنطال قصير يصل إلى ما قبل ركبتها مع كنزة "كت"قصيرة في منتصف معدتها تكشف عن ذراعيها الممشوقتان وخصرها النحيل، لتعود ناظرة إلى "ملك" بغرابة قائلة :
- أنتِ مش بتتكلمي صعيدي زيهم ليه ؟!

أبتسمت لها "ملك" لتذهب جالسه جوارها قائلة :
- انا أصلاً بسافر القاهرة عشان الجامعة بتاعتي هناك، يعني بتكلم زيكوا عادي ...

أومأت "ملاذ" بصمت، بينما هتفت "ملك" قائلة:
- عارفة يا ملاذ أنا كنت طول عمري مرات أخويا ظافر بالذات تبقى قريبة مني زي أختي كدا ، بس للأسف لما اتجوز مريم كانت بتكرهني وبتكره ماما، مريم مش سهله و نابها أزرق بس الحمدلله انه عرف يختار المرة دي..
قالت بإمتعاض لحظ أخيها الذي أوقعه في "مريم"، لتعود مبتسمه بمرحٍ قائلة:
- انا حبيتك خلاص وشكلنا هنبقى صحاب ..

نظرت لها "ملاذ" بإبتسامة نابعة من قلبها، فتلك الفتاة رُغم سنها الصغير إلا أن وجهها البشوش المستدير يجعلك تطمأن لها، أبتسمت لها "ملاذ" قائلة :
- أكيد يا حبيبتي ..

صفقت "ملك" بسعادة، لتجلس مربعة القدم قائلة بحماس متأهبة :
- خلاص أحكيلي بقا أتعرفتوا على بعض أزاي أنتِ و ظافر ؟!!

مُحت الأبتسامة من على وجهها لتشرد في أول لقاء بينهما بعد مرور تلك السنوات،عندما دافع عنها أكثر ولقن "سالم" درساً لن ينساه، نظرت إلى "ملك" قائلة بإبتسامة صفراء:
- أنا بقول تخلي "ظافر" يحكيلك احسن ؟!!

- لاء أنا عايزة أسمع منك !!!

قاطعهما أقتحام "ظافر" الغرفة لتنتفض "ملك" تنظر له بتوجسٍ، بينما "ملاذ" لم يهتز لها رمشٍ، أشار لـ "ملك" بالخروج لتخرج فوراً دون انا تنبس بكلمةٍ، أخذت عيناه تجول على ما ترتديه من ملابس، كلما يراها يشعر بأنه يفقد السيطرة على نفسهُ، مسح على وجهه بعنف ليزمجر بحدة :
- الحيوان عماد كلمك !!

نظرت له بدهشة قائلة :
- و أنت عرفت منين ؟!!

أبتسم بقسوة مردفاً بشراسة :
- أتوقعت، أصل أنا نزلت الخبر في الجرايد عشان كله يعرف أنك بقيتي بتاعتي !!!!!

جحظت عيناها لتنهض مندفعه تجاهه بشبه صراخ :
- ظـافر أنت أتجننت أزاي تنشر الخبر كدا و مقولتليش لـيـه !!!!!

جمدت أنظاره يقول بتحذير :
- متعليش صوتك يا ملاذ !!!!

بلغ الغضب ذروته لتضرب الارض بقدميها بصوتٍ أعلى :
- فهمني لـيـه عملت كدا من غير ما تقولي !!!! عماد شكله اي دلوقتي قدام الناس !!!!!

نبض فكه بقوة ليتشنج وجهه بغضبٍ هالك، قبض على ذراعها بقوة آلمتها صارخاً بوجهها يجأر بصوته الجهوري :
- إيــاكـي تجيبي أسم راجل تاني على لسانك أنا حذرتك قبل كدا المرة الجاية هتزعلي مني يا مــلاذ !!!!

لم يهتز لها رمشٍ، ظلت تطالعه بجمود لتنفض يداها بعيداً تزيح كفه القاسي، دلفت "رقية" إلى الغرفة بدون استئذان تضرب صدرها بذراعها قائلة بقلق :
- في أيه يا ولاد صوتكوا عالي ليه عاد، أوعاك "إياك" يا ظافر تزعل ملاذ بتي من دلوكتي يا ملاذ لو ظافر عملك حاسة تيچي تقوليلي أنا زي أمك يا حبيبتي ..
ظل ينظر لها بقتامة لينهب الأرض بقدميه دالفاً خارج الجناح ، ظلت "ملاذ" على وضعها تنظر للأمام بشرود، ربتت "رقية" على كتفيها قائلة بحنو :
- معلش يا بتي أستحمليه، ظافر عصبي بس مافيش أحن منه، أنا مـ صدقت أني إن شاء الله هبقى چدة، أرتاحي يا حبيبتي و نامي هبَابة "شوية" على ما الخدم يحضروا الغدا ..

اومأت "ملاذ" بإرهاق فهي حقاً منهكة، خرجت "رقية" لتترك لها مساحة من الحرية، أتجهت "ملاذ" نحو الفراش لتستلقى عليه بتعب، كم أشتاقت لفراشها وشقتها.. بعد دقائق قليله ذهبت "ملاذ" في سُبات عميق !!!

• • • •

جلس جوارها على الفراش، مسح على خصلاتها بندم يجاوره أخيها الصغير مترقرق العينان خائفاً على شقيقته، أخبره الطبيب الذي ذهب قبل دقائق بإرهاقها النفسي والجسدي وضرورة الأعتناء بها وبصحتها، أنثنى يضع يداه على ركبته ممسك برأسه بتعبٍ، ذهب نحوه الصغير قائلاً ببراءة وبنبرة شبه باكية :
- عمو هي فريدة هتفوق أمتى ؟!!

نظر له "مازن" متمتماً بضيق:
- فريدة نايمة شوية يا يزيد ..

أومأ "يزيد" يتنهد بتعب يُفرك عيناه بطفولية، ليبتسم "مازن" قائلة في نبرة لطيفة :
- تيجي ننام أنا و أنت جنبها ؟!!!

أومأ الصغير سريعاً ليصعد الفراش مستلقياً جوار شقيقته، دفن أنفه الصغير بعنقها متمتاً بكلمات غير مفهومة، أستلقى "مازن" هو الأخر جوارهما بحذرٍ، أغمض عيناه بنعاس ليغفو هو الأخر ..

• • • •

للمرة المائة تأخذ شقيقتها ما يخُصها هي، ألقت بالهاتف في عرض الحائط صارخة ببكاء عنيف، ركضت نحوها "فتحية" ضاربة صدرها هاتفة :
- يا ساتر يارب في أيه يا براءة يا بنتي !!!!

صدح صوت بكائها المنزل باكمله جوارها "فتحية" تحاول تهدأتها، صرخت "براءة" بكل ما أوتيت من قوة و بحُرقة شديدة :
خدت مني كل حاجة، حتى هو خدته مني !!! يــارب ليه بيحصل فـيـا كـدا لـيه كل حاجة حلوة بتروح مني !!!!

بكت "فتحية" على بكائها النابع من قلبها ، وقد فهمت ما تقصده ، فهي أيضاً قرأت بالجريدة خبر زواجهم .. عانقت "براءة" تحاول بث الطمأنينة بها و لكن لا حياة لمن تُنادي، اخذت تضرب كل ما تُطيله يداها جالسة على المقعد لا حول لها ولا قوة، نبع الحقد من عيناها عازمة على ألا تترك لهم فرصة ليبقوا سعداء، قطعت وعد على نفسها على أن تذيقها المرار كؤوساً !!!!

• • • •

- مـش ممكن !!!!
هتف "باسل" بصدمة عندما علم بزواج أخيه، جائت "رهف" على جملته المصدومة قائلة بغرابة :
- في أيه يا بـاسـل ؟!!!

ألتفت لها قائلة بعجلة :
- رهف لمي هدومك بسرعة .. راجعين على الصعيد !!!!

- لــيــه !!!!

صرخ بها بقوة :
- رهـف لمي هدومك و أنتِ ساكتة !!!!

• • • •

طُرق باب مكتبه بهدوءٍ، أمر هو بالدخول ليرى والدته تدلف متجهة نحوه،فورما رآها نهض مردفاً بلطف :
- تعالي يا أمي .. في حاجة ؟
- البت اللي أسمها مريم دي فين ؟!!
أمتعض وجهه قائلاً:
- مريم سابت الجناح و قاعدة في الأوضة اللي فوق ، لمت هدومها وطلعت .
أشارت بيداها بإرتياح قائلة :
- يلا أحسن بردو !!! كنت عايزاك في موضوع يا حبيبي ..

أتجهت نحو الفراش تشير له بالجلوس جوارها، جلس "ظافر" ينظر لها بإستغراب ، ثم علت الدهشة محياه عندما قالت :
- مخبيين عليا أيه يا ولاد الهلالي ..!!
- قصدك أيه يا أمي ؟!
تنهدت بقلة حيلة قائلة :
- أخواتك فين يا ظافر ، مازن بقاله يومين خارچ من المشتشفى يابني و كان قايل أنه چاي على أهنه ، وباسل مختفي و لما قولتلي أنه عندك صدقتك، أنا عارفة أنه مش عندك يابني ريح قلبي وقولي هما فين ؟!!

أطلق زفيراً مرهقاً يقول بجدية :
- هقولك يا أمي .. بس توعديني أنك متضايقيش ..

أومأت سريعاً بتوجس تحثه على المتابعة، أسترسل "ظافر" قائلاً :
- باسل أتجوز رهف اللي وقعت في طريق مازن عشان سمعة العيلة متضيعش بسببه، صدقيني دة كان الحل الوحيد للمصيبة دي !!!!

لطمت على فخذها صارخة بصدمة :
- يا نصيبتي !!!! أتچوز !!! و أتچوز البت اللي كان أخوه هيتچوزها ، يا ليلة سودا !!! و من ورانا و من ورا أهل البلد !!! لـيـه !!!!
- دة كان الحل الوحيد !!!!
- طـب .. طـب و مازن راح فين، أوعى تكون عملتله حاچة يا ظافر ؟!!!
أستعد ليفجر في وجهها الصدمة التالية قائلاً بهدوء :
- ومازن أتجوز ممرضة شغالة قي المستشفى بتاعتنا !!!!

شعرت بالأرض تُسحب من أسفلها ، أسندها "ظافر" صارخاً بهلع :
- أمي .. أمــي !!!!!

دلفت "ملك" للغرفة لترى والدتها تسقط على الفراش بوجهٍ شاحب و عينان مغلقتان، أسرعت "ملك" تركض نحوهما لتهتف لأخيها ببكاء :
- أيه اللي حُصل يا "ظافر" في أيه !!!!

حاول "ظافر" أن يفيقها ليجلب كوب من الماء، نثره على وجهها لتفيق، أسرعوا بمساندتها حتى تجلس على الفراش، أحتضنتها "ملك" تشهق ببكاء خائف من فقدان أغلى ما لديها :
- خضتينا عليكي ياما أنتِ كويسة ؟!!!!

لم تنبت ببنت شفة، ظلت تنظر أمامها بشرود حزين، نظر لها "ظافر" بشفقة ليردف :
- ملك سيبينا لوحدنا شوية !!!

نفت "ملك" متشبثة بوالدتها التي بدت بحالة ليست طبيعية قائلة :
- لاء يا ظافر أنا لازم أعرف في أيه !!!

- مــلــك !!!!!
صرخ بها بنبرة حادة لترتجف "ملك" من شدة الخوف، أنكست رأسها بحزن لتخرج خارج الغرفة ، أقترب "ظافر" من والدته لينحنى أمام قدميها ممسكاً بكفيها قائلاً :
- يا أمي ردي عليا ، زعقي طيب أعملي أي حاجة بس حالتك دي بتقلقني، صدقيني أنا عرفت أن مازن كمان أتجوز بالصدفة بس باسل كنت عارف أنه هيتجوز، محدش فينا يقدر على زعلك و ياستي لما ييجوا أبقي عاقبيهم براحتك بس بلاش حالتك دي .. أعملك أيه طيب عشان تبقي مبسوطة .. صدقيني هما جايين دلوقتي يا حبيبتي و هما هيفهموكي كل حاجة..

أومأت دون أن تتحدث، أبتسم "ظافر" بسعادة ليقبل كفها بحب

• • • •

أفاقت "فريدة" لتشعر بثقل على خصرها، وجدت "يزيد" و مازن يحتضنان خصرها النحيل، أنتفضت "فريدة" بفزع تناظرهما بجسد يرتجف، سُرعان ما تذكرت ما حدث لتجهش ببكاءٍ حارق، أخبئت وجهها داخل كفيها وجسدها ينتفض من شدة البكاء، أفاق "مازن" على صوت بكائها ليهرع نحوها، رؤيتها بتلك الحالة جعلته يشعر بشعور لأول مرة يشعر به، هو لا يعلم ماذا يفعل لكي يجعلها سعيدة، ولا يعلم لِمَ يحاول إرضائها بشتى الطرق، هو من أصابها في مقتل بكلماته المسمومة ليأتي الذي من المفترض أبيها ليُكمل عليها، مسح على وجهه و هو كالعاجز أمام بكائها، كاد أن يُمسك بكتفيها بلطف لتبعد ذراعيه بعنف ناظرة له بإشمئزاز، خرجت الكلمات مصحوبة بشهقات مرتجفة :
- إ .. إياك تلمسني .. أبداً !!!!!

نهضت عن الفراش تحاول خلق مسافة كبيرة بينهما، نهض هو قبالتها قائلاً بنبرة هادئة :
- فريدة أسمعيني عايز أقولك اي !!!!

وضعت كلتا كفيها على أذنها صارخة بجنون ليفيق أخيها الصغير على صوت بكائها:
- سيبني بقى في حالة مش عايزة أسمع حاجة مش عايزة أسمع كفاية اللي سمعته وشوفته سـيـبـني !!!!!

أقترب منها يحاول تهدئتها و بدأ في فقدان أعصابة لتبتعد هي إلى الوراء صارخة بجنون حتى أشتدت عروق عنقه، بكى "يزيد" يضم ساقيه إلى صدره، أندفع نحوها ليحاوط كتفيها بذراعيه المفتولين صارخاً بوجهها :
- اهـدي بــقــولك !!!!!

ضربته على صدره بكفها الصغير بدموع تنهمر على وجنتيها كالشلالات، أستقبل ضرباتها بصدر عريض مشدداً على خصرها، أُنهكت قواها واستنفذت طاقتها لتخونها قدميها حتى كادت أن تسقى لولا ذراعه الذي أسندها سريعاً، تعلقت أنظاره بأنظارها ليتنهد بإرتياح بعدما هدءت، تمتم "مازن" بصوتٍ أجش :
- هعمل أتفاق معاكي مقابل أنك تيجي معايا لقصر الهلالي في الصعيد ..!!!

هزت رأسها نافية بضعف قائلة :
- مستحيل أجي معاك في مكان !!!

ثُبتت أنظارها عليها قائلاً :
- لاء هتيجي .. وبمزاجك ..!!!

ليتابع هو بعينان ماكرة قائلاً:
هشتريلك شقة وهكتبها بأسمك في أحسن مكان في القاهرة، أخوكي هيدخل أرقى المدارس و هيتعلم احسن تعليم، مش هخليكوا محتاجين حاجة بس هتفضلي على ذمتي يا فريدة لحد م أنا اللي أقرر هطلقك، عايز أثبت لعيلتي أني مش فاشل، وأني أعرف أعتمد على نفسي كويس وأعرف أكون عيلة، قولتي أيه ؟!!!

صُدمت من عرضه، فرغت شفتيها بذهول لتلوي شفتيها بتقزز متمتمة :
- أنت فعلاً فاشل يا مازن، و مستحيل تنجح في أنك تكوِّن عيلة، أنت مش عارف تحب نفسك عشان تحب اللي حواليك، و أنا مش مستعدة أبقى فار تجارب عشان تثبت لعيلتك أنك مسؤول !!!!

أظلمت نظراته ليضع يداه في جيبه قائلاً بسخرية :
- فريدة أنتِ مراتي، والمهر بتاعك أنا دافع فيه دم قلبي، يعني كدا ولا كدا أنتِ هتيجي معايا عند أهلي، بس أنا عايز تبقي مستفادة عشان تضمني حقك لما أطلقك، بس واضح أنك غبية فعلاً !!

ظلت تناظره بحدة ممزوجة بتحدي، و أخيراً أسترسلت :
- على شرط ..

أبتسمت عيناه لنجاح خطته قائلاً:
- أشرطي يا مدام ..

نظرت لأخيها الذي ينظر لهما بعدم فهم لتهمس :
- جوازنا هيبقى على ورق بس يا مازن !!!
قطب حاجبيه لوهلة، لتصدح صوت ضحكاته العالية أرجاء الغرفة عائداً برأسه للخلف، سرعان ما قطع ضحكاته بنظرة راغبة تتفرسها :
- أنتِ أنانية أوي يا فريدة، عايزة تاخدي كل حاجة و أنا ماخدش أي حاجة، فريدة أنا متجوزك لسبب واحد أنتِ عارفاه .. وبعمل كل دة بردو و أنتِ عارفة ليه !!!! وتيجي تقوليلي على ورق، طب و أنا كدا هبقى مستفيد بأيه !!!!

شهقت مصدومة من مدى وقاحته، لتعود للخلف ضاربة الأرض بقدميها قائلة :
- مستحيل دة يحصل !!!!!

نظر إلى "يزيد" ليجده قد غفى ذاهباً في سُبات عميق، تقدم منها بضع خطوات لتعود هي ضعفهما، لينتهي بها الحال محاصرة بين الحائط وذراعيه ينظر لها كالأسد الذي يود إفتراس بل تمزيق فريسته، تاهت في عيناه السمرواتين شاردة بقساوتهما، يقترب ليُسند جبينه على جبينها مستنشقاً أنفاسها الدافئة، قائلاً بنبرة خالية :
- أنتِ محتاجاني صدقيني ، أبوكي مستحيل يسأل فيكي لا أنتِ ولا يزيد، شغلك مش هيكفي المصاريف اللي هتصرفوها، أعتبري أنك بتعملي خدمة مقابل مبلغ مادي محترم وشقة و أحلى عيشة، بذمتك مش عرض مُغري !!!!

أغمضت عيناها البندقيتان لتنهمر الدموع على وجنتيها، شعر بقبضة تعتصر قلبه ليميل مزيلاً دموعها بشفتيه الغليظة التي أخذت تجول على وجنتيها، فتحت عيناها على مصراعيهما دون أن تتحرك، نزل بشفتيه قليلاً حتى كاد أن يطبق بشفتيه على شفتيها، لتدفعه "فريدة" قبل أن تستسلم للمساته المذيبة، خفق قلبها برعب لتتمتم :
- طيب .. موافقة .. موافقة بس سيبني لوحدي لو سمحت ..!!!

أبتسم بخبث ليقول :
- مافيش وقت ، جهزي نفسك وأخوكي عشان هنسافر الصعيد .. دلوقتي !!!!!

تركها ليدلف خارج الغرفه، أرتمى على الأريكة في إرهاق ليخرج سيجاره البنيّ، نفث دخانها يحُكّ جبهته بتعب، عاد بذاكرته للخلف عندما هاتفه أخيه ..

- أنتَ لازم تيجي حالاً يا زفت وتجيب البت اللي متجوزها دي معاك، صدقني ليلتك مطينة !!!!!

أمسك بذهنه بشرود، كيف علِم أخيه يأنه تزوج رُغم حرصه على أن لا يعلم أحد من عائلته أبداً، لم يكن يريد أن يعلم "ظافر" دون أن يخبره هو، نهض واثباً ليجلب مفاتيح سيارته لينتظرهما بالأسفل ..

• • • •
الدموع عالقة بأهدابها، تنظر إلى وجهها الذي بُهت لونه، وعيناها التي أصبحت خالية من كل شئ، لم يعد لديها ظهرٌ تحتمي به، لم يعُد لديها سوى الله، حملت أخيها الصغير الغارق في النوم بعد أن أرتدت ملابسها البسيطة لتلج خارج الغرفة، بحثت عنه لكنها لم تجده في البيت، ظنت أنه تركها وذهب لتضع "يزيد" على الأريكة قائلة في غضب :
- هو راح فين !!! يارب أنا تعبت ..!!!

لم تشعر بنفسها إلا وهي تجلس على الأريكة منهارة في البكاء الشديد، الذي جعل أخيها ينتفض من نومه، يقترب منها بيداه الصغيرتان جداً ليُزيل دموعها عن وجنتيها بلُطفٍ طفولي مبتسماً في وجهها كالملاك، أحتضنته هي فلم يعد لديها في الدنيا سواه، نظرت لباب الشقة الذي فتح بعنف ليدلف "مازن" قائلاً بعنف أشد :
- أنتِ مطلعتيش ليه بقالي ساعة مستنيكي في العرب...

استوقفته دموعها ليقترب منها بجزع، نهضت هي قبالته تصرخ في وجهه بحُرقة :
- و أنتِ مش قولتلي ليه انك واقف برا !!!!!

ثم أكملت بنبرة تشوبها الألم :
- أنا فكرتك مشيت ..!!!

ربت على كتفيها قائلاً بلا مبالاة :
- لاء متقلقيش أنا مش همشي و أسيبكم أبداً ..

• • • •

دلف للغرفة ليجدها مستلقية على الفراش في وضع الجنين مسبلة بعيناها بإرهاق، كم يود هو أن ينام بعمق مثلها، منذ وفاة والده لم يستطيع الغوص في النوم بتلك الطريقة التي تنام بها، يقترب منها لينثنى بجزعه العلوي مستنداً على الوسادة بكلتا ذراعيه محدقاً بجمالها الجذاب، مسح على خصلاتها كما لو أنها طفلته، تململت "ملاذ" لتفتح عيناها ببطئ، و أول ما رأته كانت غابات الزيتون خاصته، أنتفضت من على الفراش لتفرك عيناها من شدة النعاس، أعتدل هو في وقفته أبتسم يطالع وجهها الصافي كم كانت بريئة كالأطفال، تفاجأت هي من وجوده لتقول:
- ظافر كنت عايز حاجة؟

تنهد قائلاً :
- كنت فاكرك صاحية فقولت أجي عشان أتكلم معاكي على فرحنا

أبتلعت ريقها قائلة بتردد :
- فـرحنا !!!!

بدا الإرهاق على وجهه جلياً، ليجلس جوارها مغمضاً عيناه بتعب عائداً برأسه للخلف لتظهر تفاحة آدم خاصته، الإرهاق بادي على وجهه وبقوة،لاحظت هي ذلك لتمد يدها على ظهره بتردد قائلة ببعضٍ من القلق:
- أنت كويس ؟!!

أغتصب أبتسامة صفراء متمتماً :
- مافيش حاجة يا حبيبتي ..

توترت قليلاً لأثر تلك الكلمة على قلبها، ولكنها أخفت توترها قائلة بشك :
- بجد؟!!!

أبتسم لها قائلاً وهو يربت على ذراعها مسترسلاً :
- أرجعي نامي يا ملاذ ..

فركت عيناها كالأطفال قائلة زامة شفتيها :
- لاء أنا مش عايزة أنام !!!!
لتُكمل قائلة بتردد :
- أنا جعانة ..

نظر إلى شفتيها بعينان مظلمتان يشُعان رغبة، قلبه يحثه على فعلها، بينما عقله يدفعه دفعاً منجذباً لسحرها، وبالفعل في غضون ثوانٍ كات مطبق بشفتيه على شفتيها يقبلها برقة، بلطفٍ جعلها تستسلم له، ظلت متيبسة لاسيما عندما أمسك بعنقها من الخلف ليتعمق أكثر!!!

طرقات خفيفة على الباب جعلتها تجحظ بعيناها لتدفعه بصدرٍ يعلو ويهبط، حاولت إزاحة ذراعه القوي عن ظهرها ليُشددها هو أكثر ناظراً لها بتحذير شديد، سمح للطارق بالدلوف لتدلف الخادمة تخبرهم بضرورة النزول ليأكلوا منكسة بنظرها للأسفل، خرجت بهدوء لتنظر له بغضب نافضة ذراعه عنها لتنهض واثبة مزمجرة به بوجنتان متخضبتان :
- يا ظافر في حد يعمل كدا !!! ، يعني ينفع الموقف اللي حطتني فيه دة !!!!

جذبها من ذراعها لتسقط على قدمه يبتسم لها بخبث، شهقت "ملاذ" بخجل، حاولت النهوض ولكن ذراعه الذي يحاوط خصرها بشراسة يحول دون ذلك، كادت أن تبكي من فرط الحرج قائلة :
- ظافر سيبني والنبي لو حد دخل والله هنتبهدل !!!!

قهقه بصوت عالي جعلها تتمنى لو أن تنشق الأرض وتبتلعها، ليهتف "ظافر" وسط ضحكاته الرجولية :
- أنتِ هبلة يا ملاذ ؟!!، أنتِ مراتي مش شاقطك (يقصد مش جايبها من الشارع يعني)

نظرت له بغلٍ لتضربه على منكبيه العريض بعنف، ضحك هو بقوة، ليصمت بعد برهة من الزمن، كما لو أنهما بعالم منفرد عن ذاك، بإبتسامة لطيفة على ثغره يتأمله، كان دائماً ينظر إليها وكأنها أعظم أحلامه التي تحققت وأجمل إنتصار فاز به !!!

ـعيناها البندقية وبخصلاتها الفحمية التي تنسدل بطول ظهرها، أمسك بخصلاتها المموجة بجاذبية، سار بأنامله على طول ظهرها لترتجف هي مغمضة عيناها من ذلك الشعور الذي يدغدغ روحها، فتحت عيناها لتنظر له، أقترب هو منها لتنثنى عليه بخبث، هم بأن يقبلها لتَنزع هي ذراعها من فوق معدتها لتنهض لتسقف بمرح، ركضت تجاه الباب ليركض هو وراءها صارخاً بها بقوة :
- مـــلاذ !!!!!

أنتفضت من صرخته لتلتفت له برعب، أقترب منها يحاصرها بذراعه قائلاً بنبرة سوداوية :
- ورحمة أبويا قبل مـ تعتبي باب أوضتك لو مشوفتيش أنتِ متنيلة ولابسة أيه متعرفيش أنا هعمل أيه !!!!

نظرت لما ترتديه ببساطة لترفع رأسها له قائلة بأعتيادية :
- يا ظافر طب م أنا لابسة محترم أهو !!!!

أظلمت عيناه لتتراجع برهبة من عيناه المخيفة قائلة :
- طب خلاص هغيرهم ..

جذبها من كفها ليقف أمام الخزانة، فتح الضلفة ليرى ثياب قصيرة لا تليق بشرقيته، مسح على وجهه بعنف ينظر لها بغضب ناري، كيف كان تخرُج بتلك الثياب ويراها الجميع بها، هتف بها بعينان متقدان :
- هو أنتِ لبسك كله زبالة كدا !!!!!

رفعت حاجبيها بغصب قائلة :
- زبـالة !!!!!

تابعت بنبرة قوية قائلة :
- ظافر أنا مسمحلكش تقول على لبسي كدة !!! ،وبعدين انا حرة ألبس اللي أنا عايزاه ..

جمدت عيناه ليجذب ذراعها بعنف قائلاً :
- مش عايز أسمع صوتك، أنتِ مراتي وتعملي اللي بقولك عليه !!!!

نفضت ذراعها صارخة بقوة :
- ولو معملتش اللي هتقولي عليه !!! هتضربني !!!!!

مسح على وجهه بغضب صارخاً بها بصوتٍ عالي :
- مــتعــليش صــوتك !!!!!

أنتفضت من صراخه بوجهها، ذكرها صراخه بأبيه، عيناه القاسية ونبرته الجهورية، أبتعدت عنه ببطئ لتجلس على الفراش، شعرت بنفَسها يضيق، أهتاج صدرها بأنفاسٍ لاهثه، ركض "ظافر" نحوها، لجلس كالقرفصاء أمامه ممسكاً بكفيها قائلاً بقلق شديد :
- مـلاذ ، حبيبتي أنتِ كويسة ؟!!!

أمسكت هي بقميصه متشبثه به تشهق كالغارقة، عجز "ظافر" امامها لا يعلم ماذا يفعل، لتشير هي إلى حقيبة يدها، أتجه هو سريعاً ليجلبها لها، فتحتها "ملاذ" لتمسك برذاذ الربو الخاص بها، وضعته بفمها لتهدء أنفاسها، أرتخى جسدها تميل برأسها للأسفل، مسح هو على خصلاتها لينهض جالساً بجوارها، جذبها لأحضانه يربت على خصلاتها بحنو، غفت "ملاذ" بأحضانه من شدة الإرهاق، أسندها على الفراش ليميل هامساً بأذنها بأسف:
- أنا أسف يا حبيبتي ..
ثم قبل جبهتها ليخرج من الجناح ...

• • • •

على الجانب الأخر .. وفي القاهرة بالتحديد، يقود "باسل" سيارته بأعصاب مشدودة، تطالعه "رهف" بغرابة ولكنها فضلت الصمت على أن تزعجه، لا تعلم ماذا قرأ ليكُن بتلك الحالة ...

وعلى نفس الحال كان "مازن"و"فريدة" التي وضعت أخيها بالأريكة الخلفية لتجلس هي جواره بملامح باهته وعينان مُرهقة، سُرق منها بريقها عنوة، ظلت جالسة بهدوء تام وكأنها ليست من نفس العالم، أسبلت جفنيها بنعاسٍ لتستند على زجاج السيارة، وسرعان ما ذهبت بنومٍ عميق كحال أخيها بالخلف، نظر لها "مازن" بإستنكار ، وبعد عدة فترة ليست بطويلة جداً وصلوا كلاً من "باسل" و"مازن" وزوجاتهم، ليصُفوا سيارتهم بالكراج الخاص بهذه العائلة العتيقة، تفاجأ "باسل" بـ "مازن" يقف أمامه ليقول بدهشه ممزوجة بقلق اخوي :
- مـازن ..!!!! أنت طلعت أمتى من المستشفى و أزاي محدش يقولي، أنت كويس طيب يا مازن ؟!!
ثم نظر لداخل السيارة لتلك الفتاة النائمة إلا أنه لم يلاحظ "يزيد" ، ليُتابع بتفاجأ مشيراً نحوها :
- مين دي يا مازن!!!!!

لم يجيبه ،لتنظر له "رهف" ، شهقت برهبة و هي تعود للخلف، أمتلئت عيناها بالدموع لتختبئ خلف ظهر "باسل" الذي لتوه تذكر، بينما نظر لها "مازن" ببرود ثلجي ليجلب "فريدة" النائمة من رسغها حتى كادت أن تسقط أرضاً بفزع، سحبها خلفه وكأن شئ لم يكن، فور مغادرته أنفجرت "رهف" في بكاءٍحار لتتشبث بقميصه بكفيها الصغيرتان دافنة وجهها بمنتصف صدره، أدخل هو أصابعه في خصلاتها لي قبل رأسها ماسحاً على ظهرها باليد الأخرى، ثم قال بعطف :
- أهدي يا حبيبتي مافيش حاجة، خلاص أوعدك مش هتشوفي وشه تاني ..

أبعدها عن أحضانه ليكوّر وجهها مبعداً خصلاته عن وجهها ليُردف :
- مش عايز أشوفك بتعيطي تمام ؟!!

أومأت ببطئ ليبتسم مقبلاً جبهتها، ثم سحبها متجهين إلى بوابة القصر ..
• • • •

حاولت "فريدة" نزع كلها الصغير من بين كفه الغليظ وهو يسحبها وراءه بغضب حقيقي و هم يقفان في حديقة القصر، صرخت به "فريدة" بحدة :
- أبعد عني بقا أنت أتجننت، ويزيد في عربيتك لو صحي هيتخض لما مش يلاقيني جنبه !!!

تأفف بضيق ليقول بنبرة باردة :
- هبقى أبعت أي حد من الخدم يجيبوه، وبطلي زن بقى !!!!

فركت رسغها الذي طغى عليه الأحمرار، لتنظر له مجدداً بإنكسار قائلة :
- ويا ترى بقى لما تدخل هتقول لأهلك أيه و أنت متجوزني من وراهم، لاء وكمان متجوز ممرضة أشتريتها بفلوسك !!!!!

نظر لها بهدوء دون أن يعلق، لتُكمل قائلة وهي على حافة البكاء :
- أنا كان أشرفلي أموت عن أني أتجوزك، أتجوز واحد كان هيغتصب واحدة و نجت من إيده، بس أنا بقى مراتك، يعني أنت تعمل فيا اللي أنت عاوزه و أنا أفضل ساكته، لأني للأسف ماليش غيرك دلوقتي، أبويا باعني .. و ماما ماتت من زمان، و كل دة بسببك، حسبي الله ونعمة الوكيل فيك يا مازن، ربنا مش هيسيب حقي و حق أي حد جيت عليه !!!!!!!!

لم يرف له جفن، وكأن كلماتها هباءٍ منثور، دام الصمت دقائق سوى من نحبيها الخافت وجسدها الذي ينتفض بألمٍ، يقترب منها في خطوات حادة لتتراجع هي للخلف بتوجسٍ، و بلحظاتٍ كان يقبض على فكها حتى كاد أن يحطمه، مقربا وجهها من وجهه قائلاً وعروق عنقه أشتدت بقوة:
- ورحمة أبويا لو في حد من اللي جوا عرف أني متجوزك غصب هقتل أخوكي قدام عينك !!!! عايزهم يعرفوا أننا أسعد زوجين و إلا هخليكي تلعني اليوم اللي شوفتيني فيه، أنتِ لسة متعرفيش مين مازن الهلالي، صدقيني أنا أوسخ بكتير من اللي في خيالك، و شغل العياط دة مش عليا أبداً، و أدبكب قولتي أنتِ ملكيش غيري دلوقتي!!!!! يعني أنا ملجئك الوحيد!!!!

أغرقت دموعها وجهها بالكامل، ألم كلماته كان أقوى من ألم قبضته القوية على فكها، أبعدها عنه بحدة ليجذبها ذراعها يسحبها خلفه، دلفا للقصر وسط زغاريد بعض الخدم بوصول كلا من "مازن" و"باسل" أحفاد عائلة الهلالي، ووسط همهمات حول الفتاتان التان تجاورهما، جاءت السيدة "رقية" لوصول الزغاريد على مسامعها، أحتدت ملامحها عندما رأتهما، تمنت لو أن هذا كابوس ستفوق منه سريعاً، ذهبت لكلا من "باسل" و "مازن" اللذان حدقا بها بتوتر، نظرت هي لهم بدورها بإشمئزاز قائلة :
- يا خسارة يا ولادي!!! يا خسارة!!!

نزل "ظافر" من فوق الدرج يطالع هذا الجو المشحون بذبذبات التوتر، وضع كلتا كفيه بجيبه وفضل الصمت دون أن يقل شئ، بينما أقتربت والدته من "باسل" قائلة بحسرة :
- ليه يا باسل تعمل أكده يابني !!!!

أخفض "باسل" أنظاره يشعر بغصة داخل حلقه، أكتفى بالصمت لتنظر "رقية" إلى "رهف" بسُخرية لاذعه :
- چيتي لفيتي على أولادي، معرفتيش توقعي مازن في أشباكك فـ قولتي توقعي باسل!!!!

صُدمت "رهف" من حديثها لينظر لها "باسل".. أمسك بكفها قائلاً بنبرة صارمة بعض الشئ :
- أمي لو سمحتي !!! رهف بقت مراتي يعني كرامتها من كرامتي، ولو هنضايقك أوي كدا هاخدها وهمشي مش من القصر من الصعيد كلها !!!

نظرت له أمه بألم، و عيناها تفيضان بالحزن لتنظر إلى "مازن" ذو الملامح الجامدة، لا مبالي بما يحدث أبداً، لتعود وتنظر إلى فريدة التي تنظر لها برهبة بعض الشئ، نظراتها المشمئزة نحوها وهي تطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها كانت بمثابة سهام أُخترقت قلبها لتمزقه أشلاء، أشارت إلى "فريدة" بسبابتها وقالت بإستهزاء :
- بچى هي دي اللي أنت اتچوزتها !!!! حتة مُمرضة لا راحت ولا چات!!!! كأني لا ربيت و لا علمت طول السنين اللي فاتت !!!!

أبتلعت إهانتها بفمٍ مطبق وعينان تبرقان بالدموع، ألتفتت تنظر إلى "مازن" تنتظر منه أن يدافع عنها مثلما فعل أخيه مع زوجته، ولكنه وجدته جامداً صامتاً يضع يداه في جيبه بعنجهية، تمنت لو أن تركض من ذلك الباب المفتوح لتهرب منه حيث لا مكان، أبتعدت عنهم السيدة "رقية" بحزن لتقول :
- خدتوا قراركوا يا ولاد الهلالي !!!! وعايزين تهملوا "تمشوا" من القصر كمان، بس أنا مستحيل اخليكوا تهملوه!!!!!

• • • •

دلفا كلاً من "رهف" وباسل" لغرفته، جلست هي على الأريكة بإرهاق قائلة بحزن :
- واضح أن مامتك مش متقبلة وجودي يا باسل!!!!

نفى "باسل" برأسه و هو ينزل قميصه قائلاً بلا مبالاة :
- متقلقيش كام يوم و كل حاجة هترجع زي الأول ..

نهضت تقترب منه قائلة :
- يعني أحنا مش هنمشي من هنا ؟؟!!!

رمى بقميصه على الفراش ليمسح وجهه بضيق قائلاً يحاول أن يتحكم بأعصابه :
- مش عارف يا رهف ..!!!!

أحتدت نبرتها وهي تقول بتوجس :
- يا باسل بس أخوك آآآ !!!

قاطعها مزمجراً بها وقد طفح الكيل :
- مازن مش هيقدر ييجي جنبك أنتِ بقيتي مراتي، ومتقلقيش هو مش و** عشان يبص لمرات أخوه !!!!

أسبلت عيناها بحزن لتتركه ذاهبة نحو الفراش، لم تلاحظ جمال الغرفة و رُقيّها، إلا أنها أرتمت على الفراش متممدة عليه بحزنٍ في وضع الجنين، للنت ملامحه لتقوده قدماه نحوها ليتسلقي جوارها، كانت توليه ظهرها ليضع هو ذراعه القوي على خيرها يقربها منه، دفن أنفه بخصلاتها يشتم رائحتها العبقة، قبل جانب عنقها بعمق، تخشب جسدها بين يداه إلا انها ظلت على حالها، أستند هو برأسه على عنقها ليُغمض عيناها بنعاس أختطفه منها..

• • • •
صعدا كلا من "مازن" و "فريدة" لغرفته، كانت غرفته فوضوية تخبرك بأن صاحبها عشوائي للغاية، ملابسة ملقاه بكل مكان على الأرضية، مبعثرة كحال تلك المسكينة التي جرتها قدميها نحو المرحاض الملحق بالغرفة، وفور دخولها أغلقت الباب وراءها لتستند على الباب منهارة في بكاءٍ حاولت كتمه بوضع كفها على فمها بحرقة، تتمنى الموت الذي بالتأكيد سيكون أخف على روحها المحطمة من ذلك الحيوان البشري الذي يستعد للفتك بفريسته، بينما "مازن" الذي سمع نحيبها ليتأفف بأمتعاض، تجاهلها ببرود ليفتح ضلفة خزانته، أخرج ملابسه ليضعها على الفراش، ليذهب نحو بابا المرحاض، أمسك بالمقبض ليحاول فتحه بعنف دون فائدة، ثم طرق عليه بضراوة قائلاً بغضبٍ :
- أطلعي يا فريدة عايز أدخل الزفت !!!!

فتحت "فريدة" الباب بوجهٍ طغى الأحمرار عليه، وعينان دامية وشفتيّ حمراء مرتجفة، أظلمت حدقتاه وهو مثبت أنظاره على شفتيها والتي ترحب به وبالفعل مال بثغره بعنف يقبلها، أنتفضت "فريدة" برهبة إلا أنها بقت مستسلمة بين يداه، لم تقاومه أبداً بل تركته يفعل بها ما يشاء وكأنها دميته، أدمت شفتيها من شراسة قبلته لكنها لم تبالي، ألم روحها أضعاف ألم لمساته على جسدها، أبتعد عنها "مازن" بغرابة وتوجس، حالتها الهادئه تُريبة أكثر من جنونها و أنفعالاتها، نظر لشفتيها الدامية وعيناها المغمضة بأمر غُلِبت عليه، لا يريدها هكذا، يريدها تقاومه وتعنفه عن أسلوبه الهمجي، سرعان ما غضب ليستفزها علها تخرج من حالة الهدوء التي تلبستها قائلاً بإستفزاز وبرود عكس صدره التي تعتمر النيران به:
- أيوا أنا عايزك تسلميني نفسك كدا، انتِ مفيش قدامك غيري دلوقتي ومضطرة تنفذي اللي انا عاوزه ومن غير حرف !!!!

كان يتوقع ثورانها، صراخها بأنها ليست دمية، لكنها لاذت بالصمت، بل و أومأت برأسها بهدوء تدل على موافقتها، ملامحها بُهتت و عيناها أنطفئت، أبتعدت عنه بهدوء لتترك الغرفة بأكملها صافعة الباب خلفها بحدة، ثار "مازن" من فعلتها ليتبعها راكضاً وراءها ليصرخ بحدة جعلت من بالقصر يأتون على صوته، لم تبالي "فريدة" لتنزل من أعلى الدرج تبحث عن أخيها، و السيدة "رقية" جوارها "ملك" يقفا بـ بهو القصر، تعدتهما بملامح جامدة لتخرج بالحديقة الواسعة الملحقة بذلك القصر المُخيف، و هو وراءها كاد أن يجن جنونه، سمعت هي نحيب "يزيد" البرئ، ألتفتت حولها بجنون لتجده جالس أسفل شجر يضم ركبتيه إلى صدره، ينتحب من الخوف ودموعه تسيل بصمت، هرولت نحوه لتفترش الارضية بجانبه، جذبت رأسه إلى صدره ليشهق هو ببكاءٍ ضاري يعانق خصرها، اتجهوا جميعاً خلفها، حاوطت "فريدة" وجه أخيها تقبل وجنتيه ماسحة على خصلاتها قائلة بصوتٍ باكٍ :
- أهدي يا يزيد ياحبيبي متخافش، أنا مش هسيبك أبداً و الله يا حبيبي !!!!

عانقها "يزيد" قائلى بنبرة متقطعة أثر بكاءه :
- أنا صحيت من النوم مش لاقيتك .. متسبينيش يا فريدة !!!
و في مقابلتهم "مازن"، الذي لان قلبه عندما شاهد ذلك المشهد، بحياته لم يحتضنه شخص مثلما تحتضن هي أخيها، لم يربت أحد على خصلاته كما تفعل هي، بل لم يغمره أحد بذلك الكم من الحب النقي، كم يتمنى لو أن يكن هو بدلاً من أخيها، أدار ظهره لهما وصوت بكاءها وبكاء الصغير يخترق أذنه بطنيناً قاسٍ، سرعان ما هرب، هرب من كل شئ، أستقل سيارته القاتمة ليذهب بعيداً، بعيداً جداً، في مكان أعلى جبل بعيداً عن الضوضاء وعن كل شئ حوله !!!!

• • • •

نظرت لهما "رقية" بإستعلاء لم يظهر إلى على تلك المسكينة، ثم نظرت لأخيها بملابسه البالية قائلة بتقزز :
- ومين الصغير دة كُمان، ولا تكونيش خلفتي من أبني من غير م تقولونا كُمان !!!! دة أيه المصايب اللي بتتحدف علينا دي ...

لم ترد "فريدة" لتحمل أخيها الذي بدى الأرهاق على وجهه من كثرة البكاء، كادت أن تذهب من أمامه لتقبض "رقية" على ذراعها تمنعها من الحركة صارخة بحدة:
- متعلمتيش في مدارسكوا لما الكبير يتكلم معاكي لازمن تسمعي وتُجفي "تقفي" عدل !!!!!

تدخلت "ملك" التي أشفقت على حال "فريدة" قأئلة لأمها :
- خلاص ياما سيبيها دي البت مفلوجة من البكا !!!

ثم أبعدت كف والدتها عن ذراعها التي قالت لتلك الواثبة بتحدٍ أمامها :
- روحي يابت أعمليلنا الوكل (الأكل).. من النهاردة هنمشي الخدم وتخدمينا أنتِ والبت مرات باسل !!!!!

• • • •

مالت على الحوض الصغير لتفرغ كل ما بجوفها، تشعر بنصلٍ حاد يمزق معدتها إرباً، نظفت وجهها بإرهاق، تآوهت لتمسك معدتها بألم ينهش روحها، لا تستطيع التصديق إلا الأن انه تركها، تزوج دونها، بكت، بكى قلبها قبل عيناها، بكت أيامها وسنواتها التي كانت تقضيها في إسعاده هو فقط، بينما كان يمر"ظافر" بجوار غرفتها، لينصت لصوتها الباكي، دفع الباب يجدها مرتميه على الأرضية، أتجه نحوها، ليجذب ذراعها بهدوء، أسندها بذراعه القوية ليجعلها تقف أمامه، ربت على ظهرها لتجهش هي بالبكاء بأحضانه، تمسكت بقميصه تدفن رأسها في صدره ببكاءٍ هيستيري، تأوهت بنحيب قائلة برجاءٍ:
- ماتهملنيش يا ظافر !!! أتچوزها أنا راضية بس متهملنيش (متسبنيش)، صدقني أنا من غيرك أموت يا ظافر !!!!

تنهد "ظافر" بشفقة حقيقية ليربت على ظهرها في محاولة منه لمواساتها، حاوطت عنقه مرتمية بأحصانه تغوص في صدره العريضة، رائحته الرجولية البحتة، بين ذراعيه القوية، أشقهت بالبكاء لا تستوعب أنها ستتركه، في فراقه جحيم، وبقربه موت بالبطئ، حاوط ظهرها يقول بنبرة حنونة :
- أهدي يا مريم، تعالي نتكلم بالعقل طيب ..!!!

أبتعدت قائلة بحزن تشير لقلبها بهلاك ودموعها تسارع بالسقوط على وجنتيها :
- في الحب دة بس اللي بيشغِل يا ظافر، أنت عُمرك من حبيتني، لو سبتني هموت، أكتلني (اقتلني) و ريحني من الدنيا لو أنت مش چنبي !!!!

حاوط وجهها الأبيض يقول بصدق نابع من قلبه :
- أنتِ جميلة وطيبة يا مريم، و تستاهلي حد يحبك بجد، بس أنا بحبها هي، من أول مـ هي أتخلقت وجات على الدنيا دي و هي ليا..صدقيني أنا حبيتها فعلاً مش هقدر أظلمك معايا أكتر من كدا.. مين عارف يمكن تلاقي حد يحبك فعلاً، ساعتها هتحسي باللي أنا حاسُه !!!!!!

و كأنه ألقى بقنبلة ذرية أودت بحياتها، نفت برأسها بهيستيرية قائلة :
- أنا رايداك "عايزاك" أنت، أنت راچلي وسندي و كل حياتي.. متعملش فيا أكده !!!

نفى برأسه قائلاً بنبرة حادة ممسكاً بذراعها بعنف :
- أفهمي بقا لو فضلتي مراتي أبقى بستغلك !!!!

أمسكت بكفه الغليظ لتقبله ببكاءٍ قائلة وهي تومئ برأسها :
- أنا موافقة تستغلني زي م أنت رايد، بس متبعدش عني ورحمة أبوك !!!!
أبعد كفه ليمسك بكتفيها يهزهما بعنفها صارخاً:
- بطلي بقا قلة الكرامة دي!!! أحترمي نفسك متبقيش مذلولة لحد عشان أي حاجة !!!!

تركها لتسقط على الأرض بصدمة، ثم خرج من الغرفة بأكملها !!!!!!
حافية على جسر عشقي الفصل الحادي عشر:
فتح باب الغرفة على مصراعيها بعنفٍ، أنتفضت "فريدة" التي كان تمسح على خصلات أخيها لكي ينام، تأفف "مازن" بضيق، وربما غيرة، ليقول في صوتٍ حاد غير مراعي لذلك الطفل المسكين :
- وديه عند الدادة اللي هنا وهي هتاخد بالها منه، عايز أتكلم معاكي شوية ..!!!

تشبثت بأخيها النائم قائلة برجاءٍ:
- ممكن بس تخليه ينام هنا، هو مش بيعرف ينام بعيد عني ...

صرخ بها "مازن" بقوة جعلت الدموع تتجمع في عيناها :
- انتِ مسمعتيش انا قولت أيه، أرميه في أي داهيه !!!!

أنتحبت "فريدة" لتتخرج من الغرفة تبحث عن المربية، وجدت سيدة كبيرة بالعمر يبدو على وجهها البشاشة لتخبرها بأن تبقيه معها، أوصتها عليه لتعود للغرفة مجدداً، أزالت الدموع العالقة بعيناها لتجده يجلس على الأريكة واضعاً قدم فوق الأخرى، منفثاً سيجارته الذي أخذ دخانها يحلق بالغرفة، أختنقت من الرائحة لتقف أمامه قائلة بنبرة حاولت أن تكون هادئة:
- خـيـر ؟!!!

ترك لُفافة تبغه جانباً لينهض واقفاً امامها بصدره العريض شمر عن ساعديه لتتخذ انامله طريقها إلى أزرار قميص، حلّ واحدة تلو الأخر و ملامح وجهه جامدة، وقع قلبها أرضاً، سرعان ما تراجعت بضع خطوات بعيداً عنه تقول بجسد يرتجف حرفياً :
- أنت .. بتعمل أيه !!!!

أقترب منها ببطئ قاصداً التلاعب بها و هو يقول بنبرة جدية أكثر من أي وقت :
- هاخد حقوقي منك..مش دة كان أتفاقنا !!!!

أمتلئت عيناها بالدموع مجدداً وجسدها أصبح كالجليد، تخشبت في أرضها تقول :
- بس مش دلوقتي يا مازن أرجوك !!!

حوُصرت بين الحائط الجامد خلفها وذلك الحائط البشري أمامها، حاصرها فعلياً بيداه وجسدها ملتصق به، أغمصت عيناها عندما امتدت يداه الى ذراعيها بينما مال بشفتيه الغليظة يوزع قبلاتٍ راغبة على كامل وجهها، يزيل دموعها بشفتيه، أمتدت أنامله تفتح أزرار قميصها لتطلق هي شهقة باكية قائلة:
- مازن !!!!!

- شششش ...
تلامست شفتيه بشفتيها ليهجم بعنف على شفتيها، أستسلمت له "فريدة" تحيط بعنقه، تبادبه قبلته بقلة خبره منها، كانت بداية لعنة رغبته بها التي تبتعد كلياً عن مسمى "الحُب"

• • • •

أدار مقبض الباب ليدلف لغرفتها، وجدها نائمة على الفراش كما تركها الليلة الماضية، نزع سترته مرهقاً ليلقيها جانباً، نزع قميصه أيضاً ليبقى عاري الصدر، أستلقى جوارها ليدخل يداه أسفل ظهرها حتى يتلقاها في أحضانه كطفلته الصغيرة، ألصق أنفه بأنفها حتى أصبحت أنفاسها هي من تدخل رئتيه، ما الذي أصابه ؟ إنه "ظافر سرحان الهلالي"، هو الذي يهتز له أعتى الرجال، تلقي الفتيات بنفسها تحت أقدامه لينلن شرف نظرة منه ، كيف لها أن تفوز هي بقلبه وسط ملايين الفتيات، بملامحها الجذابة، جمالها البرّاق، عيناها التي وقع بغرامهما، جمالها الخلاب ورائحتها التي تُسكره فعلياً الأن، هو بالكاد يسيطر على نفسهُ، هي تنام في أحضانه بمنامه خفيفة و شيطانه يوسوس له بأنها حقه، زوجته، يفعل بها ما يشاء، أفاقت "ملاذ" ليحمد ربه قبل أن يفعل شئ يندم عليه لاحقاً، ذعرت"ملاذ" من تواجدها بين ذراعيه القوية، علاوةً على ذلك وجهها المقابل لوجهه، أنتفضت عندما وجدته عاري الصدر، وضعت يدها على صدره تحاول خلق أي مسافة بينهما إلا أنه بقي ملتصقاً بها مانعها من الذهاب يحاصرها بـ خصرها، حاولت أن تدفعه بعيداً قائلة :
- يا ظافر أبعد عني.. لو حد دخل وشافنا كدا هيبقى آآآ ..

قاطعها بنظرات حادة وبنبرة صارمة قال :
- ألف مرة أقولك أنتِ مراتي فاهمه يعني أيه مراتي ؟!!!

صمتت..بل أستكانت بين أحضانه بجسدٍ مرتخي، بوجهٍ مقتضب ولكن داخلها شعور يدغدغ مشاعرها لكلمته التي تعبر عن ملكيتها له، صمتت لحظات ثم أندفعت تسأله بنبرة حاولت أن تكون عادية ولكنها مندفعة:
- هو أنت باباك مات أزاي يا ظافر ؟!!!

أظلمت عيناه بل وأحتدت بطريقة مرعبة قائلاً بنبرة لا تقبل النقاش :
- حاجة متخصكيش !!!!

أرتفعا حاجبيها قائلاً بسُخرية:
- مش أنت كل شوية تقول مراتي مراتي، مراتك من حقها تعرف كل حاجة عنك ....

نظر لها بنظرة ذات مغزى قائلاً :
- و أنا أعرف عنك كل حاجة ؟!!!

خفق قلبها بخوف لم تظهره بتاتاً خوفا أن يكتشف سرها، ولكنه كان يكذب، هو يعلم عنها كل شئ من "فتحية" تمتمت "ملاذ" بهدوء واثق :
- لو سألتني سؤال هجاوبك ...

شدد على خصرها بكلتا ذراعيه يقول طابعاً قبلة على عنقها الطويل، أفقدتها قبلته صوابها بالكامل و أنفاسه التي تلفح صفحات وجهها، بينما أستطرد هو قائلاً في نبرة صاغية :
- فين باباكي ومامتك ....

- ماتوا من و أنا صغيرة ...
قالت بنبرة معتادة و كأن موتهما لم يشكل فارقاً في حياتها ...، طبع قبلة أخرى على طرف ثغرها هامساً :
- و أختك ..

ظهر على وجهها قسمات الألم لكن سرعان ما أخفتهما خلف ستار القوة والشجاعة متمتمة :
- مالها ؟

- ليه بتكرهك كدا ؟!!
سأل هو بفضول، ولكن إجابتها كانت الصمت المميت، داعبت يده خصلاتها منتظراً إجابتها، بينما قالت هي بصوت به بحة مميزة :
- لما تقولي باباك مات أزاي هقولك ليه أختي مش بتحبني ..

عادت ظلمة عيناه ليزفر بضيق ثم قال بنبرة حادة يشوبها بعض الألم :
- كان عنده سرطان .. وحالته كانت متأخرة !!!!!
سقط الخبر عليها كالصاعقة، رقص قلبها طرباً لأنتقام خالقها الشديد من ذلك الرجل الذي لا يوجد الرحمة بقاموسه، لم تستطيع إخفاء عيناها التي برقت بسعادة خفية نابعة من قلبها، فقد أخذ الله حقها و حق شقيقتها، نظر لها "ظافر" ولم يلاحظ فرحتها ليقول بنبرة هادءة :
- قوليلي بقى أختك ليه مش بتحبك ؟!!

شعرت بغصة في حلقها، قلبها يحترق وروحها أصبحت رماداً، حاوطها "ظافر" ليدفنها داخل أحضانه، قبّل خصلاتها مشفقاً على حالها، حسب أقوال "فتحية" أن "ملاذ" رأت الكثير في حياتها، رأت ما يجعل الجبل ينهدم، مسح على خصلاتها الناعمة بحنو، لا يريد أن يضغط عليها ليقول بحنو:
- حبيبتي لو مش عايزة تحكي مش لازم ...

لأول مرة تتبادل عناقه، بعناق هي من أرادته، هي التي تحتاج لأحضانه الدافئة، حاوطت خصره، تشعر بالأمان جواره، تتيقن أن لا يوجد أحد يستطيع إذائها عندما يكون بجوارها، تتوارى خلف جسده الضخم الذي يحتضنها وكأنه أبيها، لم تقابل رجلٍ مثله قط، رغم أنها عرِفت الكثير والكثير من الرجال، إلا أنه هو المميز، المختلف، والرجلٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تمنت لو بإستطاعتها أن تخبره، ولكنها ستفقده، ستفقد حبهُ وحنانهُ، الحياة ليست عادلة، أنها قاسية، تدهُسك إن لزِم الأمر، تجعلك تملك كل شئ بين يداك، وفي أقل من الثانية تفقد كل شئ وكأنه كان سراب ..!!!

قالت وهي تدفن وجهها في أحضانه مقاطعة ذلك الصمت المريب قائلة بهدوءٍ ثلجي :
- صدقني أنا مش عارفة هي ليه بتكرهني أوي .. كدا ...

ثم أكملت قائلة بحزن ظهر رغماً عنها في صوتها :
- هي شايفة أن هي متستاهلش أنها تبقى عاجزة .. و أن انا المفروض أكون مكانها ...

قاطعها بنبرة تشوبها الصرامة :
- بعد الشر عليكي ...

رفعت رأسها له تقول بعينان مغلفتان بالدموع و كأنها ليست "ملاذ" ذات القلب المتحجر :
- هو أنا وحشة أوي كدا عشان كل الناس تبقى كارهاني ؟ حتى أقرب الناس ليا ؟!! اختي بتحفر في الصخر عشان تكسرني، عايزة تأذيني حتى في شغلي !!!!!

بكت، "ملاذ خليل الشافعي" بكت كالأطفال، ؛ هي التي طيلة تلك السنوات لم تذرف دمعة واحدة، أنتفض "ظافر" عندما شاهد دموعها التي كانت كالسوط الذي يجلد جسده، جلس نصف جلسة ليجذبها لصدره، يقول بنبرة حزينة على ألم حبيبته :
- ششش أهدي يا حبيبتي.. اهدي ..

أزال دموعها بأنامله الغليظة يهمس بخفوت :
- دموعك دي بتخليني أحس بنار جوايا ..!!!

أزدادت عيناها بكاءاً لتتشبث برقبته كالطفلة وهي تبوح بما يمليه عليها قلبها :
- متسبنيش يا ظافر ..!!!

هذا كثير على قلبه، و أخيراً أعترفت أنها تحتاجه، و أخيراً سمحت لمشاعرها بالخروج،انحنى على شفتيها يقبلها بلطف شديد، وكأنه يقول لها لا تحزني بطريقته الخاصة، ليتحول هذا اللطف إلى رغبة سيطرت على حواسه بأكملها، وُزع قبلاته على كامل وجهها لينحدر إلى عنقها الطويل، و بكل قبلةٍ يعلن صك ملكيته لها، قبّل عظمتيّ الترقوة خاصتها، طرقات على الباب أعادتهما لأرض الواقع، أغمص "ظافر" عيناه يود لو أن يحطم وجه الطارق، مسح على وجهه بعنف لينظر لتلك المستلقية بصمت مغمضة عيناها و كانها ليست بذلك العالم، نهض قبل أن يترك قبلة بالقرب من ثغرها، أرتدى القميص الخاص به ليتركه مفتوحاً، فتح باب الغرفة بعنف ليجد الخادمة تنظر للأرض بإرتعاد قائلة :
- ظافر بيه، الجواد باشا واقف تحت مستني حضرتك في الباركينج ...

ثم تحركت سريعا. مبتعدة عن وجهه الأحمر الغاضب، عاد "ظافر" دالفاً للغرفة، ذهب نحوها وهي لازالت كما هي، أبتسم بخبثٍ ليستند بذراعيه على الفراش منحنياً بجزعه عليها، قبل جفونها المغلقة، ثم وجنتيها الأثنتين، مروراً لشفتيها، يا الله ، ثم أمسك بـ باطن كفها يقبله قائلاً بصوت أجش ماكر:
- راجعلك يا ملاذي ...!!!!!

• • • •

أختبئت خلف الستار تنظر له و هو يتحدث مع أخيها، أبتسامته و رزانته، يداه الموضوعة بجيبه بهيبة تبرعمت به بالفطرة، سماره ، عيناه الرصاصية ،وحركات رأسه، يا الله كم تعشقه، الحياة قاسية، ليست عادلة، تجعلك تتشبث بمن لا يحق لك، تراجعت عن النافذة لتردد ببهجة :
- أكيد مدام واقف مع ظافر يبقى هيطلع هنا ..

خلق قلبها بقوة لتذهب مرتدية ثوباً يصل لنهاية قدميها فضفاضاً، ثم لفّت حجاباً بلون (عنّابي) يروق لبشرتها، لم تضع في وجهها شئ، برّقت عيناها بعشقٍ لتتجه في لهفة إلى الدرج، أجتازته سريعاً حتى كادت أن تقع في أخر درجتين، ولسوء حظها انه كان يقف مع أخيها ليقول بسُخرية لم يقصد بها إزعاجها :
- لسة مكبرتيش يا ملك !!!

ظهر الضيق على وجهها من ذلك الموقف الذي أوقعت نفسها به، نظرت له بإمتعاض ليبتسم "جواد" بدوره بحنو أخوي، نظرت أسفل قدميها وقلبها يقرع كالطبول، وهي الساذجة تعتقد أنه يبادلها مشاعرها البريئة تلك، أرادت أن تعود لغرفتها حتى تتخلص من عيناه الرمادية تلك، إلا أن "ظافر" طلب منها بتهذيب إحضار كوب من القهوة خاصتها المميزة، وبالطبع دلفت المطبخ تعدها لهم بإتقان شديد، وبعد دقائق أمسكت بالصينية الفاخرة قاصدة أن تأتي هي بها لهم وليست الخادمة، وضعت الصينية على المائدة، ثم أبتعدت صاعدة لغرفتها، أغلقت الباب ورائها لتقف خلفه واضعة يدها على قلبها الذي يكاد يقفز من محله، عطره لازال عالق بأنفها .. يسكر روحها، هي غريقة في عشقه ولا تستطيع أن تنقذ نفسها ..

• • • •

ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها، تشعر أنها رخيصة عندما تهاونت معه، رُغم أنه لم يُجبرها على شئ، إلا أنها شعرت أنها أداة لإمتاعه فقط، لم تبكي أو تذرف الدموع، حاوطت جسدها بـ تلك الملاءة لتدلف إلى المرحاض تزيل لمساته التي باتت تكوي قلبها، أنهمرت مياة الدُش و أنهمرت معها دموعها بلا توقف، علت شهقاتها حتى وصلت له بالخارج، مسح على وجهه بغضب قائلاً بضيق :
- وبعدين بقا في النكد اللي على الصبح دة !!!!!

نهض عن الفراش ليذهب إتجاه المرحاض، طرق على الباب صارخاً بها بحدة :
- أطلعي يا فريدة عايز أدخل ..

وجد الباب يفتح لتخرج هي بالمنشفة تحاوط جسدها بها، فُتن "مازن" بمظهرها، إلا أن وجهها الباكي و عيناها المنتفخة جعل شرارة الغضب تزداد بقلبه أكثر، أمسك بذراعها بقوة ينهرها بضراوة:
- أنا مغصبتكيش ع حاجة، كل حاجة كانت برضاكي !!!!

تلوت بين ذراعيه تحاول أن تزيح قبضته، دفعها "مازن" للخلف حتى كادت أن تسقط أرضاً، تاركها متجهاً إلى المرحاض متمتماً بعنف :
- دي عيشة بقت تقرف !!!!!

• • • •

خرج "مازن" من المرحاض بعد أن استحم محاوطاً خصره بمنشفة، تتساقط قطرات الماء على جسده المعضل..
ولكنه لم يجدها بالغرفة، أرتدى ملابسه سريعاً ليتجه إلى اسفل، ظل يبحث عنها في أزقات القصر الكبير ليسأل كبيرة الخدم قائلاً بلهفة :
- فين فريدة ؟!!
أجابته الأخرى بأحترامٍ :
- فريدة هانم في الاوضة بتاعة أخوها ياباشا ...

تركها ليتجه نحو الغرفة بغضبٍ أعماه، كيف تجرؤ على التجول بالقصر من دون علمه، وقف أمام الباب الذي يصدر من خلفه ضحكات الصغير، أدار مقبض الباب ليدلف للغرفة، وجد "يزيد" يلعب بالألعاب على الأرضية تشاركه اللعب أيضاً بجانبه مرتسمة على وجهها أبتسامة حقيقية، ولكنها أزيلت تماماً بعد أن رأته، لِمَ هو سبب في تعاسة الجميع، سحبها من ذراعها بلا رحمة يجذبها خلفه متجهين إلى جناحهم، رأتهم والدته لتذهب نحوهم قائلة بسُخرية:
- چاررها أكده ليه وراك يا مازن ؟!!

لم يرد عليها بل أتجهوا إلى الجناح وهي مستسلمة له تماماً، دلفا ليصفع هو الباب خلفه، أمسك بفكها بين كفه الغليظ يضغط عليهما لتأن "فريدة" من الألم، وجهه قبالة وجهها يقول بتحذير لا يقبل النقاش :
- قسماً بالله لو خرجتي من الجناح هنا من غير أذني هتشوفي وش مكنتش حابب تشوفيه دلوقتي..!!!!

حاولت إزاحة كفه صارخة به بألم :
- أبعد عني بقا ..!!!! أنت مريض !!!!

شعرت بفكها يتحطم من كثرة ضغطه عليه يقول بنبرة سوداوية:
- أنتِ قولتي أيه؟!!!!!

أزاحت يده بقوة لتصرخ به بجنون:
- أنت حيوان ومعندكش دم، أنا بكرهك عارف يعني أيه بكرررهههك من كل قلبي...

رفع يده عالياً لتهوى على وجنتها سرعان ما أطاحتها أرضاً ببكاء ذليل!!!، جذبها من خصلاتها ليجعلها تنهض قائلاً بجنون :
- لو أبوكي و أمك معرفوش يربوكي أنا هربيكي يا فريدة !!!!

نظرت له بسخرية ممزوجة بألمٍ طغى على روحها :
- فاقد الشئ لا يُعطيه يا مازن !!!!!

كاد أن يصفعها مجدداً إلا أنه عجز، لا يعلم لِم لم يطاوعه قلبه، تركها بعيداً ليخرج خارج القصر بأكمله، تاركها منهارة على الارضية الباردة !!!

• • • •

دلف للشركة بخطواتٍ رزينة، خطواتِ يملؤها الوقار، ألتفتت حوله أنظار الفتيات الهائمة، فاحت رائحة عطره بكل مكانٍ معلنة وصوله قبل حتى أن تطأ قدميه، نظر إلى السكرتيرة الخاصة بها قائلاً في نبرة صارمة :
- تعالي ورايا ..

ثم دلف لمكتبه دون أن ينتظر ردها .. بينما أنتفضت السكرتيرة مرتديه الزي الرسمي للشركة، إلا أنها فتحت أول زرين من قميصها نظرت لمظهرها في المرآة قبل أن تدلف له، تهادت في خطواتها نحو المكتب تتمايل بغنح، يا لسذاجتها .. لا تعلم أن آلاف من الفتيات لا يستطيعن إغراءه، هي فقط واحدة تربعت على عرش قلبه، طرقت على الباب لتسمعه يأمرها بالدلوف بخشونة، دلقت السكرتيرة تقترب منه قائلة بمياعة شديدة:
-- أؤمرني يا ظافر بيه..

نظرها لها بإشمئزاز يقول بحدة جعلتها تتراجع سريعاً:
- أحترمي نفسك وأقفي عدل، قسماً بالله لو شوفتك بتعملي حركاتك الرخيصة بتاعة بنات الليل ده في شركتي لأكون طَردك زي أوسخ زبالة عندي ..

أغرورقت عيناها بالدموع لتتراجع لفشل مخطتها الذريع، ولكلماته السامة التي ألقاها بوجهها في أول يومٍ لها ..

أردف هو بصرامة شديدة قائلاً :
- جواد جه ولا لسة ؟!!

أومأت بصمت ليضرب على مكتبه بحدة جعلت الدموع تنهمر من عيناها :
- أيه القطة كلت لسانك مـ تنطقي ولا أتخرستي !!!!

قالت بنبرة باكية :
- أيوا جه يا فندم ..!!!!

أنقذها "الجواد" من ذلك الموقف ليدلف بمرحه المعتاد، نظر لكتلة الجمال المنتصبة أمامه، ليتفاجأ بعيناها منهمرة بالدموع، ألتفت إلى "ظافر" قائلاً بتساؤل :
- في أيه يا ظافر ؟!!!

لم يلتفت له "ظافر" ليصرخ بالسكرتيرة بضراوة:
- مشوفش وشك هنا تاني، قدمي أستقالتك وغوري في داهية تاخدك !!!! بـــرا !!!!!

انتفضت لتخرج سريعاً بعد ان بعثر كرامتها، طالعه "الجواد" قائلاً بمزاح :
- والله أنت معندكش قلب، بقا في حد يشخط في الصاروخ دي، وبعدين عملت أيه لـ ده كله !!!!

نظر له "ظافر" بإستهجان :
- وطبعاً انت اختارتها عشان صاروخ !!!،انا لما قولتلك تختارلي سكرتيرة..سكرتيرة يا جواد مش بت **** زي دي.. ع العموم لولا أن السكرتيرة القديمة سافرت كانت مشتلي شغل كتير ..

اشاح "جواد" بيداه قائلاً بإقتضاب :
- والله أنت مش وش نعمة!!!!

نظر له بتهكم ثم أكمل بجدية :
- أخبار الشحنة بتاعة لندن أيه ؟!!!

أبتسم "الجواد" بإنتصارٍ يقول :
- هنستلمها كمان يومين ..!!!!

أومأ برأسه، ثم قال بتحذير:
- خلي بالك يا جواد، العيون علينا الفترة دي ...

طمئنه "جواد" قائلاً بثقة :
- متخافش يا صاحبي ..
• • • •
تسللت لغرفتها،تسير على اطراف أصابعها بخوف، وجدتها نائمة مستلقية بسلام، نظرت لجمالها بحقد شديد إن خرج سيحرق الأخضر واليابس، اتجهت نحو الفراش بجانبها، لتفح العلبة التي بيدها، خرجت حية صغيرة الحجم، تخرج فحيح مرعب من لسانها، لتتجه نحو قدم "ملاذ"، سرعان ما خرجت "مريم" من الغرفة حتى لا تشعر بها!!! مبتسمة بتشفي وأنتصار!!!!

• • • •

تعدت الساعة منتصف الليل، مكنبٌ على الاوراق ليصدح رنين هاتفه، قطب حاجبيه فـ لم تعتاد "ملك" أن تهاتفه، أنقبض قلبه ليجيب، وصل له صوتها الباكي و هي تقول :
- ظافر تعالى بسرعة ، ملاذ يا ظافر!!!!!

بمجرد أن ذُكر أسمها أنتفض بقوة، التقط مفاتيح سيارته وحلته، هرول بقوة يسابق الرياح تحت أنظار المتواجدين لحاله مديرهم العجيبة، أستقل سيارته ليتحرك بأقوى ما لديه، يشعر بقلبه يعتصر بين ضلوعه، رغم أن الطريق بين القاهرة والصعيد ليس بقليلٍ إلا أنه وصل إلى القصر في وقتٍ قياسياً، ترجل من السيارة تاركاً الباب مفتوح، دلف ليجد القصر فارغ تماماً علم أنهم متجمعون في غرفتها، صعد الطابق الثاني، ليسمع نواح والدته، لم ينتظر ليدفع الباب بقوة، وقعت أنظاره على وجهها الشاحب، انخلع قلبه عندما وجدها مستكينة تماماً كأن روحها صعدت إلى السماء، أقترب منها على الفراش ليجذب الأنظار حوله، بينما أردفت والدته ببكاءٍ :
- مش عارفة يابني ازاي ده حُصُل، أول مرة تدخل حية في القصر!!!!!

نظر لها بصدمة حقيقية، لفتت أنظاره قدمها اليمنى محفورة بثقبين باللون الأحمر، يحاوطهم تورمٍ باللون الأحمر القاتم، جذب جسدها البارد لأحضانه يدفنها بصدره، بينما نظرت له والدته بشفقة قائلة وهي تربت على كتفه:
- متخافش يا ضنايا، الضاكتور طمنا عليها، و كتبلها على مضاد حيوي بعَت الواد حسن يچيبه، وقال انها متتحركش كتير ...

ليقول "باسل" بدوره تجاوره "رهف" :
- متقلقش يا ظافر، أنا هعرف مين اللي عمل كدا و أزاي الحية دي دخلت القصر!!!!!

وقفت "مريم" تطالع زوجها و هو يحتضن "ملاذ" و كم انه مشهد يؤلم قلبها، ولكن عندما هتف "باسل" بجملته التي أدخلت الرعب على قلبها، ندمت ندماً شديداً، هي تعلم عندما يعلم "ظافر" بأن هي من فعلت تلك الفعلة الشنيعه حتماً سيقتلها!!!!

وقفت "فريدة" ممسكة بأخيها الصغير، تطالع ذلك المشهد الذي لطالما حلمت أن يكُن زوجها حنوناً عليها هكذا، يخاف عليها كما يخاف "ظافر" على زوجته، ألتفتت تنظر إلى "باسل" الذي يعانق "رهف"، لتفر دمعة هاربة من عيناها، منذ ان ذهب في الصباح لم تراه، وليت الله يأخذه قبل أن يصل لها!!!!

أردف "ظافر" وأخيراً قائلاً بنبرة باردة:
- أمي بعد أذنك ممكن تاخديهم وتطلعوا برا ...

وافقت والدته على الفور ليذهبوا جميعاً تاركينهم بمفردهما، قبّل "ظافر" جبينها مغمضاً عيناه بألمٍ يستحوذ على جوارحه، جسدها البارد المستسلم بين ذراعيه ووجها الشاحب جعله كالمجنون لا يعلم ماذا يفعل، ولكن ما يعمله الأن أنه سيعاقب من فعل هذا أشد عقاباً يستحقه.. نهض تاركاً إياها بلطف ليجعل الخادمة تجلس جوارها لتبقى معها، ثم ذهب بإتجاه غرفة"مريم" دفع الباب بقدميه ليجدها مستلقية على الفراش، نائمة او ربما تُدعي النوم، اقترب منها وبدون مقدمات جذبها من خصلاتها ليجعلها تقف، صرخت "مريم" بكل ما أوتيت من قوة لشدة قبضته التي كادت أن تقتلع خصلاتها، هوى بيده على وجنتها بصفعة أطاحتها أرضاً، عاد يجذبها من خصلاتها مرة أخرى بقوة اشد لينهال عليها بالصفعات وسط صراخها، دلف "باسل" لينجدها من بين قبضتيه، وقف أمامه يدفعه بعيداً عنها ليصرخ "ظافر" بها :
- ورحمة ابويا م هسيبك يا بنت ال***، أنا هوريكي يا *****!!!!!

صرخ به "باسل" وهو يدفعه بعيداً عنها:
- أهدى يا ظافر أنت أتجننت!!!!!

دلفت السيدة "رقية" لتضرب على صدرها بفزع من رؤية "مريم" متكومة على الأرضية هكذا، أتجهت نحوها مع "ملك" و "رهف" و "فريدة" ليجعلوها تنهض مشفقين عليها، أبعد "ظافر" أخيه عنه بدفعة قوية منه ليتجه نحوها مجدداً عازماً على تحطيم وجهها المكدوم، لتقف والدته أمامه، تصرخ به بحدة:
- واه!!!! أيه يا ظافر أنت أتچنيت أيه اللي حُصُل لده كله!!!!!

صرخ "ظافر" بهما و هو ينظر إلى "مريم" نظرات دونية :
- الهانم هي اللي حطت الحية لـ ملاذ!!!!!!

شهَق الجميع بتفاجأ، بعينان جاحظتان غير مصدقين أنها فعلت ذلك، لم تدافع "مريم" عن نفسها، بل قالت في وهن ضعيف و هي تشعر بجسدها يصرخ من الألم :
- أيوا أنا اللي دخلتلها الحية في أوضتها!!!!! هي اللي سرقت چوزي .. هي!!!!!

أتسعت أعينهم ليبتعدوا عنها بقرفٍ، نظر لها "ظافر" بجمودٍ ليسترسل :
- أنتِ طالق يا مريم.. طـــالــق !!!!!!

جحظت بعيناها لتعود لوعيها، نفت برأسه تحاول الأقتراب منه لينهرها بحدة :
- قسماً بالله لو قربتي هخلص عليكي يا مريم، تلمي هدومك وترجعي عند أبوكي، مش عايز أشوف وشك هنا ســـامـعـة !!!!!!!!

سمعا صراخ "ملاذ" بالأعلى، ليركض "ظافر" نحو الغرفة خلفه الجميع، دلف ليجدها تصرخ من الألم محاوطة قدمها المصابة بهلعٍ لأول مرة يراه بها، دلف للغرفة ليأمر الخادمة بالخروج مغلقاً الباب جيداً، و كأنها لم تلاحظ وجوده، فقط شاردة بالفراغ محاوطة قدمها وجسدها ينتفض بين الفينة والأخرى، أقترب منها ليجذبها لأحضانه يبعد قدمها عن مرمى يداها يثبتها على الفراش، ود لو أن يدفنها داخل ضلوعه، قبل خصلاتها عدة قبلات يعتذر مرة ويهدأها مرة، لم تتحدث قط فقط تدفن نفسها داخل احضانه كالطفلة، مسح على ظهرها يقول بندم وبنبرة شديدة الحنو :
- شششش أهدي يا حبيبتي، أهدي، أنا اسف، مكانش ينفع أسيبك لوحدك، أنا أسف يا حبيبتي أسف، هاخدك وهنبعد عن هنا خالص، أهدي !!!!

لم تسمعه، أصابتها نوبة عصبية مصدومة مما حدث، تتذكر شكل الأفعى، تتذكر صراخها عندما وجدتها تلتف حول قدميها، تذكرت عندما ظلت تصرخ بإسمه ليأتي وينقذها، عاودت النظر إلى "ظافر" تتشبث بقميصه تقول ببكاءٍ:
- أنا ناديتك !!!!ناديت عليك وقتها بس أنت مجيتش!!!!

دفنها بأحضانه يربت على خصلاتها حتى غفت بأحضانه سريعاً من كثرة الإرهاق، نظر لتلك اللدغة بعينان مظلمة، رفع البنطال الخفيف التي ترتديه من فوق اللدغة حتى لا تؤلمها ...

شعر برجفة جسدها المثلج، ورجفة شفتيها الطفيفة، أحتضنها أكثر قائلاً بتوجس من فقدانها:
- مش هسيبك لوحدك تاني، هتبقي معايا فكل حتة، وجوازنا هيتم بأسرع وقت!!!!

قبل جبينها يهدء من روعها، كطفلة أُخذت منها حُلوتها عنوةٍ لتبكي في أحضان أبيها بحُرقة، أبعد خصلاتها عن وجهها الأحمر المذعور، ظل جوارها يمسح على ظهرها حتى غفت تماماً
• • • •
عادا "باسل" و "رهف" لغرفتهما، جلس على الفراش منحني بجزعه يضع يداه على رأسه التي على وشك الأنفجار، ربتت "رهف" على ظهره وهي تقول بنبرة عطوف:
- أهدى يا حبيبي و إن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة ..

أستطرد و هو لازال على وضعه قائلاً :
- أنا أول مرة أشوفه كدا، أول مرة يمد أيده على مريم بالطريقة دي!!!!!!

زمت "رهف" شفتيها تعقب قائلة :
- م هي تستاهل الصراحة يا باسل دي حطت حية لمراته عايزُه يعمل أيه فيها!!!!!

رفع رأسه ينظر للفراغ بثغرٍ أعتلاه بسمة شقية:
- بس هو واضح أنه بيحب ملاذ فعلاً، شوفتيه كان بيحضنها أزاي كأنها بنته!!!! أخيراً ظافر لقى البنت اللي هتنسيه كل حاجة حصلت في الماضي!!!!

أبتسمت "رهف" لتستند برأسها على كتفه، عوضاً عن ذلك فتح هو ذراعيه ليستقبلها بأحضانه، قبل جبينها بحنان قائلاً :
- ألبسي يلا عشان أخرجك..!!!!

أنتفضت "رهف" تصفق بمرح قائلة :
- 5 دقايق هتلاقيني جاهزة ....

نظر لها بسُخرية يقول:
- ده على أساس أن البنات بتجهز في 5 دقايق!!!!

• • • •

دلفت "فريدة" الغرفة بعد أن غفى "يزيد" بغرفته الجديدة، دلفت للمرحاض لتغتسل، أرتدت منامة قصيرة تصل إلى بعد ركبتيها بقليل، سرعان ما دفنت نفسها في الفراش تحت الغطاء لكي يأتي ويجدها نائمة، وبالفعل دلف "مازن" للغرفة بأسلوبه الهمجيٌ، أدعت النوم لتغمض عيناها و لكن لم تسطيع السيطرة على أرتجاف جسدها الطفيف، وكأن من أتى ملك الموت وليس زوجها، أبتسم "مازن" بسخرية ليذهب بإتجاهها، نكزها بكتفها قائلاً بإرهاق بدى في صوته :
- فريدة.. قومي أعمليلي أكل ..

ردت "فريدة" بنبرة جامدة تخفي البراكين المشتعلة داخلها:
- أطلب من الخدم ..

أردف هو بإستهجان :
- وأنتِ لازمتك أيه ؟!!!

نظرت له بحدة لتعتدل في جلستها قائلة بتحدٍ :
- و أنا مش هعمل طفح، روح أتصرف!!!!

جلس على الفراش بجانبها قائلاً بهدوء يسبق العاصفة :
-أنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة وهتقومي تجيبيلي أكل!!!!

تأففت لتهنض بإمتعاض، أتجهت نحو الباب تضرب الأرض بقديمها، لتتسمر في مكانها عندما صرخ بها بـحـدة :
- فــريــدة!!!!!!

أنتفضت لتلتفت له بخوف قائلة برهبة:
- في أيه ؟!!!

أقترب منها ليجأر بحدة :
- أنتِ مش شايفة اللي أنتِ لابساه!!!!

نظرت لما ترتديه بخجل، أخذت الإسدال لترتديه بخجلٍ، ثم نزلت إلى الأسفل، توجهت نحو المطبخ لتجد الخادمات بالإضافة إلى السيدة "رقية"، دلفت المطبخ تقول لإحدى الخدم بتهذيب على مرمى عينان حماتُها:
- لو سمحتي ممكن تحضري أكل لمازن ..

اومأت الخادمة بإبتسامة :
- تحت أمرك يا هانم ..

تشدقت "رقية" تنظر لها بتهكم:
-هانم!!!! وانتِ يا فريدة مهتعرفيش تحضري لچوزك الوكل بنفسك ؟!!

ألتفتت لها "فريدة" قائلة بإحترامٍ :
- لاء أكيد بعرف يا طنط بس أنا تعبانه شوية، بس أكيد بإذن الله هبقى أحضرلكم الغدا في يوم ..

نظرت لها "رقية" بغيظ لتقول بغلٍ :
- ماشي يا مرات أبني ...

ثم ذهبت من أمامها، لتزيل "فريدة" قناع القوة، تخبئ خلفه الكثير من الحزن و الإرهاق، جلست على المقعد المقابل لطاولة صغيرة بالمطبخ، اسندت رأسها عليها بتعبٍ، حتى غفت من دون أن تعي..
نظروا لها الخادمات بشفقة ليتستمروا قائلة إحداهن :
- ياحبة عيني الست هانم نامت!!!

قالت الأخرى بحزن:
- أنا مخابراشي (مش عارفة) الست هانم رقية بتعاملها أكده ليه، زي ما يكون بيناتهم تار !!!!

لتهمس الأخرى:
- بس فريدة هانم ردت عليها و أحرچتها..

جاء "مازن" بعد أن شعر بتأخيرها، لينتبه لما قالته الخادمة، دلف بحدة يقول:
- أيه اللي بيحصل هنا ؟!!!

انكسن رؤوسهن لتقول إحداهن :
- مافيش حاجة يا بيه!!؟؟

لتتقدم إحداهن بجرأة :
- لاء فيه يا بيه، الست رقية هانم بتعامل فريدة هانم بطريجة مش ولا بُد ..

نكزتها إحدى الخدم لتكف عما تقوله، إلا أنه رفع إحدى حاجبيه قائلاً بأستفسار :
- قالتلها أيه؟!!!
قصت عليه الخادمة ما حدث، نظر "مازن" إلى "فريدة" النائمة ولا يعلم لِما آلمه قلبه عليها، أنحنى بجزعه ليحملها بين يداه بلطف حتى لا يفيقها، قائل. لإحدى الخدم :
- هاتي الأكل و تعالي ورايا ..

راقب ذراع "فريدة" الذي عانق رقبته بحركة عفوية منها، أتجه لغرفتهما ليضعها برفق على الفراش، ألتفت للخادمة ليأخذ الطعام منها، اغلق الباب ليجلس يقضم بعض اللقيمات بشراهة، لينهض يحل ازرار قميصه ليبقى عاري الصدر كعادة أبناء الهلالي، أستلقى جوارها ليضما إلى صدره محاوط خصرها من الخلف، تمتمت "فريدة" بدون وعي :
- مازن.. كلت؟!!

أبتسم ليبعد خصلاتها عن عنقها الأبيض يقبلها هامساً :
- ايوا كلت ..
دفن أنفه برقبتها ليغفى بإستمتاع ..

• • • •

تخشب جسده عنها شعر بها تحتضنه بكل ما أوتيت من قوة، كم أشتاق لتلك اللحظة، حاصرها بذراعيه الضخمة ليسمعها تهمس بخفوتٍ :
- ظافر!!!!

شعر بقلبه يأن من الألم، حبيبته خائفة وهي بين يداه،حتى وإن لم تقولها إلى أن نبرتها أوحت بذلك، ليته لم يتركها، ليت الأفعى لدغته هو وليس هي، أحتضنها بقوة كأنه خائف من فقدانها!!! ظلا هكذا لبضع دقائق ليبتعد عنها قليلاً هامساً وأنامله تسير على وجنتها الشاحبة:
- هروح أجبلك أكل ياحبيبتي، أنتِ مكلتيش حاجة من الصبح!!!

أمسكت بكفه بقوة تنفي برأسها، لا تريده أن يبتعد عنها مرةً أخرى، أنحنى ليطبق على شفتيها بقلبة أذابتها، ليبتعد وشفتيه لازالت ملامسة لشفتيها يهمس بخفوتٍ :
- مش هتأخر...

نهض مبتعداً عنها ليخرج من الغرفة، ذهب نحو المطبخ ليحضر لها شطيرتان، وجد والدته تجلس على المقعد ممسكة بالمصحف ترتل بصوتٍ عذب، ا
أغلقته قائلة بصوت خاف "صدق الله العظيم" لتشير لأبنها بالمجئ، نظر لها بحيرة فهو يود ان يصعد لمحبوبته و لكن لا يستطيع رفض طلب والدته، لتهمش هي بنبرة ماكرة :
- تعالى يا حبيبي أجعد چاري و بعدين أطلعلها!!!

جلس بجوارها بهدوء، لاحظت والدته إرهاقه لتربت على كتفه قائلة بحنان:
- بتحبها يا ظافر، بتحبها يا حبيبي، أنا أول مرة اشوفك أكده، أنت مشوفتش نفسك لما كنت بتحضنها قدامنا كلنا..!!!!

أمسك برأسه والصداع يفتك به قائلاً:
- أنا مش عارف أعملها أيه، حاسس أني عاجز، أحساس بشع أوي يا أمي...!!!!

ربتت على خصلاته بحزن قائلة بلهفة :
- معاش ولا كان اللي يعچزك يا بني، متقولش أكده ..

نفى برأسه قائلاً بندم:
- لاء يا أمي، أنا السبب.. ياريتني مكُنت سيبتها لوحدها، أنا الغلطان..!!!!

- ياحبيبي و أنت كنت تعرف منين بس أن كل دِه هيحصُل، ربنا ينتقم منها الحية الحقيقية اللي كانت عايشة وسطينا!!!!

التفت لها قائلاً بنبرة سوداوية:
- هي راحت فين؟!!

تشدقت بـ:
- لمت هدومها وغارت في داهية عند أبوها..!!

تنهد بإرتياح وكأنه ثقل و أنزاح من على قلبه، لتربت والدته على كتفه العريض قائلة بحنو أمومي:
- روح يابني شوفها، ولو عوزتني نادم عليا و أنا هاچي!!!

أومأ بهدوء لينهض، صعد لها بخطوات سريعة، فتح الباب بهدوء حتى لا يخيفها، ليتفاجأ بالفراش فارغ، وقع فؤاده أرضاً برعب عندما سمع أنين متألم يأتي من المرحاض!!!!!
ركض داخل الغرفة متجهاً نحو المرحاض، جزع عندما وجدها منحنية تخرج ما بجوفها على الحوض، شعر بأن حبيبته تصارع الموت، وهو مكبل الأيدي لا يعلم ماذا يفعل، أتجه نحوها في خطواتٍ سريعة، ليحاوط خصرها مبعداً بخصلاتها من على وجهها، يقف خلفها ملصقاً ظهرها بصدره كحائط منيع يصد أي خطر يحاول أن يأخذها منه، مسح على وجهها بالماء بلطفٍ شديد، لفّها له يسندها بذراعيه الممتلئة بالعضلات، أرتجف جسدها متشبثة بقميصه تدفن رأسها بصدره و الألم بقدميها لا يحتمل، فهي قد عانت السير عليها لتصل إلى المرحاض بصعوبة بعد أن خطت بقدمٍ واحدة مستندة على الحائط!!!

مال بجزعه ليضع ذراع على ظهرها والأخر أسفل ركبتيها ليحملها بخفة، وضعت هي بدورها كِلتا ذراعيها حول عنقه لتدفن أنفها في عنقها الذي يفوح برائحته الرجولية التي تعشقها..

جلس على الفراش ليجلسها بأحضانه كالطفلة الصغيرة، أخذ يتفحص اللدغة عن كثب، نظر لها بحنو ليربت على ظهرها مقبلاً جبينها، رغماً عنها بكت، بكت لكثرة الهموم على قلبها، بكت لقدميها التي تؤلمها، بكت كارهة الحياة، بكت تريد أن تؤنبه عن عدم وجوده في حياتها مبكراً، هو تأخر.. تأخر كثيرا. بعد أن فقدت شغفها بكل شئ حولها، بكت لكذبتها ااتي ستؤدي بها أسفل الجحيم، بكت لأنها شعرت أن خسارته قريبة، قريبة جداً، بكت كأنها لم تبكي من قبل، كان بكاءها مصحوب برعشة عنيفة بجسدها وهي بين أحضانه، جالسة على ركبتيه، كاد أن يكسر ضلوعها في عناقه لها، لم تكن تعلم أن بكاءها بتلك الطريقة بمثابة لكمات تضرب قلبه بلا رحمة، فرت دمعة هاربة من مقلتيه ليزيلها بقوة، أهو يبكي، هو الذي فقد إنسانيته بالأعمال المشبوهة كتجارة السلاح وغيرها تنساب دمعة خائنه منه و هو يرى حبيبته بتلك الحالة !!!

تشبثت بكنزته تهمس بصوت يرتجف باكٍ:
- ياريتك كنت جنبي من الأول ياظافر، ياريتني قابلتك من زمان، مكنتش هبقى كدا والله!!!!

رفع كفها الصغير يقبل باطنه قائلاً بحنو:
- ورحمة أبويا، أقسم بالله وعد أتحاسب عليه أني مش هسيبك أبداً، طول م أنا جنبك مافيش حاجة هتقرب منك!!!!!!!
• • • •
في الصباح الباكر، جلست "رهف" على الفراش البارد تضم قدميها لصدرها تبكي بقوة، تذكرت ما حدث البارحة....

عندما نزلَت عن الدرج بخطوات متغنجة، في ثوبها البنفسجي الذي أظهر رشاقة قوامها، وبياض بشرتها الناصع، ألتمعت عينان "باسل" بعشقٍ، كاد قلبة أن يطير من فرط جمال محبوبته، قلّص المسافة بينهما ليستقبلها على أول الدرج، كـ ملكٌ ينتظر ملكته على أحر من الجمر، و لحسن حظه كان الجميع منشغل بغرفهم، وقفت أمامه بخجل تنكس برأسها بالأسفل، حاوط وجهها بكلتا يداه، ليزرع قبلات على كل إنش في وجهها الصافي، ارنبة أنفها، جبينها، وجنتيها القابلة للقضم، وأخيراً شفتيها الذي لم ولن يتشبع من إرتواءها، أمسك بكفها ليسيرا معاً، أتجها نحو السيارة ليفتح لها باب السيارة قائلاً بمزاح:
- أتفضلي يا رهف هانم ...

أستقلت السيارة بفرحٌ كبير، نظرت له و هو يلتفت ليجلس جوارها، ثم نظر لها ممسك بكفها، رفعه لثغره ليطبع قبلة حنونة عليه قائلاً بعشقٍ:
- بحبك!!!!

نظرت لفستانها بخجلٍ مسترسلة بوجنتين كالطماطم:
- ميرسي!!!!!

نظر لها بدهشة ليقول بنبرة مازحة:
- بقا انا اقولك بحبك تقوليلي ميرسي، هو أنا عاملك صينية بطاطس يا رهف..

زمت شفتيها قائلة بحزن زائف:
- ماشي يا بسلة أتريق عليا كمان...!!!

قهقه بقوة ليتحرك بالسيارة قائلاً بتوعد مصطنع:
- لما نروَح يا رهف أصبري عليا!!!

• • • •

وصلا لمطعم من أفخم المطاعم بالقاهرة، أتخذا كلاً منهم مقعده، نظرت "رهف" للمطعم بإنبهار، ثم عادت بنظرها إلى "باسل" الذي يطالعها مبتسماً، لتردف قائلة بسعادة برّقت بمقلتيها :
- انا فرحانة أوي!!!!

ابتسم وقال:
- ربنا يقدرني و أفرحك أكتر ....

ثم أكمل قائلاً :
- تطلبي أي يـا موزّة؟!!

نظرت له بدهشة قائلة بإشمئزاز زائف:
- موزّة؟! أنت بيئة أوي!!!

- بيئة عشان بقولك موزّة، يلا يبنت العبيطة!!!

شهقت لتزم شفتيها تنفخ بوجنتيها بضيق زائف مكتفة ذراعيها أمام صدرها، ماذا إن نهض وأكلها الأن، بالتأكيد هي قابلة للأكل، ليته حجز ذلك المطعم الغبي لهما بمفردهما، أبتسم لها بعشقٍ جلي، طلبا ما يريدونه من الطعام، لينهوا عشائهما الرومانسي بنظراتهما المحبة ...

تعلقت بيداه ليخرجا من المطعم، لم يلاحظوا تلك العينان الخبيثة التي تراقبهما، كادا أن يستقلا السيارة، ليوقفهما صوت ماكر يقول:
- أزيك يارهف، وحشتيني!!!!

ألتفتت "رهف" لذلك الصوت بإستغراب، بينما جمدت ملامح "باسل" بالكامل، ليلتفت له واضعاً يداه بجيبه، مراقباً للحديث الذي يدور بينهما ببرودٍ تـــام!!!!!

جمدت أطرافها، نظفت حلقها وهي تقول بصـدمة:
- سـليم!!!!!!

أقترب منها "سليم" يطالعها بنظراته الخبيثة، بينما أبتعدت عنه "رهف" لتختبئ وراء "باسل" متشبثة بحِلته، نظر له "باسل" متأهباٌ للعراك يقول بوجهٍ لا يتبين له أية ملامح:
- أنت مين ؟!!!!

تجاهله "سليم" تماماً، محدقاً بـ "رهف" بنظرات أرعبتها، قدحت حدقتيّ "باسل"، وبدون مقدمات قبض على تلابيبه ليصبح وجههما مقابلاً لبعضهما، كل منهما يحدق بالأخر بتحدٍ حارق، ربت "باسل" على منكبيّ الأخير يقول بهدوء سابق للعاصفة:
- هو أنت متعلمتش يا روح أمك أن لما الرجالة تبقى واقفة متتكلمش مع النسوان!!!!!!

شهقت "رهف" بخوف لتمسك بذراع "باسل" قائلة برجاء حار وهي تتيقن أنها سينشبا عراك في الحال :
- باسل عشان خاطري يلا نمشي من هنا!!!!
ألتفت لها بنظرة جعلتها تصمت متراجعة وكأنها قد أبتلعت لسانها، ليزيح "سليم" يده قائلاً بإبتسامة باردة مستفزة:
- أهدى على نفسك يا عم الشَبح، ده حتى أنا و رهف عارفين بعض.. عـز المـعرفة!!!!!!
حدق به بشراسة ليلتفت لها ممسكاً برسغها بقوة آلمتها :
- مين دة ؟!!!!

أبتلعت ريقها بنظرات زائغة لتتمتم بخفوت:
- هقولك والله بس أحنا لازم نمشي من هنا!!!!!

أبتسم "سليم" بسماجة ليستطرد واضعاً كلتا يداه بجيبه قائلاً:
- أنا اللي كنت خاطبها، أيه يا رهف هو أنتِ مقولتيش لجوزك أنك كنتي مخطوبة ليا قبل كدا!!!!!

• • • •

دلف "باسل" الغرفة صافعاً الباب خلفه، ألقى نظرة جانبيه _باردة_ عليها أخرج لُفافة تبغ ليشعلها بقداحته الذهبية، ليخرج إلى الشرفة الملحقة بالغرفة مستنداً بكفه على السور، ينظر للفراغ بعينان متوعدة، لا يخفى عنه صوت نحيبها الذي يصدر من خلفه، كانت ملامحه جامدة تنذر بشرٍ قريب ..

نهضت "رهف" لتتجه نحوه بخطوات وئيدة، تقدم قدمٍ وتؤخر الأخرى، مسحت دموعها بظهر يداها و هي تقف خلفه مباشرةً، أستندت برأسها على ظهره العريض تدفن وجهها به، محتضنه خصره لتنفجر بالبكاء بشهقاتٍ متتالية
تقلصت ملامحه ألماً قابضاً على سور الشرفة حتى ظهرت أوردته من شدة الغضب، هي لا تعلم ماذا تفعل دموعها به، تلك الطفلة لا تدرك مدى تأثيرها عليه، تغفل عن أنه أصبح مهووساً بها، لم يلتفت لها، ولم يفتح لها ذراعيه كالعادة، بل ظل متخشباً بالأرض لا يبدى أي ردة فعل، لا يستمع سوى لنحيبها الذي أخذ يمزق في روحه

تمتمت بشجنٍ وبصوتٍ راجي:
- أرجولك متعملش كدا فيا، أنا مكنتش هقدر أحكيلك عشان عارفاك متهور وممكن تجيبه وتقتله وتضيع نفسك عشان واحد زي ده!!!

لم يرُد، مصغياً لحديثها بهدوءٍ مخيف، ابتعدت عنه "رهف" لتمسك بكلتا منكبيه تديره لها قائلة ووجهها مملوء بالدموع:
- باسل تعالى نتكلم بالعقل و أنا هفهمك كل حاجة والله!!!! بس متتجاهلنيش بالطريقة دي!!!؟

مسحت بعيناها على وجه لترى ملامحه الجامدة لم تتغير إنشاً، و لأول مرة تراه هكذا كـ لوح الجليد، نفث دخان سيجارته بعيداً عن وجهها مبتسماً بسُخرية لاذعة مردفاً:
- للأسف كان المفروض أسأل عن البني آدمة اللي هتجوزها، واللي هتشيل أسمي وتبقى أم عيالي، دي مش غلطتك دي غلطتي أنا!!!! مكنش ينفع أتجوز واحدة كدابة!!!!!!

وقعت كلماته عليها كالصاعقة، جحظت عيناها بصدمة وكلماته كالخناجر المستقرة في جسدها، وبهدوءٍ شديد أغرورقت عيناها بالدموع الحارة، وذراعها التي كادت أن تضعها عل يده لتواسيه أنزلتها بجوارها، ترددت صدى الكلمات بأذنيها تبتسم لنفسها بألمٍ، ألم تمكن منها يتآكلها، لقد مات أبيها من قبل، أصبحت بلا ظهرٍ تستند عليه، أذاقتها الدنيا مرارة الحياة، بل وصفعتها عدة صفعات لا يتحملها بشريٍ، و عندنا شعرت أن الله يعوضها بزوجٍ أحبها بكل جوارحه، طعنها هو الأخر بظهرها دون أن يسمع مبرراتها ليثبت لها بأن الحياة ظالمة، لم تبدي ردة فعل أو هكذا ظنت، فتعبيرات وجهها كانت كالكتاب المفتوح أمامه..

لوهله شعر بتأنيب الضمير عندما نظر لوجهها الذي بُهت، وعيناها التي أختفت الحياة بهما، إلا أنه رفض التنازل عن كبريائه كرجلٍ، ألتفت ليعود على وضعيته مستنداً على السور بكلتا يداه و كأنها لم يحطم قلبها تواً، ألتفتت "رهف" مبتعدة عنه بوجهٍ متحجر، أتجهت نحو خزانتها لتخرج حقيبتها الكبيرة، فتحت سحابها بهدوء لتضع ملابسها بها عاقدة أن لا تبقى بذلك القصر أبداً، ألتفت "باسل" عندما سمع بالضجة التي تحدثها، تصنمت عيناه عندما رآها تنقل جميع ملابسها للحقيبة، أتجه نحوها قائلاً بتساؤل بارد:
- بتعملي أيه..

لم تعيره أهتمام، وكأن سؤاله لم يوجه لها، لتكمل ما تفعله بهدوءٍ تــام

ظهر الغضب على محياه ليصرخ بها بضراوة :
- لما أكلمك تبصيلي و تردي عليا فاهمه!!!!!!

لاحت أبتسامة ساخرة على وجهها لتترك ما تفعله تتقدم نحوه قائلة بنبرة خالية من الحياة:
- بعفيك من الأختيار الغلط، أنا فعلاً مينفعش أشيل أسمك او أبقى ام لأولادك، عشان كدا أنا رايحة لماما وياريت ورقتي توصلني في أقرب وقت!!!!!

صُدم من حديثها، لم يتوقع أن كلماته ستجرحها بذلك الشكل، أمسك بذراعها بعنف قائلاً بتحذير:
- أيه الجنان اللي بتقوليه دة!!!!

أمسكت بكفه لتزيحه بعيداً عن ذراعها قائلة بهدوء مستفز:
- ده مش جنان، دة الحل ليا وليك يا باسل!!!!!

أمسكها من كتفيها ليهزها بقوة صارخاً بها خارجاً عن طوره بالكامل:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أطلقك!!!!! ده بُــعـدك يا رهــف، و سيادتك عايزة تروحي تقعدي عند جوز أمك ال**** دة أنا أهد الدنيا عليكي أنتِ وعيلتك كلها، أنتِ مراتي ومِلكي وهتبقي في المكان اللي أنا فيه غير كدة مش عايز أسمع منك أي حاجة تانيه فـاهمة!!!!!

تلوت بين ذراعيه تصرخ به وعروقها أشتدت لكثرة ما تعانية من ألم كلماته قبل قبضته على جسدها:
- سيبني يا بـاسـل أنا بـكـرهـك ومش عايزة اقعد معاك أبداً سـيبني!!!!!

تلبستها حالة من الجنون الهيستيري تصرخ بوجعٍ وبكاء حارق يكاد يزلزل القصر بأكمله، صُدم "باسل" لما توصلت إليه "رهف" من حالة هيستيرية ليجذبها إلى صدره معانقاً إياها بكلتا ذراعيه يردف سريعاً:
- أهدي يا حبيبتي، أهدي و أنا هعملك اللي أنتِ عاوزاه بس أهدي!!!!!!!

ضربته على صدره عدة ضربات تحاول أن تنزع نفسها من أحضانه ولكنه كان متمسكاً بها لأقصى حد، لم تستكين "رهف" له و هي تردد بـ (طلقني)، حملها "باسل" بين ذراعيه، ليضعها على الفراش بلطفٍ، أستلقى بجانبها لتتخلل يده اسفل ظهرها يرفعها نحوه حتى تجلس بأحضانه، مربتاً على خصلاتها حتى هدأت و غفت بإرهاق..
• • • •

تجلس أمام المرآة ممسكة بالفرشاة تمشط خصلاتها الطويلة، لتضع القليل من مساحيق التجميل، ليظهر جمالها البرّاق، أنتفضت على المقعد عندما وجدته يدلف بهيئة مبعثرة، حيث أول أزرار قميصه المفتوحة وبذلته على يده، خصلاته مبعثرة ووجه مرهق حقاً، رمى بجسده على الفراش مغمضاً عيناه بوهن..

لم تبالي به "فريدة" لتكمل تمشيط خصلاتها كأنها لم تراه، نظرت لما ترتديه والذي كان عبارة عن منامة تتكون من بنطال (مشجر) مُريح، تعلوه كنزة ملتصقة بجسدها لم تغطي كامل ذراعيها، نهضت من امام المرآة، لتهم بالخروج من الغرفة، ولكن أستوقفها صوته الحاد يقول :
- على فين!!!!

التفتت له بتعجب تتمتم بصوت خفيضه لم يسمعه:
- هو مش مغمض عينه عرف أزاي أني ماشية هو ملبوس ولا أيه!!!!

نظرت له تقول بإمتعاض:
- و أنت مالك؟!!

هدر بها بحدة وهو لازال على حاله:
- فــريـدة!!!!! أنا مش ناقصك و عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي...

نظرت له بسُخرية قائلة:
- و أيه الجديد؟!! ع العموم رايحة أشوف يزيد..

نهض ليجلس على الفراش يتفحصها بعيناه من رأسها حتى أخمص قدميها، خجلت "فريدة" من نظراته ولكنها صمتت، لينظر لها "مازن" قائلاً بهدوء :
- ألبسي حاجة محترمة شوية عشان أنا أخواتي تحت!!!!

ضيقت عيناها بغضب لتقترب منه بخطوات بطيئة، وقفت أمامه لتقول بنبرة شرِسة:
- أنت عايز تفهمني أنك بتغير عليا زي أي زوجين طبيعين، مازن أنا وأنت زي الميا والنار مستحيل نتجمع مع بعض، فياريت بلاش تعيش في دور الزوج اللي بيحب مراته، أنت متجوزني لسبب واحدة أنا و أنت عارفينه كويس..
ثم نظرت له بإحتقار لتشير بيدها بسُخرية:
- وبعدين أنا مش نازلة أتمشى في قصركم الفظيع، أنا هقعد مع يزيد في أوضته، ده غير أني مش لابسة بدلة رقص عشان تقولي ألبسي حاجة محترمة!!!!

- خلصتي؟!
قال ببرود شديد ليشير بسبابته إلى الخزانة قائلاً:
- لو ملبستيش حاجة طويلة دلوقتي قسماً بالله م أنتِ شايفة أخوكي النهاردة يا فريدة!!!!!

نظرت له بصدمة لمدى جموده بكلامها لم يؤثر به مقدار ذرة، ضربت الارض بقدميها لتتجه للخزانة تبحث عن شئ محتشم..

• • • •

نزلت من فوق الدرج، فقد أشتاقت لأخيها التي أهملته في هذان اليومان، أشتاقت لأحضانه الدافئة، و عندما يربت بيده الصغيرة على ظهرها ببراءة، ولكن وهي شاردة أرتطمت بالسيدة "رقية" والتي كانت ممسكة بكوب من الشاي الساخن، ولسوء حظها سقطت الماء المغلي على ذراع "فريدة" وسقط الكوب الزجاجي متحولاً لشظايا، صرخت "فريدة" بألم ممسكة بذراعها الملتهب لتنهمر الدمعات من عيناها، غضبت السيدة "رقية" لتصرخ بها و لم ترحم حالتها قائلة:
- أيه عميتي إياك معدتيش بتشوفي زي الخلق!!!!

فركت "فريدة" ذراعها بعينان دامعتان لتنظر لها "رقية بإستحقار مشيرة إلى الزجاج المنثور على الأرض قائلة بتكبرٍ:
- يلا يا بت لِمي الأزاز الي كسرتيه دة!!!!

نظرت لها "فريدة" بصدمة لتقول بصوت باكٍ متجاهله ألم ذراعها:
- أنتِ ليه بتعامليني كدا!!!!، دة أنتِ حتى بتصلي و عارفة ربنا و عندك بنت!!!! ليه أنا بالذات اللي بتكرهيني اوي كدا!!!!!

نظرت لها "رقية" بتقزز:
- لأنك أقل من أني أعاملك بحُسنة، حتة ممرضة لا راحت ولا چات لفت على أبني لحد م أتچوزته وكمان من ورا أهله، عيلتك لا ليها أصل ولا فصل و بعدين لما تتكلمي مع أسيادك تتكلمي بإحترام فاهمه يا بت ولا مبتفهميش!!!!!

- في أيـــه اللي بيحصل هنا؟!!!!
هدر بها "مازن" الذي وقف خلف "فريدة"، ألتفتت له "فريدة" لينصدم من الدموع التي ملئت وجهها، أتجه نحوه في جزعٍ ليربت على ظهرها قائلاً بقلق:
- بتعيطي ليه يا فريدة؟!!!

شهقت "فريدة" ببكاء حقيقي نبع من قلبها، لفتت أنظاره يدها شديدة الإحمرار و الزجاج المنثور في الأرضية، ألتقط يدها قائلاً بصدمة:
- أيه اللي حصل!!!!!

ألتفت لوالدته ليقول بغضبٍ:
- في أيه يا أمي!!!!

ضغطت الأخيرة على شفتيها لتتشدق قائلة:
- مافيش حاجة يا بني مراتك أتدلق عليها شوية شاي عملتها مندبة!!!!

أشتعلت عيناه بإنفعال ليعاود النظر إلى ذراعها الملتهب، جذب رأسها ليطبع قبلة صغيرة على خصلاتها مربتاٌ على ظهرها قائلاً في حنو لأول مرة ينبع منه:
- تعالي أحطلك مرهم...

حاوط كتفيها بذراعه المفتول ليسيرا نحو الغرفة متغاضياً عن صدمتها من كلماته و أفعاله وحنانه الذي ظهر فجأة..

صعدا لغرفتهما ليدلفا تاركين "رقية" تشتعل غيظاً ..
أجلسها "مازن" على الفراش مغلقاً الباب من خلفه، جلب كريم الحروق ليجلس بجوارها، كان الحرق يأخذ حيز كبير من ذراعها، وضع طبقة رقيقة من الكريم على منتصف ذراعها الملتهب، وزعهما برفق حتى لا تتألم ثم رفع ذراعها إلى ثغره، ثم نفخ به بلطف حتى يجف، نظرت له "فريدة" وصدمتها لم تزول عن وجهها، ظنت أنه يتصنع الأهتمام أمام والدته إلى أن نظراته القلقة عبرّت عما بداخله، رفع بصره إليها قائلاً بقلق:
- بيوجعك أوي؟! أجيبلك الدكتور؟!!

نفت برأسها قائلة بخفوت وبنبرة مبحوحة وهي تنزع ذراعها من بين كفه قالت:
- لاء.. أنا كويسة...

ربت على ظهرها بحنو قائلاً:
- أحكيلي أيه اللي حصل بالظبط..

نظرت له وقد عادت الدموع لعيناها عندما تذكرت أفعال أمه قائلة بصوتٍ ينذر بالبكاء:
- أنا كنت رايحة ليزيد زي م قولتلك وخبطت فيها من غير م أقصد والشاي وقع أتكب عليا، وقالتلي أني لفيت عليك و أني مش ليا عيلة!!!!!

لتنفجر في البكاء كالأطفال وهي تتمتم بحزن عميق:
- بس هي مغلطتش انا فعلاً مش ليا عيلة!!!

دفنت رأسها بكفيها باكية بحدة، ليجذبها لصدره بإبتسامة خفيفة لطفولتها، مقبلاً خصلاتها و هو يردف:
- خلاص بقا متعيطيش يا فريدة.. أهدي، وبعدين أنتِ عندك ابوكي على فكرة و أكيد هو بيحبك و عندك أخوكي يزيد كمان صح؟

لم تساعده كلماته سوى على البكاء أكثر، ليمسح هو على خصلاتها قائلاً :
طب أقولك قومي ألبسي و خلي يزيد يلبس عشان نروح الملاهي يلا!!!

أنتفضت "فريدة" تقول بصدمة وهي تمسح عيناها من الدمعات العالقة بهما:
- هـــاه!!! ملاهي!!!!!

• • • •
أنتفضت تلك السيدة البدينة تضرب على قدميها قائلة بحسرة وبلهجتها الصعيدية:
- يا حسرة عليكي يابتي، چوزك طردك ورمى عليكي يمين الطلاق طب و الله لا أنا ولا أبوكي هنسكتله هو مفكر أنك مالكيش ضهر ولا أييهه!!!!

دفنت "مريم" رأسها في أحضان والدتها تبكي بحرقة، لا تصدق أنها ستبتعد عنه، لطالما أحبته "مريم" دون مقابل، أحبت كل شئ و أي حركة تصدر منه، ولكنها دفعت ثمن هذا الحب اللعين غالٍ، لم تستوعب أن حُبها له كان دافعاً جعلها تجلب حية لـ "ملاذ"، لم تكن "مريم" شريرة يوماً، و لكن حبها الأسود لها لم يكن سوى دافع لتلك الشرور، أقسمت "مريم" بداخلها أنها لن تجعله ينعم بحياة هادئة بعيداً عنها، ستجعله يندم على فراقها وطردها بذلك الشكل المهين!!!!

يقترب منهم ذلك الكهل الذي يرتدي جلبابه ويبدو على وجهه الوهن قائلاً بتعب:
- أحنا معندناش بنات تتطلق يابتي، أحنا هنتصرف ونرچعك لچوزك...

• • • •

مال بثغره طابعاً قبلة عميقة فوق جفونها المُسبلة، ممسكاً بكفها الناعم وعيناه تسير على كل شبرٍ في وجهها بنظرات متفرسة، ثم تنهد بإرهاق فهو لم ينام منذ يومان خائفاً على أن يصيبها مكروه، فهو مازال يؤنب نفسه على ما حدث، نهض من جوارها يدثرها جيداً حتى لا تبرد، ليتجه الغرفة المجاورة حتى لا يبتعد عنها، نزع كنزته الملتصقة بجسده ليرتدي كفوف الملاكمة، يقف أمام كيس الملاكمة بنظرات شرِسة، أخذ يلكمه بحدة منفثاً عن الغضب المتأجج داخله، تصبب العرق من فوق جبينه بل من فوق جسده بأكمله..!!!

اشتعلت عيناه بإحمراراً مخيفاً ليلتقط الكيس بين ذراعيه مستنداً عليه بجبهته، نزع الكفوف ليستلقي على الأرض ممارساً تمرين الضغط المفضل له، أشتدت عضلاته بعنف و هو يصل للعد مائتان!!
نهض عن مضجعه ليتجه نحو هاتفه الراقد على الفراش، أمسك به ليعبث بشاشته، وضعه على أذنه ليأتي الرد بعد ثوانٍ، تنهد مردفاً بصدرٍ مهتاج من شدة تعبه:
- الشُحنة يا جواد أخبارها أيه؟!!!

أردف "الجواد" بغرابة:
- ياعم قول أزيك يا جواد مش الشحنة يا جواد خبط لزق كدا!!! ،و بعدين متقلقش الشحنة وصلت وأستلمناها، بس مالك يا ظافر بتنهج ليه كدا أنت فين؟!!

أردف هو بشراسة:
- المهم دلوقتي أنتَ لازم تيجي وتجيب معاك أوراق الصفقات اللي عايزة أمضتي لأني مش هعرف أجي الشركة اليومين دول..

- أنا كنت لسة هقولك كدا، يلا أنا جاي مسافة السكة

أبعد "ظافر" الهاتف من على أذنه ليتجه صوب الحمام الملحق بالغرفة، أغتسل سريعاً ليخرج مرتدي بنطال قطني مريح تعلوه كنزة "كت" سوداء أظهرت عضلات صدره وذراعيه، مضى نحو غرفة "ملاذ"، أدار المقبض ليتفاجأ بها جالسة على الفراش ضامة ساقيها لصدرها تدفن رأسها بهما، ليسمع تنهيداتها المتألمة أقترب منها سريعاً ليجلس بجوارها ماسحاً على ظهرها وهو يقول بقلقٍ من حالتها:
- مالك ياحبيبتي، حاسة بوجع أجيبلك الدكتور؟!!!

رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع لها لتقول بصوتٍ متقطع:
- أنت.. كنت.. فين!!!!

حاوط وجهها بكفيه ليطبع قبلة على جبينها قائلاً بحنو:
- أنا كنت في الأوضة اللي جنبك يا حبيبتي متخافيش..

نظرت بعمق داخل عيناه لتقول بصوت مبحوح:
- يعني أنت مش مشيت وسيبتني وزهقت مني؟!!!

ابتسم بحبٍ ليجذبها لأحضانه قائلاً بشبه تأنيب:
- ليه بتقولي كدا؟ أنا مستحيل أزهق منك او أسيبك، أنا بس عايزك تتحسني بسرعة عشان أتجوزك ونمشي من هنا بقا..

حاوطت خصره بذراعيها لتقول بنبرة ضائعة:
- أنا أستاهل اللي بيحصل فيا، أستاهل كل حاجة وحشة بتحصلي يا ظافر!!!!

نزعها من أحضانه قائلاً بتوبيخ وقد ازعجته كلماتها:
- متقوليش كدا يا ملاذ...

نفت برأسها قائلة بألمٍ أعتصر قلبها:
- لاء انا أستاهل صدقني، أنا عايزة أموت بقا و أرتاح أنا تعبت!!!!

نهرها "ظافر" بحدة قائلاً بعنف:
- متدعيش على نفسك سامعة متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!!

أنهمرت الدموع من عيناها لتنفجر في البكاء ، لترتمي في أحضانه بإندفاع بألمٍ يغزو قلبها، ربت "ظافر" على ظهرها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
- حبيبتي قوليلي ايه اللي مزعلك، أنا متأكد انك مش بتعيطي عشان موجوعة، أنا عارف ان في حاجة جواكي شايلة همها، في أيه؟

تشبثت بكنزته لتسترسل بصوتٍ مرتجف:
- ياريتني اعرف أقولك..!!!

مسد على خصلاتها قائلاً بشكٍ:
- طب أنتِ خايفة مني؟!

نفت برأسها قائلة بصدقٍ:
- لاء.. خايفة أخسرك!!!!

أبتسم "ظافر" ليبعدها عن أحضانه، كوّب وجهها قائلاً بنبرة حنونة:
- أنا اللي خايف أخسرك صدقيني..!!!

مسحت عيناها كالأطفال لتنظر له ببندقتيها اللامعة، نظرة جعلته ينصهر كالجليد، مال بثغره ببطىٍ، ليلتقط شفتيها بشفتيه ببطئٍ، سارت أنامله على طول ذراعيها الناعمة ليضع كفه خلف عنقها لتطبع شفتيه على كامل وجهها بقبلات متفرقة وكأنه يواسيها بطريقته، لثم عنقها الطويل بلطفٍ، أبعدته "ملاذ" قائلة بصدرٍ يعلو ويهبط:
- ظـافـر!!!!!
- أنـا عــايـزك!!!!!

• • • •

استقلا ثلاثتهم السيارة ليجلس "يزيد" الصغير بالخلف يشاغب بطفولة، ضرب على كتف "مازن" قائلاً ببرائة:
- عمو مازن هو أحنا هنروح فين؟!

ألتفت له "مازن" بإبتسامة مقتضبة قائلاً:
- خليها مفاجأة...

أبتسمت "فريدة" تطالع الحديث الذي يدور بينهما، صفقت بحماس لينظر لها "مازن" بصدمة:
- مش كفاية طفل واحد في حياتي كمان طلعت متجوز طفلة، آدي أخرة صبري..!!!

قهقهت "فريدة" بقوة" ليشاركها أخيها بالضحك لا يعلم ماذا يقولون لكن رؤية شقيقته جعلته يبتسم لا إرادياً!!!

تحرك "مازن" بالسيارة متجهاً نحو الملاهي...

• • • •

صفّ سيارته ليستقلوا، صرخ "يزيد" بحماس:
- المياجيح (مراجيح)!!!! ألتمعت عيناها ببرائة لتقدم على الذهاب غير عابئة بأحد، ليقبض "مازن" على رسغها قائلاً بجدية:
- فريدة، تفضلي ماسكة إيدي أنتِ شايفة الدنيا زحمة أزاي!!!

نفخت وجنتيها لتومأ برضوخ، مال "مازن" بجزعه، ليحمل"يزيد" بذراع والأخر أمسك بكف زوجته، أتجه أولاً إلى الألعاب الخفيفة حتى لا يتعب "يزيد"، رفض"مازن" تماماً العب معها رغم إلحاحها السديد عليه، إلا أنه تحجج بأنه سيقف يراقبهما، تعالت صرخات"فريدة" و "يزيد" ليبتسم "مازن"، أخذ يفكر، لما يُعامل زوحته بتلك الطريقة، لم يقسو عليها هكذا وهو يعلم أن ليس لها مكان للذهب إليه سوى بجواره، لِم يستغلها -جسدياً- بتلك الطريقة البشعة، أنب نفسه بشدة ليمسح على وجهه بحدة وحيرة، لمح على الجانب الأخر رجلاً طويل القامة يقف خلف فتاة، جحظت عيناه عندما وجده يحاول لمسها بطريقة مقززة مستغلاً ذلك الإزدحام ، أندفع الدماء لرأسه ليلقي نظرة على "فريدة" و "يزيد" ليجدهما لازالا يمرحان على تلك اللعبة، هرول نحو تلك الفتاة ليقبض على ذلك الرجل، طرحه أرضاً ليكيل له ضرباتٍ قوية بوجه وبأماكل متفرقة من جسده، إلتفتت تلك الفتاة برعب لتطالع "مازن" الذي لم يرحم ذلك الراجل الراقد أسفله، ألتفتت تلك الفتاة بإستغراب لتجحظ كاتمة شهقة كادت أن تخرج منها لتصيح بصدمة:
- مـــازن!!!!!.

توقف "مازن" عن ضربه على الفور .. عندما أستمع صوتها، رفع رأسه لتكاد عيناه أن تخرج من محلها و هو يردف بصدمة حقيقية:
حافية على جسر عشقي الفصل الثالث عشر:
قبضَت بكفيها على الغطاء المحاوط لجسدها، مغمضة عيناها بأسى بدى على قسمات وجهها، بينما هو خلفها يحاوط خصرها بذراعه البارد مستنداً بذقنه على خصلاتها، حاولت أن تنزع ذراعه عنها إلا أنها فشلت، فقد كان متشبثاً بها كأنه خائف فقدانها، و هروبها من بين يداه!!!

تنهدت بضيق لشعورها بقلبها الذي ينبض بقوة بداخلها، مرتعبة من أن تكون قد وقعت في فخ الحُب، نفت ما برأسها، شعورها تجاهه هو الإطمئنان فقط، الإرتياح نحوهه، هي تشعر بجانبه بأنها في آمان، بأن لا يوجد أحد على الأرض يستطيع إذائها وهي بجواره.. ليس إلا!!!
خافت من أن تكون تعلّقت به، خافت من حصوله على قلبها المغلف بالحزن وعدم الثقة، أستسلمت للأمر لتلتفت تعطيه وجهها، حدقت بملامحه الوسيمة حتى و هو نائم يبدو كالملاك، غفلت عن حالها لوهله لتميل بثغرها مقبلة صدغه برِقة....

تفاجأت به يفتح عيناه بخبثٍ ماكر وسط صدمتها، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها، حاوط خصرها بذراعه القويتان عندما قال بخبثٍ:
- أنتِ عارفة أنا هعمل فيكي أيه بعد اللي عملتيه دلوقتي ده!!!!

خفق قلبها بعنف لتمد كفيها واضعها إياهما على صدر العاري محاولة أختلاق مسافة بينهما قائلة بوجهٍ تخضب بالإحمرار الشديد:
- ظـافـر!!!

لم يبالٍ بكفيها الصغيرتان لينحني نحوها مداعباً أنفها الصغير بأنفه الحاد مغمض العينان يستشعر أسمه الذي يُلفظ من بين شفتيها قائلاً مغمض العينين بحنو:
- عيونه!!!!

تنهدت بعمق و قد أدركت أنها وبدون نقاش قد وقعت فريسة لحُبه، أستسلمت لذلك الشعور الطاغي، لتصمت، حتى عندما أطبق بشفتيه على شفتيها في قبلة رقيقة لم تفعل شئ، لم تقاومه بل تبادلت معه قبلته بشوقٍ زُرع بقلبها، قررت أن تعترف له بكل شئ منهية ذلك الصراع الذي يدور داخلها و لكن ليس الأن حتى لا تفسد تلك اللحظة..

• • • •

جلست على الأراضي الباردة تضم كلتا ركبتيها إلى صدرها تبكي بعنف، لا تستطيع نسيان ما حدث البارحة و كلماته القاسية معها، لقد طعنها بدمٍ بارد، شردت فيما حدث لتتذكر البارحة عندما كانت تقف في شرفة منزله لتراه يترجل من سيارته السوداء الفخمة يسير بهيبة عهدتها منه، قفز قلبها فرحاً لترتدي إسدالها لتنزل لعنده بخطوات متلهفة وقد قررت الإعتراف له بمشاعرها البريئة النقية، كان وجهها يزينه البسمة و هي ترى الخادمة تفتح الباب لها، تلاقت نظراته بها لتفضحها عيناها الخائنة!!!

أبتسم بسُخرية لينتظر ذهاب الخادمة و قد أصبح يسأم شعورها تجاهه، أتجهت نحوه "ملك" بخطوات متهادية تنظر أرضاً بخجل، لتفرك أصابعها ببعضهما بتوترٍ قائلة في حياء:
- أزيك يا جواد؟!!

ردّ بإقتضاب:
- كويس

شعرت ببرودة ردُه لترفع نظراتها له قائلة بغرابة:
- أنت .. أنت زعلان مني في حاجة؟!!

أدار وجهه للجهة الأخرى وبرائتها تجبره قسراً على أن لا يقسو عليها، فهي لطالما كانت طفلته التي كانت تركض تجاهه منذ صغرها ليستقبلها هو بالأحضان، حتى كبرت و نضجت فـ لم تعد تفعل ذلك تحت أمر من "ظافر" بالتأكيد، تنهد بعمق محاولاً الدعس على قلبه ليقول ببرودٍ ثلجي:
- لاء!!!

أغرورقت عيناها بالدموع لبروده معها لتنظر بالأرض حتى لا يرى دموعها قائلة بنبرة يشوبها الألم:
- عن إذنك!!!
ثم ألتفتت حتى كادت أن تذهب بعيداً عنه، إلا أنه ناداها قائلاً بجمود:
- أستني!!!!

ألتفتت له بأمل لتقول بلهفة:
- نعم؟!..

يقترب منها عدة خطوات بطوله المهيب ليبعثر مشاعرها، نظر لها بثبات قائلاً:
- بصي يا ملك، أنا عارف أنك بتحبيني!!!!

وقع قلبها أرضاً لتنظر له بصدمة، طغى الإحمرار على وجهها لتنظر لقدميها تنتظر متابعة حديثه و ليته لم يفعل!!!

- بس أنا أسف مش هقدر أبادلك المشاعر دي، أنتِ لسة صغيرة ومش فاهمه الدنيا، لسة صغيرة في عيني.. مش قادر أشوفك غير البنت اللي بضفرتين اللي كانت بتجري عليا تُحضني، أنا أسف يا ملك بس أنتِ أختي الصغيرة ومش عارف أتخيلك مراتي أبداً، أتمنى تكوني فهمتيني...

وقعت كلماته عليها كالصاعقة، كانت كالنيزك المدمر على قلبها، تابعته عيناها و هو يذهب من أمامها ، وذهبت معه جميع أحلامها معه إدراج الرياح، ركضت نحو عرفتها حتى كادت أن تسقط لولا يد "ظافر" التي أمسكت بكتفيها قائلاً:
- على مهلك!!!

أخفت عيناها عنه قائلا بصوت متألم:
- أسفة..

حاوط كتفيها ليقول بإستغراب عندما لاحظ دموعها قائلاً وهو يرفع ذقنها له:
- مالك؟!!

تلعثمت قائلة:
- مافيش يا أبيه أنا كويسة أنا بس تعبانه و عايزة أنام..

نظر لها بريبة محاوطاً وجهها بحنو:
- متأكدة يا ملك؟!!!

اومأت بإبتسامة مغتصبة، ليميل هو مقبلاً جبهتها قائلاً:
- ماشي يا حبيبتي أطلعي أستريحي، و لوحد ضايقك تعالي قوليلي على طول..

أومأت لتذهب نحو غرفتها، أغلقت الباب لتستند عليه شاهقة ببكاءٍ حارق، ظلت طوال الليل تبكي حتى أنتفخت عيناها، عادت من ذكرياتها لتستغفر، نهضت ثم أدت صلاتها بخشوع تبكي ساجدة لربها، تتمنى من ان يزيل حبه من قلبها .. أو يغرس حبها في قلبه!!!!

• • • •

كاد أن يحطم ضلوعها من شدة أحتضانه لها، يندم عما نطق به لسانه، ربت على خصلاتها البنية ليميل مقبلاً جبهتها، تلوت "رهف" بين ذراعيه لتفتح جفونها بنعاس، سرعان ما أستوعبت وجودها بين أحضانه طوال الليل لتنهض كمن لدغتها حية واثبة تقول بصراخ:
- أبـعـد عـنـي!!!!!!

صُدم من ردة فعلها ليقول مهدئاً إياها:
- أهدي يا حبيبتي!!!!

صرخت بهيستيرية ضاربة الأرض بقدميها:
- متقوليش حبيبتك، أنا بكرهك..أنا همشي من هنا، مش هقعد هنا دقيقة واحدة!!!!

نهص عن الفراش ليمسك بكتفيها بقوة قائلاً بنبرة هادئة يحاول أن يمتص غضبها:
- عشان خاطري أهدي، أنا أسف على اللي قولته أنا مكنش قصدي والله!!!

أخذت تلكمه على صدره في ضربات لم تؤثر به صارخة بإهتياج:
- مكنش قصدك!!!! أنت عارف كلامك عمل فيا أيـه!!!!!

حاوط وجهها قائلاً بندم:
- و رحمة أبويا مكنتش أقصد...

نزعت كفيه عن وجهها لتنفي برأسها قائلة بصراخ سمعه من بالقصر بالكامل:
- ســيــبـني!!!!!!

كانت "رهف" في حاله لم يستطيع "باسل" أن يروضها، حتى دلفت والدته للغرفة بقلق قائلة:
- في ايه يا ولاد!!!!!

ألتفتت لها "باسل" الذي قال في إرهاق:
- مافيش حاجة يا أمي...

ابتعدت عنه "رهف" لتتجه للسيدة "رقية" تتوسلها قائلاً:
- عشان خاطري خليه يوديني عند أمي، أعتبريني بنتك وخليه يسيبني في حالي!!!!

تفاجأت "رقية" بإستنجادها بها ليتجه نحوهما "باسل" قائلاً بغضب و هو يجذب "رهف" من ذراعها بقوة نحوه:
- روحي أنتِ يا أمي أنا و هي هنحل مشاكلنا مع بعض...

أنتحبت "رهف" أكثر لتشفق عليها "رقية" جذبتها إليها بعطفٍ أمومي لتقول لإبنها بحزم:
- سيبني أنا يا بني ههديها..

تركها "باسل" بقلة حيلة لتحاوط "رقية" "رهف" من كتفيها ثم دفعتها معاً لتسيرا خارجن من الغرفة، و شهقات "رهف" لا تخفي عليه.. مسح على وجهه بتعب ليهتف بنبرة حادة قبل أن يغادرن الغرفة:
- خليكوا.. أنا اللي همشي!!!

ثم غادر صافعاً الباب وراءه بحدة، انفجرت "رهف" في البكاء لترتمي في أحضان "رقية" التي نظرت له بعطف أمومي، ربتت على خصلاتها لتقول بحنو:
- أهدي يا جلب أمك، مافيش حاجة تستاهل دموعك دي يا ضنايا، صدجيني باسل بيحبك، يمكن أنا كنت معترضة على چوازكوا في الاول بس أنا ميهمنيش غير راحة أبني، و هو بيحبك فعلاً يا بتي، أستهدي بالله..!!!

أهتزت نبرتها وهي تقول ببكاء:
- أنا عارفة أنه بيحبني بس هو وجعني أوي بكلامه، حسسني في نظر نفسي أني رخيصة!!! وأني مستاهلش أبقى مرات باسل سرحان الهلالي!!!!!
رغم أنها لم تعلم ما حدث بينهما إلا انها ربتت على كتفيها تقول بتأنيب:
- متقوليش أكده يا حبيبتي دة أنتِ ست البنات..
ثم تابعت بإبتسامة:
- لما ييجي هخليه يتأسفلك و يحِب على راسك كُمان!!!

مسحت دموعها لتومأ بإبتسامة، ثم أخذا يتسامران و شعرت "رهف" بالطمانينة بوجودها، فهي تذكرها بوالدتها وحنانها، ليدلف "باسل" على حين غرة، تهربت "رهف" من عيناها و هو يقول مثبتاً نظراته عليها بشوقٍ:
- خلصتوا؟!!

نهضت والدته لتقول بحدة زائفة:
- تعالى يا وِلد أتأسف لمرتك و حِب على راسها..
ثم أنسحبت خارج الغرفة قائلة بإبتسامة:
- ومتزعلهاش تاني

أبتسم "باسل" بحُب ليقترب منها بخطوات وئيدة، يتابع نظراتها المتجهة أسفل قدميها، كوّب وجهها بكلتا كفيها ليطبع قبلة عميقة على جبهتها قائلاً بعشقٍ:
- أنا أسف يا حبيبتي، صدقيني مكنش قصدي!!!!

أبتسمت "رهف" قائلة:
- خلاص مش زعلانه..

جذبها إلى أحضانه مربتاً على ظهرها لتقول "رهف" بشرود:
- أنا لازم أحكيلك على كل حاجة..

قاطعها "باسل" بوجهٍ عاد لجموده بعض الشئ:
- لو مش عايزة بلاش دلوقتي..

- لاء!!! هحكي!!!
أصرت بنبرة هادءة ليومأ لها "باسل" بهدوء..
جلست "رهف" على الفراش تتذكر ما حدث لتبدأ بالسرد على مسامعه:
- اللي شوفته دة أسمه سليم، كنت خطيبته من قبل م أشوفك، ظهر في حياتي فجأة وحبيته أوي، وبعدين جه عشان يخطبي من جوز ماما، أنا قولت أن جوز ماما أحتمال كبير مش يوافق، بس أنا اتفاجأت أنه وافق وعينيه كانت بتقول أن في حاجة مخبيها عليا، و بقيت فعلاً خطيبة سليم، لحد مـ في يوم جه عشان يقعد معانا، و ماما وجوزها سابونا قاعدين لوحدنا..

شردت أكثر في ذكريات بعيدة..

كان يجلس "سليم" على الأريكة بينما هي تجلس على الكرسي بجواره بحياءٍ، ربت "سليم" على الأريكة بجانبه قائلاً بخبث:
- مـ تيجي يا حبيبتي تقعدي جنبي هنا، وبعدين دة أنا هبقى جوزك..

أبتسمت "رهف" بسذاجة لتذهب جالسة جواره وليتها لم تفعل، نظرت للأرض بخجلٍ لينتهز "سليم" الفرصة ثم مدّ يده لخصرها النحيل، أنتفضت "رهف" بحياء و توترٍ، فـ قد كانت كلتا ذراعيه يحاوطان خصرها ليقبل وجنتيها الطرية برغبة حاولت "رهف" إبعاده بخوفٍ قائلة:
- سليم أبعد أحسن ماما وجوزها يشوفونا..

أبتسم ساخراً على براءتها ليقول و هو لازال مقيدها بين ذراعيه:
- لاء متخافيش..
فهي لا تعلم أنه زوج والدتها هو من طلب منه فعل ذلك بينما هو مع والدتها بالداخل يلهيها عنهم..

تجرأ أكثر ليقيل شفتيها برغبة مريضة و يداه تتلمسها برغبة ، كادت "رهف" أن تبكي فهي تريده أن يبتعد و لكن تخاف أن تخسره ف أستسلمت للمساته التي كوّت جسدها، و لكنها أبتعدت كمن صُعقت بالكهرباء عندما حاول نوع ملابسها لتنهض قائلة بنبرة شبه حـادة:
- سـليم!!!!

لم يكن يعي ما يفعل، لينهض قبالتها ثم دفعها نحو الحائط خلفها، أنهال عليها بالقبلات المقززة متلمسا جسدها بكفيه، حاولت "رهف" إبعاده إلا أنه بقى كما هو دون تحرك ف بنيته كانت تفوقها أضعاف، أنهمرت الدموع من عيناها لتنقذها والدتها التي قامت بالنداء عليها من الخارج، أنتفضت لتبتعد عنه ماسحة دموعها قائلة بنبرة متلعثمة:
- جاية يا ماما...

و يومٍ ما كانت "رهف" و "سليم" يجلسان بسيارته لتردف بحدة:
- أنت فاكرني أيه عشان أجي معاك شقتك، سليم أنت مستوعب اللي بتقوله!!!!!

تأفف "سليم" ليغتصب أبتسامة على ثغره قائلاً بلطف زائف:
- هو أنا هاكلك يا حبيبتي، ده أنا هوريكي الشقة اللي هنقعد فيها أنا غلطان يعني!!!!

كتفت ذراعيها قائلة بريبة:
- ومقولتليش ليه من الأول عشان أقول لماما و جوزها يبقوا معانا، ولا أنت فاكر أني هاجي معاك من غيرهم، أنت ناسي القرف اللي عملته لما كنت عندنا!!!!!

صدم "سليم" فقد تحولت من فتاته المطيعة لقطة ذات مخالب حادة، ليردد بعدم أستيعاب مصطنع:
- قرف!!!، أنا بحبك يا رهف عشان كدا هموت عليكي، أنتِ متعرفيش النار اللي جوايا و لو عليا كنت أتجوزتك دلوقتي حالاً!!!!

شعرت "رهف" بالندم لما قالته لتربت على كتفه ببراءة تقول برقة:
- طب خلاص يا حبيبي متزعلش أنا مكنتش أقصد!!!

نظر لها بحزن زائف و هو يقول بعينان بريئتان:
- يعني هتيجي معايا؟!!
أحتدت نظراتها لتقول:
- لازم ماما و جوزها يبقوا معانا..

تأفف بيأس ليقترب من عنقها ثم وزع قبلاته عليها، حاولت "رهف" إبعاده بتقزز ليضغط "سليم" على شريان برقبتها بإحترافية، لتقع مغشياً عليها بين براثنه..

أحتدت عينان "باسل" لتنفجر الدماء برأيه قائلاً بنبرة حادة:
- كملي!!!!

إزدردت ريقها و هي تتابع ملامحه، لتكمل ..

أخذها "سليم" إلى شقته بالفعل، بينما كان ينتظره زوج والدتها على أحر من الجمر، حملها "سليم" ليدلف بها لشقته، نظر لها ذلك الرجل برغبة مريضه ليلتقطتها من بين ذراع "سليم" قائلاً بوقاحة:
- روح أنت يلا مهمتك خلصت..!!!!

نظر له "سليم" قائلاً بإشمئزاز:
- مش عيب عليك يا راجل لما تبقى عايز تغتصب بت أد بنتك!!!!

تشدق ذلك الرجل بغضب شديد:
- و أنت مالك يا روح أمك، يلا ياض أمشي من هنا!!!

نظر له "سليم" قائلاً بنزق:
- هات الفلوس الأول مش كفاية التمثيلية البايخة اللي عملتها على البت دي، وبعدين البت قمر و أنا كنت عايز أدوق الشهد قبلك بس يلا بقا ماليش نصيب!!!!!

ضغط على شفتيه و هو ينظر لها بين يداه برغبة قائلاً :
- هديلك الفلوس بس مش دلوقتي يا بـأف..!!!

نظر له بإشمئزاز ليقول:
- طيب يا جدو.. يلا سلام..

ثم خرج من الشقة، دلف "ناصر" زوج والدتها للغرفة ليضعها على الفراش و هو ينظر لجسدها برغبة، مزق ملابسها سريعاً ليلبسها منامية عارية باللون الأبيض.. فتح أزرار قميصه بعجالة، بينما فتحت "رهف" عيناها بنعاس، تشوشت الرؤية أمامها لتتفاجأ به يوزع قبلات مقززة على وجهها، شهقت بعنف ليقيد هو ذراعها ثم أنهال عليها بالقبلات بكت "رهف" بقوة هو يضغط بجسده الهزيل عليها ضربته بركبتها في معدته ليتآوه هو بألم ليسقط على الأرض متكوراً و هو يسبها بشتائم تندي له الجبين، نهضت بعنف لتمسك بالمزهرية الموضوعة على الكومود، لتضربه على رأسه بقوة، صرخ "ناصر" بألم، ليسقط مغشياً عليه، ركضت هي نحو الباب لتخرج من الشقة، ركضت على الدرج ببكاءٍ قوي، ينظروا لها المارة بشفقة تارة وبغضب مما ترتديه و برغبة متفحصين جسدها، أختبأت "رهف" لتقابل "مازن" في ذلك الحين..!!!!!

بكت "رهف" و هي تعلم أن "باسل" سيغضب، سيثور، و من المحتمل أن يطلقها بعدما علمه عنها، فهو كأي رجل شرقي لا يقبل بفتاة مثلها، بالفعل كان "باسل" يثور داخله، بل يشتعل كالبركان المتوقد بنيران مستعرة، نهض لا يعلم ماذا يعل أو ماذا يقول، مسح على وجهه بقوة ليخرج سيجاره البني، أشتعله بقداحته ينفث عن غضبه به، بدلاً من أن ينفث عن غضبه بتلك المسكينة، شعر بالإختناق ليخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه، تاركها منهرة بالبكاء!!!!
• • • •

- يعني البنت دي كانت خاطبتك وسيبتوا بعض قبل شهرين من الفرح!!!! بس ليه!!!!
قالت "فريدة" بتفاجأ امام "مازن" الذي يجلس أمامها منفثاً غبار سيجارته قائلاً ببرود:
- كانت طمعانة في فلوسي!!!!

ثم أقترب منها برأسه مضيقاً عيناه قائلاً ووجهه مقابل وجهها:
- عشان كدا دايماً بقول أنكوا صنف زبالة و طماعين!!!!!

شهقت"فريدة" بصدمة لتنهض من أمامه صارخة به:
- أنت قصدك أن أنا طمعانة فيك!!؟

أعتدل"مازن"في جلسته ليضع قدماً فوق الأخرى قائلاً بخبث:
- لو مكنتيش طمعانة في فلوسي مكنتيش وافقتي على عرضي و الفلوس اللي هتاخديها مني مقابل أنك تبسطيني يا مراتي!!!!

وضعت كفها على فمها للحديث الذي طعن قلبها، أغرورقت عيناها بالدموع لتردف ببكاء:
- أنت ليه بتعاملني كأني واحدة جايبها من الشارع؟!!!!

أبتسم أمام دموعها قائلاً بسُخرية:
- م أنتِ كدة فعلاً!!!!!

جحظت عيناها لتقدح عيناها شراً، مالت عليه بحدة لتقبض على تلابيب قميصه صارخة به ببكاءٍ مفرط:
- أنت متعرفش حاجة عني، متعرفش قبلت أني أكون مراتك ليه، أنا لولا أخويا اللي ملوش حد غيري في الدنيا دي عمري م كنت هفكر أقبل عرضك ال*** زيك!!!!!، أنت متفرقش معايا أصلاً ولا معتبراك راجــل!!!!!!!!

لم تقصد.. لم تقصد ما تفوهت به تواً و هي ترى تغير ملامحه من الجمود والبرود التام إلى ملامح شُكلت كالشيطان أمامها، ملامحه جعلتها كالخرساء لا تعلم بما تبرر ما قالته، أبتعدت عنه سريعاً كمن لدغتها أفعى و هي تراه ينهض مقترباً منها في خطوات بطيئة كالموت الذي يقترب منها رويداً رويداً، ألتصقت بالخزانة تقول بصدرٍ مهتاج من شدة خوفها منه و مما قد يحدث:
- أنا مكنتش أقصد..!!!!

لكنه لم يستمع لها، أقترب منها بعينان مشتعلة ليقف أمامها تماماً، قبض بأصابعه الغليظة على فكها بعنف حتى كاد أن يقتلعه في يده، حاولت "فريدة" إزاحة كفه لتنهمر الدموع كالشلالات على وجنتيها، فقد كانت نظرته أسوأ شئ تراه في حياتها، بل كان الأسوأ صفعته التي أوقعتها أرضاً لقوتها، ثم أنهال عليها بالصفعات صارخاً بها بجنون، يسُبها بأفظع الشتائم، يضربها بقدمه في معدتها، يضرب رأسها بالأرضية حتى فقدت الوعي تماماً، أقتحما كلاً من "ملك" و "رقية" الغرفة لوصول الصوت لهما ليشهقا بصدمة، ضربت "رقية" على صدرها بصدمة أعتلت وجهها:
- يا نصيبتي!!!!!!

فقد كانت "فريدة" متكورة على الأرض، وجهها شاحب كالموتى ممتلئ بالكدمات الزرقاء، و جسدها المكدوم بالإضافة إلى فمها النازف، ركضت نحوها "ملك" لتميل بجانبها صارخة بأخيها بحدة:
- ايه اللي أنت عملته ده يا متخلف!!!!!

ضربت على وجنتيّ "فريدة" برفقٍ هاتفه ببكاء:
- فريدة.. فريدة ردي عليا عشان خاطري!!!!

ألتفتت لوالدتها المتصنمة تقول ببكاءٍ قوي:
- ماما فريدة لازم نوديها المستشفى، روحي صحي ظافر و باسل!!!!!!
لم يعي "مازن" ما يحدث ،كأنه كان بغيبوبة فاق منها لتوه، صُعِق عندما رأى "فريدة" بتلك الحالة متكورة أسفل قدميه، أبعد "ملك" عنها بعنف لينثنى واضعاً يده أسفل ركبتيها والأخرى على ظهرها، حملها كالريشة بين ذراعه ليركض بها خارج الغرفة، بل خارج القصر بأكمله، فتح له سائقة الخاص سيارته ليضعها هو بجانب مقعده، أزاح السائق بحدة ملتقطاً مفاتيحه منه ليصارع الرياح في سرعته، بقلبٍ ملكوم و عقل تأكد من فقدانها!!!!!

• • • •

وصل بها لمشفى "الهلالي"ليترجل بسرعة فائقة، دار حول السيارة ليفتح الباب الخاص بمقعدها ثم حملها ليركض تجاه المشفى و جسده البارد ينزاع جسدها الثلجي، صرخ بكل ما أوتي من قوة:
- هاتوا سرير هنا بــسـرعـة يا شوية بــهــايـم!!!!

ركض نحوه طاقم من الممرضات و الأطباء مع الفراش المتنقل ليضعها عليه، ولسوء حالها أتجهوا بها فوراً إلى العناية المركزة ليجتنبوا بطش بن عائلة الهلالي، نظر إلى يده التي تخضبت بدماءها بفزعٍ، مسح على خصلاته بجنون يرفض فقدانها، جلس على المقعد ليجد والدته و "ملك" و "ملاذ" تستند على "ظافر" و أخوانه "ظافر" و "باسل" يركضون نحوه لتمسك به والدته بجزعٍ:
- هي فين!!!!!!

أشار لغرفة العناية المركزة بلا حديث، نظرت له والدته بإستحقار لترفع كفها عالياً ثم هوت به على وجنته بصفعة قوية، شهق الجميع بتفاجأ و لكنه كان صامت، فـ تلك الصفعة لم تؤثر به أبداً و كأنه فقد الإحساس بمن حوله، قبضت على تلابيبه لتقول بحدة :
- أنا اللي دلعتك زيادة عن اللزوم!!!! أنا اللي خليتك تطاول على اللي أضعف منِيك، يا خسارة تربيتي فيك، حسبي الله ونعمة الوكيل البت اللي مرمية چوة لا حول ليها ولا جوة بسببك أنت، دة أنت عندك أخت لو چوزها عمل فيها أكده مش هنسكتله، و لا أنت واخدها معندهاش أهل عشان تبيع وتشتري فيها، عشان أهلها مش موچودين هتفكر نفسك هتفتري عليه، البت دي اول م تفوق تطلقها وتسيبها في حالها، أنت مريض و مينفعش حد يعيش معاك واصل!!!

كلماتها كانت كالخناجر التي تستقر في قلبه وبين ضلوعه، و لكنه لم ينطق بكلمة، أبتعد عنهما ليخرج خارج المشفى بنظرات شاردة، ذهب بعيداً.. بعيداً جداً و هو الحل الذي يلجأ له دائماً.. الهروب!!!!!

• • • •

جلسوا جميعهم على المقاعد بقلة حيلة أمام الغرفة ينتظروا الطبيب، أسندت "ملاذ" رأسها على كتف "ظافر" الذي حاوط كتفيها، رفعت أنظارها لتنظر له بإبتسامة، فهي قد أختارت رجلاً بمعنى الكلمة، حمدت ربها بسرها أنه رزقها به، خرج الطبيب بضيقٍ ليزيح الكمامة عن وجهه، أقتربوا منه جميعهم ليتطمأنوا، ليردف الطبيب بهدوء ملتفتاً إلى "ظافر" :
- بصراحة يا ظافر بيه البنت جاية مدغدغة، وشها وجسمها مليانين كدمات و واضح أنها أتعرضت لإعتداء بالضرب وحشي جداً أدى إلى شروخ في عضمة الفك من كتر الضرب، و دراعها كمان هنجبسه عشان نتفادى أي كسور لا قدر الله!!!!

أندفعت السيدة "رقية" تقول:
- طب هي فاقت يا ضاكتور؟!!!

- الحقيقية هي في غيبوبة أنا مستغربها، يعني رغم أن أعضائها الحيوية بتقوم بوظائفها و كله تمام بس هي كأنها رافضة الواقع اللي هي عايشة فيه، هي بنفسها اللي رافضة تقوم من الغيبوبة!!!! بس متقلقوش أنا هكلف طاقم كامل من الممرضين يفضلوا معاها لحد م تبقى كويسة و الأفضل تبقى في المستشفى كمان كام يوم.. بعد إذنكوا
ثم أنصرف الطبيب بإحترام.. لتقول "رقية" بحزن:
- أنا كمان چيت عليها يا حبة عيني، مش كفاية الحيوان التاني..

أظلمت عينان "ظافر" ليقول بتوعد:
- مازن سيبهولي أنا يا أمي!!!!!

• • • •

ظلت "فريدة" راقدة على الفراش بـ غيبوبتها، رافضة النهوض ومواجهة تلك الحياة التي سلبت كل ما هو جميل في حياتها، بينما يختفى "مازن" تماماً، بحثا عليه كلاً من "ظافر" و "باسل" بشتى الطرق وفي كل مكان، إلا أن محاولتهما باءت بالفشل، و كأن الأرض أبتلعته، لم يتركوا "فريدة" بمفردها أبداً، وخيم الحزن عليهم لعدم أستجابتها و نهوضها، أما "يزيد" الصغير كان يبكي لعدم وجود أخته بجواره، فهو لا يعلم أحد سواها من تلك الوجوه الغريبة عليه..

تحسنت قدم"ملاذ" لعناية "ظافر" بها، مما حث "ظافر" على الإسراع ليقيم حفل الزفاف في القصر، إلا أن "ملاذ" أصرت بعد أن تسترد"فريدة" عافيتها.. لربما تقول له عما يدور بخلدها في ذلك الوقت..
و بالفعل تحسنت حالة "فريدة" و أفاقت من غيبوبتها ليذهبوا بها للقصر، رفضت "فريدة" في بادئ الأمر الذهاب لذلك القصر الذي أصبح ثقلاً على قلبها، إلا أنهم أصروا خاصةً "رقية" تقول لها بحزم أن لا أحد سـ سيمسها بمكروه أبداً، أطمئنت "فريدة" قليللً لاسيما عندما لم تلمح طيف "مازن" أبداً، ظلتا "رهف" و "ملاذ" و "ملك" مع "فريدة ليخرجانها من تلك الحالة، حتى أصبحوا أصدقاء..

• • • •

نظرت "فريدة" لنفسها بالمرآة..أعتلت المرارة صفحة وجهها، لتنظر لكدمات وجهها الزرقاء، وكتفها الأيمن مصتبغاً بلوناً بنفسجي قاتم، و بعض الخدوش ، أنهارت أرضاً تخفي وجهها بكفيها لتبكي بحرقة شديدة، دلفت "رهف" بجزعٍ لتركض نحوها، رفعتها عن الأرض لتجذبها لأحضانها، ياللمراراة فالفتاة التي كاد زوجي أن يغتصبها تحتضني لتواسيني.. هكذا قالت "فريدة" في نفسها، صرخت "فريدة" بإهتياج:
- ليه بيحصل فيا كدا!!!! أشمعنى أنا اللي جوزي يعمل فيا كدا!!!! أنا بكرهه أوي، يارب خدني بقا يارب!!!!

ضمتها "رهف" لصدرها أكثر قائلة بحزن:
- اهدي ياحبيبتي متعمليش في نفسك كدا هو ميستاهلش والله دمعة من عينيكي عيشي حياتك و أعتبري أنه مات!!!!

لا تعلم لما خفق قلبها بعنف عندما ذكرت موته، أبتعدت عنها تقول بتوجس:
- هو فـين؟!!!

- مش عارفة بس هو أخر مرة كان موجود لما جابك على المستشفى، باسل وظافر دوروا عليه في كل حتة و مش لاقيينه، بصي أنا أيوا بكرهه عشان اللي عمله فيكي و اللي عمله معايا كمان وبقول عليه حيوان بس أنتِ مشوفتيش منظره لما جابك على المستشفى، كان منهار جداً كأنه لما كان بيضربك مكنش في وعيه و فاق على منظرك لما أغمى عليكي ..كان تايه!!!!!

لم يزيدها كلماتها سوى خوفاً على أن يكون قد أصابه مكروهٍ ما، لعنت ذلك القلب الذي لازال يخفق له، هدأتها "رهف" لتقول بمزاح حتى تخرجها مما هي به:
- بقولك أيه تعالي نرخم على البت ملاذ شوية!!!!
أومأت "فريدة" بإرهاق لتتجها نحو غرفة "ملاذ"، طرقوا الباب ولكن لم يسمعوا رداً، ليدلفا بحذر فوجدوهها نائمة كعادتها مفترشة الفراش بأكمله، أبتسما بخبث لتلتقط "رهف" كوب الماء البارد لتلقيه بوجهها صارخة برعب زائف:
- حــريـقـة!!!!!!

أنتفضت "ملاذ" برعب قائلة بصراخ:
- الـبـيت بيولععع!!!!!!

أنفجرا "رهف" و "فريدة" من الضحك لتنظر لهما "ملاذ" بعبوس قائلة بضيق:
- والله حرام عليكوا!!!

لكزتها"رهف" قائلة بضحكات عالية:
- م أنتِ اللي بتنامي زي القتيلة!!!!، قومي يلا!!!، أنتِ ناسية أن فرحك بعد يومين!!!!!!

أنقبض قلبها عندما تذكرت أمر زفافها، وكأن حكم أعدامها هو من أقترب، نظرت لهما قائلة بشرود:
- أنا مش عايزة أتجوز!!!!

نظرت "فريدة" لها بغرابة لتقول:
- أنتِ بتهزري يا ملاذ ده فرحك خلاص، وبعدين ظافر بيحبك ليه بتقولي كدا؟

أبتسمت في وجوههم حتى لا تشعرهم بالخوف على حالتها، لتتمتم:
- مافيش حاجة يا جماعة انا بس خايفة مش اكتر..
ثم أكملت وهي تقبض على معدتها قائلة:
- أنا جعانة اوي...

جذبتها "رهف" قائلة من ذراعها لتنهض من على الفراش:
- طب يلا كلهم على السفرة تحت ومستنيينا...

نهضوا ثلاثتهم لتنذرها "فريدة" قائلة بحذرٍ:
- ملاذ هتنزلي كدا؟ بلاش عشان ظافر ميزعقش..

نظرت "ملاذ" لما ترتديه لتجد سروال من الجينز يصل لما قبل ركبتيها، تعلوه كنزة خفيفة بحمالاتٍ رفيعة، عضت على شفتيها بتردد لتنظر لهما قائلة بتوترٍ:
- بلاش أنزل كدا صح؟

قالا معاً:
- ايوا بلاش..

أومأت لتقول بإبتسامة:
- طب خلاص أنزلوا أنتوا و أنا هغير وجاية وراكوا..

خرجا الأثنتين لينزلوا بالأسفل..
كان "ظافر" يترأس الطاولة يأكل من طبقه بهدوء بارد، يجاوره "باسل" و والدته و "ملك" التي كانت نظراتها خاوية حزينة ألتفت "ظافر" برأسه عله يجدها، أعتلى وجهه الإستغراب ليقول بإستفهام:
- فين ملاذ؟!!

أجابت "رهف" وهي تجلس جوار زوجها:
- نازلة ورانا...

نظرت "رهف" إلى "باسل" بملامحه الجامدة، ربتت على ذراعه قائلة بخفوت:
- حبيبي إنت كويس؟
أومأ دون حديث لتتنهد هي بحزن، ثم عادت تنظر إلى طبقها منكسة رأسها للأسفل..

عاد "ظافر"ينظر لطعامه بجمود، بعد دقائق.. مر طيف رائحتها القوية ألتفت لها ليجدها باسمة الوجه، ترتدي ملابس محتشمة، أبتسم لها بعذوبة لتبادله هي بأخرى شغوفة، جلست بعيدة عنه قليلاً لتبدأ طعامها بهدوء.. بينما قالت السيدة "رقية" بحزن:
- ملقتوش مازن بردو؟!!

تحدث "ظافر" قائلاً بسأم:
- دورنا عليه في كل حتة يا أمي بس كأنه فص ملح وداب...
تنهدت "رقية" بضيق:
- هيفضل مشيلنا همه أكده...

مازال يقول لها إحساسها بأنه ليس بخير، إلا أنها تمنت عدم رجوعه، ولكن فقط ليبقى بخير بعيداً عنها...

عادت "رقية" تتحدث بود إلى "ملاذ":
- مش هتنزلي يا حبيبتي مع فريدة ورهف و ملك عشان تچيبي الحاچات اللي هتحتاچيها عشان فرحك؟!!

وقف الطعام بحلقها لتسعل بقوة، أنتفض"ظافر" واثباً ليقول بقلقٍ:
- أنتِ كويسة؟!!!

- أسم الله عليكي يابتي..
قالت "رقية" بقلق..

سكبت لها "فريدة" كوب من الماء، لترتشف منه "ملاذ" بتوتر..عاد "ظافر" جالساً، ليقول:
- أنزلوا و أنا هبعت السواق و الحُراس معاكوا..

• • • •

صعدت "ملاذ" لغرفتها و قلبها يكاد يخرج من محله، أتجهت نحو فراشها لتجلس عليه بجسد يرتعش من شدة البرودة، أمسكت بهاتفها حتى تهاتف "فتحية" فوجودها بجانبها سيطمئنها، إلا أنها وجدت رسالة مجهولة من رقم غير مسجل، قطبت حاجبيها و هي تقرأ مضمونها:
- هدمرلك حياتك!!!!

أبتسمت بسخرية فهي ليست من ذلك النوع الذي يتأثر بتلك الرسائل المهددة..
هاتفت "فتحية" لتخبرها بميعاد زفافها وبضرورة وجودها بجوارها..
نهضت بعجالة لتبدل ثيابها بتنورة ألتصقت بقدميها يصل طولها لما بعد قدميها، تعلوها حلة رسمية باللون الأسود، بدت أمرأة قوية وجذابة حقاً، رفعت خصلاتها ثم أسقطت بعض الخصلات جعلتها بمظهر طفولي..
يقتحم "ظافر" الغرفة لتنتفض "ملاذ" برعب.. نظرت له بغضب قائلة:
- في حد يدخل اوضة حد كدا يا ظافر؟!!
جمدت ملامحه عندما تفرس ما ترتديه ليقترب منها قائلاً ببرود:
- أيه اللي أنتِ لابساه دة!!!! انتِ متجوزة شوال بطاطس لتكوني فاكرة أني هخليكي تخرجي كدا، دة أنتِ مش هتعتبي باب الأوضة بيه أصلاً!!!!

كتفت ساعديها أمام صدرها لتقول:
- ماله لبسي بقا أنا طول عمري بلبس كدا!!!!

مسح على وجهه بعنف، حتماً سيرتكب جريمة و هي تقف أمامه هكذا، حاول تهدئة نفسه مراراً ليبتسم بإستفزاز:
- أنتِ دلوقتي متجوزة، يعني أنا اللي أشوف تخرجي بأيه و أيه اللبس اللي تلبسيه برا و أيه اللي تلبسيه لما تبقي معايا..

ثم مال عليها بقامته الطويلة ينظر لشفتيها بخبث:
- أنا بس يا مدام..!!!!

عادت للوراء خطوتين بتوتر لتقول بعند:
- أيوا بس أنا عايزة أنزل كدا...

- في أحلامك يا حبيبتي!!!!

- أنت ليه دايماً عايز تضايقني وخلاص..!!!!

- أنتِ اللي بتستفزيني!!!!

- و أنا هنزل كدا يا ظافر!!!!

- مــلاذ!!!!!
صرخ بها بعنف لتنتفض هي على أثرها، ثم تابع بحدة شديدة:
- لو القرف دة مغيرتيهوش يبقى مافيش نزول خالص!!!!

- لاء خلاص.. طيب أطلع بقا برا لو سمحت عشان أغير هدومي..

أقترب منها بمكرٍ:
- مش عايزة مساعدة؟!!!!

نظرت له بحقدٍ:
- حد قالك قبل كدا أنك قليل الأدب؟!!

قهقه قائلاً و هو يغمز بخبث:
- و قالولي اني واطي ومتربتش كمان!!!!

لاحت أبتسامة على شفتيها أخفتها سريعاً لتدفعه خارج الغرفة وسط ضحكاته الرجولية و غيظها منه، عادت ترتدي سالوبيت من الجينز الفاتح فضفاض قليلاً عليها، لترفع خصلاتها كعكة فوضوية جذابة..!!!

نزلت من على الدرج سريعاً حتى كادت أن تتعثر في أخر درجات الدرج لتقع في أحضانه شاهقة بفزع، فقد كان "ظافر" يقبض على خصرها بشدة، ليقول بحدة:
- على مهلك أفرضي كنتي وقعتي دلوقتي أيه شغل العيال ده!!!!!

نظرت له بحزن لتبتعد عن أحضانه، أغرورقت عيناها بالدموع لصراخه بوجهها بتلك الحدة، شعر "ظافر" بالضيق ليجذبها لأحضانه و كأنها طفلته، مسح على ظهرها قائلاً بحنو:
- خلاص متزعليش أنا بس خوفت عليكي، أفرضي مكنتش مسكتك كنتي هتقعي و بعدين ده أنتِ رجلك أصلاً وجعاكي ونازلة تتنطتي كدا يا قردة!!!!

أبتسمت لتشدد على خصره قائلة بمزاح:
- أنتَ هتقُر عليا يا ظافر!!! و بعدين أنا مافيش حاجة تهدني أصلاً!!!!

قبل خصلاتها الناعمة ليقول و هي لازالت تقبع في أحضانه:
- م أنا عارف أنتِ هتقوليلي يا مـلاذي..!!!!

أبتسمت بخجلٍ، لتجحظ عيناها عندما سمعت صوت "باسل" من وراءهما يقول:
- أيه ده عصفورين كنارية!!!!

حاولت "ملاذ" نزع جسدها من أحضانه إلا أنه ظل مشدداً على خصرها قائلاً ل "باسل" الذي يقف خلفها:
- بس يا ظريف وروح لحسن رهف بتنادي عليك!!!

نظر له "باسل" يضيق عيناه ليقول:
- بتوزعني يعني...ماشي يا عم ظافر أنا همشي بس بمزاجي...

- أيوا م هو واضح أنه بمزاجك فعلاً..
قال "ظافر" بسُخرية..
بعد ذهابه حلّ قيد "ملاذ" التي كاد الخجل أن يأكلها، نظرت له بعتاب:
- ينفع كدا طيب؟!!

أبتسم بعشقٍ قائلاً:
- واحد وبيحضن مراته أيه الغلط في كدا...

ثم تحول وجهه للجدية التامة قائلاً:
- ملاذ..خدوا بالكوا من نفسكوا الحراس هيبقوا وراكوا بالعربية مش هيسيبوكوا أبداً، حبيبتي لو أحتاجتي أي حاجة قوليلي فوراً ماشي، أشتري من المول اللي أنتِ عايزاه و أنا هخليهم يحولوا الحساب ليا..

أبتسمت قائلة بغنج و هي تتلمس تلابيب قميصه:
- بتخاف عليا يا ظافر؟!!!
أبتسم ليحاوط خصرها بذراعيه القويتان قائلاً:
- لو مش هخاف عليكي هخاف على مين، وبعدين محدش يقدر يقربلك دة أنتِ حرَم ظافر الهلالي..

نظرت له بتحدٍ:
- لاء أنا محدش يقدر يقربلي عشان أنا ملاذ الشافعي...

قهقه بقوة و هو ينظر لها بإعجاب من قوتها تلك، لذلك هو يعشقها ليطبع قبلة عميقة على وجنتها:
- طبعاً يا حبيبتي..

تذكرت تلك الرسالة الغريبة ولكنها قررت إخفاء الأمر عليه، فبالتأكيد سيقلق كثيراً و من المحتمل أن لا يجعلها تذهب بعيداً عنه، بينما نظر "ظافر" برضا لملابسها..

أتوا الفتيات ليأخذوها ثم صعدوا للسيارة، تتبعهم سيارة الحراس..

وصلنّ المول بالقاهرة ف المسافة لم تكن بالبعيدة ليترجلنّ من السيارة، أمتلئت العربة بالملابس وبمستحضرات التجميل و كثير من الأشياء، كانت "ملك" معهم بجسدها فقط، أما روحها و قلبها و عقلها أيضاً معه هو، ألتفتت لها "فريدة" تربت على "ذراعها بحنو تسألها:
- مالك يا حبيبتي مش أخدتي حاجة يعني؟!!!

أبتسمت "ملك" بوهن قائلة:
- معجبتنيش حاجة!!!

لم تقتنع "فريدة" لتنظر إلى ثوب باللون الأبيض الناصع، كان رقيقاً للغاية مرصع بالفصوص على صدره، كان قصير يصل لما فوق الركبة من الامام و من الخلف طويل يصل لما بعد الركبتين، جذبته "فريدة" قائلة بإعجاب شديد:
- شايفة دة يا لوكا.. حلو أوي خوديه..

نظرت "ملك" للثوب بعينان فارغة لتقول:
- هلبسه فين دة؟!!

- في أوضتك يا حبيبتي.. أقولك خليه لما تتجوزي!!!!

أومأت "ملك" بمرارة لتلتقطه منها مبتسمة لها بشكر، شردت " ملك" لتسير بالمول وحدها بعيداً عنهما، لم تشعر سوى بإرتطامها بصدرٍ عريض صلب، رفعت أنظارها لتعتذر من ذلك الشخص، إلا أن قلبها وقع أسفل قدميه عندما وجدته.. هو، بملامحه الجذابة التي أودت بعقلها.. أبتعدت عنه عدة خطوات قائلة بخفوت شديد:
- أنا أسفة مكنتش أقصد...

كادت أن تلتفت لتبتعد عنه إلا أنه أمسك بذراعها قائلاً:
- أستني يا ملك!!!!

شعرت وكأنها صعقت كهربائياً من مجرد قبضته على ذراعها، نزعت يدها بحدة قائلة بغضب:
- أنت أتجننت أزاي تمسك أيدي كدا!!!!!

تمتم بهدوء:
- مكنتش أقصد.. أنا بس كنت عايز أعتذر على اللي قولته المرة اللي فاتت.. صدقيني مكنتش أقصد أجرحك انا آآآ..

قاطعته قائلة بجمود شديد:
- متعتذرش.. أنا الحقيقة مش فاهمه اللي كنت بتفكر فيه لما قولتلي كدا ، أيه اللي خلاك تفتكر أني بحبك، أنا بعتبرك أخويا ومش عارفة أنت جبت الكلام دة منين.. على العموم حصل خير.. بعد إذنك.

ثم ذهبت وسط صدمته، شعرت "ملك" بأنها أستردت جزء كبير من كرامتها التي بعثرها هو..

عادت إلى الفتيات و "ملاذ" التي أنتقت كثير من الأشياء، حتى لفت أنظارها ثوب طويل يصل للأرض، باللون الأحمر الناري والذي تعشقه حقاً، كان جزءٍ كبير منه من الامام مفتوح و ظهره بالكامل عاري، ألتقطته قائلة بحماس:
- أنا هقيس دة!!!!

نظروا الثوب بإعجاب لتغمز لها "رهف":
- دة ظافر لما يشوفك و أنتِ لابساه ممكن يتجنن!!!!

أبتسمت لها "ملاذ" بحرج لتدلف لغرفة قياس الملابس..

أرتدته "ملاذ" لتنظر لنفسها بالمرأة، باعجاب حقاً لا تعلم ماذا سيحدث إن رآها "ظافر" هكذا، أبتسمت لنفسها بغرورٍ لترتد للخلف عندما رأته يدفع الباب ثم أغلقه سريعاً ليقف أمامها، كاد أن يغشى عليها عندما حاصرها بذراعيه المفتولتين، أهتاج صدرها أثر الفزعة قائلة بفزعٍ:
- ظـــافـــر!!!!!!

-همممم..
همهم بشرود و هو يتفرسها بعيناه، لا عفواً بل يأكلها بعيناه أكلاً، قبض على خصرها يقربها منه ليدفن رأسه بعنقها بوله، أرتفع صدرها علواً و هبوطاً لتحاول دفعه من منكبيه قائلة برجاء:
- ظافر أبعد عشان خاطري..

- دة أنا يبقى معنديش دم لو بعدت عنِك!!!!!
قال و هو يقبل عنقها الطويل بقبلات شغوفة ..
أستجمعت قوتها لتدفعه قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت جيت أزاي؟!!! و فين البنات..

- باسل خدهم، وبصراحة أنا مقدرتش كان لازم أجيلك!!!!
قالها و هو يقترب بشفتيه و هو حقاً فقد السيطرة على حاله بالكامل، نظرت لعيناه وإلى ما يُرمي له لتقول برجاء:
- ظافر!!!!!

أبتلع باقي كلماتها بقبلة شغوفة جعلتها مستسلمة تماماً بين يداه، شعرت بضلوعها تتحطم لشدة ضغطه عليها.. أبتعد عنها بصدرٍ مهتاج، حقاً سيتمادى ويفعل أشياء لا تليق هنا، أبتعد عنها قائلاً بصرامة:
- غيري هدومك بسرعة و يلا أنا هستناكي برا!!!!
أومأت سريعاً فقط ليخرج من الغرفة، خرج "ظافر" بالفعل لتسرع هي مبدلة ثيابها..

وقف "ظافر" أمام الغرفة ينتظرها، لا يصدق كيف لها أن تبعثره هكذا.. وجدها تخرج من الغرفة مرتدية ملابسها بخجلٍ ووجه شديد الإحمرار، لتأخذ هي ما أشترت تاركة إياه يدفع النقود، جذبها من يدها ليتجها نحو سيارته، وضع الأكياس على الأريكة الخلفية لتستقل هي بالأمام، تراقبه بعيناها، جلس هو أيضاً بمحله لينطلق بالسيارة سريعاً، نظرت "ملاذ" للطريق قائلة بغرابة:
- ظافر ده مش طريق البيت..

- عارف..
قال بإيجاز بارد لتقول هي بتوتر:
- طب أنت هتوديني فين؟!!

- هتعرفي..

سأمت من ردوده الباردة لتصمت، ثم عادت تقول بلهفة:
- ظافر هو أنا ممكن أسألك سؤال؟

أومأ دون كلام لتقول هي بتردد:
- اليوم اللي حصل م بينا ، أنت مشكتش أني ممكن أكون بنت مش كويسة؟!!!

صُدم من حديثها، ليصف السيارة على الطريق الجانبي ثم ألتفت لها بكامل جسده ليضيق عيناه قائلاً:
- قصدك أيه؟!!

إزدردت ريقها لتقول:
- يعني أن أنا سلمتلك نفسي قبل يوم فرحنا، الحاجة دي مش خليتك تشُك فيا وكدة؟!!

تحولت ملامحه للجدية قائلاً بتأكيد:
- مستحيل، أنا اللي قولتلك أني عايزك لأني فعلاً كنت محتاجلك، وبعدين أنتِ مراتي يا ملاذ يعني ده حقي، و متقلقيش أنا هتجوزك و أستر عليكي متخافيش يعني...

أبتسمت له و هي تنظر له بنظرات غريبة، أبتسم لها ووجه مقابل لوجهها يسألها:
- بتبصيلي كدا ليه؟

حاوطت كفه بكفيها الصغيرتان تقول بإبتسامة و عيناها التي برقت بالدموع:
- أنت كل مرة بتثبتلي أني أخترت صح..!!!!

أبتسم بحب ليقبل جبينها بعشقٍ خالص، ثم أعتدل في جلسته قائلاً بمزاح:
- نمشي بقا عشان ميخدوناش بفعل فاضح في الطريق العام.. ثم أكمل غامزاً لها:
- وبعدين ده أنا محضرلك مفاجأة هتعجبك جداً!!!

• • • •

صفّ السيارة أمام يختٍ ضخم، تفاجأت "ملاذ" وهي تترجل من السيارة قائلة :
- يخت!!!!!

أبتسم لها ليجذبها من ذراعها ليقفوا أمامه، شهقت "ملاذ" بقوة عندما قرأت أسمه، حُفر عليه أسمه "ملاذي"!!!!!!!

ألتفتت له قائلة بصدمة:
- ظافر اليخت على أسمي!!!!!

أبتسم لها ليحاوطها من كتفيها قائلاً:
- اليخت أصلاً بتاعك يا حبيبتي..تعالي..!

جذبها من ذراعها ليدلفا له، وضعت "ملاذ" يدها على فمها عندما وجدت الأرض مفترشة بالورود الحمراء، وفي أخر الطريق فراش أبيض منثور عليه ورود بيضاء وحمراء، أنهمرت الدموع من عيناها لتتعلق برقبته و هي تدفن أنفها بعنقه، قهقه "ظافر" عالياً ليحاوط خصرها ثم رفع جسدها عالياً عن الأرض، ملصقها بجسده الضخم، ليسترسل :
- عجبتك المفاجأة؟

تعلقت برقبته أكثر قائلة بفرحة شديدة:
- أوي..!!!

أنزلها "ظافر" على الأرض لتقترب هي لتلك الصورة التي توسطت الحائط، نظرت لها بفرحة وهي تنظر لصورتها!!!!

ألتفتت له لتقترب منه ممسكة ذراعه كالطفلة قائلة بسعادة حقيقية لأول مرة تشعر بها:
- أنت بتحبني أوي كدا؟!!

مسح على خصلاتها قائلاٌ بحالمية:
- أنا عديت مرحلة الحب، انا بقيت مجنون بـيكي!!!!

أشرأبت بعنقها لتطبع بشفتيها على وجنته قبلة رقيقة، جحظت بعيناه بصدمة لتبتعد هي بشقاوة، ركضت بعيداً عنه ليركض هو ورائها، أمسك بخصرها بقوة ليلصقها بجسده قائلاً بخبث:
- أنتِ أد الحركة دي؟!!!

نظرت له بخجل، ثم حاوطت عنقه بذراعيها الرفيعتان قائلة بغنج:
- هتعمل أيه بقى..؟

مال عليها بثغره قائلاً بخبث:
- انا مش بتاع كلام، انا بعمل على طول..
أنقض على شفتيها يقبلها بعنف تارة، ورفق تارة أخرى، بادلته "ملاذ" قبلته و هي تغرس أصابعها في خصلاته، أمتدت أنامله لملابسها لتبتعد "ملاذ" قائلة برجاءٍ:
- ظافر لاء!!!!

مسح على وجهه ليقول بهدوء:
- طيب خلاص متخافيش مش هعمل حاجة..
أبتعد عنها ليدلف إلى غرفة باليخت، وقفت "ملاذ" وحدها تهدء قلبها الذي ينبض بعنف، وجدته يخرج من الغرفة، ممسكاً بعلبة مخملية حمراء، أقترب منها ببطئ وسط نظراتها المستفهمة، وجدته يجثو على ركبتيه أمامها ثم فتح العلبة التي ظهر بها خاتم به فص زمردي خالصٍ، مطعم بالمجوهرات بريقه يتلألئ، جحظت عيناها عندما قال بإبتسامته الساحرة:
- أنا عارف أني كدا كدا فرحنا بعد يومين، بس أنا عايزة اسمعها منك أنتِ.. تـتـجـوزيـنـي!!!!!!!
وقفت محافظة "قنا" بأكملها على قدمٍ وساق أحتفالاً بزفاف "ظافر"، لتتحول سرايا "الهلالي" إلى مجمعٍ مكتظ بالأشخاص من كبار البلدة، لفيفٌ من علية القوم، زُين القصر بأفخم الزينات، فُرشت الورود على الأرضية ليجهز كل شئ على أكمل وجه بأمرٍ من "السيدة رقية" ..
وقفت "ملاذ" أمام المرآة بغرفتها، تنظر لنفسها بإبتسامة حقيقية، نظرت لثوبها الأبيض المطعم بفصوص تبرق كوجهها، كان ثوبها رقيقاً يتماشى مع نعومتها، فـ ذوق زوجها رفيع للغاية، رغم بساطته و إحتشامه إلا أنه حقاً كما تخيلته بأحلامها، فقد جعل "ظافر" مصممة عالمية تصممه لها خصيصاً، لا يظهر سوى جزءٍ من ذراعيها، أبتسمت عندما تذكرت ما قاله لها عندما جلبه..

تجلس على الأريكة تتصفح هاتفها المحمول، لتجد من يقتحم الغرفة -كعادته- بدون أستئذان، أنتفضت "ملاذ" شاهقة حتى كاد أن يسقط الهاتف من بين يدها، نظرت له بغلٍ لتنهض واقفة قبالته قائلة وهي مكتفة ذراعيها:
- أنا لو جرالي حاجة وقلبي وقف هيبقى بسببك وهتشيل ذنب واحدة فرحها بعد يومين!!!!

قطب حاجبيه بإنزعاج ليقول بتحذير:
- متجيبيش سيرة الموت على لسانك!!!!

أبتسمت بحبٍ له لتتشبث في يداه كالطفلة قائلة بمرحٍ:
- متبقاش قفوش يا ظافر بقا!!!!

قرص أذنها قائلاً بدهشة:
- قفوش يا ملاذ!!!!

- خلاص خلاص!!!!
قالت و هي تحاول نزع أذنها من أنامله الغليظة ليتركها "ظافر" مبتسماً على شقاوتها، فركت اذنها بألم تنظر له بضيق، لتتفاجأ به يقول و هو ينظر للباب المفتوح:
- ادخلي يا فوزية..

قطبت حاجبيها بغرابة لتلتفت، وجدت سيدة يبدو على وجهها الوقار ترتدي لبس الخدم، تحمل ثوب مغطى بال ( cover) الخاص به، لتضعه على الفراش و هي تقول بأدب:
- حاجة تانية يا ظافر بيه..

- لاء أطلعي أنتِ يا فوزية..!!!
قالها بنبرة هادئة، لتخرج "فوزية" من الغرفة، بينما نظرت "ملاذ" للثوب بغرابة لتتجه له قائلة و هي تميل عليه لتجر سحابه:
- ظافر ايه الفستان دة..!!!

شهقت بشدة واضعة يدها على فمها قائلة بصدمة فرٍحة:
- الله!!!! دة فستان فرحي!!!!!!

أبتسم "ظافر" ليمضي نحوها جالساً على الفراش بجوار الثوب و هو يقول:
- أيوا!!!

نظرت بإمتنان و هي تردف:
- عشان كدا مكنتش عايزني أنزل أجيبه أنا!!!!

أومأ يطالع عيناها البراقة، لتتجه "ملاذ" له، جلست جواره لترفع ذراعيها محاوطة عنقه هامسة بنبرة حانية:
- أنا بجد مش عارفة أقولك أيه.. أنت أحسن حاجة حصلتلي في حياتي كلها، ربنا يخليك ليا!!!!!

أيُصدم من كلامها، أم من طريقة أحتضانها له، زفر متنهداً ليقبل كتفها العاري محاوطاً خصرها النحيل ذراعيه القويتان، تمنى لو أن يظلا هكذا الباقي من عمره، مسحت "ملاذ" على خصلاته مغمضة عيناها و إبتسامة عاشقة تزين ثغرها، ابعدت وجهها للخلف قليلاً وهي لازالت محاصرة بين يداه، لينظر لها "ظافر" بوجهه المتشنج والجامد، كوّبت وجهه بين أناملها، لتقترب بثغرها ببطىٍ طابعة قبلة على وجنته، قبلة بطيئة جعلته يغمض عيناه و هو يستشعر شفتيها الناعمة على وجهه، لتعود مستندة برأسها على كتفيه تحاوط خصره بقوة، أنفاسها تضرب عنقه الحنطي، تستنشق رائحة عطره الغريبة والقوية، لطالمها عشقت رائحته، عيناه الزيتونية، ذقنه النامية، أنفه الحاد، خصلاته الناعمة، قوته، حنانه، و غيرته عليها، هيبته التي تأسرها، و إبتسامته.. إبتسامته التي أحتلت ثغره الأن.. وكأنه يعلم ما تفكر به، يقرأ أفكارها، ابتسمت هي أيضاً بخجلٍ، كادت أن تبتعد عنه فهو لا يفكر مرتان عندما يكُن قريباً منها، ولكن هيهات، فذراعه الذي أحتل خصرها بقوة ينظر لها بخبث، جحظت عيناها عندما دفعها برفق على الفراش ليشرف عليها محاصرها بذراعيه، أغمضت عيناها تلعن حظها العاثر لتتمتم :
- ظـافر آآ..
أبتلع باقي كلماتها داخل جوفه ليعانق شفتيها بشفتيه بشغف !!!!!

خفق قلبها بعنفٍ متذكرة، لتنظر لخصلاتها الملفوفة بلونها البندقي التي أسترسلت على خصرها البارز، وُضع على شفتيها أحمر شفاه قاني على حسب رغبتها، فهي تعشق ذلك اللون، دلفنّ كلاً من "فريدة" و أخيها الصغير الذي ارتدى بذلة تليق بجسده الصغير، و أيضاً "رهف" و "ملك"، ليشهقا بصدمة من جمالها الآخاذ، لتقول "فريدة" بذهول:
- أيه الجمال دة يا ملاذ، بجد يابخت "ظافر" بيكي!!!!

أبتسمت "ملاذ" على إطرائها قائلة
- أنتِ اللي قمر يا فوفا!!!

بالفعل كانت "فريدة" ترتدي ثوب باللون الأزرق القاتم والذي أظهر جمال بشرتها بـ بياضها الناصع، رافعة خصلاتها برقة، تاركة بعض الخصلات ساقطة على وجهها..

لتقول "رهف" و هي تربت على ظهرها:
- ماشاء الله يا حبيبتي زي القمر!!!

و "رهف" التي كانت ترتدي ثوب باللون الفيروزي والمشابه لعيناها تماماً، لتترك خصلاتها منسدلة على ظهرها مما جعلها كالحورية..

قالت "ملك" أيضاً ببلاهة:
- دي مُزة مُزة يعني!!!!

أرتدت "ملك" ثوب طويل بلون رقيق للغاية "pink" ، و حجابٍ عصري بنفس اللون، كانت كالملاك الصغير، و لكنها أخفت ملامحها الباهته وعيناها الذابلة أسفل مستحضرات التجميل الرقيقة التي زينت وجهها..

أبتسمت"ملاذ" بخجل لتقول بضيق زائف:
- أنتوا ليه محسسني أني كنت معفنة قبل كدا؟!!

قهقهوا بمرح ليقاطعهم صوت زغاريد من خلفهم، أتجهت لها السيدة "رقية" لتحتضنها و هي تقبلها على كلتا وجنتيها :
- الله يحرسك يا بنيتي، ايه الچمال دة ما شاء الله زي الجمر أنا لازم أبخرك!!!!

أبتسمت "ملاذ" بخجلٍ قائلة:
- تسلمي يا ماما!!!!

ربتت على ظهرها قائلة بمكرها المحبب:
- يلا يا عروسة چوزك واجف تحت على نار.. مستني عروسته!!!!
برقت عيناها ليخفق قلبها بعنف فـ هي الأخرى تتوق لرؤيته، أبتعدا الجميع ليفسحها مساحةٍ لها، خرجت "ملاذ" من الغرفة، بكعبها العالي و الذي يطوي الأرض أسفل قدميها تاركاً خلفه طرقاتٍ أنثوية، وقفت أعلى الدرج لتجد ظافر ينتظرها بالأسفل، يضع كلتا يداه خلف ظهره لينبض قلبها بعنف لوسامته، أبتسمت بسعادة عندما أرتدى تلك الحلة السوداء والتي جلبتها هي له...
نظر لها "ظافر" بذهول، نطقت عيناه عشقاً و هو ينظر لملاكه، لاحت على ثغره أبتسامة حقيقية، لأول مرة يكُن بتلك السعادة، رفعت "ملاذ" ثوبها عن قدمها لتنزل على الدرج بخطوات وئيدة، و مع كل خطوة تقترب بها منه قلبها يكاد يخرج من محله، روحها خرجت بالفعل راكضة له، أقتربت منه ليمد هو كفه لها، وصلت له بالفعل لتضع كفها الصغير براحة كفه الدافئ، وقفت قبالته لتصل رأسها لكتفيه رُغم أنها أرتدت كعبٍ عالٍ، أقترنت مقلتيهما بحديثٍ خاص بهما فقط، وكأنهما بعالم منفصل، بمفردهما، حاوط "ظافر" وجهها ليميل بثغره طابعاً قبلة رقيقة على جبينها، تعالت الزغاريد والضحكات فرحة بالعروسين، سحبها "ظافر" إلى ساحة الرقص ليقبض على خصرها بذراعيه، حاوطت هي عنقه ليرقصا معاً رقصتهما البطيئة "slow dancing"، نظرت له بعيناها الجميلتان، يتساءل لِما نظراتها تضعفه بتلك الطريقة، ينظر لعيناها البندقية اللتان تحدقان به ببراءة، هو ثابت إلى الأن، يكبح نفسه أن يحملها بين ذراعيه لغرفتهما، ليغرقا معاً في بحور عشقهما، مال على أذنها يقول بخبث:
- يا خسارة الفستان الحلو اللي هيتقطع كمان شوية ده!!!!!

شهقت بعنف لتضربه على كتفه بحدة قائلة بخجلٍ شديد حتى أصبح وجهها شديد الأحمرار:
- ظـــافــر!!!!!!

قهقه بشدة عليها و هما يرقصان، ليقول بمزاح:
- أنا الغلطان يعني أني بمهدلك عشان مش عايز أفاجئك؟!!!

كادت أن تبكي من فرط الخجل لتدوي ضحكاته، يجذبها لأحضانه مقبلاً خصلاتها قائلاً بابتسامة:
- خلاص بقيتي شبه الطمطماية أرحمي نفسك!!!

دفنت وجهها في أحضانه بخجلٍ ليميل هامساً بوقاحة:
- وبعدين أنا شوفت كل حاجة قبل كدا ع فكرة؟!!!

-يـاربـي!!!!
هتفت و هي تنزع نفسها من أحضانه ناظرة له بحدة، مقتضبة الجبين، لتتحول عيناها من حادة إلى راجية طفولية:
- عشان خاطري خلاص!!!

قهقه مجدداً لينظر لوجهها بتفحص، أحتدت عيناه بقوة ليقول مشيراً إلى شفتيها بصرامة:
- القرف دة يتمسح حالاً!!!!!

صُدمت من أنقلاب حالته بتلك الطريقة، علمت فوراً أنه يقصد أحمر الشفاة القاني، لتنظر له بإستعطاف قائلة:
- ظافر please أنا بحب اللون دة أوي النهاردة بس عشان خاطري..؟!!!

أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه، ليفتحها مجدداً، مال قليلاً عليها ليهمس بجانب أذنها:
- لو ممسحتيش الروچ همسحهولك بطريقتي.. و أنتِ عارفة طريقتي كويس ولو مش عارفاها معنديش مانع أعرفهالك!!!!

جحظت عيناها لتبعده قائلة بإستسلام حزين:
- خلاص همسحه أنا..!!!!

- يا خسارة..!!!
أردف بخبثٍ غامزاً لها بعيناه..!!!!

• • • •

جلست "رهف" بجوار "باسل" الذي كان بارد الملامح، عيناه ساخرة تُجلد روحها بلا شفقة، رغم أنه لم ينظر لها من الأساس ولكنها علمت أنه يقصدها هي، نظرت له بحزنٍ، فهو لم يحدثها منذ يومان، بل كان ينام على الأريكة وكأنه يشمئز النوم بجوارها، أعتصر قلبها بقبضةٍ جليدية، أغمضت عيناها بألم مزق روحها، وضعت كفها الصغير على كفه الموضوع على قدمه، ليبعد هو كفه قبل أن تصل لمستها له، يرفضها بقلبٍ قاسٍ، لم تشعر "رهف" بنفسُها إلا وهي تصدر شهقة بكاءٍ خافتة أختفت وسط الأغاني العالية، و لكنه سمعها، ليُغمض عيناه بجمودٍ، لا يعلم ماذا يفعل، فقد علِم أن زوجته كان تعشق غيره، كانت تسمح لغيره أن يضع يده عليها ، كانت تسمح له ان يقبلها ، شعر وقتها بمن يهوي على وجنتيه بصفعاتٍ قوية، شعر بالأختناق لينهض من جوارها ليذهب خارج القصر، رفضت "رهف" تركه وحيداً لتذهب خلفه وهي تراه يقف أمام المسبح الذي تناثرت الورود عليه، يدخن سيجارته وعيناه تضيق كالصقر، أقتربت منها على هوادة، لتقف خلفه، لا تعلم ماذا تقول، ماذا ستبرر فعلتها بالماضي، ولكنها أيضاً مُدمرة، لم تكن تعلم أن تلك ما هي سوى مسرحية كانت هي ضحيتها، لم تكن تدري أن شهقاتها بدأت تعلو لتنجرف في بكاءٍ مرير، بكاءها يمزق قلبه أشلاء، نفث دخانه بهدوء عكس قلبه الموقود بنيران مستعرة، ليجدها أقتربت منه خلفه تماماً، وبدون أن تشعر حاوطت ظهره العريض من الخلف لتدفن أنفها به باكية بقوة، صُدم "باسل" لينظر ليداها التي وضعت على صدره، عقله يخبره بأن يبعدها عنه، وقلبه يخبره بإحتضانتها لتواسيها، ولكن و لأنه رجلٍ، ألقى بالسيجار ليبعد يداها عنه بعنف ليرتد جسدها للخلف من قوة إبعاده عنها، ألتفت لها يحدقها بنظراتٍ نارية، ليقبض على كتفيها بعنفٍ يهزها بشراسة:
- إياكي تلمسيني، أنا قرفان منك مش مصدق أنك كنتي بالرُخص دة!!!!! ازاي أستحملتي أنه يلمسك ردي عليا أزاي خليتيه يوسخك بإيده، مغيرتيش على نفسك !!!! أزاي تبقي هبلة وساذجة أوي كدة ردي عليا!!!!!!

بكت "رهف" بقوة وهي تعلم أنها تستحق أكثر من هذا، لا تعلم بماذا تجيب عليه، خبئت وجهها بكفيها تخجل من النظر له، لتتفاجأ به يبعد كفيها عن وجهها بحدةٍ، يرفع ذقنها بشراسة قائلاً بعينان حمرواتين:
- بُصيلي و أنا بكلمك!!!!!

نظرت له بعيناها المتورمة الباكية، تتمنى لو ترتمي بأحضانه وتبكي، أبعد "باسل" عيناه عن نظراتها التي تضعفه، ليدفعها من يداه رافعاً سبابته نحوها قائلاً بنبرة جحيمية:
- هطلقك يا رهف!!!! هطلقك!!!!

• • • •

يراقبها بعيناه الرمادية كالصقر، لا يعلم لما ينتفض قلبه بين ضلوعه عندما يراها، و ذلك اللون كان حقاً رقيقاً عليها، تبتسم بمرحٍ مع "رهف" و "فريدة"، ولكن عيناها حزينة، تنهد هو ليبعد عيناه عنها، أخرج من جيبة لُفافة تبغ بُنية اللون، وقداحة أنيقة ليشعلها، نفث الدخان الكثيف، و هو لازال يتابعها بعيناه، ليجد "فريدة" و "رهف" ذهبتا ليتركوها جالسة بمفردها، ضاقت عيناه عندما وجد رجلٍ يتابعها على بعد، ينظر لها نظرات يعلم مغزاها هو جيداً، أطفئ سيجارته لينهض و هو يراه يقترب منها، حتى وقف أمامها قائلاً بنبرة خبيثة:
- القمر دة واقف لوحده ليه!!!!!

رفعت أنظارها له حتى كادت أن ترد عليه، ولكنها شهقت بعنف عندما وجدت "جواد" يديره له ليلكمه بعنف بوجهه ليقع الأخير أرضاً، جحظت عيناها و هي تراه متكوماً على الأرض يمسح الدماء من فوق فمه، نظرت له بحدة عندما قال بنبرة جامدة لا حياة فيها:
- أخفي من قدامي يا حيلة أمك!!!!!

بالفعل تحامل الرجل على حاله لينهض ذاهباً من أمامه، ليلتفت لها "جواد" بوجهٍ متشنج غاضب، اردفت الأخيرة قائلة بعدم أستيعاب:
- أنت أزاي آآآآ...

قاطع حديثها عندما سحبها من ذراعها وراءه بقوة، ليتجه بها إلى مكان بعيداً عن تلك الضجة، دفعها للحائط خلفها ليرتطم ظهرها به بقوة، أمسك بذراعيها يهزها بعنف قائلاً بنبرة تستشاط غضباٌ:
- أيه اللي أنتِ عاملاه في شكلك دة الفستان مبين تفاصيلك كلها و لا الحجاب دة على الفاضي يا هانم!!!!

نظرت له بغضب لتنفض ذراعيها من بين كفيه تنهره بحدة:
- أنت أتجننت أيه اللي أنت بتعمله دة!!!! وبعدين أنت مالك بيا وبـ لبسي أنا ألبس اللي أنا عاوزاه دي حاجة متخصكش!!!!

نبض فكه بغضبٍ يطالعها بعيناه التي تذيبها ليمسك بذراعيها يديرها خلف ظهرها قائلاً بجنون لم يستوعب حتى ما تفوه به:
- لاء تخصني، أنتِ كُلك تخصيني أصلاً، كل حاجة فيكي بتاعتي!!!!!
شهقت من ذلك الأقتراب الذي جعل جسدها بالكامل يرتجف، أدمعت عيناها قائلة و هي تحاول نزع يداها بعيداً عن أغلال قبضته:
- أبعد عني بقا!!!!!

لانت ملامحه عندما وجد دموعها تنهمر على وجنتيها، ليبتعد عنها، فركت هي رسغيها بألم لترفع نظراتها الغاضبة والدامعة له، لترفع كفيها هاوية على وجنته بصفعة قوية قائلة و هي تشير له بسبابتها:
- أياك تقرب مني بالطريقة الزبالة دي مرة تانية، و إياك تتكلم معايا بالنبرة دي، أنت فاكرني أيه يا أستاذ واحدة زبالة من اللي بتعرفهم!!!!

تشنج وجهه بقوة، لتنفجر الأوردة في دمه ليصيح وجهه أحمر من شدة الغضب، لولا أنها فتاة لكان ؤدّ لها تلك الصفعة عشرةٍ!!!! نظر لها بنظرات لن تنساها "ملك" من شدة رعبها، لتتجاوزه مبتعدة عنه تفرّ من أمامه ..

لكنها لمحت ما جعلها تشهق بعنف!!!!!

• • • •

ركضت "ملك" إلى "ظافر" و "ملاذ" كادت "ملاذ" أن تقبلها على مجيئها بذلك التوقيت، إلا أن "ملك" كانت فزعة الملامح توجه حديثها إلى "ظافر":
- ظافر الحقني!!!

نظرت لها "ظافر" قائلاً بصرامة:
- في أيه؟ حد عملك حاجة..

نفت سريعاً قائلة :
- عمتي هنا!!!!!

قطب ملامحه لتجحظ عيناه بشدة قائلاً بشدة و هو يبتعد عن "ملاذ" سريعاً:
- أييييه!!!! فين!!!!

ألتفتت لتنظر لنقطةٍ ما، نظر "ظافر" لما تنظر إليه ليجدها بالفعل، جالسة على مقعدٍ متحرك، خصلاتها يغزوها الشيب مغطاة بوشاح أسود، ملامحها متجهمة ولكنها خبيثة، اتجه "ظافر" لها يتعدى ذلك الحشد من الأشخاص، تاركاً "ملاذ" و "ملاك" وحدهما يقفن بالمنتصف، أمسكت "ملاذ" بذراع "ملك" قائلة بقلقٍ :
- ملك هو ظافر أضايق ليه لما عمتكوا جات!!!

نظرت لها "ملك" بتوجسٍ قائلة:
- دي مصيبة يا ملاذ!!!!
لتكمل قائلة:
- أنتِ متعرفيش عمتي دي شرانية أزاي و ممكن تولع الدنيا في ثانية!!!!

أبتسمت "ملاذ" بسُخرية قائلة بخفوت:
- طبعاً م هي أخته!!!!

ألتفتت لها "ملك" قائلة بغرابة فهي لم تسمعها:
- بتقولي حاجة؟!!!

نفت برأسها سريعاً لتجذبها "ملك" قائلة:
- تعالي نشوف بيقولوا أيه!!!!

• • • •

- كيف يعني متعزمنيش على فرحك يا وِلد ، ولا أنا بجيت ميتة بالنسبالكوا!!!!
قالت تلك العجوز والتي تُدعى "سُمية"، كانت نبرتها حاقدة يكمن بها شرٍ غريب..ليقول "ظافر" بنبرة هادءة:
- أكيد لاء يا عمتي كنت هقولك..

وقعت أنظارها على "ملاذ" و "ملك" و هما متجهان نحوها، نظرت إلى جمالها المنير بحقد لتتشدق قائلة:
- هي دي بجا العروسة، ذوجك مش بطال!!!

رفعت "ملاذ" حاجبها لتهتف :
- نـعم؟!!!

أمسك "ظافر" كفها لينفي بعيناه أن تجري مناقشه مع "سُمية"، أومأت "ملاذ" على مضض لكي لا تفسد فرحتها، بينما أتجه "ظافر" بعيناه إلى عمته قائلاً:
- ياريت يا عمتي تسيبي اليوم دة يعدي على خير!!!

ظلت نظراتها معلقة على "ملاذ" لتستغرب بدورها تلك النظرات الحاقدة الموجهة لها، لتبادلها بتحدٍ سافِر، أخذها "ظافر" من يدها بقوة ليجذبها خلفة متجيهن نحو الاريكة الخاصة بالعروسين والتي كان مجهزة على أكمل وجه مزينة بالورود، جلس "ظافر" لتجلس "ملاذ" بجواره، مسح على وجهه وقد بدأ الصداع فعلياً يفتك برأسه، نظرت له "ملاذ" تتفحص ملامحه المرهقة، ربتت على ظهره قائلة بحنو:
- أنت كويس؟!

أومأ بدون رد، ليعود ناظراً لها قائلاً ملتفتاً قبالتها بكامل جسده، ثم أمسك بكفيها قائلاً بجدية:
- حبيبتي أنا عارف أنك هتضايقي من اللي هقولهولك، بس احنا لازم ننهي الفرح دلوقتي ونطلع على اوضتنا..

أبتسمت قائلة بتفهم:
- لاء إنا مش هضايق انا عارفة أن دة لازم يحصل..

أبتسم لها بإصفرار لتردف هي:
- هو أحنا هنفضل هنا يا ظافر؟

نفى برأسه قائلاً :
- لاء شقتي اللي في المعادي تشطيبها خلص النهاردة بس أمي مصرة نفضل هنا يومين وبعدين ننزل القاهرة هفرجك ع الشقة، ونطلع على باريس عشان شهر العسل بتاعنا يا مُزة!!!

صفقت بيدها بسعادة قائلة بحماس:
- بجد هنسافر باريس..

رغم ضيقه مما يحدث إلا أنه أبتسم على براءتها، و بدون وعي جذبها إلى صدره يحاوط خصرها، هو من كان بحاجة لذلك العناق وليست هي، مال ليدفن وجهه بخصلاتها يشتم عبقه الساحر، تلوت "ملاذ" قليلاً قائلة بحرجٍ:
- ظافر .. الناس..

-شششش
همهم و هو يحرك أنفه داخل خصلاتها، ينعم برائحتها ورائحة خصلاتها، نهض فجأة جاذباً إياها من كفها الصغير متجهين نحو غرفته ، يريد الأبتعاد عن ذلك الضجيج، أن يكن بجوارها فقط ولا يريد شئ أخر، ذهبت "ملاذ" وراءه ترفع ثوبها عن الأرض لتوازن خطواتها مع خطواته، أتجها إلى غرفته ليفتح الباب بقوة بقدمه، أغلقه مرة أخرى جيداً ليلتفت لها، كانت أنفاسه مهتاجة و كأن أحد الحروب تقوم بداخله، قطبت حاجبيه بغرابة من حالته، أمتدت أناملها لذراعه قائلة بنبرة لطيفة:
- أهدى يا ظافر.. أهدى كل حاجة هتبقى بخير..

لم يكن يسمعها، ينظر حوله كالمجنون، ليمسك بزجاجة عطره الموضوعة على المزينة، ليضربها بقوة بالحائط، أنتفضت "ملاذ" بفزع، تفاقم فزعها عندما ظل يلكم الحائط بكفه بقوة صارخاً بإهتياج:
- جـــات لـيـه!!!! بتفكرني بـ أبويا و أنا مش عـايـز أفتكره!!!!!!
أنهمرت الدموع على وجنتيها لتركض نحوه تبعد كفه الذي أخذ ينزف دماً عن الحائط و هي تقول بشهقات باكية:
- أهدى يا حبيبي عشان خاطري تعالى..

جذبته ليجلس على الفراش لتتجه للمرحاض تبحث عن صندوق الإسعافات الأولية، وجدته على أحد الأرفف لتجذبه متجهة نحو ظافر، جلست بجواره ودموعها تتساقط على وحنتيها و كأن ألم يده هي من تشعر به، كادت أن تمسك بكفه ليبعدها هو قائلاً بجمود:
- أبعدي عني..!!

جذبت يده مجدداً قصراً لتعقمها، ثم لفت الشاش حول كفه، رفعت أنظارها له ليجده ينظر للأمام بفراغ، عيناه مرهقة، لم تتردد لتجذب رأسه إلى صدرها مربته على خصلاته الناعمة بهدوءٍ، تفاجأ هو قليلاً لفعلتها، إلا أنه أستسلم محاوط خصرها بقوة حتى كاد أن يحطم ضلوعها، تحملت هي ألم قبضته لتقبل جبينه، دفن أنفه بعنقها الطويل متنهداً بعمق، ليقبل عظمتي الترقوة خاصتها ، وقبلة أخرى وضعت على عنقها، تليها عدة قبلات رقيقة، لتتمتم "ملاذ" بخفوت مرتجف:
- ظـ ..ظـافر!!!

لم تسمع منه رداً، قبَل كل أنش بعنقها ، ليرتفع إلى شفتيها!!!
أنقض عليها ممسكاً بعنقها من الخلف، بادلته "ملاذ" قبلته بخجلٍ، يقبلها بعنف و كأنه ينفث عن غضبه بها، إلا أن "ملاذ" تحملت و لم تحاول إبعاده، فصل القبلة فجأة مبتعداً عنها لشعوره بحاجتهما للأكسجين، وجد شفتيها ترتجف بقوة، عيناها دامعتان ووجهها أحمر بالكامل، مسح على وجهه بعنف ليؤنب حاله، فـ ما ذنب تلك البريئة في ضيقه هذا، يجذبها لأحضانه قائلاً بندم وبنبرة حانية:
- ملاذ أنتِ كويسة؟!!!

لم تنطق بكلمة، إلا أنها بادلته عناقه، لتقتحم الغرفة "ملك" فجأة، أنتفضت بخجل منسحبة من الغرفة:
- أنا أسفة..

ظهر الغضب على وجه "ظافر" ليردف بنبرة حادة:
- في حد يدخل أوضة حد كدا يا ملك!!! أنتِ أتجننتي!!!

لمعت الدموع في مقلتيّ "ملك" لتنسحب من الغرفة منكسة رأسها، لتلتف له "ملاذ" بغضب قائلة سريعاً:
- أيه يا ظافر اللي قولتهولها دة أتفضل قوم صالحها..

ردّ بجمود متناهي:
- لاء..!!!

أمسكت بذراعه قائلة برجاء:
- عشان خاطري يا حبيبي قوم طيب بخاطرها أنت زعقت فيها جامد..

نظر لها بخبث قائلاً :
- حبيبي!!!!!

جحظت بعيناها لتتوتر سريعاً مبعدة كفها عن ذراعة و هي تنظر للأرض بتوترٍ، أقترب بثغره لثغرها المزموم للأمام ليخطتف قبلة رقيقة تُضاد قبلته القاسية قبل قليل ليهمس في أذنها مسترسلاً بمكر:
- أهو عشان حبيبي دي ممكن أعمل أي حاجة.. بس قوليها تاني..

نظرت له بضيق مضيقة عيناها قائلة:
- أنت أستغلالي أوي!!!!

دوت صوت ضحكاته بالغرفة ليقول مثبتاً كفه على الفراش بجانبها و هو يميل عليها قليلاً:
- هــاااا؟!! قولي بسرعة قبل م أرجع في كلامي...

أبتسمت لتحاوط عنقه بذراعيها قائلة بغنجٍ تتقنه بمهارة:
- حـبيبي!!!!

أظلمت عيناه و هو ينظر لشفتيها قائلاً بنبرة لا تبشر بالخير:
- سيبك من ملك بقا دلوقتي!!!!

أنتفضت "ملاذ" قائلة بتوسل مبعدة ذراعيها عنه:
- ظافر please انزل شوفها ..

نظر لها بسأم ليردف بخفوت:
- طيب.. بس أنا راجعلك تاني ها.. مش هسيبك النهاردة!!!!

نظرت له بخجل لتضربه على كتفه بلطف و هي تدفعه للخارج.. لتبدأ في تبديل ملابسها.. وتنظيف الغرفة من الزجاج المنثور على الأرضية

• • • •

أتجه "ظافر" للأسفل بإبتسامة كبيرة تزين ثغره، فقد أستطاعت "ملاذ"ان تخرجه من حالته تلك، إلا أنه أستمع لنحيب "ملك" من غرفتها، مضى سريعاً نحو الغرفة خاصتها ليدلف، وجدها تجلس على الفراش تحاوط وجهها بكلتا يديها تبكي بقوة، ف يكفي ما حدث بينها وبين "جواد" ليكمل عليها أخيها، شعرت بوجوده بالغرفة لترفع عيناها الباكيه به، أنفطر قلبه على صغيرته ليسرع إليها يجذبها من ذراعها لتنهض عن الفراش، ثم جذب رأسها إلى صدره لتبكي الأخرى بعنف، مسح على ظهرها قائلاً بأسف:
- متزعليش مني يا حبيبتي أنا أسف.. أنا مكنتش أقصد أزعقلك كدا..
نفت براسها قائلة بشهقات باكية تجعل جسدها ينتفض بين الحين و الاخر:
- لاء يا أبيه ظافر أنا اللي غلطانه عشان دخلت من غير م أستأذن أو أخبط، بس والله عمتو تحت مصممة أنها تشوفك وماما بتحاول تهديها..

قطب حاجبيه بإنزعاج قائلاً و هو يشدد على أحتضانها:
- عايزة أيه؟!!

- مش عارفة..
قالت بحزن ليبعدها هو، مسح دموعها بأنامله قائلاً و هو يجذبها للخارج:
- طب تعالي أنزلي أقعدي مع البنات متقعديش هنا لوحدك..

أستجابت له لينزلا على الدرج معاً.. تركها "ظافر" ليتجه إلى عمته بعد أن لاحظ عدد الأشخاص بدأ يقل تدريجياً، وقف أمامها قائلاً بصوتٍ بارد:
- خير يا عمتي!!!

نظرت له بخبث لتشير للنساء الواقفات خلفه بعيناها، و الذين كانوا بأجساد ضخمة بدينة، و بالفعل صعدوا لينفذوا مخططها الدنئ، ثم عادت "سُمية" بنظرها ل "ظافر" قائلة :
- تعالي يا ولدي أجعد چاري..

حاول التحكم بأعصابه ليجلس بجانبها قائلاً بإقتضاب:
- خير؟!!

همت بالرد عليه ليوقفها صراخ"ملاذ" بالأعلى بقوة جعل جميع من بالقصر يصدم، لينتفض "ظافر" راكضاً لغرفته يطوي الأرض اسفله!!!!
• • • •

بدلت "ملاذ" ثوبها بـ قميص للنوم باللون الأبيض يظهر جمالها خجلت "ملاذ" من أن يراها "ظافر" هكذا ف ما ترتديه يعتبر الأكثر حشمة بين ما يوجد في الخزانة، فـ "ظافر" الوقح -كما أسمته- قد جلب مع ثوب الزفاف بعض قمصان للنوم لا تخفي شئ.. أسدلت خصلاتها التي وصلت لأسفل ظهرها، أكتفت بوضع أحمر شفاه أبرز جمال شفتيها، وكحل بسيط لتنظر لنفسها بغرور، أرتدت (الروب) الخاص بالقميص، إلا أنها تفاجأت بأقتحام الغرفة من قبل سيدات أقل ما يقال عنهم مجرمات، فزعت "ملاذ" قائلة بغرابة وحدة:
- أنتوا مين!!!! و أزاي تتدخلوا كدا!!!

تقدمت منها سيدة سمراء تنظر لها بوجوم قائلة بحدة:
- شوفوا شغلكوا يا نسوان!!!!!

لم تفهم "ملاذ" ما يحدث، لتنتفض عائدة بجسدها للخلف عندما تقدمن الأخريات و قد كانوا أربعة سيدات ضخمات، أنتفضت "ملاذ" مبتعدة عنهم لتصرخ بهم:
- أنتوا أتجننتوا أطلعوا برا أنتوا متعرفوش "ظافر" هيعمل فيكوا أيه!!!!

أبتسمت لها واحدةّ منها قائلة وهي تلاعب حاجبيها:
- ظافر بيه اللي باعتنا يا حلوة، تقاليد الصعيد أن الدخلة تبقى بلدي!!!!!!!

شهقت "ملاذ" بقوة لتنهمر الدموع من عيناها، لم تصدق أن "ظافر" هو من طلب منهم هذا، لتطلق صرخة عالية عندما أمسكتها إحداهم من ذراعيها تكبلها خلف ظهرها لتفتح الأخرى الروب الخاص بها..

أنفتح الباب بقوة ليجحظ "ظافر" بعيناه عندما رأى زوجته بين أيديهم!!!، ليصرخ بحدة جعلت من بالقصر بأكمله ينتفض على صراخه:
- أنتوا مين يا شوية *****!!!!!

أستطاعت "ملاذ" الهروب منهم لتركض إلى "ظافر" مرتمية بأحضانه تبكي بعنف قائلة ببكاء شديد:
- ظافر الحقني والنبي خليهم يبعدوا عني!!!!!

حاوطها "ظافر" بذراعٍ واحدٍ يربت على خصلاتها ليصرخ بهم:
- أطلعوا برا يا ****** منك ليها و رحمة أبويا لهميحكوا من على وش الأرض يا ***** !!!!

ليكمل بحدة جعلتهم يرتعبوا:
- أنتوا مين اللي باعتكم أنطقوا....

قالت إحداهن برعب شديد:
- سمية هانم اللي بعتتنا يا بيه و أحنا عبد المأمور!!!!!

شددت "ملاذ" على خصره لتبكي بقوة أكبر..بينما صدم "ظافر" لما تقوله.. ليطردهم خارج الغرفة بشراسة وهو يكاد يفقد صوابه، أخرج هاتفه ليهاتف "باسل" الذي هتف بنبرة قلقة:
- في ايه يا ظافر أيه الصراخ اللي عندك دة أنا مش عايز أطلع عشان مراتك...

- باسل هتلاقي شوية نسوان**** نازلين، خُدهم المخزن و ظبطهم!!!!

ليغلق "ظافر" دون أن يسمع رده، وضع الهاتف جانباً لينظر إلى "ملاذ" الذي أصبح جسدها يرتجف من شدة الخوف بين يداه و لأول مرة يراها بتلك الحالة، حاوط خصرها بأقوى ما لديه قائلاً بحنو وهو يربت على ظهرها:
- خلاص يا حبيبتي أهدي مافيش حاجة.. أنا جنبك محدش هيقدر يلمس شعرة منك أهدي!!!!

أبتعدت عنه تسترسل ببكاء:
- هما قالولي أنك قولتلهم الدخلة تبقى بلدي يا ظافر!!!!!

ضغط على أسنانه بحدة ليحاوط وجهها مقبلاً جبينها واضعاً رأسها على صدره قائلاً بلوم:
- أنتِ فاكرة أني ممكن أعمل فيكي حاجة زي دي!!!!، بس وحياتك عندي لهخليهم يبكوا بدل الدموع دم..

حاوطت خصره بأقوى ما لديها، وقد بدأ يتراخى جسدها بتخدرٍ، ليحملها "ظافر" بين يداه، وضعها على الفراش ليجلس جوارها ممسكاً بكفيها، ليقول بنبرة حادة لا تقبل النقاش..
- لمي هدومك وهدومي لأننا مش هنقعد هنا دقيقة واحدة...

أومأت بإرهاق ليحاوط وجهها قائلاً بحنان ظهر في نبرته الدافئة:
- هبعتلك حد يساعدك ماشي يا حبيبتي؟!!

أومأت مرة أخرى دون رد، كاد أن ينهض لتمسك بذراعه بقوة قائلة برعب وقد بدأت الدموع بالترقرق في عيناها مجدداً:
- لاء متسبنيش يا ظافر خليك معايا!!!
حاوط وجهها بكلتا كفيه ليميل مقبلاً وجنتها و هو يقول بنبرة لطيفة:
- متخافيش يا حبيبتي أنا مش هتأخر و محدش هيدخل عليكي متخافيش..

تعلقت برقبته كالطفة تدفن أنفها بعنقها قائلة ببراءة:
- لاء خليك جنبي..!!!

دفن وجهه بخصلاتها متنهداً بحرارة، ف هي لا تعلم أن حركة بريئة منها تستطيع أن تبعثر كيانه بأكمله، نزل ببصره ليلاحظ ما ترتديه،ابتسم بخبث هامساً في أذنها:
- بـ اللي أنتِ لابساه دة مش في مصلحتك أني أفضل جنبك خــالص!!!!

نظرت له بغباء قائلة ببلاهة:
- ليه يعني؟!!!

غمز لها بعيناه الزيتونية بوقاحة:
- تعالي هوريكي عمَلي الكلام في الحالات اللي زي دي ملهوش لازمة

شهقت "ملاذ" عندما كاد أن ينقض شفتيها لتضع يدها على كتفه قائلة برجاء:
- لاء خلاص أمشي أنا هغير هدومي وهجهز الشنط...

أبتسم ليلتقط كفها الصغير، قبّله بعشق ليقول :
- مش هتأخر يا حبيبتي.. هنمشي من هنا و نبعد عن كل دة..

• • • •
غادروا جميع من بالقصر سوى العائلة..

أحتقنت عيناه غضباً، تطاير الشر منها لهيباً، نزل على الدرج بشراسة.. متجهاً لغرفتها، أقتحم الغرفة بقدمه بفظاظة، ليجدها جالسة مع والدته، توترت معالم وجهها عندما رأته، لتفرك كفيها بقلق لتقول والدته بغرابة:
- ظـافـر؟!! في حاچة يا حبيبي أنت مش المفروض تبجى چار عروستك دلوقتي؟!!!

لم ينظر لها، ليمضى نحو عمته ببطئ قاصداً التلاعب بمشاعرها، مال بجزعه العلوي عليها، ليضع كلتا كفيه على أذرع المقعد التي تجلس عليه قائلاً بنبرة مخيفة :
- و رب الكعبة الموضوع دة مـ هيعدي على خير!!!!!

ارتجفت نظرات تلك العجوز لتردف بإرتباك:
- موضوع أيه يا أبن أخوي!!!!

نظر لها بأعين كالصقر، لتنظر له والدته قائلة بقلق:
- أيه يابني في أيه؟!!!!!
لتكمل متذكرة:
- أيوا صحيح مرتك كان بتُصرخ ليه يا ظافر؟!!، أنت عملتلها حاچة!!!!؟

أبتسم بسُخرية ليقول و هو على حاله:
- مـ تردي يا عمتي!!!! مراتي كانت بتصرخ ليه!!!!!!

- و أنا أعرف منين يا وِلد!!!!
قالت بتوترٍ، ليبستم هو بقسوة شديدة، أعتدل في وقفته لينظر لأمه قائلاً بنبرة حادة:
- أنا هاخد ملاذ و همشي يا أمي.. نازلين مصر دلوقتي!!!!!

أنتفضت والدته قائلة بخضة:
- ليه يا ضنايا مش أتفجنا تفضل أهنه كام يوم ؟!!!

- معلش يا أمي عندي شغل هناك ولازم أنزل ضروري...

أدمعت عيناها قائلة بحزن:
- على راحتك يابني...

قبل كفها قائلاً بلطف:
- متزعليش يا حبيبتي صدقيني هاجي أزورك أنا وهي دايماً..

أومأت بإبتسامة مربتة على خصلاته، ليغادر الغرفة، هم بالصعود إلى "ملاذ" ولكن أوقفه صوت أنثوي يعلمه جيداً:
- ظافر.. أسـتـنـي!!!!!!!

(تفتكروا مين؟!!!)
• • • •

أعدت "ملاذ" حقيبتها و حقيبة زوجها بمساعدة إحدى الخدم، بدلت ملابسها لتجلس منتظرة "ظافر"، تفرك يداها و قد قررت الأعتراف له عن حقيقتها و ماضيها الذي أصبح يقف كالعلقم بحلقها، تذكرت "ملاذ" عندما سألته إحدى المرات..

كانا بغرفته مستلقية هي بأحضانه، يداعبها بأنفه لتبتسم هي بخجلٍ، لتردف "ملاذ" بنبرة متوترة لم تظهرها له:
- ظافر.. ممكن أسألك سؤال..

أومأ لها بإنتباه، لتزدرد ريقها معتدلة ليصبح وجهها مقابل وجهه، أسترسلت قائلة:
- لو حد كدب عليك.. كدبة كبيرة مش صغيرة، ممكن تسامحه؟!!

قطب حاجبيه من سؤالها بذلك التوقيت خصيصاً، لتظلم عيناه محاصراً لخصرها بذراعه و هو يقول بنبرة سوداوية:
- أنا مبحبش الكدب، واللي بيكدب عليا بخليه مايشوفش يوم عدل في حياته يا ملاذ، عارفة أيه أكتر حاجتين مش بسامح عليهم؟، الكدب و الخيانة.. أوعي.. أوعي يا ملاذ تفكري تكدبي عليا أو تخونيني، أنا لو بعشقك و عرفت أنك عملتي حاجة من الحاجتين دول صدقيني هكرهك في ثواني، هخليكي تندمي أنك عرفتيني وقابلتيني في يوم من الأيام..!!!!

أرتجفت شفتيها.. أين ذهبت نظرته الدافئة، أين نبرته الحنونة التي تداعب أذنها، رأت بذلك الوقت شخصاً مختلف كلياً عمن أحبته هي، كادت أن تبكي منهارة تعترف له بكل شئ، ولكنه سيقتلها بلا شك، إلا أنها عزمت أمرها بإخباره اليوم تحديداً..

نظرت للباب الذي فُتح فجأة.. بعنفٍ شديد!!!!، أيقنت ان ذلك ليس "ظافر" و لكنها عندما رفعت أنظاره وجدته!!! يقف أمامها بطوله الشامخ، عيناه قاسية لأبعد حد، نظرت لكفيه اللذان كورهما بحدة لـ تتحول إلى بيضاء لشدة ضغطه على أوردته، ينظر لها بعينان مظلمتان، أنتفضت "ملاذ" لتقف أمامه قائلة في قلق وقلبها يخبرها بشئ سئ حدث:
- مالك يا ظافر أنت كويس؟!!!
حاولت أناملها أن تتلمس كتفه ليقبض هو على كفها بقوة شديدة حتى كاد أن يكسره، تآوهت "ملاذ" بألم ليدير ذراعيها خلف ظهرها بقوة ، يطالعها بعينان ماتت بهما الحياة، شعرت "ملاذ" لوهلة بأنها ترى أبيه، بقسوة عيناه و غلاظة نظرته، بكت بقوة لذراعيها التي سمعت فرقعتهما، ضغط هو أكثر بكفها على ظهرها لترتطم بصدره، حاولت إبعاده قائلة ببكاء:
- ظافر إيدي.. أنت بتوجعني!!!!

شدد أكثر على كفها و كأنه سُعِد بتألمها، قبض على خصلاتها ليلفهما حوله كفه المتحرر يجذبهما لأسفل حتى بات عنقها الطويل يظهر أمامه، بكت "ملاذ" بحرقة و قد تيقنت من أنه علِم كل شئ، ولكن.. من أخبره!!!!!!!

رفضت "ملاذ" ذلك الذل الذي يعاملها به لتضربه على صدره حتى يبتعد، إلا أنه كاد أن يقتلع خصلاتها بين يداه قابضاً اكثر عليهما، يقترب بثغره من أذنه ليهمس بهما بنبرة أقل ما يقال عنها مُرعبة!!:
- أنتِ أوسخ حد شوفته في حياتي!!!!!

بكت " ملاذ" بحُرقة ليدفعها "ظافر" بقسوة، سقطت على الأرض تبكي بندمٍ، أتجه هو الى الحقائب ليمسكها بيدٍ، و بالأخر مال ليجذبها من خصلاتها بقسوة لتنهض واثبة أمامه بوجهٍ أحمر من كثرة البكاء، نظر لها بتقززٍ و كم آلمتها نظراته، ليردف هو بحدة مشيراً بسبابته لوجهها:
- أمسحي دموع التماسيح دي مش عايز حد يحس بحاجة تحت، كلهم مستنينا تحت وقسماً بربي لو حد حس أن في حاجة هقتلك يا ملاذ!!!!!

مسحت الدموع العالقة بأهدابها لترتب خصلاتها المشعثة بيدها وشهقات بكائها لم تستطيع أيقافها ليصرخ هو بها بقسوة حقيقة:
- قـولـت أخـرسـي!!!!!

حبست أنفاسها داخلها ليقبض هو عل ذراعها المتراخي، جذبها خلفه لينزلا على الدرج، خطواته تسابق خطواتها حتى كادت أن تسقط على وجهها لولا ذراعه الذي أمسك بها بقسوة، وقفا أمام العائلة بأكملها لتنظر "ملاذ" إلى "رقية"، سرعان ما أرتمت بأحضانها لتنفجر في البكاء، أصتك "ظافر" على أسنانه بغضبٍ وتوعد ينظر بعيداً عنها بحدة، بينما قلق الجميع من بكاءها المفاجئ في أحضان "رقية"، ربتت الأخرى على ظهرها قائلة بفزع:
- مالك يابتي..أيه اللي حُصُل ظافر عملك حاچة؟!!

أبتعدت "ملاذ" عنها لترمق "ظافر" بنظرة جانبية، وجدته يكاد ينفجر من الغضب لتنفي سريعاً بإرتباك:
- لاء يا ماما أنا كويسة، أنتِ بس هتوحشيني أوي!!!!

أطمئن الجميع ليزفروا براحة، لتربت "رقية" على ظهرها قائلة بتأثر:
- ربنا يعلم يا بتي هتوحشك جد أيه، بس متجلجيش ظافر وعدني هيچيبك دايماً تزورينا!!!

أومأت بإبتسامة متألمة، لتنظر إلى "رهف" التي أحتضنتها قائلة بلطفٍ:
- هتوحشيني أوي يا ملاذ يا حبيبتي، أوعي يا بت أنتِ متتصليش عليا فاهمه هقطعك..!!

أومأت "ملاذ" بإبتسامة حزينة، ودّعت "فريدة" و أخيها أيضاً لتخبرها "فريدة" بضرورة الأتصال بهم عندما تصل بسلام، كما فعلت بالمثل مع "ملك" التي أخبرتها بأنها كم كانت بمثابة أختٍ لها..، تمنت "ملاذ" لو أن تظل بينهم، لا تعلم ماذا سيفعل بها عندما يكونوا بمفردهم!!!!

ودّعهم "ظافر" بملامح جامدة ليقبض على ذراعها متجهين إلى سيارتهم، لتتجه العائلة بأكملهم- عدا "سُمية التي ظلت بغرفتها- للخارج معهم، ليقُل "ظافر" قبل أن يستقل السيارة لأخيه:
- باسل، حاول تنزل مصر بكرة عشان عندنا شغل كتير في الشركة!!!

قطب "باسل" حاجبيه قائلاً بغرابة:
- شغل أيه يا ظافر أنت عريس جديد سيبك من الشركة دلوقتي!!!!

أحتدت عيناه ليردف بنبرة لا تقبل النقاش:
- بــاسـل!!!، هستناك بكرة!!!!

أومأ "باسل" رغماً عنه ليستقل "ظافر" السيارة، تجاوره "ملاذ" التي نظرت لهم من النافذة بحزن، قاد "ظافر" على سرعة مائتان، لتتشبث "ملاذ" بمقعدها مغمضة عيناها بقوة، تذكرت كيف ماتا والديها لتضع يدها على أذنها صارخة بهيستيرية، تفاجأ "ظافر" بصراخها ليهدئ السرعة قليلاً، أهتاج صدرها و هي تفتح عيناها لتطالع الطريق أمامها، بكت بقوة لتدفن وجهها في بكفيها، ضرب "ظافر" على المقود يجأر بها بجنون:
- مش عايزة أسمعلك صوت أخرسي خالص!!!!!!

توقفت عن البكاء سوى من جسدها الذي ينتفض رغماً عنها، لتنظر للنافذة بجوارها بعينان أغرورقتا بالدموع، لا تسمع سوى صوت أنفاسه الغاضبة، ذلك ليس من أحبته، أين "ظافر" الذي كان يجذبها لأحضانه عندما تبكي، أين من كانت تشعر جواره بالأمان، أين من أعتادت أن تبكي بأحضانه، هل أصبح يكرهها!!!! أبتسمت بسُخرية مريرة، بالطبع سيكرهها، ما فعلته لا يقبله إنسان على كرامته، وصلا إلى مكان شبه معزول عن العالم الخارجي، لترفع "ملاذ" أنظارها لتلك البناية شاهقة الأرتفاع، نظرت حولها لتجد كل شئ ظلام لا توجد أنوار أو سيارات حول البناية، ترجل "ظافر" من السيارة ليركض بواب البناية له مهللاً بترحاب مبالغ به:
- يا أهلاً يا ظافر بيه البُرج نَور بيك، هات عنك يا بيه...

لينتشل الحقائب من يده، يسبقهما للداخل، تابعت "ظافر" بعيناها، ليفتح هو باب السيارة لها جاذباً إياها من عضدها، يغرز أظافره بذراعها بعنف!، أخرجها من السيارة بوجهٍ ليس له ملامح، ليسيرا معاً للداخل، ليجدا "البواب" يضع الحقائب بالمصعد يثرثر:
- أنا خليت مراتي تنضف الشقة زي م أمرت يا بيه وبقت بتُبرق!!!!

أشار له بسبابته ليبتعد من طريقه، نفذ الأخير أمره ليستقلا الأثنان المصعد، دفعها بعيداً عنه و كأنها ستلوثه، ليقف هو بالمقدمة و هي خلفه، ضغط على الطابق الحادي عشر، ليضع يداه بجيبه، حاولت "ملاذ" الدفاع عن نفسها قائلة بنبرة حزينة:
- ظافر لو سمحت أسمعني!!!!!

ألتفت لها بغتةً ليقبض على عنقها بقوة ليرتطم ظهرها بالمرآة خلفها، وضعت يدها على كفه الغليظ و قد بدأت بالشعور بالهواء ينفذ من رئتيها وهي بالأساس مريضة ربو، نظرت لملامحه المُرعبة وعيناه الحمراء من فرط غضبه، أقترب بوجهه من وجهها الأبيض يقول بنبرة جعلتها تتمنى أن يقتلها بالفعل لتنتهي من ذلك العذاب:
- أنا هعرفك مين ظافر الهلالي يا بنت الشافعي!!!!!

تركها بإشمئزاز لتسعل "ملاذ" بقوة تميل بجسدها للأمام لتشهق عدة مرات تحاول إدخال الأكسجين برئتيها، بينما يقف هو يرمقها بتهكمٍ، وصل المصعد الطابق المنشود لينفتح، خرج "ظافر" ساحباً "ملاذ" خلفه بدون رحمة، يجلب الحقائب بذراعه المتحرر، ليدُس المفتاح بالباب لتنفتح الشقة بيُسرٍ، كان يطغي عليها اللون "النبيتي" القاتم و الرُمادي، كان أقل ما يُقال عنها راقية حقاً، الأثاث فخم، الأنوار خافتة بها، واسعة للغاية..

شدد "ظافر" على ذراعها المرتخي بين كفه، ليلقي بالحقائب بقوة أمامه لتصدر صريراً أفزعها حقاً أشفقت على الحقائب، كيف سيكون مصيرها معه إذا، نظرت له بطرف عيناها برعب، تقف خلفه ببضعة خطوات وكفها مقيد بكفه القاسي..
بدون مقدمات صفع الباب بحدة ليجذبها من خصلاتها لتقف أمامه شاهقة بفزع، حاولت نزع قبضته عن خصلاتها إلا أنه شدد أكثر مقرباً وجهها من وجهه، نظرت "ملاذ" إلى وجهه، وكأنها لأول مرة تراه، بملامحه القاسية وفكة المنقبض، عيناه الزيتونية تحيط به شعيرات تكاد تنفجر من الدماء، بحثت عن النظرة الثانية في عيناه، بحثت عن نظرته التي تشع حباً وعشقاً لها، ولكن هيهات.. لم تجد سوى القسوة، الكره، والحقد الذي سيودي بها حتماً!!
قبضته القاسية على خصرها، ونظرته التي تمزقها، تحرق روحها حرقاً، أغمضت عيناها.. لا تريد أن ترى هذا الإحتقار ينبع من عيناه، لتشهق عالياً منفجرة بالبكاء تردف بتقطعٍ راجي:
- أديني فرصة أشرحلك!!!!!

تصاعدا كفيه ليقبضا على كتفيها بقسوة يهزها بعنق صارخاً يجنون حقيقي:
- لـــيــه!!!! ردي عليا لـيـه!!!!!!

بكت بقوة لينهرها هو أكثر يجأر بوجها بحدةٍ:
- مراتي أنا طلعت بتنصب على الرجالة عشان تاخد فلوسهم!!!! مراتي طلعت واحدة **** وكانت عايزة تأذيني في شغلي!!!!

نفت برأسها بقوة لتحاوط وجهه في محاولة منها للسيطرة على غضبه قائلة بنبرة باكية:
- لاء والله أنا عمري مـ هفكر أأذيك أبداً، أنا حبيتك والله العظيم حبيتك!!!!

دفع كفيها بعيداً ليقهقه بسُخرية لاذعة، ضحكاته كانت مختلفة عن كل مرة، لم يظهر على وجهه اي نوعٍ من المرح، بل كان يتألم، قلبه يدمي حزناً وعقله سيشُل مما فعلته هي به!!!!، لينظر لها بتهكمٍ :
- حبتيني؟!!!!

أومأت سريعاً و هي تبكي ضامة كفيها إلى صدرها:
- والله العظيم حبيتك.. أنت متعرفش أنا مريت بـ أيه في حياتي يا ظافر أنت الوحيد اللي قدر يغيرني.. أنا والله كنت هقولك كل حاجة والله العظيم مكنتش هسيبك تعرف من برا، أنا بحبك صدقني أنا عُمري مـ حبيت حد زي مـ حبيتك أنت!!!!!!

أقترب منها خطواتٍ بطيئة، وتلك البسمة الساخرة المرتسمة فوق ثغره تجعلها تبكي أضعافٍ، ليقف أمامها.. يطالع وجهها بقرفٍ ظهر على ملامحه، ليقبض على فكها بعنفٍ قائلاً بنبرة مظلمة:
- كام واحد لمسك؟!!!!

فتحت عيناها بصدمة، وكأنه هوى بصفعة عنيفة على وجنتيها لتقول ببطئٍ:
- أيــه!!!!!

شدد قبضته أكثر على فكها قائلاً بسُخرية:
- أيه!!!! مش من حقي أعرف مراتي ليها علاقات مع كام واحد غيري!!!!!

جحظت عيناها بقوة ليعجز لسانها عن الرد، تجزم أن قلبها مات بتلك اللحظة، بل كل خلية بجسدها تراخت وكأنها ستفقد وعيها من قساوة كلماته على قلبها، ،لتقول بنبرة غلفتها الدموع:
- أنت عارف أن أنا مستحيل أعمل حاجة زي دي!!!! أنت عارف كويس أن أنت أول واحد يلمسني!!!!

نظر لها بقتامة ليبتسم مقرباً وجهه من وجهها قائلاً بقسوة ذبحتها ببطئٍ:
- الطب أتطور يا مدام، والعمليات ال**** اللي بيعملها اللي زيك كترت!!!!!

أبعدت كفه عن فكها بحدة صارخة به:
- أنت أتجننت أكيد!!!!!

جذب خصلاتها بقوة لتصرخ "ملاذ" بقهر وكفه يكاد يمزق خصلاتها، قرب ثغره من أذنها قائلاً بنبرة مهلكة:
- أكيد جسمك كان المقابل للفلوس اللي بتاخديها منهم.. و أوعي تفتكري أني هصدق دور الشريفة اللي أنت بتعمليه، أنتِ أبعد ما يكون عن الشرف!!!!!

لف خصلاتها على قبضته ليهمس لها بنبرة أرعبتها:
- هقتلك يا ملاذ، هقتلك!!!!!

وبالفعل دفعها بعيداً ليخرج مسدسة يصوبه في وجهها.. جحظت "ملاذ" بقوة، شعرت بدقات قلبها تبطئ رويداً، لا تصدق أن تلك ستكون نهايتها، ستموت على يد أكثر شخص أحبته بتلك الدنيا، ولكن الموت أهون عليها من أن تبقى بذلك العالم المقزز، لتقترب منه بخطوات ليس بها روح ممسكة بالمسدس لتصوبه ناحية قلبها، ترفع أنظارها له قائلة ببكاءٍ يتبعه شهقات عالية:
- أقتلني يا ظافر.. أقتلني وريحني بقا من اللي أنا فيه دة!!!!!

نظر لها بغلٍ ليغرز مسدسه بصدرها قاصداً إيلامها ليقول بنبرة سوداوية:
- أريحك؟!!! أنتِ طول م أنتِ مراتي مش هشتوفي الراحة أبداً، ورحمة أبويا هخليكي تتمني الموت يا ملاذ ومش هطوليه، هخليكي تكرهيني أضعاف حبي ليكي!!!!!

ليلقي بالمسدس جانباً ليتقدم منها يفتح أزرار قميصه بعجالةٍ واحدة تلو الأخرى، أرتعبت "ملاذ" لتعود للخلف بعيداً عنه ليرتجف جسدها رهبةً، لتردف بشفتي مرتجفة:
- هتعمل أيه؟!!!!

سحب حزامه الجلدي من بنطاله ليلفه حول كفه ليترك القطعة الحديدية قبالتها، تعثرت "ملاذ" لتسقط أرضاً لتزحف بعيداً عنه و الدموع تنهمر من عيناها قائلة ببكاءٍ حقيقي:
- ظافر أبوس إيدك متعملش فيا كدة!!!!!!

تكورت على نفسها لتضع ذراعيها على وجهها لتحمي نفسها من بطشه منتظرة الضربة التي ستصيب جسدها في مقتل، ولكنها لم تسمع سوى صوت أنفاسه الغاضبة تخترق أذنها بضراوة، رفعت نظراتها له لتجد مغمض العينين يكور الحزام بيده..لتبتعد عنه للخلف وهي تردف برجاءٍ:
- أنا أسفة.. عشان خاطري يا ظافر أديني فرصة أشرحلك..

لم يطاوعه قلبه اللعين على أن يقسو عليها، روحه ستتألم قبل جسدها، كرهها بالفعل، هي التي طعنته بظهره بعدما أمنها على روحه وحياته بأكملها، خذلته، أدمت روحه، ولكنه لا يستطيع أذيتها، لا يتحمل أن يكن سبباً في أذيتها، و كأن قلبه رافضاً أن يؤلمها، ليلقي بالحزام جانباً، أستند على الحائط بجواره ماسحاً على وجهه بقسوة، ليحطم كل شئ يقابله، يكسر ويغضب ويثور ويصرخ بها حتى أنقلبت الشقة رأساً على عقب، بينما هي لازالت تجلس على الأرضية تبكي بجزعٍ، خائفة منه لأول مرة، فغضبه سيعصف بها لا محال، أصابت قطعة كبير من الزجاج باطن يده لتنتفض "ملاذ" راكضة نحوه ممسكة بكفه قائلة بخوفٍ وقلق:
- ظافر.. ظافر أنت كويس ياحبيبي؟!! بتوجعك أوي، أنا هجيب الشاش وهلفهالك دلوقتي..!!

دفع يدها بعيداً صارخاً بها بنبرة جحيمية:
- أبـعـدي عـنـي!!!!!

أرتدت "ملاذ" للخلف لتنكس رأسها قائلة بخفوتٍ شديد:
- حاضر..

أستند على الحائط بذراعه مغمضاً عيناه ليتهدج صدره بعنف و هو يشعر أن قلبه يعتصر من شدة الألم، لتنظر له هي بقلق وندمٍ، لتجهش بالبكاء وهي ترى جبينه يتصبب عرقاً وجسده بدأ بالإرتعاش، أندفعت "ملاذ" نحوه لتسنده قائلة بتوجسٍ:
- ظافر أنت كويس؟!!!

جف حلقه ليبعدها عنه بوهن مرتدياً قميصه ناسياً أن يغلق أزراره، ليخرج من الشقة صافعاً الباب خلفه، يوصده بالمفتاح جيداً حتى لا تهرب، خرج خارج العمارة ليطالعه "البواب" بقلقٍ ولكنه مضى نحو سيارته ليستقلها، رأسه ستنفجر، قلبه يدمي والدموع تهدد بالسقوط داخل عيناه..ظل يدور ويدور بالسيارة، لأول مرة يشعر أنه تائه هكذا، ليس له مأوى، كالطفل الذي خذلته أمه وقت أحتياجه لها، شعر بالإختناق رُغم الهواء الذي يلفح وجهه، شئ يجثو على صدره، يريد البكاء ولكن والله لن يفعل، فليس "ظافر" من يبكي على أمرأة، ولكنه وبشكلٍ ما يتألم، عيناه الزيتونية ذبلت، وقف أعلى جبلٍ ليصف السيارة جانباً، وضع رأسه على المقود بوهن، وضع يده على قلبه يشعر بنغزة غريبة به، تغاضى عن ذلك الإحساس ليُدير السيارة ذاهباً لاحدى الحانات التي أنقطع عنها منذ دخولها لحياته، أبتسم بسُخرية ليغلق ازرار قميصه يهندم حالته المزرية قليلاً.. دلف للحانة لتنبعث داخل أنفه رائحة الخمر، طالع الساقطات يتمايلن أمام أشباه الرجال، ليجلس هو متجرعاً كأس الخمر، حمد ربه أن في تلك الحانة لا أحد يعلم أنه "ظافر الهلالي".. فلو علم أحد لكان أنتشر خبر وجوده بتلك الأماكن وفي ليلة زفافة بالجرائد، تقربت منه فتاة ذات قوام ممشوق ترتدي ثوب أسود اللون يظهر اكثر مما يخفي لتقف أمامه تميل عليه بجسدها قائلة بنبرة لعوبة:
- ليك وَحشة يا بيه!!!!
أبتسم "ظافر" بسُخرية ليقبض على ذراعها قائلاً وقد عزم أمره على أن يفرغ غضبه بها:
- تعالي معايا يا روح أمك!!!!!

أبتسمت تلك الفتاة لتذهب معه لإحدى الغرف، و لسوء حظها أنه كان يتخيلها "ملاذ"، وبالفعل أنهال عليها بالضرب بالغرفة، لأول مرة يكُن قاسٍ مع فتاة بتلك الطريقة..وعندما أنتهى منها تركها عارية تبكي بحُرقة، ليلقي لها بالمال في وجهها ليخرج من الحانة يطوي الأرض أسفله، أستقل السيارة ثملاً ليضطر للعودة لها..

• • • •

دلفت "رهف" لغرفتها لترمي بجسدها على الأرضية مجهشة بالبكاء.. تحتضن جسدها لتحمي نفسها من بطش الحياة بها، فصراخه بها و كلماته التي ألقاها بوجهها كانت بمثابة دلواً بارد ألقاه عليها، كالصفعة التي أفاقتها، ضمت قدميها لصدرها لتدفن وجهها بركبتيها باكية بألمٍ، لتجد الباب ينفتح بقوة، علمت أنه هو، رفعت عيناها شديدة الأحمرار له لتجده يدلف مغلقاً الباب خلفه، وجدت ملامحه يعتليها البرود ليفتح أزرار قميصه موجهاً نظره للمرآة بعيداً عنها، ليبقى عاري الصدر متجهاً إلى الأريكة مستلقي على ظهره واضعاً ذراعه على عيناه، تجاهلها تماماً و كأنها ليست معه بالغرفة، نهضت"رهف" ببطئٍ لتتجه نحوه، جلست على الأرضية بجانب الأريكة، لتمد أناملها ممسكة بكفه البارد، لاحظت تشنج وجهه لتحاوط كفه الغليظ بكلتا كفيها قائلة بنبرة حنونة:
- باسل؟!!
لم يرد عليها بل ظل على حاله، مما أصابها بالإحباط قليلاً ولكنها بالفعل عزمت على مصالحته مهما كلفها ذلك، عبثت بخصلاته و هي تعلم أنه يعشق تلك الحركة، وعندما وجدته مستسلماً للمساتها استلقت على الأريكة بجانبه لتتمسك بجسده قائلة بإبتسامة ماكرة بعض الشئ:
- باسل أمسكني.. الكنبة صغيرة و لو مش مسكتني هقع كدة...

تنهد "باسل" ليلتفت لها بجسده كاملاً ليقبض على خصرها مقربها منه و هو يقول بهدوءٍ:
- عايزة أيه يا رهف؟!!!

أبتسمت لنجاح خطتها لتحاوط عنقه بذراعيها قائلة بغنجٍ:
- عايزة أنام جنبك..!!!!

منع أبتسامته من الظهور على ثغره لحركات زوجته الطفولية لتتلمس أنامله ظهرها هبوطاً وصعوداً و هو يقول بمكرٍ:
- ليه؟!!!!

تشبثت بعنقه قائلة بخوفٍ زائف:
- أنا أصلي لما بتبقى بعيد عني بحلم بكوابيس وحشة أوي.. بس طول مـ أنا جنبك مش بحلم بحاجة والله..

قهقه بقوة لتبتسم هي لأنها رأت ضحكاته وأخيراً، ليمسح على خصلاتها مقبلاً جبينها ليحاوط كتفيه مقربها منه لأبعد حد، ابتسمت "رهف" بقوة لتقبل وجنته قائلة بسعادة:
- خلاص سامحتني؟!!!

نظر لها بعشقٍ ليميل على شفتيها ويطبق بشفتيه عليها ، بادلته "رهف" بشوق حقيقي ليفصل قبلتهما بعد دقائق مقبلاً باقي أنحاء وجهها بإشتياق لها..

• • • •

جلست بجانب أخيها في غرفتها على فراشها الوثير، تمسح على خصلاته لينام، تحدث أمامها بشرودٍ ليهتف أخيها بتساؤل طفولي:
- ديدا هو فين عمو مازن؟!!!

أحتدت عيناها لتقول بغضبٍ:
- و أنت مالك بيه يا يزيد نام يلا..

زم "يزيد" شفتيه بحزن ليغلق عيناه بإذعان، بينما جلست هي تفكر به، لا تنكر أنها أشتاقت له.. أشتاقت لغضبه و لإبتسامته، لقسوته ولحنانه بعض الأحيان، تذكرت عندما عالج يدها وعندما ذهبا للملاهي، و لكنها أيضاً لم تنسى عندما ضربها بقسوة، ستضع تلك الذكرى أمامها حتى لا تعود وتفكر به أبداً، فبرغم أنها لا تعلم أين هو و ماذا يفعل ولكنها تصبر قلبها بأن ذلك أفضل لهما، نهضت من جوار أخيها عندما وجدته غاص بالنوم، شعرت بالإختناق لتقرر أن تنزل تتجول بالحديقة قليلاً.. وبالفعل هبطت لتجد القصر مظلم فالجميع خلد للنوم، ولم تنسى أن تأخذ كتابها معها ليسليها، خرجت الحديقة لتجد أنوارها خافتة تناسب قراءة الكتاب الذي بيدها جلست على الأريكة المتحركة لتستنشق الهواء براحة، نظرت حولها لتتذكر عندما جلبها "مازن" لأول مرة.. عندما صرخ عليها بتلك الزاوية، تتذكر كل شئ.. فتحت الكتاب لتقرأ بسرها، مر عليها ساعة.. أثنان.. ثلاث ساعات بدون ملل، بدأ ظلام الليل يغلف الحديقة، لتنقطع أنوارها فجأة، أنتفضت "فريدة" ناهضة برعب والهواء يعصف بها من كل جانب، وقع قلبها أرضاً عندما أشتمت رائحته التي تحفظها عن ظهر قلب، ألتفتت حولها وقد بدأت الدموع تتجمع بعيناها، تبحث عنه ولكنها لم تعد ترى حالها حتى من ذلك الظلام الموحش، أرتجفت شفتيها لتنهمر الدموع من عيناها تقول بخفوتٍ خائف :
- مازن؟!!!

أحتضنت نفسها بقوة و هي تعلم أنه قريباً منها للغاية الأن، لطالما كانت تهاف من الظلام، لا تعلم لما راودها شعور مشتاق لكب ترتمي بأحضانه، تعاتبه عما فعله بها، أجهشت بالبكاء لتكرر ندائها عليه بنبرة باكية:
- مازن أنا عارفة أنك حواليا دلوقتي.. عارفة أن سامعني.. عشان خاطري تعالى..

بكت بقوة لتنهار أرضاً على العشب الأخضر، شعرت بالهواء يعصف بها و بإختفاء رائحته لتعلم أنه ذهب.. وبالفعل سمعت صوت مكابح سيارته تبتعد لتنفجر من البكاء مغشياً عليها على الأرضية..!!!

• • • •

تمنى لو أن يذهب نحوها يعتصرها بعناقاً يحطم ضلوعها، لو أن يقبلها حتى يقطع أنفاسها، تمنى لو يمسح دموعها بشفتيه ويعتذر لها عما فعله بها، بكاءها حطمه، جعله كالتائه لا يعلم أيذهب لها أم يعود إدراجه، لا يعلم كيف علمت أنه بجوارها رغم ظلام الحديقة الشديد، كيف شعرت به رُغم حرصه الشديد على أن لا تراه أبداً، أوقف السيارة جانباً ليستند برأسه على المقود، أطلق زفيراً مختنقاً يردف بألمٍ تغلغل روحه:
- وحشتيني.. وحشتيني أوي!!!!

(يا جماعة أنا بحب مازن و فريدة أوي والله💙!)
• • • •

عاد "ظافر" للشقة ليجد كل شئ على ما يرام، فـ بقايا الزجاج المنثورة ليس لها أثراً، من الواضح أنها نظفت كل شئ، دلف ليصفع الباب بحدة، تقدم نحو غرفتة و رأسه تؤلمه لكثرة ما تجرعه من شرابٍ، ليقتحم الغرفة بثمالة، أنتفضت "ملاذ" التي كانت تجلس تنتظر عودته، رفعت أنظارها له لتجد خطواته ليست موزونة، نهضت راكضة نحوه و هي تطالع حالته الرثة قائلة بقلقٍ شديد:
- ظافر أخيراً رجعت.. مالك أنت كويس؟!
دفعها بعيداً عنه قائلاً بسُخرية:
- مش كفاية تمثيل بقا ولا المسرحية البايخة دي مش هتخلص؟!!!

توازنت "ملاذ" مستندة على المقعد لتردف بألمٍ:
- تمثيل؟!!!.

رفعت أنظارها له لتقول بخفوت:
- تعالى نام هنا و أنا هنام برا..

جاءت لتخرج لتجده يقبض على خصرها قائلاً بثمالة:
- برا فين يا حلوة.. هو مش النهاردة ليلة دخلتنا ولا أيه؟!!!!

فاحت من فمه تلك الرائحة البغيضة لتقول "ملاذ" بصدمة ساندة كفيها على صدره:
- ظافر أنت شارب؟!!!

تلمس جسدها برغبة بدون وعي لتبتعد "ملاذ" عنه قائلة بإرتباك:
- ظافر أنت مش في وعيك!!!!

أقترب منها ليميل مقبلاً عنقها بقسوة جعلتها تدفعه بعيداً صارخة به:
- ظافر بلاش الحركات دي!!!!

نفى برأسه ليقترب منها مجدداً جاذباً خصلاتها بعنف ليهمس بأذنها بقسوة:
- من النهاردة مش هتلاقي غير المعاملة دي.. مهمتك من هنا ورايح تبسطيني.. انا وأنتِ مش هيجمعنا غير السرير!!!!!!

شهقت "ملاذ" بصدمة لتصرخ به بغضب شديد تنفض يداه بعيداً عنها:
- أنت أتجننت أيه القرف اللي أنت بتقوله دة!!!! أنا مراتك مش واحدة من الزبالة اللي تعرفهم؟!!!

قهقه بقوة ليقول بسُخرية:
- تصدقي أن الزبالة اللي أنا أعرفهم دول أشرف منك يا ملاذ!!!!!

أرتدت للخلف مصعوقة.. ليته صفعها، ليته قتلها أو أنهال عليها بالضرب حتى الموت،و لكن كلماته أصعب من ضربه لها، بكت بقوة لتخرج من الغرفة تاركة إياه يبتسم بنصر.. ليلقي بنفسه على الفراش ذاهباً في سبات عميق، قضت "ملاذ" ليلتها في البكاء والعويل على قلبها الذي تم دفنه اليوم، تعلم أنها أخطأت بحقه و من حقه أن يفعل بها ما يشاء.. و لكن هي عشقته، هي حقاً أحبته أكثر من أي شئ..!!!!! سمعت رنين هاتفها لتبحث عنه، وجدته أخيراً لتجد رقم أختها يتوسط الشاشة.. أبتسمت بفرحٍ لتجيب سريعاً قائلة بإشتياق باكٍ:
- براءة.. وحشتيني أوي يا حبيبتي مش مصدقة أنك بتتصلي بيا...!!!!

- أنا اللي قولتله على كل حاجة.. قولتله على وساختك كلها!!!!! أيه رأيك في المفاجأة دي؟!!!!

• • • •
في صباح اليوم التالي...

- فريدة.. فريدة قومي يا حبيبتي أيه اللي منيمك هنا كدا..
قالت "رهف" وهي تحاول إفاقة "فريدة" التي أنتقضت برعبٍ، نظرت إلى "رهف" لتتمسك بيدها قائلة:
- مازن.. مازن كان هنا!!!!

جحظت "رهف" قائلة بعدم أستيعاب:
- مازن!!!! أنتِ متأكدة؟!!!!

أومأت بقوة لتنظر حولها باكية بعنف:
- بس أنا ناديت عليه وكنت خايفة أوي بس هو مرضيش ييجي.. دايماً لما يبقى محتجاله مش بييجي.. أنا تعبت أوي!!!!

ظنت "رهف" أنها كانت تتهئ وجوده، لتسندها حتى تنهض مربتة على ظهرها:
- أهدي يا حبيبتي تعالي نروح على أوضتك دلوقتي..

تشبثت بها "فريدة" تبكي بحُرقة:
- أنا زعلانه منه أوي.. زعلانه عشان ضربني بس مكنتش عايزاه يسيبني دة كله.. رهف خليه يرجع وأنا مش هزعل منه والله!!!

أشفقت "رهف" عليها لتقول بتأثر:
- أنا مكنتش أعرف أنك بتحبيه أوي كدا..!!!

بدت "فريدة" و كأنها لم تسمعها لتهتف بحُرقة:
- ليه بيحب يعذبني دايماً معاه؟! أنا عايزة اشوفه يا رهف خليه ييجي أبوس إيدك!!!!

أصعدتها "رهف" لغرفتها لتدثرها بالغطاء جيداً توعدها أنها ستتحدث مع "باسل" ليبحث عنه...

تركتها "رهف" لتصعد لغرفتها و هي تبكي على حالة صديقتها، هي تعلم شعورها جيداً فهي أيضاً عاشقة.. لا تطيق إبتعاد زوجها عنها، دلفت للغرفة لتمسح دموعها من على وجنتيها، نظرت أمامه فوجدته يرتدي ملابسه و هو ينظر إلى المرآة، لتقف خلفه، و سرعان ما حاوطت خصره دافنة أنفها بظهره العريض لتبكي، صُدم "باسل" منها ليلتفت لها يحتضنها بقلق قائلاً:
- في أيه يا رهف؟!!!

- باسل أنت مش هتبعد عني أبداً صح؟!!!
قالت وهي تشدد على أحتضانه متشبثة بقميصة، ليبتسم مقبلاً خصلاتها قائلاً بتهكم:
- دة أنتِ نكدية وبتعشقي النكد زي عنيكي!!!!

ليكمل قائلاً بحنو:
- أسيبك أيه يا عبيطة أنا عمري م هسيبك أبداً!!!

مسحت دموعها لتبتعد عنه قائلة بإبتسامة:
- ماشي يا بسِلة..!!!

قرص أذنها قائلاً بغضب مصتنع :
- بسلة تاني يا بت!!!!

قهقهت "رهف" لتتقول:
- ايوا أحلى بسلة في الدنيا!!!!
دفعها بعيداً ليكمل إرتداء رابطة عنقه قائلاً :
- متجوز واحدة هبلة والله!!!

ليلقي برابطة عنقه بعيداً مردفاً بنفاذ صبر:
- طب والله م أنا لابسك!!!!

قهقهت "رهف" عليه بقوة لتنحنى تجلبها، وقفت أمامه تمنع ضحكاتها من الخروج مطالعة ملامح وجهه الغاضبة، لتلف الرابطة حول عنقه بإحترافية و هي تعقدها له بمهارة، أنتهت منها لتقف على أطراف أصابعها طابعة قبلة على عيناه السمراء قائلة بحنو:
- تمام كدا؟!!

أبتسم لها وقد زال غضبه بالكامل ليومأ لها، تذكرت "رهف" أمر "مازن" لتقول بتوتر:
- باسل هو أنتوا لية مش لقيتوا مازن؟ فريدة مقطعة نفسها من العياط وصعبانة عليا أوي عايزة تشوفه..

نفى "باسل" براسه متنهداً و هو يقول:
- للأسف كأن الارض أنشقت وبلعته.. مش لاقيينه خالص بس هلاقيه أكيد..

• • • •

أفاق "ظافر" من النوم ممسكاً برأسه بألمٍ، حاول تذكر ما حدث و لكن كل شئ مُسح من ذاكرته، بحث عنها بأرجاء الغرفة ولكن لم يجدها.. لينهض سريعاً متجههاً للخارج، لفت أنتباهه جسدها المتكور على الأرضية الباردة ودموعها التي لم تجف من على وجنتبها، جلس كالقرفصاء أمامها لتمتد أنامله متلمساً دموعها العالقة بأهدابها بسُخرية، نظر لها بضيق،ليمد كفه إلى كتفبها يهزها بعنف لكي تفيق، ولكنه وجد جسدها متراخي تماماً بين يداه،.. قطب حاجبيه ليدير وجهها الشاحب له، وضع أصبع أمام أنفها ليجد تنفسها بطئ ليشعر بالقلق يتغلغل إلى قلبه، نهض ليميل بجزعه واضعاً ذراع أسفل ركبتيها والأخر على ظهرها ليحملها بخفة، أتجه بها نحو غرفته ليضعها على فراشه، جلس بجوارها ليربت على وجنتيها مسترسلاً بنبرة يشوبها القلق:
- ملاذ فوقي.. ملاذ..!!!!

لم تستجيب للمساته ليركض "ظافر" إلى المطبخ، جلب كوب به ماء عائداً لها يسكب القليل في يده لينثر تلك القطرات على وجهها لترمش بأهدابها بضيق، فتحت عيناها ببطئ لتجد ينظر لها بجمودٍ، نهضت جالسة على الفراش لتتذكر ما قالته لها شقيقتها، تساقطت الدموع من عيناها لتنظر له،و بدون مقدمات أرتمت بأحضانه الذي كان دائماً مأوى لها لتجهش بالبكاء، صُدم "ظافر" من فعلتها ليشعر بجسدها المرتجف على جسده وهي تقول بنبرة مهزوزة خرجت باكية رغماً عنها:
- للدرجة دي.. للدرجة دي طلعت أختي بتكرهني.. عايزة تأذيني بالطريقة دي ليه؟!!! ليه مش عايزاني أبقى مبسوطة.. ليه كل الكره دة أنا عملتلها أيه طيب؟!! عملتلها أيه يا ظافر أنا عمري مـ أذيتها.. أنا قربت منك عشان أخدلها حقها من أبوك.. عشان ترجع تحبني.. بس هي دمرتني، خسرتني أكتر واحد أنا بحبه حتى هو بقى بيكرهني.. دمرتلي حياتي!!!!!

أغمض عيناه يصتك على أسنانه بقسوة، كور كفيه بحدة بينما هي تتشبث بأحضانه أكثر تبكي بقوة، تشهق داخل صدره وكأنه إن تركته ستموت، تدفن أنفها بصدره رافضة الإبتعاد، نظر "ظافر" فوق كتفه و هو لأول مرة لم يبادلها عناقها، أغمض عيناه ليشعر بقلبه الذي أصبح قطعة من الجليد، لم يواسيها على بكاءها الذي يعتصر قلبه، لم يخبرها بأن كل شئ سيصبح بخير، هو عاد قاسي كما كان.. عاد "ظافر سرحان الهلالي".. تحامل على قلبه ليدفعها بعيداً عنه ليخرج من الغرفة تاركها تبكي بقوة على قسوته التي لم تعهدها منه..!!!!

دلف "ظافر" للغرفة المجاورة ليستند بذراعيه على المزينة، رفع أنظاره ليطالع وجهه الجامد بالمرآة، عيناه الباردة، قلبه المحطم وروحه المشوهة، أغمض عيناه ليتنهد بقوة، نزع عنه ملابسه ليدلف للمرحاض الملحق بالغرفة كي يغتسل..

خرج بعد عدة دقائق يلف منشفة سوداء على خصره، تسابقت القطرات على جسده تدرس عضلاته القاسية، مروراً بعضلات معدته السداسية، ثم أرتدى حلته السوداء على عجالة لينثر عطره بملامح جامدة، صفف خصلاته بعناية.. ليخرج من الغرفة، مرّ بجانب غرفتها، لم يسمع شئ ليدلف ببطئ، تفحصت عيناه الغرفة ليجدها فارغة تماماً، أسترق السمع للمياة المنهمرة من المرحاض ليهم بالخروج ولكنه وجدها تخرج من المرحاض تحاوط جسدها بمنشفة حمراء اللون، أنتفضت "ملاذ" عندما رأته بوجهها لتتمسك بالمنشفة بقوة منكسة رأسها للأسفل بتوترٍ، لتتساقط قطرات الماء من خصلاتها الطويلة، ومن وجهها.. مروراً بعنقها شعر "ظافر" بقدميه تقوده نحوها، مأخوذاً من جمالها الساحر، ليقف أمامها ..رفع أنامله ليتلمس وجنتها الناعمة ليرفع ذقنها له بدون وعي منه، نظرت له "ملاذ" بعشقٍ لتجد نظرات غامضة، لم تفهمها أبداً ،تعلقت عيناه بشفتيها المرتجفة ليميل بثغره نحوها بلا وعي.. أغمضت "ملاذ" عيناها بشوقٍ تنتظر قبلته التي تشعرها بحبه ، إلا أنها أنتظرت كثيراً، لتفتح عيناها، رأت نظراته الساخرة التي عصفت بها، لمست شفتيه شفتيها ببطئ وبهمس أفعى:
- أنا متعودتش أخُد بواقي حد!!!!!

صُدمت من حديثه لتتجمع الدموع بعيناها بينما أبتعد عنها هو بإنتشاء مربتاً على وجنتيها كأنه سيصفعها..ليخرج من الغرفها تاركها مجرد حُطام أنثى..

• • • •

لازالت لا تصدق ما فعله بزفاف أخيها، ولكنها أبتسمت عندما تذكرت ما قاله، فهي وبرغم كل شئ تعشقه، حتى و إن لم يبادلها هو ذلك العشق، ولكن يكفيها أن تراه أمامها، ولكن الأن بالطبع لن يأتي مرةً أخرى لعدم وجود أخيها، تأففت بحزن لتخرج لوحة الرسم الخاصة به، أبتسمت بقوة وهي تطالع ملامحه الوسيمة والتي أبدعت هي في إيضاحها بقلمها، أكملت تحديد ذقنه النامية وعيناه المرسومة بحِدة، خفق قلبها بعنف و هي تتأمل وجهه، تنهدت لتتجمع الدموع داخل عيناها، ليته يعلم أنها تعشقه منذ صغرها، منذ أن كانت تركض له ليفتح هو كلتا ذراعيه حاملاً إياها بجسدها الصغير مقبلاً وجنتيها الممتلئتان، بخبرها كم هو يحبها، تذكرت ذلك البوم والتي لن تستطيع نسيانه..

عودة للماضي..
عندما كانت تبلغ من العمر سبع سنوات، كانت تبكي في إحدى أرجاء القصر تضم قدميها إلى صدرها، وجهها شديد الإحمرار وعيناها منتفخة بشدة، ألتقطت أذنيها صوته الرجولي القلِق والتي تعشقه هي:
-ملك!!!!

ألتفتت له تحدق به بحزن، لتركض له انحني "جواد" بطوله الفارع يجلس على الأرضية كالقرفصاء ليصل لقامتها القصيرة، تشبثت هي بعنقه تدفن أنفها به، أنفجرت بالبكاء ليحاوطها هو بذراعه المفتول مربتاً على ظهرها قائلاً بتوجسٍ لأنهيارها بتلك الطريقة:
- في أيه يا حبيبتي بتعيطي ليه؟ ظافر زعلك؟! قوليلي مين اللي زعلك طيب؟!!!

نزعت نفسها من بين أحضانه لتفرك عيناها الحزينة بطفولية قائلة:
- في ولد في ال school ضربني على وشي وبياخد السندويتش بتاعي ، ولما كنت عايزة أقول للميس قالي لو قولتلها هضربك تاني!!!!

ضغط على أسنانه بغضب ليمد أنامله يزيل دموعها قائلاً بحنان:
-دة مين الحيوان دة؟ متزعليش يا حبيبتي أنا رايح ال school معاكي بكرة وهشوف الولد دة، خلاص بقا كفاية عياط..

أومأت بحزن ثم أخرج من جيبه قطعة كبيرة من الشوكولا مغلفة لتقفز "ملك" بسعادة، أخذتها من ثم قبلته على وجنته قائلة ببراءة:
- أنا بحبك اوي با جواد!!!!!

عودة للوقت الحالي..
أبتسمت بحزن لتتذكر عندما ذهب معها للمدرسة باليوم الموالي، وعندما غضب على ذلك الفتى و حذره وجعله يعتذر لها عما بدر منه، وأمر المدبرة بفصله من المدرسة نهائياً، أشتاقت لجوادها القديم، لحنانه معها، ولكنه الأن أصبح قاسي لدرجة لم تتخيلها، بارد، كان يعدها بالماضي أنه لن يسمح لأحد بأن يبكيها، أبن وعوده؟ وهي التي تبكي بسببه كل ليلة!!!!

نهضت لتجلب هاتفها لكي تهاتف "ظافر" لتخبره بضرورة أنتقالها إلى القاهرة بسبب جامعتها، وافق "ظافر" بعد إلحاحها يخبرها بنبرة لا تقبل النقاش:
- هتاخدي معاكي دادة فتحية وهتقعدوا في شقة الزمالك، وأنا هبقى أجيلك أطمن عليكي..
واقفت بسعادة لتغلق معه تخبره أن يتذكر توصيل سلامها إلى "ملاذ"..

نزلت إلى الأسفل لتجد والدتها و عمتها "سُمية" بالإضافة إلى "باسل" و "رهف"، ألقت التحية عليهم لتردف بجدية:
- ماما وباسل.. أنا كلمت ظافر و أستئذنت منه أني أنزل القاهرة عشان جامعتي...

أعترضت "سُمية" قائلة بحدة:
- كيف أكده يا بنيتي و هتجعدي فين عاد؟!!!

أغتصبت "ملك" أبتسامة صفراء قائلة بإقتضاب:
- متقلقيش يا عمتو هقعد في شقة الزمالك مع دادة فتحية..

نظرت لها بضيق لتلتفت إلى "رقية" و "باسل" قائلة بقنوط:
- و أنتوا موافجين على اللي هي بتجوله دة؟!!!

ردّ "باسل" بضيق:
- أيوا يا عمتي أنا و ظافر موافقين، ملك لازم تكمل جامعتها وتطلع دكتورة زي مـ هي عايزة..

لتقول "رقية" بإرتباك:
- مدام ظافر و باسل وافجوا يبقى خلاص يا سُمية..

أومأت "سُمية" بعدم أقتناع لتردف "ملك" بجدية:
- أنا هطلع أحضر شنطة هدومي بعد اذنكوا...

قالت "رهف" بإبتسامة لتنهض خلفها:
- أستني يا ملك أنا جاية معاكي..

صعدا الفتاتان إلى غرفة "ملك" لتتجه "رهف" إلى الفراش جالسة عليه قائلة بحزن:
- يعني أنتِ كمان هتسيبيني يا ملك زي ملاذ..

جلست "ملك" بجانبها لتقول بمرح تخفي خلفه حزن ليس له نهاية:
- يا بكاشة أنا هقعد أسبوع ولا أتنين وهاجي أزهقك تاني متقلقيش...

أبتسمت لها "رهف" لتقول:
- ماشي يا لوكا يلا أما نجهز شنطتك..

• • • •

وصل "ظافر" لشركته ليتابع الصفقات التي تنهال عليه، رفض الكثير وقبِل منهم أيضاً، لاحظوا الموظفون غضبه و مزاجيته و عنفه معهم، ليصل "باسل" فوقف أمام مكتبه قائلاً بغرابة:
- مالك يابني أيه العصبية اللي أنت فيها دي، وبعدين ملاذ أزاي تسيبك تنزل من تاني جواز؟!!!

رفع بصره له لينظر له نظرات نارية و هو يقول بحدة:
- باسل.. أسمها مراتك او أي حاجة تانية لكن ملاذ حاف كدا لاء!!!

أبتسم "باسل" ليجلس و هو يقول :
- يآآآه يا ظافر عيشت وشوفتك بتحب أوي وكدة!!!!!

زفر بحدة ليتابع النظر إلى الأوراق التي في يده، قائلاً بجدية:
- صفقة السلاح اللي جاية من إيطاليا أخبارها أيه..

نظر له "باسل" بضيق قائلاً:
- بتسألني أنا ليه أسأل جواد.. ظافر أنا خايف عليك بلاش الصفقات ال**** دي بقا لو سمحت..

نظر له بملل لينهض، ألتفت له ليجلس أمامه قائلاً بسُخرية:
- يابني بطَل عبط بقا، الصفقات **** دي هي اللي عملتلنا أسم..

هتف "باسل" بحدة:
- أنت عارف أخرتها كويس اوي يا ظافر!!!!!

-أخرتها أيه مثلاً؟ الموت؟ طب وأيه يعني كلنا هنموت..

- أخرتها غضب ربنا عليك، أخرتها هتخسر كل اللي حواليك.. أنا كأني شايف أبويا قدامي يا ظافر، أنت خدت منه كل حاجة، قسوته و أنانيته، أبوك مكنش مهتم غير بالشغل والفلوس، كل أعماله كانت مشبوهة، قلبه كان ميت من كتر البلاوي اللي كان بيعملها، شوفت أخرتُه كانت أيه؟!!! سرطان كان بياكل في جسمه لحد مـ قضى عليه تماماً، أنا متأكد أنه دلوقتي بتمنى يرجع للدنيا لحظة واحدة بس عشان يكفر على الذنوب اللي عملها، فكر في كلامي كويس، أنا رايح لشركتي بعيد عن صفقاتك.. سلام!!!!

• • • •
أرتدت "ملاذ" قميصه الأبيض رُغم وجود ملابسها.. إلا أنها أرادت أن ترتدي شئ من رائحته، أبتسمت بحزن عندما وجدت رائحته الرجولية تعلقت بجسدها، لملمت خصلاتها لتعقدهما بكعكة فوضوية جعلتها بمظهر جذاب، ثم جذبت قميصه للأسفل فهو يصل لاعلى ركبتيها بقليل كانت تسير داخل الشقة حافية القدمين ليصدح صوت خلخالها الرقيق الذي يحاوط قدمها، جلست امام التلفاز لتفتحه كي تشاهد شئ لربما يدخل السرور على قلبها، فوجدت قناة الكرتون المفضلة لها لتصفق بفرحٍ، رفعت ساقيها لتسندهما على المنضدة أمامها، مرّ الكثير من الوقت عليها حتى أصبحت الساعة واحدة بعد منتصف الليل، داعب النعاس جفونها ولكنها نهضت سريعاً تعض شفتيها لتقول بقلقٍ:
- هو مرجعش ليه لحد دلوقتي.. يارب يكون كويس ومش حصله حاجة..

ظلت جالسة تعض أظافرها بتوجسٍ، لتسمع صوت الباب ينفتح، رفعت أنظارها بلهفة لتجده يدلف للشقة بوجهه البارد كالعادة، أنتفضت لتتجه نحوه فوقفت أمامه وهي تتفحصه بعيناها كي تتأكد انه بخير، تنهدت براحة عندما تأكدت أن لم يصيبه مكروه، لينظر هو لها بسُخرية، نظرة متفرسة من أعلاها حتى أخمص قدميها .. نظراته أربكتها، وعيناه الزيتونية تتفحصها بنظرات مظلمة،توقعت صراخه عليها لأنها أرتدت قميصه، ولكنه فاجئها ببرودة اللامتناهي و هو يتجاوزها متجهاً إلى غرفته.. تجرأت لتذهب وراءه قائلة بصوتٍ عالٍ:
- ممكن أفهم هنفضل كدا لحد أمتى؟!!
تابعته حتى دلف لغرفته لتدلف وراءه، تنظر له هو يخلع حذائه يتبعه قميصه لتظهر عضلات صدره ، نظرت للأسفل بحرجٍ لتردف بتوتر:
- أنا هستناك برا عشان عايزة أتكلم معاك شوية..

ألتفتت للخلف لتفتح الباب كي تخرج ولكنها وجدت ذراعه تمتد ليغلق الباب بعنف، أمسك بكتفيها ليديرها له بقسوة، أرتطم ظهرها بالباب ليهتاج صدرها بفزعٍ، لفحت وجهها أنفاسه الحارة و هو يحاصرها بذراعيه، وجهه قريب منها لا يفصلهما سوى بعض الإنشات، حاولت بشدة منع نفسها من التحديق بعيناه الزيتونية ، أرادت بشدة إبعاد عيناها عنه ولكن عيناها تأبى أن تترك تلك الحدقتين اللتان أبدع الخالق بها، مازال قربه منها يضعفها ويجعلها تكاد أن يغشى عليها، ينظر لها هو أيضاً يتفحص وجهها الأبيض وعيناها الواسعة السوداء، تزينها أهداب كثيفة، نزل ببصره لشفتيها الوردية والتي ترتجف، ولكنه أبتسم فجأة بقسوة، ليصفعها بكلماته الحادة كنصلٍ مزق روحها:
- أنتِ مش بس طلعتي خاينة وواطية، لاء دة أنتِ كمان غبية ومبتفهميش.. هو أنا مش قولتلك قبل كدة اني مش عايز أسمع صوتك حتى.. أنا بقرف أقعد في المكان اللي أنتِ تبقي فيه!!! بتخنق لما ببقى قريب منك زي دلوقتي.. على أد الحب اللي حبيتهولك بقيت بكرهك.. ومش طايق أسمع سيرتك.. صدقيني هاين عليا اقتلك و أخلص البشر من واحدة زبالة زيك!!!!!

سقط قلبها صريعاً لكلماته، و كأنه أمسك بقلبها الملكوم يعتصره بلا رحمة، دفعته من صدره بقوة، يكفي يكفي إلى هنا، أنهمرت الدموع من عيناها لتصرخ به بقهرٍ:
- لما أنت بتكرهني أوي كدة.. طلقني، طلقني وريح نفسك أيه اللي يجبرك تعيش مع واحدة مش طايقها، طلقني يا ظافر وريح نفسك وريحني!!!!

أبتعد عنها قليلاً ليخرج سيجاره من جيبه ليشعلها بقداحته، نفث دخانها الكثيف لينظر لها بسُخرية قائلاً بنبرة باردة:
- أطلقك؟!!! تبقي بتحلمي، أنتِ دخلتي القفص دة برجلك، ومش هتطلعي منه غير لما أنهيكي، هقضي عليكي تماماً، وبعدين صدقيني أنا لو عليا أطلقك دلوقتي قبل بكرة عشان تتفضحي وسمعتك تبقى في الأرض، بس للاسف سمعتك لو أتبهدلت أنا كمان سمعتي وسمعة شركتي هتتضر، ومش واحدة زيك اللي أخسر شغلي عشانها، أنتِ ليكي شرف أن أسمك مرتبط بأسمي، بس أنتِ حقيقي متستاهليش الشرف دة يا ملاذ ..

ثم أقترب منها قائلاً بنظرات أصابتها في مقتل:
- أوعدك ان حياتك معايا هتبقى جحيم، هخليكي تندمي على اليوم اللي قابلتيني فيه.. هتكرهي نفسك وهتكرهيني، هخليكي تكرهي تسمعي صوتي..

ثم نظر إلى جسدها المغطى بقميصه الأبيض هامساً باذنها بنبرة مخيفة:
- وبالمناسبة.. قميصي اللي عليكي دة ريحتي اللي فيه هتلزق فيكي .. ومش هتطلع غير بـ مية نار يا حياتي!!
دلم تكِف "ملاذ" عن التفكير به، فمنذُ ثلاثة أيام يُقضي نهاره خارج المنزل ويعود فجراً، لم يتحدث معها طيلة الثلاثة أيام..لم تسمع صوته حتى، تشعر بروحها تكاد تخرج من جسدها وهي بعيدة عنه..
حادثتها "رقية" و "فريدة" و "رهف" أيضاً ليطمأنوا عليهم، طلبوا مجيئهم ولكن "ظافر" رفض متعللاً بأعماله و أنهم سيذهيوا لها قريباً، إبتسمت ساخرة وهي جالسة أمام التلفاز مثلما أعتادت الآونة الاخيرة، ولكنها تشعر بأنها جالسة على جمر، قلبها يأن حزناً يطلب مجيئه، عقلها يريد رؤيته أيضاً ولكن ليحطم أنفه العالي، أنتفضت فجأة لتنهض بدون مقدمات تحفر الأرض أسفلها لكي تذهب لغرفة المكتب خاصته، وبالفعل أقتحمت الغرفة دون إستئذان، وقفت تستند على مقبض الباب متوقعة صراخه عليها ولكنه كان يتفحص الأوراق بإهتمام غير مبالي لها، أغتاظت بشدة لتتقدم منه بشراسة، ثم ضربت بكفيها على المكتب مقربة وجهها من وجهه المنحني ينظر للأوراق أمامه، لم يتكبد عناء النظر لها ليقلب أوراقه ببرود، ضاقت عيناها لتضغط بشدة على أسنانها لتقول بنبرة عدائية:
- ظافر!!!!

لم يُبدي أي ردة فعل وهو لازال يتفحص أوراقه، زفرت بإختناق وهي تشعر بغصة بحلقها، نظرت لذلك الكوب الزجاجي الموضوع أمامه لتمسك به ملقية إياه على الحائط أمامها ليحدث صوتٍ دوى في الغرفة، ظل على وضعه وكأنها لم تفعل شئ، بينما أصابتها هي حالة من الجنون لتلقي بمحتويات المكتب بأكمله على الأرض بعنفٍ ليتفاجأ هو بما فعلته، نهض بغضبٍ لو أخرجه لعصفَ بهما، كوّر كفه ليضرب على المكتب بقسوة، يطالعها مُراقب صدرها المهتاج ونظراتها الزائغة، جسدها الذي يرتعش بأكمله وكأنها تقف في مواجهة مُناخ قارص البرودة!!!!
أمسكت برأسها لتضغط عليه بضراوة، ثم أطلقت صرخات عالية أعلنت بها عن نفاذ صبرها وعدم أحتمالها لما يحدث، عدم أستطاعتها على تكبد عناء الأمر برمته، آهات متألمة خرجت من فِيها، ليبدأ بالفعل بالشعور بالقلق على حالتها المرضية تلك، لانت ملامحه قليلاً ليتحرك نحوها، وقف قبالتها ليمد أنامله يقبض على كتفيها في محاولة لتهدئتها، وقبل أن يلمسها أرتدت هي للخلف بعنف قائلة بعينان حمرواتين كالدماء:
- متلمسنيش..إياك تلمسني، أنتَ أيه ها؟، أنتَ فاكر نفسك أيه!!!! ملاك!!!مش بتغلط!!! أنا غلطت وعارفة كدة بس أنا حبيتك و وافقت أتجوزك عشان حبيتك مش عشان أنصب عليك، وياريتني مـ حبيتك يا أخي، أنا شوفت فِيك أبويا اللي ملحقتش أشبع من حنيته عليا، شوفت فِيك أخويا السند، وشوفت فِيك حبيبي!!!
وفي الأخر تقولي إن البنات الزبالة اللي تعرفهم أشرف مني!!!!! للدرجة دي أنا رخيصة في نظرك كدة!!!! لـيـه!!!!!
لاء و تقولي أني المكان اللي هيجمعنا السرير!!!! أنـا بـكـرهـك وبكره اليوم اللي قابلتك فيه و بـكـره نفسي عشان حبيتك!!!!!!!!

أنفجرت بالبكاء لترتجف قدميها حتى كادت أن تنهار على الأرضية ليسرع هو بإسنادها واضعاً ذراعٍ على خصرها والأخر على مؤخرة عنقها جاعلاً من وجهها مقابل لقلبه، حاولت إبعاده بوهن تردد بألمٍ:
- بكرهك...
شدد على عناقها مغمضاً العينان يتمتم بنبرة خافتة:
- شششش أهدي..

أسند ذقنه على رأسها يعانق جسدها الصغير إلى جسده أكثر، يشعر بنصلٍ حاد يمزق قلبه إرباً، ودموعها التي تغرق قميصه يجزم أن قلبه يبكي أضعافها، شعر بجسدها يرتخي تدريجياً ليعلم أنها فقدت وعيها من شدة التعب، أنحنى بجزعه ليضع ذراعٍ أسفل ركبتيها و الأخر على خصرها يحملها بخفة، مضى نحو غرفته ليدفع الباب بقدمه، وضعها على الفراش برفق، ظل منحنياً ينظر لها، مسح حبات العرق التي تكونت على جبينها ليدثرها بالغطاء جيداً، أغلق الأنوار ثم خرج من الغرفة، جلس على أقرب مقعد جاء بطريقه ليخرج لُفافة تبغ بُنية اللون من جيب بنطاله، نفث دخانها بإرهاق واضعاً كفه على مقدمه رأسه، يعلم أنه كان قاسي معها تلك الفترة، ولكنه عشقها، وهي طعنته بسكين في ظهره، حياته معها أنقلبت رأساً على عقب، من الصعب أن يخذلك من كنت تتباهى به!!!!!

• • • •

أحتضنت قدميها لصدرها نائمة على الفراش بوضع الجنين، دموعها تنهار مروراً بوجنتيها حتى الوسادة التي تنام عليها، قلبها ينزف دماً، تشعر أنها ناقصة بدونه، تشعر بأنها بـ مهب الرياح وهي ليست بجواره، لا تعلم أهو بخير أم مكروه قد أصابه، يشتاق لرؤيتها مثلما تفعل هي، قلبه ملتاع مثلها، أَم أنه بارد كعادته، لا تعلم أهي تحبه أم ذلك فقط خوفاً على زوجها، ولكنها تتيقن أنها تتألم بدونه، منذ أن أشتمت عطره بذلك البوم في الحديقة وهي على هذا الحال، تبكي ولكن بصمت، لاتظهر لأحد من القصر أنها تشتاقه، سوى "رهف" التي تعلم بنزيف روحها، تنهدت بوهنٍ لتحتضن كفيها إلى صدرها مغمضة عيناها تدعي ربنا بأن يكون بخير، شعرت بالباب يفتح لتجد "يزيد" يقفز فوقها يقبلها من وجنتيها قائلاً بسعادة:
- ديدة أنا بحبِك..
أبتسمت بألم لتنهض جالسة أمامه، لترفع ذراعيها محاوطة كتفيه قائلة بنبرة خافتة:
- أنا كمان بحبك أوي يا حبيبي.. أيه رأيك نخرج النهاردة؟!!!

ربت على ظهرها بكفه الصغير ليتراقص قلبه فرحاً قائلاً ببراءة:
- بجد يا ديدة هنروح فين طيب؟!!

ابتعدت عنه قائلة بحنان:
- المكان اللي أنت عايزة يا قلب ديدة..

وضع أصبع على ذقنه يفكر في مكانٍ ما يذهبوا له، لتتوسع عيناه قائلاً بسرعة:
- عند عمو مازن!!!!!

ذبلت عيناها ليتهدل كتفيها قائلة بحزنٍ بدى ظاهراً في نبرتها:
- لاء يا يزيد شوف مكان تاني.. عمو مازن عنده شغل وهيرجع بعد كام يوم..

زم شفتيه بحزن ليعود قائلاً بعد ثوانٍ:
- خلاص يبقى نروح الملاهي..!!!

حركت رأسها بإيماءه صغيرة قائلة بعطفٍ:
- حاضر يا عمري..!!!

• • • •

أنتقلت "ملك" للقاهرة برفقة مربية المنزل "فتحية" و التي تعتبرها "ملك" كأمها الثانية، نقلت أيضاً جميع أغراضها بالغرفة بمساعدة "فتحية"، دلفت لغرفتها والتي كانت مطلية باللون الوردي الرقيق لتجلس على الفراش تتصفح صورهُ كالعادة، كم يبدو وسيماً في الحقيقة و في الصور، كم تتمنى لو كان يبادلها مشاعرها، ولكنها عزمت على نسيانه، ستنتبه لحياتها ومستقبلها ولن تفكر به، ولكن داهمها ذلك المشهد في عندما كانت بزفاف أخيها، لتتساؤل بصوتٍ يملؤه الحيرة:
- ليه عمل كدا؟!!! دة كأنه كان غيران عليا، الطريقة اللي ضرب بيها الراجل اللي كان بيعاكسني، لما قالي أن الفستان ضيّق.. الطريقة اللي مسكني بيها..كل حاجة بتدل أنه بيحبني.. لاء.. أكيد لاء ياملك متعلقيش نفسك بوهم من جديد، أنا لسة بحاول ألملم قلبي اللي كسره لما قالي أنه مش بيحبني، أيوا صح هو مش بيحبني.. أنا أخت صاحبه وعشرة عمره يعني زي أخته!!!
انا غبيه ليه ضربته بالقلم.. ربنا يستر و مش يقول لظافر عشان آآآآ..

قاطع أندماجها في الحديث دلوف "فتحبة التي جلست على الفراش بجانبها قائلة بحنو:
- أعملك وكل يابنيتي؟!!

- لاء يا دادة مش عايزة أكل انا هنام..

أومأت "فتحية" مربتة على كتفها قائلة بودٍ:
- طيب يا حبيبتي هسيبك أنا..

كادت أن تذهب لولا يد "ملك" التي تشبثت بها قائلة بنبرة يشوبها التوسل:
- دادة ممكن أسألك سؤال؟!!!

عادت لتجلس قائلة بإستفهام:
- جولي يا ضنايا؟

أبتلعت ريقها لتأخذ نفسٍ عميق، أعتدلت متربعة في جلستها لتقول بصوتٍ بدى به الألم:
- أنا.. أنا صحبتي بتحب واحد أوي، بس هو مش بيحبها.. تفتكري صحبتي دي ممكن تعمل أيه مع الراجل دة؟!!!

أبتسمت "فتحية" قائلة بدهاءٍ:
- مـ يمكن يكون هو كمان عيحبها و رايدها وهي متعرفش!!!!

جحظت عيناها قائلة:
- تفتكري يا دادة!!! بس هو قالها أنه مش بيحبها!!!!

- يا بنيتي صدجيني ياما ناس بتجول أنها متعرفش معنى الحُب، وهُما أكتى ناس يتمنوا يعيشوا الإحساس دة، لكن خلي صاحبتك تشوف عينيه، لو اللسان كدب العين عمرها م تكدب يا حبيبتي...!!!!

خفق قلبها بعنف لتضع كفها تحت ذقنها قائلة بإهتمام:
- بس في ناس يا دادة عنيهم بتبقى باردة وغامضة وكأنها لغز مش بيتحل..

- خلاص يبقى ممكن تعرف أنه بيحبها من أهتمامه بيها.. أو غيرته عليها.. حتى لو هو جال أنه مش بيحبها أفعاله ممكن تقول عكس إكده!!!!

تذكرت "ملك" ما حدث بالزفاف لتعلو وجهها أبتسامة ناصعة وقد أشرق الأمل في وجهها، لتطالعها "فتحيه" بغرابة قائلة بشكٍ وثغرها تشكّل بإبتسامة بسيطة:
- متأكدة أنها صاحبتك؟!!!

جفلت "ملك" لتتمتم بتوترٍ مفاجئ:
- ها؟ أيوا..أيوا يا دادا صاحبتي..

طالعتها بنظراتٍ ذات مغزى لتقول:
- طيب يا حبيبتي أنا هجوم أنام بجى..!!

أومأت "ملك" لتنهض "فتحية" تدلف خارج الغرفة، استلقت "ملك" على الفراش، تضم كفيها أسفل رأسها قائلة بإبتسامة:
- أيوا هو أكيد بيحبني.. وإلا مكنش ضرب الراجل دة عشاني.. أنا عارفة أكيد!!!!

• • • •

أستأذنت "فريدة" من "رُقية" لكي تخرج هي و أخيها، فـ وافقت "رقية" على الفور علها تخرج من حالتها تلك، أرتدت "فريدة" بنطال من الجينز يحدد تفاصيل ساقيها الرفيعتان، و پلوڤر باللون الوردي لتظهر بمظهر شبابي أنيق، وجعلت اخيها أيضاً يرتدي ينطال ثلجي اللون و كنزة ثقيلة تحميه من ذلك الطقس القاسي، أوصلها السائق إلى الملاهي ليترجلا من السيارة حديثة النوع، كان المكان مزدحم -كالعادة- والجميع يمرح ويلعب هنا ويضحك هناك، ليضحك أخيها بسعادة قائلاً:
- فاكرة يا ديدا لما عمو مازن جابنا هنا، ولعب معانا كمان!!!!

ابتلعت غصة عالقة بحلقها لتلتمع عيناها منذرة بدموعٍ كادت تسقط لولا أنها أغمضت عيناها بألمٍ مزق قلبُها!!!

حاولت عدم البكاء لتخطوا بأخيها داخل الملاهي، أقتربت من إحدى الألعاب البسيطة التي تناسب صِغر سن اخيها لتجعله يصعدها ووقفت تراقبه، أخبرته أنها ستذهب ولن تبتعد لكي تقوم بشراء المثلجات لهما وأمرته بعدم التحرك او النزول من اللعبة فهي لن تتأخر، وافق هو على الفور و أنصاع لها.. أبتعدت هي ولكنها كانت تراقبه بعيناها..
و بنقطةٍ ليست ببعيدة عنهم.. كان يراقبها هي..بنظراتٍ ثاقبة تتفرسها، أرتفع الإدرنالين بدمه عندما نظر لما ترتديه، كوّر قبضتيه بقوة و أعصابه تهدد بالإنفلات، يريد أن يذهب لها ليحطم وجهها و يعنفها عما ترتديه، ولكنه تعاهد أن يعاقب نفسه بالإبتعاد عنها.. فقد قرر أن يذهب إلى فرنسا وقد حجز طيارته بعد ساعاتٍ فقط عندما تشرق الشمس،ولكن أراد أن يمتع بصرُه بالنظر إلى وجهها.. و إلى كل حركةٍ تصدر منها، قرر وضع حراسه بعيداً عنها لكي يراقبوها ويتدخلوا إن لزم الأمر، تأكد "مازن" من تلك المدة التي أبتعد بها عنها أنه يعشقها، متيم بها حتى النخاع، لربما هو من أضاعها بغباءه وغروره، ولكنه سيستردها بعد أن يتغير تماماً!!!!
ألتفت لكي يغادر الملاهي بقلبٍ ملكوم، ليصعد سيارته وهو يطالع ضحكاتها مع أخيها، كيف يُخبرها أنه يشتاق لها، لكل شئ صغير بها، كيف يُخبرها أنه أدرك قيمتها عندما أبتعد عنها، كيف يخبرها أن فرصةً ستكن بمثابة حياة جديدة له، سيتشبث بتلك الفرصة بكل ما أوتي من قوة، تنهد بضيق ليذهب بالسيارة سريعاً...

شعرت بقلبها ينتفض من بين ضلوعه عندما قال "يزيد" ببراءة شديدة:
- ديدا أنا شوفت عمو مازن دلوقتي!!!!!

- أيـــه!!!!!!فين يا يزيد...

أشار "يزيد" بإصبعه الصغير إلى نقطةٍ ما قائلاً:
- هو كان واقف هنا وكان بيبصلك كمان!!!!

أرتجفت أطرافها لينبض قلبها حتى شعرت أنه كاد أن يتوقف، لتلتف بسرعة ولكنها لم تجده.. بحثت بعيناها عنه ولم تجده، لتلتف لأخيها قائلة بلهفةٍ:
- بس هو مش موجود يا حبيبي..

أومأ "يزيد" وهو يردف ببساطة:
- أيوا عارف.. هو ركب العربية ومشي!!!!!

نزلت لمستواه لتتمسك بكتفيه قائلة بمقلتي أغرورقتا بالدموع:
- ليه مقولتليش يا يزيد.. ليه!!!!!

أنكس "يزيد" رأسه بحزن قائلاً:
-عشان كل م بجيبلك سيرته بتعيطي زي دلوقتي كدا!!!!!

تنهدت بحُرقة لتعتدل في وقفتها، ألتقطت كفه الصغير ليتجها إلى السيارة، أجلسته بها بجانب السائق لتسترسل له بهدوءٍ:
- لو سمحت هسيب يزيد معاك و 5 دقايق وراجعة على طول مش هتأخر..

أومأ ذلك الرجل كبير السن ذو الخصلات البيضاء قائلاً:
- تأمري يا ست هانم..

اومأت بإبتسامة لتبتعد قليلاً عن السيارة، ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها لتبحث عن رقمه بـ أنامل مرتجفة، وجدته أخيراً لتضغط على الأتصال، وضعت الأهاتف على أذنها لتسمع ذلك الرنين الذي يستنزف روحها ببطئٍ، وقع قلبها أرضاً عندما فُتِح الهاتف على الجانب الأخر..

نظر لأسمها المميز الذي يتوسط شاشة هاتفه، يريد فقط سماع صوتها قبل أن يغادر، وبالفعل ضغط على زر الفتح ليضع الهاتف على أذنه، و لأول مرة يشعر بأن لسانه معقود بمكابلٍ من حديد..

أبتلعت ريقها لتنظر أسفلها، أنهمرت دموعها الساخنة على وجنتيها تحرقها ببطئٍ، وبدون قصدٍ منها خرجت منها شهقة أفرغت مكنون قلبها المتألم، مما جعله يغمض عيناه حتى كاد أن يتراجع عما سيقوله لها، رفعت رأسها ببطىٍ لتتمتم بنبرة مهزوزة:
- مـازن!!!!!

أصدر تنهيداً مشتاقاً لأسمهزالذي يخرج من كرزتيها، لتُكمل هي:
- أنت فين؟!! ليه غاوي تعذبني؟!!!!!

إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة، فهي لا تعلم أنه يتعذب أضعاف عذابها، و أخيراً أسترسل بصوتٍ متحشرج بــارد:
- عايزة أيه؟!!!!

صُدمت من نبرته الجافة، لتضغط على شفتيها بقسوة، قائلة بألمٍ ظهر بصوتها:
- عايزة أيه!!!!! للدرجة دي كارهني كدا؟!!!!

- كويس أنك عارفة، أنا فعلاً بكرهك يا فريدة، وبتمنى الزمن يرجع بيا عشان مرجعش أتجوزك و أغلط الغلطة دي!!!

و كأنه لكَّم قلبها بدون رحمة، شعرت بالهواء يصفعها على وجنتيها، صفعات أفاقتها وجعلتها تعي ما حولها، لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها قوية..ساخرة مما آلت لها حياتها:
- طب مـ أحنا فيها!!!! يلا يا مازن تعالي و أرمي عليا يمين الطلاق، عشان أنا حاسة أني في مسرحية بايخة أوي عايزة أطلع منها بقا!!!!

- لاء يا فريدة، مش هطلقك..مش هديكي حُريتك، هتفضلي تحت رحمتي أنا!!!! أنا لما أزهق منك هطلقك لكن غير كدا أنتِ بتاعتي، فاهمة!!!!!

وضعت كفها على وجهها لتصرخ به بحدة:
- أنا مغلتطش لما قولت عليك مش طبيعي..أنت فعلاً مريض نفسي، وربنا هيوقعك في شر أعمالك!!! أنت بتستقوى ليه!!! فاكر نفسك أيه عشان تبيع وتشتري في الناس!!!!!، بس صدقني قريب هطلّق منك وهكمل حياتي مع حد يحبني حب نضيف!!!! مش حُب مريض زيك، أنا أستحملتك كتير.. وأستنيتك عشان قولت يمكن يكون جواك طفل صغير بتخبيه ورا قسوتك دي، بس أنت شيطان!!!! وعمرك مـ هتتغير!!!!!!

أغلقت الهاتف لتجهش بالبكاء، جلست على إحدى المقاعد الموضوعة أمام البحر بإنهيارٍ حقيقي، كوّرت كفها لتضعها على فمها تكتم شهقاتٍ تسحب الهواء من رئتيها، لتضرب المقعد بكفها الأخر بهستيرية مرددة" غبية..غبية وهتفضلي طول عُمرك ساذجة"،ظلت هكذا عدة دقائق لتنهض بوهنٍ وهي تشعر برأسها تدور بها، زاغت أنظارها وهي تعود للسيارة ببطئٍ، لتصعد بجانب "يزيد" الذي غلبه النعاس فنام، تحرّك السواق سريعاً ليصل للقصر!!!

• • • •

ترجل من السيارة واضعاً يده على قلبه مغمضاً عيناه بألمٍ، فقد عاد قلبه يؤلمه من جديد، أستند على السيارة ليتذكر عندما ذهب للطبيب منذ يومان لكي يفحص نفسه بشكلٍ عام، لاسيما عندما بدأ يشعر بإغماء كثير الفترات الأخيرة، وقلبه الذي يؤلمه أحياناً كثيرة، بالإضافة إلى صعوبة التتفس، وبالفعل حدث ما توقعه، هو مُصاب بـ مرض القلب الوعائي، وتنجم امراض القلب الوعائية عن تضيّق أو تصلب في الأوعية الدموية، تؤدي إلى عدم تلقـّي القلب، والدماغ أو أعضاء أخرى في الجسم كمية كافية من الدم، و أخبره الطبيب بضرورة القيام بعملية جراحية، ولكنه لا يريد القيام بها، فلماذا سيصارع لكي يحيا، ما هدفه بتلك الحياة، بعدما رمى بوجهها تلك الكلمات القاسية، كان يريد أن تكرهه ولا تنتظره، فهي من الواضح أنها عشقته مثلما فعل هو، لهذا لا يريد أن تتعلق به، يريدها أن تتقبل أمر أنه بنسبة كبيرة سيغادر تلك الحياة ولن يعود!!!!!
"صدمتكوا ها؟😂😂"

• • • •

ترجلت من السيارة بأقدامٍ رخوية، بالكاد تستطيع السير عليهما، تاركة السواق يجلب أخيها، أستندت على باب القصر لتطرق بوهنٍ، فتحت الخادمة الباب سريعاً لتجد "فريدة" بحالة يُرثى لها، ولكن لم تستطيع قدميها أن تحملها أكثر لتسقط مغشياً عليها لتصتدم رأسها بالأرض محتضنة إياها، صرخت الخادمة بفزع:
- فـريـدة هـانم!!!!!!

جاءت "رقية" على صوت الخادمة لتصتدم بـ "فريدة" مرتمية على الأرض، لتضرب بكفيها على صدغيها صارخة وهي تميل عليها محاولة إفاقتها:
- فريدة!!!! فريدة جومي يابنتي!!!! مالها فريدة يا بت!!!!

تمتمت الخادمة بلكنتها الصعيدية:
- مش خابرة يا هانم أنا فتحتلها الباب لجيتها أترمت على الأرض إكده...

صرخت بها "رُقية" بعنف:
- أنتِ لسة هترغي معايا عاد، روحي أتصلي بالدكتور ياجي بسُرعة يا بت!!!!!

• • • •

لامست قدميها الأرضية الباردة، مُزيحة ذلك الغطاء عن جسدها، ليرتعش جسدها من برودة الشتاء التي لا تَرحم، بحثت عنه ولكنها كالعادة وحيدة بين تلك الأربع جدران، ألقت نظرة على غرفة المكتب والتي كانت بحالة يُرثى لها لتغمض عيناها لا تستوعب مدى غباءها وما فعلته، نظفت الغرفة تعيد ترتيبها في وقتٍ قياسي، ثم بدّلت ملابسها إلى بلوڤر طويل يصل إلى ما قبل ركبتيها، وأرتدت بقدميها حذاء قطيفة خاص بالشتاء، مشطت خصلاتها الطويلة لتجلس أمام التلفاز بهدوءٍ، وجدت الباب يدق بسرعة لينتفص جسدها، فـ هو بالتأكيد لن يدق الباب لأن المفتاح بحوزته دائماً، فمن سيأتي هُنا!!!، أزدادت الطرقات علواً لتنهض ببطئٍ، أستندت بأذنها على الباب قائلة بحذرٍ:
- مين؟!!!!

- أفتحي يا ملاذ!!!!

جحظت عيناها بقوة لترتعش أطرافها، قائلة بصدمة جلية على وجهها:
- عــمــاد!!!!!!!!
أبتلعت ريقها لتقول بنبرة حاولت أن تجعلها حادة كعادتها:
- أنتَ أيه اللي جابك هنا، وعرفت مكاني أزاي!!!!

قال "عماد" بنبرة خبيثة لم تنتبه لها "ملاذ" :
- أفتحي بس اكيد مش هنتكلم من ورا الباب..

هتفت بنبرة حادة:
- أنت فاكر أني هفتحلك الباب!!!! تبقى بتحلم!!!!

تأفف بضيق لتخطر على باله فكرة ستنطلي عليها، ليهتف بنبرة جادة:
- أنا جايلك بخصوص براءة!!!!

قطبت حاجبيها لتندفع بتهورٍ تفتح الباب سريعاً قائلة بإندفاع:
- مالها براءة!!!!!

أندفعت عيناه تتفحصها لتشعر "ملاذ" بالخطر يحدق بها، لعنت نفسها لغباءها لتقول بحدة شديدة:
- عماد رُد عليا!!!!!!!!! في أيه!!!!

دفعها "عماد" فجأة لترتد "ملاذ" للخلف حتى كادت أن تقع أرضاً، ليغلق هو الباب قائلاً بنبرة ماكرةٍ وهو يتفحصها من الاعلى للاسفل
- في أنك بقيتي زي القمر يا حبيبتي!!!!!!

لم تتردد "ملاذ" ليهوى كفها على وجهها بقوة جعلت وجهه يلتفت للجهة الأخرى، مما جعل الدماء تفور بعروقه ليجذبها من خصلاتها بعنف قائلاً بغِل:
- أنتِ أتجننتي يا **** بتضربيني أنا!!!! قسماً بالله يا ملاذ م هتطلعي من تحت إيدي سليمة الليلة دي!!! مش كفاية بقالي أكتر من 3 سنين شغال مرمطون ليكي!!!! بس أنا هاخد حقي منك النهاردة!!!!! هعمل الحاجة اللي كان نفسي أعملها من زمان!!!!!

حاولت إزاحة كفه الغليظ عن خصلاتها ولكنه فاجئها بصفعة جعلت شفتيها تنزف!!!! تليها عدة صفعات وسط صراخ "ملاذ"!!!!!!

"ظافر هيظبُطك يا معلم"🙂

وبالأسفل.. ضغط "البواب" على أزرار هاتفه القديم ليهاتف "ظافر"، وبالفعل أجاب "ظافر" قائلاً :
- في أيه؟!!!
هتف البواب بقلقٍ:
- بقولك يا باشا في واحد كدا طلع من شوية الدور اللي فيه المدام، وقالي أنه أسمه عماد!!!!!!

أنتفض "ظافر" بصدمة قائلاً:
-أيــــه!!!!!!!! عــمــاد!!!!!!قول للحراس بتوعي يطلعوا يكسروا الباب ويجيبوا الـ**** دة و أنا جاي حالاً

وبالفعل أتى "ظافر" يسبق الرياح في سرعته، توقف بسيارته أمام البناية ليترجل منها تاركاً باب السيارة مفتوحاً على مصرعيه، ركض داخل البناية ليصتدم بالبواب الذي قال بلهفة:
- يابيه الحراس كسروا الباب وجابوا الواد و هو معاهم دلوقتي تحت!!!!

أومأ "ظافر" قائلاً و هو يصعد الدرج بسُرعة:
- أوعى يهرب منكوا.. لو هرب هقتلكوا كلكوا فاهمين!!!!!

صعد "ظافر" ليجد باب الشقة نصف مفتوح، يقتحم المنزل ليجدها جالسة على المقعد جسدها باكمله يرتجف، وجهها غُرق بالبكاء و شهقاتٍ عالية تصدر منها، جسدها ينتفض بين اللحظة والأخرى من شدة البكاء، أندفع ليجلس القرفصاء أمامها محاوطاً وجهها المبتل قائلاً بلهفة وقلقٍ و هو يتفحصها:
- ملاذ!!!! أيه اللي حصل، أبن الـ****** عملِك حاجة؟!!!!
جالت عيناه على وجهها ليجد طرف شفتيها مُلطخة بدماءٍ جافة، صدغها الأيمن متورم شديد الإحمرار، أطلق سبّه نابيه بها توعدٍ عما سيفعله به، لترفع عيناها الباكية له، ثم أنفجرت في بكاءٍ عالٍ، مرتمية في أحضانه بقوة، تتشبث في عنقه كالطفلة مصدره عدة شهقات باكية، مسح على ظهرها و خصلاتها ليقبلهما قائلاً بحنو:
- بس يحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص أنا معاكي محدش هيقربلك!!!!!!

ابتعدت عنه قائلة في محاولة للتحدث لتخرج نبراتها مصحوبة بشهقات أستنزفت روحه:
- أنا.. أنا والله مكنش قصدي.. أ.. أفتحله الباب مكنتش أعرف أنه هيعمل كدا.. والله يا ظافر!!!!!

أمسك بكفيها الصغيرتان ليقبلهما قائلاً بحنان و هو يمسح على وجنتيها:
- عارف يا حبيبتي والله عارف!!!!

حاوطت عنقه مجدداً لتدفن أنفها بتجويف رقبته، شعرت أن "ظافر" القديم والذي عشقها وعشقته هي عاد من جديد، ليربت هو على رأسها مقبلاً صدغها الأحمر بتوعد به بأبشع عقابٍ قد يتلقاه بحياته، وبالفعل قال بنبرة مخيفة:
- ورحمة أبويا هدفعه التمن عُمره!!!!!

أبتعدت عنه لينهض هو جالساً بجانبها ممسكاً بكفيها قائلاً بعطف:
- قوليلي يا حبيبتي براحة أيه اللي حصل بالظبط من الاول..؟؟

أومأت لتقص عليه ما حدث منذ البداية بنبرة خائفة من ردة فعله، إلى أن الدفئ لازال يقبع في عيناه، ليومأ بعدها بهدوءٍ قائلاً بلطف:
- انا رايحله دلوقتي، متفتحيش لحد و أنا مش هتأخر..!!!!

نفت بقوة لتتشبت بذراعه قائلة:
- لاء يا ظافر متسيبنيش، متوديش نفسك في داهية عشانه عشان خاطري!!!!

ربت على كفيها الموضوع على ذراعه ليميل مقبلاً جبينها، ثم نزع كفيها عن ذراعه لينهض غالقاً الباب خلفه، تاركها تجلس على جمرٍ مشتعل

• • • •

وبالفعل ذهب "ظافر" إلى المخزن ليجد حراسه قد قاموا بـإكرامه على أكمل وجه، وجد وجهه متورماً من كثرة الضرب وجسده ليس به جزءاً سليماً، إلى أن رعبه زاد أضعاف عندما رأى "ظافر" أمامه، ليزحف للخلف قائلاً برعبٍ حقيقي:
- صدقني يا بيه هي اللي كلمتني وقالتلي تعالي أنا جوزي مش في البيت!!!! صدقني هي اللي أغرتني عشان أروحلها!!!!!!!

أبتسم "ظافر" بقسوة ليميل له يجلبه من ياقة قميصه، نهض "عماد" وقدميه يرتجفان، ليلكمه "ظافر" بوجهه بقسوة، كاد أن يسقط ولكن "ظافر" أعاد الكُرة حتى بصق "عماد" دماً من فمه، امسكه "ظافر" من جديد ليدفع بركبته ملكماً إياه بأسفل بمعدته ليسقط أرضاً متآوهاً بعنف، سدد له عدة لكمات أخرى بأنحاء متفرقة بجسده، وبقسوة شديدة وضع حذائه اللامع على وجهه ليبكي "عماد" من فرط الذل الذي يعانيه، ليلكمه "ظافر" بوجهه بحذائه مما جعله يبثق أسنانه، لم يكتفي "ظافر" بل مال عليه صافعاً إياه عدة صفعات قاسية على وجهه يسُبه بأفظع السباب!!!!!، لُطخ قميصه بالدماء ويده أيضاً ولم يتركه سوى و هو مغشياً عليه، ليقول إلى حراسه:
- أرموه قدام أي مستشفى!!!!!

تركهم ليذهب إليها بسيارته، صعد بالمصعد ثم دسّ المفتاح بالباب ليدلف، وجدها تنتفض واضعة كفها على فمها بصدمة من قميصه المُغطى بالدماء لتقول بفزعٍ:
- ظافر أيه الدم دة!!!!!

حرر أزرار قميصه واحداً تلو الأخر لتقول "ملاذ" ببكاءٍ:
- أنت قتلته مش كدا؟!!!!!!
وقفت خلفه و هو ينزع القميص لتردف برجاءٍ:
- ظافر عشان خاطري سيبه متوديش نفسك في داهية..

كان جوابها الصمت المميت، تحرك "ظافر" نحو المرحاض ليدلف له بهدوءٍ، تاركها تجلس على الفراش لتنهمر الدموع من عيناها!!!!
بعد فترة خرج يلُف منشفة حول خصره، تاركاً قطرات الماء تتسابق على جسده ، لم يجدها بالغرفة ليتنهد بصبرٍ، أرتدى ملابسه المكونة من بنطال و "سويت شيرت" ثقيل، ليخرج من الغرفة متجهاً نحو غرفتها، فتح الباب ليجدها مستلقية على الفراش متدثرة بالغطاء حتى أعلى رأسها.. تنبعث منها شهقاتٍ خفيفة توحي أنها تبكي، أقترب من الفراش ليجلس بجوارها، نزع الغطاء عن رأسها قائلاً بهدوء:
- مش هتعرفي تتنفسي كدا..

نهضت لتجلس على الفراش قائلة بيأسٍ:
-خليني أموت عشان أرتاح بقا..

قطب حاجبيه بغضبٍ قائلاً بحدة طفيفة:
- بعد الشر عليكي، إياكي أسمع الكلام دة منِك تاني...

نظرت له بحبٍ لتمسك بكفه الأسمر قائلة بنبرة يشوبها البكاء:
- عارف يا ظافر.. رغم كل اللي حصل أنا لسة حاسة أني في أمان معاك..لسة حاسة أني لما ببقى جنبك محدش في الدنيا يقدر يأذيني..

أومأ بهدوءٍ مربتاً على كفها، ليردف بنبرة دافئة:
- أنا أسف على اللي قولتهولك مكنتش أقصد، أنا عارف أن كلامي وجعِك بس أنا فعلاً كنت متعصب شوية.. متزعليش مني..

تركت كفه متذكرة ما قاله لها، لتضم ركبتيها إلى صدرها مستندة بذقنها على رأسها، تاركة خصلاتها الطويلة تسترسل حولها، لتقول بنبرة حزينة:
- أنت عارف كلامك عمل فيا أيه؟!! أنا حسيت كأنك جبت سكينة تِلمة وقطعت فيا، أنا حسيت وقتها أني رخيصة أوي في نظرك!!!

لم يكُن بوسعه سوى أن يجذبها إلى أحضانه، لتتشبث بقميصه تاركة العِنان لدموعها، ظلت تبكي بصمتٍ حتى غفت بأحضانه، ليجعلها تستلقي في وضعٍ أكثر أريحية، تنام بين أحضانه، و هو يشعر أن هو من يحتاج ذلك العناق، ظافر سرحان الهلالي" يعلن أنه يصبح طفلاً بين يداها!!!!!!

• • • •

نائمة على الفراش بسكونٍ تام، وكأنها فارقت الحياة، تلتقط أذنيها عبارات الطبيب التي رنّت في أذنها:
- واضح كدا أن المدام مُرهقة، في ضغوطات عليها خليتها مش قادرة تستحمل، ومناعتها كمان ضعيفة انا هكتبلكوا على ڤيتامينات تاخدها عشان تقوي جسمها شوية، ولازم تهتموا بأكلها كويس

فتحت جفونها التي برّقت بالدموع، لتجد "رقية" تربت على رأسها قائلة بنبرة حزينة:
- جلبي واكلني عليكي ياضنايا، فيكي أيه ياحبيبتي..؟!!

حاولت الجلوس لتساعدها "رُقية" و "رهف"،أمسكت برأسها قائلة بنبرة واهنه:
- سيبوني لوحدي..!!

حاولوا الإعتراض عن تركها وحيدة وهي في تلك الحالة ولكنها أصرّت على ذلك.. ليخرجوا بالفعل تاركين إياها، نهضت "فريدة" من على الفراش لتقف أمام المرآة، تطالع وجهها الباهت، حدقتيها المنطفئة، وجسدها الهزيل، لتتحرك شفتيها قائلة بسُخرية:
- طب وبعدين يا فريدة؟!! هتفضلي كدا قاعدة مستنياه!!!، هتفضلي بتعيطي لحد من يحن عليكي ويرجع؟!!! أيه اللي جرالك أنتِ عُمرك مـ كنتي ضعيفة بالطريقة دي!!!!، أوعي تكوني حبتيه، مينفعش تحبيه يافريدة، اللي زي دة مش بيعرف يحب..معندوش قلب أصلاً عشان يحب بيه، أوعي توقعي نفسك في الحفرة بتاعته، أنتِ فاكرة أنه حبِك؟!! لاء فوقي!!! هو أتجوزك من الأول عشان هدف واحد، بس مبقاش أنا يا مازن إن ما خليتك تندم على الكلام اللي قولته، على الطريقة اللي عاملتني بيها، مبقاش أنا يابن الهلالي!!!!!!

• • • •

- أنتَ جايلك قلب تسيب مراتك كدا أزاي يا بني آدم أنت!!! بقولك أُغمى عليها النهاردة والدكتور قال أنها مش كويسة، أرجع بقا أنت كدا بتعذب نفسك وبتعذبها!!!!
قال "باسل" بنبرة حادة ممسكاً بهاتفه يقف في الشُرفة، بعدما تأكد من عدم وجود "رهف" بالغرفة..
ليتنهد "مازن" قائلاً:
- هرجع يا باسل.. هرجع بس مش دلوقتي!!!!! المهم محدش يعرف أن أنت وظافر عارفين مكاني مش كدا؟!!!

قال "باسل" بتنهيدة حارة:
- أيوا محدش يعرف طبعاً، أنت مسافر فرنسا أمتى؟!!!
- أنا خلاص بجهز شنطتي ورايح المطار.. باسل، خلي بالك منها ومن يزيد، أنا مش عارف إذا كنت هلحق أرجعلها ولا لاء!!!!!

شعر "باسل" بشئٍ سئ أصاب أخيه، ليقول محاولاً سبر أغوار عقله:
- قصدك أيه ياض؟!!! أنت مخبي عليا حاجة صح؟!!!

نفى "مازن" قائلاً:
- لاء يا عم هخبي عليك أيه يعني، وبعدين سلام بقا عشان الطيارة متفوتنيش.

-طيب.. خُد بالك من نفسك، سلام.

أغلقا معاً ليعود "باسل" مرتمياً على الفراش بنعاسٍ، ليجد "رهف" أقتحمت الغرفة صارخة به:
-بـــاســـل!!!!!!

أنتفض "باسل" صارخاً بها بصوتٍ رجولي:
- فـي أيـــه يا بنت الهبلة!!!!!!!

أنفجرت "رهف" بالضحك لتقفز فوقه على الفراش تمسك بوجنتيه السمراء قارصة عليهما قائلة بمرحٍ:
- أتخضيتي يا بسِلة؟!!!

نفض كفيها بعنف قائلاً بصرامة:
- بتهزري مع أبن أختك يا ظريفة؟!!!!

ضربت طرف أنفه بأنامله لتقول بإبتسامة طفولية:
- خلاص متزعلش يحبيبي...

حاوط خصرها بذراعه المفتول ليقلب الكُرّة جاعلاً منها أسفل جسده جاعلها تشهق بصدمة، قال بخبثٍ:
- لاء أنا لسة زعلان..!!!!

حاوطت عنقه لتردف بإبتسامة متغنجة:
- طب وحبيبي أرضيه أزاي بقا؟!!!

مال بثغره على أذنها ليهمس بمكرٍ بكلمات جعلتها تشهق بعنف لتضربه على كتفيه قائلة بحدة:
- أنا الظاهر أتجوزت واحد قليل الأدب أوي!!!!

قهقه ملء فمه ليردف بخبثٍ حقيقي:
- لاء وواطي ومشوفتش دقيقتين تربية على بعض ياحبيبتي..ها؟!! قولتي أيه!!!!

نفت سريعاً قائلة بصرامة:
- لاء مستحيل يا باسل والله عيب كدا..

مال مقبلاً وجنتيها الساخنة من شدة الخجل، ليقول بنبرة خافتة أذابتها حرفياً:
- عيب أيه يا حبيبتي أنتِ مراتي مش شاقطك!!!!!

تأففت بضيق لتعض أصابعها قائلة ببراءة:
- طب أنا هلبسُه وبعد 5 دقايق هقلعه ع طول تمام؟!!

ضحِك من قلبه ولأول مرة يدخل بنوبة ضحك كهذه ليعود برأسه إلى الخلف من شدة ضحكاته، ثم عاد مطالعاً شفتيها المزمومة ليهمس بإبتسامة:
- دي الحاجة اللي أضمنهالك برقبتي طبعاً يارهف!!!!!

وضعت كفها على فمها بصدمة لتقول بعدم أستيعاب:
- أنت بجد قليل الأدب يا باسل أوي!!!!!

أبتسم بشقاوة لينهض من فوقها، ثم جلب ذراعها ليجعلها تنهض أيضاً، نظر لعيناها قائلاً بنبرة بنبرة لا تقبل نقاشاً:
- هو عندك في الدولاب، أدخلي ألبسيه يلا..

ضربت الأرض بقدميها بغضبٍ، لتجلبه من الخزانة ثم دلفت لغرفة تبديل الملابس، كان قميص للنوم باللون الأحمر الذي عزز بياض بشرتها قصير عاري تمام، لم يستر شيئاً من منها، كادت "رهف" أن تبكي من شدة خجلها لا تصدق أنه سيراها هكذا، ارتدت مئزر القميص سريعاً ليسترها ، فردت خصلاتها لتضع أحمر شفاه قاني، خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها لتجده يعطيها ظهره العاري بيده لُفافة تبغ ينفث دخانها، ألتفت لها على حين غُره،ليقترب منها ببطئٍ، كانت تبتعد هي عشرات الخطوات بعيداً عنه حتى أصتدمت بجدارٍ منيع خلفها، ليحاصرها "باسل" بذراعيه، ينظر لعيناها البندقية، ثم رفع أنامله يحاوط وجهها، يميل بشفتيه على وجهها، يطبع قبلاته على كل إنشٍ بوجهها المستدير، لتذوب "رهف" من رقة لمساته...

• • • •

شَعر "ظافر" بإرتجاف جسدها بين يداه، مع تقطيبة حاجبيها والعرق الذي تصبب من جبينها، لتتشبث بقميصه برُعبٍ تهمس بخفوت شديد:
- لاء.. ظافر، ظافر متسيبهوش يعمل فيا كدا يا ظافر لاء!!!!!

حاوطها "ظافر" مشدداً على عناقها متمتماً بقلق شديد:
- شششش بس ياحبيبتي أهدي مافيش حاجة خلاص دة مجرد كابوس..

أنتفضت "ملاذ" برُعب لتفيق على همساته الحنونه، حاوطت عنقه لتترك رأسها مُخدره على كتفه هامسة ببكاء:
- ظافر أنا خايفة!!!!!

حاوط خصرها بقوة ليقبل خصلاتها قائلاً بنبرة دافئة:
- إياكي تخافي و أنتِ معايا!!!!! و رحمة أبويا مـ حد يقدر ييجي جنبك و أنا عايش!!!!!!

شددت على عناقه أكثر لتهمس بخفوتٍ:
- عارفة...

أستلقى على الفراش ورفض تركها، جاعلاً رأسها على قلبه ماسحاً على رأسها، تلك الحرَكة التي تخدرها، تجعلها تنام بسُرعة البرق، وبالفعل نامت "ملاذ" ليغفي "ظافر" أيضاً بجوارها..!!!

• • • •

نهضت "ملك" بحماسٍ شديد، وقفت أمام خزانتها لتفكر ماذا سترتدي..وقعت عيناها على حلةً جلدية لتلتقطها، أرتدت أسفلها بنطال فضفاض من الجينز، ثم أخفت خصلاتها الحريرة بحجابٍ باللون الكشمير الرقيق، أخذت حقيبتها لتضع بها مستلزمات الجامعة، ثم لم تضع سوى أحمر شفاه خفيف اللون، لتتجه خارج الغرفة، داهمتها رائحة طعام شهية للغاية لتُغمض عيناها تاركة تلك الرائحة تتسلل إلى جوارحها، لتتجه إلى المطبخ على الفور قائلة بحماسٍ:
- عاملة أكل أيه النهاردة يا دادة؟!!!
ألتفتت لها "فتحية" لتضربها على رأسها بخفة قائلة بمزاحٍ:
- يابت جولي صباح الخير الأول!!!!!

زمت شفتيها بعبوس لتعود مبتسمة قائلة وهي تشرأب برأسها تنظر للأواني أمامها:
- صباح الخير ياقمر..

ضربت "فتحية" كف على الأخر قائلة بحسرة:
- البت أتچننت..

ثم أكملت بصرامة زائفة:
- اوعي يابت عشان أحضرلك الفطار جبل مـ تمشي..

خرجت سريعاً من المطبخ ت قائلة بصوتٍ عالي حتى تسمعها:
- لاء يا دادة أنا همشي مش عايزة أتأخر على المحاضرة بتاعتي..!!!وبعدين ريم مستياني تحت البيت...

خرجت "فتحية" راكضة ورائها تقول:
- أستني يا ملك..!!!!

ألتفتت "ملك" لها قائلة بإهتمام:
- أيوا يا دادة؟!!!

أقتربت "فتحية" منها تقول بحذرٍ وهي تربت على كتفيها:
- خلي بالك يابتي أنا مش برتاح للي أسمها ريم دي أبداً!!!!!

قطبت"ملك" حاجبيها بغرابة لتسألها:
- طب وأنتِ تعرفيها منين يادادة؟!!!!

- أنتِ ناسية يابتي أنها كانت بتچيلك القصر، و أنا كنت بحس أنها بتيچي عشان تلعب على مازن أخوكي..بلاش ياضنايا الصاحبة اللي زي دي!!!!!

أعتقدت "ملك" بأنها تتوهم سلوك صديقتها الحبيبة، لتقول بسذاجة:
- يا دادة دي ريم دي حتة سُكرة وجدعة أوي!!!!، وعلى العموم متقلقيش أنا هاخد حذري منها.

• • • •

تأففت المدعوة "ريم" بغلٍ لتقول بنبرة مليئة بالحقد المتوقد بنيران مستعرة داخلها:
- يا ساتر أما باردة بشكل!!!! هفضل واقفة مستنية الهانم كدا!!!! يلا إن كان لك عند الكلب حاجة قوله ياسيدي، أهي بتوصلني بعربيتها ورحماني من المواصلات وقرفها!!!!!!

وجدتها تخرُج من البناية لتصتنع إبتسامة صفراء على الفور، ثم إتجهت لها لتحتضنها بحُبٍ زائف قائلة:
- وحشتيني أوي يا لوكا!!!!! عاملة أيه يا حبيبتي!!!!

بادلتها "ملك" العناق على الفور لتقول ببراءة حقيقة:
- انتِ كمان يا ميمو وحشتيني أوي والله!!!!

أبتسمت "ريم" لتبتعد قائلة بعجالة:
- طب يلا بقا بسرعة عشان منتأخرش ع المحاضرة.. العيال بيقولوا ان الدكتور أتغير وجِه مكانه دكتور سخيف جداً مش بيرحم حد!!!!

قطبت حاجبيها بإنزعاج لتتجه لسيارتها قائلة بضيق:
- أصلاً المادة صعبة وكمان يجيلنا دكتور يكرهنا فيها أكتر!!!!! يلا أركبي..

أستقلتا السيارة لتقود "ملك" سريعاً..!!!
وصلا للجامعة لتصف "ملك" سيارتها، ثم ترجلتا منها ليتجها معاً للداخل، شعرت "ملك" ببطنها تؤلمها من شدة الجوع لتقول إلى "ريم" سريعاً:
- بقولك أيه يا ريم أنا مفطرتش..روحي أنتِ المحاضرة بسُرعة و أنا هجيب حاجة من الكافتريا أكلها على طول مش هتأخر..

حذرتها "ريم" قائلة:
- طب متتأخريش يا ملك..

أومأت "ملك" سريعاً لتتجه إلى الكافتريا..أخذت شطيرة من الشاورما لتقضم نصفها بشراهة، ثم وضعت النصف الأخر بحقيبتها ثم أخذت تركض إلى المحاضروة، لتكتم شهقة متألمة كادت أن تخرج من فِيها لقدميها التي أُديرت بشكلٍ مُفاجئ حتى كادت أن تسقط على الأرض لولا توازن جسدها، أنحنت لتتفحص قدمها لتجدها قد تورمت مع إحمرار شديد بها، تحاملت على نفسها لتتحرك ببطئ حتى وصلت إلى المدرج، دلفت بخطوات متعرجة بحرجٍ لتردف بعد أن شعرت بأنظارهم موجهة لها:
- أنا أسفة يا دكتور على التأخير بس أنا آآآ...

ألتفت لها أستاذها الجامعي، كان ذو جسدٍ بدين يرتدي نظارة دائرية، كانت عيناه تقدح غضباً، ليسترسل بها بنبرة عالية:
- و أنتِ لسة فاكرة تشرفي؟!!! أتفضلي برا أنا محدش يدخل بعدي!!!!! و أعملي حسابك أنك شايلة المادة بتاعتي، يلا برا!!!!!!
برقت عيناها بالدموع فـ بالإضافة لقدميها المتورمة يأتي هو ليُزيدها أكثر عليها، ألتفتت لتذهب وسط همسات الطُلاب، لتخرج سريعاً من المُدرج، جلست على الدرج لتتفجر بالبكاء كطفلة صغيرة أضاعت طريقها، بحثت في حقيبتها عن هاتفها لتخرجه، عبثت بشاشته ثم حاولت الإتصال بـ "ظافر"، ولكن لسوء حظها وجدته مغلق، هاتفت "باسل" أيضاً ولكنه لم يرد، ثم أخذت تنظر إلى رقمه بحيرة، وبالفعل ضغطت عليه، وضعت الهاتف على أذنها بترددٍ، ليقع قلبها أرضاً عندما سمعت صوته الرجولي يردف:
- مَلَك!!!!!!!
لا تعلم لما شعرت بأنها تريد البكاء، فـ لمجرد سماع صوته بالهاتف أخذت عبراتها تنهار على وجنتيها، لتطلق شهقاتٍ باكية جعلته ينتفض من مكانه قائلاً بصوتٍ عالٍ:
- أنتِ بتعيطي!!!! أنتِ فين قوليلي عشان أجيلك!!!!!

مسحت دموعها لتردف بنبرة باكية:
- أنا في جامعتي هنا في القاهرة..

أخذ مفاتيح سيارته من على مكتبه ليقول سريعاً:
- طيب أنا جايلك متتحركيش من عندك سامعة!!!!!

- حاضر..
• • • •

أستقل سيارته ليتحرك سريعاً، وكأنه يسابق الرياح، فصوت بكائها كافي بجعله يصبح أشبه بالمجنون، ضغط على المقود بشدة حتى أبيضت مفاصله، ليصل بالفعل أمام الجامعة في وقتٍ قياسي، دلف ليهاتفها حتى يعلم أين هي، شرحت له مكانها ليصل لها، وجدها جالسة على الدرج عيناها حمراء منتفخة أثر بكائها، ليجلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها، يقول بصرامة:
- مين بقا اللي مخليكي في الحاله دي عشان هشلفط وش أمه دلوقتي!!!!!

أزداد بكائها أكثر لتقول بنبرة حزينة:
- الدكتور طردني من المُدرج عشان أتأخرت وقالي أني هشيل المادة..!!!

ثم أشارت إلى تورم كاحلها قائلة بنبرة بريئة:
- بس أنا والله رجلي أتشنجت ومش عارفة أمشي عليها من ساعتها، والله مكنتش أقصد اتأخر يا جواد!!!!!

نظر إلى قدمها المتورمة ليعود بأنظاره إليها قائلاً بصرامة:
- فين رئيس المخروبة دي؟!!!!

نفت برأسها لتمسح بأناملها دموعها قائلة:
- لاء يا جواد أنا عايزة أمشي بس لو سمحت..!!!

أزداد علو صوته قائلاً بحدة وهو ينهض:
-ملك ملكيش دعوة بالموضوع دة دلوقتي!!!!، دة بقى يخصني أنا..!!!!!

أستندت على مسند الدرج لكي تقف ولكنها أطلقت شهقة متألمة لتستند بعفوية على كتفه، أمسك هو ذراعها قائلاً بلهفة:
- على مهلك..!!!!

أمسك بكفها ليحاوط بذراعها عنقه، أعترضت هي على فعلته قائلة:
- لاء سيبني أنا هعرف أمشي!!!!

لم يعيرها أهتمامٍ لينزل بها على الدرج برفق، حاولت أن تُبتعد عنها قائلة:
- يا جواد...
-مـ تهدي بقا!!!!!!
قال بصرامة موجهاً لها نظرات حادة جعلتها تصمت، تُخفي إبتسامتها عنه، تيقنت الأن أنها لا تحبه..بل تعشقه!!!!!!

• • • •

أتجهوا بالفعل لغرفة الرئيس الجامعي، و عِندنا علِم بهوية "جواد" فُزع من سلطاته، ليأمر سريعاً أستاذها الجامعى بالحضور على الفور، وبالفعل حضر، وفور أن دَلف للمكتب رمقها بنظرة مشمئزة لييقف أمام الرئيس قائلاً بهدوء:
- حضرتك طلبتني في حاجة يا فندم؟!!!

- أيوا فيه يا أستاذ مُنير، أيه اللي صدر من التلميذة بتاعتك دَفعك تعاملها بالإسلوب دة...

وضع "جواد" قدمٍ على الأخرى لينفث سيجارته بتركيز بينها هي بجواره على مشارف البكاء، ليهتف المدعو "مُنير" قائلاً بفظاظة:
- بصراحة يا فندم الهانم فاكرة أنها جامعة أبوها تدخل وقت مـ هي عايزة وتخرج وقت مـ هي عايزة جيالي متأخرة على المحاضرة و واضح كدا أنها أنسة مش محترمة و آآآ....

لم يشعُر "مُنير" سوى بلكمة جعلته يرتمي أرضاً، تليها عدة لكمات قوية جعلته قاب قوسين أو أدنى من الموت!!!!!!!.
وسط عيناه التي تقدح شرراً، يقف بهيبة واضعاً كفيه بجيب بنطاله، ليخرجهما نازعاً سترته التي ربما تقيد حركته، لتنظر له "ملك" بخوفٍ مما هو مقدم عليه، ليشمر عن ساعديه التي ظهرت بهما العروق جلية ثم أخذ يتقدم منه متأهباً للإنقضاض، وقف أمامه ليتراجع الأخير خوفاً، ولكنه لم يعطيه الفرصة للفرار، ليرفع ركبته ضارباً بها بأسفل معدته، تلوى الأخير ألماً ليرتمي على الأرضية صارخاً بوجعٍ، سدد له "جواد" العديد من اللكمات التي جعلته يتقيئ دماً، لينحنى لها يمسك به من تلابيبه بكفٍ، والأخر يلكمه بها بقوة جعلته يكاد يبصق أسنانه، ليُقبل كفه هاتفاً برعب:
- أخر مرة ياباشا والنبي!!!! أبوس إيدك!!!

جحظت"ملك" برعبٍ لتهرول نحو "جواد" متحاملة على قدميها تتمسك بذراعه قائلة برجاءٍ لتترقرق الدموع بعيناها:
- جواد كفاية عشان خاطري خلاص!!!!!

أزاحها من أمامه بلطفٍ ليرمي بكلماته على المرتمي أسفل قدميه:
-مشوفش وش أمك هنا!!!!!

أومأ الرجل سريعاً بإرهاق ليلتفت "جواد" للمدير الذي وقف بعدم أستيعاب لما يحدث بمكتبه، ليهدر "جواد" به بعنفٍ:
- أطلب الأمن يرموه برا!!!!

أومأ المدير سريعاً ليرفع سماعة هاتفه الأرضي يطلب من الأمن المجئ..
جذب"جواد" رسغها ليسحبها خلفه بضراوة، سارت معه بإستسلام لترى جميع الأنظار تلتفت لهما، منهما "ريم" التي ركضت لهما، أمسكت بـ "ملك" قائلة بفزع :
- ملك أنتِ كويسة أيه اللي حصل!!!؟

ربتت "ملك" على يدها قائلة بوهن:
- أنا كويسة ياريم متقلقيش!!!!

رفعت "ريم" أنظارها إلى "جواد" تطالعه بإعجابٍ، لتمد يدها له قائلة بنظراتٍ يعملها جيداً:
- أنا ريم صاحبتها!!!!

نظر ليدها المُعلقة بالهواء بسُخرية ليقول بنبرة متهكمة:
- أهلاً!!!!

ثم شدد على ذراع "ملك" ليسحبها خلفه تاركين "ريم" يجن جنونها!!!!
• • • •
سارت "ملك" وراءه بضيق ليقفا أمام سيارته، نفضت كفه صارخة به بعصبيه:
- أنت بتجُر بهيمة ولا أيه أنت أتجننت!!!!!!

جمدت نظراته لينقبض فكه، تقدم منها خطوة صغيرة قائلاً بتحذير أرعبها:
- لما تكلميني صوتك يبقى واطي، إياكي تعليه عليا!!!!!

نظرت له بغلٍ حتى كادت أن تذهب من أمامه ليمسك ذراعها بغضبٍ، مشدداً عليه لدرجة جعلتها تقطب حاجبيه ألماً، لتردف بعنفٍ:
- سيب إيدي يا جواد!!!!

-أنتِ فاكرة نفسك رايحة فين؟!!!
هتف بشراسة ليعيدها إلى محلها أمامه، تاركاً رسغها الذي تركت أصابعه أثرها على يدها، أشار لسيارته بجمودٍ قائلاً:
- أركبي!!!!

نفت برأسها قائلة بنبرة متألمة:
- مش هركب معاك أنا معايا عربيتي،و سيبني لو سمحت أمشي في حالي، كفاية لحد كدا!!!!
أخذت الدموع طريقها إلى عيناها لترتجف شفتيها بقهرٍ..

لانت صفحات وجهه عندما رأى دموعها والتي يخضع أمامها، ليردف بلُطفٍ:
- طب أهدي و أركبي يا ملك، مش هينفع أسيبك تمشي لوحدك..!!!

رفعت أنظارها له لترى عيناه الخضراء التي تجعلها بعالمٍ آخر، وبالفعل تحركت ببطئ لتحتل مقعدها، صعد هو أيضاً بجانبها ليتحرك بالسيارة سريعاً..

نظر لها بطرفٍ عيناه ليجدها ملتصقة بالباب تقضم أظافرها بتوترٍ، ليلتوي ثغره بإبتسامة قائلاً:
- أنتِ متأكدة أن عندك 19 سنة وكبيرة وعاقلة المفروض؟!!!

نظرت له مُيضقة عيناها، لتبعد أظافرها عن فمها زامة شفتيها بعبوس قائلة:
- عندك شك يعني؟!!!

أطلق ضحكة رجولية جعلتها تلتفت له قائلة بغيظ:
- قولت نكتة أنا دلوقتي؟!!!

عاد لجديته قائلاً ببرودٍ:
- هتروحي فين؟!!

جحظت عيناها قائلة ببلاهة:
- أنت بشخصيتين صح!!!!!

أومأ لها قائلاً بجدبة تامة:
- أيوا أنا فعلاً عندي أنفصام، بس محدش يعرف ودة اللي كنت بحاول أخبيه، وشخصيتي التانية وحشة مش هتبقي عايزة تشوفيها!!!

شهقت بعنف لتضع يداها على فمها بصدمة، أغرورقت عيناها بالدموع قائلة:
- طب أنت محاولتش تتعالج؟!!، ليه مقولتش!!! المرض دة صعب أوي والله!!!!!!

- حاولت كتير، بس كله قالي أن حالتي مينفعش معاها علاج!!!!
قال بتأثرٍ زائف مركزاً أنظاره على الطريق، يكتم ضحكة كادت أن تنفلت منه، وبات يتيقن أنها لازالت طفلة كما هي..طفلته!!!!
رفع حاجبيه عندما وجدها تطلق شهقات خافتة جعلته يسرع بصف سيارته سريعاً، ليلتفت لها بقلق قائلاً:
- بتعيطي ليه؟!!!

فركت عيناها كالأطفال قائلة بحزنٍ حقيقي:
- عشان أنا مكنتش أعرف أن عندك المرض دة!!!

أبتسم على طفلته ليقول بحنو:
- أنتِ صدقتي يا ملك؟!! أنا بهزر معاكي مافيش حاجة من دي!!!!!

رفعت عيناها له دقائق تستوعب أنه كان يمزح، لتردف بضيق:
- يعني أنت كنت بتضحك عليا!!!!

صمتت دقائق لتلتفت للأمام قائلة بجمودٍ:
- روّحني البيت..!!!!

أدرك "جواد" أنها لم تتقبل مزحته الثقيلة ليقول محاولاً التبرير:
- أنا كنت بهزر!!!!

ظلت تنظر أمامها بتذمرٍ قائلة بنبرة لا تقبل النقاش:
- روّحني لو سمحت!!!!

نظر لها بضيقٍ ليلتفت ممسكاً بالمقود حتى أبيضت عروقه، ثم ذهب إلى شقتها حسب ما وصفت له العنوان، وقف أسفل البناية ينظر أمامه بجمودٍ، لتترجل "ملك" صافعة الباب متجهة نحو بوابة البناية، ليتابعها "جواد" بنظراته الفارغة، قائلاً بنبرة غامضة:
- لازم تعرف كل حاجة!!!!!!

صعدت "ملك" إلى الشقة بخطواتٍ متعرجة لتقابلها "فتحية" التي ضربت على صدرها بصدمة قائلة وهي تركض لها لتساندها:
- إيه اللي حُصل يا حبيبتي بتعُرچي ليه ياجلبي!!!!

أجلستها على الأريكة لتردف "ملك" بتعبٍ:
- متقلقيش يا دادة أنا بس أتخبطت خبطة صغيرة مافيش حاجة صدقيني!!!!

ربتت على خصلاتها قائلة بحزن:
- سلامتك يا حبيبتي روحي أرتاحي على فرشِتك و أنا هچبلك الوكل عندك..

أومأت "ملك" فهي بالفعل تحتاج للراحة، لتُسندها "فتحية" نحو غرفتها، تساعدها في تبديل ملابسها ثم جعلتها تستلقي على فراشها لتُدثرها بالغطاء جيداً، ثم خرجت تغلق الأنوار عليها، لتنتفض "ملك" قائلة بهيستيرية:
- لاء يا دادة سيبي النور..سيبي النور!!!

تراجعت "فتحيه" لتفتح الأنوار قائلة سريعاً:
- أسفة يا ضنايا نسيت أنك بتخافي من الضلمة أعذريني!!!!

أومأت "ملك" وقد بدأ جسدها بالإرتجاف لتختفي أسفل الغطاء، مُغمضة عيناها برعبٍ تردف بخفوتٍ، ونبراتها مرتعبة:
- لاء يا بابا متحبسنيش في الأوضة دي، لاء يا بابا والنبي أخر مرة!!!!!

بكّت "ملك" بقوة وقد بات جسدها ينتفص، ليرّن هاتفها وكأنه يعلم ما تعانيه حبيبته، جلبته "ملك" لتنظر لشاشته التي أُنيرت بإسمه، ضغطت على زر الإيجاب قائلة بصوتٍ خافت:
- ألـو..!!!

أستشعر "جواد" نبرتها الباكيةة والمهتزة ليردف بتساؤلٍ متوجس:
- صوتك ماله؟!!!

أبتلعت ريقها قائلة وهي تحاول التحكم في إرتعاش جسدها وصوتها معاً:
- مافيش حاجة، أنت..أنت بتتصل ليه!!!!

أغمض عيناه يحاول التحكم بأعصابه ليضرب المقود بكفه صارخاً به:
- ردي عليا صوتك ماله بقولك!!!!!

صرخت هي الأخرى ببكاءٍ قائلة:
- والله مافيش حاجة طيب!!!!

مسح على وجهه ليطلق تنهيدة ينفث بها عن غضبه، ليردف بعد دقيقة بنبرة حانية:
- طب أنا واقف تحت أنزليلي!!!

أنتفضت "ملك" لتهدر بعصبية:
- جواد اللي أنت بتعمله دة مينفعش، حرام أصلاً كلامنا واللي حصل الصبح و أنا مش هسمح أنه يحصل مرة تانية!!!!!

شعر "جواد" بضرورة أخبارها بما حدث، ليهتف بهدوءٍ بارد:
- طيب أنزلي و أنا هفهمك كل حاجة، و أنا مش عيل صغير و عارف أنا بعمل أيه يا ملك،و صدقيني لو منزلتيش دلوقتي هطلعلك أنا!!!!

ضربت على رأسها من أفعاله لتقول وهي تعلم أنه لن يصعد إلى هُنا و أنه فقط يخيفها:
- مش هنزل يا جواد!!!!

فجأة وجدت الخط ينقطع، لتنهض واقفة بتوترٍ، ولكن عقلها يطمئنها قائلاً:
- لن يستطيع المجئ إلى هُنا، لا تقلقي!!!!

أخذ قلبها يخفق بقوة، ومعدتها باتت تؤلمها من فرط توترها وبالفعل وجدت من يفتح باب الغرفة بعنفٍ، لتصرخ "ملك" برعب واضعة كفيها على فمها، قائلة بعدم تصديق:
- أنت أكيد أتجننت، أزاي دخلت هنا و أزاي دادة فتحية فتحتلك، جواد اللي أنت بتعمله دة مينفعش و هتودينا في داهية وظافر وباسل ومازن كمان لو عرفوا هنروح في داهيه و أفرض حد شافك و أنت طالع هنا و أنا واقفة بالبيچامة وبشعري و آآآ!!!!

وجدته يتقدم منها بعصبيه واضعاً كفه على فمها و الأخر أمسك به بعنقها من الخلف هادراً بغضب:
- أفصلي شوية أيه راديو يخربيتك!!!!!

جحظت بعيناها لتضع أناملها على كفه الخشن تحاول إبعاده ولكنه ظل شارداً بها، بعيناها الواسعة وبشرتها البيضاء، خصلاتها التي لأول مرة يراها منذ أن كبرت، كم أصبحت طويلة تصل لِما بعد ظهرها، و تلك الكنزة الخفيفة الملتصقة بها، مع بنطال من نفس اللون الأبيض ذو نقشات بسيطة، ليتصاعد بعيناه إلى عيناها المرتعدة، لينزع كفه ماسحاً على وجهه، ليُمسكها من كتفيها يجلسها على الفراش، ثم جلس بجوارها ممسكاً بكفيها معاً، يردف بهدوء وصبر:
- أنا اللي هقولهولك دة صعب، أنا عارف أنك مش هتستوعبيه، بس أنتِ لازم تعرفيه يا ملك..

خفق قلبها بعنف لتردف بخفوت:
- في أيه ناوي تقولي سر من أسرار الدولة ولا حاجة؟!!!

جمد وجهه ليقرب وجهه من وجهها هامساً:
- الموضوع كبير ومتهزريش فيه..
أبتعدت عنه زامة شفتيها قائلة:
- طب قول يا جواد عشان وضعنا دة مش تمام و أنا قاعدة قدامك كدا بالبيجامة!!! قول بسرعة بقى و أمشي!!!!

أومأ متنهداً بتفكير كيف سيُخبرها، لينطق بعد ثوانٍ:
- ملك أنتِ مراتي، من و أنتِ صغيرة ظافر و أخواتك كلهم صمموا أني أكتب عليكي، لما كانوا بيشوفوا أنا بعاملك أزاي و أد أيه انتِ متعلقة بيا، وقتها كان عندك حوالي 10 سنين ومكنتيش فاهمه حاجة، طبعاً اللي حصل دة كان غلط لأنه يعتبر جواز قاصرات عليه سجن وحُكم، بس طبعاً مكنش في حد يقدر يتكلم أصلاً مع عيلة الهلالي، كل عيلتك وعيلتي عارفين أنك مراتي بس خبوا عليكي وقالوا نصبر شوية ونقولك، بس أنا مقدرتش وقولت أنك لازم تعرفي بـ دة!!!!!

وثبت "ملك" من على الفراش تبتعد عنه لتترقرق عيناها بالدموع قائلة بنفيٍ تام غير مستوعبة ما يحدث:
- أنت كداب، مستحيل أهلي يعملوا كدا أنت بتكدب يا جواد!!!!

ثم أشارت إلى الباب قائلة بصراخ و أنهيار أقلقه عليها:
- أطلع برا البيت، أطلع مش عايزة أشوفك تاني !!!!

نهض يقترب منها محاولاً لمس وجنتيها في محاولةً منها لتهدئته لتنفض كفيه صارخة به بجنونٍ:
- أبعد عني متلمسنيش إياك تلمسني، أنت مش جوزي يا جواد مش جوزي!!!!

دلفت "فتحية" بقلق لتقول بتوجسٍ:
- في أيه يا بنتي!!!!

ركضت لها "ملك" ممسكة جلبابها تقول في بكاءٍ ينفطر له القلب:
- ألحقي يا دادة بيقولي أنه جوزي وأن أهلي جوزوني ليه و أنا 10 سنين، دادة أنتِ أكيد كنتي موجودة ومافيش حاجة من الكلام دة حصل، قولي له يا داداة أني مش مراته!!!!!

نظرت لها "فتحية" بألم عليها، فهي كانت من القانطين على تلك الزيجة، فهي تعتبرها طفلتها التي لم تنجبها، لتجذبها لأحضانه تقبل خصلاتها قائلة بحزن:
- أهدي يا ضنايا، چواد بيه كلامه صحيح مش بيكدب أنتِ حجيجي مراته!!!!!

نزعت نفسها من أحضانها بشرود مبتعدة عنها، قائلة بنبرة جامدة:
- اطلعوا برا، مش عايزة أشوف حد هنا!!!!

أشار "جواد" إلى "فتحية" بالخروج بعيناه التي تشبه الصقر، لتخرُج بالفعل وهي تتحسر عليها، ليقترب منها "جواد"، بخطوات بطيئة وهي شاردة في اللاشئ، تُلصق جسدها بالحائط خلفها، وثب أمامها ثم بهدوء حاوط كتفيها بذراعيه المفتولين يُقربها منه، جاعلاً من رأسها على كتفه، مربتاً على خصلاتها بحنو، يقبل رأسها برفقٍ شديد ثم مسح على ظهرها هامساً بخفوت:
- أهدي، أنا عُمري مـ هأذيكي متخافيش مني!!!!

دفنت رأسها بصدره لتجهش في بكاءٍ عنيف، ليبعدها عنه محاوطاً وجهها يُزيل دموعها بإبهاميه، قائلاً بحنو:
- قوليلي طيب بتعيطي ليه!!! لو أنتِ مش عايزاني جوزك يا ملك مش هجبرك و نروح لأقرب مأذون وهطلقك ويغور أي حد!!!!

نفت سريعاً برأسها ليبتسم هو مربتاً على وجنتيه بأبهامه:
- يعني عايزاني جوزك؟!!!

أسقطت بنظراتها أرضاً ليمسك هو بذقنها يرفع وجهها له، ليجعل عيناها مثبتة على عيناه، قائلاً بإبتسامة:
- بتحبيني يا ملك؟!!!

شعرت بإلتهاب وجنتيها لا تعلم من الحرج أم من أنامله التي سببت لها رعشة قوية، لتنزوي شفتيها بإبتسامة صغيرة، ليضحك هو حتى ظهرت غمازته اليمنى، قائلاً بعبث:
- خلاص وصلني ردِك، أنا أساساً كنت عارف دة!!!!!

أبعد خصلاتها عن وجهها مكوباً وجهها ليردف بلطف:
- أومال بتعيطي ليه دلوقتي!!!!

نظرت له قائلة بحزن:
- عشان أتجوزت و أنا صغيرة أوي، و أول مرة أحس أني أهلي مش بيحبوني أوي كدا، وعشان كنت فاكرة أنك عُمرك مـ حبتني، و أنك مغصوب عليا..، ليه يا جواد قولتلي أنك مش بتحبني؟!!!

ربت على خصلاتها قائلاً:
- مكنتش عايزك تتعلقي بيا، عشان كنت فاكر أني ممكن أسيبك، بس أنا عُمري مـ هسيبك أبداً، و أهلك بيحبوكي على فكرة، و أنتِ أغلى حاجة عندهم.. وعندي أنا كمان!!!!

نظرت له بعشقٍ لترتسم أبتسامة كبيرة على ثغرها، ليُكمل هو قائلاً:
- بما أنك عرفتي كل حاجة دلوقتي عايزك بقا تلمي هدومك عشان تروحي معايا الڤيلا عند أهلي، أمي هتموت وتشوفك!!!!

جحظت عيناها لتضع كلها على فمها تصمت شهقة كادت أن تنفلت منها، قائلة بصدمة:
- أنت بتتكلم بجد؟!!!!

أومأ بهدوءٍ لتُكمل:
- طب و ماما و ظافر وآآ!!!!

قاطعها مردداً بجدية:
- ملك أنتِ مراتي يعني ليا الحق أخدك في أي مكان، أنتِ حقي!!!، وبعدين ياستي ظافر وباسل و مامتك كمان عارفين أنا قولتلهوم..خلاص كدا؟!!!

أومأت "ملك" لتقضم أظافرها قائلة:
- طب ممكن بس تسيبني هنا كام يوم أكون جهزت شنطي ورتبت نفسي؟!!

أكد على حديثها قائلاً:
- دة اللي هيحصل!!!

ثم ودعها وذهب تاركها تكاد تطير من الفرح، لا تصدق أنها أصبحت زوجته، لا تصدق أبداً أن ذلك اليوم تحقق، و أن أسمها كُتب جوار أسمه!!!!

• • • •

أفاق "ظافر" ليجدها متوسدة صدره تعانقه بذراعيها البيضاوتان، أزاحها بلُطفٍ ليميل مقبلاً جبينها، ثم نهض متوجهاً للمرحاض، أغتسل "ظافر" ثم بدّل ثيابه، مرتدياً بنطال باللون الأزرق القاتم، وقميص أبيض يقسِم عضلاته الجذابة، تاركاً أول زرين، ثم أرتدى حلة بلون البنطال، صفف خصلاته بعناية ينثر من عطره ببذخ، أمسك بهاتفه ليجد "ملك" حاولت الإتصال به، عاود يتصل بها ولكن هاتفها غير متاح، تقدم إلى فراشه لينثنى بجذعه لها، سانداً قدمٍ على الفراش والأخر كما هو على الأرضية، ثم طبع قبلة أشبع بها جوعه الذي لا ينتهي لها،لتفيق هي مبتسمة له بعشقٍ قائلة:
- صباح الخير..

تلاعب بخصلاتها قائلاً بحبٍ:
- دة أيه الصباح القمر دة!!!!

أبتسمت محاوطة عنقه قائلة:
- أنت نازل؟!!
أوماً قائلاً ببعضٍ من الجدية:
- أيوا رايح الشركة في حاجات كتير عاوزة تخلص هناك!!!!

أعتدلت في جلستها لتفرك عيناها بنعاسٍ تردف بترددٍ:
- ظافر...

جلس جوارها ليشرد بعيناها مغمغماً:
-مممم...

نظفت حلقها بتوتر، مسترسلة بصعوبة:
- عايزة أنزل الشركة، بقالي كتير معرفش عنها حاجة غير من الموظفين.. ومينفعش اللي بيديرها تبقي السكرتيرة بتاعتي!!!!!

تغيرّت تعابير وجهه في ثوانٍ معدودة، لتُظلم عيناه بوحشية، نهض من أمامها واثباً بقامته المهيبة، قائلاً بنبرة باردة:
- أنسي حاجة أسمها شغلك، مراتي متشتغلش أبداً!!!

جحظت بصدمة قائلة بعدم أستيعاب:
- أنسى شغلي أزاي يعني؟!!! و أيه المشكلة في شغلي يا ظافر أنا مقدرش أبعد عن شغلي وحياتي!!! ولا أنت عايزني أبقى تحت رحمتك و تسيبني وتروح شغلك و أنا أفضل قاعدة هنا مستنياك!!!!

أمسك بذراعها الأيمن بقوة ليجذبها له قائلاً بحدة أرعبتها:
- مــلاذ!!!! أتعدلي معايا!!!!!

نفضت ذراعها لتصرخ به بعنف:
- مش هتعدل يا ظافر، أنا لازم أروح شغلي و أنت مش هتقدر تمنعني!!!!

أمسك بكتفيها بهدوءٍ بإبتسامة مخيفة لا تنم عن ذرة مرح:
- مش هقدر أمنعك؟!!! طب جربي كدا و خَطي عتبة الشقة عشان رجلك تتكسر بعدها!!!!!

أغرورقت عيناها بالدموع قائلة بصدمة:
- أنتَ بتهددني؟!!! أنت فاكر أنك هتحبسني هنا!!!! فوق يا ظافر أنا ملاذ الشافعي محدش يقدر يمشي كلامه عليها، وصدقني أنا لو منزلتش شركتي مش هتشوف وشي تاني!!!!

دفعها للخلف بعنف لتسقط على الأرضية ليصتدم ظهرها بـ ظهر الفراش، كتمت ألمها داخل جوفها لتمسك بظهرها تطالعه بقوة، لينحنى لها هادراً بنبرة قاسية، ووجهٍ تغير ليس هو من وقعت بعشقه:
- لما تتكلمي معايا صوتك يبقى واطي، الظاهر كدا أنك متربتيش و أنا بقى هربيكي من أول و جديد، و كلامي يتسمع مافيش شغل و هفضل حابسك هنا!!!!

حدجها بشراسة ليذهب تاركاً إياها مرتمية على الأرضية،أدمعت عيناها لتمسح دمعاتها سريعاً، وثبت ببطئ لتتآوه بألم من ظهرها، قلبها يأن بما تعانيه من تشوه نفسي، أتجهت نحو المرآة لترفع سترتها، لترى ظهرها الأبيض جزءٍ كبير منه تلون بالبنفسجي، متورماً لا تطيق وضع أصابعها عليه، تأوهت بألم لتضع كفيها على رأسها، جلست على المقعد أمام المزينة، لتجد هاتفها ينبئها عن وجود رسالة ما، ألتقطته من على المزينةثم فتحت الرسالة والتي كانت من رقم شقيقتها كان مضمونها حروفٍ نبع منها حقداً يكفي بلدة بأكملها:
- أزيك يا ملاذ، يارب تكوني عايشة دلوقتي أسوأ أيام حياتك، و أنتِ بتكتشفي جوزك شوية شوية على حقيقته، أتمنى يكون مُوريكي العذاب بألوانه، ظافر مينفعكيش، ظافر بتاعي أنا، كفاية بقا كل حاجة حلوة تبقى ليكي، هحرق قلبك و هاخد منك جوزك و قريب، قريب أوي هيبقى في حُضني!!!!!!

تعالت أنفاسها بشكلٍ مُخيف، ناهيك عن عيناها التي أخذت بذرف دموعٍ تتوالى على وجنتيها، نزفت روحها وقلبها، شددت على الهاتف لتلقيه على الحائط، أطلقت شهقة عنيفة تعقبها بكاءٍ حقيقي، نهضت لتقف ولكنها سرعان ما أنهارت على الأرضية، تنهار معها ثقتها بمن حولها، و شعورها بالأمان أيضاً تفتت، أطلقت آهاتٍ منبعثة من قلبها الملكوم، شعورها بالغرقٍ بمفردها، أطلقت آهات متألمة بما يتوالى عليها، لن يسمعها غيره، لن يشعر بمرارة حياتها إلا خالقها، رغبت فجأة بالشكوى إلى ربُها، لتخبره عن مدى ظلم الحياة، كم هي قاسية، تطلب منه العفو عن تقصيرها معه، تطلب أن يغفر لها كُل ما فعلته بالماضي، وبالفعل نهضت مهرولة إلى المرحاض، ثم توضأت، أرتدت عباءة سوداء لا تظهر منها شئ، و ححابٍ زَين وجهها، ثم وقفت على سجادة الصلاة بخشوعٍ، تُصلي بتضرعٍ، تاركة العنان لدموعها، تدعي أن يهدي لها "ظافر"، و أن يُغفر لشقيقتها، أنهت صلاتها لتسبح بحمد الله، ثم نهضت وهي تشعر بأن روحها تبدلت، نزعت الحجاب و العباءة، ثم خرجت من الغرفة متجهة نحو المطبخ، أحضرت طعاماً لها سريعاً لتسد جوعها، رتبت الشقة سريعاً ململة القمامات تتحامل على ظهرها الذي بات يؤلمها بالفعل، ولكنها تغاضت عنه، ثم أرتدت بيچامة ثقيلة ثم لتجلس أمام التلفاز، أنطفئت تلك الشعلة المتوهجة بعيناها، تاركة بدلاً منها عينان مغيمتان، تنذران بالدموع بأي لحظة، ضمت قدميها إلى صدرها لتستند برأسها على ركبتيها، لتمر الساعات، حتى جاءت الساعة الحادية عشر، وجدت باب الشقة ينفتح بعنف، وجدته يدلف بملامح لا تبشر بخير، ظلت على حالها لتتفاجأ به يقترب منها منحنياً لها، ليجذبها من ذراعيها صارخاً بحدة وعيناه تتفحصها بقلقٍ:
- موبايلك متنيل مقفول ليه!!!! م ترُدي!!!

فجأة صرخت بألم ضرب الكدمة بذراعها دون قصد لينتفض جسدها البارد تاركة العنان لدموعها،ممسكة بظهرها بألمٍ شديد، ليطالعها بقلقٍ ظهر جلياً في نبرته:
- في أيه؟!!!

عندما وجدها تُمسك بظهرها تنحني للأسفل مغمضة عيناها تبكي بوجعٍ لم تستطيع إخفاءه، أبعد يداها مرتعب مما يحدث لها، ليرفع كنزتها الثقيلة، لتتوسع عيناه صارخاً بها:
- من أيه الكدمة دي!!!!
أطبقت بشفتيها ممسكة بكنزته و الألم أصبح يضرب جسدها بأكمله، لينحني بجزعه يحملها بسُرعة، توجه إلى الغرفة ليجلسها عليه، ثم جلس القرفصاء أمامها ممسكاً بكفيها يهتف:
- أيه اللي حصل يا حبيبتي قوليلي، الكدمة دي من أيه؟!!!!

لم تُجيبه ليتذكر عندما دفعها على الأرض، أغمض عيناه لينبض فكه من شدة الغضب، نهض ليُقبل رأسها ثم بحث في الكومود عن مرهماً، ليجده أخيراً، ألتقطه سريعاً ثم جلس خلفها، نزع عنها سترتها، ظهرت الكدمة بوضوح وسط ظهرها الأبيض، ليغمض عيناه لو أستطاع لضرب نفسه مئة مرة، أمسك بالمرهم ليضعه على الكدمة، أنتفضت "ملاذ" بألم لتحاوط نفسها من شدة البرودة و الألم معاً، ليبسط "ظافر" المرهم برقة شديدة يحاول ألا يؤلمها، أنثنى بثغره مقبلاً كتفها الناعم، يقول بنبرة أستشعرت الألم بها:
- أسف، أنا أسف حقيقي!!!!!

أغمضت عيناها تشعر بقشعريرة في جسدها، لتطلق العنان لدموعها مطلقة شهقة جعلته يلتفت جالساً أمامها، ليضمها من كتفيها برفقٍ إلى صدره، حاولت إبعاده عنها بوهن قائلة:
-سيبني، أبعد عني، أنا بكرهك يا ظافر!!!!!!!

غرست تلك الكلمة بقلبه ليتنهد ماسحاً على خصلاتها، ثم قال بحنو:
- طب أهدي..متتعبيش نفسك دلوقتي أهدي ونامي شوية!!!!!

بالفعل أستكانت على صدؤه ولكن ليس بإرادتها، و إنما إرهاقاً مما حدث، ليُغشى عليها سريعاً، ليجعل نصف جسدها على صدره حتى لا تستلقي على ظهرها، محاوطاً خصرها ، حاول تدفئة جسدها البارد بدفئ جسده، ليغفي هو الأخر بإرهاق..
• • • •
بعد عدة ساعات.. أفاقت "ملاذ" لترى جسدها شبه مستلقي فوق جسده، إبتعدت ببطئ، لترتفع بأنظارها تنظر له، صُدمت "ملاذ" عندما وجدته يتصبب عرقاً، جسده بالأكمل ينتفض بين الحين والأخر، وجهه شديد الإحمرار و كأنه نيران موقودة، أنتفضت "ملاذ" لتجلس واضعة يدها على وجهه، لتُبعد كفها سريعاً من شدة إلتهابه، مسحت خصلاته المبللة عن وجهه لتناديه ببكاءٍ قائلة:
- ظافر في أيه والنبي رُد عليا!!!!!

وجدته يفتح عيناه الحمراء لتنهمر الدموع من عيناها، ثم كوّبت وجهه قائلة:
- أنا هتصل بالدكتور..!!!
همت بالنهوض لتجده يمسك برسغها قائلاً:
- متتصليش بحد، متدخليش حد البيت و أنا في الحالة دي، ممكن يعمل فيكي حاجة و أنا كدا، أنا هبقى كويس متقلقيش!!!

صرخت قائلة ببكاءٍ:
- لاء هتصل بيه مينفعش أسيبك كدا!!!!!

نظر لها بوهنٍ قائلاً برجاء:
- لاء يا ملاذذ لو سمحتي!!!!

مسحت على خصلاته لتمسك بكفيه تقبلهما وهي لا تعلم ماذا تفعل، لتنهض سريعاً ترتدي كنزتها، ثم دلفت تجاه المرحاض، ملئت حوض الاستحمام بمياه شديدة البرودة، لتعود له تنظر لوجهه المتعب وعيناه المغمضة بقلق، أتخذت يداها مسارها نحو أزرار قميصه لتسرع بحله واحداً تلو الأخر، جردته من قميصه عدا بنطاله حاوطت وجهه وجهه تقول سريعاً:
- ظافر حبيبي أسمعني حاول معايا تقوم لحد الحمام...
نهض بالفعل معها ليتجها إلى المرحاض، تحاوط خصره و ذراعه يطوق عنقها، حاول هو ألا يتحامل عليها بسبب ما حل بظهرها، لتدلف به إلى المرحاض ، جعلته يمدد جسده داخل حوض الاستحمام ليتشنج وجهه من برودة المياه في هذا الطقس البارد و مع سخونة جسده، جلست هي على حافة الحوض لتمسد على خصلاته قائلة ببكاءٍ:
- أستحمل بس شوية و هتبقى كويس..

ثم أخذت تبكي عليه لتتحرك شفتيه قائلة بإرهاقٍ:
- متعيطيش.. أنا هبقى كويس والله!!!!

أومأت لتنهض أمامه تمسك بالمياه الباردة تمسح بها وجهه بحنو لطيف، ثم أعادت الكرة عدة مرات لتتأكد من زوال حرارته، ظل هو يطالعها بنظراتٍ لم تفهمها، ولكنها أستمرت في ما تفعله، لتضع المياه على عنقه و مقدمة صدره الذي لم تصل له المياة، لتردف قائلة بلُطف:
- بقيت أحسن شوية؟!!

أومأ لينهض ببطئٍ يخرج من حوض الاستحمام، لتحاوطه بالمنشفة حتى لا يبرد، أجلسته على الفراش لتخرج له ملابس مُريحه عوضاً عن التي تبللت، ثم وضعتهما بجواره على الفراش قائلة برفقٍ:
- ظافر ألبس الهدوم دي و أنا هروح أجيب مياة و تلج و هاجي مش هتأخر..!!!
أومأ بإستسلام لتخرج هي من الغرفة، تحضر صحن به ماء وقطع من الثلج وقطعة من القماش ، و صحن آخر أحضرت به حساء ساخن و دجاجة مسلوقة، ثم ذهبت نحو الغرفة لتجده بدل ثيابه مستلقياً على الفراش، اسرعت "ملاذ" تضع الصينية على الكومود، لتجلس بجواره، وجدته مغمص العينان لتنحني تقبل وجنتيه حتى تستشعر جسده، لتجد الحرارة قد نزلت بعض الشئ، التفتت لتُمسك بالقماشة تغطسها بالمياه، ثم عصرتها جيداً، لتضعها على جبينه، أسندت رأسها على كفها تطالع ملامح وجهه، لتقبل عيناه قائلة بحنو:
- هتبقى كويس أن شاء الله!!!!
فتح عيناه ليطالعها، مدّ كفه ليمسك بكفها الصغير، يقبلها بعشقٍ قائلاً بندمٍ شديد:
- أسف على اللي حصل، أنا أكتشفت أن مافيش أغبى مني والله!!!!

أبتسمت له لتستند برأسها على جبهته قائلة:
- أنا كمان أسفة عشان كلمتك بطريقة وحشة، متزعلش مني!!!!

بللت القماشة مجدداً لتضعها على جبينه، ليهتف هو بلطف:
- خلاص يا حبيبتي الحرارة نزلت مافيش حاجة أنا بقيت كويس!!!!

وضعت وجنتيها على وجنتيه لتجد بالفعل وجهه أصبح بارداً بعض الشئ، لتتنهد براحة قائلة بسعادة:
- الحمدلله الحمدلله يارب..!!!

لتعتدل جالسة، ثم أقتربت منه بشدة لترفع الوسادة حتى يجلس، ليشرد هو بوجهها الملائكي، ثم أعتدل في جلسته، لتأتي هي بالصحن قائلة بتحذير:
- الطبق دة كله لازم يخلص وهتاكل الفرخة كلها عشان تخف!!!!

أطلق ضحكة رجولية رُغم إرهاقه ليهتف بمزاح:
- بتكلمي أبن أختك ولا حاجة؟!!!!

أبتسمت لتطعمه حتى أنهى بالفعل الصحن، ليقول و هو يُثنى على طبخها بإعجابٍ:
- أول مرة أعرف أن أكلك حلو كدا..!!!!

أبتسمت له لتقطع الدجاجة قطع، ثم جلست تُطعمه حتى شبع، مسحت فمه بمنديلاً مببللاً ويداها أيضاً، ثم جذبت رأسه إلى صدرها تمسح على خصلاته و كأنه طفلها، ليغفى "ظافر" بأحضانها، وغفت هي أيضاً تحمد ربها لشفاءه، و لظهرها الذي لم يعُد يؤلمها كثيراً..

• • • •
نهضت "فريدة" باكراً، جالسة على فراشها بإبتسامة باهتة، وثبت متجهة إلى خزانتها، لتنتقي بنطال باللون الأبيض، تعلوه كنزة ثقيلة تناسب ذلك الطقس باللون الأحمر، ثم تركت خصلاتها مفرودة، أخذت حقيبتها لتنزل من الدرج، وجدت "رُقية" جالسة على الأريكة ممسكة بالمصحف تقرأ به بصوتٍ رخيم، عندما وجدته قالت بهدوءٍ:
- صدق الله العظيم...

ثم قبلته لتتركه بجوارها، أقتربت "فريدة" منها لتجلس بجوارها قائلة:
- ماما أنا رايحة الشغل، خلي بالك من يزيد و أنا مش هتأخر!!!

ربتت "رقية" على خصلاتها قائلة بإبتسامة:
- متخافيش يابتي، يزيد في عنيا، أيوا أكده ياضنايا عيشي حياتك ومتفكريش فيه، صدجيني أنا يابنتي الراچل عُمره ما بيرجع لواحدة بتبكي عليه، أنچحي و أثبتيله أنك قويه، و أحنا معاكي يا حبيبتي!!!

ظلت شاردة في حديثها طيلة الطريق، تفكر في نصائحها، حتى وصلت للمشفى، دلفت ليبارك لها الجميع على زواجها، لا يعلمون إن تلك الزيجة كانت بمثابة الإعدام شنقاٌ لها، ولكنها قابلت المباركات المتهللة عليها بإبتسامة بسيطة، لتبدأ عملها بجوار الطبيب، ذلك الشخص الذي كانت تعشقه قبل أن يقتحم "مازن" حياتها، ذلك الطبيب والذي يُدعى "إياد"، ذو الطول الفارع والجسد الممشوق، البشرة البيضاء والعينان الزرقاوتان، دلفت لمكتبه لتراه جالساً على مكتبه قائلاٌ بقنوط طفيف:
- مبروك يا فريدة على جوازك، بس مش كُنتي تعزمينا يعني؟!!!!

بُهتت أنظارها عندما تذكرت أنها لم ترتدي ثوباً أبيض كـ جميع الفتيات، لتصمت و لم تُجيب، لتجده يردف بجدية:
- جهزي نفسك النهاردة مليان حالات طارئة..

أومأت بهدوءٍ لتذهب وراءه، مندهشة من حالتها، فهي أصبحت لا تطيق رؤيته حتى، وهي التي كانت تُهيم به!!!!!

• • • •

- يابت يا هانم، تعالي يابت چهزي الوكل، بنت أختي زمانها چاية يلا يابت!!!!!
صرخت "رقية" بصوتٍ عالٍ لينزل "باسل" على الدرج قائلاٌ بدهشة:
- مين اللي جاية يا أمي؟!!!

ألتفتت له "رقية" قائلة بفرحٍ:
- "آسيا" بنت خالتك يا حبيبي!!!!

أشمئزت صفحات وجهه متمتماً بخفوت:
- و دي جاية ليه!!!!

لم تسمعة"رُقية" لتُكمل الترتيبات بالسرايا، ليغير "باسل" وجهته عائداً مجدداً إلى غرفته متأففاً، دلف ليجدها نائمة، خصلاتها تُخفي وجهها، ذراعها مرتمياً على الأرضية ليبتسم "باسل" على حالتها، ليتجه إلى الفراش، أنحنى بجزعه نحوها ليزيل خصلاتها من على وجهها، لينحنى أكثر مقبلاً شفتيها المزمومة، ثم حاول إفاقتها بهدوءٍ مردفاً:
- رهف.. أنتِ من أهل الكهف ولا أيه يا بت؟!!!!

قطبت "رهف" حاجبيها وكأنها تسمعه لتقول غير واعية وهي لازالت مغمضة العينان:
- بسِلة سيبني نايمة بقا!!!!!

رفع حاجبيه ليلتقط أذنيها يقرصهما قائلاً بغيظ:
- عارفة لو قولتي بسِلة تاني هدبحك!!!!

أنتفضت "رهف" جالسة لتمسك بكفيه تزيحهما بغيظٍ قائلة :
- في حد يصحي حد كدا يعني!!!!!
جمد وجهه لينهض يعطيها ظهره قائلاً ببرود زائف:
- انا اللي غلطان وكنت جاي أقولك قومي ألبسي عشان نُخرج!!!!

جحظت عيناها لتنهض مهرولة نحوه، ثم حاوطت خصره من الخلف قائلة بسعادة طفولية:
- أنا أسفة والله مكنتش أقصد، 5 دقايق وهلبس يا أحلى بسِلة في الدنيا..

هرولت نحو غرفة الملابس تاركة إياه مبتسماً يقول في نفسه:
- أهم حاجة أخليها متشوفش آسيا خالص!!!!!

• • • •
أرتدت "رهف" ثوبٍ أسود يصل لأسفل قدميها، مُحكم الضيق لتضع فوقه بوشاحٍ من الفرو، خرجت إلى "باسل" الذي وقف ينتظرها بالغرفة، لينبهر من الحورية التي خرجت له، ولكنه تذكر أن ليس هو فقط من سيراها بذلك الثوب ، ليهدر بها في غضبٍ شديد:
- أنتِ أيه القرف اللي لابساه دة!!!! أدخلي غيري بسُرعة!!!

صُدمت مما قال لتتراجع خطوتين برهبة قائلة:
- في أيه يا باسل أنا قولت هيعجبك!!!!

رفع حاجبيه ليتقدم منها على عجالٍ، ليجذب رسغها له بعنف قائلاً:
- أنتِ مجنونة يا رهف، أنتِ متجوزة شوال بطاطس عشان تبقي ماشية جنبي كدا و العيون كلها هتبقى عليكي، ده أنا أدفنك حية!!!!!!

رُغم صراخه بوجهها وقبضته التي تؤلمها بالفعل، ولكن حديثه جعل أبتسامة صغيرة تلوح على ثغرها، ليستغرب هو أبتسامتها، ولكنه صُدم عندما وجدها تندفع مرتمية بأحضانه، محاوطة عنقه بذراعيها العاريتان، تربت على ظهره وهي لاتسطيع السيطرة على بسمتها التي كادت أن تشق ثغرها، ليحاوط هو خصرها مبتسماً على زوجته المجنونة، أعادت "رهف" وجهها ولا زال جسدها محاصر من قِبله، لتطبع قبلة صغيرة على وجنتيه، مغمغمة بخفوتٍ:
- والله بحبك!!!!!

شعر بدلواً بارد أُلقي على رأسه، ليُبعدها عنه سريعاً قائلاً بعدم تصديق:
- قولتي أيه!!!!!

نظرت أرضاً بخجلٍ قائلة:
- مقولتش حاجة أساساً!!!!!

- وحياة أمك!!!!!
هتف بغضب ليجدها تنظر له بتأففٍ، ليضغط على ذراعها برفقٍ قائلاً برجاء:
- رهف قوليها مرة كمان!!!!!

تنهدت بخجلٍ لترفع أنظارها نحوه قائلة:
- بحبك يا باسل!!!!!!

شعر بقلبه يرقص فرِحاً، ليحاوط وجهها مقرباً شفتيها منه حتى كادا أن يتلامسان، ولكن فُتِح باب الغرفة بعنف لينظر "باسل" لِمَن فعل هذا حتى ينحر رقبته، لتنتفض "رهف" مبتعدة عنه ووجها أصبح مخضباً بإحمرارٍ غزى وجنتيها، و لكنها رفعت أنظارها لمن فعل هذا لتجدها فتاة تقريباً في نفس عُمرها، جسدها ممشوق صاحبة بشرة سمراء جذابة ولكن غاضبة، عيناها باللون الأخضر و لكنها أجزمت أن تلك لم تكن سوى عدسات لاصقة، خصلاتها قصيرة مموجة باللون الأود رفعت أنظارها لتنظر إلى زوجها، وجدت صدره يرتفع علواً وهبوطاً من فرط غضبه، مشدداً على أسنانه بغيظ قائلاً بغلٍ:
- أنتِ أتجننتي أزاي تدخلي الأوضة بالطريقة الزبالة دي و أنتِ عارفة أن دي أوضة واحد ومراته، و لا عيشتك برا نسِتك الأدب و الأخلاق!!!!!

نظرت له بتحدٍ لتقترب منهما تنظر إلى "رهف" من أعلاها حتى أخمص قدميها، قائلة بإستهزاء:
- هي دي بقا مراتك!!!!!!

أشتعلت أنظار "رهف" لتُبعد "باسل" قليلاً تقف أمامها قائلة بشراسة:
- مالها مراته يا حبيبتي!!!!!

نظرت لها بإحتقار قائلة بغيظٍ:
- ولا حاجة، أنا دايماً بشوف إن باسل ذوقه مش أد كدا، بس ع العموم مبروك يا حبيبتي!!!!!

أطلقت "رهف" ضحكة أنثوية جلجلت في الغرفة، لتهتف من بين ضحكاتها:
- ذوقه أيه؟!!! بجد مش قادرة دمك تقيل جداً ما شاء الله!!!!

ثم أردفت قائلة بإبتسامة:
- ع العموم أنا مش هرُد عليكي، عشان لو رديت هتزعلي مني جامد!!!!

أمسكت بذراع زوجها متشبثة به، قائلة بإبتسامة:
- ودلوقتي بقا ياريت تسيبيني مع جوزي شوية!!!!!

صكت على أسنانها بغلٍ واضح، لترميها بنظراتٍ جمر أفصحت عما يغلى بداخلها، لتتصاعد الدماء المحتقنة إلى وجهها، لتلتفت ذاهبة خارج الغرفة بأقدام تحفر الأرضية، لتتحول نظرات "رهف" من تحدٍ إلى غضبٍ شديد، نظر لها "باسل" بإعجاب قائلاً بعبث:
- سمعت كتير عن كيد النسا، بس أول مرة أشوفه بعيني!!!!!!

نظرت له بجمودٍ لتنفض يداها بعيداً عنه تهتف بحدة:
- مين البت دي يا باسل!!!!! و أزاي تدخل كدا هي مجنونة!!!!

أبتسم بهدوءٍ ليجلس على الفراش سانداً كفيه خلف ظهره قائلاً بإستمتاع:
- بنت خالتي، وبتعشقني!!!!!!

فرغت فاهها من وقاحته، لتتقدم منه بعصبيه، جذبت إحدى الوسادات لتبدأ بضربه على وجهه صارخة به:
- بتعشقك ها؟!!! بتعشقك يا باسل والله لهوريك!!!!!

ظلت تضربه وسط ضحكاته واضعاً ذراعه على وجهه ليتفادى الوسادة، وبدون مقدمات جذبها من خصرها ليُرمي بها على الفراش لتشهق هي بحدة مقيداً ذراعيها أعلى رأسها، لتحدق هي به بقنوط مردفة:
- باسل أبعد عني دلوقتي!!!!!

غمز لها قائلاً و هو يتفرسها بوقاحة:
- بالفستان دة مستحيل أبعد!!!!

صرخت به بغضبٍ جم محدجة به بلومٍ:
- سيرتها متجيش تاني، و أنا هعرفها مين رهف كويس!!!!!

قرَب أنفه من أرنبة أنفها يهمس بخفوتٍ وشفتيهما كادتا أن تتلامسان:
- شششش، هي أصلاً و لا فارقة معايا، صدقيني ماتجيش ضُفرك!!!!!

أبتلعت ريقها لتغمغم بتوترٍ تلبسّها:
- أيوا..

أبتسم بخبث ليلتقط قبلة من شفتيها مردداً بمكرٍ:
- أنتِ زي القمر!!!!

همهمت مغمضة عيناها:
- ممممم..!!!

طبع قبلة أخرى بجانب ثغرها قائلاً بعشقٍ:
- و ذكية!!!!
ذابت في كلماته لتردد:
-ممممممم!!!!
ليهمس بجوار أذنها:
- و بحبك!!!!!!

• • • •
مرّت ثلاثة أيام، تحسنت حالة كلاهما، وحافظت "ملاذ" على صلاتها وهي تشعر بروحها أصبحت أنقى، تبدأ بداية جديدة مع ربُها، ولكن أتى ذلك اليوم..عندما كانت بطريقها إلى غرفتهم، لتسترق السمع على زوجها، وجدته يهتف بنبرة هادئة وصلت لها:
- شُحنة السلاح معادها كمان يومين، خلي بالك عايزين كل حاجة تعدي على خير..

جحظت عيناها ليقع قلبها أرضاً، أستندت بجسدها على الحائط لتمتلأ عيناها بالدموع، لا تستوعب أن زوجها تاجر أسلحة!!!!!!!
أرتفع الإدرنالين بجسدها، تشعر بدوارٍ قاسي يهاجمها لتستند على الحائط جوارها تضع كفها على فِيها، تترقرق حدقتيها بالدموع، ثم بدأت بالتراجع إلى الوراء، ولأول مرة تفقد إحساس الأمان جواره، فمن يفعل ذلك ببلده، يفعل أي شئ أخر، نفت برأسها بهيستيرية، لن تُكمل حياتها مع شخصٍ كهذا، همت بالذهاب وهي لازالت لم تصدق ما يحدث، لتتفاجأ به يخرج من الغرفة، ليصتدم بها تقف أمامه بعينان هلعتان، ضغط على أسنانه بقوة من شدة غضبه، و أصبح متيقناً أنها علمت كل شئ من نظراتها الخائفة، رفع يداه يحاول لمس كتفيها لتتراجع هي عشرات الخطوات للخلف، تُحرك رأسها بنفي هيستيري قائلة بعنفٍ:
- أبعد عني!!!! إياك تلمسني..إياك!!!!!!

مسح على وجهه بعنف ليردف بنبرة هادئة:
- ممكن تسمعيني الأول؟!!!

أبتسمت بإستهزاء لتنظر له بإحتقارٍ قائلة:
- سمعت..سمعت لما شبعت!!!!!

لتقترب منه ممسكة بتلابيب قميصه تهزه بعنفٍ ولكن لم يتحرك جسده إنشاً واحداً، لتهدر به وقد أنهمرت الدموع شلالات متسابقة من عيناها:
- ليه بتعمل كدا؟!!! ليه مصمم تكرهني فيك أكتر، قولي يا ظافر أيه اللي خلاك تعمل كدا!!!! طب ليه أنا حبيتك؟!!! عارف ليه؟!! عشان أنا غبية، حبيت واحد ميعرفش معنى الحب، واحد معندوش قلب، حبيت أكتر شخص أذاني وأذى بلدُه وبيأذي نفسه، أنت عارف أخرتك أيه؟!!!أخرتك وحشة أوي!!!!!

كان وجهها شديد القرب من وجهه، أنفاسها تخرج بشكلٍ عنيف لأنفاعلها، صدرها يعلو ويهبط بعنف، لازالت ممسكة بقميصه، تراقب ملامحه الجامدة، تلك البرودة التي لن تزول من وجهه، تلك العينان الذي لا روح بهما رُغم جمال لونهما، تركته مبتعدة عنه صارخة به بجنون:
-طلقني!!!! طلقني أنا مش عاوزة أعيش مع واحد زيك!!!!!!!

لم تشعر سوى بوجهها يرتد للجهة الأخرى من شدة الصفعة التي تلقتها، ليرتد جسدها للخلف و هي تشعر بتوازنها يهتز، ظلت واضعة كفها على وجنتها الملتهبة، تنظر جانبها للفراغ، تشعر و كأن تلك الصفعة لم تسقط على وجهها، بل سقطت على قلبها لتجعله صريعاً لا روح به!!!!!

وجدته يمسك بكتفيها لتلتفت له، وجدت عيناه تشُع ندماً، ليردف بنبرة مهتزة جُمعت بها ألمه بالكامل:
- ملاذ!!!! حبيبتي أنا أسف!!!! مكنش قصدي!!!!

نظرت له نظراتٍ خاوية لتبعد ذراعيه عنها، وبلحظةٍ كانت تُجمع كل ما أوتيت من قوةً لتدفع به بعيداً، ليرتد هو للخلف بتفاجأ، لتركض "ملاذ" سريعاً تخرج من الشقة بأكملها، تنزل على الدرج حافية و كأنها تسابق الرياح، ليركض ورائها "ظافر" صارخاً بها:
- مـــلاذ، مــلاذ استني!!!!!!!

ركضت "ملاذ" خارج البناية بأقدامها الحافية، ليقف "البواب" مذهولاً مما يحدث، ظلت تركض في الطرقات المظلمة ولم يستطيع هو اللحاق بها، فقد دلفت بين أزقة الطرقات حتى تجعله يفقدها، وبالفعل ركضت بعيداً عن المنزل وبعيداً تماماً عنه، تآوهت بألم و هي تنظر لكاحلها الذي غُرزت به قطع من الزجاج، تحملت على جسدها لتتوارى خلف حوائط إحدى الطرقات، تكتم أنفاسها بكفها حتى لا يسمعها، رُغم تيقنها أنه ليس بجوارها، نزلت بعيناها لترى ما ترتديه من منامية ثقيلة شتوية تصل لما بعد ركبتيها بقليل، أحتضنت نفسها تستند برأسها على الحائط خلفها بعينان أنهمرت منهما الدموع، شعرت بصوت أقدام و ضحكات خبيثة تأتي مقتربة منها، ألتصقت بالحائط خائفة أن يراها أحد، ولكنها وجدت ثلاثة شباب يقفون أمامها، بأجسادهم الهزيلة وعيناهم الحمراء من كثرة ما يتعاطونه من أشياء تُذهب بالعقل وجوههم مشوهة مليئة بالندبات، همت بالركض تنفد بروحها ولكن أمسكها أحدهم من خصرها لقربها منه لتفوح منه رائحه كريهة جعلتها تريد التقئ، ولكنها بمهارة رفعت ركبتها لتضربه أسفل معدته، أرتد الشاب مبتعداً عنها يتلوى من الألم، ليأتي الثاني لتسدد له لكمة جعلته يسقط أرضاً، ليأتي الأخير مكبلاً إياها من ذراعها يقف خلفها، فشلت "ملاذ" عن ضربه لتصرخ بعلو صوتها تتمنى لو أن يعود إليها "ظافر" ، ظلت تصرخ بكل ما أوتيت من قوة، لينهض ذلك الشاب ذو الندبة بجوار ثغره، ناظراً لها بحقدٍ شديد ليرفع كفه عالياً متأهباً لتلقينها درسٍ قاسٍ، ولكن وجد قبضة فولاذية سمع لها أرتطام عظامه ببعضٍ تقبض على رسغه بإحكامٍ، ليُكبل "ظافر" ذراعيه خلف ظهره ثم دفعه بقوة للأمام ليرتطم الشاب بالحائط ساقطاً مغشياً عليه، أمسك بـ "ملاذ" ليجعلها تتوارى خلف ظهره لتتشبث بقميصه بقوة، أخذ يكيل للشابان العديد من الضربات التي جعلهتم يقعا مغشياً عليهم ثم ألتفت لها بلهفة ليكوّب وجهها يُعد خصلاتها عن وجهها قائلاً بنبرة قلقة:
- عملولك حاجة ولاد الـ****** دول!!!!!

زاغت أنظارها لتتقلص صفحات وجهها بألم من قدميها المجروحة، أخذ جسدها يتراخى تدريجياً لتقع بين ذراعيه فاقدة للوعي..!!!

حملها "ظافر" سريعاً ليضعها بسيارته التي أخذها بعد أن علم أنها أبتعدت عنه، ثم أستقل هو مقعده أمام المقود ليقود بأقصى سرعة لديه،وصل أمام البناية ليحملها كالطفلة بين ذراعيه، صرخ بالبواب بنبرة حادة:
- أتصل بالدكتور شريف ييجي بسرعة يا زفت!!!!

أسرع البواب ينفذ ما أمره به قائلاً بتوترٍ:
- أمرك يا سعادة البيه!!!!!

دلف للمصعد ليُقرب أنامله من أزرار الطوابق ثم ضغط على الزر المنشود، بدأ المصعد بالصعود لينظر لها "ظافر"، وجنتها اليُمنى و التي طبعت عليها أصابعه الغليظة تاركاً أثراً شديد الإحمرار، خصلاتها المشعثة وطرف ثغرها النازف من قسوته، قرّبها إلى صدره لينثنى مقبلاً وجنتها الحمراء، يستند بذقنه على جبهتها يمنع عيناه التي كادت أن تذرف دمعة خائنة أبت النزول!!!!!

فتح المصعد بقدمه بفظاظة ليقف أمام الباب المغلق، حاوط جسدها بذراعٍ واحد وبالآخر دّس المفتاح بالباب لينفتح سريعاً، دلف للشقة ليغلق الباب بقدمه، ثم أتجه لغرفته ليضعها برفق شديد على الفراش، لاحظ قدميها الملوثتان والتي غرزت قطع الزجاج بكعوبها، بالإضافة الى كفيها النازفتان بدماء جافة، أنحنى ممسكاً بكفها ليقبله عدة قبلات، يحمد ربه أنه جاء بالوقت المناسب، مسح على خصلاتها لينظر لوجهها الأبيض، تحركت أنامله لتتلمس وجنتها الحمراء بلطفٍ، أخذ يلعن نفسه ويسبها بأقبح الشتائم غير مصدقاً أنه صفعها!!!، تنهد مغمضاً عيناه بألم لينثنى أكثر نحوها مقبلاً وجنتيها الساخنة، لتتململ "ملاذ" بضيق و كأنها شعرت بقبلته وترفضها!!!!!

سمع طرقات الباب ليدثر "ملاذ" بالغطاء الثقيل ثم وضع وشاح على رأسها ليحجب خصلاتها ليدلف للخارج سريعاً، فتح الباب ليجد صديقه الطبيب "شريف" يدلف قائلاً بقلق:
- حصلك حاجة ولا أيه يا ظافر انا جاي على ملا وشي!!!!!

هتف "ظافر" بوهن قائلاً:
- مش أنا يا شريف، مراتي!!!!

قطب الطبيب حاجبيه قائلاً بإهتمام:
- مالها؟!!

أخذه "ظافر" من ذراعه ليدلف إلى الغرفة، ليشير إلى "ملاذ" النائمة براحة، ألقى "شريف" نظرة عليها ليتجه نحوها، ثم أمسك برسغها ليتحسس نبضها ليجده أعتيادي، أشتعلت أنظار الأخير ليتجه نحوه قائلاً بإنفعال:
- متلمسهاش!!!!

قهقه "شريف" قائلاً بتعجب:
- وهشكف عليها أزاي يعني مثلاً؟!!!

أزاحه "ظافر" من أمامه متجهاً إلى كاحليها ليرفع عنهم الغطاء قائلاً بجمود:
- كل اللي هتعمله تيجي تشوف الجروح اللي في رجليها وتكتبلي كل حاجة لازمة عشان ألفهُملها وبعدين تروح ومستغنيين عن خدماتك!!!!

رفع حاجبيه ليتجه نحوه وهو يضرب كفاً بأخر، نظر إلى قدميها ليقطب حاجبيه بغرابة قائلاً:
- أيه اللي عمل فيها كدا؟!!
هدر به "ظافر" بنبرة قاسية:
- شـريــف!!!! شوف شُغلك!!!!!

أومأ "شريف" بجدية ليخرج ورقة وقلم ثم دوّن بها الأدوية اللازمة، ليعطيها لـ "ظافر" قائلاً بنبرة عملية:
-ده علاج لرجليها، وحاول تطلع قطع الأزاز الصغيرة دي ولو معرفتش كلمني و أنا هقولك تعمل أيه، مناعتها ضعيفة ولازم تتغذى كويس و خليك جنبها وأهتم بيها عشان حالتها وياريت بلاش تمشي على رجلها يومين عشان الحالة متزيدش سوء..

أومأ "ظافر" ليلتقط الورقة ثم وصله إلى الباب مودعاً إياه، ليخرج هو الأخر من الشقة ليجلب الأدوية المطلوبة، جلبها "ظافر" سريعاً ثم صعد لها مجدداً، وجدها لازالت نائمة كما هي، أخذ يدواي جروح قدميها يُخرج قطع الزجاج ببطئ لتتآوه "ملاذ" من الألم ناهضة برُعب، ليهدئها "ظافر" قائلاً بحنو:
- أهدي يا حبيبتي خلاص أنا قرّبت..!!

ظلت "ملاذ" ساكنه بهدوء أدهشه، أنهى ما يفعله ليُلفها بشاشٍ أبيض، ثم تحرك جالساً جوارها، مما جعل عيناها تشتعل غضباً لتلقي بالغطاء جانباً متأهبة للنهوض وكأن قُربه منها يُلدغها كالحية، ليمنعها "ظافر" ممسكاً بذراعها قائلاً بهدوء:
- مش هتقدري تقفي على رجلك قوليلي عايزة أيه و أنا هجيبهولك!!!

نفضت ذراعها بحدة لتضع قدميها على الأرضية ثم كادت أن تقف صارخة به بإهتياج:
- ع أساس بيهمك راحتي أوي و أني أبقى كويسة آآآآآههه!!!!!!!!

تآوهت "ملاذ" عندما شعرت بنغزات في قدميها منذ أن وضعتها على الأرضية، لتسقط على قدميها ليحاوط هو خصرها هادراً بها بإنفعال:
- بطلي غباء قولتلك مش هتعرفي تقفي عليها أنتِ مبتفهميش!!!!!

حاولت دفعه بعيداً حتى تنهض من على قدميه ليشدد هو على خصرها يعود لهدوءه:
- ممكن أعرف قايمة رايحة فين؟!!!

قالت وهي تحاول جاهدة إزاحة ذراعيه عنها:
- أنا عايزة أمشي من هنا مش عايزة أعيش معاك أبداً وهتطلقني يا ظافر بمزاجك أو غصب عنك!!!!

لم تستطيع تحديد ملامح وجهه المشدود، لتنظر لعيناه المغمضة تتابع أصتطكاك أسنانه ببعض، أتخذتها فرصة لتبتعد جالسة على الفراش لتلصق جسدها بظهر الفراش، وضع "ظافر" رأسه الذي كاد أن ينفجر بين يداه، و إبتعادها عنه يتقافز إلى ذهنه جاعلاً الدماء تُغلي بجسده، ليلتفت لها ممسكاً بكتفيها بعنف يهُز جسدها بشراسة صارخاً بوجهها بعنف:
- أنتِ مش هتمشي من هنا و أي مكان هروحه هتبقي معايا فيه أنتِ بتاعتي أنا ومتحلميش أطلقك لأن ده مش هيحصل أبداً!!!!!

زاغت عيناها لترتعش شفتيها بهلعٍ وهي تنظر إلى عيناه الزيتونية التي تهتز بعنف، لينتفض جسدها عندما أقترب منها طابقاً بشفتيه على شفتيها بقسوة شديدة لأول مرة تتلبسه بتلك الطريقة، حاولت "ملاذ" دفعه بعيداً ولكنه كان يعتصر كتفيها بقوة حتى كادت عظامها أن تتحطم أسفل كفيه، أنجرفت الدموع من عيناها وهي تشعر بقسوته !!!! ضاقت أنفاسها وهي تضربه بوهن على صدره ليبتعد "ظافر" تاركها تتنفس بصوتٍ عال وكأنها تغرق، وضعت كفها على صدرها وهي تشعر بالهواء ينفذ رويداً من رئتيها، لتلتفت جوارها تبحث داخل الكومود على رذاذ الربو، وجدته لتضعه بفمها ثم ضغطت عليه ليهدأ صدرها، ظل يراقب أنفعالاتها و وجهها شديد الإحمرار وشفتيها، أخفت وجهها بكفيها لتبكي بشهقاتٍ مزقت قلبه، لينهض هو يدلف خارج الغرفة صافعاً الباب خلفه، أتجه إلى مكتبه ليضرب على المكتب بعنف، ضرب عليه أكثر من مرة ثم أطاح بكل شئ وُضع عليه أرضاً ليصدر أصوات جلجلت بالمنزل جعلت "ملاذ" تنتفض بهلع لتستلقي على الفراش مدثرة نفسها بخوف لا تريد سماع ما يحدث بالخارج!!!!!!!

• • • •

أندفعت "آسيا" ممسكة بالهاتفه على أذنها قائلة بصوتٍ خافت ولكنه غاضب:
- يا سليم بقولك أنا خايفة أعمل حاجة زي كدا لو باسل عرف هيدبحني!!!!

سمعت جوابه لتغمغم قائلة بحقد:
- أنا عارفة أن البت دي لازم تتربى بس مافيش غير الموضوع ده؟!!!

جاء صوت يعنفها من الطرف الأخر لتتراجع قائلة بقلقٍ:
- طب خلاص متزعقليش!!! أنا هتصرف!!!!

ثم أغلقت معه متأففة تحدث نفسها بتأنيب:
- أنا أيه بس اللي دخلني في الموضوع ده!!!!!

لم تنتبه "آسيا" لت