رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1

رواية ليلة في منزل طير جارح بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الاول 1

"أحيانًا بداية الفوضى تخلق لحياتك عالم جديد."
_____________________________________
غرفة مرتبة بنظامٍ راقي، وألوان هادئة غلبت على جدرانها العالية، ووسط كل ذلك قطع الأثاث الثرية العتيقة موضوعة في أماكنها گالتحف الفنية التي تأسر عيناك.
كانت "رحيل" تتطلع للغرفة التي استُضيفت بها بنظراتٍ أكثر دقة، وسط كل ما تعيشه من ضوضاء تسيطر على كيانها وحواسها أجمع، إلا إنها أحست بشئ من الراحة هنا، بعدما تأكدت إنها لن تسقط صريعة أسرهم، على الأقل حاليًا. غالبها الشعور بالنعاس بعد ليلة طويلة ومرهقة قضتها بين غيابات الظلام وعلى الطرق المتعرجة والصعبة، قضتها بين مشاعر الذعر والخوف حتى استنزفت كامل طاقتها، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تريح ظهرها على الفراش الطريّ الوثير، وتطلق العنان لجفونها كي تنغلق لساعاتٍ طويلة دون أن تشعر بأي شئ من حولها، وكأنها تخدرت بالكامل فلم تعد مداركها تحس شيئًا على الإطلاق.
***************************************
كان صباحًا سيئًا، يتكرر مرة كل عدة أشهر، حيث اضطرابات واسعة تضرب بقوتها البورصة المصرية فتطيح ببعض الأسهم والشركات إلى أسفل سافلين، وتتسبب بخسائر فادحة تهدد الإستثمار في مصر. صفق "مراد" الحاسوب الشخصي بعدما تطلّع على أخبار الصباح المشؤومة، ثم نهض عن مكانه متناولًا هاتفهِ ليقوم ببعض الإتصالات التليفونية التي من دورها الحدّ من تطور المشكلة. نظر في ساعة يدهٍ، فإذا بها العاشرة والنصف صباحًا، تأفف مضجرًا وهو يبعد الهاتف عن أذنه بعدما فشل في الإتصال بسبب ضعف جودة شبكة الإتصال بالمنطقة كلها، ثم خطى نحو الخارج بتسرّع وهو يتمتم بـ :
- يعني ده وقت ميبقاش في شبكة يعني!.
واجه الخادمة بالخارج، فسألته :
- أجهزلك الفطار يا سي مراد؟.
أومأ رأسه بالموافقة، فعادت تسأله بترقبٍ :
- طب والضيفة اللي عندنا!.. احضرلها لقمة تاكلها؟.
قطب جبينه مندهشًا من سؤالها، گمن نسى الأمر تمامًا :
- ضيفة إيه؟؟.
- الضيفة اللي عندنا من عشية امبارح، اللي جت بالليل وهي لا مؤاخذة هدومها مبهدلة و.....
تذكر للتو من تقصد :
- آه آه.. أطلعي اسأليها ولو كده اعملي حسابها في الفطار.
- أوامرك.
انصرفت من أمامه بينما كان يتفحص هو شبكة هاتفه بعدما خرج من القصر، فإذا بها بدأت تجمع نقطتين كاملتين، فبدأ يعيد محاولاته كي يقوم بذلك الإتصال الهام.
************************************
لقد انقلبت الدار كلها رأسًا على عقب، وكأنها حالة طوارئ وتفشّت في جميع الأرجاء. راح "حسين" يدور في المنزل كله گالمجنون، وصوته الجهوري يصدح في كل مكان :
- أكيد انتي اللي وراها يا مرات عمي.. طفشتي بنتك مننا، طفشتيها من أهلها اللي ملهاش غيرهم.
كانت "جليلة" تجلس في مقعدها دونما حراك، تعابيرها جامدة لا توحي بأي رد، وصوتها لم يخرج بكلمة واحدة تدافع بها عن نفسها أمام تلك التهمة التي قذفها بها كل قاطني الدار، حتى وقفت أمامها سيدة الدار "سعاد"، تلك السمينة التي توشحت باللباس الأسود ورابطة الشعر شديدة السواد، وراحت تتهمها بأعلى صوتها :
- ما تنطقي يااختي ولا واكلة سدّ الحنك؟؟.. انتي اللي هربتي البت قبل ما ابني يكتب عليها النهاردة مش كده!.
زفرت "جليلة" أنفاسها الملتهبة وهي تنهض عن مكانها، ثم عقدت كفيها سويًا وهي تجيب بكل ثبات :
- آه يا سلفتي.. أنا اللي هربت رحيل قبل ما تقع في جوازة هي مش عايزاها.. بنتي حرة وحقها تختار حياتها، هي مش عبدة عندكم.
انفجرت "سعاد" في وجهها، وكادت تتهجم عليها لولا وقوف ابنها الكبير "حسين" بينهما :
- كسر حُقك انتي وهي يا ولية ياخرفانة، أمال عايزة إيه ؟.. تدور على حل شعرها وتمشي على كيفها بعد ما جوزها مات!!.. لأ ياختي احنا معندناش ولايا يقعدوا من غير راجل يحكمهم!.
ثم رمقتها بنظراتٍ محتقرة وتابعت بنبرة وضيعة :
- وخصوصي بقى بنتك اللي وشها مكشوف.
اهتاجت "جليلة" بعدما طال صبرها أكثر من اللازم، وهدرت بصوتها تدافع عن ابنتها الغائبة والتي ستصبح لقمة سائغة بين أسنان "سعاد" وبناتها وزوجات أبنائها:
- أخرسي قطع لسانك، أوعي تغلطي في بنتي ولا تقولي عليها نص كلمة.. بنتي برقبتكم كلكم وانتي عارفه ده كويس، ومش هكرر كلامي مرتين يا سعاد.. بنتي مش هتجوز واحد متجوز اتنين ومعاه خمس عيال يا حببتي.
ثم نظرت نحو "حسين" المقصود بتلك الكلمات، وتابعت :
- وبالذات لو ابنك الحيلة حسين.. ابعدوا عننا بقى وسيبونا في حالنا، ولو عليا مش عايزة اشوف حد فيكم ولا انا ولا بنتي، هسيبلكم البلد كلها عشان ترتاحي.
ضرب "حمدي" الأرض بعصاه فـ انتبه الجميع ونظر نحوه، فوزع الأخير نظراته المحتقنة بين زوجته "سعاد" وبين زوجة أخيه "جليلة" قبيل أن يهتف بـ :
- الكلام ده مش عندنا ياست أم رحيل، بنتك لازمها راجل تعيش في طوعه، ومفيش أنسب من أخو الغالي الله يرحمه عشان يحلّ محله.
حاولت "جليلة" أن تُهدئ من تشنجها، وأردفت بهدوء :
- إنت واحد حجيت بيت الله يا حج وعارف الحلال والحرام، وانا بنتي مش راضية بالجوازة دي.. هو عافية ياناس!.
قطب "حمدي" جبينه مستهجنًا استعانتها بالدين في تخليص ابنتها من قبضتهم :
- وإيه الحرام في السُترة ياأم رحيل.. دي سترة الولايا أمر من ربنا، واحنا عايزين نستر بنتك.
انفعلت "جليلة" من جديد وهي تقول :
- وانا بنتي مش عريانه يا حج عشان تسترها.. ومش محتاجين منكم غير حق ربنا.
تجلّت تعابير الغضب المقيت على وجهه المجعد العجوز، وتحولت نبرتهِ اللينة لأخرى حازمة وبلهجة قاطعة كان يسألها مترقبًا الجواب :
- حق إيه اللي بتكلمي عنه!.
صارحته "جليلة" بالسبب الحقيقي وراء وجودهم هنا :
- ميراث بنتي في جوزها، المرحوم مش سايب شويه ياحج و......
قاطعها "حمدي" وصوت صياحهِ المدوي يتجلجل في أرجاء البيت كله :
- ورث إيه وكلام فاضي إيه!!.. من أمتى يا مرات أخويا الحريم بتورث؟؟.
ارتفع حاجبيها بذهول من صراحتهِ المقززة، والتي حرمّت تشريع المولى عز وجل لتوريث النساء، بينما تدخلت "سعاد" وهي تضع يدها في خصرها وترمقها بتهكمٍ ساخر :
- ياكش تكوني فاكرة بتك (بنتك) هتمسك الفاس وتزرع الأرض!!.. صحيح ما هي قادرة وتعملها!.
تلاشت "جليلة" التحاور مع تلك الجاهلة الحقودة، وتقدمت خطواتها البطيئة من "حمدي" وهي تستجديه بهدوء :
- ورحمة ابنك يا حج متظلمش بنتي، ده حسن الله يرحمه ميرضاش بكده.
أشعلت نار الغضب في رأسه أكثر وأكثر، لا سيما بعد ذكرها أسم ولدهِ المتوفي، والذي ترك في صدره غصة لم تزل بعد، فـ راح ينفث عن ذلك الغضب بالصراخ في وجهها :
- ظلم إيه اللي هظلمه لبتك يا ولية انتي!.. لو رحيل مش هتجوز ولدي حسين وحياة الغالي ما هتشوف مني أبيض ولا أسود، احنا معندناش نسوان أرامل يخرجوا برا العيلة.. ولا عمرنا ملكّنا الحريم مالنا وأرضنا، اللي في راسك ده تنسيه وتعقلي البت وترجعيها، بدل قسمًا عظمًا لأكون مرجعها بأيدي جثة وساعتها محدش يلوم عليا.
انقبض قلبها مع ذلك التهديد الصريح، وتصلبت عضلات لسانها فلم تقوى الرد عليه، هي تعلم قدرته المتجبرة وإنه يستطيع إيذاء ابنتها بدمٍ بارد، ولن يرمش له جفن حتى. ازدردت ريقها وعيناها على الفراغ، حتى مسامعها لم تلتقط ذلك التلقيح الشامت من "سعاد" والتي لم تتوقف عن التفوه بالكلمات المزعجة والجارحة، وكل ما يشغل عقلها هو ما ستفعله بعدما تسدد الطريق أمامها وأمام ابنتها، كيف ستنجو بها من بين براثن عائلة زوجها بأقل خسائر، وبدون أن تتأذى "رحيل" من جحود قلوبهم على الأقل؟!.
***************************************
أنهت طعامها كاملًا ولم تُبقي منه شيئًا، فـ بعد أن قضت واحدة من أسوأ الليالي التي قضتها على الإطلاق تناست تمامًا أمر الطعام، وإنها بحاجة ماسّة لشحن طاقتها من أجل مواجهة عائلة الطحان بكل ما أوتيت من قوة. نهضت عن مكانها لتنظر عبر النافذة الزجاجية المُطلّة على حديقة القصر، فـ استعادت ذاكرتها ليلة أمس حين لجأت لصاحب القصر كي ينقذها ويأويها على الأقل ليلة واحدة، حتى تعيد ترتيب الخطوات التي ستخطوها لحماية نفسها وأمها من بطش عمّها الجاحد، ذلك الرجل المستبد الذي يريد تزويجها قِسرًا من ولدهِ الأكبر حسين عوضًا عن زوجها الفقيد. حررت "رحيل" تنهيدة حارّة وهي تبتعد عن النافذة، وبداخلها تراكم اليأس الذي تحاول مواجهتهِ كل يوم بعزيمة من فولاذ، لئلا تخضع لهم كما خضعت هي ووالدتها منذ سنين طويلة. جلست على حافة الفراش وهي تهمس بين ثناياها الجريحة :
- ياترى بكرة مخبي إيه!.
طرقات على الباب جعلتها تقف في مكانها وهي تقول :
- اتفضل.
دلفت إليها "عبير" كي تحمل صينية الطعام :
- محتاجة أي حاجه تانية ؟.
فوضعت "رحيل" يدها على شعرها المكشوف وهي تطلب منها بتحرجٍ :
- ممكن طرحة أو إيشارب عشان بس أغطي شعري.
أومأت "عبير" رأسها وهي تحمل الصينية مرددة :
- من عنيا.
وخرجت من الغرفة، فـ أغلقت "رحيل" الباب من خلفها وعادت تجلس بنفس مكانها، حتى خانتها دموعها وبدأت تنسال في صمت من عينيها الذابلتين، مستشعرة حجم الظلم الواقع عليها والذي أتاها من أولئك الذين يسمون (العائلة)، لقد كانت هي ووالدتها أولى ذبائحهم بدون أن تأخذهم بهم شفقة ولا رحمة، فقط لأنهن نسوة لا جدار لهن ولا حامي، فلم يستوصوا بهم خيرًا، ولم يردوا لهن أمانتهن ولم يكرموهن. أرخت "رحيل" ظهرها على الفراش وتركت جفونها تغطي عيناها المملوءة بالدموع حتى أفرغت كل ما فيها، ورغمًا عنها غفت مجددًا، وكأنها طوال الليل لم تهنأ بنومٍ عميق.
***************************************
دخلت سيارتهِ الفارهه ذات الماركة العالمية الشهيرة لأرض القصر، لتشقّ طريقها بين دفتّي الرواق المشجر خلف سيارة الحراسة التي تؤدي مهمتها في حمايتهِ، ثم ترجل أحدهم ليفتح له باب السيارة الخلفي، لينزل عنها وهو يأمره بـ :
- هات الشنط وطلعها على فوق.
- أمرك يا باشا.
نزع عن عيناه نظارة الشمس الأنيقة وهو يصعد درجات القصر الرخامية، ثم دلف مستقبلة إياه خادمته الوفية "حِراء" :
- حمدالله على السلامة يا هاشم بيه، نورت القصر والله.
نظر "هاشم" من حوله باحثًا عن شخص ما بعينه، ثم سألها بدون إطالة :
- مراد فين؟.
فأشارت نحو الخارج :
- لسه خارج من شويه يتكلم في التليفون ومدخلش تاني.
خرجت "عبير" مهرولة من ذلك الممر المؤدي لغرف الخدم، حاملة وشاح الرأس الأسود بين يديها، وسرعان ما توقفت بمكانها مطأطأة رأسها وهي ترحب به :
- حمدالله على السلامة يابيه.
دقق "هاشم" أنظارهِ على ما تحمله وهو يسألها بإقتضاب :
- بتجري كده ليه وإيه اللي في إيدك ده!؟.
- دي طرحة كده هطلعها للضيفة عشان تغطي شعرها.
تغضن جبين "هاشم" وعاود النظر لـ "حِراء" وهو يسألها بحزمٍ :
- ضيفة مين؟؟.. مين موجود في قصري وانا معرفش!.
توترت "حِراء" من لهجتهِ الحادة تلك، وقبيل أن تنفجر منه عصبيتهِ الوشيكة كانت تجيبه بصراحة :
- في ضيفة بايتة هنا من امبارح.. وأستاذ مراد اللي أمر نستضيفها.
بالفعل بدأ ينفعل وبرز ذلك على صوته المرتفع :
- ما شاء الله، وانا آخر من يعلم ولا إيه!!.. مــيـن دي ؟.
تنحنحت "حِراء" وقد أسبلت جفونها في حرج منه، حيث إنها موكلة بإطلاعهِ على كل شئ يدور في قصرهِ وها هي قد قصرت في مهامها :
- دي واحدة من بيت طحان، وشكلها كده جاية مستنجدة.
مجرد ذكر أسم تلك العائلة كان مؤشرًا باردًا، كأنه اندهش قليلًا من هويتها، أو ربما اندهش لأنها لجأت لقصرهِ هو تحديدًا، لجأت لـ "هاشم العزيزي" المعروف بعداوتهِ الشديدة لـ آل الطحان...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا