رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخامس والعشرون 25
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
عندما ينكسرُ القلب، لا يتفتَّتُ إلى أشلاءٍ صامتة، بل إلى شظايا مشتعلةٍ تتراقصُ بين الحنينِ والوجع..
كلُّ شظيَّةٍ تحملُ جزءًا من الذكريات، تنبضُ بالحبِّ الذي كان، وتصرخُ بالألمِ الذي بقى..
أحيانًا أجدني أقفُ أمامَ تلك الشظايا، أمدُّ يديَّ لأجمعها، لكنِّني أحترقُ في كلِّ مرَّة.
وكأنَّها ترفضُ أن تُعاد، تفضِّلُ أن تبقى مشتعلة، حارقة، شاهدةً على الخسارة.
أحببتكَ بحجمِ الكون، حتى أنَّني اعتقدت أنَّ الحبَّ سيطفئُ نيرانَ الفراق.
لكنَّ النارَ كانت أعمقُ من ظنوني، وأشرسُ من وعودنا..
أين أهربُ من شظاياك؟!
وأين أجدني بعيدًا عن نيرانك؟..
أنتَ الغيابُ الذي يملأُ حضوري، والشظيةُ التي اخترقت روحي دونَ رحمة..
إنَّها شظايا القلوبِ التي تحترق..
لا تنطفئ، ولا تُنسى..
بألمانيا وخاصةً بالمشفى التي بها رحيل، جالسًا بجوارها محتضنًا كفَّها، رفرفت أهدابها تهمس:
-بابا..توقَّفَ منحنيًا يهمسُ إليها:
-رحيل عاملة إيه؟..فتحت عينيها ببطء، وقعت عيناها عليه، دارت بالغرفةِ بنظرها متذكِّرةً ماصار فاعتدلت سريعًا تبكي بصوتٍ مرتفع:
-بابا، أنا عايزة أشوف بابا..
حاول تهدئتها، ولكنَّها صاحت تبعده:
-ابعد عنِّي..قالتها بصرخاتٍ وركضت للخارجِ وهو خلفها، قابلتها رانيا التي وصلت من القاهرة للتو
-حبيبتي رايحة فين؟..لم ترُّد عليها وتحرَّكت إلى غرفةِ والدها، بحثت بعينيها عنهُ كالمجنونة، حاوطها بين ذراعيه:
-حبيبتي اهدي..أشارت إلى سريره:
-بابا فين يايزن، أبويا فين؟..ضمَّها بقوَّةٍ محاولًا السيطرةَ على حركاتها، هرولَ إليه الطبيبُ لحقنها، ولكنَّهُ منعه:
-أعتذر، كفى ماأخذته، لا أريدُ أيَّ مهدِّئ آخر..قالها باللكنة الانجيلزية، حاوطَ جسدها وتراجعَ على المقعد، ومازال يحبسها بين قلاعِ حصونهِ الدافئة، رفعت رأسها تطالعهُ بانهيارِ عينيها:
-بابا مات يايزن، مبقتشِ أشوفه تاني، خلاص كدا الحكاية مع أبويا خلصت، طيب ليه يمشي من غير مايودَّعني..
احتوى رأسها وأزالَ عبراتها:
- راحيل ينفع نعترض على حكمِ ربِّنا، ينفع ياراحيل، إنتِ كدا بتقولي لربِّنا ليه عملت كدا..
هزَّت رأسها ببكائها وشهقاتها التي تشقُّ الصدور:
-أنا عايزة أحضنه بس، عايز أشمّ ريحة بابا لآخر مرَّة في حياتي يايزن..
احتضنها يخبِّئها بين أحضانهِ يردِّدُ لها كلماتٍ حانيةٍ تهدِّئ من حزنها، ولكن كيف يهدأ قلبها الحزين، الذي أصبح كالطائر الذي ذُبحَ عنقه، وكيف لا أخبركم عن فقدانِ الأب، فالأبُ هو سندُ الحياة، هو الحبُّ الأوَّلُ والأخير، هو ضحكةُ الدنيا ودعوةٌ من القلب، النجمُ الذي يضيئُ ظلمةَ الحياة، والقلعةُ التي تحتويك من غدرها، فهو التي تهتزُّ الأرضُ بحضوره، وتمتلئُ السماءُ بحنانه، سفيرُ أحلامي، ودفءُ شتائي، هو الحاضرُ الغائبُ بدعائه،..فالأبُ سقفُ الحياة، تصوَّر بعدهُ حجمَ الضياعِ حين ترفعُ رأسك ولا تجد شيئاً يحميك..هذا الأب ياسادة
رحمَ الله والدي..اللهمَّ اغفر لموتانا وموتى المسلمين وارحمهم بواسعِ رحمتك، اللهمَّ آنس وحشتهم ونوِّر قبورهم واغفر ذنوبهم وارحمهم؛ اللهمَّ اجمعني بأبي في الفردوسِ الأعلى من الجنان، اللهمَّ افسح له في قبرهِ مدَّ بصره وافرش قبره من فراشِ الجنة؛ اللهمَّ أعذ أبي من عذابِ القبر وجفافِ الأرضِ من جنبيه...اللهم آمين
دعوة من القلب يارفاق للغائين عن العين الحاضرين بالقلب"
بعد عدَّةِ ساعاتٍ هبطت الطائرةُ بمطارِ القاهرة، تنقلُ جثمان مالك العمري، ماذا بك ياإنسان خرجت من هنا إنسان ورجعتَ بجثمان، اللهمَّ ارزقنا حسنَ الخاتمة ياأرحمَ الراحمين..
وصلَ الجثمانُ إلى مثواهِ الأخير حيثُ كان الجميعُ ينتظرونَ توديعه، وهاهنا انتهت حياتك ياإنسان مهما كنت تحملُ من عزِّ وجاه..
توقَّفت بجسدٍ واهنٍ وروحٍ غائبةٍ وهي ترى والدها يُدفنُ تحت التراب، انهارت قواها وسقطت فاقدةً للوعي وهي تردِّدُ اسمَ والدها..
بعد فترةٍ بفيلا العمري كانت تغطُّ بنومٍ عميقٍ بسببِ المهدِّئات؛ ولم يختلف الأمرُ عن والدتها التي فقدت الحركة وحُجزت بالمشفى..أيامًا عصيبةً حزينةً قضتها بين دموعِ الأسى والفقدان، لم يتركْها يزن، بل كان مثل ظلَّها..
بالأسفل:
بفيلا العمري كانت تجلسُ تأمرُ بالخدم وتتلقَّى العزاءَ وكأنَّها صاحبةُ المكان..استمعت إلى رنينِ هاتفها لترفعه:
-أيوة ياراجح..ولكنَّها هبَّت من مكانها بعدما استمعت إلى صوتِ الممرِّضة:
-حضرتك أنا ممرضة في مستشفى (. )..الأستاذ محجوز عندنا في قسم العظام.
أغلقت الهاتف تسبُّه، ثمَّ أمسكت هاتفها:
-عطوة إيه اللي حصل؟..
-زي ماتوقَّعتي بعد سفرك المانيا راح لميرال وحاول يقتلها لكن إلياس ضربه..
-تمام ياراجح، عايز تقتل البنت زي ماأمروك..تحرَّكت إلى المشفى، دلفت للداخلِ تبحثُ عنه، وجدتهُ بأحدِ الأسرَّةِ الموجودةِ بإحدى المشافي الحكومية..تلفَّتت حولها تنظرُ للمكانِ بإشمئزاز، ثمَّ تقدَّمت منه:
-إيه اللي حصل وعمل فيك كدا؟..
-بطَّلي كلام وكلِّمي حد من معارفنا ينقلني من المستشفى الزبالة دي، الحيوان ابنِ فريدة رماني هنا، وعملِّي قضية شروع في قتل، اتصرَّفي..آااه قالها وهو يضعُ كفَّيهِ على ظهره متألمًا ثمَّ تابع:
-ضهري ورجلي ومحدش معبَّرني لولا الممرِّضة وعدتها بمبلغ علشان كدا اتَّصلت بيكي، المهم دفنتوا مالك، وعملتي إيه مع بنته وأختك؟..
رفعت هاتفها تشيرُ بيدها إليهِ بالصَّمت، دقائقَ وأجابها أحدهم لتخبرهُ بما تريد.
بمنزلِ إلياس قبل ساعات:
كانت تقبعُ بأحضانه، محاوطًا لها بذراعه، ينظرونَ إلى صفاءِ السماء بنجومها، تراجعت بظهرها تلتصقُ بصدرهِ تشيرُ إلى أحدِ النجومِ التي أنارت واختفت فجأةً، قائلةً بابتسامة:
-ادعي دعوة بسرعة..قالتها وهي تلتفتُ بنصفِ جسدها عليه..
رفعَ حاجبهِ ولوى شفتيهِ ساخرًا، ثمَّ تراجعَ بجسدهِ قائلًا بتهكُّم:
-بس يابتِّ ياهبلة، دي خرافات..
تغضَّنَ وجهها بعبوسٍ طفوليٍّ تنظرُ للأمامِ بصمت، دنا منها يضعُ رأسهِ على كتفها:
-ربِّنا يحفظك ليَّا، وضع كفَّيهِ على أحشائها وتابعَ حديثه:
-ويرزقنا الذرية الصالحة..كدا كويس ياعصفورتي؟..
استدارت إليهِ بكاملِ جسدها:
-إلياس كان نفسي أقولَّك أنا أسعد مخلوق على الكون الليلة دي، بس جوايا نار ومش عارفة أطفيها، قولِّي وريَّح بالي أنا مين؟..
أخذَ نفسًا عميقًا وزفرهُ على مهل:
-هتفرق ياميرال، مش اتكلِّمت وقولت إنِّك بنتِ قلبي مش مكفِّيكي قلبي؟..
رفعت عينايها الحزينة إليهِ بتيه، وحالةٍ غريبةٍ متناقضة، لا تعلم إذا كانت تشعرُ بالسعادةِ أمِ الشقاء، لا تعلم أنُّهُ يحبُّها أم أنَّهُ يشفق عليها، حقًّا تغرقُ بخضَّمِ مشاعرٍ أرهقتها مما جعلها تفقدُ الشعورَ بنبضِ قلبها الذي يخفقُ لأجله، ماذا عليها أن تفعل..أن تراودهُ وتسحقُ أحاسيسها، أم تغرقُ معه بلجَّةِ عشقهِ الضاري مثلما يقنعها، لقد أثقلَ كاهلها بالتفكيرِ فتراجعت ببصرها عن مرمى عينيه، شعرَ بها ليحتضنَ وجهها بين راحتيه:
-أنا مش عايز غير إنِّك تكوني بنتِ قلبي، حتى لو كنت بنتِ أعظم راجل في الدنيا، حبِّي ليكي يستاهل إنِّي أكون كلِّ حاجة، انسي كلِّ اللي مرِّينا بيه، أنا كمان معاكي أهو، يعني لا أب ولا أم، حياة اتبنت على الضياع، تخيَّلي أنا مش قادر أتكلِّم وأقول في شغلي مش أنا الشخص دا، انا طلعت واحد تاني، حياة وشخصية بنتها من سنين وفجأة تطلع سراب، لا الاسم اسمي ولا الحياة حياتي..
وضعت أناملها على كفَّيهِ تسبحُ بعينيه:
-أنا مكنتش طالبة غير حبَّك ياإلياس، من وقت مااتأكدت إنِّي حبِّيتك مطلبتش غير حبَّك وأكون مراتك، رغم الوجع اللي كنت بتسبِّبه لي، بس مكنتش قادرة أكرهك، كلِّ كلامي معاك كان مجرد عقاب لقلبي اللي بيحبَّك ومش شايف غيرك، بس هعمل إيه، إنتَ كنت بعيد عنِّي أوي، وكلِّ لقاءاتنا تجريح وبس، ويوم ماعمُّو مصطفى قرَّر يجوِّزنا صدَّقني أنا كنت رافضة فعلًا الجواز دا، مش علشان إنتَ وحش، ياريت إنَّما كنت رفضاه علشان خايفة أكرهك، من معاملتك معايا اتأكِّدت جوازك منِّي انتقام، وللأسف حاولت تدفني وأنا حيَّة بدل المرَّة اتنين، أه اعترفت بحبَّك، بس اعتراف بارد، كنت بسمعه بوداني مش بقلبي، النهاردة أوَّل مرَّة أسمع نبض قلبك بجد، يمكن أكون سمعته قبل كدا بس كنت بكذِّبه، بس المرة دي غير، وخايفة ليكون شفقة..
وضعَ أناملهِ على شفتيها يطالعها بصمتٍ مريب، نعم لم يستطع الردَّ عليها، فلقد أخرجت كلَّ ما يؤلمُ روحها، ورغمَ ذلك شعرَ بقبضةٍ تعتصرُ فؤاده، هل تعتقد أنَّهُ مرواغًا بمشاعره..
رفعَ ذقنها وغرزَ عينيهِ بمقلتيها ونطقَ مخبرًا إيَّاها:
-اسمعيني كويس يابنتِ فريدة، مش أنا الشخص الِّلي يتلاعب بالمشاعر، مش مشكلتي أفكارك الغبية، أنا أوَّل ليلة في جوازنا اعترفت لك أنا عايز أكوِّن حياة معاكي ولو كنت كارهك زي ما بتقولي، كنت مستحيل أوافق على الجواز، مش أنا اللي أنتقم من ستِّ في بنتها، منكرشِ أفكاري كانت مأساوية، بس عمري ما فكَّرت أخدك بذنبِ حاجة إنتِ مالكيش حقِّ فيها، اتجوِّزتك وقولت هطلَّقك بعد فترة منكرشِ دا، بس دا من خوفي من عدم قبولك لحياتنا، وكنت مفكَّر إن مدام فريدة هتحاول تبعدك عنِّي، أيوة كنت غبي وببني مبرِّرات منكرش، بس أنا كنت بحبِّك وقولتها لك قبلِ كدا، لو مش بحبِّك مكنتش اتجوِّزتك، افهمي بقى، مش كلِّ شوية هغنِّيها، أنا مبحبش الكلام الكتير، والفرصة لمَّا جت قولتها، الحبّ مش كلمات نفرح بيها ياميرال..
دفنت رأسها بعنقهِ وآاااه عميقة أخرجتها من جوفِ حسرتها قائلة:
-أنا تعبانة أوي ياإلياس، حاسَّة إني ضايعة وبغرق..
أخرجها ينظرُ لعمقِ عينيها:
-إنتي اللي مسلِّمة نفسك للموج، مفيش حدِّ بيوقف ضدِّ التيار وعايز يعدِّي، ارمي حمولك على ربِّنا وقولي يارب،
وإن شاءالله هنخرج من الكبوة، عارف إنِّك شايلة فوق طاقتك، بس كمان متأكد إنك قدَّها، دنا يلمسُ ثغرها وهمسَ بنبرةٍ مثيرة:
-إنتِ حبيبة إلياس ومراته، وإلياس مش هيتجوِّز واحدة ضعيفة ياميرال..
-إلياس لو سمحت..نطقتها بصورةٍ قاتلةٍ تخترقُ كلَّ الحواجز، ليجذبها يضمُّها إلى قلبه:
-مش عايز أسمح بحاجة غير إنِّك تفوقي وتتأكِّدي إنِّك أقوى من أيِّ حاجة..انبثقت دموعها لتحكي مقدارَ ألمِ ماتشعرُ به، حتى أخرجت شهقةَ بكاء، أخرجها يحتوي وجهها:
-الدموع دي دموع الفرح صح؟..مش عايز غير إنِّك فرحانة علشان تتأكدي إنِّي بعشق ميرال، زي ماأنا متأكد إنِّك بتعشقيني..صح حبيبي؟..
هزَّت رأسها مع ابتسامةٍ من بين دموعها، ليفلتَ ضحكةً غامزًا:
-طيب إيه الليلة هتعدِّي كدا، مفيش حتى كلبش يتحطّ في الكعبِ الحلو دا..قالها وهو يرفعُ قدمها:
لكمتهُ بقوَّةٍ ليرتفعَ صوت ضحكاتهِ وهو يضمُّها:
-ماليش فيه، عايز أعيش لحظات الراجل الشرقي، وخاصةً المصري الأصيل، هتقومي تتطلعي على التربيزة علشان أقيِّم المواهب والمناطق..
لكمتهُ تضحكُ بصوتٍ مرتفعٍ عكس ماكانت تشعرُ به، ليضمُّها بشوق:
-بحبِّك واللهِ ياميرو، وحبُّي بيكبر لدرجة خايف عليكي منِّي..
تمسَّحت بصدرهِ هامسة:
-إئذيني بالحبِّ دا مالكشِ دعوة، المهم إنَّك تحبِّني وتخاف على ميرال علشان حبيبتك مش علشان بنتِ الستِّ اللي ربِّتها..
-بتغلطي حبيبي..لمست وجنتيهِ وتعلَّقت العيون:
-بحبِّ كلمة حبيبي أوي منَّك، بحسَّها نقية من قلبك..داعبَ أنفها بأنفهِ يهمسُ بنبرةٍ جعلت خفقانهِ كطبولِ حرب:
-لازم تحبِّي أيِّ حاجة أقولها أصلًا..مرَّرت أناملها على وجههِ وطبعت قبلةً بجوارِ خاصَّته، ونظرت لعينيهِ القريبة:
-عايزاك على طول كدا ياإلياس..
ابتعدَ عنها ثمَّ نهضَ من مكانه، واتَّجهَ إلى خزانتهِ الخاصة، فتحها ليجذبَ دفترًا يزيِّنهُ قلمًا لامعًا، ثمَّ تحرَّكَ إليها..
راقبت أفعالهِ بصمت، جلسَ وأشارَ إليها بالاقتراب، تراجعت لتصبحَ بأحضانه، قامَ بفكِّ الرباطِ الذي يزيِّنُ الدفترَ ثمَّ أخرجَ القلم، رفعت عينيها التي تزيَّنت بطبقةٍ كرستاليةٍ إلى عينيه، وارتجفت شفتيها
"معقول!!"
انحنى يخطفُ قبلةً سريعةً ثمَّ حاوطها بذراعيهِ لتصبحَ باحضانهِ بالكامل، وبدأ يقلِّبُ بصفحاتِ الدفتر...
""أنا العاشقُ الذي تُصبح كلَّ الكلماتِ مجرَّدِ عبء، والصمتُ صلاة."
ثمَّ قلَّبَ بصفحةٍ أخرى..
وأنا إن أحببت، أحبُّ كأنِّي سأموتُ..
فاكرة الخاطرة دي ..بدأ يقرأها وهي تحتضنه بعيناها، تريد الكثير والكثير، وضعت كفيها على كفيه وقرأت بعد السطور
قل لي بربَّك:
أين يُباعُ الكره؟..
لأكرهكَ بحجمِ حبِّي لك..
قل لي بربَّك..
أين يُباعُ النسيان؟..
لأستطيعَ نسيانك..
بقدرِ إشتياقي..
قل بربَّك كيف أكونُ أنا بلا أنت.
رفعت ذراعيها تعانقه، ولم تجد كلماتٍ تعبِّرُ عن مدى عشقها، فلقد تخطَّى ذلك الرجلُ عشقَ الكون، رفعَ رأسها وتقابلت الأعينُ بنبضِ القلوب، قرَّبها من صدره، وآااهٍ بنبضِ مايشعرُ به..فعشقها عشقًا جارفًا، تخلَّلَ الشريان ليكتملَ بها ولها،
تعثَّرت الكلماتُ بينهما ولكن هناك نبضٌ جنوني، وكأنَّهما لم يقتربا منذُ سنوات، وليس من دقائق، مرَّرت أناملها على نبضِ قلبهِ تهمسُ بنبرةٍ أثارت جنونُ العشق:
"عندي أموت ولا أبعد عن حضنك، لو عايز تموِّتني بالحيا ابعدني عن حضنك ياإلياس..دي هديتي صح ..
همسَ بأذنها بعض الكلماتِ التي ترجمتها بالوقاحة، فتحت فاهها للردِّ عليه، ولكنَّهُ سبقها عندما جذبها فوق ركبتيهِ ليحرِّكَ يدهِ فوق جسدها بعبث..
تجمَّدَ جسدها وفقدت الحركة من حصاره ِبكاملِ أسلحته، هزَّةٌ عنيفةٌ أصابتها وهو يتابعُ فنونَ عشقه، أغمضت عينيها ورفعت رايةَ الانهزامِ في جبروتِ العشق، داعبها بأنفاسهِ الحارَّةِ وأستأنف:
بُعدي عنِّك موت ياميرال..أومأت رأسها بالإيجاب:
"أوي أوي، أكيد عندك نفس الإحساس..
ابتلعَ باقي كلماتها، لينهلَ من عسلها المذابَ فوق كرزيتها، غرقَ ببحورِ عشقها وذابَ الثلجُ وهو يلعنُ داخلهِ من حرمانِ قلبهِ من جنَّةِ نعيمها، ظلَّ يقطفُ من جنَّتها إلى أن أُنهكَ جسديهما ليغفو بسلام، وكأنَّهُ لم ينم لسنواتٍ طوال..
بعد عدَّةِ ساعات، شعرت بألمٍ لتنهضَ من فوق الفراشِ تسحبُ قميصهِ وترتديهِ متحرِّكةً إلى الحمَّام، لتُخرجَ مافي جوفها، شعرت بالألمِ يزداد، دلفت إلى حوضِ الاستحمامِ لتنعمَ بحمَّامٍ يزيلُ إرهاقها، ثمَّ خرجت بهدوءٍ حتى لا توقظَ زوجها، سحبت هاتفها ودلفت لداخلِ غرفةِ الملابس، وقعت عيناها على بعضِ الأوراقِ التى يدوَّنُ عليها اسمها، تناولتها تقرأُ مابداخلها:
"انهيار عصبي" أغمضت عينيها وجلست حينما شعرت بالآلامِ تزداد، بحثت عن رقمِ طبيبتها:
-أيوة يادكتورة، معاكي ميرال السيوفي، قصَّت لها ماتشعرُ به، فأجابتها:
- لو فاضية عدِّي عليَّا نطَّمن، نظرت بساعةِ يدها تتنهَّد، فالوقتُ مازال مبكَّرًا، ومازال زوجها نائمًا، نهضت وقامت بتبديلِ ثيابها، استمعت إلى صوتِ هاتفها، انحنت ترى من المتَّصل، قطبت جبينها ثمَّ رفعت هاتفها:
-أيوة مين؟..
-حضرتك فيه واحد عايز يكلِّمك، صمتت منتظرةً من يريدُ التحدُّثَ معها..
-ازيك يابنتِ رانيا، أوعي تفكَّري إنتي والحيوان جوزك هتعدُّوا من اللي عملتوه، شكلكم متعرفوش مين هوَّ راجح، اسألي فريدة عنِّي وهي تقولِّك، وحياة إهانتي اللي جوزك هنِّي بيها لكون دافنه قبلِ ما يشوف ابنه، وعد من راجح الشافعي لأدفنك يابنِ جمال، سمعتيني يابت، جهِّزي الأسود علشان هلبسهولك العمرِ كلُّه، وحياة أمِّك الخاينة لأدفنه قدَّام عيونك..قالها وارتفعت ضحكاتهِ المشمئزة، لتغلقَ الهاتفَ وتهوى على المقعدِ تضمُّ أحشاءها، تسلَّلت الآلامُ لجسدها بالكاملِ حتى شعرت بانسحابِ أنفاسها، هرولت للخارجِ توقَّفت أمام فراشه، كان مستغرقًا بنومه، نزلت بركبتيها أمام نومهِ وملَّست على وجهه مع دموعها التي زحفت بكثرةٍ على وجنتيها، اقتربت تدفنُ نفسها بعنقهِ تستنشقُ رائحته، شعرت بالانهيارِ من مجرَّدِ عدمِ وجوده بحياتها، قبلةً ناعمةً على وجنتيهِ ثمَّ نهضت بعدما قرَّرت العزمَ على التخلُّصِ من جميعِ آلامها، اتَّجهت إلى خزانتهِ وسحبت سلاحهِ وركضت للخارج، توقَّفت بالحديقةِ لبعضِ الدقائق..ثمَّ خطت إلى سيارتهِ وصعدتها لتخرجَ من البوابة دون إعاقةٍ من الأمن.
وصلت بعد دقائقَ معدودةً للمشفى الموجودِ بها راجح، بعدَ الاتصالِ بالرقمِ الذي هاتفها، لتعلمَ مكانه، صعدت إلى الغرفةِ التي علمت رقمها من الممرِّضة، دفعت البابَ ودلفت، وجدت رانيا تقفُ أمام النافذةِ وكأنَّها تتحدَّثُ مع أحدهما، وصلت إلى فراشه:
-عايز منِّي إيه؟..مش إنتَ بتقول أنا مش بنتك، وأنا مش عايزة أكون بنتك سمعتني، أنا بكرهك ومش عايزة أكون بنتك..قالتها بصراخ، لتقتربَ رانيا تطالعها بذهول:
-مروة حبيبتي، كنت عارفة إنِّك هتيجي، متزعليش من بابا يابنتي هو..
-اخرسي..قالتها بصوتٍ مرتفع، كزَّت على أسنانها وهتفت بنبرةٍ حادَّةٍ مشمئزة:
-أنا عندي أكون بنتِ شوارع ولا أكون بنتك، ولا بنتِ الراجل دا، أنا مش عايزة أكون بنتكم، والراجل دا قالها أنا بنتِ حرام، ابعدوا عنِّي بقى..
أفلت ضحكةً صاخبة، ثمَّ رمقها بنظرةٍ ناريةٍ وهتفَ بفحيح:
-مش قبل ماأدفن الحيوان جوزك، ووعد منِّي يابنتِ رانيا لأدفنه قدَّامك..
أخرجت السلاح ووجَّهتهُ عليه، وهتفت بنبرةٍ مميتة:
-ووعد منِّي لأصفِّي دمَّك القذر دا، قالتها وضغطت فوق الزنادِ بكلِّ برودٍ وأطلقت رصاصةً لتستقرَّ بكتفهِ مع ابتسامةٍ باردةٍ وهي تقتربُ منه:
-أيوة عايزاك تصرخ أوي، متفكرشِ مش عارفة أنشِّن على القلب، لا مش عيب ياراجل، دا أنا مرات إلياس السيوفي ، بس مش عايزاك تموت بسرعة، شايف جسمك دا، هوزَّع رصاصات المسدس كلَّها فيك، وأنا كلِّي انبساط، ومفيش ولا دمعة هتنزل عليك ولا عليها..قالتها وهي تلقي رانيا بنظرةٍ ساخرة..خطت رانيا تشيرُ إليها:
-عايزة تموِّتي أبوكي يامروة؟!..قالتها باندفاعِ الأمنِ للغرفة، ومحاوطةِ ميرال التي مازالت ترفعُ سلاحها بوجهِ راجح..
لوت شفتيها بألمٍ وهتفت ساخرة:
-مدام رانيا بتقولِّي عايزة تموِّتي أبوكي، دا أنا كرهت الكلمة بسببكم، عمرك سمعتي عن حدِّ يتمنَّى أنُّه يكون ابنِ حرام، أنتوا وصَّلتوني لكدا، اقتربَ أحدُ أفرادِ أمنِ المشفى مع بعضِ الأطباء:
-لو سمحتي دي مستشفى مينفعشِ اللي بتعمليه، أشارت له غاضبة:
-اللي هيقرَّب هموِّته، وصلت مرَّةً أخرى إلى راجح الذي أمسكَ كتفهِ يتألَّمُ ثمَّ وضعت فوهةَ السلاحِ موضعَ الألم:
-اتوجع كمان، شايف الوجع دا، دا مش حاجة من اللي أنا بحسِّه كلِّ ماأفتكر إنِّ شخص قذر زيك أبويا، أنا بحمل الدَّم الفاسد بتاعك وبتاع الستِّ دي..
ضغطت مرَّةً أخرى لتنطلقَ رصاصةً بنفسِ الموضع؛ وهي تطالعهُ بنظرةٍ خلت من الحياةِ مع اقتحامِ إلياس الغرفة:
-ميرال..صاحَ بها بصوتٍ غاضب، لتستديرَ إليهِ مفزوعةً من صوتهِ المرعب، اقتربَ ينظرُ لسلاحهِ الذي بين يديها، ثمَّ أشارَ للجميعِ بالخروج:
-كلُّه برَّة، توقَّفَ أفرادُ أمنِ المشفى ، ليستديرَ إليهم:
-بررررة..قالها بعيونٍ كادت أن تخرجَ من محجريها حتى نفرت عروقه، ثمَّ اقتربَ يجذبُ منها السلاحَ بعدما ارتجفَ جسدها من حالته.
وزَّعَ نظراتهِ بين رانيا وراجح، ثمَّ أشارَ بسبَّابته:
-لو بلاغ خرج ضدِّ مراتي، هرجع أولَّع في الأوضة وأنتوا فيها..قالها وسحبَ ميرال التي فقدت الشعورَ بما يدورُ حولها، لتهوى ساقطةً على الأرضية، هرولَ لينحني وقامَ بحملها متَّجهًا بها إلى سيارته، وضعها بهدوء..رغمَ رسمِ الهدوءِ على وجههِ إلَّا أنَّ داخلهٍ نيرانًا تحرقُ الأخضرَ واليابس..
فتحت عينيها تأنُّ وهي تحاوطُ بطنها، رمقها بنظرةٍ غاضبة، ذاهبًا إلى طبيبتها..
اتَّجهَ إليها يساعدها على النزول، بكت بعدما شعرت بأنَّ جنينها أصبح بخطر، انحنى وحملها متَّجهًا إلى الأعلى.
-الدكتورة مش موجودة، بس فيه دكتورة تانية، لو مستعجلين
أشار إليها إلياس بعدما فقد صبره، وهو يرى ملامحها المتألمة
-تمام خليها تيجي تشوفها، لحد ما الدكتورة ترجع
بعد فترةٍ انكمشت ملامحُ الطبيبةِ بانزعاج:
- الجنين للأسف حالته مش تمام..
شعرت بنغزةٍ بصدرها، وعينيها على إلياس الذي لايظهرُ على وجههِ سوى الجمود، فحصتها، تهزُّ رأسها بأسف:
-للأسف ممكن نفقد الجنين، هنا شعرَ بدورانِ الأرضِ من تحتِ قدميه، ابتعدَ عنها حتى لا يفقدَ أعصابه عليها.
توقَّفت الطبيبةُ مشيرةً بيدها إلى إلياس:
-لو توافق حضرتك فيه استشاري كويس، يشوفها برضو، أنا بحاول منفقدشِ الأمل..
زوى مابين حاجبيهِ متسائلًا:
-استشاري!!..مين دا؟..
-دكتور يونس البنداري، ممتاز جدًا، ودا يُعتبر من أشهر أطباءِ النسا والتوليد، هوَّ موجود النهاردة بالمستشفى، ودا من حظُّكم..
أجابها بتلقائيةٍ مغموسةٍ بالأمل:
-مش قدَّامنا حل تاني للأسف..بعد فترةٍ كان يجلسُ أمام جهازِ الكشفِ الذي يُعرفُ بالسونار، وبدأ يفحصها بدقَّة، خلعَ نظَّارتهِ الطبية، واتَّجهَ بنظرهِ الى إلياس:
-هوَّ الجنين في الحوض للأسف، مع وجود انقباض في الرحم، على العموم
هنحاول نوقف النزيف، الجنين لسة نبضه شغال، هتتحجز النهاردة مع المتابعة المستمرِّة، أشارَ إلى الطبيبةِ ببعضِ الأدويةِ مع بعض النصائح التي يجب مراعاتها، ثمَّ نهضَ قائلًا:
-هنجرَّب العلاج لحدِّ بكرة، طول مالجنين نبضه شغَّال يبقى فيه أمل، الراحة وعدم التوتر، مع العلاج إن شاءالله نحافظ عليه، أهم حاجة تتابعي معها بالعلاج دا، أربعة وعشرين ساعة تحت المراقبة، وكل اربع ساعات نبدل بين الأدوية.اتجه إلى ميرال
-الراحة النفسية نص العلاج يامدام، إن شاءالله يكون الوضع افضل..قالها يونس وتحرَّكَ بعد شكرِ إلياس..
خرج من المشفى متجهًا إلى سيارته
-فينك حبيبي خلصتي شغل اعدي عليكي، ولا هترجعي مع ليلى
خرجت سيلين من المصعد وردت مجيبة
-لا يادوك عندي اجتماع، هرجع مع ليلى..توقفت متسائلة
-راكان رجع من المانيا ولا لسة
-لسة..قالها وهو يصعد سيارته ويرتدي نظارته، قائلًا
-سيلين لازم ترجعي بدري، مينفعش كل ترجعوا نص الليل، الأمر مبقاش مقبول، بنتك في سن خطر يامدام البنداري..قالها وأغلق الهاتف متأففًا، ثم تحرك بالسيارة متجها إلى قصر البنداري
بالاعلى عند ميرال
نُقلت ميرال إلى غرفةٍ للمتابعة، غفت بعد تناولها الأدويةِ التي خصَّصها يونس، ظلَّ جالسًا بجوارها لبعضِ الوقت، ينظرُ إليها بنظراتٍ صامتة، لا يظهرُ على وجههِ أيَّ شيئٍ سوى الجمود.
استمعَ إلى طرقاتٍ على بابِ الغرفة، نهضَ بدخولِ فريدة تركضُ إليها بلهفة:
-إيه اللي حصل، وإزاي متعرفنيش، يعني لولا اتحجزت مكنتش أعرف؟..
زفرةٌ قويةٌ أخرجها والنارُ تلتهمُ المتبقِّي من ثباته، لا يفعلُ شيئًا سوى أنَّهُ يضغطُ على نفسهِ حتى لا يثورَ أمام الجميع، استمعَ إلى رنينِ هاتفه:
-أيوة..
-فيه بلاغ متقدِّم ضدِّ مدام ميرال، شروع في قتل ياإلياس وشهود كمان، وإنَّك المحرِّض، ومدام رانيا، بتقول بتعمل كدا علشان عرفت إنَّها بنتها وإنتَ منعتها من أمَّها وطلبت منها تقتل راجح علشان هوَّ العقبة، كلام كتير وصلني، شكل رانيا دي وراها راس تقيلة، لا وإيه طلبت فحصِ المسدس، أنُّه بتاعك وبعتَّها وخيَّرتها عايزة أمِّك تقتلي راجح..
-تمام ..قالها وأغلقَ الهاتف، رفرفت بأهدابها، تهمسُ اسمهِ ولكنَّهُ ظلَّ بمكانهِ وكأنَّها لا تعنيه، رغم نيرانٍ بداخلهِ، تجلى الغضب ببحر عيناه حتى كاد أن يملأ الدنيا بصرخات ممزوجة بالغضب الجحيمي
انسابت دموعها بعدما وجدت فريدة تحتضنُ كفَّيها، اقتربت تطبعُ قبلةً فوق جبينها:
-بطَّلي عياط ياقلبي، رفعت عينيها إليهِ ولكنَّهُ استدارَ مبتعدًا إلى النافذة، دلفَ مصطفى:
-فيه إيه يابني مش قولت بقيتوا كويسين، وروحتوا إمبارح، إيه اللي حصل تاني؟..
اقتربَ من والدهِ يشيرُ عليها بقهر:
-المدام خلِّتني نايم وراحت تقتل راجح في المستشفى، ومش بس كدا ضربته بالمسدس بتاعي، والحيوان رفع قضية شروع في القتل، وبيتهمِّني باستخدام المدام للانتقام..يعني عايزة تقدِّمني للحيوان على طبق من دهب، وهوَّ استغلَّها، قولِّي أجيب عقل منين، بقى أنا اللي بحاول أخطَّط لدفنه، والغبية متهورة، وياريت جت على كدا بس، لا الجنين بقى في خطر.
شهقة اخرجتها فريدة تطالعها بعتاب
كوَّرَ قبضتهِ وهو يهتفُ بغلٍّ وشيطانهِ يتراقصُ بحدقتيه:
-صدَّقيني الولد دا لو حصل له حاجة هيكون آخر مابيني وبينك، ادعي من ربِّنا أنُّه يفضل، ياأمَّا هرميكي للأبد من حياتي
صفعها بقسوةِ كلماته، حتى شعرت بألمٍ جسديٍّ يفتكَ بها، كأنَّهُ أقوى الآلامِ التي تعرَّضت إليها، لتغمضَ عينيها تتمتم:
-ياربِّ ينزل ياإلياس، ياربِّ ينزل علشان ترميني من حياتك ومايبقاش فيه اللي يجبرك إنَّك ترتبط بواحدة زيي، عارفة إنَّك عايز تخلص..
توسَّعت حدقته، وكمٍّ من الآهاتِ أحرقت نبضه، ولكن كتمها بقهرٍ وهو يقتربُ منها، وكادَ ذاك الانفجارِ أن يصدحَ ليحرقَ الكونَ ومابه، ماذا تقولُ تلك المعتوهة، تقابلت الأعينُ في عتابٍ يحرقُ كلًّا منهما، وانسابت دموعها تحرقُ وجنتيها، مع ارتجافِ شفتيها، لتسحبَ بصرها بعيدًا عنه، ثمَّ تمدَّدت على الفراشِ تهمسُ بخفوت:
-ماما غطِّيني حاسة إنِّي بردانة، بردانة أوي ياماما، دفيني لو سمحتي..
هزَّةٌ عنيفةٌ كسقوطِ نيركٍ على سطحِ الأرض، ليشعرَ بانسحابِ أنفاسهِ بالكاملِ وخمولِ جسده:
-دا اللي فهمتيه؟..هكذا أردفَ بها..
استدارت تواليهِ ظهرها ولم ترد، انحنى بجسدهِ ولم يرحم ضعفها:
-لمَّا أكلِّمك ماتدنيش ضهرك، حتى لو بتموتي سمعتي..
-اتجنِّنت ياإلياس مش شايف حالتها؟..
قالتها فريدة
-إااايه صرخَ بها بعدما فقدَ صبره، نهضَ مصطفى من مكانهِ محاولًا السيطرةِ على نيرانهِ الغاضبة:
-طيب ممكن تهدى ياحبيبي وتسبها دلوقتي البنتِ تعبانة، وإنتَ بتقول ممكن تفقد الجنين..
مسحَ على وجههِ بعنف، محاولًا ألَّا ينساقَ خلفَ شيطانه، ربتت فريدة على ظهرها بعد ارتفاع بكاؤها:
-حبيبتي اهدي متنسيش إنِّك حامل، ووضعك صعب..ولكن ازدادَ بكاؤها حتى ارتجفَ جسدها..مما جعلهُ يفقدُ السيطرةَ على أعصابه، وهربَ للخارج، دقائقَ ووصلَ إلى المشفى ومنها إلى غرفةِ رانيا وراجح، دفعَ الباب، ووصلَ إليها بخطوةٍ واحدةٍ يطبقُ على عنقها:
-عارفة ياجاثويل لو فكَّرتي تقرَّبي من مراتي هعمل فيكي إيه؟..هفصل أعضاء جسمك، أقسم بربِّ العزة اللي إنتِ متعرفهوش أعملها ومن غير بنج كمان، ودور النحنحة دا مش معايا، البلاغ لو متسحبشِ قبلِ عشر دقايق محدش يقولِّي بتعمل كدا ليه، وصلَ الطبيبُ محاولًا إبعادهِ عنها بعد صراخِ راجح وضغطهِ على الزر..دفعها بقوَّةٍ حتى سقطت على الأرضيةِ يبصقُ عليها وصاحَ بنبرةٍ مشمئزة:
-حثالة وحيَّة، بس متعرفيش إنتِ وقعتي مع مين..اقتربَ من راجح الذي يشيرُ للطبيبِ بإبعاده:
-وإنتَ ياسكار العصابة المرَّة الجاية هجرَّك بحبل وأربطك برجلِ حمار أعمى، اوعى تفكر انا ساكت عليك ضعف مني، لا انا مش فاضي لك، بس كدا انت بتكتب النهاية.. حيوانات..قالها وغادرَ المكانَ مثلما دخل.
بشقةِ رؤى قامت بتشغيلِ أغانٍ شعبيةٍ وبدأت تتراقصُ مع الموسيقى، بجلوسِ إيلين التي تتآكلُ غضبًا وتريدُ أن تفتكَ بها، قاطعهما صوتُ الباب، نهضت إيلين لفتحِ الباب، بينما ظلَّت رؤى تتراقصُ بتلك الثيابِ التي يقالُ عليها ماهي سوى ثيابٍ للرقص..
-آدم !!
-ايه يادكتورة هتفضلي في بيوتِ الناس كتير؟..خالك رجع، وخالو مالك اتوفى، مش الأولى تكوني مع بنتِ خالتك بدل الغريب؟..
-عمُّو مالك مات، ياحبيبتي يارحيل، الله يكون في عونها، باباها كان كلِّ دنيتها..
أشارَ إليها:
-ادخلي حضَّري نفسك يادكتورة، لازم نروح لراحيل بدل ماتكون لوحدها، ومريم نزلت هي وأحمد وكرم.
أومأت بالموافقةِ قائلة:
-طيب روح إنتَ وأنا هجهز وآجي.
اقتربَ منها خطوةً حتى أصبحَ بداخلِ المنزل، وقبضَ على ذراعها:
-اسمعيني يابت علشان جبتِ أخرك معايا، عشر دقايق وألاقيكي في العربية، صمتَ على صوتِ الموسيقى، ضيَّقَ عينيهِ متسائلًا:
-أنتوا بترقصوا؟..قالها بخروجِ رؤى بتلك الهيئة..
-إيلين اتأخرتي ليه؟!
صرخت إيلين متوقِّفةً أمام آدم حتى تجحبَ رؤيتهِ لرؤى:
-ادخلي أنا جاية، قطبت جبينها واقتربت خطوة:
-فيه إيه مالك؟..استدارت تدفعُ آدم للخارج، مع إغلاقها للباب:
-روح على العربية وأنا جاية..
رفعَ حاجبهِ ساخرًا، ثمَّ أشارَ بسبَّباتهِ للداخل:
-كنت عايز أتفرج، إنَّما الغزالة الحلوة دي صاحبتك؟..طيب ماتناديها نتعرَّف، دنا من أذنها وهمس:
-قوليلها ابنِ خالي حليوة وعايز يكمِّل نصِّ دينه قبلِ مايدخل الأربعين، أصله اتجوِّز ومراته مطلَّعة عينه، لحدِّ مازهق ، حلوة البنت اوي، وشكلها بتعرف تبسط الراجل اوي..قالها بمغذى
رمقتهُ بنظرةٍ ناريةٍ تشيرُ إليه:
-استناني في العربية يامحترم، قال دكتور، أخرك يشغَّلوك في شارعِ الهرم..
-موافق، بدل هشوف حلويات كدا موافق..قالها غامزًا..
تحرَّكت للداخلِ تسبُّهُ بداخلها، ثمَّ دلفت إلى رؤى:
-عايزة أعرف إنتِ اتجننتي؟!..يعني الباب خبَّط، أكيد حدِّ جاي، مفيش غير اتنين ياجوزي، ياالياس، إزاي تُخرجي بالطريقة دي؟..
تأفَّفت وهي تُنهي ارتداءَ ثيابها، ثمَّ استدارت:
-هتصدَّقيني فكَّرته إلياس، واللهِ ماأعرف أنُّه جوزك.
توسَّعت عيناها بذهول:
-إنتِ مجنونة، حتى لو إلياس إزاي تخرجي بالشكلِ دا، اقتربت تقبضُ على ذراعها وشيَّعتها بنظرةٍ مشمئزة:
-رؤى بلاش تعضِّي الإيد اللي اتمدِّت لك، إلياس كان واضح معاكي، وهو بيحبِّ مراته، ولو بيعاملك كويس، فدا شفقة مش أكتر، فوقي علشان أنا أعرف الشخصية اللي زيه، لمَّا بيقلب بيحرق اللي يقرَّب منُّه، وأنا شوفت نظرةِ الحبِّ لمراته، ممكن مااعترفشِ قدامك، بس صدَّقيني يوم الحفلة كنت شايفة إزاي بيبص لها، بلاش أقولِّك نظرة عاشق، ممكن يختلفوا، بس ميبعدوش ولا يكرهوا بعض..
جلست مع تنهيداتهاا، تشيرُ بيديها:
-أنا تعبت من الوحدة ياإيلين، رفعت عينيها إلى إيلين واستطردت:
-إيلين ارجعي لجوزك، صدَّقيني هوَّ بحبِّك، أه غلط، بس زي ماشرح لك، ساعات بنكون مضطرِّين نعمل حاجات ضدِّ رغبتنا.
-لا واللهِ والِّلي ضدِّ رغبتك، تخطَّطي تخطفي راجل من مراته، تحرَّكت واستأنفت بغيرِ رضا:
-اسمعيني يارؤى، هتخسري، ومتأكدة إنِّ إلياس لو عرف هيرميكي دون رجعة، أنا ماشية، عمُّو جوز خالتو اتوفى، ولازم أكون مع بنته..
اقتربت منها متسائلة:
-قصدك رحيل؟!
-أيوة..
استدارت متسائلة:
-معاكي صور لطنط فريدة؟..
قطبت جبينها متسائلة:
-ليه؟!.هزَّت كتفيها وأجابت:
-بشبَّه عليها، أصلها شبه خالو، وخالو كان عنده بنتِ عم بيدوَّر عليها من زمان، كانت متجوِّزة أخو عمُّو راجح، بس عمُّو راجح قال هربت منعرفشِ راحت فين، تذكَّرت شيئًا تحدِّثُ نفسها:
-إيه دا إزاي نسيت حاجة زي دي، عيونها عيون ماما بالظبط، معقول تكون هي؟..
هزَّت رأسها بجهلٍ وهي تلملمُ أشياءها، تهمسُ لنفسها:
-لازم خالو يعرف، أنا حاسة إنَّها هتكون خالتو، توقَّفت عمَّا تفعله:
-إلياس بيكون ابنها؟..اعتدلت تسألُ رؤى:
-إنتِ قولتي لي، إنِّ إلياس طلع ابنها المخطوف من سنين..
-مالك يابتّ اتجنِّنتي!..دا كلُّه علشان آدم شافني ببدلةِ الرقص، ياختي روحي ارقصي له بدل جنانك دا..
-أوووف أنا في إيه وانتِ في إيه..لازم أمشي بدل مااتجنِّن منِّك..
تهكَّمت رؤى تنظرُ بأظافرها:
-قولي إنِّ الدوك وحشك ياحنيِّنة، بس مكسوفة..
أغلقت البابَ بوجهها:
-برة يابتّ عايزة أغيَّر هدومي..
بالمشفى عند فاروق:
كان الجميعُ ينتظرُ بالخارج، للإنتهاءِ من العمليةِ التي يخضعُ لها فاروق، جلسَ إسحاق بعيدًا عن الجميع يدعو الله بسريرته، اقتربَ منهُ أرسلان:
-عمُّو..رفعَ عينيهِ المتحجِّرةِ بالدموع:
-نعم ياعمُّو...جلسَ بجوارهِ يربتُ على كتفه:
-إن شاء الله هيقوم بالسلامة، عندي يقين بربِّنا كبير.
مسحَ على وجههِ يهزُّ رأسه:
-إن شاء الله حبيبي، بنقول يارب، فاروق مش مجرَّد أخ، فاروق أبويا وأخويا وكلِّ حاجة..
-وأنا إيه ياإسحاقو؟..أنا كدا غيران على فكرة، مش هوَّ أبويا أهو، بس بغير عليك..
جاءت كلماتهِ البسيطةِ حانيةٍ باردةٍ كبرودِ الثلجِ على قلبهِ الذي ينصهرُ من الخوف على اخيه
جذبهُ يضمُّهُ لأحضانه، لتتدفقَ العبراتِ بغزارةٍ من مقلتيه..
-بابا هيخرج بالسلامة ياعمُّو مش كدا، ماهو أنا مقدرشِ أعيش من غيره، أنا طفل أوي ياعمُّو..
نزعهُ من أحضانهِ يزيلُ عبراتهِ ثمَّ أردفَ بنبرةٍ حادة:
-ابنِ الجارحي مش عيِّل يالا، إنتَ راجل، إياك أسمع كلامك دا تاني، حتى لو فقدت أبوك، لازم تكون قوي، متعودتش أشوف دموع أرسلان الجارحي..
تعاظمَ الخوفُ بداخله، ليهزَّ رأسهِ مع انسيابِ دموعه:
-لا متقولشِ كدا لو سمحت..نبرةٌ حزينةٌ مع نظرةٍ توسليةٍ من عينيه:
-لا بابا هيفوق، ويجوِّز ملك ويفرح بيها مش كدا؟..
هبَّ من مكانهِ مع خروجِ الطبيب:
-إحنا عملنا اللي علينا، والباقي عند ربِّنا، سلامته إن شاءالله..قالها الطبيبُ بعمليةٍ وتحرَّكَ للخارج.
هاجت دقَّاتُ قلبِ إسحاق، رغم أنَّهُ يقوِّي أرسلان، ولكنَّ داخلهِ يحترق..
التقمت عيناهُ أعينِ أرسلان الشاردةِ على غرفةِ العمليات، تنحَّى عن آلامهِ واقتربَ منه، يربتُ على ظهره:
-طبيعي في العملياتِ اللي زي دي ياحبيبي..قاطعَ حديثهِ رنينُ هاتفه:
-أيوة..
-مدام أحلام مش مبطلة صراخ، وعايزة تيجي للباشا..
-هاتها وخلِّي بالك منها..
بغرفةِ دينا، جلبت الممرِّضة ابنها:
-اتفضلي يامدام رضَّعي البيبي، الباشا مانع اللبن الصناعي.
رفعت يديها إليهِ لتحتضنه:
-حبيب ماما..ضمَّتهُ إلى صدرها تستنشقُ رائحتهِ بوله، رفعت عينيها للممرِّضة:
-إسحاق مرجعش؟..جلست الممرِّضة بجوارها وأجابتها:
-لا، همَّا في الدور اللي تحت، فاروق باشا عنده عملية كبيرة النهاردة.
أومأت بتفهُّمٍ قائلة:
-هوَّ خرج ولَّا لسة؟..
-معنديش معلومات والله، كلِّ اللي أعرفه، عنده عملية، علشان فيه دكتور من ألمانيا جه مخصوص إمبارح، مع مدير المستشفى..
ظلَّت تطعمُ ابنها، ثمَّ ناولتهُ إلى الممرِّضة، وأشارت إلى روبها:
-هاتيلي الروب، هنزل وأطَّمن بنفسي..
-بس ممنوع الحركة يامدام، متنسيش إنِّك لسة تعبانة.
نهضت تستندُ على الجدار، وأخبرتها:
-هنزل بالأسانسير، لازم أطَّمن على فاروق..قالتها وتحرَّكت بهدوءٍ للطابقِ الأسفل..وصلت بعد معاناةٍ إلى جلوسِ الجميع..نهضَ من مكانهِ بعدما استمعَ إلى حديثِ أرسلان:
-مراتك جت..وصلَ إليها بخطوة، وجذبها بهدوءٍ إلى الغرفةِ المقابلة:
-دينا إيه اللي جابك وإنتِ لسة تعبانة؟..
ألقت نفسها بأحضانه:
-كنت عايزة أطَّمن عليك، من إمبارح مطلعتش لعندي..
مسَّدَ على خصلاتها بحنانٍ ثم أخرجها من أحضانهِ ينظرُ إليها باعتذار:
-آسف معرفتش أسيب فاروق لوحده، وملك قالت هتبات معاكي..
جذبت كفَّيهِ وتحرَّكت به إلى المقعد:
-شكلك مرهق أوي ياإسحاق، إزاي سايب نفسك كدا؟..
طبعَ قبلةً مطوَّلةً على جبينها:
-أنا كويس، طول ما أنتوا كويسين، اطلعي ارتاحي، وخلِّي بالك من حمزة..
طوَّقت ذراعيهِ وتراجعت بجسدها للخلف:
-سبني شوية هنا، حمزة رضَّعته والممرِّضة أخدته الحضَّانة تاني، اعتدلت وتساءلت:
-قولِّي هوَّ هيفضل كتير بالحضَّانة؟..
-الدكتور بيقول أسبوع بالكتير، بقى أحسن من الأوَّل..
طافت بعينيها على ملامحهِ المرهقة، ثمَّ طبعت قبلةً على وجنته:
-مش قادرة أقولَّك نام شوية، بس هقولَّك خاف على نفسك، أنا وابنك محتاجينك..
-جمعَ خصلاتها على جنب، ثمَّ انحنى يدفنُ رأسهِ بعنقها يهمسُ بقلبٍ متلهِّف:
-وأنا كمان محتاجكم جدًا جدًا يادينا، بلاش أقولِّك الدنيا كلَّها وقعت فوق دماغي مرَّة واحدة، حاسس إنِّي بنهار.
لمست أناملها وجنتيهِ وتعاظمَ الوجعُ حتى طُمسَ بريقَ عينيها من حالته:
-حبيبي أنا جنبك، حاول تقوى وإن شاءالله كلُّه هيكون تمام.
قبَّلَ كفَّيها ونهضَ من مكانه:
-يالَّه تعالي أوصَّلك علشان ترتاحي، مينفعشِ أبعد عن صفية والولاد.
نهضت من مكانها وخلَّلت أناملها كفَّيه:
-أنا هطلع لوحدي، خلِّيك معاهم، هطلع أنام، متشغلشِ بالك، كلِّمت ماما تروح شقتنا علشان الخدم يجهِّزوها، وإن شاءالله بعد مانطمِّن على فاروق نعمل سبوع لحمزة.
حاوطَ أكتافها وخطا للخارجِ متمتمًا:
-إن شاء الله حبيبتي، المهم اطلعي إنتِ.
تحرَّكت متَّجهةً إلى المصعد، لتصعدَ إلى غرفتها، توقَّفت بانتفاضةٍ بجسدها، بعدما وجدت أحلام أمامها، اقتربت أحلام منها بعيونٍ تكادُ تحرقها، ثمَّ أمسكتها من ذراعها بعنف:
-بنتِ بيَّاعة الخضار بمستشفى سبع نجوم، خدم وحشم تحتِ رجليها، شوفتي الحظ، أوعي تفكَّري هسيبك متهنيَّة يابت، اقتربت تهمسُ لها بفحيح:
-عارفة أنا قتلت أبو إسحاق، ورغم كدا سايبني قدَّامك أهو، مش بس كدا، نزِّلت ابني في الشهرِ الخامس علشان أتجوِّز واحد بعد طلاقي، اسمعي بقى الحلو كلُّه علشان متفكريش إنِّك محمية من إسحاق، تابعت همسها الذي جعلَ جسدَ دينا يختلُّ توازنه، ودقَّاتها التي نبضت بعنفٍ وهي تهمس:
-قتلت حبيبته يوم خطوبته، بعد الخطوبة بساعات علشان بس كنت رفضاها، تفتكري هعمل فيكي إيه؟..لفِّيتي كلِّ الأماكن وجبتك، وكنتي تحتِ رجلي، ماهو مش كلِّ مرَّة هينقذك ومستحيل يجي على أمُّه، بدليل معرفته بكلِّ اللي عملته، ورغم كدا أنا قدَّامك أهو..
قالتها بملامحٍ قاسية، ونبرةٍ جافة، انتزعت نفسها بعيدًا عنها:
-إنتِ إنسانة بشعة، مستحيل تكوني بني آدمة
نظرت بساعةِ يدها وتابعت حديثها وكأنَّها لم تستمع إلى حديثِ دينا:
-الليل لو جه وإنتِ لسة على ذمِّة ابني، خلي أمِّك تجهِّز قبرك، إنتِ وابنك اللي متأكدة منُّه أنُّه مش ابنِ اسحاق، وممكن أطلَّع مليون شهادة تثبت دا، شوفي بقى هيعمل فيكي إيه..
اقتربت خطوةً وغرزت مقلتيها الناريةِ بأعينِ دينا المنتفضة:
-مش حفيد الجارحي يكون من جربوعة زيك يابت، دا أدفنه حي..قالتها واستدارت متحرِّكةً وكأنَّها لم تقل شيئًا..توقَّفت بعد عدَّةِ خطوات، واستدارت برأسها:
-المحامي في شارع (. ) ورقم التليفون هبعتهولك، قدَّامك ساعتين مش أكتر، ياأمَّا مش هتشوفي ابنك، وهاخده من حضنك متخافيش..
ابتلعت كلماتها بشهقة، وانتفضَ جسدها بخوفٍ من كلماتها المسمومة، لتتحرَّكَ إلى غرفتها وهي تجرُّ قدميها بضعف، وعينيها التي تحرقها سحبِ دموعها ..هوت على الفراشِ وجسدها يرتجف، ماذا عليها أن تفعل، هل تتنازل عن إسحاق أم تتنازلُ عن فلذةِ كبدها..
بالأسفلِ عند أرسلان:
جلسَ بحديقةِ المشفى وحديثُ فاروق يخترقُ أذنيه:
-أخوك قريب منَّك جدًا..بدأ يردِّدها بينهِ وبينَ نفسه:
-مين أخويا ياترى اللي بيقول عليه، معقول يكون إسحاق، يعني إيه، إسحاق مش أخو فاروق!..
احتضنَ رأسهِ بين راحتيهِ وكاد عقلهِ أن يذهبَ منه، ذهبَ شاردًا بإلياس وحديثِ إسحاق يراوده، ونظرات فريدة..صورًا سريعةً متحرِّكةً أمامَ ناظريهِ حتى شعر بألمٍ يفتكُ برأسه، شعرَ بمن يربتُ على كتفه:
-أرسلان..رفعَ عينيهِ إليها بشرود، تائهًا ضائعًا لا يعلمُ بماذا يشعر..جلست بجوارهِ ترفعُ رأسها بسؤال:
-مالك حبيبي، قاعد كدا ليه؟..
هزَّ رأسهِ نافيًا وردَّ بنبرةٍ هادئة، رغم اضطرابهِ الداخلي:
-مفيش حبيبتي، خلِّيكي مع ماما وملك، مش عايزك تسبيهم، أنا عندي مشوار مهم لازم أروحه..
قالها متوقِّفًا، أمسكت ذراعه:
-أرسلان رايح فين؟..إنتَ لسة تعبان..
سحبَ نظرهِ بعيدًا عن مرمى عينيها، وتحوَّلت ملامحهِ الهادئةِ إلى ثائرةٍ وأردف:
-مشوار هيوضَّح حاجات كتير، المهم لازم تكوني مع ماما.
كادت أن تفتحَ فاهها للاعتراضِ ولكنَّهُ تحرَّكَ دون أن يعطيها فرصةً للرفض.
ابتلعت غصتها ودلفت للداخلِ دون حديث
..
بالمشفى عند ميرال:
استيقظت على صوتِ فريدة وغادة، فتحت عينيها تأنُّ من الألمِ الذي يفتكُ بجسدها، تهمسُ بخفوت:
-ماما..نهضت فريدة من مكانها واقتربت منها:
-حبيبتي حاسة بإيه؟..
-ماما فين إلياس..تساءلت بها بعدما لم تجدْهُ بالغرفة:
انحنت غادة تقبِّلها على وجنتيها:
-عنده شغل، قال شوية ويرجع، إنتِ حاسة بإيه نجبلك الدكتور؟..
هزَّت رأسها بالإيجاب:
-تعبانة ياماما، وجع في بطني شديد، قالتها وهي تضعُ كفَّيها على أحشائها.
استدعت فريدة الطبيبة، لفحصها، دقائقَ معدودةً والطبيبة تفحصها، ثمَّ توقَّفت أمامها:
-الوضع كويس إلى حدٍّ ما، التعب دا عادي، شوية وهيروح..قالتها وتحرَّكت لتوقفها ميرال:
-ابني هيعيش يادكتورة؟..
-إن شاء الله قولي يارب..قالتها الطبيبة وغادرت
بالمكتبِ عند إلياس:
أظلمت عينيهِ بأسى، سحبَ نفسًا طويلًا وزفره:
-اسمعني كويس، هتدخل وتلمِّ الدنيا دي..نقر شريف على المكتب ورد:
-اعتبره حصل، بس لو مفيهاش رخامة وتدخُّل في مالايعنيني، إيه حكايتك مع الراجل دا، يعني تدخلك بشكلِ غير مباشر في حياته؟..
أشارَ إليه بالتوقُّفِ عن الحديثِ ثمَّ نهضَ من مكانه:
-بتسأل السؤال وترد على نفسك، قولت تدخلك فيما لا يعنيك..صمت يطالعه ثم أردف:
-بعدين ياشريف، أنا دلوقتي دماغي وجعاني، عايز تخنَّق على الراجل دا من كلِّ الزوايا، وفي نفسِ الوقت مش عايزه يتسجن، شوف هتعملها إزاي لو سمحت..
-تمام اعتبره حصل، مش هتروح؟..
-شوية كدا...قالها وسحبَ سيجارةً متَّجهًا إلى الشرفة، توقَّفَ ينظرُ بشرودٍ للخارج، ثمَّ رفعَ عينيهِ إلى السماء ينظرُ للنجومِ التي زيّّنت السماء، تذكَّرَ حديثها أمس، يومًا واحدًا وانقلبت حياتهِ رأسًا على عقب، أغمضَ عينيهِ وهمسها يردد داخل اذنيه، لكن حكم وقضي الامر، لقد ألقت حكمها بنفسها حينما أخبرته بعده ممات، نعم لابد عليه أن يعلمها درس قاسيًا، ولكن بداخلهِ نيرانًا تلتهمُ كلَّ شيئ، لا يريدُ أن تصلها، حتى لا تحرقها..دفعَ البابَ ودلفَ أرسلان للداخلِ وجدهُ متوقفًا بالشرفة، لا يشعرُ بما يدورُ حولهِ كالحاضرِ الغائب، اقتربَ منه يردِّدُ اسمه:
-إلياس..ولكن كان إلياس غارقًا بدواماته، استمعَ إلى صوتهِ وكأنَّهُ حلمٌ بعيدَ المنال، لم يلتفت ظنًّا أنَّهُ يحلمُ به، ولكن تكرارَ أرسلان لاسمهِ مرَّةً أخرى، جعله يلتفتُ إليهِ يطالعهُ بصمت، اقتربَ أرسلان وسلَّطَ عيناهُ عليه، مع نظراتٍ استفاهمية، دنا حتى لم يفصل بينهما سوى خطوةٍ واحدة، ظلَّت النظراتُ سيدةُ الموقف، ابتلعَ ريقهِ بصعوبةٍ وأردفَ بتساؤل:
-إنتَ مين بالظبط، وليه قرَّبت منِّي؟..جيت إمبارح قولت كلمتين واختفيت، وأعرف إنَّك السبب في إنقاذي، ودمَّك بيجري في دمِّي، ليه اتبرَّعت لي بالدَّم؟..هتقولِّي صداقة، هقولَّك مش مقتنع بدا كلُّه..دنا خطوةً حتى لم يعد بينهما مسافةً يتعمَّقُ بالنظرِ إليه:
-إنتَ مين ياإلياس، وليه بتعمل معايا كدا، وليه والدتك جات لي تزورني؟..
قالها مع ارتفاعِ رنينِ هاتفه، رفعهُ وعينيهِ مازالت تحاصرُ أعين إلياس الصامت..
-أيوة ياعمُّو؟..
-في دقيقة تكون في المستشفى سمعتني، أبوك عايزك، ضروري تسيب اللي في إيدك، مهما كانت قيمته..
لاحَ الألمُ بمقلتيه، ليتراجعَ إلى بابِ الغرفةِ مترنِّحًا:
-بابا ماله ياإسحاق..قالها واستدارَ للخارج، ركضَ إلياس خلفهِ يصيحُ باسمه، لم يستمعْ إلى صياحه، وصعدَ إلى سيارتهِ وخلفهِ إلياس الذي جُنَّ جنونهِ من حالته، ماذا حدثَ له حتى يسألهُ بتلك الطريقة، دقائقَ ودلفَ للمشفى، دفعَ بابَ العناية، وجدَ ملك تحتضنُ كفَّ والدها تبكي بشهقات:
-بابا حبيبي سامعني، رفعت نظرها على دلوفِ أرسلان، شبحَ ابتسامةٍ ظهرَ على ملامحها، لتهمسَ لوالدها:
-بابا أرسو جه، بابا افتح عيونك، أرسو وصل..فتحَ عينيهِ ينظرُ إليهِ بوهن، ثمَّ مدَّ يدهِ يهمسُ اسمهِ بخفوت، اقتربَ منه مع توقُّفِ ملك ليجلسَ بجوارِ والدهِ يحتضنُ كفَّيه:
-حبيبي أنا هنا، طبعَ قبلةً فوق جبينه:
-إيه يافاروق باشا، فوق كدا، إحنا هنهزَّر ولَّا إيه؟..
-اسمعني حبيبي، أنا مش عايزك تزعل من عمَّك إسحاق..مفيش حدِّ بيحبَّك قدُّه يابنِ فاروق، إنتَ ابنِ حلال علشان وقَّعك في إيدي، إلياس..إلياس، كرَّرَ اسمهِ مع انقطاعِ أنفاسه..
-بابا ممكن ماتتكلمش..ضغطَ على كفِّهِ واستطردَ حديثهِ المتقطِّع:
-صفية وملك أمانتك إنتَ وإسحاق، ملك مالهاش غيرك من بعدي، كان نفسي أقولَّك خلِّي بالك من أختك ياحبيبي..
-بابا لو سمحت كفاية كلام، ملك في عيوني وقلبي ممكن ماترهقشِ نفسك..
توجَّهَ فاروق بنظرهِ إلى صفية التي تجلسُ بصمتٍ مع عبراتها التي تجري على وجنتيها، كمجرى نهرٍ متدفِّقٍ بمائه،
-صفية أمَّك متنسهاش، حتى بعد ماتوصل لمامتك حبيبي..
سحبَ إسحاق أرسلان من جواره:
-فاروق ليه الكلام دا، إنتَ هتفوق وتبقى أحسن، سمعتني، يالَّه الكلِّ برَّة..قالها اسحاق يشير للجميع بالخروج
تشبَّثَ بكفِّ أرسلان:
-أرسلان لو مُت ياارسلان اتجوِّز ملك، كويس انك عرفت الحقيقة مفيش حدِّ هيحافظ عليها قدَّك.
صدمةٌ عنيفةٌ سقطت فوق رؤوسِ الجميعِ من كلماتِ فاروق، ليطالعهُ بذهولٍ مع تجمِّدِ جسده، ثمَّ رفعَ عينيهِ لوالده:
-إيه اللي حضرتك بتقوله دا يابابا؟!..
استدارَ يواليهِ ظهره:
-رجاء من أبوك، علشان أطَّمن عليها ومفيش حدِّ هقدر أمِّنه عليها غيرك..
تلاشى تنفُّسهِ ينظرُ إليها وهي تختبأُ بأحضانِ والدتها، شعرَ وكأنَّ جدرانَ الغرفةِ تطبقُ على صدره، ماهذا الذي يحدث، هل هو يعيشُ كابوسًا!..
-مردتش على أبوك، موافق تتجوِّز بنتي ولَّا لأ؟..لحظاتٍ مميتةٍ حتى شعرَ بارتجافِ جسدهِ بالكامل، مما جعلهُ يتراجعُ خطوةً للخلفِ من شدَّةِ ذهوله، بعدما أيقنَ أنَّهُ ليس بكابوسٍ بل واقعًا مريرًا..
أشارَ إسحاق للطبيبِ بعدما وجدَ هبوطًا بضغطه:
-شوف في إيه؟..
هرولَ الطبيبُ لفحصه، ولكن عينيهِ كانت على أرسلان..
استدارَ برأسهِ مع تحرُّكِ أرسلان بعيدًا عنه، وبعيونٍ راجيةٍ تذرفُ الدموع:
-موافق مش كدا..أطبقَ على جفنيهِ
والحزنُ ينخرُ بقلبهِ ليتسرَّبَ منهُ كما تتسرَّبُ الموسيقى الحزينة من آلةِ الناي
لتعزفَ على أوتارِ القلوب..
حاولَ الطبيبُ وضعَ جهازَ التنفُّسِ إلَّا أنَّهُ أبعدهُ يهمس:
-أرسلان..أحسَّ بالدوارِ يلفُّ رأسه، وكأنَّ أحدهم ألقاهُ بعصاةٍ غليظةٍ ليهوى ساقطًا من تلك الضربة، طالعَ والدهِ بنظرةٍ تحملُ صرخاتٍ مكبوتةٍ بآلافِ الآهات:
-موافق..
هزَّ رأسهِ بالموافقة، ولم يشعر بتلك الدمعةِ التي انزلقت من عينيه، ورغم أنَّها دمعةٌ إلَّا أنَّها أحرقت وجنتيه، وهو ينظرُ لتلك الواقفةِ على بابِ الغرفةِ تهزُّ رأسها بخذلان..ركضت غرام للخارج، حاوطَ إسحاق ملك يجذبها للخارج..
خرجَ أرسلان بساقينِ هلاميتينِ وجلسَ بضعفٍ يضمُّ رأسهِ بين راحتيه، وكأنَّهُ يحملُ فوق عاتقهِ آلامٍ كثقلِ الجبال.
جلسَ إلياس الذي وصلَ الآن وحاوطَ جسده:
-هيكون كويس، صدَّقني، ادعي له،
رفع عيناه المتلألئةِ بالدموع:
-أنا مطلعتش ابنِ فاروق..
رسمَ إلياس على وجهه ابتسامة، ثمَّ ربتَ على كتفهِ قائلًا بغمزة:
-وأنا مطلعتش ابنِ السيوفي، بصرة مش كدا؟..
قطبَ جبينهِ متسائلًا:
-يعني زي مااتوقَّعت..
ابتسمَ إلياس يهزُّ رأسه:
-نفسي أضحك بس الموقف مش مساعدني، تيجي نضحك وبعد كدا نروح مستشفى الأمراض العقلية نجنِّن الدكاترة..
صمتَ للحظاتٍ بعد حديثِ إلياس إلى أن توقَّفَ أرسلان وأطلقَ ضحكاتٍ تصدحُ بالمكان، جعلَ الجميعُ يلتفتون إليه..نهضَ إلياس من مكانهِ يسحبهُ من ذراعه:
-اسكت ياحمار فضحتنا، ظلَّ يضحكُ ويدورُ حولَ نفسه، ثمَّ رفعَ رأسهِ إلى إسحاق:
-علشان كدا بعدتني عنُّه، كنت عارف، إنتَ كنت عارف أنُّه اخ..توقَّفَ مقتربًا من إلياس:
-لا مقولتش ليه من زمان، إنك طلعت أخويا يمكن كنا احتفلنا، ولا اقولك تعالى نحتفل برة، لازم احتفل
ههه..ضحكاتٍ فقط منه، بذهولِ الجميع، مع هزِّهِ لرأسه، اقتربَ متسائلًا:
-أوعى تقولِّي إنِّ ستِّ الكل طلعت ستِّ الكل..ظلَّ إلياس ينظرُ إليهِ بصمت، من يراه يظن انه فقدَ عقله، اقتربَ محاولًا تهدئته:
-أرسلان الناس بتبصِّ عليك إيه اللي بتعمله دا؟..
دفعهُ بعيدًا عنه:
-أنا ابنِ مين ياحضرةِ الظابط؟..
قبضَ إسحاق على عنقهِ إلى أن فقدَ توازنه، يشيرُ إلى الممرِّضة بحقنه:
-فوق إنتَ مش بنت علشان تعمل كدا..
حاوطَ أكتافهِ إلياس:
-سيبه لو سمحت، أنا ههدِّيه، دنا يهمسُ لإلياس:
-الصحافة في كلِّ مكان، والحيوان مش عارف بيخبَّط بإيه، خده من وشِّي بدل ماأموِّته بجد..
-أرسلان ممكن تهدى إحنا لازم نتكلِّم..
-ابعد عني ياله، لو قرَّبتِ منِّي هموِّتك.
قالها وغادرَ المشفى بالكامل..
زفرَ إلياس، ثم أشارَ بيدهِ إلى إسحاق:
-سيبه هوَّ هيهدى، الموضوع صعب..
باليومِ التالي خرجت ميرال من المشفى، بعد استقرارِ وضعِ جنينها، ساعدتها فريدة بالنوم، ثمَّ قبَّلت جبينها:
-حاولي متفكريش بحاجة حبيبتي، إلياس أكيد عنده شغل مهم، شوية وهتلاقيه جاي، ميقدرشِ يبعد عنِّك وعن ابنه..
-هنام ياماما، مبقاش فارق معايا يجي ولَّا لأ، مبقاش فيَّا حيل ياماما، تعبت خلِّيه براحته..كان واقفًا على بابِ الغرفة، تراجعَ بعدما استمعَ إلى حديثها، واتَّجهَ إلى مكتبه، خرجت فريدة تبحثُ عنه، فهي تعلمُ بعودتهِ قبلَ وصولهم، دلفت إلى مكتبه:
-إزاي تسيب مراتك بحالتها دي؟!..إنتَ إيه يابني، اقتربت منه تمسكهُ من ذراعه:
-إلياس ميرال عايزة اللي يحسِّسها بالأمان ياحبيبي مش اللي يضغط عليها..قاطعهم دلوفُ الخادمة:
أرسلان بيه برَّة ياباشا..قالتها بدخولِ أرسلان إليهما..وقفَ على بابِ الغرفةِ يوزِّعُ نظراتهِ بين إلياس وفريدة ثمَّ خطا إلى فريدة التي تتابعُ تحرُّكهِ بنبضها العنيف، تجمَّعت سحبُ عيناها حينما توقَّفَ أمامها مباشرة:
-إنتِ أمِّي صح؟...