رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2 بقلم هدي زايد
رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2 هى رواية من كتابة هدي زايد رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2
رواية نيران الهوي الفصل الثاني 2
وثبت " دعاء" من مكانها معترضة تلك النبرة الحادة و كلمات زوجها التي وصفتها بالخارجة
وجهت سبابتها نُصب عيناه قائلة:
- الزم حدك يا فضل اللي بتتكلم معاه دا ابني و الحواري اللي مش عجباك. دي يا حبيبي كنت بتحفي ورايا فيها عشان بس اوافق عليك و الظاهر إني غلطت يوم ما وافقت .
تتدخل " ساجد" ليفض النزاع القائم بينهما قائلًا:
- صلوا على النبي يا جماعة و اهدوا كدا الموضوع مش مستاهل كل دا .
رد و الده بحدة و قال:
- مش مستاهل !! قـ ـطع ودان أختك موضوع مش مستاهل في نظرك يا بيه يا محترم !
دافعت " تميمة " عن أخيها موضحة وجهة نظره قائلة:
- بابا ساجد أكيد مش قصده هو بس يقصد
قاطعها والدها و قال بنيرة غاضبة:
- أنتِ تخرسي أنتِ كمان الظاهر إن مش فارق معاكم اختكم !
قرر " جاسر" الانسحاب قائلًا بهدوء:
- أنا مضطر امشي لأني اتأخرت على جدي عن أذنكم .
نادته والدته قائلة:
- استنى عندك يا جاسر أنا جاية معاك .
رد" فضل" و قال:
- لو خرجتي من هنا انسي إنك ترجعي تاني يا هانم .
ردت " دعاء" بنبرة ساخرة و هي تضم ابنتها لحضنها:
- مش خارجة من الجنة يا حبيبي عن أذنك .
ركضت خلف ولدها الذي كاد أن يغادر المنزل
نادته أكثر من مرة توقف ثم تنهد بعمق قبل أن يستدار لها بكامل جسده، سألها بنبرة جاهد بأن تكون طبيعية خالية من الحزن الشديد و قال:
- رايحة فين بس يا ماما ؟!
- هاجي معاك مش هسيبك لوحدك و بكرا هيعرف إن الله حق بس اصبر عليا بس
- تيجي فين بس كل اللي حصل دا طبيعي و متوقع إنه يحصل أنا نفسي بهدلت الدنيا لما شفت سجدة بالمنظر دا .
ردت بنبرة مغتاظة قائلة:
- أنت هتعملهم عليا يا ابن دعاء !! فاكرني هبلة و مش عارفة إن كلام البيه اللي جوا دا كلام مستفز زيه و زعلك!!
ابتسم لها إبتسامة شديدة التكلف ثم قال بهدوء:
- صدقيني أنا مش زعلان منه و بعدين لي الحق يزعل دي بنته بردو يا ناس وشافها كدا و الله ما عاتب عليه بالعكس مقدر اللي هو في .
هرع ابناء "فضل" الثلاثة في محاولة لتهدأت الوضع الذي بدأ يتفاقم و يخرج عن السيطرة
وقفت " تميمة" قابلتهم قائلة بعتذار بالنيابة عن أبيها:
- أنا آسفة يا جاسر متزعليش يا طنط بابا منفعل بسبب ضغط الشغل و حـ ..
قاطعتها " دعاء" بعصبية قائلة دون وعية:
- اعمليهم عليا يا بنت فضل قال يا يعني مش عارفة مين اللي بخ السم في ودنه ورمى الكلام عشان يوقع بنا !
تابعت حديثها وهي تربت على كتفها قائلة:
- اشبعي بيه يا حبيبتي سبته لك خالص يكش قلبك يبرد دلوقت .
ردت " تميمة " بنبرة صادقة استشعرها جيدًا كل من يقف في الرواق حين قالت:
- ربنا يسامحك و الله وربنا يشهد عليا أنا ما أعرف اللي سجدة غير لما دخلتي علينا ولا قمت من مكاني ولا كلمته و ربنا شاهد عليا أنا صحيح مش قادرة أأقبل أي حد مكان ماما الله يرحمها بس دازمش معناه أهد سعادة بابا أنا مش أنانية اوي كدا !
انفـ ـجرت" دعاء" و هي تقول بغضبٍ جم دون أن تشعر:
- مثلي عليا دور البريئة يا بت ما هو أنتِ هتطلعي لمين غير لأمك السوسة تعمل العاملة و تحلف إنها ما عملتها .
تدخل " جاسر" قائلًا بهدوء:
- ماما كفاية كدا و من فضلك سبيني امشي بقى عن أذنكم .
انسحب " جاسر" بهدوء أخيرًا تاركًا عائلة "فضل الأيوبي" تنسحب واحدًا تلو الآخر دون أن يعاتبوا والدته على اتهاماتها تلك، أما هي لم تقبل المكوث أكثر من ذلك داخل هذا المنزل
غادرته متجهة حيث منزل أختها تشكو لصديق عمره ما حدث، عاتبتها "رقية" قائلة:
- ليه يا كدا دعاء دا أنتِ عمرك ما كسـ ـرتي بخاطر نملة معدية من جنبك تقومي تكـ ـسري بخاطر تميمة كدا !!
ردت " دعاء" بضيق و قالت:
- خلاص بقى يا بت أنتِ متشيلنيش الذنب أكتر ما أنا شايلاه كانت ساعة غضب اعمل إيه يعني !!
اعتدل " بهجت" في جلسته قائلًا:
- معاكي إن معظم المواقف بينك و بينها مكنش الطف حاجة بس اعتقد حركة زي دي تميمة متعملهاش أبدًا .
قاطعته " دعاء" قائلة:
- دي تعملها و تعمل أبوها لسة بتصعب عليك و بتصدق كلامها يا اهبل
تابعت بغيظٍ شديد:
- اقول عليك إنت ولا ابني أنتوا الاتنين ادبتوا فيها زي الجرادل وهي كانت بتلعب بيكم الكورة .
ختمت حديثها بشماتة:
- بس الحمد لله ابني طلع راجل و اختار أمه بعد ما قالت له يا أنا يا أمك ربنا نجده منها ومن بلاويها .
وقف" بهجت" ثم قال بإبتسامة خفيفة:
- أنا هطلع انام شوية عشان عندي محكمة الصبح تصبحوا على خير .
نظرت" نبيلة" لأختها ثم قالت بغيظٍ مكتوم
- ابني كان بيخبها و مش معنى انه سابها يبقى بطل يحبها و مش معنى إن ابنك لف من وراه و خطبها يبقى وسابها عشانك يبقى كدا راجل الرجولة مش بموقف واحد يا دعاء .
- قصدك يا نبيلة ؟!
- قصدي إن القلوب مش بإيدينا عشان نحب مين و نكره مين فـ بلاش تتباهي بإن ابنك قدر يوقف نفسه و سبها في الوقت المناسب
عشان مش كل القلوب عندها القوة تنسى حب عشش في قلب سنين و مطلوب منه ينسى فـ هينسى في يوم و ليلة .
تدخلت " رقية" بينهما كالعادة و قالت بتذكر
- صحيح تعالي احكي لك على اللي حصل النهاردا و نسيت اقولك عليه .
قاطعتها قائلة بعتذار
- لا معلش يا روكا خليها لما ترجعي
- ارجع منين ؟!
- ما هو أنا عاوزاكي تروحي تشوفي جاسر زمانه وصل البيت روحي و شوفيه واعرفي كدا جدك عرف ولالا
ردت" نبيلة" قائلة:
- ريحي دماغك ابنك مش هيحكي لحد حاجة خليكي يا رقية الليل اتأخر و مش هينفع تروحي .
ربتت" رقية" على يد والدتها ثم قالت بمرح
- متقلقيش عليا يا بلبلة الساعة لسه مجتش تسعة و كمان أنا كدا كدا كنت رايحة عند بابا شوية .
- هو رجع من العمرة ؟!
- اه لسه راجع النهاردا الصبح هروح بقى اسلم عليه عشان ميزعلش .
ردت والدتها بهدوء
- طب ما بلاش تفوتي عليه النهاردادو خليها بكرا
- مش هتفرق يا ماما النهاردا من بكرا وبعدين لسه هشوف هعمل إيه عن أذنكم بقى هطلع اغير هدومي و امشي .
ما إن غادرت البهو نظرت " دعاء" لأختها و قالت:
- أنتِ لسه فيكي الداء دا يا نبيلة ما تسيبها تروح لأبوها !
تأكدت أن ابنتها اختفت عن أنظارها ثم عادت ببصرها و قالت بنبرة هامسة:
- يوسف هناك وأنا مش عاوزاها تروح وهو هناك .
- إيه دا أنا معرفش الموضوع دا جه إمتى ؟!
- مش عارفة بس النهاردا أختها اتصلت عليها و أنا رديت عليها فقالت لي إن يوسف عندهم و بلاش هي تيجي .
تنهدت " دعاء" بعمق ثم قالت:
- ولحد إمتى هتفضل تتهرب منهطب ماهو عارف إنها عملت العملية و خلصت بقت كويسة و حتى التشوهات اللي في جسمها كلها عملية ولا اتنين و تبقى فل .
تنهدت " نبيلة" بيأس ثم قالت :
- بقت كويسة إيه بس يا دعاء دا كل اللي عملته جراحة تجميلية للعين من برا انما بنتي مابتشوفش غير بعين واحدة يا دعاء عين واحد بس اللي بتشوف بيها
تساقطت دموعها و هي تقول:
- سبيني في اللي أنا في يا دعاء دا كل ما ببص في وشها قلبي بيتقـ ـطع ميت حتة و ببقى نفسي اخدها في حضني واقولها حقك عليا أنا اللي سيبتك كدا .
سكتت " دعاء" مليـًا ثم قالت:
- معلش يا نبيلة بكرا تبقى كويسة و ترجع تشوف من تاني إن شاء الله .
ابتسمت بآسى و هي تقول:
- عارفة عملية زي اللي رقية محتاجة تعملها دي يا دعاء تتكلف كام ؟!
- كام ؟!
سبعين الف دولار يا دودو دا غير إن هي مبتتعملش غير برا مصر احسن دولة ممكن تعملها المانيا في كام دولة تانية بس هي احسنهم، الحمد لله إني عايشة و بروح و باجي .
اردفت " رقية" عبارتها وهي تهبط سلالم الدرج بهدوء عكس مايدرة بداخلها من ثروة بكاء و حزن كبيران، توقف أمامهما ثم قالت ببعضٍ من المرح:
- و بشوف كمان هو صحيح بعين واحدة بس اهو احسن من مافيش خالص .
لوحت بيدها قبل أن تغادر:
-يلا تصبحوا على خير هبقى اكلمك يا دودو باي يا ماما.
*********
داخل إحدى المستشفيات العسكرية، انقلب بهو المشفى رأسًا على عقب، مجموعة من الضباط و العساكر الغارقين في دمائهم، بدأت عمله منذ دخولها من باب المشفى، تفقدت الوضع هنا و هناك مع طاقم الأطباء، إلى أن أستقر بها الحال داخل غرفة العمليات، كانت مساعدة الطبيب الذي كان يستخرج رصاصة من داخل كتف ضابط بالحربية، كانت تراقب مؤشرات الأجهزة و تحدث الطبيب الذي باشر عمله بهدوءٍ شديد، انتهى من استخراج رصاصتين و ترك الأمر بعد ذلك للطبيب المساعد .
بعد مرور ساعة و نصف .
خرج وهي خلفه تستمع لحديثه حين طمئن عائلته قائلًا:
- اطمن يا ممدوح بيه ياسين باشا بخير احنا خرجنا الرصاصتين و الحمد لله الحالة مستقرة .
ردت والدته بلهفة قائلة:
- عاوزة أشوف ابني اشوفه واطمن عليه بس
رد بجدية و عملية:
- لا دلوقتي مش هينفع هو حاليًا في الرعاية لازم يعدي تمانية وأربعين ساعة و بعدها هيكون بخير إن شاء الله اطمنوا .
بعد أن غادر الطبيب و قبل أن تغادر هي الأخرى توقفت فجأة دون أن تستدار حين قال:
- ياما قلت لك ياممدوح بلاش تخلي ابنك يدخل الحربية قعدت تقولي ابني راجل و ميتخافش عليه ويخدم في أي مكان
تابعت بنبرة مغتاظة وهي تقلد نبرة ابنها
- وهو داخل في الدنيا بصدره و يقولي أنا ياسين ممدوح السباعي أسد الجيش واسد في أي مكان .
همست " هدية" بخفوت قائلة:
- عمي ممدوح !!
لم تتوقف أكثر من ذلك خطتت تجاه الطابق الثالث حيث غر فة الرعاية المركزة، بحثت عن الممرضة التي تجلس داخل ركن الاستقبال
وجدتها تتدون بعض البيانات وصلت إليها و قالت:
- إيمان فين الملفات بتاعتي الناس اللي جت دلوقت ؟!
مدت " إيمان" يدها بملفٍ ثم قالت :
- طلع ابنك مش تشابه اسماء .
- أنتِ عرفتي منين ؟!
- أنا أول ما قالوا اسمه قلتمعقول يكون ابن عمها وبعدين لاقيتك متعرفيش عيلته قلت بس تشابه اسماء و لما جت لي الملفات اتإكدت إنه ابن عمك فعلا
تابعت" إيمان" قائلة:
- هما عرفوا إنك بنت عمه ؟!
حركت" هدية" رأسها علامة النفس وهي تغلف الملف:
- لا ومش هعرف حد بالحكاية دي
- ليه ؟!
- مش هتقدم و لا هتأخر دا غير إني عمري ما شفت عمي دا و لا أعرف شكله إيه غير دلوقتي فـ مش هجيب لنفسي وجع دماغ .
- بس أنا شايفاها فرصة العمر
- ازاي بقى ؟!
- يعني لما يعرف إنك بنت أخوه وتحكي له عن اللي حصلك من ولاد أخوه أكيد هيساعدك
لاحت إبتسامة جانبية حزينة ثم قالت :
- و هو جاسر لما. رحت له كان عمل إيه يعني جه و شخط شخططين ومشي و إيه اللي حصل بعد كدا رموني في أوضة تحت السلم و بعدها امشي برا البيت كله !!
وقفت عن مقعدها و هي تتنفس بعمق لتغلق الحديث في هذا الأمر:
- أنا شايفة إن الكلام لاهيودي و لا هيجيب فـ خلينا كدا أغراب ومحدش فينا يعرف التاني .
ردت " إيمان" بنبرة حانية قائلة:
- طب يا حبيبتي أنا همشي بقى مش عاوزة مني حاجة ؟!
- عاوزة سلامتك خلي بالك من نفسك .
*******
داخل منزل "جاسر"
كانت جالسة قابلته داخل الشرفة المُلحقة بالرداهة تتابعه في صمت، تعرف يدور بداخله
من ثورة وحزن شديدان، ملامح وجهه كافية لشرح ما يعتمل بداخله، أتى الجد ووضع القهوة ثم قال بترحاب:
- قهوتك يا ست البنات
- تسلم ايدك ياجدو تعبت نفسك بردو
- هو في أعز منك اخدمه بردو !!
- حبيبي يا جدو .
نظر لحفيده و قال بنبرة حانية:
- بردو مش عاوز تقولي مالك بس يا جسور ؟!
حرك " جاسر" رأسه علامة النفي قائلًا بهدوء مُبالغ فيه من وجهة نظر جده:
- مافيش يا جدو صدقني أنا بس اليوم من أوله كان صعب و ختم باللي حصل لسجدة فـ عشان كدا دماغي متلغبطة شوية .
- أنت مش بتقول إن فضل متكلمش معامكم و قال في داهية الدهب المهم سلامة بنته ؟! مالك بقى ؟!
ردت " رقية " بنبرة مرحة مقاطعة إياه و قالت:
- متقلقش يا جدو دلوقتي معايا وأكلك دماغه بالحكايات بتاعتي و زني اللي مبيخلصش .
رد الجد ضاحكًا و قال:
- طب يا ستي اطلع أنا منها بقى واروح ارتاح شوية قبل صلاة الفجر تصبحوا على خير .
ما أن غادر الجد حدثته بجدية قائلة:
- أنت لسه زعلان من عمو فضل هو في حد في الدنيا دي يزعل منهبردو طب دا حتى عمو فضل طيب و غلبان .
رفع بصره لها دون أن يعقب على دفاعها عن زوج والدته بينما تابعت هي:
- معاك حق تزعل في حاجات و حاجات لا بس في النهاية هو أب و بنته منظرها مكنش يطمن خالص .
وضع قدح القهوة و قال:
- أنا مش زعلان منه بالعكس هو مقالش حاجة غلط هو قال اللي فيا فعلا، أنا من الحواري و دي عيشتي بس لا دا وقته و لامكانه و لا دي الطريقة اللي يتقال بيها حاجة زي كدا أبدًا .
- بص مش هقدر الومك على حكاية زعلك دي بس بردو غلطة اتقالت مرة في العمر تغفرها له و لا تعلق له حبل المشـ ـنقة ؟!
حرك " جاسر" رأسه و قال:
- مش كل الغلطات تغفر و لا كل الوحش بيتنسي ساعات بنفضل فاكرينه عشان قيمتنا عند الناس و نفكر نفسنا إن مينفعش نتخطى حدودنا معاهم .
كادت أن ترد عليه لكن قاطعته حين نظرت لشاشة هاتفها و قالت:
- دي دعاء هرد عليها
رد بخفوت و قال:
- أنا مشهنا عندي شغل و لسه مرجعتش ها
أومأت له برأها علامة الإيجاب و قالت:
- متقلقش
و بعد مرور خمس دقائق من التحقيقات اغلقت الهاتف وهي تقول:
- مش مصدقاني و عارفة اني كدابة بس مقدمهاش حل غيرانها تعمل نفسها مصدقة
كادت أن تضع الهاتف على سطح المنضدة الزجاجي لكنها استدارت بجسدها تجاه الجهة الأخرى من الحارة حين قال لها بإبتسامته العريضة :
- عارفة مين جاي علينا دا ؟! فاكراه !
تلعثمت وشعرت بالحرج لكنها حاولت مجاراته قائلة:
- لا مش فاكرة اوي !
- يابتمش فاكرة عم أحمد بتاع البطاطا اللي كنا بنشتري منه و احنا صغيريين من قدام البيت ؟!
ردت بسرعة لتخفي توترها و قالت:
- اه طبعًا افتكرته أنا كنت بشوفك فاكره و لالا بس شاطر طلع ذاكرتك قوية .
هنا فقط أدرك "جاسر" خطأه الفادح تجاه تلك المسكينة كاد أن يعتذر لكنه قرر ان يلتزم الصمت كي لايحرجها أكثر من ذلك.
ساد الصمت لعدة دقائق كانت تحاول فيهما تنظيم أنفاسها و المحافظ على هدوئها قدر المستطاع وضعت قدح القهوة فوق سطح المنضدة ثم وثبت فجأة من مكانها قائلة:
- أنا هروح اسلم على بابا بقى .
- هاجي اوصلك استني .
- لا دي كلها خطوتين متتعبش نفسك، تصبح على خير .
- بس
- من غير بس من فضلك يا جاسر عاوزة امشي لوحدي .
خرجت من الشرفة و قبل أن تصل لباب الشقة
عادت من جديد، هنا فقط علم أنها ستتحدث عن ما حدث منذ قليل، ابتسمت له ثم قالت:
- لا شفت عم أحمد و لا حتى شفت معاه العربية بتاعت البطاطا رغم إن المسافة مكملتش العشرة متر بس أنا مشفتهاش أنا ياجاسر مابشوفش من بعيد أبعد مسافة ممكن اشوف بيها هي تحت رجلي عيني اللي راحت كنت بشوف بيها كويس و التانية كانت ضعيف و مع اللي حصل ضعفت أكتر .
رد"جاسر" و قال بعتذار:
- أنا آسف حقك عليا
- بس أنت معملتش حاجة عشان تعتذر دي الحقيقة و أنا مش زعلانة منك و الله بالعكس دا أنا بقيت متصالحة اوي مع نفسي و بقيت من كتر السلام النفسي اللي عندي بقيت اتريق على نفسي .
وقف " جاسر" عن مقعده و قال:
- اعملي العملية يا رقية
-عارف تمنها كام ؟!
- كام يعني !
- 70 الف دولار يا جاسر عارف يعني كام بالمصري ؟! يعني تلاتة مليون ونص مين بقى معاه يدفع تلاتة مليون و نص وكـ...
قاطعها" جاسر" بعصبية قائلًا:
- أنا مبفهمش في الكلام دا أنا اللي افهمه ربنا خلق الطب و الدوا و أكيد حالتك ليها علاج مستحيل دكتور واحد يشخص و ناخد بعين الاعتبار .
ابتسمت بجانب ثغرها وقالت:
- يا جاسر أنا رحت لأحسن مستشفى في المانيا و كمان الدكتور اللي هناك شاطر جدًا
- ايوة و كلامه انزل من السما يعني ؟! خلاص ناخده و نقول عليه آمين ؟! أنا اللي أعرفه ربنا زي ما خلقه خلق غيره و نروح لدكتور و اتنين و عشرة و نشوف الأنسب لينا .
تنفست بعمق و قالت:
- و أنا زهقت مش هدور في مواضيع قفلتها مش هعشم نفسي تاني خلاص أناراضية باللي ربنا كاتبه لي و بقول الحمد لله زعلان ليه بقى !!
- امشي يا رقية قبل ما اغبطك بحاجة في دماغك امشي عشان مش طايقة ابص في خلقتك و الحوار دا متقفلش على كدا .
******
في صباح الخميس داخل المشفى و تحديدًا غرفة " ياسين السباعي" كان جالسًا بين أفراد عائلته حاول أن يبتسم لكن الالم التي تجتاح صدره و كتفه فوق طاقة تحمله، استدعى الممرضة التي تشاجرت معه بالأمس بسبب حركته الزائدة، طرقت الباب ثم ولجت و ما إن ولجت وقع بصره عليها، ابتسم لها و قالت بنبرة جادة:
- أنتِ هدية مش كدا ؟!
تعلم تمام العلم أن من يحدثها عمها لكنها لا تريد أن تُخبر أحد بهذه المعلومة، ردت دون أن تنظر له وقالت:
- تحت أمر حضر تك يا فندم
بدأت تباشر عملها في قياس ضغط الد م و الحرارة ثم نظرت لعمها و قالت بعملية حين قال:
- متزعليش من ياسين هو عصبي بس بسبب التكتيفة اللي هو فيها مش متعودة على كدا
وضعت المسكن داخل المحبوا و هي تقول بإبتسامة شديدة التكلف
- احنا مقدرين اللي هو في يا فندم و كل اللي حصل امبارح دا لمصلحته أولًا .
غمز " ياسين" لأخيه الذي لم يترك تلك الفرصة تمر هكذا ابتسم له ثم قال بجدية مصطنعة:
- جرا إيه يا بوب هي السنارة غمزت و لا إيه دا احنا حتى في مستشفى !
انتهت من عملها و قبل أن تغادر نظرت لـ ياسين ثم قالت:
- المسكن هيشتغل كمان دقيقة لو احتجت حاجة رن الجرس هتلاقيني عندك عن أذنك .
ما إن غادرت الغرفة نظر لوالده وقال ساخرًا:
- إيه الأدب اللي هي بتكلمني بيه دا !! دا امبارح فرجت عليا المستشفى عشان فكيت المحلول و قمت غصب عنها و رمت الدفتر و قالت مش داخلة له تاني !!
رد والده بنبرة مغتاظة و قالت:
- ماهي بتتعامل مع طور لما يقلب مابيشوفش قدامه يلا ربنا يعديها على خير و تخرج من هنا بالسلامة .
*****
في المساء كانت تمر بين الغرف قبل أن تغادر المشفى وصلت لغرفته تنفست بعمق قبل أن تلج طرقت الباب ثم ولجت بعدها، وجدت عائلته بأكلمها ملتفين حوله القت التحية ثم قالت:
- سلام عليكم
رد الجميع في آنٍ واحد
- و عليكم السلام
ابتسمت له ثم قالت:
- عامل إيه دلوقتي ؟!
نظر يمينًا و يسارًا ثم عاد ببصره لها و قال:
-بتسألني أنا ؟!
نظرت لدفتره و هي ترد عليه باسمة:
- اكيد .
لم يستطيع عمها الصبر أمثر من ذلك لقد فاض به الكيل لن يمرر ظنونه هكذا، تركها تُنهي عملها أولًا، ابتسم للجميع ثم غادرت و قبل أن تصل إلى باب الحجرة استوقفها متسائلًا:
- فاروق عاملة إيه يا هدية ؟!
تسمرت مكانها بعد ما سمعت اسم والدها، تبادل كل من في الغرفة النظرات الداهشة لبعضهم البعض، ظن أنها ستنكر حالها منه كما فعلت مع ولده لكنها استدارت بجسدها كله و الإبتسامة لاتفارق شفتاها، وقفت قابلته ثم قالت بمرارة في حلقها:
- فاروق الله يرحمه من سنتين ونص و اخواتك بعد ما دفنوا مشكوزين سابوني اخدت العزا في الشقة بعدها قالوالي تعالي نقسم الورث و قسموابحق الله فـ طلعت مديونة بخمسين الف جنيه ولما اعترضت ضربوني لا سحلوني مسكوني كدا من بنطلوني و مسحوا بيا تراب الشارع و الناس وقفت تتفرج .
تابعت وهي تبلع مرار حلقها:
- بس كترخيره جاسر ابن اخوك وجدي مسح بيهم بلاط البيت وقعدني في شقتي قاموا خافواو عملوا له حساب و دخبواعليا بليل صوروني و هددوني يا اسيب الشقة ياصوري تنزل على حتة و كل تليفون فيكي ياحارة
ختمت حديثها قائلة:
- شفت !! شفت العيلة سند و عزوة ازاي !!
رد " ممدوح" و قال:
- ومرحتيش تبلغي عنهم ليه ؟!
- ابلغ عنهم !! ابلغ مين و لا هاخد إيه !!
ردت زوجة عمها قائلة بخفوت لكنه وصل لمسامعها :
- سبحانك يارب داين تدان !
نظرت لها و قالت بنبرة ساخرة:
- إيه هو بابا اتعرض لك أنتِ كمان و لاإيه ؟! قولي قولي أنا مبقتش بتفاجئ أنا خد على كدا خلاص
مد " ممدوح" يده ليحتوي ذراعها بحنانٍ ثم قال:
- متزعليش نفسك أنا جنبك و هـ..
نزعت يده برفق ثم قالت بهدوء:
- أنا مش عاوزك جنبي و لا عاوزاك أصلًا أناخلاص عيشت مرتاحة بعد ماخرجت من البيت المقرف دا خليك في حالك و أنا في حالي و أنت هنا مجرد والد مريض و أنا هنا ممرضة عن أذنكم .
استوقفها عمها و قال:
- بس أنامش هسيب حقك أنتِ ليكي حق عندي يا بنتي
- و أنا اتبرعت بيه عن أذنكم
خرجت من غرفته و هي تكفكف دموعها برفق تنحنحت قبل إن ترد على هاتفها
- ايوة يا جاسر اهلا ازيك دكتور رمد ؟! ايوة اعرف خير في حاجة ؟! طب تمام أنا معاك احكي لي حالتها بالظبط و إن شاء االه أقدر اساعدك
******
داخل منزل عبد الكريم والد رقية، كان جالسا يستمع لابن زوجته " يوسف الهواري" و هو يقول بكل ما اوتي من هذوء:
- بت لساتها مرتي يا عمي
- ازاي يعني ؟! جاي بعد تلات سنين تقولي انها لسة مراتك
- لا طول التلات سنين دول أني لساني اتدلدل و اني عفهمكم انها مرتي و اني كنت مسحور يعني مش في واعي حتى لو اني طلجتها على الورج فهي شرعًا مرتي و أني ردتها !
يتبع