رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26

رواية بحر ثائر بقلم ايه العربي

رواية بحر ثائر الفصل السادس والعشرون 26

أتعلمين بم أشعر؟؟؟ 
عندما يهطل علي المطر 
و عندما يعصف بي القدر
تشتاق لتعانقك أنفاسي.. 
وتتوق للقياك جميع أقداري.. 
أتعلمين بم أشعر
عند النظر  إلى عينيك.. 
وعند النظر إلى شفتيك... 
أشتاق للغرق في تلك النظرة الحائرة 
منكِ إليِّ.... 
أتوق لأترك نفسي تهيم فيكِ... 
أتوق لتتركي نفسك تهيم فيَّا.... 
أحب كل ذكرى أماكن جمعتنا... 
وأشتاق للأماكن التي ستجمعنا... 
أحببتك قبل اللقاء... 
أما بعد اللقاء... 
أحببتك أكثر... 
لا نجاة لقلبك إلا معي... 
ولا حياة لقلبي إلا معك.....
( بقلم فيروزة) 
❈-❈-❈
تململت من بكاء الصغير الذي أنجبته لتزفر بضيق وتصيح بانزعاج وهي تلكز النائم بجوارها :
- قوم بقى يا أخي أنت إيه  ؟  طول الليل سهرانة قوم خده برا وسكته وسيبني أنـــــــــام  . 
انتفض بانزعاج بيّن والتفت لها وللصغير يطالعهما بضيق فهو منذ أمس لم يستطع النوم بارتياح لذا نفخ أوداجه ونطق بغيظ  : 
- ياستي أنا كمان ساعة وهنزل شغلي مالي أنا ومال تربية العيال  ،  قومي رضعيه الواد جعان ولا يمكن عايز يغير  . 
حدجته بنظرة عدوانية ونطقت  : 
- يبقى غيرله وحل عني هو مش ابني لوحدي  ،  يالا قوم وخدوا برا علشان دماغي هتنفجر  . 
زفر يستغفر واضطر للنهوض وحمل الصغير الذي لم يهدأ بكاؤه لذا عاد بذاكرته على الفور إلى ديما التي كانت تسرع لتهدئة صغيريها وانتشالهما من جواره حتى لا ينزعج ويستيقظ  . 
كانت مراعية كثيرًا لذا فهو يعلم أنها إن قررت الزواج ذات يوم سيقع الآخر في عشقها ولكنها من المؤكد لن تفعل  ،  لفظ نيران صدره المكبوتة بجملة لم يستطع كبتها فقال قبل أن يتحرك خارج الغرفة  : 
- يوم من أيامك يا ديما  . 
أسرع الخطى للخارج قبل أن تنهض وتصب حممها فوقه وهذا ما كان سيحدث حيث التفتت تطالع أثره بغضبٍ مكبوت جعلها تريد أن تنهض وتوبخه ولكنها قررت النوم وتركت أمر عقابه لابنها الذي لم ولن يتوقف عن البكاء  . 
❈-❈-❈
كلما قررت أن ترحل تمسكت بها منال أكثر  ،  برغم مكوث داغر عند صالح وهذا يزعج منال إلا أنها باتت لا تريد ابتعاد بسمة عنها  . 
هي مختلفة  ،  طباعها تنسجم مع الصغير قبل الكبير  ،  ذكية ولكنها حزينة لذا فقد تكفلت منال بامتصاص حزنها  . 
وقفتا في المطبخ تحضران الفطور فتحدثت منال بنبرة حنونة  : 
- يعني إنتِ فعلًا عايزة تروحي يا بسمة وزهقتي مننا ولا عاملة على داغر  ؟  
تنهيدة عميقة صدرت منها وأجابت دون النظر إليها  : 
- مستحيل أزهق منكوا يا خالتو منال بس أنا طولت أوي وماينفعش داغر يفضل عند صالح المدة دي كلها  .
زفرت منال واسترسلت بتأنٍ  :
- طيب بصي  ، إنتِ كدة كدة عارفة الموضوع إياه وأديكي قاعدة معانا كام يوم لحد ما اتكلم مع الست لطيفة صاحبة الشقة اللي فوق لو تقبل تأجرها وتاخديها يبقى خير وبركة وماتبعديش عننا تاني  .
تتمنى هذا كثيرًا  ، تعلم أن عمها لن يتقبل شيئًا كهذا ولكنه أيضًا لم يستطع الرفض فهل تخوض التجربة  ؟ هل ترفض عرض ماجد وتمكث هنا لترى ماذا سيحدث مع معذب قلبها الذي لا يبالي لها ؟ 
ازدردت ريقها ثم رفعت مقلتيها تنظر نحو منال مجيبة  :
- طيب يا خالتو ماشي كلميها وأنا هتكلم مع أونكل نبيل وأشوف رأيه مع إني متأكدة أنه هيرفض  .
أردفت منال بانزعاج واضح نسبةً للظلم الذي تتعرض له بسمة  :
- مش من حقه  ، إنتِ كبيرة ومسؤولة عن نفسك  ، يبعد بس هو وابنه ومراته عنك  .
ابتسمت بسمة وشعرت بأن منال تعطيها الحب والدعم  ، اتخذتها ابنة ثالثة لها لذا زفرت بقوة واستطردت كي تهوّن عليها  :
-  طب يالا نحضر الفطار علشان داغر زمانه على وصول وبعدها نبقى نشوف موضوع شقة الست لطيفة  . 
أومأت منال مؤيدة واندمجتا معًا في التحضيرات قبل مجيء داغر واستيقاظ دينا  ،  أما عن الصغيران فهما قد ذهبا إلى مدرستهما  . 
❈-❈-❈
لم تكُن تعلمان أن داغر يمكث منذ يومين في ورشته  ،  لم يقبل أن يظل في استضافة صالح بعد مجيء عمه محمود برغم إلحاح الآخر عليه  . 
التزم بالمبيت في ورشته دون علم أحد سوى صالح أحضر له أغراضًا تناسبه للنوم في هذه الورشة  . 
استيقظ ونهض يتماطأ حينما سمع صوت صالح يطرق الباب فنهض يتجه نحو الباب ويفتح القفل الداخلي ليرفع صالح باب الورشة المعدني ويطالعه بانزعاج مردفًا بقلة حيلة  : 
- راح ضل تنام هان يا داغر  ؟ هاي عيبة كبيرة  بحقي ياخو  . 
ربت على كتفه يقول بتروٍ  : 
- ولا عيبة ولا حاجة يا جدع ماتحبكهاش أوي  ،  لما عمك يسافر هرجع  . 
شهق صالح ونطق بتلقائية  : 
- لاااا  ،  هيك يعني محلك راح  ؟  الأنسة مش راجعة ع بيتا ولا شو  ؟ 
انزعج داغر ونطق معارضًا  : 
- اللا  ،  ماتسيبها قاعدة يا ابني هي قاعدة على قلبك  ؟  وبعدين ماتخافش أنا مش راجع بيتك أنا قاعد في ورشتي  . 
تقبل صالح مزاحه ونطق بمثل  : 
- لا هي قاعدة ع قلبك إنت  ،  ريح حالك وخليها تعرف مشاعرك واحسم قرارك بدل ما تضل نايم هان بين البراغي والمفاتيح  . 
تنهد بعمق يومئ بشرود ليسحبه صالح بعد ثوانٍ إلى سؤالٍ آخر  : 
- شو راح تعمل بموضوع أختك  ؟ 
شرد قليلًا يتذكر ما حدث وما يحدث ليجيبه بتأكيد  : 
- هسافر لها طبعًا  ،  أومال هسيبها  ؟ 
❈-❈-❈
ظهرًا 
لم تنم بعد  . 
استقبلها صاحب البيت وزوجته استقبالًا حافلًا وقد رأت المحبة في أعينهما كأنهما يعرفانها منذ أمد  ،  معرفتهما به وطيدة وبينهما ترابط ظهر في طريقة تعاملهما معه وهذا شيء أراحها قليلًا ولكنها لن تنسى ما حدث  . 
لن تنسى مراقبته لها من البداية  ،  لن تنسى الباب المتصل بمنزله  ،  لن تنسى هجومه الكاسح على مشاعرها المسالمة  ، وبالطبع لن تنسى محاولة قتلها للمرة الثانية . 
كيف سمح لنفسه أن يتجسس ويقتحم خصوصيتها  ؟  مهما كان يحبها كما يدعي هذا لن يبرر له ما فعله  ،  كيف ستتقبل ذلك  ؟ 
إن كانت سنواته في أوروبا جعلته يتصرف بطريقة غربية فهي لم ولن تسمح له بتعدي الحدود معها  . 
يعلم هويتها  ،  يعلم قناعتها  ،  يعلم التزامها وكان عليه احترام هذا لذا يجب أن يكون بينهما حديثًا آخر وتصدي من جهتها حتى لا يظن أن الأمر هينًا على الإطلاق  . 
طرقات على باب الغرفة التي تمكث بها لذا نهضت تتجه نحوه وفتحت حيث لم تتخلَ عن حجابها تحسبًا لأي شيء  . 
وجدت أمامها السيدة الجميلة زوجة صاحب المنزل  ،  تبتسم لها ببشاشة وتردف بنبرة ودودة  : 
- أعلم أنكِ لم تستطعي النوم جيدًا ولكننا أحضرنا فطورًا مميزًا ونريد أن تشاركينا إياه  ،  هلا أتيتِ معي من فضلك  ؟ 
بادلتها ديما الابتسامة الودودة وأجابتها بحبور  : 
- بالطبع من دواعي سروري  ،  انتظريني ثانية  . 
عادت إلى الداخل تستل هاتفها والمعطف الخاص بها ثم ارتدته وتحركت مع السيدة نحو الحديقة حيث تم تجهيز الفطور بها  .
لمحته يجلس مع صديقه وابنته الشقراء الرائعة  ، يدللها ويعاملها بلطفٍ بطريقة تناقض ما كان عليه أمس حينما هجم على اللص  ، كان شرسًا بشكلٍ تام  ، والآن لطيفًا جدًا  .
تقدمت وألقت السلام فالتفت يحدق بها وأفسح لها لتجلس على المقعد المجاور له ففعلت بتأنٍ بعدما رحب بها صديقه بنبل  .
تناولوا الفطور في أجواء لطيفة وهادئة ودار بينهم حوارًا بسيطًا عن أمورٍ عامة لينتهي سريعًا وقد ران لهم أنها تود الحديث لذا نهض الرجل يصطحب ابنته معه نحو اسطبل الخيول بينما نهضت الزوجة تجمع الأطباق نحو الداخل بعدما أجبرت ديما على الجلوس حيث كانت تريد مساعدتها  .
جلست متحفزة تشعر بالتوتر أمامه وجلس ينتظرها لتفضي ما بداخلها  ، يتأملها بدقة وتركيز وقد تجمعت أشعة الشمس الصافية على ملامحها فزادتها صفاءً ولمعانًا  ،  عينيها لؤلؤتين ود لو لم ينظران لغيره  ،  ملامحها النقية يشتهي أن ينهل منها حتى يرتوي  . 
كانت شاردة في الكلمات التي ستقولها ولم تلاحظ تحديقه إلا حينما رفعت مقلتيها تطالعه وتسأله بشكلٍ مباشر  : 
- ليه كنت بتراقبني  ؟ ليه تسمح لنفسك تتفرج عليا وانا مدية الأمان وقاعدة براحتي في مكان المفروض إنه بيتي  ؟  إزاي تتعامل معايا بالأسلوب ده وانت عارف إني ست محجبة وملتزمة ؟ 
وجدها ثائرة متوترة من نظراته ولكن ثورتها تغلبت على توترها ليزفر بقوة سامحًا لمشاعره أن تخمد حتى يجيبها معترفًا بذنبه أمامها  : 
- ده ذنب كبير عليا  ،  وأنا عارف إني غلطان جدًا وماليش أي عذر وماكنش ينفع أعمل كدة بس صدقيني ماحدش فينا خالي من الأخطاء  ،  غلطتي إن لأول مرة ماقدرتش اتحكم في مشاعري معاكِ  . 
عاد توترها يتقافز أمامه فابتسم بخبث وتابع بنبرة صادقة  : 
- بصي علشان أهون عليكي شوية موضوع المراقبة ده كان في محيط الصالة بس  ، واتمنى تثقي فيا بس أنا كنت أمين شوية في مراقبتي ليكي  ،  بمعنى إني كنت بحب أشوفك بتطبخي أو بتقرأي أو مثلًا بتتفرجي على التليفزيون إنما غير كدة لاء  ،  صدقيني كنت بتحكم في نفسي كويس  . 
وجدها متوردة خجلًا  ،  هي من الأساس تحاول تجاوز هذا الأمر ولكن مع شرحه لم تفلح لذا استرسل مهيمنًا بسعادة تنعش خمائل قلبه  : 
- وبعدين يا ديما حاولي تهدي  ،  يعني بما إننا هنتجوز ف الموضوع تحت السيطرة  . 
- مين قالك إننا هنتجوز  ؟ 
نطقتها بغيظ من تسلطه لتجد في عينيه نظرة ثاقبة لا تراجع فيها ولا استسلام وهو يجيبها  : 
- هنتجوز  ،  عاجلًا أم أجلًا هنتجوز يا ديما لإني بحبك  ،  وإنتِ كمان بتحبيني وده أنا شايفه واضح في عيونك  . 
ردع من نوعٍ خاص حطم كل دفاعاتها أمامه لذا وجدت أن الهرب هو الأمان لها فنهضت وتحركت تغادر من أمامه عائدة للغرفة  ،  تعيش  حالة فريدة  تجربة لم تخضها قط  ، حالة من السعادة المشبحة بالقلق والخوف والخجل والغيظ منه  . 
تنهد يتتبعها بنظراته وشرد يفكر في مارتينا لذا رفع هاتفه يجري اتصالًا عاجلًا لينهي هذا الأمر  . 
❈-❈-❈
مر اليومان في بيت صديقه وسط أجواء من الهدوء . 
ولكنها قضتهما تفكر فيه وفي أفعاله وأقواله وتصرفاته وغموضه والخبايا التي توقن أنه يخفيها عنها  . 
لم يحِد من خاطرها محاولة قتلها الأخيرة  ،  لم يغب عنها الباب المتصل بينهما   ،  هناك ألغاز لم تحل بعد  . 
غريب ومريب ولكنه احتواها بكلماته  ،  لمس بداخلها مشاعرًا تجبرها على اتباعه برغم كل تساؤلاتها حوله  . 
جعلها تغير قراراتها وقناعاتها وتفشل في الثبات على ألا تدخل رجلًا آخر حياتها  ،  بطريقة ما لا تعلم كيف فعلها ولكنه نجح في إبرام صفقة بينه وبين عقلها  . 
ها هما في طريقهما إلى المطار كي يسافرا إلى دبي ليؤديا المناظرة الثانية هناك  ،  تتساءل عن السبب مرارًا ولكنه لم يجبها بل يراوغ بأي وسيلة والآن ستعاود سؤاله ولم تسمح له بالهرب لذا أردفت دون مقدمات  : 
- ممكن بقى تفهمني ليه المناظرة هتتعمل في دبي  ؟  وخليك واضح معايا  . 
أومأ وهو يتطلع نحو الأمام ويوضح بدهاء  : 
- دبي مدينة عربية فعلًا بس أكتر من نص سكانها أجانب من مختلف الديانات ومعظمهم شايفين إنها وصلت للتطور ده بسببهم هما وإن المجتمع العربي ما هو إلا خزنة تمويلية بس التنفيذ والعقلية غربية الهوية  ،  هما شايفين إن العقل العربي مايقدرش يحقق ربع انجازات العقل الغربي خصوصًا المرأة  ،  علشان كدة مجموعة شباب عربية طلبوا مني عمل مناظرة هناك وطلبوكي بالاسم وقالوا إن التناقض المنسجم بينا عجبهم قوي  . 
التفتت تطالعه بتمعن ثم تساءلت  : 
- وانت شايف إيه  ؟ 
لف رأسه لها يبادلها النظرات وأردف بصدق  : 
- شايف إن المرأة العربية قوية ومثابرة وذكية وهي اللي قادرة تستحوذ على العقل والقلب  ،  وده بالنسبالي بيتمثل فيكي ،  أما وجهة نظري في نساء العرب هتفضل زي ماهي . 
حيرها في أمره  ،  أيراضيها أم يستفزها  ؟  أيميزها أم يذم صنفها  ؟  لذا زفرت ونطقت مستفهمة  : 
- علشان كدة بتتساهل معايا جوة المناظرة صح  ؟ 
تساءل باهتمام  : 
- إنتِ عايزة إيه  ؟ 
بتحدٍ يشع من مقلتيها ونبرتها قالت  : 
- عايزاك تتعامل كإنك في مناظرة مع أي ست عربية إلا أنا  . 
أجابها بثقة وإيماءة ماكرة  : 
- لكِ هذا  . 
توقف في الموقف التابع للمطار وترجلا سويا يتجهان نحو الداخل ليلحقا بطائرتهما  .
منذ أن علمت بإنقاذه لها وإفلاتها من محاولة القتل وهي تتلوى على صفيحٍ مشتعل  ،  بحثت عنهما ولم تعثر عليهما وهذا جعلها تجن كما لم يحدث من قبل ولكنها أيضًا تعلم أن فعلتها لن تمر مرور الكرام عليه  ،  من المؤكد يخطط لأمرٍ لا تدركه لذا يجب أن تنتبه عليه فهو وقع في الحب  . 
رطمت الكأس الذي تتجرع منه في الحائط المقابل حينما خطر على بالها استنتاج حبه لأخرى  ،  قلبها يُلاك بين فكي وحشٍ كاسر  ،  نيران الغيرة تلتهم جسدها  ،  لا تصدق أنه أحب غيرها والآن لم تحصد سوى كراهيته ولكنه أيضًا لن يكون لغيرها  . 
أو أنه كان  ؟ 
لم تعد تحتمل لذا حملت زجاجة المشروب ورطمتها في الجدار ذاته الذي يعاني منها حتى كاد أن ينطق على عكس والدها الذي قرر أن يتركها تعيش حالة الجنون هذه علها تعي على نفسها وتعلم أن ثائر عدوٌ لدودٌ لهما وعليهما التخلص منه  . 
❈-❈-❈
بعد ساعات 
وصلا إلى دبي واتجها مباشرةً إلى الفندق ليستريحا ويستعدا لمناظرة الغد  . 
كانت تخطو معه دون خوفٍ أو قلق  ،  تشعر بجواره بالأمان ولكن بقى سؤالًا يتردد على عقلها  ،  هل ستعود مصر بالفعل بعد انتهاء المناظرة  ؟  هل سيفترقان كما أخبرها  ؟ 
يفترض أن تسعد ولكنها ليست كذلك  ،  مشاعرها نحوه سلكت طريقًا آخر ممهدًا بالرغبة معه  . 
لا تدرك ما أصابها ولكنها أحبته بالفعل  . 
شهقت عندما اعترفت داخلها بذلك وكأن عقلها تفاجأ من اعتراف قلبها ليلتفت لها على أثر شهقتها ويطالعها بثقب كأنه اكتشف أمرها لذا أسرعت تحيد أنظارها عنه وتتحمحم بتوتر فابتسم عليها وتوقفا أمام غرفتها يشير لها قائلًا  : 
- دي أوضتك  ،  ودي أوضتي  ،  ادخلي استريحي وجهزي نفسك للمناظرة بكرة وللعشا بليل  . 
رفعت حاجبيها باستنكار من ثقته وأوامره ولكنها نظرت نحو الغرفتين الملتصقتين ببعضهما وتساءلت ببعض المرح برغم جدية ملامحها  : 
- فيه بينهم باب من جوة  ؟  مهو إنت كل أفعالك مشكوك في أمرها  . 
لم يستطع إلا أن يبتسم ويجيبها بثقل ظاهري : 
- قولتلك إني مش منحرف  ،  بس لو إنتِ مراتي الوضع هيختلف  . 
غمزها ومال يفتح لها باب غرفتها بالشفرة ثم ناولها إياها وأشار لها يسترسل بنبل  : 
- اتفضلي  . 
لم تستطع إلا أن تتحرك نحو غرفتها بعد تنهيدة قوية لتلتفت تقابله وهي تتمسك بالباب فتابع بهيمنته  : 
- حاولي تاخدي شاور وتنامي شوية علشان وقت المناظرة يبقى باين إنك مستريحة  ،  وبليل هجيلك علشان ننزل نتعشى في مكان ممتاز هتحبيه  . 
لم يمهلها الرد حيث مد يده يغلق الباب عليها واتجه يفتح باب غرفته ويدلف وعلى ضفاف قلبه تنبت زهور الراحة والطمأنينة خاصةً وقد رأى حبها بوضوح الآن وسمع شهقتها التي كانت خير دليل له    . 
❈-❈-❈
كالعادة تتلصص عليه وعلى تحركاته والآن من خلال الإعلان الذي انتشر علمت أنه في دبي لذا لن تترك الأمر يمر مرور الكرام  . 
جلست تعبث بالهاتف وتجمع معلومات عن مكان تواجده من خلال صفحة المنظمة المتكفلة بالمناظرة التي سيكون هو ضيفها أمام ديما الصابر  .
تلك الكاتبة التي سمعت عنها ووضعتها في قائمة المغضوب عليهن قبل أن تراها  . 
يكفي أنها حصلت على فرصة السفر والعمل معه وتراها لا تستحق ذلك خاصة إن كان كل إنجازاتها في الحياة هو كتاب لعين يتحدث عن قوة المرأة العربية  ،  أي قوة هذه  ؟! 
بالنسبة لها قوة المرأة تكمن في شراستها التي توظفها في الوقت المناسب لتحصل على ما تريده أما دون ذلك فهو عبث لذا فإنها معجبة بقوة مارتينا وتراها هي الوحيدة التي تليق بثائر  .... بعدها . 
نظرت إلى زوجها الذي يجلس يتصفح حاسوبه ويتابع أعماله لتبتسم بخبث ونهضت تتجه إليه ثم وقفت خلفه واحتضنته تميل برأسها نحوه وتقبل وجنته ثم ابتعدت تردف بتخابث ومكرٍ يرقص في عينيها  : 
- إيه رأيك لو طلعنا نتعشى برا النهاردة أنا وانت بس  ؟! 
تعجب مما تفعله وأدرك أن هناك مغزى لذا التفت ينظر لها وتساءل بشكٍ  : 
- عشا بريء ولا وراه حاجة  ؟ 
ابتسمت تجيبه وتتغنج عليه  : 
- وراه ليلة رومانسية  . 
صمت لبرهة يطالعها ثم عاد لحاسوبه يردف بترقب ليرى ما خلف قناعها  : 
- أنا عندي شغل مهم النهاردة يا سها  ،  ممكن نأجلها لبكرة ونطلع نتغدا سوا كلنا  . 
كادت أن تحتد ولكنها أدركت شكه لذا سريعًا تحلت بابتسامة صفراء تجيبه بهدوء  : 
- تمام  ،  يبقى بكرة  ،  بس أنا وانت بس  . 
عادت تقبله على وجنته وتتحرك عائدة لفراشها وعقلها يحيك خطته لرؤية ثائر بأي طريقة  ،  من المؤكد سيتناول طعامه غدًا في مكانٍ ما وكل ما عليها هو معرفة المكان لذا عليها تتبع أثره ولهذا  ... 
ابتسمت وهي تعبث بهاتفها مجددًا وترسل رسالة إلى صديقتها وذراعها الأيمن ومنفذة المهام الصعبة  .
ستراه هذه المرة بكل تأكيد فالمرة السابقة تفاجأت بحضوره مؤتمر الشارقة وتفاجأت أيضًا بسفره قبل أن تراه  . 
❈-❈-❈
في اليوم التالي
ذهبا سويًا حيث المكان الذي ستقام فيه المناظرة  ،  تجاوره بجسدٍ متوتر خاصة وأنها طلبت منه أن يتعامل معها بجدية ولا يتهاون كالسابق  ،  لا تعلم ما يحضره لها من أسئلة وبرغم يقينها وثقتها بأنه لن يعرضها للخجل والقيل والقال إلا أنها تريد أن تثبت صحة رؤيتها وهويتها  ،  تريد أن تؤكد للعالم أجمع أن العرب أساس الحضارة والاكتشافات وإن دوام الحال من المحال وربما هذه السنوات عجاف ومن بعدها ستأتي سنوات الخير على بلادها  ،  ستنتهي أسطورة الغرب ذات يومٍ وتنتهي صراعاته ويكشف الستار عن أكاذيبه ويتلاشى انبهار الكثيرين به خاصةً بعد حروبه التي يشعلها والفتن التي يقدمها والعقول التي يأسرها  . 
ستنتهي الحربُ يوماً ، ويعود الزيتُون فلسطينياً ، والياسمين دمشقياً ، والقهوة والعسلُ يمنياً ، والصوتُ عراقياً ، ويعودُ العزُ عربياً ، والنصرُ إسلامياً .
التفتت تطالعه  ،  ملامحه هادئة لا يشوبها ذرة توتر على عكسها  ،  لم تعد ترى داخله التعصب ضد المجتمع العربي خاصةً النساء  ،  كأنه شفافٌ أمام عينيها  . 
تستطيع أن ترى أعماق بحره الآن بوضوح  ،  يكمن داخله ألف حبٍ لبلده وليتها تعفو عنه وتحتضنه  ،  هي على يقين أنه يتمنى ذلك وعلى يقين أن حبه لفرنسا ما هو إلا قناع كأقنعة كثيرة لا يرتديها معها  . 
طالت التحديق به دون قصدٍ منها لذا ابتسم وأردف بثباتٍ ولم يحد ناظريه عن الطريق  : 
- بردو مش هتأثري عليا  ،  مش هتهاون معاكِ المرة دي زي المرة اللي فاتت  . 
نطقت بثقة لا تعلم كيف حصلت عليها ولكنها قررت أن تجابهه بنفس طريقته  : 
- لو عايزة أأثر عليك هعرف اعملها  . 
لم يتمالك نفسه من ألا يضحك ويلتفت يطالعها بثقب ويسترسل بحبٍ ومكرٍ   : 
- طب ماتوريني إزاي هتعمليها  ؟ 
تفشت حمرة الخجل في ملامحها وجعلتها تحيد مقلتيها عنه ونطقت بتحمحم تداري خجلها من مقصده  : 
- بس مش أسلوبي  . 
رفع حاجبيه يشك في إجابتها لذا أجابها بالفرنسية  : 
- سنرى هذا في وقتٍ لاحق  . 
تذكرت أمرًا ما لذا تساءلت بشيءٍ من القلق لا تعلم مصدره  : 
- هو أنا فعلًا هرجع مصر بعد المناظرة دي  ؟ 
هكذا أخبرها وهي سعيدة لرؤية صغيريها وعائلتها وضمهما ولكن هل ستتركه  ؟ حتى لو كانت فترة مؤقتة  ؟  
أجابها بسؤالٍ يلقي الكرة في ملعبها  : 
- إنتِ عايزة إيه  ؟  
حدقت به لثوانٍ ثم نطقت تراوغ وتخفي مشاعرها  : 
- عايزة أرجع طبعًا  . 
يعلم أنها تراوغ  ،  يكفي ما تقوله عينيها ولكنه أيضًا يشتهي العودة  . 
توقفت سيارته أمام المبنى لذا ترجلا سويًا يتجهان نحو الداخل معًا وكلٍ منهما يفكر في الآخر بطريقته 
❈-❈-❈
رن هاتفها للمرة التي لم تعد تعلم عددها  . 
بات يضغط عليها وباتت تشعر بالضيق منه  ،  لم يكن كذلك في البداية  ،  منذ أن أخبرته بقرار رفضها وقد أصبح متسلطًا  . 
عاد رنين الهاتف يصدح لذا فتحت الخط تجيب بعبوس  : 
- ألو  ؟ 
- أنا أسفل منزلك دينا  ،  يجب أن أراكِ وشقيقكِ هاتفه مغلق  ،  هل أصعد  ؟ 
توسعت حدقتيها بصدمة ودارت حول نفسها بتوتر ثم أردفت بترجٍ  : 
- لوتشو لو سمحت ماينفعش كدة  ،  تطلع فين  ؟  داغر مش هنا لو سمحت امشي وبكرة هرجع الشركة  . 
أجابها بثبات وتصميم جديدٍ عليها  : 
- أنا لن أتحرك من هنا دون رؤيتكِ  ،  إما أن تأتي أو أصعد إليكِ دينا  . 
زفرت بقوة وأغلقت الخط تفكر ثم قررت النزول له لذا اتجهت ترتدي ثوبًا مناسبًا وتحركت نحو الخارج تبحث عن والدتها التي كانت منشغلة مع الصغيرين لذا حثت الخطى نحو الباب دون أن ينتبه لها أحد وفتحته وغادرت  . 
نزلت إليه فوجدته يقف بسيارته أمام منزلها  ،  توترت وشعرت بالخجل من نظرات المارة نحوهما لذا تقدمت منه ونطقت بهدوء  : 
- لوتشو لو سمحت ماينفعش تقف هنا  ،  ياريت تمشي وهنتكلم في الموبايل  . 
حدق بها ولم يبالِ بحديثها بل نطق مبتسمًا  : 
- اشتقت لرؤيتكِ  . 
لم تشعر بأي مشاعر سوى الضيق والغضب الذي جعلها تنطق من بين أسنانها  : 
- لوتشو مايصحش كدة أبدًا  ،  قلتلك لو سمحت امشي دلوقتي  ،  إنت كدة بتضرني  . 
ظهر من خلفه صالح يربت على كتفه بصلابة ويتساءل بملامح منزعجة  : 
- خير يا أستاذ  ؟  شو بدك  ؟ 
كأن أنفاسها انفرجت بوجود صالح وشعرت بالقليل من الراحة بينما التفت لوتشو يحدق به وتحدث باستعلاء بمقلتين ثاقبتين نحوه : 
- من أنت  ،  ما دخلك بي  ؟ 
أجابه صالح الذي وقف حائلًا بينه وبين دينا يردف بثبات وثقل  : 
- ما إلي دخل فيك  ،  أنا بهمني الأنسة دينا  ،  ياريت تتفضل من هنا ولما داغر يكون موجود يبقى كلامك معاه  ،  دي مش أصول وإنت هنا لازم تحترم عاداتنا  . 
شعر بالضيق ولف أنظاره نحوها ليجدها صامتة برضا واقتناع بكلمات هذا الشاب الذي على ما يبدو مقربًا منها  ،  ربما يحبها  ؟  وربما هي أيضًا بدأت تبادله  ؟ 
تجهمت ملامحه وهو يطالعهما سويًا بنظرات نارية ثم أردف بنبرة صلدة موجهة نحو دينا  : 
- غدًا أراكِ في مكتبي دينا  . 
كان تهديدًا لا تعلم عواقبه حيث نزع نفسه بعدها يغادر من حيث أتى ووقف صالح يتتبعه حتى غادر حدود الحارة لذا التفت نحو دينا ونطق دون النظر إليها  : 
- اطلعي عالبيت يا أنسة دينا ولو صار هيك مرة تانية احكيني وأنا راح اتصرف وماتنزلي إنتِ  . 
تنفست بعمق توميء له وشكرته بامتنان قائلة  : 
- شكرًا يا صالح   . 
تحركت تعود للمنزل ووقف يتنفس الهواء الذي كان يحاوطها ثم قرر العودة إلى الورشة داعيًا أن يستريح قلبه الملكوم  .
صعدت الدرج وكادت تدخل لكنها وجدت الباب موصودًا لذا زفرت بتوتر فقد كانت تواربه  ، طرقته وانتظرت لتفتح لها منال التي حدجتها بملامح غاضبة ونطقت موبخة  : 
- إيه اللي جاب الجدع ده لحد هنا  ؟  وتنزلي ليه تقفي معاه في الحارة  ؟ 
نطقت دينا بتلعثم بعدما انكشف أمرها  : 
- هو جه لإني مش بروح الشغل يا ماما  ،  وبعدين هو مش حد غريب يعني ده مديري  . 
اشتعلت عين منال بالغضب وبصقت بانفعال  : 
- لاء مش مديرك يا دينا وكفاية لحد كدة  ،  ده لا شبهنا ولا احنا شبهه  ،  الشغل ده مابقاش يناسبك ومش هتروحي تاني  ،  الجدع ده مش مريح أبدًا  . 
لا تحب هذه التحكمات والأوامر لذا صاحت مستنكرة  : 
- ماما لو سمحتِ بلاش الأسلوب ده  ،  أنا مش صغيرة وهعرف اتصرف  ،  وبعدين فيه في العقد بتاعي شرط جزائي ماينفعش أسيب شغلي فجأة كدة  ،  وحاولت أقدم استقالتي وهو رفض  ،  سبيني أتصرف بنفسي معاه  . 
بصياح مماثل وخوفٍ نهش جدران قلبها نطقت  : 
- لاء يا دينا مش هسيبك تتصرفي بنفسك معاه  ،  ومافيش مرواح على شركته تاني واللي عايزه يعمله  ،  إنتِ هتبعدي عنه وأخوكي لما يرجع هو اللي هيشوف موضوع الشرط الجزائي ده  . 
جاءت بسمة من غرفة داغر على صوتهما وحاولت تهدئة منال المتحفزة فقالت  : 
- خالتو اهدي لو سمحتِ وسيبي دينا تفكر وأنا متأكدة إنها هتتصرف صح  . 
هكذا امتصت غضب دينا المتجلي على ملامحها وامتصت غضب منال التي زفرت تستغفر لتجيبها بلوعة قلب أم  : 
- يا بسمة أنا خايفة عليها  ،  أنا عارفة بنتي كويس هي عاملة فيها بارم ديله وهي بتغرق في شبر مية والجدع الصيني ده مش مريح  ،  ده كإنه استنى لما داغر يسافر وجه  ،  أنا لولا أنه مشي كنت نزلت عرفته قيمته  . 
- صالح جه وكلمه وهو مشي  . 
نطقتها دينا بدفاع عل والدتها تهدأ بعدما لاحظت خوفها عليها لتجيبها منال بحنين يسكن نبرتها  : 
- شوفته  ،  ربنا يباركله  ،  بس بردو أنا مش مأمنة ترجعي على شركته تاني  ،  يابنتي ده واحد مانعرفوش ولا نعرف بيفكر إزاي  ؟ 
عادت بسمة تطمئنها قائلة بتريث  : 
- ماتقلقيش يا خالتو قلتلك  ،  بصي أنا هكلم حد يعرف معلومات أكتر عنه واطمنك  . 
رفعت يديها تردف باستنكار  : 
- لاء  ،  ولا معلومات ولا مخابرات  ،  مادام قلبي مش مرتاحله يبقى الله الغني عنه  . 
هي أيضًا مثلها لذا لم تعترض على كلمات والدتها  ،  نعم تبغض طريقة الأمر والنهي ولكنها باتت ترى أن لوتشو يظهر تسلطًا لا يناسبها إطلاقًا لذا عليها أن تجد حلًا معه  .
❈-❈-❈
جلسا في مواجهة بعضهما على مسرحٍ علوي وأمامهما الكثير من الشباب ينتظران بدء المناظرة  . 
بدأ المقدم يعرفهما ويسرد نبذة عنهما ثم ترك لهما المجال ليتناظرا فبدأ ثائر يشرح وجهة نظره حيث قال  : 
- أنا أرائي مش هجوم ولكن انتقاد على تصرفات وأفعال وعادات كلها غلط  ،  تباهي مفرط بأفعال أجداد ماتوا من زمان  ،  على أرض الواقع التطور والتقدم والعلم والتكنولوجيا من نصيب المجتمع الغربي  ،  الوعي والتجدد الفكري من نصيب المجتمع الغربي  ،  حتى دبي ووضعها الممتاز مش هننكر إنها بأيادي غربية وطبعًا مش تقليل من المجتمع العربي اللي هو أصلًا مبهور بالغرب  ،  طيب ليه ننبهر لما ممكن نفكر ونطور من نفسنا ونكون إحنا اللي ينبهر بينا مش العكس  . 
كان يشرح ويوضح بيديه وتوليه ديما انتباهها  ،  هو محق في كلماته وهذا ما يحدث ولكن هذا نصف حق  ،  يجب أن يعطي كل ذي حقٍ حقه  . 
سلط أنظاره عليها وتابع بنبرة جادة وملامح ثاقبة  : 
- أستاذة ديما شايفة إن التطور الغربي كله لا شيء قدام انحلال الغرب  ،  شايفة إن أخلاق المجتمعات هي اللي بتحدد تطورها  ،  ممكن تكلميني يا أستاذة ديما عن ألة أو وسيلة أو علم اخترعته الأخلاق العربية وقدر يطور العالم  ؟  خلينا نتكلم بوضوح ونبدأ بمثال طبي لإن الطبيب هو أهم رمز بالنسبالي  زي ويليام هارفي الباحث في دورات الدم وزي سيرفيتوس واللي بسببهم تطور الطب لحد ما وصلنا للحظة دي  . 
نظرت له بدهشة  ،  لقد أخبرته ألا يتهاون معها فلم يفعل هذا  ؟  من المؤكد أن بعض الشباب هنا يعرفون الرد مثلها ولكنها زفرت تجيبه بثبات  : 
- واضح إن حتى الكتب اللي حضرتك بتقرأها كتب غربية بس  ،  لإن لو كنت بتقرأ كتب علمية عربية كنت عرفت إن اللي اكتشف الدورة الدموية الصغرى هو العالم العربي ابن النفيس  ،  وسجلها بنفسه في كتاب ليه اسمه شرح تشريح القانون واللي اختفى لقرون وبعد كدة نسبت وهم للباحث ويليام هارفي اللي قولت عليه بس لإن لازم الحق يترد لأهله ظهر الدكتور المصري محي الدين الطهطاوي وصحح المعلومة وقال إن المكتشف الحقيقي هو ابن النفيس وده بعد ما اكتشف مخطوطة باسمه في مكتبة برلين  . 
ابتسم ساخرًا وتساءل بشكٍ ظاهري  : 
- المعلومة دي مش جديدة عليا  ،  بس إيه دليلك وليه ممكن أصدق إن تم تزوير معلومة زي دي وماصدقش إن كمان تم تزوير اكتشافات ويليام هارفي وسيرفيتوس  ؟ 
استفاضت توضح ما لديها وتجيبه بثقة  : 
- هو ده بالضبط اللي شككوا فيه أستاذه الدكتور المصري محي الدين الطهطاوي لإنهم كانوا غربيين وعلشان كدة استعانوا بالباحث والمستشرق الألماني مايار هوف واللي وقتها كان مقيم في القاهرة وكتب تقرير وقتها إنه ذُهل من تحريف كتاب ابن النفيس من خلال سيرفتوس واللي أصلًا باحث ديني مش طبيب  وهتلاقي ده مذكور في أواخر كتاب تاريخ العلم لجورج ساردون وده طبعًا بعد ما مايار هوف بلغه بالحقيقة  . 
أومأ مرارًا يدعي التفاجؤ لذا نطق يعترف بالخطأ ويراوغ أيضًا  : 
- يمكن بحثي في الموضوع ده مكانش مكتمل بس لإن دي مش المعلومة الوحيدة اللي كان فيها شك بالنسبالي  ،  ومش معنى إن الاكتشاف ده طلع أصله عربي إن باقي الاكتشافات كمان زيه  ،  خلينا نروح لمثال تاني زي قانون الحركة اللي اكتشفه إسحاق نيوتن وبلاش تقولي إنها غلطة لإن تفاحته خير دليل  . 
قالها ساخرًا لتبتسم وتجيبه بثبات  : 
- طبعاً هقول لإن مكتشف قانون الحركة هما عالمين مسلمين ابن سينا وهبة الله ابن ملك وده بردو موجود في مراجع من قرون  ،  بس مش ده المهم دلوقتي يا أستاذ ثائر  ،  المهم هي أمانة المسلمين في الحقوق الفكرية لأصحابها  ،  يعني على مدار سنين مافيش مرة واحدة ذكر إن عالم عربي سرق أو نسب اكتشاف لنفسه وثبت بعد كدة العكس  ، دايمًا بيعترفوا وبينسبوا أي اكتشاف غربي لأهله  ،  ودي في حد ذاتها أمانة فكرية وخُلق بيفتقده المجتمع الغربي  ،  وهو نفسه اللي شايف إن بلد عربي على أرض عربية زي دبي هو السبب في تطورها ده  ، ، ويمكن أنا وجهة نظري في التطور مختلفة شوية  ،  يعني مش شوية مباني هما دليلي للتطور   ، التكنولوجيا نفسها مؤذية للموارد البشرية  ، الذكاء الصناعي علميًا قاتل للطبيعة   ،  التطور عندي في صحة وتعليم الانسان  ،  في نشر الأمانة والمحبة والسلام بين الناس  ،  التطور بالنسبالي هو قلوبنا على بعض ومحبتنا لبعض  ،  التطور هو الاستمتاع بالطبيعة وجمالها وألوانها اللي بتتمثل في النبات والأنهار وغيرها مش خلق طبيعة صناعية وإرغامنا على رؤيتها ومحاولة زرع وهم جوة عقولنا إن الجمال كله هو جمال لمعة مباني بدون روح ،  حلو إن يكون فيه تطور مرئي بس الأهم هو التطور الأخلاقي  ،  وده بالنسبالي لو حصل هيبقى منتهى السلام مش زي ما بنشوف حوالينا دلوقتي  ، للأسف . 
صفق الجمهور لها  ،  لامست كلماتها قلوبهم قبل العقول وجلس يحدق فيها بفخرٍ استشفته فطالعته بعتاب  ،  هذا ليس عدلًا  ،  يجب أن تكون المناظرة نزيهة  . 
ليتخذ من عتابها محاولة في طرح أسئلة أخرى فتجيبه بأجوبة تثبت مدى علمها وتطلعها وبالفعل كان بينهما تضاد يحمل انسجامًا من نوعٍ خاص أحبه الجمهور كثيرًا ليخرجا من المناظرة بنجاح لكليمهما
هي نجحت في إيصال وجهة نظرها وهو نجح في إعطاء هويتها حقها  . 
❈-❈-❈
انتهت المناظرة واتجها سويًا حيث المطعم المتصل بالمبنى الذي كانا فيه ليتناولا غدائهما  . 
جلست أمامه تتطلع على قائمة الطعام واختارت طلبها تبلغه للنادل وفعل ثائر كذلك ليرحل ويتركهما  . 
أمعنت النظر فيه ثم تحدثت بعتابٍ لم يزُل  : 
- طلبت منك تكون رسمي معايا وبردو تهاونت  ،  ليه كدة  ؟ 
ادعى الجدية يجيبها  : 
- لاء بالعكس أنا كنت رسمي  ،  وفعلًا المعلومة اللي ضيفتيها في المناظرة فاتتني  . 
بشكٍ صريح باغتته ليسبل جفنيه عنها ثم ابتسم حيث لم يعد يجيد الكذب عليها لذا تساءل بملامح منتعشة  : 
- معقول بقيتي قرياني بوضوح كدة  ؟ 
أومأت تجيبه بثقة  : 
- ده اللي حصل  . 
ابتسم وحدق بها بثقب لينطق بنبرة هامسة تحمل مشاعر قوية وجرأة مستترة ولغة فرنسية  : 
- أعدكِ أنني عما قريب سأناظركِ مناظرة قوية سأكون أنا الفائز فيها ومع ذلك لن تخرجي خاسرة منها أبدًا بل مستمتعة  . 
وترها كليًا فباتت تجلس أمامه كمن تم تجريدها من ثيابها وأرادت أن تركض أو وتهرب من نظراته التي أزاحها عنها ليرحم خجلها بعدما فهمت كلماته  . 
وليته لم يزح نظراته عنها  ،  ليته ظل يطالعها حيث أنه وجد أمامه آخر شخصٍ يود رؤيته  ، سها زوجة شقيقه التي دلفت المطعم تخطو بغرور يلازمها وقد تسلطت عينيها عليها لتتجمد مكانها وتظل كما هي تحدق به ولا تصدق أنه أمامها الآن  ،  بملامحه الوسيمة التي زادت هيبة وجمودًا  . 
لاحظت ديما تجهم ملامحه ورأت في بؤبؤي عينيه نظرة غضبٍ مستترة لذا قطبت جبينها بتعجب والتفتت تنظر نحو الباب لترى سيدة تقف تحدق به بنظراتٍ قوية واضحة ولحظات حتى ظهر رجلًا يجاورها ويتعجب من جمودها لذا لفت وجهها تعود إلى ثائر الذي تبدلت نظرة غضبه إلى حنينٍ صريح يكاد ينهمر من مقلتيه أمام الجميع حينما رأى شقيقه  . 
تراقصت نبضات قلبه  ،  تمناها وتحققت  ،  تمنى رؤيته وها هو أمامه بعد سنوات من الفراق والخصام ولكن  ... 
نظر أحمد أمامه ليصطدم بوجه أخيه لذا تجمد هو الآخر يحدق به بعدم تصديق  ،  اثنا عشر عامًا لم يرَه والآن يجلس أمامه  ؟ 
الحنين له كان قويًا جعله ينسى كل ما حدث وكاد أن يذهب إليه ويعانقه عناقًا يشبع به اشتياقه خاصةً وأنه رأى الاستجابة في عيني ثائر الذي حاول أن يقف ويستقبله ولكن أتت كلمة سها هادمة لكل خططهما حيث قالت بنبرة ذاهلة   : 
- ثائر  ؟ 
كلمتها هذه كانت كفيلة لتشعل داخل قلب أحمد موقد الذكريات فألهبت قلبه مجددًا لذا لف نظره لها وأردف بملامح متجهمة حزينة  : 
- يالا نمشي  . 
سحبها على الفور وغادرا المكان وارتد قلب ثائر عائدًا بخيبته بعدما كاد أن يحلق نحو شقيقه  ،  حدث كل هذا أمام عيني ديما التي استشفت هوية هذا الرجل من خلال ملامح ثائر لذا تساءلت  : 
- ده أحمد اخوك  ؟ 
نظر يشتكي لها ألمه في لحظة ضعفٍ مرت عليه قبل أن يومئ ويلف وجهه عنها يحاول أن يعود لثباته وجموده  ،  ازدرد ريقه وتحمحم ينظر في كل الاتجاهات عدا عينيها ولولا الآتي بعد قليل لكان نهض وغادر يختلي بنفسه في غرفته حتى لا يراه أحدٌ بهذا الضعف حتى لو كانت هي  . 
هي التي لا تمتلك سوى عناقًا ليتها تستطيع مواساته به ولكن يستحيل فعلها لذا شعرت بالضيق من أجله  ،  ضيقًا هاجمها كوحشٍ كاسر فجعلها تتلوى بين نيران قلبه لذا نطقت  : 
- هتتصالحوا  . 
الثقة التي نطقتها بها جعلته يسألها بعينيه عن الموعد كأنه اشتاق لذلك فأومأت له بذات الثقة تتابع  : 
- هتتصالحوا قريب جدًا  ،  نظراته عليك هي اللي قالت مش أنا  . 
أومأ لها بثبات ولكنه لم يرد التحدث الآن لذا رفع يده ينظر في ساعته ليرى الوقت ثم زفر وأمسك هاتفه ينوي إرسال رسالة قطعها دخول شخصٍ آخر من باب المطعم ليشير لها بأنظاره قائلًا  : 
- بصي مين جه  . 
التفتت لترى قبل أن تتوسع حدقتيها بذهول وهي ترى أمامها شقيقها داغر لذا هبت واقفة تصرخ باسمه بعدم تصديق قبل أن تركض نحوه وتعانقه بقوة واشتياق لم تستطع منعهما ليجلس كما هو يحدق بهما ويرى فرحتها التي كانت كفيلة لتنتشل حزنه منه  . 
إنه يحبها بطريقة تجعله يفضل سعادتها على حزنه  .

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا