رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سعاد محمد سلامه
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28
رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل الثامن والعشرون 28
نُطق خليل لإسم جاسر جعل قلب تاج يخفق كوتر عودٍ مسّه النسيم، وبتلقائية لا إرادية استدارت تنظر خلفها
جاسر يدخل على مقربة، ونظراته إنصبت عليها، تلاقت أعينهما للحظات، لكنها سرعان ما حادت بنظرها عنه، كأنها تحاول الهروب من أسر تلك العيون التي كآنها تحمل مزيجًا من العتاب والحنين، حاولت تاج أن تبدو ثابتة، لكنها شعرت بحرارة تجتاح وجهها وارتعاشة طفيفة تسري في أوصالها.... بينما جاسر ظل يتقدم بخطوات واثقة... كان صوته عميقًا عندما قال:
مساء الخير، مُتآسف عالتأخير.
صوته يجعل قلبها يخفق بشدة، لم ترد ولكن قلبها ينبض بإشتياق، جلس جاسر على مقعد مقابل لها، يضع توقيعه على تلك القسيمة
وعيناه تتابع حركة تاج، وابتسامة خفيفة حاولت أن تسرق مكانها على شفتيه، لكنها لم تكتمل... حين حايدت النظر له وقفت ببطئ توجهت نحو فايا وحضنتها قامت بتهنئتها بمحبة سُرعان ما إرتعش جسدها من نبرة صوت جاسر الذي وقف هو الآخر يُقدم التهنئة بمصافحة فايا ثم من خلفها صهيب، بالخطأ خبطت إيديهم ببعض فنظرا لبعضهما وعيناهم تحدثت للحظات، بشوق وحنين مُتبادل وعِتاب خاص، ونبضات قلب يكاد يسمعها الآخر، لكن هذا الحب أصبح مقيدًا بأغلال الكبرياء والخوف من الجرح مرة أخرى... جاسر حاول أن يشيح بعينيه بعيدًا، لكن سحر تاج كان أقوى من كل محاولاته... هي الأخرى، رغم ارتباكها، لم تستطع تجاهل ما يشدها إليه كأن خيطًا غير مرئي يربط بينهما.
لاحظت جنات هذا التوتر الخفي بينهما، لكنها فضلت أن تصمت، مُدركة أن هذا الموقف لا يحتمل أي تدخل.
-مبروك، يا فايا
قال جاسر بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية، لكن وقع كلماته كان أثقل على تاج من صخب الحفل من حولها... شعرت كأن كل من في الغرفة يراقبهما، رغم أنها كانت الوحيدة التي تخوض هذا الصراع الداخلي... تراجعت خطوة للخلف، تحاول أن تُخفي ارتباكها، وتظاهرت بالانشغال بتهنئة فايا، في حين جاسر ظل ثابتًا في مكانه للحظة، وكأن قدميه رفضتا التحرك من جوار تاج حتى عادت تجلس مرة أخرى جلس بالمقابل لها.
غص قلب جنات من ذلك، كذالك رجاء التى تنهدت بألم على حال الإثنين، فييدوا أن حتى إبتعادهم،لا راحة فيه،كذالك يُِصاحبهم ألم اللقاء،وتلك النظرات المُختلسة بينهم.
......ــــــ
بينما فايا تشعر أنها مشوشة التفكير بلحظة قرار عقد القران
كان قلبها ينبض بقوة وكأن صوت نبضاته يطغى على كل شيء... فكرت للحظات
هل هذا ما تريده حقًا؟ هل هذا هو القرار الذي سيجعلها سعيدة؟ كانت أفكارها تتشابك كخيوط معقدة، وكأنها لا تستطيع التقاط نهاية لتلك العقدة... شعرت بيديها ترتجفان وهي تضع توقيعها على قسيمة الزواج من ثم تركت القلم ورفعت يديها تحاول جذب خصلات من شعرها بعيدًا عن عينيها،تشعر كأن الهواء حولها بدا ثقيلًا، ومع ذلك، أخذت نفسًا عميقًا محاولة تهدئة العاصفة بداخلها...وللمرة الأولى شعرت أنها تحتاج إلى شيء أقوى من صوت عقلها؛ تحتاج إلى إشارة، إلى يقين... لكنها لم تكن متأكدة من أي شيء.
بينما صهيب كان يجلس على المقعد المقابل، عينيه تراقبانها عن كثب... يحاول أن يقرأ ملامحها، أن يفهم ما يدور في داخلها من دون أن يطرح سؤالًا واحدًا... شعر أن فايا كانت تُخفي عاصفة مشاعر تحت قناع هدوءٍ مصطنع، لكنه لم يجرؤ على كسر الصمت.... لم لكن كان متأكدًا ومتيقنًا من قراره.
أخذ نفسًا عميقًا ورفع عينيه ببطء نحوها، وكأنه يحاول قراءة ملامحها . لكن في داخله كان يعتمل الكثير؛ تساؤلات عن المستقبل، عن الأحلام التي برأسه، بسبب فايا بلحظة اتخذ قرار الزواج الذي كان مشروع مؤجل،الآن يعلم سبب ذلك التردد الذي كان يؤرق عقله،فايا منذ أول لقاء بها تركت إحساس خاص داخله حتى حين تقابلا مرة أخري صدفة بالعمل بدأت تتبلور مشاعر خاصة بداخله،رغبته فى رؤيتها،حديثها الحاد لحظات ضعفها الواضحة التى دائمًا تحاول إخفائها بإدعاء القوة،عبر تلك الأدوات التى تستخدمها كدفاع، سواء السلاح أو الصاعق، كذالك البخاخ... كل ذلك مازال لديه معرفة سبب ذلك، لكن رويدًا رويدًا
تنهد وهو
يمد يده ليأخذ القلم منها ، لكن أصابعه توقفت للحظة، لا يخشى أن يكتب ذلك الالتزام النهائي..لكن يود نظرة ثقة منها.
إبتسمت بخفوت،بسمتها مثل نسمة دافئه هادئة وسط برد قارس،تبادلا الابتسامة للحظة، حتى شعرت فايا بالخجل وأخفضت وجهها كأن كل شيء حولهما توقف، وكأن لم يعُد لديهم فرصة للتفكير.
نهضت والدة صهيب وهنأت فايا وإحتضنتها
رغم عدم رضائها السابق عن فايا ربما رسمت أخري برأسها لكن حين تحدثت مع فايا لمست فيها صدقًا بعينيها، كذالك بساطة وتلقائية وروح نقية، وقارنت بين من كانت تريدها وفايا إستحوزت فايا على قبولها التام.
بعد وقت من المرح والأحاديث البسيطة بين الحضور تأخر الوقت،إنسحبت والدة صهيب ومعها أخيه وزوجته،وظل هو،حتى أنه جلس مع فايا بمفردهما لحظات قبل أن تذهب معه الى مكان سيارته بحديقة المزرعة،توقفا لحظات رغم برودة الطقس،نفخت فايا بين يديها،ضحك صهيب قائلًا:
الوقت الجميل بيمُر بسرعة،تاج قالتلى إن لازم أرجع نستأنف الشغل فى الموقع تاني.
إبتسمت قائلة:
أيوا،بس أنا هفضل هنا الفترة الجايه فى شوية مشاغل فى الشركة بس تنتهي هاجي انا كمات للموقع.
ربما لا يود الحديث حول العمل لكن يود البقاء والحديث مع فايا بأي حديث،ظلا يتحدثان بمواضيع شتى كأنهم نسيا البرد المحيط بهما،ومشاعر دافئة تسكُن قلبيهما حتى تلك النسمة الباردة شاغبت خُصلات فايا التى تطايرت حول وجهها وعينيها،جذبتهما خلف أذنيها،تبسم صهيب قائلًا:
الجو برد كفاية كده إدخلى لجوة.
اومات له ببسمة سُرعان ما إرتجف جسدها بقوة حين مسك صهيب عضد إخد يديها وقبل إحد وجنتيها،إرتبكت كآنها فقدت النُطق،والعقل معًا للحظات،لكن فاقت وعادت خطوة للخلف حذره ونظرت له كان يبتسم وسريعًا تفوه:
تصبحِ على خير يا فايا.
شعرت فجأة بدفئ عاد لجسدها رغم توترها تحشرج صوتها وقالت له بلا إرادة:
وإنت من أهله، كلمني لما توصل.
شعر بخفقان فى قلبه اراد العودة كي يضمها لصدرة ويُقبلها مره ومرات،لكن لا داعي للإستعجال،فزواجهما مازال ناقصً حفل الزفاف التي إشترطت تأجيله لوقت غير معلزم،غصبً تحكم بقلبه وصعد الى سيارته وأشار لها بيده أن تدخل للداخل ثم غادر،نظرت لحظات لسيارته وهو يغادر خفقان فى قلبها لا تعلم سببه،لكن عادت تشعر بالبرودة فتوجهت للداخل،بينما صهيب راقبها بمرآة السيارة الجانبية حتى غابت عن عيناه تنهد بإشتياق.
أثناء دخول فايا تصادفت مع جاسر الذي وقف امامها يُعيد تهنئتها مرة أخري قبل أن يُغادر رغم إرادة قلبه لكن هو لا يريد فرض نفسه على تاج،ظنًا منها أنه يتلاعب كي يضغط عليها ويعود لفرض نفسه عليها أنتقامً كما تظن.
غادر جاسر،نظرت نحوه فايا تشعر
بحِيرة من أمره وأمر مشاعره التي تبدو واضحة رغم محاولاته للتخفي... غص قلبها تنهدت بتمني لو كان إختلف القدر وكان هو وتاج ظلا على إرتباطهم القديم وما مروا بكل تلك الإنكسارات.
بينما تاج كانت تقف من بعيد ترا جاسر وهو يُغادر ربما بداخلها تمنت عكس ذلك ودت بقاؤه والتنعُم بدفئ أحضانة ربما يعود الدفئ لقلبها، لكن هو مازال صامتًا، والنهاية تقترب.
❈-❈-❈
بـ شقة والدة آسر، رغم تبريرات والدته له عن ذلك المشهد الذي رأها لم تُرضي عقله لكن قرر البدء بمرحلة حديدة فى حياته لابد من ترك
الماضي وراءه، حتى وإن لم يجد لكل الأسئلة إجابات مُرضية... كانت هذه الشقة دائمًا تحمل ذكريات طفولته وشبابه، كذالك مسرحً لأحداث جعلته يشعر بقسوة الواقع الذي جعله إستسلم لضعفه سنوات،سار عكس رغبته لكن ذلك إنتهي وسيبدأ من جديد كما يُريد.
إبتسم برضا بعدما تمعن النظر لتلك الرسمه الذي أنهاها، رسمة مُضحكة، تذكر الماضي حين كان يرسم رسومات ساخرة وتُعطيه أمينه بعض الكلمات والجُمل الساخرة الهزلية ويكتبها
فى فُقاعات مُضحكة، جذب هاتفه كي يُهاتفها
بالفعل أجابته، تنحنح بهدوء وأخبرها عن تلك الرسمة قائلًا:
هصورها وأبعتهالك وإبعتي لى الكلمات المناسبة.
تنحنحت بحرج قائلة:
هرجع أكلمك بعدين عندنا ضيوف دلوقتي.
رغم فضوله كاد يسألها من الضيوف لكن تراجع كي لا تشعر بالضيق أو الضغط من سؤاله... أنهى المكالمة بابتسامة خفيفة، ثم نظر مجددًا إلى الرسم الذي أمامه... التفاصيل الصغيرة فيه بدت وكأنها تهمس له بأيام الماضي، حين كانت أمينة تضيف طابعًا فكاهيًا لكل شيء برسائلها الحادة والمضحكة.
حاول أن يشغل نفسه بإضافة تفاصيل أخرى للرسم، لكنه لم يستطع منع نفسه من الفضول برأسه والتساؤل عن الضيوف الذين عندها... ؟
زفر بهدوء، وأخذ هاتفه مرة أخرى. تردد قليلاً قبل أن يرسل لها رسالة نصية بسيطة:
مستني كلماتك كالعادة. على مهلك، وخدي وقتك.
ثم وضع هاتفه جانبًا، وقرر أن يشغل وقته في إنهاء بعض الرسومات الأخرى، متمنيًا في داخله أن يكون للضيوف حضور خفيف ويغادورن سريعًا.
تذكر حين سمع جرس المنزل قائلًا:
أنا كنت طلبت أودر من البواب شوية أدوات رسم أكيد هو جابهم.
نهض وتوجه نحو باب الشقة، إبتسم كما توقع إنه البواب، لكن سُرعان ما زالت بسمته بعدما إنفتح باب شقة والدة أمينه، وخرج منها ذلك الرجل وخلفه إمرأة ثم والدة أمينة وكذالك أمينة التي وقفت بين إطاري باب الشقة،بينما تودع والدتها ذاك الإثنين حتى وصلا الى المصعد،شعر بغضب حارق فى قلبه بعدما تعرف على ذلك الشخص...هو زوجها السابق
طليقها...سأل عقله عن سبب تواجده بشقتهم فمعلوماته تؤكد إنقطاع العلاقة الأسرية بينهم،لم يُلاحظ دبلوماسية والدة أمينة فى الحديث معه هو ووالدته،نظر نحو أمينة ود الذهاب نحوها وسؤالها،لكن عادت والدتها وتبسمت لـه،لم يستطيع رد البسمة عيناه تنظر الى ملامح وجه أمينة، لا يعرف لها تفسير، تنحت جانبًا حتى تدخل والدتها التي إعتذرت من آسر ودخلت ثم أغلقت خلفها الباب وهو مازال مصدومً.
إنتبه الى البواب أخذ منه تلك الأدوات ودخل وأغلق خلفه الباب، ذهب مباشرةً الى غرفته وجذب هاتفه بلا تفكير فتحه وقام بالإتصال على أمينة التي ردت عليه وقبل أن تتحدث سألها:
طليقك كان عندكم بيعمل إيه.
توترت قبل ان تُجيب عليه:
كان جاي طالب نرجع لبعض تاني.
سهم شارد إنغرس فى قلبه مباشرةً، ولا يعلم كيف خرج صوته بسؤال مُضني:
وإنتِ قرارك إيه موافقة ترجعي له.
إرتبكت قائلة بحِيرة:
معرفش، أنا وماما إتفاجئنا بهم أساسًا قدامنا حتى طلبه إتفاجئت بيه.
لا يود المراوغة بل يود جواب حاسم فسألها:
قرارك إيه يا أمينة هترجعي له.
كان جاوبها اكثر إضطرابًا وهي تتحدث بصوت خافت:
معرفش...
قاطعها بحزم وكأنه يريد كسر دائرة التردد التي لديها:
بس إنت لازم تعرفي، الرجوع ده مش قرار عادي. هو لسه ليه مكان في قلبك؟.
لم تجب سريعًا، بل ازدادت ضربات قلبها قوة....قبل أن تُمتم لنفسها بصوت مكسور لم يسمعه آسر:
لاء.
شعر بقسوة عدم ردها وتحدث بتحذير:
خدي بالك الخيانة ما بتتنسيش بسهولة.
تمتمت بصوت مُغلف بالآسف قائلة:
عارفه يا آسر، أرجوك أنا محتاجة وقت أفكر.
لم يُخفِ إحباطه من ردها، صوت أنفاسه الغاضبة كان يكفي ليكشف ما بداخله من غضب مكتوم، فقال بنبرة منخفضة لكنها مشحونة:
تمام، ممكن نتقابل بكرة فى الحضانة عندك.
كادت تسأله عن السبب لكن هو إقتصر حديثه وانهي الإتصال، تاركها فى حِيرتين.
بينما هو ألقي الهاتف وشعر بغضب عارم، لكن إتخذ القرار لن يدع الصمت حائل بينه وبين ما يريد، سيبوح لها بمشاعره القديمة ويتقبل رد فعلها مهما كان...سيكسر حاجز الصمت.
❈-❈-❈
بذلك الكوخ الموجود بالمزرعة، كانت الأجواء هادئة بشكل غريب، وكأن الطبيعة قررت أن تتوقف للحظة لتراقب ما سيحدث... فتح جاسر الباب بهدوء، خطواته الثقيلة كانت تعكس الصراع الداخلي الذي يمزقه...
كان قد قرر الرحيل، أن يترك كل شيء خلفه، لكنه لم يستطع... الاشتياق لتاج كان أقوى من أن يتجاهله... كان يعلم أنه لا يملك الحق في العودة، لكنه كان عاجزًا عن الهروب من إحساسه بالاحتياج للبقاء قريبًا منها كان ينهشه من الداخل، يدفعه ليبحث عن أي ذريعة لتبرير وجوده هنا، في هذا الكوخ الذي يحمل بين جدرانه ذكريات أصبحت الآن أشبه بأشواك. وقف وسط الكوخ، عيناه تائهتان، تبحثان عن أي أثر لها... لكنها كانت قريبة وبعيدة في الوقت نفسه، كأنها ظل حاضر في كل زاوية...
جلس على تلك الأريكة القديمة، ملس سطحها بيديه وكأنه يلمس طيفًا من الماضي القريب.... هنا، ضمها لحضنه ذات ليلة وتنعم بدفء جسدها دون كلمات منه أغلق عينيه للحظة، وكأن كل شيء عاد للحياة في عقله.
تذكر حديث قديم لها، حين كانت تروي بحماس عن حلمها في توسيع المزرعة، وعن أملها في أن تجعلها مكانًا لا يحمل فقط إرث والدها، بل قطعة من روحها... كانت كلماتها مليئة بالشغف والحماس، لكن تبخرت وتلاشت تلك الأحلام ، تذكر ذات ليلة جاءت إليه هنا تبكي من القهر
[عودة قبل سنوات]
بعدما أنهي عمله بالمزرعة شعر بإرهاق كبير دخل الى ذلك الكوخ كي يستريح بعض الوقت ويعود لمزاولة عمله فى رعاية تلك الفرسة التى إقترب ميعاد ولادتها بين لحظة وأخري وذلك هو ما جعله يبقي بالمزرعة بعد إنتهاء عمله....خلع عنه ثيابه وذهب ينعش جسده بالمياة..خرج بعد لحظات يرتدي بنطالا فقط ومنشفة شبة قديمة يُجفف بها رأسه.
تفاجئ بـ تاج تفتح الباب ودخلت الى الكوخ،تبدوا بوضوح باكيه من ملامح وجهها،إقترب منها بلهفه قائلًا:
تاج ليه بتعيطي.
أرادت أن يحتضنها إقتربت أكثر منه باكيه،كشفت عن كتفها أمامه،نظر له إنصعق قائلًا:
إنتِ وقعتي من على الحصان.
أومأت رأسها بـ لا،فعاود سؤالها،أجابته وهي تبكي:
عمتي سماح ضربتني بكرباج الخيل.
إتسعت عيناه بغضب قائلًا بعصبية:
وهي إزاي تعمل كده،ده بدل ما تراعي إن عمي فريد هو اللى قايم بمصاريفها كلها.
أجابته:
أنا بكرهها مش بحبها وقولت لـ بابي كده بس هي بتعرف تكذب وتعمل قدامه إنها ملاك،كمان قولت لـ بابي أن خلاص قربت على واحد وعشرين سنة معايا دادا رجاء وهي ملهاش لازمه،بس بابي مش بيحب يزعلها،هي ضربتني عشان بركب خيل،كمان...
توقفت قبل أن تخبره انه السبب الرئيسي بتطاول عمتها عليها بالضرب بل وكذبها وإدعائها وأنها سوف تُخبر والداها عن تحرُش جاسر بها وستجعل والدها يطرده من المزرعة،لم يؤلمها تلك الضربات بل خشيت ان يُصدق والدها إدعاء سماح وتُحرم من بقاء جاسر بالمزرعة...
تنهد جاسر بغصب قائلًا:
مهما حصل هي ملهاش ضرب عليكِ كمان الكرباج معلم فى كتفك دي إنسانه معندهاش رحمة.
أومأت برأسها قائلة:
مش بس فى كتفي،فى كذا مكان تاني،هي فاجئتني على خوانة وضربتني بقسوة.
شفق قلب جاسر ولم يشعر وهو يضمها لصدره وهي الأخري غاب عقلها أرادت ضمته تشعر بإحتياج لحنانه مقابل قسوة وزيف مشاعر عمتها الإستغلاليه...لحظات غفوة...فاق منها جاسر أولًا وتذكر أن ذلك خطأ جسيم،إبتعد للخلف بعدما فك يديه عنها،كذالك هي شعرت بالخجل...أخفضت وجهها أرضًا...حاول جاسر أن يصرف عنها ذلك الحزن قائلًا:
أنا سهران الليلة هنا فى المزرعة،فى فرسة على ولادة،إيه رأيك نسهر سوا برة تحت الشجرة فى الجنينة.
تبسمت له قائلة:
موافقة بس الجو برد برة.
إبتسم قائلًا:
بسيطة هولع نار.
إبتسمت وتداركت أنه نصف عاري،شعرت بالخجل،إبتسم قائلًا:
هطلع أجمع شوية خشب من الإستطبل وإنتِ أستنيني هنا.
اومأت مواقفه مُبتسمه وهي تراه يأخذ قميصه وذلك المعطف الجلدي وغادر...
إنتظرت لحظات،رفعت يدها على كتفها وجدت أثار دماء على ملابسها إشمئزت منها، كذالك جسدها يؤلمها مكان تلك الضربات نظرت حولها رأت تلك المنشفة،فكرت وهي تنظر نحو باب الكوخ،جاسر بالتأكيد سيتأخر...
بالفعل خلعت ثوبها وجذبت تلك المنشفه مررتها فوق ذلك المكان بظهرها تشعر بآلم كذالك لاحظت بعض الدماء الطفيفة، وضعت المنشفه وجذبت ثيابها كي تعاود إرتدائها، لكن فتح جاسر الباب، إرتبكت وسقطت منها الثياب، مجرد أن نظر لها جاسر، أخفض بصره وأغلق الباب مرة أخري، لم ينظر نظرة أخري، بينما هي شعرت بحرج كبير.
[عودة]
عاد مرة أخري للحاضر مازال يتذكر خجل تاج تلك الليلة، ليلة كانت يستطيع نيل تاج لو أراد، زفر نفسه وهو يتمدد على تلك الآريكة ، يعود لعقله قول تاج، أنه لم يجمعها سوا فراش، لكن هي مُخطئة لو كانت رغبة لكانت زالت، كذالك كيف لم تُفكر بتلك الليلة، لو هو كان يريدها جسد كان إنتهز تلك الفرصةـ.. هو مازال يعشقها ككل
ليتهما يعودان لتلك الليلة وبرائتها بعيدًا عن ثوب سيدة الأعمال التى أفقدتها عاطفتها، كذالك هو يخلع ثوب المخذول وينسي ما مر به فى بُعدها
جني الإثنين النجاح والسطوة لكن فقدا مشاعر قلبيهم....
... لا يعلم كيف سمح لها بالعودة للعيش هنا وهو بعيد.. بالتأكيد عجزه فى التعبير عن مشاعرها ،جعلها تتأكد أنه ليس الشخص التي تستطيع الاتكاء عليه. والآن، هو هنا وحده، أدرك كم كان غبيًا حين سمح للمسافة أن تتسع بينهما، وكم هو مُتعب أن يعود محملاً بكل هذا الندم.
لا يعلم كيف غفي لبعض الوقت، ثم نهض يشعر بحرارة تغزو جسده كآن الكوخ ينصهر به، ذهب نحو ذلك الشباك وقام بفتحه، ليضرب صدرة نسمة هواء باردة أصابت جسده ببرودة قاسية.
❈-❈-❈
باليوم التالي بالشركة
تأكد فراس من وضع ذلك الملف بحقيبة خاصة، كذالك نظر إلى حاسوبة وتأكد من تحويل أحد الملفات،ثم إضجع بظهرة على المقعد مُتنهدًا بترقب للقادم هو الأسهل والأصعب بنفس الوقت تذكر تلك الحمقاء فإبتسم،نظر من حاسوبه نحو مكتبها،إستغرب من إستيقاظها على غير العادة،لكن ركز قليلًا وهو ينظر نحو إنهماكها على الحاسوب كآنها تعمل بجِد،إندهش من ذلك بفصول نهض من خلف مكتبه وذهب نحو مكتبها، رأها تضع سماعات الأذن حول أذنيها، وقف خلفها،إزداد إندهاشه،أخفي بسمته،لكن هي عادت تُحدث نفسها بتحدي:
أنا اللى هفوز عليك،انا مرتبي اللى بشقي بيه نصه طاير جزاءات والنص التاني ضايع فى مُراهنات على المكسب مع الناصح أخويا،واد صايع ومقضي وقته فى السايبر،ومفهم ماما إنه فى الدروس،بس ماما تستحق اللى يكذب عليها،عشان هي السبب إني أستغل هنا تحت إيد المُستبد فراس،خلاص هيسافر لندن كام يوم وأرتاح من طلباته السخيفة،أما أركز فى الليڨل عشان أكسب،لم تشعر انه أزال عن رأسها سماعة الأذن وبدأ يُرشدها للعب بحِرفية وهي تعتقد أن الصوت من سماعة الأذن وذلك الصوت هو إرشادات من اللعبة نفسها لطريقة اللعب،حتى فازت،رفعت يديها تُهلل بالفوز،لكن إختفي ذلك الحماس حين رأت فراس أمامها ينظر لها بتسلية،بينما هي سعُلت بقوة بعدما تشردقت...جذب كوب مياة وأعطاه لها قائلًا بإستهجان:
بتلعبي بابچي على لابتوب الشركة،وياريت كسبانه كمان.
نظرت له وهي مازالت تسعُل،بينما هو يخفي بسمته من منظر وجهها الداكن وهو يُعنفها بمرح:
يعني حتى فى اللعب فاشلة،أوعي تفكري عشان انا مسافر إنك هتاخدي راحتك فى غيابي هتجي مديرة الحسابات هنا معاكِ فى المكتب وانا موصيها عليكِ تنشطك كويس فى غيابي،عاوز أرجع ألاقي المكتب ده مقلوب شغل ونجاح، مش لعب وزعيق! مفهوم؟.
هزت رأسها سريعًا وهي تمسح وجهها، بينما ما زالت تحاول التحكم في سعالتها. نظراتها تحمل مزيجًا من الغيظوالضيق، وردت عليه بتحدٍ خافت:
مش محتاجة توصياتك لمديرة الحسابات، أنا هثبت لك إنك غلطان!
ابتسم بنصف عين، ثم استقام واقفًا وهو يعدل ياقة قميصه:
هنشوف يا آنسة... المهم تكوني قد الكلام..
تركها وهو يضحك بخفوت، بينما هي تقلب عينيها وتهمس لنفسها:
يا ريت تسافر وما ترجعش.
كالعادة غباؤها تهمس بصوت مسموع، عاد نحوها قائلًا:
سمعتك.
إرتبكت قائلة:
سمعت إيه، انا بكح، وبعدين إنت مش كنت طلبت إننا نتجوز، انا فكرت و...
قاطعها بمراواغة وهو يدعي النسيان:
أنا طلبت أتجوزك مش فاكر أكيد تهيؤات، دلوقتي يا آنسه بطلي تهيؤات وركزي فى شغلك، الملفات اللى قولت تتراجع تنتهي مراجعتها وتبعتِ لي نسخة من الملفات على الابتوب، متفكريش إني مسافر اتفسح، وهنسي الشغل هنا.
نظرت له بعينين واسعتين، وكأنها تبحث عن تلميح أو كلمة منه تكشف عن حقيقة ما قاله... لكنها لم تجد سوى ابتسامته الماكرة وهو يعيد الحديث بأمر ثم تركها ودخل الى المكتب بينما هي وقفت تسترجع حديثه برأسها، وتصورت انها تعيش حقًا تهيؤات.
❈-❈-❈
صوت خطوات خفيفة على عتبة غرفته جعلته يلتفت نحوها بسرعة...
إتسعت عيناه بلمعان خاص حين رأي تاج، تقف مترددة، عيناه تفضح صدمة حضورها غير المتوقع... تحشرجت بصوت خافت لكنه حمل في طياته عتابًا وهي تنطق بإسمه:
جاسر.
نظر إليها طويلاً، وكأن الكلمات علقت في حلقه، قبل أن يقول بصوت مبحوح:
تاج
تقدمت بضع خطوات، عيناها تشتعلان بمزيج من العتاب والشجن
جلست جواره سُرعان ما جذبها يضمها بين يديه بقوة قائلًا:
بحبك يا تاج متسبينيش تاني.
شعر بيديها تُعانق ظهره وانفاسها الباردة تلامس عُنقه، تُهدئ مشاعر متأججة بين الحنين والشوق.
«يتبع»