رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سعاد محمد سلامه

رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم سعاد محمد سلامه

رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامه رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29

رواية سهم الهوي جاسر وتاج بقلم سعاد محمد سلامه

رواية سهم الهوي جاسر وتاج الفصل التاسع والعشرون 29

لندن
جلست تاج مع فراس يوقعان تلك الأوراق حتى إنتهيا
من تدقيق تلك المستندات نظر لبعضهما وإبتسما بارتياح، ثم تناول كل منهما قلم وقام بالتوقيع على تلك المستندات... ثم وضعا توقيعهم معًا على تلك الوثيقة ونظر لبعضهما يبتسمان بدبلوماسية  لحديث ذلك الشخص الذي تحدث بإعجاب وهو ينظر لـ تاج:
هنيئا سيدة تاج، صفقة بالتأكيد رابحة، لا أنكر ذكائك بإدارة الأعمال.

اومأت له بإبتسامة لطيفة، عكس بُغضها لتلك النظرات منه، كذالك فراس الذي يشعر بضيق من نظرات ذلك الأحمق فنهض قائلًا بالانجليزية:
من فضلك سيد ديڤيد أود إنهاء كل إجراءات نقل المِلكية اليوم... لا داعي للمديح فقط نود إنهاء العمل.

شعر الآخر بخزي وأومأ ونهض قائلًا:
حسنًا أعتذر، لا تقلق سينتهي كل شئ اليوم.

غادر ديڤيد ومد فراس يده الى تاج التى تشبثت بيده وإتكئت باليد الأخري على عكاز طبي قائله بضحك:
كسفت الراجل.

ضحك فراس قائلًا:
ده دمه بارد زي الإنجليز بالظبط، والله لو جاسر كان سمعه كان مش بعيد خلع عينيه.

لوهله خفق قلب تاج وتبسمت، لكن مزحت مع فراس قائلة:
إنت كمان دمك بارد زي الإنجليز، ناسي إنك مولود هنا وكمان كنا فى عز الساقعه، مامي بتقول ان ليلة ميلادك كان التلج مترين والطرق كلها واقفة.

ضحك قائلًا:
أهو الجنسية الإنجليزية دي هي اللى نفعتنا، ولسه نفسي أشوف وش اللى فى مصر لما يعرفوا اللى حصل، وبالذات ميسون متوقع عقلها هيفور.

أومأت قائلة:
مش بعيد، إحنا اتأخرنا، الخطوة دي كان لازم ناخدها من زمان، كان لازم نحسم موقفنا بدل ما كنا سايبين الأمور عايمة كده.

تنهد فراس وهو يساعدها على الجلوس، ثم جلس هو الآخر يميل بظهره على المقعد:
معاكي حق، بس برضه التوقيت مهم، ولو كنا استعجلنا، كان ممكن النتايج تبقى أسوأ.

شردت تاج للحظات، قبل أن تقول بهدوء:
ممكن، بس أنا مش ندمانة، بالعكس، حاسة إننا أخيرًا بنحط الأمور في نصابها.

ابتسم فراس بمكر:
أنا متأكد إننا حطيناها الأمور في نصابها، وبس كده إحنا  قلبنا الطرابيزة على دماغها وهتشوفي.

تبسمت  تاج تلمع عينيها  لم تنكر شعور التحدي الذي يغمرها، ثم قالت بخبث:
اللي يقلب الطرابيزة هو اللى  يكون مستعد يتحمل العواقب، وأعتقد إن ميسون بالذات مش هتسيب الموضوع يعدي بالساهل.

أومأ لها مُبتسمً يقول بثقة:
وإحنا مستعدين لكل الإحتمالات

❈-❈-❈
بمنزل والدة جاسر
منذ أول ليلة أمس وهي شبة جواره بين الحين والآخر تضع يدها على رأسها، تستشعر حرارته التى
عادت شبه طبيعية،تنهدت بإرتياح وهي تُمسد على جبينه بحنان أموي... إتسعت عينيها مع رمشات أهداب  جاسر الذي يبدوا أنه بدأ يفوق من غفاينهُ
لكن مازال بداخل عقله يشعر كأنه يعيش حقيقة مع تاج التي تسكن خياله
يضمها بقوة يبكي على كتفها عادت برأسها للخلف تنظر له بنظرة صافية، وتبسمت وهي ترفع يدها تضعها على وجهه بنعومة، قبلت وجنته، رفع يديه بصعوبة يضم وجهها انفاسه تلهث، عيناه غارقتان في بريق حزن عميق، كأنه يخشى أن تختفي من بين ذراعيه. احتواها بنظراته قبل ذراعيه، يتشبث بها كالغريق الذي وجد أخيرًا طوق النجاة.

تمتم بصوت مبحوح:
تاج إنتِ هنا.

رفعت يديها برفق، بأنامل مرتجفة، تمسح أثر العرق عن جبينه... ابتسمت تلك الابتسامة التي كانت دائمًا تجعل قلبه ينبض، تذيب عناده وتُلهب اشتياقه.

همست:
أنا هنا، جنبك دايمًا ياجاسر.

ارتعش جسده، وكأنه لم يعد قادرًا على التفريق بين الواقع والهذيان... هل هذه حقيقة؟ أم أن عقله يصنع لها وجودًا يُعينه على الاحتمال.

اقترب منها أكثر، أنفاسه تختلط بأنفاسها، يرفع يديه بصعوبة ليضم وجهها بين راحتيه، كأنما يخشى أن تذوب كالسراب... همس باسمها، فكان اسمها حياةً تنبعث بين شفتيه:
تاج.

وبسمة عيناها تسُر قلبه وهو يشعر بلوعة قلب ويعترف بحقيقة مشاعره الذي لا يطمسها أبدًا:
والله بحبك يا تاج، قلبي إنتِ نبضهُ.

توقفت الكلمات على شفتيها،لم تستطع أن تُخفي ابتسامتها من التسلل على شفتيها، تنظر له بعينيها التى ردت قبل شفتيها، وكأنهما تهمسان له بما يشتاق له
بسمة شفتيها وتلك القُبلة الذي يشعر بها فوق شفتيه كأنها نسمة دافئة تداعب ذلك البرود الذي يغزو جسدهُ، يشعر بحرارة تسري بدمه
تُعطيه دفئ
بلحظات غفوة لعقله يترجمها حنين قلبه المُشتاق وكلمات إغتذار يتفوه بها، ورجاء بأن تمنحه فرصة أخرى، عيناه تتشبثان بالنظر لوجهها خوفً أن يرمش بأهدابه فتختفي،

فاق من هزيانه على الحقيقة لكن الحقيقة كانت أقسى من أن تُحتمل... فاقت يداه على الفراغ، على الوحدة التي صارت رفيقته منذ رحيلها... لم يكن هناك سوى خياله، ينسج صورتها بين أنفاسه المتقطعة، بين نبضاته المتألمة.
فتح عينيه على ضوء  يتسلل من النافذة، شعر كآن الغرفة الباردة... تحسس الوسادة بجواره، كانت فارغة، كما كانت دومًا منذ غيابها. رفع يده المرتجفة إلى وجهه، حيث كان يشعر بدفء لم يكن سوى خدعة من ذاكرته المتعبة.

تمتم بصوت مبحوح، بالكاد يسمعه هو نفسه:
تاج كانت هنا... ولا لأ...

سؤال تأكد من جوابه حين دلفت والدته تنظر له ببسمة حنان قائلة:
أخيرًا صحيت يا جاسر.

نظر لها سائلًا:
هي الساعة كام.

وبداخله يتمنى لو لم يسيقظ وظلت تاج معه يشعر بأنفاسها قريبه منه، يشعر بلمس شفتيها فوق شفتيه
من صمت جاسر شعرت بوجع قلبها يتضاعف. أدركت أن ابنها يُخفي شيئًا أثقل من أن يُبوح به. لم تستطع كتمان تساؤلها، فقالت بصوت مُحمل بالقلق:
جاسر، أيه اللى بينك وبين تاج، ليه بعيد عنها.

الصمت كان جوابه الوحيد...

فهمت والدته، حقًا لم تُعامل تاج بطريقة مناسبة، كثيرًا حديثها معها حاد، حتى أنها تتعمد أن تُقلل من شآنها وأن جاسر تفضل بالزواج منها، تعلم جيدًا أنه هو من ارغمها على الزواج منها لا العكس، لكن تتعمد ذلك، وتاج  لا تتعامل معاها بتعالى أو غطرسة، بل تحاول تجنب الحديث معها، بالتأكيد قصدًا منها، تنهدت بآسف وهي تنظر الى حالة جاسر البائس،غص قلبها،على يقين أن جاسر يُعاني من غرام تاج،فقالت بمفاجأة:
أنت ليه مُعذب نفسك كده؟ اللي بينك وبين تاج.

صمت جاسر فماذا يقول لها أنه المُخطأ لم يستطيع نسيان الماضي... تنهدت وفجأته بقولها:
واضح إنك مش مرتاح فى بعدها عنك، بس طالما مش قادر على إنك تتحمل، ليه بتبعد عنها.

تنهّد جاسر، ثم أغمض عينيه وكأنه يحاول الهروب من الجواب

وضعت والدته يدها على يده برفق، وقالت:
الندم مش هيغير الماضي، يا جاسر لو عايز تبدأ من جديد، لازم تسامح نفسك الأول تاج واضح إنها قوية دايمًا ، وأهي رجعت تقف على رجليها، لكن أنت؟ هتفضل متعلق في اللي فات ومش قادر تمشي قدام.

نظر لها بعينين مُثقلتين بالحزن وقال:
يمكن أنا اللي مش عارف أتحرك، يا ماما تاج قوية، وأنا؟ يمكن ضعيف قدامها.

ابتسمت والدته بحزن وقالت:
القوة الحقيقية يا جاسر إنك تعرف تحدد اللي عايزه، وتواجهه بشجاعة... قرر، إما تقاتل عشان تاج أو تسيبها بسلام... بس بلاش تعيش نفسك فى عذاب.

عاد إلى شروده،  وكأن كلمات والدته قد لامست جرحًا أعمق مما تصورت.
❈-❈-❈
بـ شقة والدة صهيب
بطبيعتها المنطلقة، لم تكن تهوى الزيارات العائلية، لكن هذه الزيارة تحديدًا جاءت باقتراح من جنات، بل إنها بادرت بإخبار والدة صهيب بأنهما  هي وفايا  ستذهبان إليها مساءً. ها هي الآن تستقبلهما بترحاب شديد، وقد بدا على ملامحها امتنان واضح لهذه الزيارة.

أما صهيب، فكان واقفًا بجوارها، يراقب الموقف بصمت، بينما تتنقل عيناه بين وجههن الثلاث... فايا، كعادتها، كانت مرحة وودودة، تتحدث بلا تكلّف،كذالك محتفظة بهدوئها، وإن لم تخفِ بعض التوجس من هذه الأجواء العائلية التي لم تعتد عليها.

تقدمت والدة صهيب بخطوات دافئة نحوهن، تمسك بيديهن بحنان، قبل أن تشير لهما بالجلوس... مازالت ترحب بهن بحفاوة

لم تستطع فايا كبح ابتسامتها العريضة وهي ترد بعفوية
ضحكت والدته بخفّة، بينما وقع نظر  صهيب على فايا التي ظلت صامتة، تكتفي بمراقبة الحديث بابتسامة مجاملة... شيء ما في عينيها كان يثير فضوله، ربما ذلك التردد الخفي أو الشرود العابر الذي يلوح بين اللحظة والأخرى

أومأت والدة صهيب  له أن ينفرد بـ فايا بعيدًا عن مجلسها هي وجنات، بالفعل تفوهت بمرح:
فايا  أكيد متعرفش إنك مهندس غير منظم والدليل المكتب بتاعك... دايمًا مكركب وكأن قنبلة انفجرت فيه.

ضحك صهيب وهز رأسه مستنكرًا، بينما رفعت جنات حاجبها بسخرية وردت بسرعة:
مش أسوأ من أوضة فايا  اللي شكلها كأن إعصار عدى عليها..

كذالك  عقبت جنات بابتسامة خفيفة، محاولة تلطيف الأجواء:
بس المهم إن صهيب مهندس شاطر في شغله، مش كده يا فايا؟

اومأت فايا بمشاكسة ضاحكة
نظر صهيب لها بنظرة تحدٍ، وقال بمرح:
خلاص، بقى يا ماما  ، ربنا يخلي حضرتك دايمًا  تظبطيلي المكتب.

ضحكت والدة صهيب قائلة:
لا قريبًا فايا هتستلم المهمة بدالي وأرتاح أنا بقي.

نظر صهيب نحو فايا التي ضحكت وأشارت إليه بإصبعها بنفي قائلة بمرح:
ولا في أحلامك، إنت اللى هتنظم مش بس مكانك.

ضحكت والدة صهيب  بمؤازة لـ فايا قائلة:
أيوة كده، أنا غُلبت معاه إنتِ بقي تمشيه مظبوط.

ضحك جمعيهم حين نظر صهيب  الى والدته نظرة صعبانيه مرحه.

بعد قليل
بداخل مكتب صهيب
إبتسمت فايا على بعثرة المكتب، قائله:
لا أنا مكتب مش مكركب زي المكتب ده.

نظر لها بمرح قائلًا:
انا هنا شغال على كذا مشروع مع بعض فى وقت واحد، فأكيد كل ماكيت له مكان.

إبتسمت، وهي تقترب من أحد المُجسمات الكارتونية، نظرت لها قائلة:
ده مشروع إيه؟.

إقترب من المُجسم الصغير قائلًا:
ده مشروع أوتيل فى الغردقة، كنت شغال عليه من فترة وتقريبًا إنتهي تشطيبات واتسلم،كنت انا وصديق ليا مسؤولين عنه،أنا كنت مسؤول عن التصميمات الهندسية وهو التنفيذ.

إبتسمت سائلة:
وصديقك ده هو اللى إديت له مشروع الكبارية.

ضحك وهو يومئ برأسه،لكن تفاجئ من سؤال فايا:
ليه لما ميسون كدبت وقالت ان بينا علاقة،إتسرعت وقولت إننا شبة مخطوبين.

نظر لها مجاوبً:
مين اللى قال إني إتسرعت،

نظرت له فايا بعينين متسعتين، ثم عقدت حاجبيها وقالت بشك:
يعني إنت كنت مخطط لده.

ابتسم وهو يضع يديه في جيبه، ناظرًا إليها بثقة:
مش كل حاجة بتيجي بالتخطيط، ساعات الظروف بتساعدك تاخد خطوة كنت مأجلها.

ضاقت عيناها وهي تحاول قراءة ما وراء كلماته:
يعني إيه.

اقترب خطوة منها، صوته هادئ لكن يحمل ثقل المشاعر التي لم يصرح بها من قبل:
لو كنتي رفضتي، كنت هقولها.

نظرت له فايا مطولًا، تحاول فك شيفرة كلماته، لكنها لم تجد سوى مزيد من الحيرة، فقالت بتوجس:
وإنت كنت متأكد إني مش هرفض.

ضحك بخفوت، وكأنها سألته عن شيء بديهي، ثم قال:
كنت متأكد إنك هتتفاجئي… ووارد جدًا ترفضي،وكمان وارد توافقي.

رفعت حاجبها بسخرية قائلة:
الثقة دي جايبها منين.

اقترب أكثر حتى كادت المسافة بينهما تختفي، نظراته معلقة بها كأنها الشيء الوحيد في العالم، ثم همس بصوت أجش:
من كل مرة كنتِ بتبصيلي فيها، وتحاولي تخفي اللي في عيونك.

شعرت بحرارة وجهها تتصاعد، فأشاحت بوجهها بعيدًا، تحاول التماسك، لكنها لم تجد ردًا مناسبًا.

مد يده ليعدل خصلة وقعت على جبينها، ثم قال بهدوء يحمل يقينًا غريبًا:
لما ميسون قالت كدبتها، أنا ما كنتش برد عليها… كنت ببص لك إنتِ، وبقول الحقيقة.

ارتجف قلبها لوهلة، وكأن كلماته اخترقت الحاجز الذي كانت تبنيه بينهما طوال الوقت، لكنها تماسكت سريعًا وقالت بجدية محاولة التهرب:
بس الطريقة اللي حصلت بيها مش طبيعية… ميسون قالت كدبة، وإنت استغليت الموقف.

ابتسم وهو يميل برأسه قليلاً، ناظراً إليها وكأنه يرى ما وراء كلماتها:
ومين قال إن الفرص مش جزء من القدر... ساعات الحياة بتقدم لك حاجة على طبق من ذهب، وإنتِ تختاري… يا إما تمسكيها، يا إما تسيبيها تفلت.

شعرت وكأنه يضعها في مأزق، وكأن كلامه يحمل أكثر مما تقوى على مواجهته الآن، فقالت محاولة الهروب من  الحديث:
طب وإيه اللي يضمنلي إنك ما كنتش بس بتحاول تخرج من مأزق.

ضحك مجددًا، لكن هذه المرة كان ضحكه هادئًا وواثقًا، ثم قال بصوت منخفض:
لو كنتِ مجرد مخرج من مأزق، كنت هقول كدبة زي ميسون… لكني قولت حقيقة كنت مستني الوقت الصح عشان أقولها.

تجمدت في مكانها، عيناها تائهة بين كلماته ونبرته وطريقة نظرته… شعرت وكأن الأرض تميد تحت قدميها، لكنها لم تملك الجرأة لتنكر أن جزءًا منها صدقه… أو ربما كانت دائمًا تعرف الحقيقة، لكنها كانت تهرب منها.

ارتجفت شفتاها قليلًا، وكأنها تريد الرد، لكن الكلمات خانتها، فظلت تحدق فيه بصمت...ربما لم يكن بحاجة لسماع إجابة، فقد قرأها في عينيها المرتبكتين، في أنفاسها المتلاحقة، في الطريقة التي تراجعت بها خطوة، وكأنها تحاول الهروب من الاعتراف الذي يثقل صدرها.

ابتسم ابتسامة صغيرة، كأنه يمنحها وقتًا لاستيعاب ما يحدث، ثم قال بنبرة دافئة:
فايا، إنتي عارفة كويس إنك طول الوقت كنتِ شايفة اللي بيننا… بس كنتِ بتهربي منه.

توترت أصابعها وهي تعبث بطرف قميصها، محاولة تشتيت نفسها عن وقع كلماته، ثم تمتمت بصوت بالكاد سمعه:
وأنا مش من حقي أخاف.

نظر إليها بعمق، كأنه يراها لأول مرة، ثم قال بحنان غير معتاد منه:
من حقي وحقك، بس لو كل مرة هنخاف، إمتى هنعيش. 

أغمضت عينيها للحظة، محاولة جمع أفكارها، لكنها عندما فتحتهما مجددًا، وجدته لا يزال هناك، ينتظر بصبر، بلا ضغط، بلا استعجال، وكأنه يمنحها فرصة أن تختار… أن تكون حرة فيما تقرره... شعرت بأنفاسها تضيق، بعاصفة من المشاعر تشتعل في صدرها، لكنها في النهاية، لم تجد في قلبها سوى حقيقة واحدة فقط… حقيقة أنها لم تعد قادرة على إنكار أنهت تود بداية جديدة وبثقة.

❈-❈-❈
ليلًا
بـمنزل والدة جاسر 
إطمىنت والدته عليه، الليلة أفضل من أمس زالت الحما، إستسلمت لرغبة جاسر أن تذهب الى غرفتها وتستريح بفراشها...
تمدد على الفراش حقًا زالت الحمى عن جسده، لكن قلبه مازال ساخنً ينزف بسهم الهوى...
نظر نحو سقف الغرفة يشعر ببؤس قلبه وذكري قريبة ربما هي ما هتكت بينه وبين تاج...

بالعودة الى ليوم عرض تاج شراء ألاسهم من جاسر مساءً
بإستطبل الخيل الخاص بـ جاسر

جلس جاسر في إستراحة بالمزرعة، يحدق في الأوراق أمامه بلا تركيز... صوت خطوات رنانة جعلهته يرفع عينيه فجأة، ليجد تاج تقف أمامه،  توقفت جامدة كأنها تمثال من رخام. عيناها كانتا متحجرتين، لكن خلف ذلك السكون، كانت هناك عاصفة.

نظر لها بإستهزاء سائلًا ببرود حاول أن يخفي به ألمًا دفينًا.:
خير، يا ترا إيه سر الزيارة.. عايزة إيه يا تاج.

ترددت للحظة قبل أن تقول بصوت خافت لكنه حازم:
جيت أعرض عليك أشتري نصيبك فى الشركة مرة تانية...مش بس نصيبك فى الشركة كمان فى مزرعة بابي...كمان ننهي أي إرتباط بينا.

شعر جاسر كأن الأرض اهتزت تحته... لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد. حملق فيها بذهول، ثم وقف فجأة، يكاد يقترب منها بغضب مكبوت:
قصدك إيه بـ ننهي أي إرتباط بينا...

نظرت له بصمت وهي تشعر بألم فى جسدها نظرت نحو احد المقاعد ثم جلست عليه...
نظر جاسر لها بغضب قائلًا:
مفيش عندك أي تبرير؟ من غير ما تفكري حتى في اللي بينا.

ابتلعت ألمها، تقبض على يديها خلف ظهرها حتى لا ترتعشان... منعها كبرياؤها من الدفاع عن نفسها، من الصراخ بأنها لم تُخفِ عنه حملها عمدًا أو تفكر في الإجهاض كما اعتقد... لكنها ظلت صامتة، كأنها تقول له بكبريائها:
صدق ما تريد أن تصدقه.

نظر إليها جاسر، وكأن نظراته تخترق دفاعاتها. كنتِ مستنية إيه، تاج؟ إني أصدق إنكِ ما كنتيش عايزة تخبّي الحمل عشان...
توقف، وكأن الكلمات علقت في حلقه وأكمل بلوعة وإتهام!
عشان تخلصي منه.

رمشت عيناها بسرعة، تحاول طرد الدموع التي هددت بالظهور بعينيعا... لكنها توقعت ذلك الاتهام منه... توقعت أنه لن يمنحها الفرصة لتشرح، وأنه سيفضل التفكير في الأسوأ.

اقترب منها، صوته خفيض لكن يقطر ألماً وغضباً:
مش قادرة حتى تدافعي عن نفسك؟ ليه يا تاج؟ ليه ما حاولي تكدبي عليا.

رفعت عينيها أخيرًا لتنظر في عينيه، وقالت بثبات بدا كالسيف القاطع:
مافيش داعي أشرح حاجة مهما قولت إنت خلاص مصدق يبقى مالوش لازمه أي تبرير.

تراجع جاسر خطوة، ينظر إليها وكأنها غريبة تمامًا... شعر بخيبة أمل لم يعرف إن كانت منها أو من نفسه... صمت طويل سيطر على المكان، ثم تحدث أخيرًا بصوت حاد:
أنا برفض يا تاج ومستحيل...

إرتكزت تاج على العصا وحاولت النهوض،سارت نحو جاسر بعصبية قائلة:
كفاية يا جاسر، أنا لغاية دلوقتي بطلب منك كل شيء يتم بينا بهدوء، و...

قاطعها وهو يقترب منها بإحتداد وقف أمامها مباشرةً، عيناه تقدحان شررًا من الغضب والانفعال، وأضاف بصوت حاد لكنه مشحون بالعاطفة:
إنتِ فاكرةإن ده قرار لوحدِك، فوقي يا تاج.

نظرت إليه  بجمود، تقاوم الرجفة التي حاولت السيطرة عليها، ثم همست بمرارة:
وأنا مش هسمحلك تخليني أعيش في دايرة مفرغة... كل مرة نقع في نفس الحفرة ونرجع نكرر نفس الكلام... أنا تعبت يا جاسر.

مد يديه يجذبها عليه بحدة، ، وكز فكه مُتغاضيًا عن ألم جسدها،قائلًا بصوت حاد:
إنتِ ملكِ يا تاج، أنا أكتر واحد عارف طباعك وفاهم دلعك اللى بتحاولي تستعطفي بيه اللى حواليكِ، وكنت أول واحد بيصدقك، لكن انتهي خلاص.

آنت تاج بألم لكن تغاضي جاسر عن ذلك وتملكه شيطان وهو يعلم أنه يطلق سهام الغضب،بلا تفكير ضم شفتيها بين شفتيه يُقبلها بقوة،يجبر جسدها على الحركه للخلف غير مهتم تتحكم فيه غريزة الغضب،يجبر جسدها على  المثول والإستلقاء على تلك الآريكة وهو فوقها مازال مُستمر فى تقبيلها بطريقة شهوانيه، بلا مشاعر وضع يده على مقدمة ثوبها وكاد يُمزقه لكن همست تاج بتقطُع أنفاس برجاء قائلة:
لاء يا جاسر بلاش نوصل للطريق ده.

فاق من غضبه وزفر نفسه بقوة وضع قُبلة جامدة على جانب عُنقها تركت أثرًا داميًا،ثم نهض  عنها ينظر لها بضياع، وهي تحاول النهوض، تشعر بألم ليس فقط جسدي، بل نفسي أقوي، نهضت بصعوبة وجذبت العصا الطبية، إتكئت عليها، سارت نحو الباب لكن جاسر تفوة بنبرة أمر:.
هنعيش فى الشقة، إنسي إننا نرجع للمزرعة تاني.

فهمت حديثه ولم ترد عليه وسارت بخطوات بطيئه حتى وصلت الى تلك السيارة التى كانت تنتظرها بفناء الإستطبل، كان جاسر يراقبها من خلف زجاج الشباك، رمقته بنظرة آسف وخذلان
ثم صعدت وجلست بالمقعد الخلفي دون أن تنطق بكلمة... أغلق السائق الباب خلفها وتحركت السيارة ببطء، تاركة وراءها غبارًا خفيفًا ارتفع مع دوران العجلات.

ظل واقفًا خلف النافذة، يراقب ابتعادها وعيناه تحملان مزيجًا من الحيرة والخذلان... رفع يده ببطء كأنه يهم بطرق الزجاج أو بمناداتها، لكنه سرعان ما أسقطها بجانبه وهو يتنهد بعمق.

في الداخل، التفتت تاج قليلًا لتنظر عبر الزجاج الخلفي، لترى طيفه ما زال ثابتًا في مكانه، لكنها سرعان ما أدارت وجهها للأمام وهي تغلق عينيها للحظة، تحاول كبح ذلك الوخز الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.

[عودة]
تنهدجاسر، بحسرة  يشعر  كأن الحياة نزعت منه، يحدق في اللاشيء، متسائلاً إن كان قد فقد تاج للأبد.
❈-❈-❈
بأحد المطاعم الشهيرة
جلست ميسون مع ذلك العميل تشعر بزهو وهو يسرد لها نجاح ذلك المشروع الذي يمتلكه، وتلك المدينة السكنية التى إنتهى من إنشائها، وبقي فقط طرحها للبيع لعملاء محددين بأسعار مرتفعة، مما سيحقق له أرباحًا طائلة... كانت ميسون تستمع إليه باهتمام، تدّعي الإعجاب، بينما عقلها يعمل بحسابات أخرى.

رفعت كوب العصير إلى شفتيها برقة متعمدة، وعيناها تلتمعان بدهاء وهي تقول بنبرة خفيفة:
مشروع ضخم زي ده... أكيد محتاج تسويق من نوع خاص، مش أي حد يقدر يوصله للفئة اللي تستهدفها.

ابتسم الرجل بثقة، مستمتعًا بثنائها، وردّ:
بالفعل، إحنا بنشتغل على خطة تسويقية قوية، بس لو عندك أفكار، أكيد هتكون مرحب بيها.

وضعت ميسون الكوب برفق، ثم مالت نحوه قليلاً وقالت بابتسامة ذات مغزى:
مش بس أفكار... أنا أقدر أوصلك للأشخاص الصح، اللي يقدروا يشتروا وحدات بالملايين بدون تفكير.

راقبها الرجل بإمعان، مدركًا أنها لا تتحدث عبثًا. لأول مرة، شعر بأنها ليست مجرد امرأة جميلة وطموحة، بل لاعبة محترفة في عالم الصفقات المغلّفة بالبريق.

❈-❈-❈
بعد مرور يومين
بالشركة
بغرفة الإجتماعات
تحدثت ميسون بعصبية:
المشروع ده مشاكله كتير وبتكلف الشركة مصاريف كتيرة غير إنه مش مضمون التسويق،دي مش أول مرة يتوقف المشروع،وفين تاج هانم كمان محضرتش الإجتماع ليه،طبعًا معندهاش وش تتكلم،بعد ما فشلت فى إدارة المشروع.

شعر جاسر بالضيق من حديث ميسون الفج عن تاج وتشكيكها في إدارتها،نهض واقفًا وفتخ هاتفه يقوم بالإتصال على تاج،لكن هاتفها يُعطي رنين،ولا يأتيه رد،تنهد جاسر بقلق،تاج تركت الشقة منذ آخر جدال بينهم،وهو الآخر فكر بإعطاء وقت لها،ربما تهدأ نفسيتهما ويعودا مرة أخرى... فكر فى مهاتفة رجاء،لكن تراجع  
وبتردُد قام  بالإتصال على جنات، بعد السلام بينهم تنحنح بحرج سائلًا:
تاج فين برن على موبايلها مش بترد 

كما توقعت جنات تاج مازالت لم تضع النهاية بينها وبين جاسر، ربما لأنها ما زالت تحمل في قلبها شيئًا تجاهه، أو لأن الخيوط التي جمعت بينهما لم تنقطع تمامًا... تمنت جنات أن تجد تاج القوة لتواجه مشاعرها بصدق، وأن تختار ما يُريح قلبها دون تأثير من الماضي أو ضغوط الآخرين... لكن تنهدت بآسف قائلة:
للآسف يا جاسر إنت خيبت أملي فيك وخسرت تاج.. تاج سافرت لندن من يومين.

غص قلب جاسر وشعر بحرج.. مسح عنقه بيده وكأنه يبحث عن كلمات تليق بالموقف، لكنه تحدث ببساطة:
تمام.... متشكر يا طنط .. وآسف على الإزعاج.

أنهى المكالمة وألقى الهاتف جانبًا على المقعد  جالسًا على طرف المقعد  يشعر بثقل الكلمات التي سمعها.

تاج سافرت... كأن كل شيء انتهى دون فرصة للتوضيح أو المواجهة... تملكه شعور بالندم، لكنه كان يعلم في أعماقه أن ما حدث كان نتيجة أفعاله وتسرُعه...وكأن القدر يعاقبه على كل لحظة تجاهل فيها مشاعر تاج...

اتجه إلى النافذة. حدق في الأفق وكأن لندن صارت فجأة أبعد من مجرد مدينة تفصلها ساعات فقط ...فهي الآن  تعني له الفراق، الفرصة الضائعة، والحياة التي كان يحلم بها لكنه تركها تفلت من بين يديه...
لكن لا لن يسمح بذلك
فتح هاتفه بلحظة وقام بإتصال هاتفي حتى أتاه الرد  فقال:
عاوز تذكرة سفر لـ لندن الـ...

توقف عن بقية حديثه حين فُتخ باب المكتب وسمع:
مفيش داعي للسفر.

«يتبع»
للحكاية بقية

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا