رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الواحد والثلاثون 31
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك
حين التقت العينان، همسَ لي قلبي بسرٍّ عجيب:
هناكَ روحٌ ستغمرُ كيانك، ولن تملكَ إلَّا أن تعشقها عشقًا عميقًا..
حاولتُ أن أقنعَ نفسي بالنسيان،
لكنَّ قلبي قالَ لي: كلَّا، سيبقى هذا الحبُّ نابضًا مهما طالَ الزمان..
وكلَّما حاولتُ الهروب، وجدتُّكِ في كلِّ درب..
كأنَّ القدرَ يضعكِ أمامي، وكأنَّ الحبَّ يرفضُ أن يتركَني وحدي…
فاستسلمت...
لأنَّ هذا الشعورُ ليس اختيارًا بل هوَ هديةً منَ الله، رزقٌ لا يعوَّضُ ولا يُجحد.
بمنزل ميرال بعد حديث إلياس عن يزن...
صرخت وصرخت حتى كادت روحها تنفجر، انهارت على الأرضِ وهي تهتفُ بألمٍ يعصفُ بكلِّ جوارحها:
مش هتاخد ابني! مش هتاخده يا إلياس! أنا عارفة إنَّك بتعمل كده علشان الولد، بس مش هتاخده! لو قرَّبت منُّه، هموِّت نفسي..سمعتني؟ ابعد عنِّي بقى، سبني في حالي..
اقتربَ منها بخطواتٍ بطيئة، قلبهِ يعتصرُ من الحزن على ماأصابهم، وعيناهُ تتألَّقُ بالدموعِ التي حاولَ جاهداً أن يخفيها، انحنى وحاوطَ جسدها بين ذراعيهِ بحذر، وكأنَّها الزجاجُ القابلُ للكسر، وأردفَ بصوتٍ خافتٍ كاد أن يخرجَ من بين شفتيهِ بشقِّ الأنفس:
"قومي يا ميرال...مينفعشِ كده، قومي، حبيبتي...يلَّا، تعالي معايا.
رفعت عينيها الغارقةِ بالدموع، وقالت بصوتٍ مكسورٍ مثل قلبها الذي يعتصرهُ الوجع:
مش هتاخد منٍّي الولد يا إلياس مش كدا...واللهِ أنا عملت كده علشان بحبَّك..بحبَّك لدرجة ما تقدرشِ تتخيَّلها!
قالتها بشهقاتٍ و دموعها تتساقطُ كالشلال، كلَّ دمعةٍ تروي قصةَ ألمٍ عميقٍ من جحودهِ عليها، جلسَ على عقبيهِ يحدِّقُ فيها بحزنٍ قاتل، يشعرُ بأنَّ كلَّ جزءٍ منهُ يتناثرُ مع دموعها..رفعت كفَّيها المرتجفينِ على وجهه، وقالت بصوتٍ متلعثمٍ وكأنَّ الكلماتَ تخنقها:
طيب...قولي لو مكاني كنت هتعمل إيه؟! كلِّ لحظة بعيش فيها، بحسِّ إنِّي هخسر حاجة، بحسِّ إنُّهم هيخدوك منِّي...إنتَ مش شايفني؟ مش شايف وجعي؟ متعرفش...متعرفشِ خوفي عليك قدِّ إيه؟!..
تراجعت بجسدها قليلاً إلى الوراء وتابعت:
لمَّا قولت أبعد عنَّك..علشان أحميك من غدرهم، الناس دي مابيتلعبشِ معاها، وشوفت دا حاولوا يقتلوا النائب العام، مش هيغلبوا فيك..
-تحميني!!خايفة عليَّا، ليه شايفاني عيِّل، ولَّا أنا ضعيف ومش راجل، وكمان طلاق، وصلت للطلاق..
-أه أعمل أيِّ حاجة، إنتَ مبتفهمش، مش عارف يعني إيه تكون عايش في رعب كلِّ شوية، دول دخلو مكتبك، ووصلوا بيتك، لحد امتى، لحد مايخطفوا ابني، ولا لما تيجي لي مقتول.. أنا عملت الصح، اعمل اللي انت عايزه
-ميرال، متخلنيش اتغابى عليك، واكرهك نفسك
نزلت دموعها تشير إلى يزن مرددة
-لسة هتعمل ايه تاني، طردتني في عز ضعفي، وبعت لي بنت بتساومني عليك
وفي الآخر جايب لي واحد وتقولِّي أخوكي، فوق بقى أنا ماليش أخوات، سمعتني، أنا ميرال وبس...هنا أحسَّ أنَّ المسافةَ بينهما أصبحت حائطًا من الأسى لا يمكن اختراقه..وقفَ جامدًا ينظرُ إليها بوجعٍ يطفو على وجهه..
اقتربَ يزن منهما، وتوقَّفَ يرمقها بنظراتٍ حزينة:
-ميرال أنا عارف إنِّك مش قادرة تستوعبي الِّلي بيحصل، بس دي الحقيقة..راجح كان متجوِّز اتنين غير رانيا، والدتي ووالدة رؤى.
هزَّت رأسها بعنفٍ كالتي فقدت عقلها، هل يُعقل ماتسمعه، هل الفتاة التي كانت تراودها بزوجها تكن أختها؟..
اقترب إلياس منها، هو يعلم أنها تحملت فوق قوتها، جلسَ بجوارها وحاوطَ جسدها يقرِّبها لأحضانه..
-امشي من هنا إنتَ وهوَّ، أنا معرفكش، متحاولشِ ياإلياس، أنا معرفوش ومش هتاخد الولد..سمعتني؟!
زفرَ إلياس بغضبٍ وحاول السيطرةَ على أعصابه، رفع ذقنها ينظرُ بمقلتيها متمتمًا:
-بصِّي دا الباش مهندس يزن، والدته توفِّت من فترة، مكنشِ يعرف أصلًا زينا كدا غير من فترة بسيطة، وبعدها دوَّر على ماما بعد ماعرف من والدته كلِّ حاجة، يعني يزن بيكون أخوكي بس من الأب، أنا مش هدخَّل واحد غريب على مراتي علشان الهبل بتاعِك دا، دا بيكون أخوكي من الزفتِ راجح..
ثارت تدفعه بغضب وهدرت:
-الراجل دا مش أبويا، هقعد أقولها لحدِّ إمتى؟..
شعرَ بأنينِ قلبهِ على غضبها، وانهيارها، اقترب منها مرَّةً أخرى ،ثمَّ أخذها بين ذراعيهِ برفقٍ يتحرَّكُ بها ويحسُّ بأنَّهُ يحملُ قلبهِ الممزَّق، ثمَّ نظرَ إلى يزن الذي كان يراقبُ بصمت:
-هطلَّعها فوق وأرجعلك..بعدين تتكلِّموا..حدقها بنظرةٍ قائلًا:
-مش هتحمِّل كتير ياميرال، أنا شايل فوق كتفي أكتر ممَّا يتحمِّله بشر، مش وقتِ ضعفك.
دفنت رأسها في صدره، تحاولُ الهروبَ من فوضى قلبها، رغم أنَّ كلَّ شيءٍ حولها ينهار..حتى شعرت بالألمِ يعتصرُ صدرها منهُ ومن جمودهِ المعتاد، ورغم ذلك استمعت إلى دقَّاتِ قلبهِ التى أشعرتها بالراحةِ تملأُ قلبها في حضنه، كأنَّ هذا الحضنِ بدقَّاتِ قلبهِ هو الجسرُ الوحيدُ الذي يربطها بالحياة
وضعها على السرير بحذر، وكأنَّها قطعةُ أثرية، كلَّ حركةٍ منه تكادُ تكسرها..ثمَّ فكَّ حجابها بيدينِ مرتجفتين، تلألأت دموعها كالنجوم، هنا ودَّ لو يحطِّمَ جميع جسورِ الأسى بينهما ويعتصرها بأحضانه، ولكن كيف بعدما حدثَ مابينهما..اقتربَ منها ومسحَ دموعها بحذر، ثمَّ همسَ بصوتٍ حزينٍ يكاد يتناثرُ من بين شفتيه:
"نامي دلوقتي...بعدين نتكلِّم"
وضعت كفَّيها على كفَّيه، و امتلأت عينيها تهمسُ بصوتٍ خرج ضعيفًا، تخشى أن تفقدَ ما تبقَّى لها من صوت:
هنتكلِّم في إيه؟! أنا مش عايزة أعيش غير مع ابني وبس..مش عايزة حاجة في الدنيا غيره، سبهولي ياإلياس..أنا مش ستِّ جديرة بيك...زي ماقولت، روح...روح اتجوِّز وخلِّف غيره، بس ابني...ابني مش هتنازل عنه..
نظرَ إليها للحظةٍ طويلة، وكلَّ ما نطقتهُ اخترقَ صدرهِ ليشتعلَ كالجمر، نظرَ بعينينِ مليئينِ بالمرارةِ وكأنَّها تضعُ ملحًا فوق جرحِ قلبه..هزَّ رأسهِ بألمٍ كاد أن يفتك بها، ثمَّ قال بنبرةٍ مكسورةٍ مليئةٍ بالسخريةِ الحزينة:
"بس تتنازلي عنِّي...صح؟"
"مش تنازل قدِّ ماهوَّ حب."
-تنازل..حب، هوَّ فين الحب دا؟..
-يعني اللي عملتيه دا علشان الولد، كسرتي جوزك وحسستيه أنه مالوش أهمية علشان فاكرة مش هقدر احافظ على ابني؟!
ابتعدت بنظرها عنه وتمتمت:
-إلياس انت أهم حاجة عندك كبريائك وغرورك، مابتفكرش غير في دا، حتى ممكن تضحي بأي حاجة علشان متظهرش قدام حد انك ضعيف
-أضحي بأي حاجة علشان نفسي؟!
ردَّدها بصوتٍ مشحونٍ بالغضب، ابتعدَ عنها وعيناهُ تشتعلانِ بنارٍ لا تنطفئ، وقال بنبرةٍ جافَّةٍ، قاسيةٍ، تخلو من أيِّ أثرٍ للمشاعر:
"انت كدا كتبتي نهايتنا، وحاضر يامدام هضحي علشان كبريائي، هسيب معاكي الولد لكن بشروطي. ، ممنوع تروحي أيِّ مكان من غير معرفتي.. طقم الشغالين كلُّه تحت إشرافي، وكلِّ خطوة هتخطِّيها هتكون تحت عيوني.. الأمن داخل البيت وخارجه مستحيل تعترضي عليه، وأنا اللي هتحكِّم في كلِّ شيء..عربية الحراسة هتكون معاكي في كلِّ خطوة، حتى لو كنتي عايزة تشتري دواكي، مفيش شغل قبلِ ما الولد يكمِّل سنة، مش هسمح لحدِّ تاني يربِّي ابني.. شغلك تشتغليه في البيت، خلِّيكي في بيتك، اعملي فيه اللي تحبيه، أمَّا التليفون ممنوع تتكلِّمي مع حد، ولا تردِّي على أرقام مش معروفة، فاهمة؟"، أيِّ وقت مسموح لي أشوف الولد من غير اعتراض وكلماتك الغبية، واعرفي إنِّك اللي وصَّلتيني لكدا.
أطبقت على جفنيها تتمتم:
"رغم إنُّه سجن بس حاضر، هعمل اللي إنتَ عايزه..بدل ماابني يكون بعيد عنِّي، حتى لو قولت لي أرمي نفسي في البحر هعملها."
-لا مش هقولِّك ارمي نفسك ولا حاجة، بس لو غلِّطي..نفسك هخنقك بيه.
نظرت إليهِ و الألمُ يصرخُ في قلبها، وأنينًا داخليًّا يكاد يلتهمُ كلَّ ذرَّةٍ من كيانها.. وروحها تتمزَّقُ من كلماتهِ الجافَّة، التي لا تحملُ سوى القسوة..استأنفَ وكأنَّهُ غافلًا لا يرى ما يرسله عينيها، ولا يشعرُ بما في قلبها، ليهتفَ بصوتٍ باردٍ مجرَّدٍ من أيِّ مشاعر:
"مفيش طلاق، وبرضو مفيش حياة مع بعض..اعتبرينا مطلَّقين، منفصلين زي ما تحبِّي، بس الطلاق الرسمي...انسيه، مش هحترم أيِّ مشاعر، ولا هبالي بحقيقة إنِّي عايش معاكي، يعني وجودِك زي عدمه عندي."
هنا لم تعد تتحمَّلُ قسوته، لترفعَ عينيها إليهِ وكأنَّها تبحثُ عن نظرةِ الحب، ولكن وجدتهُ أملًا ضائعًا، لم تجد سوى فراغٍ بارد..همست وصوتها يخنقهُ الألمُ الذي يقطعُ أنفاسها:
"الطلاق مش فارق معايا أنا كمان، بس يا ترى إنتَ كمان هيفرق معاك ولَّا هتروح تتجوِّز؟"
شعرَ وكأنَّ سكينًا مسمومًا قد انغرسَ في قلبه، ورغم ما يشعرُ به من غضب، إلَّا أنَّهُ تحرَّكَ إليها بجمودٍ حتى اقترب منها بشدَّة، وعينيهِ تشتعلانِ بنظراتٍ لاذعةٍ لا تحتملُ الضعف:
"متخلنيش أخلِّيها تفرق معاكي لو اتجوِّزت؟"
-نحرتها كلمته، واحست بجمرة تهلك روحها، رغم أنها تعلم أنها مجرد كلمات، ولكن نطقها ألهب كل احاسيسها، فاقت على صوته:
-فوقي ياميرال، بدل ماادوس على قلبي واخد منك الولد فعلًا
زمت شفتيها تمنع دموعها تطالعه بخيبة أمل قائلة:
-يعني الراجل اللي تحت دا مسرحية منَّك علشان تاخد الولد منِّي؟..
-اخرسي، مش عايز أسمع نفسك، أنا لو عايز آخد الولد هاخده، إيه هغلب..
-يعني إيه ياإلياس؟..
-يعني بيكون أخوكي فعلًا..نظرات حزينة لتقول:
-يعني الراجل دا مدمرنا كلنا، طيب ليه..!، طالعته تترجاه بعيناها
-اوعى تكون ناوي تقتله صح، طيب لو قولت لك بلاش علشان خاطري..
انسابت دموعها كالأنهارِ التي لا تنتهي، وكأنَّها تغسلُ كلَّ ذرةٍ من نفسها الضائعة منها..نظرت إليه بعينينِ متورمتينِ من البكاء، لكنَّها تمسَّكت و حاولت أن تجدَ فيه ما يخاف عليها، ابتعد قائلًا...
-عايزك تقعدي مع يزن، شكله راجل أوي ويعتمد عليه، ممكن تلاقي عنده اللي اتحرمت منه مني ومن راجح
شهقت تطالعه بذهول:
-لدرجة دي ياإلياس، اومأ يشير بيديه:
-يزن بيكون أخوكي ياميرال، ودا كويس، صدقيني لما يكون فيه سند وقت ماتحسي بانهزامك من أكتر شخص حبتيه، بيكون الأخ هنا قوة
-يعني إيه؟!
-يعني ايه دي هتحسيه لما تقربي منه
رددت بينها وبين نفسها يعني دا فعلًا بيكون أخويا، ليا أخ ..تراجع بجسده ينظر إليها بسخرية:
-وأخت كمان، ايه ناسية ضرتك..رفعت نظرها إليه واردفت بصوت جعلته قويًا رغم حزنها منه:
ـ تمام موافقة على كلِّ شروطك، وزي ماقولت هعيش لابني، حتى انت مابقتش تفرق معايا، اعمل اللي انت عايزه، حتى لو عايز تتجوز، اتجوز
اقتربَ منها أكثر، حتى كادت أن تشعرَ بأنفاسه، وهمسَ لها، بكلماته كانت كالرصاصِ الذي نهشُ قلبها:
"خلِّيكي فاكرة الكلمتين دول يا ميرا، لأنِّنا هنتحاسب عليهم لمَّا أفكَّر أتجوِّز تاني فعلًا"
رفعت رأسها بذهول، لا تستطيعُ تصديقَ ما سمعته، كأنَّ الدنيا قد انهارت من حولها..عيناها مليئتانِ بالدموع، ولا تعرفُ إن كانت تبكي على نفسها أو عليه:
"تتجوِّز؟! عايز تتجوِّز؟
-وليه لا، مش حقي..امشي، اطلع برَّة، وكلِّ شيء بيننا انتهى هنا، وإنتَ كمان انتهيت مش عايزة أشوفك، برَّة برَّررة..قالتها بصرخات..
انحنى يضغطُ على ذراعيها بقوَّةٍ آلمتها:
-صوتك، اتجنِّنتي، ناسية بتكلِّمي مين، مفكَّرة لمَّا تعملي كدا هتصعبي عليَّا، ولَّا أخاف منِّك، إيه مش كنت هعملها ولَّا نسيتي؟..
ارتجفَ جسدها بعنف، تهزُّ رأسها بالنفي كأنَّها تطردُ شبحًا يحاصرها، ترفضُ كلماتهِ التي اخترقت دفاعاتها.. وصوتهِ أشبهُ بخنجرٍ يُغرسُ في صدرها، حاولتأن تلتقطُ أنفاسها المتقطِّعة، ابتعد عنها بخطواتٍ ثقيلة، وشعرت بأّن الأرضَ تدورُ بها.. رفعت عينيها إليه، لترى لأول مرة بتلك العينين شيئًا مظلمًا
همسَ بصوتٍ أجش، نبرةٌ مغلَّفةٌ بالبرودِ المستفز:
-أنا راجل، وعايز ستِّ توقف جمبي،
تهوِّن عليَّا أيامي..مش واحدة ضعيفة مالهاش غير كلمتين أقتل نفسي أو طلَّقني.
كلماتٌ ماهي سوى كلمات ولكنَّها كصفعاتٍ متتاليةٍ تهوي على روحها، تزلزل بنيانها الهش..شعرت بقلبها ينهار، ودَّت لو تصرخَ لكن شفتيها خانتاها..نظرت لوجههِ القريبِ وعينيه، وآه من عينيهِ التي تغرقها بنبضٍ عنيف، لم يرحم ضعفها، ليرفعَ إبهامهِ على وجنتيها:
- شكرًا لأنِّك سمحتيلي أكمِّل حياتي من غير ذنبك، ومتخافيش أيام مش هنساها ماإنتي أوَّل حب ياميرا، بس مينفعشِ أحبِّ تاني..
-إنت كداب ياإلياس، عارف ليه..ملست بيدها على صدرها موضع قلبه، وتعلق ذراعها الأخر بعنقه، تهمس بجوار أذنه نبرة مثيرة، جعلته يشعر بأن جسده وقع فريسة عشقها الضاري، حينما استمع
-قلبك دا ملكي أنا، مش قلبك بس، انت على بعضك..رفع عيناه القريبة لعيناها التي لوحت بالتوتر عما سيفعله، ثم ابتسم ساخرًا
-غلطانة ياميرال، انت لسة قايلاها كرامتي ورجولتي، يعني كل حاجة عندي مباحة...بترت حديثهِ وانقضَّت على شفتيهِ بقبلةٍ مجنونة، تحملُ كلَّ ما ترفضُ حديثهِ وما تتمنَّاه..علَّها تُسكتُ ضجيجَ قلبها، أو تهدئُ عاصفةَ الألمِ التي أشعلتها كلماته.
أغمضَ عينيهِ للحظة، وارتعشت أنفاسهِ بين جدرانِ صموده..لكنَّ شيئًا في داخلهِ صرخَ بالرفض..ابتعدَ عنها، منتفضًا كمن يحاولُ الفرارَ من ذاته، خطواتهِ ثقيلةٌ ومرتبكة، وكأنَّ جسدهِ يتوسَّلهُ أن يبقى، أن يعودَ إليها، لكنَّهُ أدارَ ظهرهِ وخرج.
اعتدلت في مكانها تحملقُ في البابِ الذي أغلقه، وكأنَّهُ وضعها بقبر..لم يعد لديها القدرة على التنفُّس، نظرت بعينينِ فارغتينِ وتمتمت كلماتٍ لم تسمعها أذناها..ثم تهالكت على الفراش وطوت نفسها كالجنينِ تبحثُ عن دفءٍ لا يمكنها استعادتهِ منذ ابتعاده، صوتُ أنفاسها المتقطِّعةِ كان الشيءُ الوحيد الحيِّ في الغرفةِ المظلمة.
استمعت إلى صوتهِ الصارمِ مع المربية،
نبرتهِ التي حاول إخفاءَ ما شعرَ به: الولد عينك ما تنزلشِ من عليه لحظة..ممنوع حركة بيه برَّة البيت من غير معرفتي. محدش يشوفه غير ماما وأختي مفهوم؟
أومأت المربية برأسها بخضوع: اللي تؤمر بيه يا باشا.
كانت كلماتهِ تحكمُ حصارًا جديدًا، ليس فقط حولَ ابنهِ بل حول روحهِ هو..ورغم كلِّ القوَّة التي حاولَ رسمها، كانت يداهُ ترتجفان، وعيناهُ تفضحانِ حربًا داخليةً لا هوادة فيها..وهو يتطلَّعُ إلى البابِ المغلقِ بينهما، شعرَ بأنَّها بحارًا ومحيطات لم يستطع عبورها بعد الآن..
في منزلِ آدم، استيقظت إيلين على صوتِ المنبِّه..مدَّت يدها بكسلٍ لتغلقه، ثمَّ رفعت رأسها عن صدره، تستندُ بذقنها عليهِ تشعرُ بدفءِ حضنه..ابتسمت وهي تتأمَّلُ ملامحهِ الهادئة، كأنَّهُ لوحةٌ مرسومةٌ بعنايةٍ لتسرقَ قلبها كلَّ مرَّة.. تسلَّلت أناملها بخفَّةٍ بين خصلاتِ شعرهِ الناعمة، تهمسُ له بعضَ الكلماتِ بحبِّها، ثمَّ طبعت قبلةً حانيةً على وجنته..
تململَ آدمُ قليلاً وفتحَ عينيهِ بتثاقلٍ لتستقبلهُ ملامحها المتورِّدةِ بابتسامةٍ خجولةٍ خطفت أنفاسه؛ نظرَ إليها نظرةً محمَّلةٍ بعشقٍ يغمرُ الروحُ وقال بصوتٍ خافتٍ مبحوحٍ من أثرِ النوم:
صباح الوردِ يا حبيبتي...بتعكسيني؟ طيب، ما تخلِّي الحاجات الحلوة دي وأنا صاحي، عايز أشوفك كلِّك قدَّامي..
تورَّدت وجنتاها أكثر، ودسَّت وجهها في صدرهِ محاولةً إخفاءَ خجلها، وهمست:
"بس بقى يا آدم..."
رفعَ ذقنها برفقٍ يجبرها على مواجهةِ نظراتهِ التي تفيضُ بحبٍّ عميقٍ ومكرٍ خفيف:
لسه ما عملتش حاجة، أنا بصبَّح عليكي بس يا روح آدم...يلَّا بقى، عايز أصبَّح..
ضحكت بخفَّة، وزوت حاجبيها بدهشةٍ طفيفة:
"ماإنتَ صبَّحت يا آدم..."
لم يمنحها فرصةً لإكمالِ حديثها، اقتربَ منها وأطبقَ شفتيهِ على شفتيها في قبلةٍ طويلة، كانت أشبهُ بمعزوفةِ عشقٍ عزفها بشوقٍ وحنان..شعرت وكأنَّها تعيشُ لحظةً خارجَ الزمن، حيث تلاشت كلَّ الأصواتِ من حولها سوى دقَّاتِ قلبها التي تسارعت بين ذراعيه.
ابتعدت عنهُ بأنفاسها المتقطِّعة، واشتعلَ خديها حرارةً وخجلاً..جلسَ بجانبها معتدلًا، يمرِّرُ أصابعهِ بخفَّةٍ بين خصلاتِ شعرها الحريرية، وقال بابتسامةٍ يملؤها العشق:
- دلوقتي كده أقدر أقول بمزاج: صباح الورد يا حبيبتي.
رفعت عينيها لتنظرَ إليه، لتجدَ نظراتهِ تسبحُ على ملامحها وكأنَّها قطعةٌ فنيةٌ نادرةٌ لا يشبعُ منها..شعرت بنبضاتِ قلبها تتسارعُ من شدَّةِ حبِّهِ المتجسِّدِ في كلِّ نظرةٍ من نظراته..اقتربَ منها أكثر، أحاطَ خصرها بذراعيهِ بقوَّة، ودفنَ وجههِ في عنقها، تاركًا أنفاسهِ الحارَّةِ تنسابُ على بشرتها..همسَ بصوتهِ العميقِ الذي تخلَّلَ أعماقها:
-بعشقك ياإيلين...عارفة يعني إيه بعشقك؟ يعني إنتي كلِّ نفسي، كلِّ حلمي، كلِّ حاجة أنا عايش عشانها.
رفعت رأسها لتقابله، وقد تجمَّعت دموعُ التأثُّرِ في عينيها الواسعتين، فمدَّ يديهِ ليمسكَ كفَّيها، ثمَّ قبَّلهما بحنانٍ بالغٍ وهو يبتسمُ لها:
ما بقتشِ عايز حاجة تاني من الدنيا، أهمِّ حاجة عندي إنِّك تكوني في حضني بإرادتك...وبحبُّك.
لم تستطع إيلين تمالكَ مشاعرها، فرفعت يدها ببطءٍ لتلمسَ وجنتهِ بحبّ، ثمَّ اقتربت تطبعُ قبلةً طويلةً على وجنته، وهمست له بخفوت، وكلماتها التي تخصُّهُ بالحب:
إنتَ حبيب عمري يا آدم...عمري ما كرهتك، حتى بعد اللي حصل، وأنا واثقة إنِّنا هنعدِّي المحنة دي.
أنهت كلماتها، ورغم أنَّها كلماتٍ ولكن أشعلت حبَّها بقلبه، فجذبها بقوَّةٍ يضمُّها إليه بقوَّة، حتى التصقت بجسده..طبعَ قبلةً على جيدها هامسًا لها بنبرةٍ مليئةٍ بالشوق:
بعد الكلام ده، متوقعة منِّي إيه غير إنِّي أحبِّك أكتر؟ وأعمل حاجة هموت وأعملها من وقتِ ما صحيت من النوم وشوفت الخدود الحمرا دي..
-عايز تعمل إيه؟..لم تكمل حديثها ليجذبها إلى عالمهِ الخاص، عالمًا خصَّصهُ لها وحدها، لتسطرَ تلك اللحظاتِ الدفءَ والعشق، حيث اجتمعت قلوبهما تحت سقفٍ واحد، ليعدها بأنَّ الحبَّ سيظلُّ لغتهما الأبدية..
بعد فترةٍ جلست لتجفيفَ خصلاتِ شعرها أمام المرآة، استدارت فورَ خروجهِ من الحمَّام..ابتسمت وهي تقولُ بنبرةٍ مرحة:
– عندي سكشن بعد ساعة، هتوصَّلني ولَّا عندك حاجة؟
ألقى المنشفةَ جانبًا واقتربَ منها، يحيطُ مقعدها بذراعيه، ثمَّ أمالَ رأسهِ ليضعَ ذقنهِ فوق كتفها، ينظرُ إلى انعكاسِ صورتهما في المرآة:
– طيب، أسيبك تمشي كده لوحدك؟ خايف حدِّ يعاكسك وأنا مش معاكي..
رفعت رأسها قليلاً ونظرت إليهِ باستغراب، قائلةً بحزم:
– ليه حضرتك شايفني صغيرة؟ لااا، فوق يا حبيبي، أنا بعرف أجيب حقِّي وبزيادة، وبعدين محدش يقدر يقرَّب منِّي..ناسي إنِّي في نظرهم بنتِ عمَّك؟ كان عاجبك البنات اللي كل شوية: "دكتور آدم، ممكن تعيد؟".
انفجرَ بالضحكِ وهو يداعبُ أنفها برفق، متلذِّذًا بغيرتها التي بدت واضحة..ثمَّ قال بابتسامةٍ ماكرة:
– أفهم إنِّك غيرانة؟.
انتفضت متوقِّفة، تشيرُ إليه بإصبعها بغضبٍ طفولي:
– هترجع الجامعة والكلِّ هيعرف إنِّ أنا مراتك..سمعت ولَّا لأ؟
أمسكَ إصبعها بحركةٍ مفاجئةٍ ووضعهُ بين أسنانهِ بخفَّة، ممَّا جعلها تصرخُ وتدفعهُ مبتعدة:
– مابتهددش يا دكتورة يا صغنَّنة..نسيتي إنِّك إنتي اللي طلبتي محدش يعرف عن جوازنا؟
فتحت فمها لتردَّ عليه، ولكن قاطعَ حديثهما صوتُ رنينِ هاتفه..أمسكَ الهاتفَ وأجاب:
– أيوة...
– دكتور آدم، منتظرينك في النيابة للتحقيق..فيه أدلَّة جديدة ظهرت.
أنهى المكالمة بتنهيدةٍ ثقيلة، وأدارَ وجههِ نحوها قائلًا:
– جهِّزي نفسك، هوصَّلك في طريقي.
نظرت إليهِ بقلقٍ وهي تمسكُ ذراعيه:
– إيه اللي حصل؟
ردَّ بنبرةٍ جادَّة:
– عايزني في النيابة.
ربتت على كتفهِ برفقٍ ورسمت ابتسامةً مطمئنةً على وجهها، محاولةً أن تبثَّ فيه الأمل:
– وده يزعَّلك؟ بالعكس، أخيرًا هنخلص من القضية..لازم ترجع شغلك وتبدأ من جديد ياآدم.
احتضنَ يدها وربتَ عليها بخفَّة قائلاً:
– إن شاء الله يا حبيبتي.
بإحدى الكافيهاتِ في أحدِ الدول الأوروبية، كان يمسكُ بيديهِ جريدةً إخبارية، وعيناهُ مركَّزتانِ على شخصٍ ما..قطعَ تركيزهِ صوتُ رنينِ هاتفه، ليرفعَ الهاتفَ إلى أذنهِ ويجيبُ بنبرةٍ هادئة:
أيوة يا أرسلان.
عمُّو، إيه اللي أخَّرك؟ ليه لسه هناك؟ مش كلِّ حاجة تمام؟
ظلَّ كما هو يراقبُ ذاك الشخص، وأجابَ بنبرةٍ هادئةٍ تخفي الكثير:
بكرة إن شاء الله، يا حبيبي..افتكرت حاجة لازم أعملها قبلِ ما أرجع.
تمام، أنا قلقت عليك.
استدارَ قليلًا بمقعدهِ ليمنحَ اهتمامهِ الكاملِ للمكالمة وسأل:
-فيه جديد في القضية؟
أجابهُ أرسلان بنبرةٍ ممزوجةٍ من القلقِ والخيبة:
الموضوع اتعقَّد، ومشي عكس تخطيط إلياس..وشكلهم ناويين يضحُّوا بيه.
تأمَّلَ كلماتهِ بضع لحظات، ثمَّ علَّقَ بهدوءٍ كمن يستخلصُ المعاني التي ألقاها:
يعني إلياس كان بيعمل كده علشان يوصل لِّلي بيمولهم؟
-للأسف، أيوة..بس جت على دماغه، وفيه حيوان بيحاول يضغط عليه بسبب السيديهات والورق اللي اتسرق.
صمتَ للحظةٍ قبل أن يقولَ بحسم:
-تمام، بكرة راجع وهدخل أشوف آخرهم إيه، بس متخفش مش هيضحوا براجح علشان ماسكهم كويس..وبالنسبة لإلياس لازم يتعمل تنضيف حلو لمكتبه..أكيد الورق ده خرج من جوَّة مش من برَّة.
هوَّ فعلًا شغال على كده، بس معرفشِ ناوي على إيه..على فكرة، عندي خبر حلو ليك لمَّا ترجع.
لم يستطع كبحَ فضوله، فسألهُ بنبرةِ فضولٍ مخلوطةٍ بشيءٍ من الملل:
- خبر إيه؟..ياريت أسمع حاجة تفتح النفس..
خطا بخطواتٍ هادئةٍ نحو الداخل، وتمتم:
افتح الكاميرا وشوف بنفسك..
لحظاتٍ وفتحَ الكاميرا، ليتجمَّدَ في مكانهِ مذهولًا، ما رآهُ لم يكن يتوقَّعه أبدًا.كان فاروق يتحرَّكُ مستندًا إلى عصاه، ووجههِ مشرقًا بابتسامةٍ خفيفة.
هبَّ واقفًا، وخرجت الكلماتُ من فمهِ بذهول:
فاروق...إنتَ وقفت؟!
هزَّ فاروق رأسهِ بابتسامةٍ مطمئنة، وقالَ بصوتٍ هادئٍ مفعمٍ بالأمل:
- حبيبي، خلِّي بالك من نفسك..الأيام دي مفيش حاجة مضمونة.
قالها فاروق ليتسلَّلَ الشكُّ إلى قلبه، كأنَّها تحذيرًا يحملُ أكثر َممَّا يبدو عليه..ظلت الكلمات ترواد عقله، ولكنه تذكر شفاء فاروق
أغلقَ إسحاق الهاتف، والسعادةُ تتراقصُ على ملامحهِ التي غمرتها الابتسامة..مرَّرَ يدهِ على وجههِ بحركةٍ بطيئةٍ كمن يغسلُ قلبهِ بالرضا، ثمَّ تمتمَ بحمدِ الله بصوتٍ خافت..نهضَ من مكانهِ بخفَّة، متَّجهًا نحو الطاولةِ المجاورة، ألقى تحيةَ المساءِ بنبرةٍ دافئةٍ باللهجةِ الفرنسية.. واتَّجهَ إليهم ببعضِ التساؤلات، كأنَّهُ يبحثُ عن شيئٍ ما، انحنى قليلاً وهو يهمسُ بكلماتٍ مبهمةٍ مليئةٍ بالغموض..
اقتربَ منه أحدهم، ليشتعلَ بينهما حوارًا ساخنًا تتناثرُ منه شراراتُ غضبٍ مكتوم.. رغم ذلك احتفظَ إسحاق بهدوئه..ورسمَ ابتسامةٌ متَّزنةٌ وربتَ على جاكيتهِ بخفةٍ ليضعَ شيئا ما..ثمَّ استدارَ بخطواتٍ واثقةٍ متَّجهًا نحو الخارج، معتذرًا بنبرةٍ حملت مزيجًا من الأسفِ والغموض.
عند أرسلان، توقَّفَ ينظرُ بالفراغِ بعينينِ شاردتين، وبعضُ التساؤلاتِ تصفعُ عقله..همسَ لنفسهِ بصوتٍ بالكادِ يُسمع:
- ما الذي يفعلهُ إسحاق دون علمه؟
قطعَ شرودهِ صوتُ ملك وهي تقفُ بجواره، تحتضنُ ذراعهِ ثمَّ قالت بنبرةٍ يغمرها الدلال:
- عايزة أخرج، ماتيجي نخرج أنا وإنتَ وغرام..من وقتِ ما خلَّصت امتحانات مخرجناش مع بعض...
ابتسمَ أرسلان ابتسامةً صغيرة، ومدَّ ذراعهِ ليحاوطَ كتفها بلطف، و تحرَّكا معًا ببطءٍ نحو المسبح، توقَّفَ واتَّجهَ بنظراتهِ إليها متسائلًا بصوتٍ هادئٍ يشوبهُ الفضول:
- هيَّ تمارا مابقتشِ تيجي هنا؟
أومأت برأسها، ثمَّ أردفت:
جت مرَّة واحدة، بس من بعدِ ماعرفت حقيقة نسبك ماجتشِ تاني.
تغيَّرت ملامحه، وانكمشت بشيءٍ من القلق، وتساءلَ بصوتٍ منخفض:
- ومين اللي قالَّها؟
هزَّت ملك أكتافها بعفويةٍ وأجابت:
- واللهِ يا أرسو معرفش..إحنا في الوقتِ ده كنَّا مع بابي في المستشفى، فجأة لقيتها بتقول: "أرسلان إزاي مطلعشِ أخوكي؟"
هزَّ أرسلان رأسهِ في تفهُّمٍ صامت، وداخلهِ صمتًا قاتلًا، استدارَ ليتحرَّك بعيدًا، لكن تشبَّثت بذراعه، وأردفت بنبرةٍ ملوَّنةٍ بدلالٍ طفولي:
- علشان خاطري يا أرسو، تعالَ نخرج...
وصلت غرام و توقَّفت بجوارهما؛ رمقتهما بنظرةٍ حادَّةٍ أشبهُ بسهمٍ يحرقهما ثمَّ نطقت بصوتٍ يحملُ في طياتهِ الغضبَ المكبوت:
-أنا عايزة أمشي، كنت وعدت ميرال إنِّي هعدِّي عليها ونسيت.
رفعَ أرسلان نظرهِ إلى ملك وابتسمَ بمكرٍ خفيف، ثمَّ قال :
-اجهزي يا ملوك، هنروح مشوار إنَّما إيه هيعجبك.
رفعت ملك نفسها لتطبعَ قبلةً حنونةً على وجنته، قبلَ أن تتمتمَ بابتسامةٍ طفولية:
-أحسن أخ دا ولَّا إيه؟
ضحكَ بخفَّةٍ وهو يراقبُ تحرُّكها سريعًا إلى الداخلِ كطفلةٍ حصلت للتوِّ على لعبتها المفضلة..أمَّا هو فظلَّ واقفًا يحملقُ في الأفقِ بنظراتٍ شاردةٍ غارقًا في أفكارهِ التي أخفاها خلفَ ملامحَ هادئة.
خطت نحوهُ بخطواتٍ ثابتةٍ وعيناها تقدحانِ بالغيرةِ المكتومة..عقدت ذراعيها أمام صدرها وأردفت بنبرةٍ مشحونة:
- ممكن أعرف ليه ملك وقفت معاك بالطريقة دي؟
التفتَ نحوها ببطء، يحملقُ فيها بملامحَ غامضةٍ وكأنَّهُ يجهلُ ما تعنيه..شعرت أنَّ تجاهلهِ يشعلُ بداخلها شيئًا أشبهُ بالنيران، اقتربت أكثر وقالت بصوتٍ منخفضٍ لكنَّه مشحونًا بالحدَّة:
- أرسلان، ملك دلوقتي مش أختك... مينفعشِ التقارب ده..متنساش إنَّها كانت ممكن تبقى مراتك بعد كلام عمُّو، والصراحة أنا بقيت أضَّايق منها...مش عايزاها تقرَّب منَّك، قلبي بيقولِّي إنَّها بقت بتبصلك بطريقة مش بريئة..مش عايزة القرب دا..
لحظاتٍ محاولًا السيطرةَ على ذاته، إلَّا أنَّها غضبت من جهله، فدنت أكثر حتى تلامست أجسادهم:
-مش عايزة أيِّ اختلاط تمام، مش هستنى لمَّا حضرتك تتجوِّزها، تغيَّرت ملامحهِ فجأة، وابتسامةٌ خفيفةٌ تلاشت لتحلَّ محلَّها برودةٌ صارمة..اقتربَ منها بخطواتٍ بطيئةٍ لكنَّها ثقيلة، حتى تراجعَت خطوتينِ دون وعي، أمسكَ ذراعيها بحزمٍ وصوتهِ خرج هامسًا لكنَّهُ يحملُ تهديدًا مبطَّنًا:
- أنا ممكن أتغاضى عن أيِّ حاجة إلَّا إنِّ حد يدخل بيني وبين أختي..دي أختي، فاهمة؟ مش قلبك اللي بيقولِّك يا مدام...ده شيطانك..وأنا قولت لك قبلِ كدا أهدِّ الدنيا علشان دموعك، مش علشان أقهرك..
تركَ ذراعيها وغادرَ بخطواتٍ واثقة، تاركًا إياها متسمِّرةً في مكانها، متخبِّطةً بين الغيرةِ والخوف..
قابلتهُ صفية بابتسامةٍ دافئة:
- حبيبي، الغدا جاهز..هات مراتك وتعال..
حملَ أشياءهِ بهدوء، متجاهلًا نظراتِ والدتهِ الحانية، ثمَّ تنفَّسَ بعمقٍ قبل أن يردَّ بهدوءٍ يشوبهُ الغضب:
- آسف يا ماما، بس أنا هتغدَّى مع ميرال بنتِ عمِّي، وعدتها من إمبارح..عندها مشاكل مع إلياس، ومينفعشِ أسيبها لوحدها.
ربتت صفية على ذراعهِ برفق، وبعينينِ مليئتينِ بالطمأنينةِ وهي تقول:
- إن شاء الله كلِّ حاجة هتكون كويسة، اهدى وربِّنا يسعدك يا حبيبي.
ابتسمَ ابتسامةً صغيرة، وقبَّلَ جبينها بحنانٍ مردفًا:
ربِّنا يخلِّيكي ليَّا ياستِّ الكل..قاطعتهم ملك بدخولها المفاجئ، تشيرُ إلى فستانٍ أزرقٍ قصيرٍ يصلُ إلى فوقِ الركبة، ملامحها تعكسُ مزيجًا من الحماسِ والسعادةِ وهي تقول:
-إيه رأيك يا أرسو؟ لسه شارياه قريب، عارفة إنَّك بتحبِّ اللون الأزرق..
تأمَّلها للحظة، ثمَّ اقتربَ منها وقرصَ وجنتيها بحنانٍ كما اعتادَ أن يفعل، وهتفَ بنبرةٍ تحملُ عتابًا خفيفًا:
- بس لو طويل هيكون أحلى وأجمل على أميرتي.
مطَّت شفتيها بتذمُّرٍ طفولي، ونقلت نظرها إلى والدتها قائلةً بصوتٍ مليءٍ بالاستياء:
- طبعًا، هتقولي قولت لك قبلِ كده، صح يا ستِّ ماما؟
ضحكت صفية بهدوءٍ وهي تهزُّ رأسها، بينما أرسلان اكتفى بابتسامةٍ صغيرة، ومازال حديثُ غرام يؤلمُ قلبه..
بعد فترة، وصلَ أرسلان إلى منزلِ ميرال، كانت غارقةً مع طفلها وهي تداعبهُ وتقبِّلُ قدميه، تهمسُ له:
-حبيب مامي إمتى تكبر بقى، مرَّرت أناملها على وجههِ كأنَّها تنحتُ تفاصيلهِ الصغيرة، انحنت تستنشقُ رائحتهِ بوله، تطبقُ على جفنيها، مستلذَّةً برائحتهِ التي تشبهُ المسك، رفعت يدهِ الصغيرة، وهمست بنبرةٍ سعيدة:
-أموت أنا في ريحته ياناس، تعرف إنتَ اللي مصبَّرني على الدنيا دي، وكمان على قسوة باباك، بابا اللي بيقولِّي هتجوِّز، طيب خلِّيه يعملها كدا، وحياتك عندي لأعرَّفه الجنان بحقِّ وحقيقي، ماصدَّق قولت له كلمتين، ماشي يابنِ فريدة، صمتت متذكرة يزن،
ابتسمت وذهبت بذاكرتها بحديثهِ معها، باليومِ التالي من معرفتها به، اتَّجهت إلى فريدة:
-ماما فريدة أنا فعلًا ليَّا أخ اسمه يزن؟..
على الجانبِ الآخرِ أجابتها فريدة بصوتٍ مكتومٍ بالحزن:
-أيوة حبيبتي، بس إلياس مكنشِ يعرف إلَّا من قريب.
صمتت ميرال للحظات، وتجمَّدت الكلماتُ على شفتيها، تخشى حقيقة جديدة قد تهزُّ كيانها. تردَّدت للحظة، ثمَّ همست بصوتٍ مكسور:
"ورؤى كمان بتكون..."
توقَّفت وخانتها الحروف،و نيرانُ الغيرة والحزنِ تلتهمُ قلبها بصمت، كلَّما تذكَّرت حديثها وقربها من زوجها..شعرت فريدة بما يدورُ في داخلها فتنهَّدت وقالت بنبرةٍ حنونةٍ محاولةً تهدئتها:
- حبيبتي، هاتي يوسف وتعالي شوية. الولد وحشني جدًا، بس...
- عمِّك مصطفى تعبان.
انتفضت ميرال من مكانها، وملامحُ وجهها تملؤها القلق:
- مالُه عمو مصطفى؟
خرجت فريدة من غرفتها متَّجهةً إلى الحديقة، ومازالت تهاتفها بنبرةٍ هادئة:
يوم ما كنَّا عندك، وإلياس قال إنُّه في المستشفى، كان مصطفى اللي تعبان، لكنُّه ما حبش يقلقنا.
ازدادت نبضاتُ قلبِ ميرال، وسألت بتوترٍ وهي لا تستوعب:
- ليه يا ماما؟ إيه اللي حصل لعمُّو مصطفى؟
تنهَّدت فريدة قائلة:
- قالوا إنَّها حالة تسمُّم...لكن، حاسة الموضوع أكبر من كده.
شعرت ميرال بقبضةٍ في قلبها، وازدادت عيناها قلقًا، ثمَّ قالت:
- أنا جاية حالًا أشوفه، وهجيب يوسف معايا.
ابتسمت فريدة بخفَّةٍ لتطمئنها وقالت:
- تعالي يا حبيبتي، أنا مستنياكي.
أغلقت فريدة الهاتف، شردت بما يفعلهُ إلياس، وقعت عيناها على يزن وأرسلان يتَّجهانِ نحوها في الحديقة، نهضت من مكانها وتوجَّهت نحوهما بخطواتٍ ثابتة، ثمَّ طالعتهما بابتسامةٍ مليئة بالحنان.. التفتت إلى يزن أولًا، وقالت:
أهلًا يا حبيبي، حمدَ الله على سلامة أختك.
أومأ يزن برأسهِ شاكرًا، وقال بصوتٍ بدا فيه بعض القلق:
- كنت بحاول أتَّصل بإلياس، لكنُّه مش بيرد.
نقلت فريدة نظرتها إلى أرسلان بحيرةٍ وسألته:
-أنتم جايين مع بعض؟
هزَّ أرسلان رأسهِ نافيًا، وأشارَ إلى يزن بابتسامةٍ خفيفة:
- قابلته على الباب، حضرة الظابط قايلُّه ما يروحشِ لميرال من غيره.
ابتسمت فريدة وربتت على كتفِ يزن قائلةً بصوتٍ يطمئنه:
-ميرال كلِّمتني وقالت إنَّها جاية..ادخلوا واشربوا حاجة لحدِّ ما توصل.
وصلت ميرال بعد فترةٍ قصيرة، تحملُ طفلها بين ذراعيها، كانت عيناها تمشطانِ المكانَ تبحثُ عن متيَّمِ قلبها، ولكن توقَّفت عند أرسلان، الذي فتحَ ذراعيهِ فور رؤيتها وقال بابتسامةٍ واسعة:
"حبيب عمُّو جه!"
خطا نحوها وأخذَ الطفلَ بين ذراعيه برفق يلاعبهُ بحبٍّ صادق..أما ميرال، فوقفت في مكانها للحظات، تحدِّقُ بأرسلان بابتسامةٍ على تعلُّقهِ بيوسف، التفتت بعينيها نحو فريدة، وقع نظرها على يزن يراقبها بصمت..توقَّفت نظراتهما عند بعضها البعض، وكأنَّهما يعيشانِ حديثًا لم ينطق به أيٍّ منهما.
شعرت ميرال بفيضٍ من المشاعرِ المتضاربة، غضب، حزن، حيرة، وحتى شوقًا دفينًا لم تستطع إنكاره، حاولت أن تبدو ثابتة .. إلى أن كسرت الصمتَ بابتسامةٍ باهتة وجَّهتها إلى فريدة، قائلةً بصوتٍ منخفض:
"جبت لك يوسف يانَانَا"
ردَّت فريدة بابتسامةٍ حانيةٍ وهي تأخذُ الطفلَ بحبٍّ من أيدي أرسلان:
"حبيب نانا"
اقتربت ميرال من يزن، لم تكن تدركُ ما الذي يجبرُ قدماها على الاقترابِ منه، لكنَّها بسطت كفَّيها أمامه محاولةً أن تبدو متماسكة، رغم نبضاتِ قلبها المضطربة..ورسمت ابتسامةً باهتةً وقالت بصوتٍ خافت:
أهلًا يزن، أنا ميرال...معرفناش نتكلِّم يومها.
رفعَ يزن عينيهِ نحوها، وملامحهِ حملت مزيجًا من الحبِّ ، استنكرَ كفَّها واحتضنَ وجهها ثمَّ
تمتمَ بصوتٍ عميقٍ وهادئ:
هوَّ فيه أخت بتسلِّم على أخوها بالإيد كده؟
ارتبكت ملامحها، وارتفعت نظراتها المضطربةِ نحو أرسلان الذي أومأ لها، ثمَّ نظرت إلى فريدة التي وضعت يدها على كتفها:
- سلِّمي على أخوكي حبيبتي.
هزَّت ميرال رأسها ببطء..
-أيوه، واللهِ يا بنتي، دا أخوكي..حتى عمل تحليل من ورانا...ابنِ راجح الذكي.
قهقهَ أرسلان بصوتٍ عالٍ وهو يصفقُ بيديهِ ضاحكًا:
-حقيقي، اعتراف منِّي...معامل مصر كسبت من ورا الزنديق راجح! يارب ما أدخل المطبخ ألاقي حدِّ خارج من الحلَّة يقولِّي أنا ابنِ راجح.
أطلقت فريدة ضحكةً صغيرة، بينما اتَّسعت ابتسامةُ ميرال رغم دموعها، وهي تلتفتُ نحو يزن، الذي جذبها إليهِ يحتضنها بقوَّة.
انسابت دموعها بصمتٍ على كتفه، وهي تشعرُ بأحاسيسَ متضاربة بين الحنينِ والرهبة، حتى انتفضت على صوتٍ غاضب :
- إيه اللي بيحصل هنا؟
استدارَ الجميعُ على صوتِ إلياس واقفًا عند المدخل، يطالعهم بنظراتٍ مشتعلةٍ تنتقلُ بين يزن وميرال، وصلَ أمامها ينظرُ إليها بحدَّة وقالَ بلهجةٍ صارمة:
خرجتي من غير إذني ليه؟ دا تفاقنا..
حاولَ يزن التدخُّلَ واقتربَ خطوة، بابتسامةٍ لم تفارق وجههِ قائلاً:
-هيَّ جت تشوف أخوها ياإلياس، وبعدين دا بيت والدك..مش حدِّ غريب.
رمقهُ إلياس بنظرةٍ باردةٍ قبل أن يردَّ بصوتٍ حاد:
- هوَّ أنا طلبت منَّك تجاوب مكانها؟
جزَّ يزن على أسنانهِ وحاول السيطرة ليكتفى بتثبيتِ نظراتهِ الواثقةِ على إلياس، ثم اقتربَ من ميرال، وضعَ يدهِ على كتفها كأنَّهُ يثبت لإلياس أنه اخته نفسه..، حاولت ميرال التخفيف من حدة التوتر لتقول:
-بعد إذنك ياماما فريدة ممكن أخرج مع يزن شوية، لازم أتعرَّف عليه.
-لأ..قالها إلياس واتَّجهَ بنظرهِ الى إبنه..
-ابني مش هيروح مشاوير مع حد.
اقتربَ يزن من فريدة وحملَ طفلها بين ذراعيه، ثمَّ طبعَ قبلة على جبينهِ و قالَ بثقة:
- ابنك معاك...وأختي معايا، بعد إذنكم.
قالها وسحبها للخارج بخطواتٍ حازمة..
صرخَ إلياس خلفه، يحاولُ اللحاقَ بهما، لكن أرسلان أوقفهُ وهو يبتسم:
- ميرال محتاجة أخوها يا إلياس..خلِّيها تقرَّب منُّه.
توقَّفت ميرال في الخارجِ بجانبِ يزن، وهي تشعرُ بالخوفِ والتردُّد، تعلم إنها تسرعت و لكنَّها لم تستطع إنكارَ شعورِ الدفءِ الذي منحها يزن إيَّاها..نظرت إليه بابتسامةٍ صغيرة، قالت بصوتٍ متقطِّع:
- مش عارفة أقول إيه...بس حقيقي محتاجة أعرفك.
نظرَ إليها يزن بعينينِ مليئتينِ بالحبِّ والأمل قائلاً:
-وأنا كمان بس عايز أكِّدلك هكون جنبك في أيِّ وقت، التفتَ إلى بابِ الفيلا قائلًا:
-شكل حضرةِ الظابط بيغير، لازم نهرب قبلِ مايوصلِّنا..ابتسمت وتحرَّكت إلى أن توقَّفَ أمام دراجتهِ البخارية:
-معنديش عربية سبور زيِّ جوزك، بس عندي دي تنفع؟..
فركت يديها تنظرُ إليه بسعادةٍ وكأنَّ الله أرسلَ إليها عوضَ أيَّامِ كسرها وحزنها، أومأت بابتسامة ...
.. قاطعت شرودها الخادمة، قائلةً بخفوت:
-مدام..أرسلان بيه ومدامته تحت.
أومأت لها وأشارت إليها بالخروجِ قائلة:
-شوية نازلة، روحي إنتي وابعتي هانيا ليوسف.
-حاضر يامدام ..بالأسفلِ عند أرسلان
خطا إلى الداخلِ بخطواتٍ واثقة، عيناهُ تتفحصانِ المكانِ بعناية، اتَّجهَ إلى الصالونِ الذي يحملُ عبقَ الفخامةِ والهدوء، أخرجَ سيجارةً من جيبهِ وأشعلها، ينفثُ دخانها..ابتسمَ بخبثٍ وهو يقتربُ من إحدى الكاميرات، يحدِّقُ فيها، قاطعهُ صوتَ خطواتٍ ناعمةٍ على الدرج..استدارَ أرسلان ليجدها تقتربُ منه بخطواتها الهادئةِ ووجهها يشعُّ دفئًا وحنانًا، ابتسمَ لها بعفويةٍ قائلًا:
"هلِّ هلالك يا جميل..."
رفعت ميرال حاجبيها بمزاحٍ وهي ترد:
أخدت عليَّا بسرعة يا سيادةِ الظابط المتسلِّط.
ضحكَ بمرح، ثمَّ مدَّ يدهِ بخفَّةٍ إلى كفَّيها، وجذبها نحوهِ بحركةٍ مفاجئة..أدارها وكأنَّهما يرقصانِ على موسيقى خفية، بينما يعلِّقُ بابتسامةٍ لا تخلو من الإعجاب والمكر:
إيه الجمال ده يا ميرو؟ لا لا، أنا غيران عليكي من البأفِ أخويا، معرفشِ متجوِّزاه ليه، كانت غرام تراقبُ المشهدَ من بعيد، عيناها تفيضُ بمشاعرَ مختلطةٍ بين الحزنِ والغيرة..قلبها كان يصرخ، لكنَّها كبحت صوتهِ بداخلها..تقدَّمت ببطءٍ وخطواتٍ مثقلةٍ بما لا تستطيعُ البوحَ به من تجاهلهِ وقالت بهدوءٍ حاولت أن تجعلهُ طبيعيًا:
إزيك يا ميرال؟
استدارت ميرال مبتسمةً على الفور، وضمَّتها بحرارةِ الترحيب:
أهلا حبيبتي! إزيك؟ وحشتيني.
وقعت عيناها نحو ملك، التي كانت تقفُ بجانبِ أرسلان، وملامحُ الخجلِ تزيِّنُ وجهها..أشارت ميرال إليها باهتمام:
مين الجميلة دي؟
تحرَّكَ أرسلان نحوها بحماس،و أمسكَ كفَّها بحنانٍ وأردفَ بابتسامةٍ واسعة:
- دي ملاكي الصغير...ملوكة قلبي، أولى جامعة سياسة واقتصاد، الجامعة البريطانية..مش كدا يابتِّ ياملوكة!
ابتسمت ميرال وهي تشيرُ إلى أرسلان بمزاحٍ رقيق:
إزاي ده أخوكي؟ شكلك كيوت أوي... وهو...
قاطعَ حديثهم صوتُ غادة وهي تدخلُ بصخب، يتبعها إسلام وهو يردفُ بروحِ المزاح:
- أنا جييييت يا ميرو، أنا جيت يابت..
استدارَ أرسلان ببطءٍ نحو إسلام، وطالعهُ بنظرةٍ حادَّةٍ ومليئةٍ بالسخرية:
-جالنا حرامي الغسيل أهو، ناقص يزن، وإلياس يزرع قنبلة فينا
ردَّ إسلام بضحكةٍ ساخرة، وهو ينظرُ إليه نظرةَ تحدٍّ:
أهلًا، هوَّ إنتَ هنا؟ كنت بقول الدنيا حرّ ليه..انا لو مكانه هطخك عيارين انت والبارد التاني
لكن فجأة، توقَّفَ إسلام عن الكلام، عندما تعلَّقت عيناه بملك، وكأنَّهُ رأى شيئًا خارجًا عن المألوف..رمقها بنظرةٍ طويلةٍ قبل أن يقولَ بدهشة:
- مين حورية البحر دي؟
تحرَّكَ أرسلان بسرعة، وكأنَّهُ يحمي ملك من نظراتِ إسلام، فطوَّقها بذراعه، مشيرًا نحو إسلام برأسهِ بنبرةٍ صارمة:
- ابعد ياله عينَك عليها؟ دي ملاكي أنا.
رفعَ إسلام حاجبهِ بابتسامةٍ متهكِّمة:
- أومال فين حبيب الروح اللي كنت قارفنا بقصِّة عشقكم؟
هنا شعرت غرام وكأنَّ كلماتَ إسلام طعنةٌ كسهمٍ أطلقهُ أرسلان بلا مبالاة. تراجعت بخطواتٍ بطيئةٍ إلى الحديقة، عندما شعرت بقلبها لم يعد يحتمل..
جلست على مقعدٍ خشبيٍّ وسط الزهور، يدها تمسحُ دمعةً خانتها رغمًا عنها.. نظرت إلى السماءِ تهمسُ لنفسها بصوتٍ مكسور:
-كدا ياأرسلان هونت عليك..قالتها وقلبها يئنُّ بصمت، استمعت إلى صوتِ ضحكاتهِ بالداخل، لتغمضَ عينيها وهي تشعرُ بانسحابِ أنفاسها، دقائقَ مع نفسها المكلومة حتى شعرت به يطوِّقُ جسدها حينما جلسَ بجوارها يجذبها لصدرهِ بحنان
-حبيبي بلاش الكلام اللي قولتيه تاني، هزعل منِّك بجد، ملك أختي ياغرام، ومستحيل أتخلَّى عنها، ومش عايز حاجة تحسِّسها إنِّي هبعد عنها، مالهاش غيري...رفعت عينيها التي تلألأت بنجومها مردفةً بصوتٍ مختلطٍ بالبكاء:
-أنا بغير عليك ياأرسلان، مش حقِّي أغير..احتضنَ وجهها وطبعَ قبلةً حنونةً فوق جبينها:
-أنا ملكك، يعني مالوش لازمة الغيرة، عايزك تحبِّيني وبس، تغيري لو إنتِ مش مالية عيوني، لكن إنتِ مالية قلبي وحياتي كلَّها ياحبيبي..انحنى وطبعَ قبلةً على وجنتيها وهمسً بنبرةٍ مثيرة:
"بحبِّك ياروح أرسلان، وبدل قولت الكلمتين دول، تأكَّدي حتى لو شوفتيني وسط أسطول سيدات مفيش ستُّ هتهزِّ عرشي غيرك، تمام حبيبتي..
لمست وجنتيهِ واقتربت تطبعُ قبلةً بجوارِ شفتيه:
"بحبَّك" توسَّعت عيناهُ بذهولٍ وتجمَّدَ جسدهِ قائلًا:
-أقسم بالله إنتِ مش طبيعية، وضعَ كفَّيهِ على جبينها:
-حبيبتي إنتِ مالك بقالك فترة وحاسِّك سخنة، دفنت رأسها بصدرهِ وفجأةً بكت بشهقاتٍ لا تعلمُ مالذي أصابها..وصلت ميرال إليهم متمتمة:
-جايين ليَّا ولَّا تقعدوا مع بعض، لم يستمع إلى حديثِ ميرال، كان كلِّ اهتمامهِ بزوجتهِ وحالتها، أزالت دموعها ونهضت قائلةً وهي تنظرُ إلى ميرال:
-آسفة حبيبتي حسيت عايزة أشمِّ هوا.
سحبتها ميرال وتحرَّكت للداخلِ بخروجِ إسلام إلى أرسلان..
بمنزلِ يزن:
جلسَ على طرفِ فراشِ أخته، ينظرُ إليها بعينينِ مليئتينِ بالحزنِ والأسى، وهي تقصُّ له أحلامها المنزعجة، مرَّرَ أصابعهِ ببطءٍ على خصلاتِ شعرها كأنَّهُ يحاولُ أن يمسحَ بأطرافها ألمَ الساعاتِ القاسية التي مرَّت بها، رفعَ كفَّيها المرتجفينِ وطبعَ قبلةً طويلةً فوقهما، وتمتمَ بصوتٍ منخفضٍ كهمسة حانية:
"نامي دلوقتي وارتاحي...مش عايزك تفكَّري في أيِّ حاجة."
تشبَّثت بكفَّيهِ بقوَّةٍ و عيناها المحتجزتان بالدموعِ تحملانِ من الخوفِ مايجعلُ جسدها ينتفض:
"يزن...متسبنيش...أنا خايفة...خايفة أوي!"
انحنى بجسدهِ نحوها، وهمسَ بصوتٍ دافئ:
"حبيبتي... أنا هنا، مش هسيبك أبدًا. رحيل جاية تشوفك وهتفضل معاكي لحدِّ ما أرجع..فيه حاجة مهمَّة لازم أعملها، لازم أقفل المحضر."
هزَّت رأسها بعصبيةٍ وتمتمت بخوف:
"يزن، أرجوك...وحياتي، متروحش..دول مجرمين هيئذوك"
ربتَ على كتفها برفق، وحاولَ طمأنتها بكلماتٍ حانية، قاطعهم دلوفُ راحيل قائلة:
"عاملة إيه دلوقتي؟"
توقَّفَ يزن عند الباب، يشيرُ إلى رحيل :
"خليكي معاها..أنا رايح أشوف الظابط عايز أقوالها، وأنا مش هسمح إنَّها تروح هناك..هروح أسحب الشكوى، وأقول إنَّها كانت عند صديقتها."
نظرت رحيل إليه بعينينِ مليئتينِ بالتردُّد:
"إيه الكلام ده؟ إنتَ مجنون؟!"
لازم تاخد حقِّ أختك، عجبك حالتها كدا، بقالها اسبوع وهي كدا، ولكنَّهُ استدارَ مبتعدًا..ركضت خلفهِ تمسكُ بذراعه، وكلماتها تتعثَّرُ بين القلقِ والغضب:
"يزن...هتروح فين؟ المحامي في الطريق، وكلِّ حاجة لازم تتعمل الليلة قبل ما راجح يخرج..ما تتهورش، سيب القضية شغَّالة، من إمتى وإنتَ ضعيف كدا!"
أشارَ بيدهِ نحو غرفةِ أخته، صوتهِ صار أكثرَ حدَّةٍ وكأنَّهُ يحاربُ داخلَ نفسه:
"خليكي معاها..أنا هخلَّص اللي لازم يتعمل، اتصلت بالمأذون، وكريم هيجيبه، ما تسبهاش مهما حصل، لحدِّ ما أرجع...مفهوم، كلِّ حاجة بأوانها يارحيل.
في اليومِ التالي عند إلياس، وخاصَّةً في مكتبِ جاسر الألفي:
جلس إلياس على كرسيه، يحتسي قهوتهِ بهدوءٍ مريب، وكأنَّهُ ملكٌ أُعلنَ انتصارهِ حديثًا..عيناهُ تشعَّانِ بثقة، شفتاهُ ترتسمُ عليهما ابتسامةٍ مليئةٍ بالسخرية..حينما دخلَ راجح بخطواتٍ مثقلة، تكسوها رهبةً خفيَّة، لم يرفع عينيهِ على الفور، وكأنَّهُ يُمتِّعُ نفسهِ بلحظةٍ انتظرها طويلاً..
رفعَ راجح عينيهِ نحو الضابط بتوتر، وخرجت كلماتهِ بحدَّةٍ ممزوجةٍ بالعجز:
"أنا مش عايز أقابل حد."
نهضَ إلياس من مكانه، بخطواتٍ واثقةٍ يقتربُ منه، وكالأسدِ الذي يهوى اللعبَ بفريسته:
"تُؤ، يا راجح...إزاي مش عايز الزيارة؟ دا أنا من الفجر بلفّ على المخابز والسوبر ماركت، أجيب لك عيش وحلاوة، أهو!"
اقتربَ راجح أكثر، وصدرهِ يغلي بالغضب، ونطقَ بكلماتٍ كطلقاتِ تحذير:
"ما تفتكرشِ إنَّك كسبت، ياابنِ جمال... ورحمة أبوك، لأخرج لك، وساعتها هعرَّفك مقامك!"
ضحكَ إلياس بصوتٍ عال، صوتًا يحملُ كلَّ التحدي والغرور، وهو يشيرُ نحو الضابط:
"سجِّل، أهو يا جاسر باشا...بيهدِّدني، في أرضِ الحكومة!"
توسَّعت عينا راجح، يحاولُ استيعابَ الموقف، يهزُّ رأسهِ متلعثمًا:
"لا يا باشا، دا كلام بس..أنا ما..."
قاطعهُ جاسر بابتسامةٍ ساخرةٍ وهو يهمُّ بالخروج:
"أنا برَّة علشان تاخدوا راحتكم."
لكن راجح اعترضَ بنبرةٍ عصبية:
"ليه بتحسِّسني إنَّك هتسيبني مع مراتي؟ أنا عايز أرجع الزنزانة."
دفعهُ إلياس بيدٍ قويَّة، حتى هوى على المقعدِ خلفه..واقتربَ منهُ بخطوةٍ حاسمة، ورفعَ سبَّابتهِ مشيرًا إليهِ بقسوة:
"اقعد...لحدِّ ما أخلَّص كلامي…دا أنا مكلِّف نفسي وجايبلك زيارة مخصوص."
رفعَ كيسًا بلاستيكيًا أسودًا، يلوِّحُ به وكأنَّهُ يحملُ بداخلهِ مفاجأةً لا تُحمدُ عُقباها:
"مش جاي فاضي يا راجح...دا أنا جاي أقدِّم لك برائتك..
رفعَ عينيهِ بثقلً وابتسمَ بسخريةٍ مشوبةٍ بالاستفزاز، ثمَّ قالَ بصوتٍ خفيضٍ يكادُ يقطرُ تهكُّمًا:
– لو هتعدم، مش عايز مساعدتك ياابنِ جمال.
مطَّ إلياس شفتيه، وتحرَّكَ في الغرفةِ بخطواتٍ واثقة؛ يدورُ حولهِ كالصقرِ وهو يضعُ يدهِ على ذقنهِ وكأنَّهُ يتأمَّلُ كلماتهِ باستهزاءٍ خفِّي..فجأة، توقَّفَ وجذبَ مقعدًا، جلسَ عليه بثقةٍ وألقى بساقٍ فوق الأخرى..انحنى للأمامِ قليلاً، وصوتهِ يخرجُ مزيجًا من البرودِ والتهكُّم:
– طيب، مش تفتح الشنطة
وتشوف زيارتي يا راجح؟..
وبعدها تبقى تتكلِّم.
تراجعَ راجح في مقعده، كأنَّما يريدُ خلقَ مسافةٍ وهميةٍ يرسمُ لنفسهِ مكانة، ثمَّ انعقدَ حاجبيهِ بغضبٍ مكبوت..تحدَّثَ بصوتٍ متحشرجٍ كمن يحاولُ لملمةَ شظايا كبريائه:
– عارف أنا زعلت عليك لمَّا اتخطفت؟ عارف ليه؟ أصلي ما كنتش عارف بمخطَّط رانيا إلَّا لمَّا مصطفى الحقير، لفَّق لي قضية قذرة، سجنوني وخرَّجوني من شغلي وأنا شريف..شريف ياابنِ جمال..
صمتَ لحظة، ثمَّ تابعَ بصوتٍ أكثرُ قسوة:
– كنت فاكر إنِّ القانون هينصفني، لكن طلعت غلطان..ومن يومها وأنا بحارب الدنيا بدراعي..ولسه حساب مصطفى جاي، ما تفكرشِ إنَّك أو أمَّك أو حتى مصطفى هتفضلوا بعيد عنِّي..يومين بس وهطلع من هنا، وهطلعلكم كلُّكم.
احتدَّت ملامحهِ فجأة، وارتفعَ صوتهِ كأنَّهُ يريدُ استفزازه:
– بس وحياة رحمة أبوك، لو كنت أعرف إنُّه كان ورا كلِّ ده، كنت دفنته يوم ما بعت له ناس يخوِّفوه علشان يطلَّق فريدة، وقتها الرصاصة ما خرجتش، بس أوعدك، ياإلياس، المرَّة الجاية...
لم يُكمل جملته، حتى انقضَّ عليه إلياس كالإعصار، ممسكًا بياقةِ قميصهِ بشدةٍ جعلت أزرارهِ تتناثرُ على الأرض..وعيناه جمرتينِ مشتعلةٍ بنيرانِ الغضبِ، وهدرَ بصوتِ فحيحٍ أعمى اخترقَ أذنيه:
– قرَّب منُّه تاني يا راجح، وشوف أنا هعمل إيه..ورحمة أبويا اللي ما شفتش منُّه غير قبره، هحفر قبر مخصوص ليك وأدفنك حيّ فيه فاهمني؟
حاولَا راجح أن يتنفَّسَ بصعوبة تحت قبضته، ولم ينبس ببنتِ شفة..زادت حدَّةُ صوتِ إلياس كالسيفِ الذي يقطعُ الهواءَ قائلًا:
– قدَّامك مثلث مرعب يا راجح..أولهم أمِّي..ودي نظرة منَّك بالغلط ليها، هخليك تندم إنَّك اتولدت..تانيهم مراتي وابني.الدنيا كلَّها في كفَّة، وهمَّا الاتنين في كفَّة، والتالت أبويا وأخويا..لو فكَّرت بس تقرَّب من اسمهم، هقرقشك بأسناني قبل ما أرميك لأسد جعان ينهش فيك.
دفعهُ بقوَّة، فسقطَ راجح على الأرضِ مع المقعدِ الذي انقلبَ من تحته..وقفَ إلياس مستقيمًا، وبدا كأنَّهُ يستعيدُ هدوءهِ في لحظةٍ ثم نظرَ إليه باحتقارٍ وقال بنبرةٍ حادَّة:
– لو بإيدي أغيَّر دمِّنا اللي بيجري في عروقنا، كنت عملتها..ولو بإيدي أعلَّقك في ميادين مصر عشان تكون عبرة، ما كنتش هتأخَّر لحظة.
دار حولهِ ببطءٍ كصيَّادٍ يتلاعبُ بفريسته، ثمَّ انحنى فجأةً وأمسكَ بتلابيبهِ ليجبرهُ على الوقوف..دفعهُ بعنفٍ نحو الكيسِ الأسود، ثمَّ فتحهُ وأفرغَ محتوياتهِ على الأرض..تساقطت أقراصٌ مدمجةٌ وصورٌ بائسة، تكشفُ عن حياتهِ القذرة.
ارتعشت عينا راجح للحظةٍ وهو ينظرُ إلى الملقاةِ على الأرض، ثمَّ رفعَ رأسهِ ببطء، يتظاهرُ بالقوَّة، لكن صوتهِ خرجَ متحشرجًا:
– عايز إيه ياابنِ جمال؟
جلسَ إلياس على المقعدِ ببرود، وأشعلَ سيجارته، ينفثُ دخانها ببطءٍ وقال بهدوءٍ قاتل:
– الورق اللي اتسرق من مكتبي..كلِّ اللي كان على الجهاز، وتقولِّي مين اللي دخل وأنا مش موجود.
أطفأ سيجارتهِ فجأةً على حافَّةِ الطاولة، ثمَّ انحنى نحوهِ ليهمسَ بصوتٍ خفيضٍ كالسيف:
– مين الخاين اللي عندي يا راجح؟ وعد منِّي لو جبت لي الحقيقة ومعاها المستندات، هتنازل عن القضية.
ابتسمَ راجح بسخريةٍ واهية، محاولًا التمسَّكَ بآخرِ خيوطِ كبريائه:
– ولو رفضت؟
أشار إلياس ببرود إلى الأقراصِ الملقاةِ على الأرض، ثمَّ نظرَ إليهِ وقال بضحكةٍ لا تخلو من الاحتقار:
– دا لو كنت لوحدك يا راجح..لكن معاك مراتك النجسة دي، اللي علِّمتك القرف كلُّه..يااأخي حتى في الزبالة طلعت فنان...إعدام ياراجح، دي خيانة وارهاب، همس له وقتل قادة
اقتربَ منه بخطواتٍ ثقيلة، وصوتهِ يتسلَّلُ كالنصلِ البارد في الظلام:
– أنا مش هنا بساومك..أنا هنا أفكَّرك إنَّك في ملعب الكبير..لو الروس دول عرفوا حقارتك مع نسوانهم شوف هيعملوا فيك إيه، نظرَ إليه بعينينِ خاوية واستطردَ دون نقاش:
-أولًا تنازل منَّك عن علاقتك بميرال، ثانيًا ترجَّع اللي سرقته من مكتبي، ثالثًا ودا الأهم تنزِّل خبر حلو منَّك كدا على الكلام اللي قولته للصحفيين إنِّ ميرال بتكون بنتك المخطوفة من سنين، بلاش تلعب معايا ياراجح علشان هطفَّحك الدم، وفيه مفاجأة هتعجبك بس لمَّا تخرج.
-أنا معرفشِ مين الخاين في مكتبك، واحد بس اللي يعرف، لو مش مصدَّق إنتَ حر، عايز الورق بكرة يكون عندك والأصل وكلِّ حاجة، تكذيب خاص بميرال وقت مااخرج، فيه حاجة تانية ياإلياس باشا..
اقتربَ منه يهزُّ رأسهِ قائلًا:
-أه..عايز أعمل كدا..قالها وهو يدفعهُ بقوَّةٍ على الحائطِ لتُصدمَ رأسهِ بحافَّةِ الجدارِ حتى صرخَ متأوِّهًا بدخولِ جاسر مفزوعًا، نظر جاسر إلى راجح يهزُّ رأسهِ رافضًا مافعله:
-دا اتفاقنا ياإلياس..نفضَ كفَّيهِ كأنَّهُ لمسَ شيئًا بذيئًا، وأشارَ عليه:
-عايزه انفراد لو سمحت، لحدِّ ما يجيب الحاجات اللي سرقها، خلِّيه يتواصل قبل جلسة بكرة، والمحامي هيكون هنا على ساعتين كدا، اتَّجهَ إلى ذلك الكيسِ الملقى على الأرضيةِ، وجذبَ منهُ شيئًا من فوقِ الأرضِ ثمَّ اقتربَ منهُ وانحنى يستندُ على ركبتيه:
-ألف سلامة عليك ياراجح، رفعَ مابيدهِ أمامه وابتسمَ ساخرًا:
-شايف دي، أنا حبِّيت أقدمها لك هدية، رفعَ رأسهِ إلى جاسر وقال:
-ممتنّ لحضرتك ياجاسر باشا، صورة تذكارية وحياة راجح عندك علشان تكون تذكار حلو.
ضيَّقَ جاسر عينيهِ جاهلًا حديثه، اقتربَ بعدما أخرجَ هاتفهِ وبسطَ يدهِ إليه:
-صورة ياجاسر باشا تذكار من راجح بيه..وقعت أعينُ جاسر على تلك التي يحملها بين أناملهِ فقطبَ جبينهِ متسائلًا:
-ايه دا ياإلياس؟..رفعها بضحكاتٍ مرتفعةٍ وتمتمَ بسخرية:
-شهادة تقدير منِّي لراجح باشا على إنجازه معنا، أومااال دا تعب هوَّ والمدام علشان يوصَّلونا لأماكن مرموقة، جذبهُ من عنقهِ كاللصِّ وحاوطَ أكتافهِ قائلًا:
-اضحك ياراجح علشان الصورة تطلع حلوة، بعدما ألبسه طرحة من اللون الأحمر، مع خلعه لقميصه، ليظل بثيابه الداخلية، حدجه بنظرة مستمتعة، وغمز إلى راجح
-اضحك علشان الصورة تطلع حلوة، ثم ألتفت إلى جاسر، ماتصوَّر ياباشا علشان مصر كلَّها تعرف إن راجح اتكرَّم منِّي بشهادة تقدير.
بفيلا السيوفي..
نهضت بعدما أنهت صلاتها، استمعت إلى طرقاتٍ على بابِ غرفتها، دلفت الخادمة إليها:
-مدام فريدة فيه واحد اسمه زين تحت.
-زين..ردَّدتها بخفوت، ثمَّ توقَّفت متَّجهةً للأسفل تسألُ الخادمة قائلة:
-مش قالِّك زين إيه؟..
بمنزلِ رؤى..
استمعت إلى رنينِ الباب، فشعرت بشيءٍ غريبٍ في قلبها، توجَّهت نحو المرآةِ بعينينِ متوترتين، ثمَّ نظرت إلى الخادمةِ وقالت بصوتٍ حاد، لكن محمَّلًا بالقلق:
استني، أنا هفتح..قالتها وتحرَّكت نحو الباب، ابتسامتها لا تُخفي التوترَ الذي يعصفُ بقلبها..حين فتحته، دخل إلياس دون أن يعيرها أيِّ اهتمام، كانت خطواتهِ ثقيلةً وكأنَّها تدقُّ في صدرها..التفتَ حولها وعيونهِ تُحدِّقانِ في كلِّ مكان؛ وكأنَّما يبحثُ عن شيء ثمَّ تمتمَ بصوتٍ منخفض:
اجهزي، هاخدك مشوار..قطبت جبينها، قلبها ينبضُ بسرعةٍ ونظرتها مليئةً بالقلق:
هنروح فين؟ نظرَ إلى ساعتهِ بنظرةٍ قاطعة، ثمَّ رفعَ نظرهِ إليها نظرةً جافَّةً تمامًا:
هترغي كتير أنا مش فاضي، خلَّصي وأنا هستناكي بعربيتي، ثمَّ تحرَّكَ مغادرًا، خطواته كانت كالعواصفِ في ذهنها، بعد فترةٍ توقَّفت السيارةُ أمام حديقةِ منزلِ ميرال، وعيناها تتبعانهُ في صمتٍ شديد، شحُبَ وجهها و همست بصوتٍ مختنق:
:- إنتَ جايبنا عند ميرال ليه؟! ترجَّلَ من السيارةِ وعينيهِ تتَّسمُ بالبرود، ثمَّ أشارَ إليها بعنف:
انزلي، مش عايز أسمع كلام كتير..دقائقَ قليلة وكانا داخلَ المنزل، اقتربت الخادمةُ منهم بخطواتٍ حذرة:
المدام نازلة ياباشا، بتنيِّم البيه الصغير.
أشارَ إلي رؤى بنظرةٍ غامضة:
هطلع أشوف ابني، ومراتي، دنا يهمسُ لها بنبرةٍ خطرة:
-ميرال مش مراتي بس، دي النفس اللي بتنفِّسه، عارفة لو نظرة بس وجعتها.. صدَّقيني هتتمنِّي الموت، قالها وتحرَّكَ بعض الخطواتِ ثمَّ التفتَ إليها:
-لو اتحرَّكتي من مكانك هجيبك، وماتلوميش غير نفسك.
صعدَ درجاتُ السلمِ بخطواتهِ السريعة، ودقَّاتهِ العنيفة، يريدُ رؤيتها بقوَّة، لايعلم إذا كان سيعاقبها على خروجها مع يزن، وضحكاتها وقربها من أرسلان بتلك الطريقة، أم يضمُّها لأحضانه، يشبعُ روحهِ الغائبةِ بها، أسئلة كادت أن تطيحَ بقلبه، كيف وصلت وتسلَّلت إليه حتى أصبحت الحياةُ والموت بنفسِ الوقت، فتحَ البابَ فجأةً ليصطدمَ بخروجها، تلاقت أعينهم للحظاتٍ ليعجزَ كلاهما عن التعبيرِ عن ما بداخلهما:
- إلياس، بتعمل إيه هنا؟ أنا نازلة، دفعها إلى الداخلِ بقوَّة،، ثمَّ هدرَ بصوتهِ العميقِ حتى يخرجَ من لحظةِ اشتياقه لها:
- ليه مابترديش على تليفونك؟ تنهَّدت بصعوبةٍ شديدةٍ تحملُ عبئًا لا يُطاق، ثمَّ رفعت عينيها إليه تطالعهُ بعينينِ مليئتينِ بالحزنِ واللومِ والاشتياق:
وأنا مش عايزة أكلِّمك..مش شرط كلِّ مرَّة تتِّصل فيها أرد عليك..لفَّ ذراعيهِ حول خصرها بقوَّة، كما لو كان يحاولُ أن يخنقَ كلماتها قبل أن تخرج، همسَ بفحيحٍ يخفي وراءهِ اشتياقهِ الكامنِ بضرباتِ قلبهِ المرتفعة:
- أنا خلقي ضيِّق يابنتِ فريدة، متخلينيش أفقد أعصابي عليكي..شهرين عدُّوا وإحنا في أشهرِ الحرم، متخلينيش أرتكب جريمة فيهم..تهكَّمت على كلماته، ثمَّ تمتمت بسخريةٍ مدمِّرة، وهتفت بصوتٍ يخرجُ بمرارةٍ لا تُوصف:
- وإنتَ بيفرق معاك أشهر حرم ولَّا غيره؟ دا لو رايح تحج وقالولك اقتل عدوَّك مش هتسكت..لوى فمهِ بابتسامةٍ ساخرة:
- تصدَّقي صح..وأهو داخلين على رمضان، يبقى أطلَّع عليكي صدقة.
-صدقة ياإلياس..نغزهُ قلبهِ من كلماتها وأفعالها..
-مش أنا اللي وصَّلتك لكدا.
-ولا أنا يابنِ عمِّي..قاطعهم طرقاتُ الخادمة:
- الباشمهندس يزن تحت يا مدام.
التفتَ إليها، يتسائلُ بدهشة:
- مين؟
يزن جه إمبارح وأنا مكنتش موجودة، أكيد جه يطمِّن عليَّا وعلى يوسف.
- أيوة صح، لازم يطَّمن على يوسف..طيب انزلي اطمِّني على أختك، رؤى تحت، اتعاملوا مع بعض.
قالها وهو يدلفُ للداخل، أمسكت ذراعهِ بشدَّة، وكأنَّها تمنعهُ من الدخول
بصوتٍ مليءٍ بالألم:
- إنتَ رايح فين؟ أشارَ إلى الغرفةِ بنظرةٍ قاسية:
هنام شوية، لمَّا تخلصوا المسرحية بتاعتكم يا أولاد راجح.
نظرت إليه بعينينِ غاضبتين، ثمَّ هتفت بصوتٍ يختنقُ من الغضب:
- تنام فين؟ دا بيتي وسريري..إنتَ مجنون! امشي اطلع برَّة، مش معنى إنِّي بخلِّيك تشوف ابنك يبقى هتدخل براحتك. جذبها من كنزتها الحريريةِ بقوَّة، حتى تطايرت أزرارها وكادت أن تتمزَّق، لم يشعر بنفسهِ وهو يدفعها للداخل، بعينيهِ المشتعلة:
- كنتِ بتقولي إيه؟ سمَّعيني كده.
اقتربت منه غضبها يشتعلُ أكثر فأكثر، دفعتهُ بعنفٍ وعيناها مليئةً بالغيرة:
-"جاي ليه؟ روح اتجوِّز، إنتَ مش عايز تتجوِّز، يا اللي رسمت لي القمر والشمس، وقلت أشعار في الحب..يا كذاب، إنتَ واحد كذاب ياإلياس!"
كانت كلماتها أشبهُ بسياطٍ جلدتهُ بها بلا رحمة، لكنَّها لم تكن سوى لألمٍ عميقٍ سكنَ قلبها، ارتجفَ صوتها مع عيناها وهي تطالعهُ غاضبة، غضبها الذي لم يكن إلَّا غطاءً هشًّا لشوقٍ قاتلٍ وحبٍّ حُكمَ عليه بالموت.
اقتربَ منها كعاصفةٍ مكبوتة، أراد أن يصرخَ بها، أن ترحمَ ضعفهِ وكبريائهِ الذي أصبحَ هشًّا أمامها، ورغمَ ذلك صاح:
"اخرسي!" قالها و داخلهِ بركانًا ثائرًا، من مشاعرَ لم يعد يستطيعُ السيطرةَ عليها، وألمٍ بقلبهِ أشدَّ من أن يتحمَّله..
-أخرس!! مش دي الحقيقة، لكمتهُ بصدرهِ بقوَّةٍ متناسيةً أمرَ كنزتها التي فُتحت بالكاملِ أمام عينيه، ناهيك عن خصلاتها التي غطَّت وجهها من كثرةِ انفعالاتها وبدأت تبكي بانهيار.
-بتقولي هتجوِّز، ماصدَّقت قولت لك كلمتين من ضيقي، يابتاع الحبِّ ياكذاب.
كفى لقد طفحَ ِكيله وضَعُفت استغاثةَ قلبه، فلم يعد لديهِ قدرةً على التحمُّل.
في لحظةٍ غير مدركًا فعلته، جذبها إليهِ بعنفٍ وقبل أن تبتعد، وجدَ نفسهِ يلتهمُ شفتيها في قبلةٍ لم تكن مجرَّدُ لمسة، بل كانت عاصفةٌ اجتاحت كيانهما معًا.
لم يكن في تلك القبلة سوى الحقيقة، حقيقةُ أن يثبتَ لها وله أنَّ حبَّها يسكنُ أعماقه..
ارتجفَ جسدها كزهرةٍ في مهبِّ الريح، حاولت التمسُّكَ بما تبقَّى من كبريائها؛ لكن سيطرتهِ بدفءِ أنفاسهِ من قبلتهِ الهالكةِ وكلماتهِ غيرُ المعلنةِ جعلها تنهارُ بين ذراعيه، ولم تشعر وهي تحيطُ عنقه، تثبتُ له أنَّها لا تريدُ الابتعاد.
نسيت كلَّ شيء، كلَّ كلماتها الجارحة، كلَّ عتابها، كلَّ لحظةٍ شعرت فيها بالخذلان.. لم يتبقَ في هذه اللحظة سوى شعورٍ واحد..أنَّها بين يدي عشقها.
رئتاها استسلمتا قبل جسدها، وأنفاسها تسارعت حتى شعرت أنَّها سُلبت منها.. شعرَ بانهيارها بين يديه، فابتعدَ فجأة، رغم احتياجهِ الكاملِ لبقائها.
تراجعت بأنفاسها المتقطِّعة، هنا شعرت وكأنَّها بين الحياةِ والموت، أغمضت عيناها بضعف، لا تريدُ أن تُسلبَ لحظاتها الجميلة.
أمَّا هو، فقد استدارَ عنها، عازمًا على كبحِ هذا الشوقِ الذي كاد أن يلتهمه..بدأ يسبُّ نفسهِ على ضعفهِ وانهيارهِ أمامها، حاولَ الثباتَ وهتفَ وكأنَّ شيئًا لم يكن قائلًا:
"غيَّري وانزلي تحت" قالها بصوتٍ قاسٍ، لكنَّهُ كان يُخفي خلف كلماتهِ مشاعرَ لا حصرَ لها، أكملَ بجفاء:"ولمِّي شعرك مش عايزه مفرود قدَّام حد مهما كانت صلةِ القرابة، وإياكِ تقربي من يزن وارسلان واسلام!"
كلماتهِ اخترقت نعيمَ قلبها السعيد بسعادة من غيرته المجنونة..ورغم ذلك لم تجبه، استدارت ببطءٍ نحو غرفةِ الملابس، خطواتها متثاقلةً تتمنَّى أن يغفرَ لها ولكن ليست الأماني بالتمنِّي.
دلفت للداخل، وقفت أمام المرآة، مدَّت يدها إلى خصلاتِ شعرها التي كانت مفرودةٌ كستارٍ من الحريرِ على كتفيها.. مرَّرت أصابعها بخفَّةٍ على شفتيها وكلَّ ماوصلَ إليها منذ قليل..أغمضت عينيها تحاولُ استرجاعَ ماشعرت به، تذكَّرت حرارةَ أنفاسه، وارتعاشةَ قلبهِ التي شعرت بها، ابتسامةٌ لعوب تجلَّت بملامحها، لترفعَ أناملها على شفتيها تهمسُ لنفسها:
-لو مش خلِّيتك تركع قدَّامي يابنِ عمِّي مااستهلشِ نظرة عينيك..فحصت فساتينها، ضغطت على شفتيها مبتسمةً ثمَّ أخرجت أحدهم، وأقسمت حواء لتزيق آدم نيران الغيرة، تذكرت ذاك اليوم الذي انتزع فستانها، ارتدت فستانًا شبيهًا له، باللون الأسود، ولكنه رسم جسدها ليجعلها أيقونة ينحني أمامها القديس الذي يمتنع عن نعيم الحياة، وضعت أحمر شفاه يجذب الأعين كما تجذب الزهور الفراشات..ابتسمت برضا، ثم فردت خصلاتها لتنساب فوق أكتافها العارية، وحاوطتها على عنقها، لتخفي صدرها المفتوح إلى حد ما..توقفت تنظر لنفسها وابتسمت تردد
-هشوف ياحضرة الظابط أنا ولا إنت
بالخارجِ بعد دخولها بقيَ في مكانه، عيناهُ معلَّقتانِ بالبابِ الذي أغلقتهُ خلفها..أرادَ أن يقتحمَ الغرفة، أن يحتضنها مرَّةً أخرى، أن يتركَ نفسهِ لعاصفةِ مشاعرهِ دون قيود، لكنَّهُ رغم ذلك وقف يئنُّ بصمتٍ وصوتُ عقلهِ يوبِّخهُ على ضعفه: "إلى متى؟ إلى متى ستظلَّ أسيرًا لها؟" لكنَّ قلبهِ كان يجيبهُ بسخرية: "حتى تنتهي كلمةُ البعدِ من قاموسِ الأبجدية، تهكَّمَ على قلبهِ فاتَّجهَ للخارجِ بخطواتهِ الواثقةِ كما وصلَ منذ قليل.
نزل إلى يزن الذي يجلس بمقابلة رؤى بجهل معرفته بها، اقترب منه يرمقه بسخرية:
-ماشاء الله المرة اللي فاتت جبتك من الجنينة المرة دي لقيتك في الصالون
حك يزن ذقنه قائلًا:
-المرة الجاية هتخرجني من اوضتك ابنك..وصل إليه يكور قبضته بغضب، ولكنه تراجع بعدما أشار إليه بضحكات مرتفعة قائلًا:
-أنا عايز أزور راجح، مش آن الآوان
ضحك إلياس بخفة يهز رأسه قائلًا:
لو لقيته، يبقى زوره..ضيق عيناه متسائلًا:
-يعني إيه؟!...قاطعهم صوت خطواتها الناعمة على الدرج، ليلتفت يزن إليها وهو يطلق صفيرًا قائلًا:
-ياريتك ماطلعتي اختي، اقسم بالله كنت طلقتك منه
لف رأسه ليرى على أي شيئا يتحدث، توقفت عيناه عليها، وهي تتحرك بدلال وابتسامة خلابة تردد بصوتها الناعم:
-لأ عايزاك اخويا طبعًا..سافر بعيناه على ما ترتديه إلى أن توقفت عيناه على خصلاتها المتمردة، وشفتيها المطلية بلون يذهب العقول ...ليشعر وكأن أحدهم سكب عليه دلو من الماء البارد، اقترب يزن ليضمها إلى صدرها قائلًا:
- لو قالولي الحورية دي تسميها إيه ..قاطعه صوته الصاخب الذي شعرت بأن جدران المنزل تهتز من قوته حينما قال