رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير بقلم ساره اسامه

رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير بقلم ساره اسامه

رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة سارة اسامه رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير

رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير بقلم ساره اسامه

رواية وعود الغرام من الفصل الاول للاخير

- يا أختي بُصي على نفسك، دا إنتِ شافك خمس عرسان وهربوا ومحدش شاف وشهم تاني، ولا كلفوا نفسهم باتصال يقولوا كل شيء نصيب، شهادة أيه إللي جيباها وفرحانه بيها، دا كبير الشهادة دي كام يعني هو حتة جنية.
ابتلعت "عهود" تلك الغصة الجافة ودمعت عيناها فقد هانت عليها نفسها، خبأت الشهادة التي حصلت عليها من أستاذها الجامعي وجاءت بها تُحلق سعادةً لتُريها شقيقتها التي ألجمتها بهذا الرد الزاجر، قالت بنبرة هادئة تُخبأ من طياتها حزنها:-
- الشهادة مش بقيمتها المادية بل بالقيمة المعنوية، ودي كانت أخر سنة ليا في الكلية وقبل كدا محدش عطاني أي شهادات فأنا فرحانة جدًا حققت أول إنجاز في حياتي ولو كان صغير. 
نظرت لها شقيتها التي تصغرها بثلاثة أعوام بنفور واستهزاء وهدرت بها:-
- طب يلا خديها واطلعي من هنا بدل ما أقطعها وأرميها في وشك ده.
تطلعت بها "عهود" بحزن وخرجت بقلة حيلة فهي لا تعلم لما شقيقتها دائمًا لا تتمنى لها شيئًا جيدًا وتكون في قمة سعادتها إذا أصابها سوء حتى أنها من الممكن أن تكتأب وتحزن جدًا إذا حدث لها شيء مُفرح أو إذا تقدم لخطبتها أحد على الرغم من أنها مخطوبة لشاب جيد.
جلست بردهة المنزل بمفردها فقد كان أبويها خارجًا وهمست وهي تطبطب على موضع قلبها:-
- بطلي تفاهة الموضوع مش مستاهل يا عهود، دا كله تكفير ذنوب، يلا هقوم أصلي وأقرأ الوِرد بتاعي..
وبعدين متسمحيش لحد يبوظ فرحتك خليكِ سعيدة دايمًا كدا ومُبهجة..
وجعلت تنظر للشهادة بفخر وفرحة حقيقية وتقول:-
- من بكرا هقدم على الدراسات العُليا وهدور على شغل وأبني كياني وهسعد نفسي بنفسي..
دي عهود الورد بتاعتنا يا عهود.
توضأت وأدت فرضها ثم أخذت تقرأ في المصحف بسعادة وقد شحنت بعض من طاقتها المهدورة وهي تستعد ليوم جديد من حياتها غدًا.
                                 ***********
بصباح يومٍ جديد، وقبل أن تتصاعد الشمس مستيقظة من مخدعها كانت تستيقظ "عهود" بنشاط وهي تقهر حالة الكسل وحب النوم التي تُهاجمها صباحًا.
أدت صلاة الفجر وأخذت تقرأ أذكار الصباح ثم وِردها الصباحي من القرآن.
خرجت من غرفتها بينما الكل غارق بثبات عميق حيث بدأت أجازة آخر العام، بدأت تنظف المكان ثم تنتقل للمطبخ تجلي الأطباق وترتبه ثم إنتهى بها المطاف لتحضير الإفطار.
- كدا تمام علشان أنا هغيب برا وكفاية هما هيعملوا الأكل وأنا هاجي أكل منه على الجاهز علشان محدش يتضرر وبيقوموا يتجنبوني ومحدش يرضى يتكلم معايا ويبقوا مكشرين في وشي.
واتجهت لغرفتها ترتبها ثم بدأت ترتدي ملابسها المكونة من فستان باللون الأسود المتناثر فوقه ورود صغيرة بيضاء وعلى رأسها فارتدت حجاب طويل لفته بطريقة رقيقة جميلة.
حملت حقيبتها ووضعت كل أوراقها اللازمة ومستنداتها وشهادة تخرجها وخرجت من الغرفة لتجد والدتها مستيقظة.
- صباح الخير يا ماما.
ردت والدتها بنبرة عادية:-
- صباح النور.
ابتسمت عهود بإشراق وأخبرتها بحماس:-
- أنا هنزل إن شاء الله يا ماما هقدم أوراقي في دراسات عُليا وهدور على شغل في مكان كويس يكون بتخصصي.
مقابل كل هذا الحماس أجابت والدتها بكلمة واحدة:-
- ماشي. 
مُحت إبتسامة عهود وهي تقترب من والدتها وتقول بلطف:-
- مالك يا ماما .. إنتِ زعلانة مني في حاجة.
رمقتها بغضب وهدرت بها:-
- أنا لما بشوفك بتغم ونفسي بتتسد عن الدنيا وما فيها.
شعرت عهود كأن خنجر سام اخترق قلبها من كم هذا الجفاء، ابتلعت ريقها وتسائلت بألم:-
- ليه دا كله يا ماما، أنا عملت أيه مزعلك دا كله.!
- إنتِ عارفة كويس متستهبليش يا بت إنتِ، طريقة لبسك البيئة دي، لبسالي جلابية وخمار زي الواحدة إللي عندها مية سنة، عمري ما هرضى عنك وإنتِ لابسه كدا..
ماله لبس أختك ما بتلبس شميزات وتحتها بنطلون ومتقوليش حرام وتألفي الشميزات بتاعتها طويلة مش على كامر البنطلون وكمان واسعين ومفيش داعي تطولي الحجاب كدا بلاش قرف.
لا تعلم ما تفعل بهذا الأمر فوالداها لا يرضون أبدًا على ملابسها، قالت عهود بهدوء وهي تبتسم:-
- بس دا إللي بيرضى ربنا وأنا نفسي يرضى عني، كمان بعيد عن دا كله أنا برتاح كدا نفسيًا وكل حاجة، اللبس التاني مش برتاح فيه.
دفعتها بقسوة وقالت بقسوة أكبر:-
- خلاص خليكِ قاعدة في قرابيزنا بقاا كل ما حد يجي يتقدملك يطفش من وشك ...هتفضلي زي البيت الواقف كدا محدش هيعبرك.
وتركتها وحيدة في الردهة لتظل الكلمات تتردد بأذنها كأنها طنين قوي..
هبطت تسيير بشرود كأنها بعالم أخر، همست بداخلها:-
- أعمل أيه يارب ارشدني للطريق الصح، يا ترى مين الصح ومين الغلط أنا تايهة وغرقانة في الوجع يارب..
حاسة إن أما غريبة عايشة في البيت زي الغريب بالظبط.
بعد مدة قصيرة قد يسر الله لها أمرها وجلبت الشهادة من الجامعة من كلية الزراعة التي تخرجت منها لتستطيع أن تقدم دراسات عُليا وتحضر الماجستير.
أثناء خروجها تفاجأت بأصدقاءها من الدفعة "نهى ودينا ورغدة" يسرعون نحوها كأنهم يزفون خبر سعيد..
أقبلت نُهى ترتدي بنطال من قماش الجينز كان على جسدها كجلدٍ ثانٍ، وسترة قصيرة على بدايته من الأعلى، أما الحجاب فحدث ولا حرج، قطعة شفاشة صفيرة جدًا تكاد تطير من على رأسها، وكان الباقي مثلها تمامًا بل كانت دينا لا ترتدي حجاب على رأسها من الأساس بل أطلقت لخصلاتها العنان. 
- عهود عاملة أيه وأخبارك.
- الحمد لله بخير، إنتوا عاملين أيه وأخباركم يا بنات. 
قالت دينا:-
- كويسين وفرحانين جدًا جدًا..
رددت عهود بسعادة لأجلهم:-
- طب الحمد لله ربنا يسعدكم ويفرحكم دايمًا.
قالت رغدة وهي تسحبها بمرح:-
- وإنتِ كمان هتفرحي معانا جدًا جايبين لكِ خبر إنما أيه.
- بجد طب قولوا عالطول، يا بركة الله .. والله الواحد متعطش لحاجة تنعش القلب كدا..
أردفت نهى تقول بفرحة:-
- يا ستي صاحب مجموعة مشاتل كبيرة جدًا وصاحب شركة هندسة زراعية كبيرة عرض إن السابعة الأوائل على الكلية ليهم فرصة يتدربوا عنده في المشاتل بتاعته شهر واحد وإللي هيثبت جدارته هيتثبت في الوظيفة.
كانت إغاثة الله لها، غبطت قلبها سيول من السعادة تغرقه، جعلت تحتضن أصدقائها وقالت:-
- أنا فرحانة جدًا، دي فرصة عظيمة أووي لنا بجد أسعد خبر سماعته في حياتي.
قالت رغدة بسعادة:-
- أما أروح بقى أقول للكراش بتاعي وافرحه معايا..
نطق كلًا من دينا ونهى في صوتِ واحد:-
- أنا بلغت بتاعي الحمد لله. 
صمتت عهود لتستدير لها نهى وتقول:-
- أيه يا عهود مش هتتخلصي من عُقدك دي وتسمحي لحد يتقرب منك، يا بنتي افتحي باب قلبك .. طول ما إنتِ بالطريقة دي محدش هيعرفك وهتفضلي قاعدة كدا..
اتعرفي على حد وحِبي علشان تتخطبي وتتجوزي.. عيشي حياتك يا عهود مش تدفني نفسك بالحيا..
حقًا إنهم مساكين، أرشدهم الله إلى الطريق الصحيح وأزاح تلك الغمة عنهم..
قالت لها نهى:-
- يا بنتي مش شايفة كل إللي حولينا .. الدفعة كلها مرتبطة، وفي منهم إللي هيتجوز، متقوليش كلامك المفعص ده إنهم مش بيكملوا وإنها مجرد تسلية..
يا بيتجوزوا وإللي بيسيب بعض بيبقاا مش مناسبين وبيدورا على المناسب أكتر.
لم يعد لديها طاقة للجدال الذي لا يُجدي نفعًا من الأساس، ابتسمت لهم ثم تسائلت:-
- وهنروح إمتى المشاتل دي؟
تنهدت رغدة وقالت:-
- النهاردة عالطول ...هناخد الشهادة ونروح.
- طب ما يلا بينا، إنتوا عارفين المكان.؟
- أيوا عارفين المكان، هنبقى إحنا الأربعة ومعانا فادي وعلي ومحمود دول باقي السابعة الأوائل..
أنا هروح مع فادي، ونهى هتروح مع علي،  ودينا مع محمود..
إنتِ عارفة كل واحدة مرتبطة بواحد، لو عايزة تركبي معانا يا عهود مفيش مشكلة..
نفت عهود سريعًا قائلة:-
- لا لا خليكم براحتكم، قوليلي بس العنوان وأنا هروح لواحدي يا رغدة.
- أوك يا عهود.
انصرفت كل فتاة مع الشاب المرتبطة به كما يُطلقون وبقت عهود بمفردها، خرجت من الجامعة تنتظر سيارة أجرة لتقلها.
- ربنا يهديهم وينور بصيرتهم، يارب أنا ضعيفة جدًا ومعرضة للإنهزام في أي لحظة وأنا بحب طريقك وبحب قربك قويني يارب ونور دربي وطريقي.
أخرجت هاتفها تضغط على بعض الأزرار ثم رفعته تهاتف والدها تخبره:-
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزيك يا بابا.
- كويس، خير يا عهود.!
- كان في عرض للسابعة الأوائل على دفعة إنهم يتدربوا في مجموعة مشاتل كبيرة جدًا لمدة شهر وبعدين إللي هيثبت جدارته هيتثبت في الوظيفة، والكلية رشحتنا وكدا..
فأية رأيك أروح معاهم.
رد والدتها باقتضاب:-
- أعمل إللي يريحك إنتِ حرة، اشمعنا دي إللي هتسمعي كلامنا فيه وإنتِ عصيانا .. يلا مع السلامة.
وأغلق وهو ينظر لوالدتها التي تجلس بجانبه قائلًا:-
- أنا مش عارف بنتك عايزة مننا أيه والله.
- سيبها على راحتها إللي بيشيل قربة مخرومة بتخر على راسه خليها مكركبة نفسها في الهدوم إللي شبه الشوال إللي هي بتلبسها، بتبقى ماشية شبة الخيمة..
- محدش هيقبل ببنتك وهتفضل قاعدة جمبنا.
- هي تستاهل دا جزاء إللي ميسمعش كلام أبوه وأمه.
                          **************
- عهود لسه ما وصلتش!
تسائلت نهى وهي تهبط من السيارة.
أجابتها دينا بنقم:-
- لا لسه، كان فيها أيه يعني لو ركبت مع حد فينا.
سخرت رغدة وهي تبتسم:-
- هتقول حرام، كل حاجة عندها لا يجوز.
أردف فادي بنزق:-
- مش عارف عهود دي معقدة ليه كدا ومتشددة أوي.
رد عليه علي وهو يسحب نهى مُمسكًا يدها:-
- سيبكم من البت الأوڤر دي تولع ولا تنحرق ملناش فيه.
قالت نهى بشفقة:-
- قافلة على نفسها وللأسف عمرها ما هتلاقي إللي يبصلها هتفضل طول عمرها كدا..
- هي حرة يا نهى ويلا بينا ندخل، دا مقر الإدارة تقريبًا.
- شكله كدا، بس المكان هنا كبير أووي وحاجة عالية جدًا.
- يلا بينا.
كانت عهود قد وصلت بسيارة الأجرة وسمعت كل ما دار بينهم من حديث، جثم الألم على قلبها وترقرق الدمع بأعينها لكن نمت إبتسامة على شفتاها وهمست:-
- أنا كدا اتأكدت إن ماشية في الطريق الصحيح.
دخلت مقر الإدارة وهي تذكر اسم الله قائلة:-
- يارب وفقني وارزقني حلال طيب يارب، خليك معايا في كل خطوة من حياتي ولا تكلني إلى نفسي فتهلكني.
اقتربت من مكتب الإستقبال وتسائلت بتهذيب:-
-  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
لو سمحت أنا من طلاب كلية الزراعة المطلوبين للتدريب، ممكن أعرف أروح فين أو أعمل أيه.
- وعليكم السلام، هتطلعي الدور الخامس يا فندم في قاعة الإجتماعات هتقابلي رئيس مجلس الإدارة وصاحب المشاتل وهو هيفهمكم كل حاجة.
بس ممكن الملف والشهادة بتاعتك..
- طبعًا اتفضل حضرتك.
- بالتوفيق إن شاء الله.
صعدت عهود للأعلى، وجدت الجميع جالسون في رُدهة واسعة، اقتربت منهم تتسائل:-
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عملتوا أيه، هما طلبوا منكم حاجة وليه مش دخلتوا.
ردت نهى مبتسمة:-
- لسة على ميعادنا نص ساعة يا عهود، السكرتيرة هتعطكِ استبيان كدا امليه..
- تمام .. شكرًا جدًا يا نونا.
واتجتهت نحو السكرتيرة لينحني علي نحو محمود هامسًا:-
- بصراحة عهود دي مش لايقة على المكان دا خالص..
شاركه الأخر الضحك والسخرية بمنتهى السذاجة. 
بينما عهود ملئت هذا الإستبيان، ووجدت شرفة واسعة تطل على زروع كثيرة وعلى جميع المشاتل، ابتسمت بسعادة وهي تقترب فتخرج وتشاهد هذا الجمال.
- ما شاء الله تبارك الرحمن، المكان هنا حقيقي في غاية الجمال والروعة وفي شوية هواا إنما أيه يردوا الروح..
في إحدى الزوايا كان يجلس يرتل بعض أيات القرآن، تنائ لسمعة تلك الكلمات فتبسم، التفت ليعلم من هنا فوجد فتاة تعطي له ظهرها..
عقد ما بين حاجبيه واستفهم يقول:-
- إنتِ مين.؟!
التفتت عهود باندهاش، لتقف مُتصنمة وهي تعود للخلف بصدمة، ونطقت بأعين جاحظة:-
- إنــــــتَ. 
لم تقل صدمته هو الأخر وتراجع للخلف ثم نبس بنفس الضمير لكن تاءهُ مكسورة:-
- إنـــــــــتِ. 
''يُــتبـــــــــــــع''
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- تعرفي أنا بقالي كام سنة بدور عليكِ.
أخفضت أنظارها واستدارت لتخرج من الشرفة، ليتحرك سريعًا وهو يقول بترجي:-
- عهود .. سامحيني بالله ما تمشي يا عهود، إنتِ علمتيني درس مش هنساه أبدًا، كفاية أرجوكِ يا عهود كفاية الذنب إللي أنا عايش فيه وتأنيب الضمير.
غشت أعينها الدموع واستدارت وهي تهمس بنشيج باكٍ:-
- إنت ظلمتني من غير ما تتعب نفسك تدور على الحقيقة، وأنا وقفت عاجزة مقدرتش أثبت براءتي؛ علشان ساعتها كانت مرتبتك أعلى وفي إيدك السلطة، بس الحمد لله أنا استفدت درس وبحمد ربنا على إللي حصل؛ لأنه كان خير كبير ليا، حقيقي وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم.
كان قلبه يتمزق داخل جدران صدره، الذنب يُحيطه لا يُريد تركه، ابتلع غصة جافة وهو يتأملها بحذر فرغم تلك السنوات مازالت كما هيّ لم تغيرها عوامل الأيام، وجهها يلفظ براءة وهدوء ... لكن شيء واحد تغير زادها وقار وجمال، طريقة ملبسها تغيرت بتاتًا شتان بين عهود تلك، وعهود زي قبل.
- طب عهود قوليلي في مجال للمسامحة طيب، في مجال تسامحيني.
- باشمهندس أمان، هو أنا مين علشان مش أسامح، رب العالمين بيسامح، وأنا مش زعلانة من حضرتك، إنت كنت في يوم من الأيام استاذي في الجامعة ولك كل الإحترام والتقدير، الحادثة دي كان لها فضل عليا في حاجات كتير، أيوا التبيعات بتاعتها كانت مؤلمة وفضلت سنتين أعاني بس الحمد لله،  أنا نسيتها ومش فاكرة منها ألا الدرس المستفاد. 
ابتسم على رِقة قلبها، وشعر قلبه بالسعادة لكن مازال هناك شيئًا ما لا يُريحه، هذا مالا يُريده من عهودهُ، فماذا سيفعل في مواثيق وعهود الحُب الذي كبتها بقلبه.
تسائل أمان بهدوء:-
- طب إنتِ هنا ليه، في حاجة.!
نظرت له بتعجب وقالت:-
- أيه هو ممنوع أشتغل كمان حضرتك عندك مانع، أنا جايه شهر تحت التدريب من كلية زراعة..
صمت بُرهة وأكمل بغموض:-
- ربنا يوفقك يا عهود ويارب يكون لكِ نصيب وصاحب الشغل يختارك بعد مرور الشهر.
علمت أنه يعمل هنا، فحركت رأسها وهي تتحرك نحو المخرج وهتفت:-
- عن إذنك.
خرجت وانضمت لأصدقاءها وهي متعجبة من هذا اللقاء بعد كل تلك السنوات العجاف..
بعد قليل أتى أحد العاملين وأخبرهم بالولوج إلى غرفة الإجتماعات.
دخلت عهود خلف أصدقاءها الذين أخذوا يمرحون ويتمازحون، تنهدت بقلة حيلة وهمست:-
- يارب يسر لي أمري.. 
جلست على أحد المقاعد النائية عنهم حول طاولة كبيرة،  ولم تكاد عهود ترفع رأسها حتى تفاجأت به يدخل الغرفة بكل هدوء ووقار..
ماذا يفعل هنا..!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- السلام عليكم، أهلًا وسهلًا بيكم.
وقف الجميع باحترام ووقفت عهود بصدمة وهي تُدرك أنه صاحب المشاتل، يا الله ما هذا الذي وقعت به.!؟
ابتسم أمان وهو يستدير ثم قال وهو يضع بعض الأوراق بينهم:-
- طبعًا زيّ ما إنتوا عارفين، إنتوا السابعة إللي هتتدربوا في مشاتلنا وإللي هيثبت جدارته هيتم تعينه .. واتنين بس إللي هيتعينوا، يعني الموضوع منافسة بينكم يا شباب. 
ابتلعت عهود ريقها وهي تمد يدها تأخذ تلك الأوراق فأكمل أمان وهو ينظر لها سرًا:-
- كل إللي محتاجين تعرفوه مكتوب في الملفات إللي بين إديكم، ومكتوب كل التفاصيل إللي تخص المشاتل.
- تمام يا باشمهندس وإن شاء الله نكون عند حُسن ظنك.
غضّ أمان أعينه وقال:-
- إن شاء الله.
خرج الجميع لتسبقهم عهود التي خرجت في حالة توتر واضطراب واسرعت تخرج من هذا المبنى تتنفس وسط الأشجار والخضرة الشاسعة..
نظرت للسماء وهمست بداخلها:-
- يارب قويني ...أنا حاسة بانعدام الطاقة مش عارفة ليه، حاسة إن متكتفة ومعنديش الرغبة أعمل ايّ حاجة..
يارب بقيت محاصرة من جميع الإتجاهات والحِمل تقيل عليا.
قلبي متعطش للفرحة والحماس..
ارزقني عزيمة لا تنضب يا الله..
                               **************
- عاجبِك كدا، عاجبِك إللي بنتك بتعمله ده، الناس مقابلني من الفيلا إللي جمبنا يقول هي عهود كانت متخبيا ليه وبتهرب من مين، قوليلي البت دي لابسة أيه وهي ماشية الصبح.
- لابسه بتاع كدا معرفش اسمه أيه يا توفيق، بتاع من عند راسها لغاية عند ركبتها معرفش اسمه وشاح ولا إدناء معرفش بنتك بتجيب الهدوم دي منين، شوف الناس قالت علينا أيه، من حقهم يقولوا هي بتستخبى من مين..
صاح توفيق بغضب:-
- اسمعي الكلمتين دول كويس يا نجلاء، طالما البت دي مش عاملة لكلامي أي أهمية يبقى تعيش هنا زيها زيّ الغريب في بيتي، ملهاش لُقمة من مالي، يدوب قعدتها بس .. لغاية ما تتربى وترجع لعقلها، إحنا ساكنين في مكان راقي ومش حِمل حد كل يوم والتاني يوقفني ويسألني بنتك بتعمل في نفسها ليه كدا..
- لبسها وطريقتها مش يناسبوا مكانتنا ولا المكان إللي إحنا قاعدين فيه أنا بقول نبعتها البلد عند جدتها وبلاش تفور دمي.
قال وهو يخرج غاضبًا:-
- اعملي إللي تعمليه يا نجلاء ماعدتش تفرق معايا..
جلست نجلاء تستشيط غضبًا وهي تتوعد لعهود بالكثير..
بعد مرور بضع ساعات كانت عهود تدلف إلى المنزل بإرهاق وتعب والجوع يفتك بها بعد أول يوم عمل..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزيك يا ماما عاملة أيه.
ظلت نجلاء جالسة تضع قدمًا فوق الأخرى ولم يصدر عنها ولو كلمةٍ واحدة..
تنهدت عهود بحزن ودخلت غرفتها بيأس، بدلت ملابسها ثم أدت فرض المغرب بهدوء وسكينة..
جلست على سجادة الصلاة ورددت الأذكار وآية الكرسي فقد إعتادت أن تهمس بآية الكرسي بعد كل صلاة والمعوذتان..
شعرت بالنشاط قليلًا وعَلَا زئير معدتها جوعًا..
خرجت بهدوء، فرأت والدتها مازالت جالسة لم تتحرك من محلها..
ابتسمت لها عهود وهي تتجه نحو المطبخ وقالت:-
- ماما إنتِ أكلتي ولا أعمل حسابك معايا. 
تسائلت ووالدتها بجفاء:-
- إنتِ راحة فين.
توقفت عهود وهي تستدير لها قائلة:-
- هجهز أي حاجة أكلها .. أصل بعيد عنك يا نوجا حاسة إن ميته جوع مأكلتش أيّ حاجة من الصبح..
وقفت والدتها وهتفت بما جعل قلب عهود يتوقف هدرًا:-
- إنتِ ملكيش أكل هنا ولا لقمة، وأبوكِ سحب مصروفك وبطاقة إئتمانك أبوكِ سحبها.. وملكيش عندنا ألا قعدتك.
تطلعت بها عهود بأعين متسعة جاحظة بصدمة فأكملت الأخرى دون شفقة:-
- اشتغلي وأكلي نفسك واصرفي على هدومك دي، لكن أبوكِ قال ولا قرش واحد من فلوسه هتروح على الهدوم دي.
خرجت شقيقتها وألقت بكلام كان كوقع الخنجر على قلب عهود:-
- أوعي تفتكري إن ربنا هيغفرلك إللي كان قبل كدا بمجرد ما تلبسي اللبس ده، إنتِ ناسيه إنك كنتِ بتلبسي قبل كام سنة زيك زيّ ولا أيه يا شيخة العرب.
يُــتبـــــــــــــع.~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
لم تترك نفسها للصدمة والحزن والضعف والهوان، أفاقت سريعًا وابتسمت بإتساع .. فهل الذي بجوار ربه ضعيف!!
من أين يأتيه الضعف..!
اقتربت منهم ومازالت الإبتسامة لم تُمحى، عقدت ذراعها ورفعت رأسها تقول بقوة نابعة من إيمانها:-
- أكل وشرب ومصروف!! يعني إنتِ مفكرة إن بالطريقة دي مثلًا ممكن تخليني أتراجع يا ماما وأقولك خلاص هخلع اللبس دا من بكرا..
ياريت الدنيا كلها تيجي على الأكل والشرب يا ماما، الكلاب بتاكل يا أمي، والعصافير ربنا بيسخرلها رزقها..
يعني دي أرزاق ربنا مقسمها، أنا أموت من الجوع والعطش ولا أرجع خطوة واحدة في الطريق إللي مشيته يا نجلا هانم.
إنتِ أمي وربنا أمرني ببرِك وطاعتك إلا في حالة واحدة..
المعصية .. وأنا بطريقة اللبس إللي بتأمريني بيها بعصي رب العالمين يا أمي، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
يا ماما يعني علشان أسمع كلامك أعصي ربنا حبيبي. 
واستدارت لشقيقتها التي ظلت تستمع بصمت وأردفت:-
- هو إنتِ مين علشان تحكمي ربي يغفر لي ولا لا.!
يعني هو يقول أنه "غفور رحيم " وإنتِ تقولي ربنا مش هيغفر ليا، يعني هو بيقول على إللي بيرجع له إنه بيبدل سيئاته حسنات وإنتِ بتقولي مش هيغفر ليا!
يعني هو بيفرح بتوبة عبده وبيقول "إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم" وإنتِ تقولي مش هيغفر ليا.!
يعني هو كل ليلة يتنزل في السماء الدنيا وينادي "هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له؟" وإنتِ تقولي مش هيغفر ليا.!
يعني هو بينادي"عبدي إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي، عبدي لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي."
ولم العبد بيرجع له بيستقبله بحفاوة..
وإنتِ تقولي مش هيغفر ليّا.!
كانت تتحدث بُحرقة نابعة من أنياط قلبها، ولم تشعر والدتها وشقيقتها إلا ببعض الدموع تُلقيها أعينهم لا يعلمون ما سببها.؟!
تابعت عهود بصدق:-
- أنا عارفة إن مش كنت كويسة، وكنت بنت طايشة وفضلت فترة بشعري وبعد ما قررت ألبس الحجاب مكانش يتسمى أبدًا حجاب، عملت كل الممنوع .. الذنوب كانت دافنة قلبي..
أدمعت أعينها وأكملت:-
- بس هو كان بيحبني، وإبتلاء صغير كشف كل حاجة قدامي، ولسه بعاني وخايفة من ذنوبي ومن الإنتكاس، محتاجة حد يشدد بأزري يقويني وأنا حاسة إن كل حاجة ضدي بقاوم لواحدي... بس عرفت مؤخرًا إن أجري بيكون أعظم من إن يكون كل شيء مُهيأ ليا..
أنا مش هتراجع ولو خطوة واحدة يا أمي وبلغي بابا بالكلام ده .. أنا مش هعصي ربنا علشان أراضيكم. 
وبالنسبة للأكل والشرب والمصروف فرزقي على الله، أنا ظني فيه حسن ومتيقنة إن مش هايسبني أبدًا..
وابتسمت ثم زادت:-
- تصبحوا على خير.
دخلت عهود غرفتها ثم تنفست بعمق وهي تُزيل دموعها وهمست بقوة:-
- خلاص مفيش أيّ بُكى وحزن من النهاردة، إنتِ أقوى من كدا، إنتِ مخلوق من صُنع الله تقدري على دا كله..
الله لم يخلقكِ هكذا عبثًا.
هطور من نفسي وأتعلم كل جديد، هفرح نفسي بنفسي ودي تبقى أيه يا ست عهود .. دي عهود الورد.
جلست على فراشها ثم أخذت تقرأ سورة المُلك وتسطحت على الفراش وغرقت في نومٍ عميق.
بالغرفة المجاورة جلست والدة عهود بجانب زوجها على الفراش بذهنٍ شارد.
- مالك يا نجلاء في أيه.!
-عهود.
- مالها!
- قلبي واجعني عليها، دي كانت جاية ميتة من الجوع وخلصانة خالص، وإنت قولت أقرص ودنها بالأكل والشرب والمصاريف، بس يا توفيق عهود عمرها ما تيجي بالطريقة دي، كل ده مش فارق معاها وعنيدة أنا مش تايهة عنها..
قال توفيق بقسوة مزيفة يشوش بها على نزعات الحنان التي تتلاعب بقلبه:-
- مش هتستمر وعلى بكرا هتفوق وترجع لنا.
- أنا سبت الأكل في المطبخ على أساس لو خرجت بليل تاكل وكدا بس أنا مش تايهة عنها دي عنيدة ومش هتعملها..
- نامي يا نجلاء .. نامي وعهود بكرا تعقل.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
                               ************
كانت كالفراشة تسير وسط الزروع والورود بثوب فضفاض باللون الزيتوني تحمل أطرافه نقوش بسيطة من الورد، وعلى رأسها خمار مزدوج تلفه بطريقة رقيقة مُبتكرة أخفت معالم جسدها.
بتدأ تُباشر عملها حيث تخصصت في العناية بالتربة والنباتات فكان في غاية السعادة لحبها النباتات والورود ولعملها بينهم كل اليوم. 
- صباح الخير.
التفتت فور أن سمعت صوته وزفرت بإحباط ثم ردت ببساطة:-
- صباح النور، أهلًا يا باشمهندس أمان.
- عاملة أيه يا عهود وأخبار الشغل هنا معاكِ.
- الحمد لله بخير، أنا بحب مجال شغلي جدًا وإن شاء الله أقدم شيء كويس.
قال بأعين مليئة بالكثير من الدفء:-
- واثق يا عهود واثق فيكِ.
ابتسمت بسخرية وتسائلت:-
- نفس الثقة قبل ست سنين.
- لا يا عهود .. أنا آسف يا عهود آسف سامحيني وإنسى بقى..
إنتِ بعد ما سيبتي الكلية أقسمت يمين ماعدت أدرّس تاني كأستاذ جامعي في كلية الهندسة .. وحرمتها على نفسي بعد خروجك منها إللي كان بسبب ظلمي لكِ..
دورت عليكِ كتير أووي يا عهود واتعذبت أكتر بسبب تأنيب الضمير، إنتِ عيشتي معايا وفي مُخيلتي وفكري ست سنين.
ابتلعت ريقها وأردفت بتوتر:-
- مفيش داعي للكلام ده حضرتك أنا قولتلك إن مش زعلانة ومسامحة ربنا يسامحنا جميعًا..
- أنا واثق إن كل حاجة هتتغير، أنا كفيل بده بس أما يبقى ليا الحق، ويلا أسيبك لشغلك..
وقبل أنا يرحل عاد بعض خطوات في ظل تعجب عهود من كلماته وقال بغموض:-
- خلي بالك من الورد .. يا عهود أصل هيشهد على كتير جدًا.
ورحل وتركها في حيرة من أمرها..
- ماله ده وأيه الكلام إللي بيقوله الغريب ده.!
يلا يلا متشغليش دماغك يا عهود يلا خلصي علشان تروحيلها..
                           **************
وقفت أمام الباب تتذكر كثيرًا من الذكريات عاشتها بهذا المكان الدافيء، ظلت تتأمل بيوت الحارة بأعين مشتاقة وهذا المنزل ذا اللون الأخضر التي شيدت بين جدرانه كثيرًا من الذكريات..
- ادخلي يا بنت توفيق ونجلاء ادخلي..
احتضنتها من ظهرها بمرح وصاحت بسعادة:-
- وحشاني أووي يا كونتيسة دلال.
- بطلي بكش يا بت إنتِ .. فينك من كام شهر يعني.
- ما إنتِ عارفة ضغط الإمتحانات إللي كنت فيه، والتخرج والذي منه..
- ااه قولي مشاغل زي توفيق أفندي المُبجل إللي استكبر على هنا وعايز ياخدني في المدينة والفيلا والهلومه.
دا إللي كانوا مهاجرين من القرية رجعوا تاني لأن الجو هنا مش هيتعوض، عايزين أنا بقى أسيب بيتي والمكان إللي عايشة فيه من ساعة ما وعيت على الدنيا وأجي المكان إللي يجيب المرض ده..
- بصراحة يا دولا في دي عندك حق، متعرفيش أنا بعشق أجواء القرية هنا قد أيه.
- غصب عن أنف توفيق الكبيرة والست نجلاء المتغطرسة أنا حكمت عليكِ بالمُأبد هنا..
ألقت عهود الحقيبة على الكنبة القديمة ذات الألوان العديدة والمساند المُبهجة رغم قدمها لكنها تضج بالبهجة..
- يلا بينا ... بصي أنا ميته جوع وعندي حاجات كتير عايزة أحكيهالك، قوليلي بقاا عاملة أكل أيه يا دولا.
- بامية يا مصلحنجية.
رددت عهود بخيبة أمل:-
- يييي بقاا يا دولا ما إنتِ عارفة إنها مش بتحبني..
- خليكِ ناصحة يا بت ووقعيها في حُبك.
- تيتا بطلي تتمقلتي عليا.
- خلاص يا أختي بدل ما تعيطي، ادخلي غيري هدومك وصلي وحصليني على المطبخ نكمل سوا الجلاش ومحشي الكوسة..
- يييي تحيا الكونتيسة دلال..
جاءت لترد عليها لكن قطع حديثها صوت رنين جرس الباب، قالت الجدة دلال:-
- طب افتحي الأول كدا شوفي مين، تلاقي حبيب قلبي وصل..
- بقى كدا من ورايا يا دولا وكمان بتقوليها في وشي دا حتى إحنا ستر وغطا على بعض..
- افتحي يا بت وبطلي لماضة..
ذهبت عهود وسحبت مزلاق الباب وهي تبتسم وتقول بمرح:-
- شريرة يا دولا شريرة.
وبمجرد أن التفتت تصنمت بأرضها كمن ضربته صاعقة، وهتفت بصدمة:-
- إنت .. إنت بتعمل أيه هنا.!!
- عهود .. أيه جابك هنا.!
يُــتبـــــــــــــع.~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- أيه جابك هنا، وتعرف دولا منين؟!
تسائل أمان بتعجب هو الأخر:-
- إنتِ أيه إللي جابك هنا، وتعرفي دولا منين!!
ربعت عهود ذراعها أمام صدرها وقبل أن تنطق قاطعتها الجدة دلال بقولها:-
- حبيب قلبي أمان ادخل يا غالي أيه أخرك كدا.!
التفتت عهود لجدتها واستفهمت:-
- تعرفيه منين يا تيتا.!
- أمان يبقاا ابن ابن أخويا، ومن سنين طويلة جدًا هاجروا من القرية علشان شغلهم ومصالحهم بس كانوا بيجوا زيارات كدا..
ولوت فمها وأكملت بنزق:-
- يعني البيه أبوه حاله من حال أبوكِ توفيق أفندي، أصلهم مش هيقبوا لفوق ألا لما يسيبوا البلد حجج فارغة صحيح، بس أمان حبيب سِتُه بقاله فترة هنا، جاب الجماعة وهمّا عجبهم العيشة هنا وأهو ماشي الحال.
ثم وزعت النظرات بينهم وتسائلت:-
- وانتوا تعرفوا بعض منين بقاا، دا إنتوا عمركم ما قبلتوا بعض ولا اجتمعتوا في وقت واحد في القرية..
جاء أمان ليُجيب ويروي قصة تعارفه بِـ عهود لكنها سبقته تقول بإبتسامة:-
- باشمهندس أمان يا دولا يبقا صاحب الشركة إللي قولتلك بدأت تدريب فيها، سبحان الله طلعنا قرايب، حقيقي الدنيا دي غريبة جدًا.
شعر أمان بالحزن فهي قد تجنبت القصة القديمة وتأبى ذِكرها والحديث حولها، من الواضح جدًا أن بفضله قد تسبب لها بألم كبير وجروح غائرة..
- آآه يا محاسن الصُدف يا ولاد والله، عهود وردة قلبي ونور عيني وحفيدتي الأولى والغالية على قلبي.
تطلع أمان بعهود بأعين مغمورة بالحُب المكبوت، وقال بمرح:-
- دول كلهم عهود، حقيقي اتشرفت بيكِ جدًا يا عهود.
ابتسمت عهود بمجاملة وأردفت:-
- وأنا أكتر يا باشمهندس أمان.
- طب ما إحنا طلعنا قرايب وكمان إحنا برا فترة الشغل ما بلاش باشمهندس دي وخليها أمان بس.
ابتسمت عهود واكتفت بتحريك رأسها فقط، ثم التفتت لجدتها وقالت:-
- هدخل أشوف الغدا يا دولا وأجهز السفرة.
تأملتها الجدة بأعين متفحصة وقالت وهي تربت على كتفها:-
- ماشي يا عيون دولا وأنا جايه وراكِ.
ابتسم أمان بحماس وارتمى على إحدى الكنبات وقال:-
- شهِلي يا ست عهود الله يباركلك أصل واقع من الجوع بعيد عنك.
ابتسمت عهود بهدوء ودخلت وأعين الجدة تتبعها، جلست بجانب أمان ولكزته متسائلة بتعجب:-
- واد يا أمان أنا قلبي مش مرتاح للحكاية إللي قالتها عهود، في حاجة تانية أنا مش عرفاها يا واد.
اقترب منها أمان وأردف بلهفة مسرعًا:-
- فاكرة الحكاية إللي كنت حكيتلك عليها يا دولا.
قالت بتذكر:-
- البنت إللي بقالك فترة بدور عليها، وقولت إنك ظلمتها، وقلبك الأهطل عاشقها من بعد الموقف ده..
أنا أعرف يا أخويا أيه الخيبة دي، ما كانت قدامك يا مايل جاي تحبها بعد ما اختفت..
- ما كفاية جلد فيا بقاا يا دولا، عمومًا يا ستي البنت دي تبقى عهود.
وقفت الجدة بصدمة وهي تضرب صدرها:-
- عهود بنتي، قصدك عهود عهود!!
أحنى رأسه بحزن وألم:-
- أيوا عهود يا دولا، ياريت ما كنت أوعى أدخل الجامعة ولا أدرّس فيها بعد إللي عملته فيها ده.
وبلمح البصر كانت الجدة دلال تلتقط خُفها المنزلي الثقيل وتنهال على أمان به لتُبرحه ضربًا..
ظلّ ينتفض تحت يدها وهو يقول:-
- اضربي يا دولا اضربي عايز أتوب، أنا أستحق أكتر من كدا.
- دا بُعدك أجوزهالك يا واطي، بقاا عهود يتعمل فيها كدا، أنا هطلع كل إللي شافته من تحت راسك على جتتك يا خوف إنتَ .. عمرك ما تكون أمان لا أبدًا..
توقف أمان فجأة وتسائل بترقب:-
- شافته!! .. أيه إللي حصل لعهود يا ستي، أنا بكلمك بجد، أنا عارف إن في حاجات حصلت وغيّرتها، بس أيه إللي حصل!
تنهدت الجدة وجلست بحزن وهي تُلقي بخُفها بعيدًا، وهتفت بحسرة:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- زهرة شبابها انطفت، بس الحمد لله كل محنة وفيها منحة، وعهود اتعلمت كتير جدًا واتغيرت أووي بسبب الفترة دي..
بص يا أمان يا ابني عهود وحدها بس تقدر تحكيلك إللي حصل معها، بس هي بقت وردة مفتحة واتعلمت عهود جديدة لنفسها ونفذتها وهي ماشية على خُطاها، هي زرعت في حياتها ورد وخلعت كل الشوك إللي كان ماليها، هي تخطت الأزمة دي لوحدها بفضل الله وعرفت تقف على رجليها تاني..
أنا فخورة جدًا ببنتي عهود، هي أفضل مثال للقوة والشجاعة، وإن كل واحد يقدر يغير من حياته للأفضل، وإن الأنسان في إيده دايمًا الخيار وهو إللي بيختار. 
انحنى أمان أمامها وأمسك يدها بين يديه مقبلها بإحترام:-
- وهي فوق راسي وفي قلبي وساكنة روحي، أنا عشقنها يا ستي كان كل يوم بيعدي عليا كان حبها بيتمكن من قلبي، مش عارف أنا صدقت الكلام ده عنها إزاي، مش عارف أنا ظلمتها بالطريقة دي إزاي..!
وصدقيني أنا بشمئز من نفسي ومش مسامح نفسي أبدًا، أنا عشت أيام صعبة وكنت بلف عليها زيّ المجنون وهي كانت قريبة مني كل القرب...
وقبل أن تتحدث الجدة كانت عهود تخرج من المطبخ وهي تسير بالرواق تقول وهي تمسح يدها بهدوء:-
- يلا يا دولا جهزت الغدا في الجنينة الخلفية تحت شجر البرتقال يا غالية.
وقف أمان بحماس وتسائل بتذمر:-
- يعني دولا بس، أمان ملهوش نصيب يا عهود الورد.
التفتت له بتفاجيء على هذا اللقب لكن عادت تسير وقالت بلامبالاة مصطنعة:-
- إنت حُر يا .... أمان..
اهتزّ بدنه فور أن سمع حروف اسمه منها، وشعر بقلبه يمور من خلف أضلعه، قال وهو يسبقهم:-
- دا أيه الكرم دا كله يا ست عهود.
- عادي .. في الأخر دا بيت ستك بردوة..
جلس ثلاثتهم حول مائدة خشبية وسط شُجيرات الفاكهة، قالت الجدة وهي تلوك الطعام بفمها:-
- خلال الشهور إللي فاتت دي كلها كنت بخيطلك كل يوم فستان، هتلاقيهم في دُلابك متعلقين، كمان عملتلك بجامات تعجبك يا ست البنات. 
ترقرق الدمع بأعين عهود، وأخذت يد جدتها بين يديها فحقًا هي تُحيطها بالحنان وتغدقها به ببذخ، من كانت دعمها وسندها في الكثير، قبلت يدها وقالت لها بحُب وإمتنان:-
- ربنا يباركلي في عمرك، ولا أشوف فيكِ مكروه أبدًا يا حبة عيني، عمرك أبدًا ما نسيتي عهود مهما كان. 
قالت الجدة بحنان:-
- أنسى عهود!! إنتِ مش بنت ابني يا عهود الورد دا إنتِ بنتي يا كبدي، المهم سيبك من النكد ده أنا كلمت توفيق أفندي وقولتله انسى عهود اليومين دول وهو زيّ ما يكون صدق ابن دلال الخايب ده.
كان الحديث على سبيل المزاح لكن لاح الألم أعين عهود وشعرت بغصة مريرة بحلقها لكن أجادت بأن تُخفي هذا سريعًا غير أنه لم يفوت أمان المراقب بدقة..
ابتسمت عهود باتساع وهتفت بسعادة:-
- أيوا بقاا .. تسلميلي يا دولا..
كان أمان يُحلق من فرط سعادته عندما علم بخبر مكوثها بجانبه وصار عقله يُخطط بالكثير، همس لنفسه بإصرار:-
- حلو أووي .. قبل ما تمشي من هنا يا عهودي هتكوني على إسمي والله المستعان عليكِ يا عهود خلينا نلعب سوا شوية..
- احمم الحمد لله شبعت يا دولا بجد تسلم إيدك يا كونتيسة حقيقي أجدع شيف فيكِ يا دنيا، أقوم بقا أعمل كوبايتين شاي يعجبوكِ.
- تفي من بوقك يا بت إنتِ، شاي وأنا موجودة، محدش فيكِ يا بلد يعرف يعمل كوباية شاي زي إللي أنا بعملها..
اتهدي مكانك كدا وأنا هعمل شاي ومش أي شاي .. شاي على الفحم يا جاهلة..
- أنا غلطانة إن قولت أريحك .. إنتِ حرة يا ستي .. منك نستفيد يا ست دولا.
- هتشوفي يا بت..
وذهبت لتترك عهود في مقابلة أمان..
وقفت عهود ونظرت لأمان الذي ينظر لها بترقب، أشارت له وقالت بحسم:-
- بص بقى يا كابتن أنا حطيت الأكل وجهزته إنت بقى عليك تشيله وترتب المكان...
وذهبت تقف أسفل الأشجار وتشتم الورود بنهم، اتسعت أعين أمان صدمةً وبقى ينظر لها بذهول لكن فجأة وثب من مكانه وهمس-
- أيه الشراسة دي يا ست عهود..
نظر لها وهي تقف بين الأشجار وعلى ثغرها إبتسامة نديّة، أخذ يقترب منها بحذر شيئًا فشيء حتى أصبح خلفها مُباشرةً، شعرت عهود بأنفاس حارة خلفها فتوقفت بصدمة، ثم استدارت لتجده أمامها لا يفصلهم شيء، شعرت بالرُعب يدب قلبها وعادت للخلف حتى اصتدمت بالشجرة من خلفها..
ابتلعت ريقها ورددت بذعر داخلي:-
- في أيه، مالك بتقرب ليه..!
لم يُلقي لها بالًا وظل يقترب حتى أصبح لا يفصلهم سوى قيد أُنملة واحدة وأعيُنه مُثبتة على شيئٍ واحد..
- ابعد عني .. بقولك ابعد عني لإما هتشوف إللي متتخيلهوش، هصوت وألم عليك الخلق يا مُحترم..
كان أمان كالأصم لا يسمع ما تقول.... وفـــجــــاة.!
يُــتبـــــــــــــع..~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
شهقت بفزع عندما رفع الحجارة ضاربًا الثعبان خلفها، ابتعدت بوجل وهي تنظر للثعبان الذي ارتمى على الأرض.
تنهدت براحة لينظر لها بحاجب مرفوع وهتف:-
- مش لميتي عليا الناس يعني يا عهود، بقاا كدا يا عهود عايزة تفضحيني دا ربنا أمر بالستر حتى يا مؤمنة.
ابتسمت على كلماته وجلست على أحد المقاعد قائلة بجدية:-
- يلا من غير تغيير في الموضوع لم الأطباق.
راح يضحك ببساطة وأخذ يُلملم الأطباق وهو يقول:-
- دا ولا ينقص من الراجل أي شيء يا عهود بالعكس دا بيرفعه، أنا في بيتنا كدا مع أمي وأخواتي، مش عيب أبدًا إن أشارك وأنضف معاهم.. دا الرسول صل الله عليه وسلم خير البشر كان بيعاون أهل بيته حتى زوجاته كانوا بيحبوا وجوده في البيت.
فرحة غريبة غزت قلبها من حديثه هذا، تعجبت كثيرًا من طريقة تفكيره، حقًا هذا الفِكر في الرجال واقتداءهم بالنبي العدنان في هذه الخصال نادرًا جدًا بل يكاد ينعدم.
-عليه أفضل الصلاة والسلام، اللهم بارك دا شيء جميل جدًا ونادر أووي يبقى موجود، الله المستعان الزمن ده بقى الراجل رامي كل الحِمل على البنت، حتى الشاب في البيت مش بيهون عليه يعلق هدومه بعد ما يخلعها حتى لو هو فاضي وبيتكل على أخته البنت في أبسط الحاجات، ولما تيجي تعاتبه يقولك أنا راجل وللأسف دا تفكير غلط جدًا، هما فاهمين الرجولة بشكل غلط جدًا.
قال بمرح وهو يرى الجدة دلال قادمة:-
- دا إنتِ منفسنة أووي من الرجالة يا عهود.
- يعني مش دي الحقيقية..!
ذهب بإتجاة الجدة يحمل أكواب الشاي بدلًا عنها، وقال:-
- بس صدقيني مش كلهم.
- ما أنا عارفة بس السيئة بتعُم بقاا.
قالت الجدة بمرح:-
- آآه إنت وقعت مع تحقيقات عهود .. ربنا يعينك.
ابتسم أمان وقال بغموض:-
- وماله يا دولا حقها طبعًا وأنا تحت طوعها في أي تحقيق.
وثبت عهود من جلستها فور أن شعرت أن الحديث ينعطف نحو مُنحدرٍ أخر، وقالت بهدوء:- 
- هقوم أنا أرتب المكان وأودي الأطباق دي المطبخ.
- ما أنا إللي عليا الدور زي ما إنتِ قسمتي.
- مفيش مشكلة دي حاجة بسيطة إنت ضيف ميصحش.
وذهبت من فورها مستنكرة تلك الهدرات التي تقرع بصخب خلف ضلوعها..
أخفض أمان رأسه بحزن قائلًا بيأس:-
- عهود عمرها ما هتسامحني يا ستي أبدًا. 
تنهدت الجدة وقالت:-
- عهود أرق وأطهر من إنها مش تسامح حد، لو هي مش مسمحاك عمرها ما كانت قبلت إنها تكلمك أصلًا يا أمان، كل المشكلة إن عهود خايفة، عايشة في خوف بيهددها دايمًا، خوف إنها ترجع تعيد نفس الأخطاء، خوف إنها تتوجع، حاسة إنها عايشة في عالم لوحدها هي بتحارب جيش عايز يسحبها لورا .. مجتمعنا يا بني بقاا أكتر حاجة الواحد يخاف منها..
دايمًا المسالم بيقع في مصيدة الظلم، وحقيقي يا أمان وجع الظلم بيختلف عن أي وجع. 
هي لا تحتاج لأحد يُترجم عنها، هو يعرفها وكأنها ظله؛ لأنها هو من سطر أول تلك الحكاية، هو الصياد الذي فتح مصيدة الظلم عن أخرها وكان ساكنها الوحيد هي عهود..
ابتلع ريقه بتوتر وتسائل بحذر:-
- أيه إللي حصل بعد اليوم ده يا ستي، كان أيه موقف عهود بعد ما رجعت متحطمة من الكلية إللي كانت حلم حياتها.
شردت الجدة قليلًا ثم قالت بمرار:-
- هي فعلًا متحطمة يا أمان، عهود وهي راجعة بعد إللي حصل معاها في الكلية كانت ماشية بين الشوارع زي التايهة المنهزمة .. كانت ماشية مسلوبة الإرادة..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
بعد ما غابت النهار كامل عن البيت ومرجعتش بدأنا ندور عليها في كل مكان .. بس جات مكالمة لنا آخر الليل من المستشفى بتقول إنها موجودة بعد ما عملت حادثة صاعبة جدًا عرابية خبطتها في الشارع، طلعنا نجري كلنا على ملا وشنا .. إحنا اليوم ده كنا متجمعين كلنا ومستنينها علشان كنا عاملين مفاجأة بمناسبة عيد ميلادها..
تنهدت بحزن والذكرى تهاجمها بعنف وواصلت حديثها:-
- وصلنا المستشفى والدكاترة قالوا إن حالة عهود صعبة جدًا ويا عالم لو قامت تاني، كان عندها نزيف داخلي .. الكسور والجروح في كل جسمها، بمعنى أصح كانت متحطمة..
تخيل يا ابني تخرج الدكاترة وتقولنا ادعولها مش باقيلها كتير وإن حالتها حرجة جدًا..
بقينا على أخرنا والحمد لله ربنا كتب لعهود عمر جديد وكتبلها النجاة، بس للأسف دخلت في غيبوبة وفضلت فيها أربع شهور ولما فاقت كانت عهود شخص تاني نهائي..
الحادثة أثرت على حركتها وفقدت الحركة، وفضلت سنة تتعالج وتابع مع العلاج الطبيعي مع العلم إن الخلل إللي كان موجود مكانش يستدعي إنها متقدرش تقف على رجليها تاني، بس الدكاترة قالوا إن المسألة عملية نفسية..
دا كله كوم ولما أبوها وأمها وكل العيلة عرفت بخبر فصلها من الكلية كوم تاني والسبب إنها سرقت الإمتحان من مكتب الدكتور وإللي للأسف كان هو إنت واتعرضت لمجلس تأديب بدعوتك إنت وتم فصلها ... غير الفضيحة الأخلاقية إللي اتلزقت فيها ظلمًا وعدوانًا، وواقفت إنت شاهد وإنت متعرفش حاجة لمجرد إن الإمتحان لقيتوه في شنطتها..
بنات وشباب العيلة عملوا منها نموذج للسخرية والمعايرة، وهما كانوا منتظرين الفرصة لأن من زمن يا زمن كان في دايمًا منافسة على كليات القمة زي ما بيقولوا بين البنات والشباب .. إللي في منهم في طب وصيدلية وهندسة بأقسامها وإللي دخلوا كليات خاصة بالفلوس علشان مستوى الجامعة يليق بأولاد عائلة فاضل، بس عهود كان دماغها تختلف شوية عنهم .. كانت عايزة تدخل الكلية إللي بتتمناها بمجهودها ومن غير ما تكلف أي حد حاجة، قالت هتحدي الكل إنها هتحقق حلمها وإللي عيزاه من كلية حكومية..
وفعلًا دخلت هندسة زراعية زي ما كانت بتتمنى ومتعرفش هي قد أيه تعبت وشافت الويل .. وفي الأخر بعد ما فات ترم واحد في الكلية لقت نفسها براها مطرودة منها شر طاردة بعد ما لزقت في اسمها إتهامات باطلة..
شوفت الظلم ممكن يعمل أيه يا أمان!..
شوفت كلمة واحدة من الإنسان من غير ما يعرف صحتها تعمل أيه وتدمر حياة فرد إزاي.!
تزلزلت الأرض أسفل أقدام أمان وشعر بالعالم يدور من حوله، ولم تكن ردة فعله إلا أنه أخذ يركض خارح المنزل وأصوات الجدة ترن بعقله وأذناه..
لا يعلم كيف وصل لمنزله وبالأخص غرفته وأغلق الباب من خلفه ثم انهارت وخارت قوته وسقط على ركبتيه بوهن..
رفع كفيه فوق أذنه يمنع تكرار صدى الصوت بداخله الذي يرن دون رحمة..
هطلت دموعه ليغرق في بكاءٍ عنيف كطفل فقد أمه..
ارتفعت شهقاته ليقول من بينها بعدم تصديق من نفسه:-
- بسببي أنا .. بسببي دمرت حياتها .. أنا دمرت حياتها، أنا أقذر إنسان في الوجود .. أنا ظالم ومفتري .. بسببي أنا داقت كل الأوجاع .. بسببي أنا عانت لوحدها واتحرمت من كل حاجة بتحبها .. بسبب كلمة مني دمرتها وحطمتها..
رفع رأسه للسماء وصاح بتوجع:-
- آآآآه يارب .. آآآه يا الله، أنا مش عارف أعمل أيه، أنا مكسوف منك أوي يارب مش عارف إزاي أطلب السماح، أنا ظالم يارب .. إنت حرمت الظلم على نفسك وجعلته بين عبادك مُحرم وأنا استحليته..
بكى كالطفل الصغير وأكمل بنواح:-
- يعني أنا كنت بنام مرتاح وهي بتتقلب بين الأجهزة الطبية والإبر، يعني أنا كنت عايش ولا على بالي وفي واحدة باقي منها حُطام بس ..  ياااه قد أيه أنا حقير..
وبطلب منها السماح!! .. أنا ماستحقوش لا..
أنا عمري ما هقدر أرفع عيني فيها، أنا حُبي لها اتكتب عليه الموت قبل ما يتولد ويشوف النور..
ارشدني يارب .. قولي أعمل أيه .. الصح فين..
                                  *******
ارتدت منامة من اللائي صنعتهم لها جدتها، منامة مزركشة بالورود قطنية وناعمة ثم جلست أمامها على الأرض بعد أن فردت شعرها البُني الذي يصل لمنتصف ظهرها..
تسائلت عهود ببسمة صافية وهي تشعر بالراحة عندما بدأت الجدة تُدلك فروة رأسها بزيت جوز الهند:-
- أمال ماله الباشمهندس أمان خرج وشكله مش متظبط ومن غير ما يشرب الشاي.
ردت الجدة بهدوء وثبات:-
- وصل له مكالمة من الشغل وقال إنه نسى حاجة مهمة.
- آآه .. ربنا يستر وميبقاش في مشكلة إن شاء الله.
- ماحكتيش ليا إزاي بقاا وصلتي لأمان، وأيه إللي حصل، عيونك بتقول كتير أووي يا عهد.
غامت أعينها بحزن وقالت:-
- السابعة الأوائل على الكلية لهم فرصة يتدربوا في مشاتل وشركة أمان، روحت معاهم والحمد لله ليا نصيب اتدرب فيها وأخد خبرة ولما روحت تفاجأت بأمان..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ماما وبابا يا دولا مضايقين عليا وأختي مش رحماني، ماما زعلانة هي وبابا على لبسي وبيسمعوني كلام في الراحة والجاية ومصممين إن أغير طريقة اللبس.
تسائلت الجدة دلال بنبرة ذات مغزى وهدوء ظاهري:-
- طب وإنتِ أيه رأيك.؟!
التفتت إليها عهود وقالت مسرعة:-
- ودي عايزة كلام، إنتِ بتسأليني السؤال دا بردوه يا دولا، بعد ما أخيرًا لقيت بر الأمان ارمي نفسي تاني في البحر إللي كان كل يوم بيبلعني جواه أكتر وأكتر..
متعرفيش كم الراحة والسعادة والحماس إللي جوايا، متعرفيش كم الطمأنينة بعد ما لقيت كل أجوبة لأسئلتي، معقول يا دولا بعد ما خرجني من الظلمات للنور أسيبه وأسيب الحلاوة دي كلها..
أنا كنت عارفة إن الطريق مش سهل وكله عقبات وصعوبات، بس مش أصعب من إللي قبل كدا، وأنا بفضل الله وكرمه ورحمته هقدر أنجح في الإختبار ده وأجتازه..
أنا أقدر أنا قدها وقدود ..
لسه الطريق طويل وأنا لسه في بدايته وإن شاء الله ربنا هيسخر ليا إللي يشدد بعضُدي ويقويني كفاية هو موجود.
تنهدت براحة وواصلت بينما الجدة تستمع لها بفرحة عارمة:-
- الصحبة الصالحة رزق ولسه معاد الرزق ده مجاش، لما مش بلاقي حد أكلمه وببقاا وحيدة ببص للسما بحسّ بونس غير عادي ووحدتي بتتبخر .. كفاية كلامي معاه..يكفيني والله..
الزوج الصالح رزق ولسه معاد الرزق ده مجاش، بس أنا واثقة إن دا ترتيب من رب العالمين ليا، شوفي يا دولا أنا واثقة إن مرتبلي حاجة إنما أيه .. تليق بإنتظاري وتليق بكرمه سبحانه.
لسه مسيرة تعليمي في البداية، قدامي أهداف كتير أووي نفسي أحققها .. هشتغل وأبني لنفسي كيان .. لسه هاخد درجة الماجستير والدكتوراه وأقدر أضيف للحياة بصمتي..
هحقق حلمي إللي بنيته من البداية بس الطريق اختلف، هقدر أوفر  للمواطنين وأقدملهم منتجات طبيعية مش مليانة بالسموم، نفسي أغير كتير أووي يا دولا..
آآه يلا أسيب كل حاجة تيجي بالتدريج ومستعجلش النجاح، من تأنى نال ما يتمنى..
ربتت الجدة على ظهرها ورأسها وقالت بقوة تبثها داخلها:-
- اعرفي إنك على الطريق الصحيح يا عهود وإللي طال رجعتك ليه، هتوصلي للي إنتِ بتتمنيه وزيادة يا بنتي، وحطي في بالك الجملة دي يا بنتي من استقامت علاقته مع الله استقام له كل هدف..
إنتِ قوية وشجاعة .. تقدري تبقي أي حاجة معادا ضعيفة، إنتِ واجهتي كتير وهتواجهي أكتر..
الراحة يا بنتي ماتخلقتش في الدنيا لأنها في الجنة، الإنسان لابد يفضل في كبد وتعب وشقى لغاية ما يروح للي فوق ويجازيه..
أيامك كلها هتبقى فرحة وهنا لأنه كريم وحنين أووي..
أهم حاجة ثقتك ويقينك مايتزعزعوش.
فهماني يا عهود..
حركت رأسها بإصرار وقوة:-
- أفهمكِ جدتي..
                                *********
شعرت بالتعب يأتي لها مرةً أخرى ويتمكن منها فيجعلها حتى عاجزة أن تجلب لنفسها بضع قطرات من الماء..
الجميع منشغل فيما يخصه وهي بقت وحيدة..
ابنتها تحيا داخل الهاتف وتغلق غرفتها عليها بعالم موازي أخر..
وزوجها توفيق يسعى خلف العمل ويُحصّل الصفقات ليس لديه الوقت ليُسامرها أو يسأل عن أحوالها، رمى كل هذا فوق أكتاف ممرضة جاء بها لترعاها وتهتم بشؤنها وخادمة تفعل ما يتطلبه المنزل إلى أن تتعافى من تلك الوعكة الصحية التي تجعلها طريحة الفراش.
هاجمتها الذكريات ... عندما كانت تصاب بتلك الالتهابات الكبدية .. هي الوحيدة التي كانت تتولى كل ما يخصها، كانت لا تتركها لوحدها وأفكارها..
تأتي بكُتبها وكل ما تحتاجه لغرفتها وتجلس تذاكر أمامها بهدوء حتى لا تتركها وحيدة، حتى أنها كانت تنام بصحبتها..
تهتم بطعامها وشرابها .. والأهم من هذا حالتها النفسة فكانت لا تتركها طرفة عين ...
إنها صاحبة القلب الحنون ابنتها عهود..
لكن أين هي عهود!! .. قد جعلوها تترك المنزل عنوة وتقيم عند جدتها وها هي وحيدة بعدما أصابتها تلك الأزمة، لو علمت عهود لأتت حبوًا .. تعلم هذا جيدًا.
إنها ابنتها وتعلم ما بداخلها جيدًا..
تسائلت بتعجب .. ما هو جُرم عهود حتى تَلقى كل هذا منهم، حتى من تقع في الخطيئة ببعض الأحيان وخاصةً بهذه الطبقة لا يكون جزاءها ما تُعانيه عهود..
ابتسمت بوجع .. فقد أتت النكبة تلك لتُعْلِمها من هي عهود فلذة كبدها..
- حقك عليا يا عهود .. حقك عليا يا بنتي، ظلمتك وقسيت عليكِ كل السنين دي علشان في البداية ذنب مش ذنبك وعارفة إنك بريئة منه .. وذنبك التاني إنك حبيتي العفة..
ياااه قد أيه إحنا بقينا وحشين يا بنتي..
بس خلاص آن الأوان إن كل حاجة تتغير وترجع لأصلها الصحيح، وأمك هي إللي هتجيبلك حقك يا عهود.!
يُــتبـــــــــــــع..~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- صباح الفُل يا دولا.
رددت الجدة وهي تجلس حول المنضدة المستديرة:-
- صباح الورد يا عهود، شكلك صاحيه من بدري، أيه هتروحي الشغل!
- صليت الفجر وقرأت شوية قرآن .. وعملت يا ستي كيكة الرواني وحضرت الفطار علشان تفطري من إيدي النهاردة.
قالت ورشفت المتبقي من كوب النسكافيه ذا نكهة الفانيلا خاصتها.
- أيه النشاط دا كله، تسلم إيدك يا عهود.
- بصراحة أجواء البلد هنا الصبح تحفة، هنا ساعة الاستيقاظ الرسمية الفجر .. تلاقي الناس كلها انتشرت في الشوارع والأجواء كلها هدوء ونشاط كدا، في المدينة يوم ما حد بيصحى بدري تبقى الساعة تمانيه..
رددت الجدة بفخر:-
- أجواء الريف مفيش أجمل من كدا، الخير والبركة والنشاط كله، أما ندوق عمايل إيدك يا ست عهود.
حملت عهود حقيبتها ثم طبعت قبلة على جبين جدتها وقالت:-
- أنا بعد ما أخلص شغل إن شاء الله هفوت على ماما أبص عليها.
- تمام .. سلاماتي للجميع.
- سلاااام يا دولا.
كانت تسير بهدوء ووقار وعقلها يضج بالكثير من الأفكار، تنهدت تنهيدة طويلة ونظرت للسماء ثم همست سرًا تحدث نفسها:-
- كدا تمام، أبدأ أظبط أموري وأطور من نفسي، الحمد لله أنا مرتاحة بصراحة الوحدة مش مضرة زي ما الكل مفكر، أنا واحدة من الناس جربت قبل كدا وشوفت عواقب الإختلاط، حاسة إن مرتاحة ومن جوايا صافية مفيش داوشة..
مفيش حاجة إسمها وحدة، العالم مليان والحياة مليانة بحاجات كتير نقدر نعملها، نشغل نفسنا بحياتنا هي أولى بكل الإهتمام ده، أنا حاسه أصلًا إن معنديش وقت لحد.
وكفاية لما بحسّ إن الحزن أو الضعف قرب من قلبي كفاية إن أرفع راسي وأبص للسما بحسّ ساعتها وكأني أمتلك العالم أجمع.. شكرًا يا الله على ما منعت وما أعطيت.
بشكرك على كل النعم السما والهوا والشجر والبحر والزرع والورد .. وكل ما خلقت.
ولجت للمشتل وإلى الجزء الخاص بها وأرتدت مريول خاص فوق ملابسها وبدأت تباشر عملها بكل تفاني ونشاط وسط الزروع والورود مختلفة الألوان وتارة أخرى تنتقل بين شجر الفاكهة العضوية.
كان أمان يحاول بشتى الطرق أن يشغل عقله عنها لكن هيهات فقد كان يرى في كل شيء أمامه عهود هي فقط محور تفكيره ومن يعصف بحبها قلبه.
يفكر كيف أن يعوضها على ما فات، من الأساس كيف يسامح نفسه على ما فعل؟! 
يتذكر هذا اليوم الذي وقفت أمامه بعدما قرر إرسالها إلى العميد وشهد بسوء أخلاقها وأنها قامت بسرقة الإمتحان من مكتبه وثبت هذا عندما تم تفتيشها ووُجَد الإمتحان بحوزتها، وصدّق تلك الشائعات التي لا يعلم من أين خرجت بأنها كانت تحاول إغرائه.
وحينها قرر العميد بشأنها عقد مجلس تأديب كان الحكم فيه فصلها من الكلية دون عودة.
لا يذهب عن عقله وقوفها أمامه بدموع متحجرة وقالت بنبرة غريبة يملؤها الثقة:-
- "افتكر شكلي كويس وأوعى تنساه يا دكتور، وخليك فاكر إن هيجي يوم وهتندم.. هتندم أشد الندم على ظلمك ليا بس أنا ساعتها مش هبقى موجودة."
وعندما تم فحص كاميرات المراقبة التي كانت متوزعة بممرات الكلية تبينت الحقيقة اللاذعة والتي كانت بمثابة خنجر استقر بقلبه وصورتها بقت بربوع ذاكرته عامًا خلف عام، تطارده بأحلامه ويقظته.. دموعها التي كانت بمثابة حُمم يتقلب بها طيلة تلك السنوات التي ظلّ يجوب ويدور بها للبحث عنها لكن كانت على وعدها في أنه لن يجدها.
حاول صرف أنظاره عنها ووقف وسط المتدربين وقلبه يضج بدقات ثائرة.
تنحنح أمان وتسائل بجدية:-
- من خلال نظرتكم عند حد فيكم إقتراحات لتطوير المشتل  والمجموعة.
ظلّ الجميع يتناقش بأشياءٍ عديدة والتزمت عهود الصمت إلى أن جاء دورها في الحديث.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
تحدثت بعملية وهي تقدم ما لفت إنتباهها ولم يستطع أمان سوى الغوص بحبها أكثر:-
- إحنا في موسم الصيف وزي ما إحنا عارفين فاكهة الصيف كتيرة ومفيدة .. حاليًا الفاكهة إللي في السوق بالمعنى الحرفي متتاكلش، كلها هرمونات ومبيدات حتى المبيدات ضغت على طعم الفاكهة نفسها ودا اتسبب في حالات تسمم كتيرة، الفاكهة والخضار العضوي غالي جدًا غير أن أصلًا مش متوفر، وحتى بيتوفر لطبقة معينة من الناس.
ليه مش نوفر فواكه وخضار عضوي ويكون في فاكهة صحية وآمنة للأطفال والشعب وبمبالغ معقولة.
دا شيء أنا ملاحظاه ومن ضمن أهدافي إللي نفسي أحققها.
كان إعجاب أمان يزداد كلما أكثرت من الحديث وتسائل بداخله أنها هي نفسها من أبعدها عن هذا المجال بسبب ظلمه وإفتراءه.
قال وهو يسحب أعينه بعيدًا عنها بالكاد:-
- حقيقي فكرة ممتازة يا آنسة عهود وهنبدأ إن شاء الله نشتغل عليه وندرس الموضوع كويس.
بحيكِ وحقيقي شكرًا جدًا لحضرتك.
شعرت بالخجل لإطرائه ورددت بصوت خفيض:-
- العفو يا باشمهندس.
انصرف الجميع وخرجت عهود وقت الإستراحة وجلست على أحد المقاعد التي بين الورود وأخرجت من حقيبتها كوبها المعدني ذا اللون الأبيض والمنثور عليه ورود باللون الوردي. 
أخذت ترتشف مشروب النسكافيه خاصتها بتلذذ وتحدث بداخلها:-
- اعقلي يا عهود إنتِ هتخيبي ولا أيه .. ليه دايمًا بيداهم تفكيري بالطريقة دي، ليه حاسه الإحساس ده وهو موجود في المكان وكأني كنت في سباق لأميال بعيده.
حتى زمان عمري ما جربت الشعور ده، أيوا كنت طايشة ومعرفش حاجة عن ديني ألا كلمة مسلمة إللي في البطاقة بس وكنت متحررة بس عمر ما كان ليا علاقة حب ولا في حياتي جربته وأخدت عهد على نفسي إن أعيش كل تجارب الحب مع حلالي وبس وإن محدش يستحقها ألا هو.
يارب متعلقش قلبي بإللي مش ليه واحمي قلبي واحفظه من الأوجاع. 
قطع محادثتها مع نفسها مجيء رغدة ودينا واللتان جلستا بجانبها لتلكزها دينا وتقول:-
- عاش من شافك يا عهود، أيه يا بنتي معتزلنا ليه كدا.
- مفيش والله يا دينا بس إنت عارفة بقى الفترة دي علشان تدريب ويدوب بخلص الشغل وأروح عالطول.
تحدثت رغدة قائلة فجأة:-
- تعرفي يا عهود أنا بدأت اقتنع إن إللي إنتِ بتعمليه هو الصح، إنك قافلة على نفسك ومش بتسمحي لحد يخترق محيطك .. حقيقي شيء مريح نفسي أجربه.
نظرت لها عهود بتعجب ودينا أيضًا لتتسائل عهود عندما رأت الهمّ مرتسم على وجهها:-
- مالك يا رغدة شكلك زعلان وأيه سبب الكلام إللي بتقوليه.
- بصراحة مليت من حياتي ومن إللي فيها يا عهود حساها حياة بتسبب ليا المتاعب والأوجاع.
نظرت لعهود وأكملت:-
- كنت مفكرة إن مش ناقصني حاجة وإن أنا كدا فلة .. أصحاب وشلة وكمان مرتبطة..
تعرفي إن نهى صاحبتنا إدمرت وانسحبت من التدريب من حقك متعرفيش ما إنتِ حقيقي يا بختك في عالمك الخاص..
لما بفكر شوية مع نفسي بقول نهى ما شاء الله جمال ومال ولبس على أفخم الموضات والأشكال .. يعني شخصية من وجهة نظري متكاملة .. ومع ذلك عليّ راح خانها ومع واحدة متجيش حاجة في نهى .. أنا يمكن اتصدمت أكتر منها..
إزاي واحدة بالمواصفات دي كلها تتخان أصلًا وبعدين عليّ كان غارق في حب نهى دا كان واضح إنه بيعشق التراب إللي بتمشي عليه .. يعني لو كان حد قالي مكونتش صدقت..
وزي ما بيقولوا مصائب قوم عند قوم فوائد، أنا بدأت أراجع نفسي وأبص في حياتي ومش اتصدمت أبدًا لما لقيت فادي زي عليّ..
شهقت دينا ونظرت لها بعدم تصديق متسائلة:-
- إنتِ بتتكلمي بجد .. فادي بيخونك.
ابتسمت رغدة بلامبالاة وأجابت:-
- إحنا كنا مجرد تسالي لهم مش أكتر يا دينا إحنا طلعنا ساذجين ومساكين أوي يا دينا وعلشان أريحك وكفاية كدا محمود كمان زيهم .. لازم نفوق شوية، أنا مش قادرة أوصفلك الإحساس إللي حساه يا عهود..
أنا مش حاسة بخيبة الأمل ولا الحزن ولا الصدمة..
أنا حسيت بقلة القيمة والشخصية والكرامة، حقيقي حسيت بالضعف أوي ... وقفت مع نفسي واقفة علشان أمحي إللي فات ونفسي أبدأ صفحة جديدة..
بس حقيقي الحمد لله إن مكونتش معمية وموقفتش حياتي على شخص رخيص ودمرت الفرصة دي وضيعت كل حاجة..
صمتت دينا وهي تشعر وكأنها تنغمس ببحر سحيق، لكن عهود ابتسمت وأمسكت يديّهما وقالت:-
- إنتوا الاتنين وكمان نهى ربنا بيحبكم أووي لأن الحمد لله إن ربنا بيّن لكم الحقيقية وكشف الشخصيات دي قبل فوات الأوان، هما أبدًا مش يستاهلوا قلبكم، لأنكم غالين أووي وقلبكم غالي مش يستحقوا ألا غالي يا بنات...
في داهية وربنا أنقذكم منهم احمدوا ربنا وابدأوا صفحة جديدة في حياتكم إنتوا الأول فيها وماتستولوش أي حد على نفسكم ولا تيجوا عليها علشان خاطر حد..
طوري من نفسك وحبيها وعيشي حياتك بما يرضي الله. 
                                   *******
- عهود!! إنتِ أيه جابك هنا.؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ركضت نحوها بلهفة وقد انفرطت دمعها ورددت بلهفة:-
- ماما إنتِ تعبانة .. أنا آسفة يا ماما حقك عليا والله ما كنت أعرف وأنا غلطانة كان المفروض أطمن عليكِ.
قوليلي إنتِ كويسة أيه بيوجعك .. تعالي نروح للدكتور.
ابتسمت والدتها فلم تخيّب عهود ظنها وأمالها وشعرت بدماء الحياة تعود لوجهها بعد تلك الوحدة التي عانتها دون رفيق والجميع منشغل بحياته عنها.
لم يكن ردة فعلها سوى أن سحبتها نحوها واحتضنتها بقوة وهي تمسح على جسدها بحنان..
تخشبت عهود بصدمة وهي غير مصدقة لموقف والدتها العجيب، منذ زمن لم تشعر بهذا الحنان الجارف، منذ ست سنوات لم تحتضنها ولم تبتسم بوجهها.
- حقك عليا يا حبة قلبي يا عهود، سامحيني على قسوتي يا عهودي يا أجمل وأحلى الورود في زرعتي...
كنت واثقة إنك هتيجي وأنا بقيت حلوة لما شوفتك يا حبيبتي.
كانت عهود لا تشعر بما حولها وكأنها بعالم موازي .. انفجرت ببكاء عنيف حتى علت شهقاتها ولم تفوت تلك الفرصة فأخذت تغمس نفسها أكثر وتنعم بحنان أموي قد حرمت منه كثيرًا..
- ماما .. نوجا .. بجد أنا مش بحلم، لو تعرفي حضنك قد أيه وحشني وعهودي كمان وحشني أسمعها منك..
حقيقي أنا مش مصدقة أنا حاسة إن طايرة من الفرحة..
- ربنا يفرح كل أيامك يا عهود .. سامحيني يا حبيبتي على قسوتي.
- متقوليش كدا يا ماما وأوعي تطلبي السماح تاني، يلا بينا هجمع هدومك وتيجي معايا نقعد في البلد يومين تغيري جو حقيقي الجو هناك فظيع ومليان بالطاقة ويرد الروح.
وكمان نفوت على الدكتور ونطمن عليكِ.
- لا يا عهود أنا مليت من الدكاترة والممرضة قاعدة معايا عالطول مليت منها يا بنتي.. 
- هو بابا مش بيجي البيت ولا أيه.؟
- هو كان بيتأخر في شغله لأن اليومين دول عنده صفقة مهمة وسمر أختك بتفضل برا طول النهار وبتخرج مع أصحابها وخطيبها بليل ولما تيجي بتفضل سهرانة وهكذا...
شعرت بالألم لأجل هذا ولتركها وحيدة بتلك الطريقة في مرضها، ابتسمت رغمًا عنها وقالت بحنان:-
- خلاص علاجك عندي يا ست نوجا بصي هظبط... يلا بينا.
وخرجتا من المنزل وبعد مدة قلية كانت عهود تطرق باب الجدة بمرح ولهفة..
نظرت الجدة لوالدة عهود بأعين نصف مغلقة مغلفة ببعض الغضب لكن ابتسمت والدة عهود لها ثم انحنت تقبل يديها، وهمست:-
- أمي دلال وحشتيني..
لم يصمد غضب الجدة أمام ضعف وهوان والدة عهود وجذبتها لأحضانها بحنان.
- اهلًا بمرات ابني توفيق قليل الأصل، ادخلي يا بنتي.
وقفوا جميعًا ببهو المنزل لتقول الجدة فجأة:-
- كويس إنك جيتي حظك حلو ...
نظروا جميعًا لبعضهم بتعجب لتفسر لهم الجدة وتزيل تعجبهم:-
- أصل في عريـس متقـدم لـعهـود. 
يُتبع...~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
 عريس.!! عريس مين يا حماتي؟ طب مش ادتينا خبر ليه!
- أديني بقولكم أهو، رنيت على توفيق أفندي ومردش على أمه.
تجمدت عهود وهي تشعر بالتيهة والإضطراب والتزمت الصمت بينما تسائلت والدتها بحماس وفرحة:-
- مين هو يا حماتي، شاب كويس وابن حلال كدا.
تنهدت الجدة وابتسمت ثم قالت:-
- تعالي بس اقعدي ارتاحي الأول يا أم عهود، وبعدين إنتِ عارفة إن مستحيل أرضى لعهود حد أي كلام..
شاب من طرف حد حبيبنا وسألت عليهم بنفسي وكدا كدا هقول اسمه لتوفيق علشان يسأل بردوة..
الناس عايزين ميعاد علشان يزورنا..
- أنا هحاول أكلم توفيق يا حماتي.
قالت الجدة بصرامة ودهاء:-
- لا ملكيش دعوة بتوفيق إنتِ يا أم عهود أنا هعرف أجيبه لغاية هنا إزاي.
ابتسمت نجلاء ونظرت لعهود التي بالكاد كتمت إبتسامتها..
- يلا يا نوجا تعالي ارتاحي في أوضتك وخدي العلاج..
ونظرت لجدتها نظرة ذات مغزى وقالت:-
- هاجي تاني يا دولا علشان أحضر العشا لأن جعانة جدًا..
اصطحبت والدتها حيث غرفة بسيطة مريحة الأجواء وأخذت تساعدها بإزالة ملابسها وهتفت بحنان:-
- يلا خدي دوش كدا علشان تفوقي..
خلعت والدتها ملابسها وقالت بحماس:-
- أنا مبسوطة أوي يا عهود .. حاسه إن في خير جاي والله .. وأول مرة أحس الإحساس ده، متفائلة بالعريس ده أوي ويارب يكون لكِ نصيب يا بنتي ويفرحك ربنا.
اضطرب قلب عهود والخوف يتمكن منها رغمًا عنها، الخوف من شبح التجارب السابقة التي كانت تترك الأثار السلبية بداخلها .. إضافة إليها خوف جديد وهو الخوف من المشاعر المستحدثة التي باتت تحتل قلبها..
كتمت كل مشاعرها عن والدتها وأخذت تصب الماء البارد فوقها وتُدلك ظهرها بحنان لكن هيهات فقلب الأم استطاع أن يلتقط تلك الذبذبة..
ساعدتها في إرتداء ملابس نظيفة وجلست خلفها تجفف شعرها وتمشطه بهدوء..
- حاسه بيكِ .. عارفة إنك خايفة، متحاوليش تخبي عني خوفك وقلقك، أوعي تضعفي يا عهود أنا معاكِ من النهاردة ومش هسيب إيدك تاني أبدًا..
أنا بتقوى بيكِ ومينفعش تبقي ضعيفة لأن الضعف مش لايق على عيونك..
عارفة إنك مريتي بتجارب سيئة بس قبل كدا كنا كلنا ضدك وقاومتي وحاربتي ودلوقتي مش لواحدك .. أنا معاكِ في ضهرك ومش هسيبك..
صمتت قليلًا بينما كانت أعين عهود تفيض بدموع ولم تستطع السيطرة على مشاعرها لترتمي بحضن والدتها، وشهقت قائلة بلهفة:-
- أيوا يا ماما أوعي تسبيني تاني، أنا كنت تايهة ومن غيرك ولا حاجة يا أمي، إنتِ النور والحياة من غيرك ضلمة، إنتِ الأمان ومن غيرك الوحشة بتملى أيامي..
دايمًا احضنيني يا أمي .. حضنك بيداوي كل إللي العالم بيخربه جوايا..
شددت والدتها من احتضانها وهي تزيد من بكائها متحسرة على ما فرطت به.. مسحت على رأسها ثم هتفت بهدوء:-
- تعرفي إن مريت بنفس تجربتك دي قبل جوازي، وكان جدك راجل بسيط شغال ممرض في مستشفى، واتقدملي يجي أكتر من عشر عرسان .. فيهم إللي يرفضني وإللي مش مناسب وإللي مفيش نصيب..
ميغركيش أبوكِ دلوقتي، اتشغل كتير والشغل أكل راسه..
ربنا عوضني بيه، كان راجل بسيط وحنين وعوضني عن كل ألم ووجع مريت بيه في حياتي ودوقني كل الحب..
بس كان ليل ونهار بيشتغل علشان يبني نفسه بنفسه ولما شغله كبر .. نساني وبعد عني بس أنا واثقة إن قلبه لسه زي ما هو .. متزعليش منه يا عهود كان شيطان ومسيطر علينا ومسيره كمان يتخلص منه..
- عمري ما زعلت منكم يا أمي أبدًا .. أهم حاجة عندي إنكم بخير وأنا على يقين إن كل حاجة هترجع لمجراها..
- يارب يا بنتي يارب، يلا علمني كل حاجة إنتِ اتعلمتيها..
- يلا يا ست نوجا، أعملك أحسن ضفيره، ونتغدى وتاخدي علاجك ونقعد برا تحت تكعيبة العنب ونتكلم ونتعلم كل حاجة..
وأخذت تُجدل خصلاتها ويكاد قلبها يقفز من سعادته، لكن ما يعكر صفو تلك السعادة هو هذا العريس المزعوم..
همست بداخلها:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- يارب مبقيتش حِمل أي انتكاسات تانية، أنا متوكله عليك يارب وتاركة أمري لك يا مدبر الأمر  .. خليك معايا أنا خايفة أووي، التجربة دي بقت توجعني..
يارب لا تجعل وِدي لمن لا يستحقه يا لطيف بعباده..
لك الحمد يارب شكرًا على رجوع أمي ليا ويارب طيّب قلب بابا وأختي سمر أبعد عنهم همزات الشيطان وشيل الغيامة عن عيونهم..
                                  *********
دخل المنزل يلهث مسرعًا وجثى أمام والدته التي كانت تجلس بشموخ وكبرياء..
تحدث بلهفة يسأل مُمسكًا بيدها:-
- حقيقي يا أمي إللي سمعته .. أوعي تعملي كدا فيا يا أمي.
انتزعت يدها بشدة من يده وأردفت بحدة:-
- أهلًا بتوفيق أفندي .. يعني مشرفتش ألا علشان مصالحك، مش علشان تشوف أمك..
عمومًا دا حقيقي الأرض بتاعتي كلها أنا اتبرعت بيها .. هيتبنى عليها مستشفى ومدرسة .. أنا حرة في مالي يا سيدي..
قال بلهفة بينما كانت عهود ووالدتها جالستان يشاهدون ما يحدث بصمت تام:-
- بس يا أمي إنتِ عارفة إن كنت عايز أعمل مشروعي عليها، وطلبت أشتريها منك..
ظلت الجدة دلال على شموخها وقالت بصرامة شديدة تليق بها:-
- وأنا يا ابن فاضل بقولك مش بايعة وهعمل بيها لنفسي صدقة جارية علشان عارفة إن بعد موتي مش سايبة ورايا ولد صالح يدعيلي ولا يتصدق على روحي..
أعمل مشروعك بعيد عني وعن البلد إللي كبرت عليها بعد ما بقيت توفيق باشا ومش مقامك تنزلها أبدًا .. يبقى هتعمل مشروعك هنا ليه!!
أخفض رأسه بخزي من نفسه وكأن حديث والدته العجوز قد أعراه أمام نفسه، رفع رأسه ليجد زوجته جالسة بعيدًا تشاهد ما يحدث، تعجب من وجودها وتسائل:-
- نجلاء إنتِ هنا بتعملي أيه.!!
ابتسمت بسخرية وهتفت وهي تقترب:-
- يعني ملاحظتش لما روحت البيت إن مش موجودة فيه، يا خسارة عليك يا توفيق للدرجة دي مشغول وعايش في دنيا تانية حتى وأنا تعبانة مكلفتش نفسك إلا مادي بس مسألتش عليا مرة ولا نمت جمبي ليلة..
كل ده ليه يا توفيق..!!!
عمومًا عهود هي الوحيدة إللي سألت عليا فيكم زي ما كانت بتعمل كل مرة وانتوا كل واحد عايش في دُنيته، وحاسه من غير لا ممرضة ولا دكتور ولا علاج إن صحتي رجعتلي..
قال بعصبية عندما علم أنها قد خرجت من المنزل وتركته فارغ فبقى إذن وحيدًا:-
- بقى كدا يا نجلاء تسيبي بيتنا .. يعني كدا أطلع وأدخل البيت الاقيه فاضي، اتصافيتي مع بنتك وجيتي تقعدي معاهم هنا وسيبتيني هناك مع بنتك إللي مش بتكلم ألا خطيبها..
ابتسمت عهود فهي حقًا تعلم مدى طيبة قلب والدها فهو يشبه الأطفال في غضبه، جاءت نجلاء تتحدث فسبقتها الجدة دلال بغضب وهي تلكزه بكتفه بيدها المجعدة:-
- ماله هنا يا ابن دلال.. إنتِ إللي اختارت بيتك يبقى فاضي، وأيه بنتك دي !.. إنت إللي عملت كدا وبعدت عن بناتك..
ومالها عهود يا واد إنت!! مقاطع بنتك ولاوي بوزك في وشها حقيقي النعمة تقيلة على البني آدم..
نظر توفيق لعهود فابتسمت له ليجأر قلبه حنينًا لها ولإحتضانها فهي كانت الأقرب لقلبه، لكن واصل بعناده وقال بغضب:-
- دي إللي بتكسر كلام أبوها عاجبك يعني إللي هي بتعمله دي والحال إللي بقت فيها..وناسيه زمان إزاي واطت راسي..
نظرت الجدة لعهود ووجهت أنظارها نحو ولدها وقالت:-
- زينة البنات  .. أيوا عجبني إللي عملته؛ لأنها عملت الصح عقبالك..
جاء يتحدث فقاطعهم رنين الهاتف، نظر لهم توفيق بسخط ثم أجاب الهاتف بتذمر ليصعق بعدها ويُلقي بالهاتف بعيدًا مما جعل الجميع في حالة شديدة من الذعر، خرج يركض وهو يصيح بإسم واحد جعل الجميع يدركون أنها مصيبة سقطت عليهم..
- سمر ... سمر..
خرجت عهود تركض وخلفها الجدة ووالدتها التي أصابها الفزع من أجل ابنتها الصغرى..
- في أيه .. حصل أيه يا توفيق.!
ركب السيارة في عجالة ليقفز الجميع في السيارة، وأجابهم وهو بالكاد يتمالك:-
- سمر .. سمر .. كلموني من المستشفى .. أصحابها وبيقولوا إنها انتحرت..
                                  *********
- أمان .. إنت يا واد مدفوس في الأوضة بتعمل أيه..
خرج أمان وعلامات النوم تبدوا عليه وهتف:-
- نعم يا أمي خير..
قالت والدته بخوف وحيرة:-
- شوفت بيت ستك دلال خارجين بعربية ابنها على الأخر وهما بيجروا .. شكل في حاجة عندهم يا ابني.. اتصل اطمن..
ردد بفزع بتلقائية:-
- عهود..
سعى نحو هاتفه ولم يجد سوى رقم الجدة التي يلازم هاتفها جيب عباءتها .. ضغط يتصل ودقات قلبه بلغت عنان السماء والرعب تلبسه من أن يكون أصابها مكروه..
- ستي .. في أيه .. حصل حاجة عندكم..
قالت الجدة بإنهيار وهي تشعر بالتيهة وأن العالم يدور حولها:-
- أمان .. حفيدتي هتروح مني .. خلاص إدمرت..
فور أن سمع تلك الكلمات ألقى الهاتف ولم يتمالك نفسه معتقدًا أنها تتحدث عن عهود..
ركض خارج المنزل غير مستمع لنداء والدته القلقة، فقد كان بعالمٍ آخر وهو يتصور أن قد حدث السيء لعهود، فمازال لم يخطو أول خطوة تجاهها..
- عهود ... لا يارب .. مش هقدر مش هتحمل..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
واختتم قوله بالدموع التي سقطت رغمًا عنه..
                              **********
- في أيه يا دكتور بنتي مالها..
- حالة إنتحار متأخرة، لأن بنتكم قطعت شريان إديها الأتنين وفقدت كتير جدًا من الدم.
اهتز بدن عهود من الصدمة وكلمة "انتحار" تتردد بأذنها، أصبحت قدميها كالهُلام فسقطت على الأرض الصلبة وهي تضع كفها فوق فمها بإنهيار..
سند توفيق كلًا من زوجته ووالدته التي أوشكتا على السقوط..
صاحت الأم بلوعة وانهيار تام:-
- محصلش .. بنتي متعملش كدا، دي دايمًا مبسوطة وعمر ما حد زعلها .. بنتي مستحيل..
حاول توفيق الصمود وهو يشعر أن جبل سقط فوق قلبه، تسائل بإرتعاش:-
- طب هي هتعيش صح .. يعني أنا مستعد أعمل أي حاجة قولي أيه المطلوب..
- محتاجين دم كتير علشان نعوض إللي فقدته، بس للأسف فصيلتها مش متوفرة في المستشفى ومحتاجين كذا حد يتبرع لو مناسب علشان نوفر الكمية..
توسعت أسماع عهود فهي الوحيدة التي تتطابق فصيلتها مع فصيلة شقيقتها ولا أحد يعلم هذا..
التفت الجميع لبعضهم البعض فلا أحد منهم تتطابق فصيلته مع سمر .. لكنهم لا يعلمون ما هي فصيلة عهود من الأساس..
- هدور على الفصيلة وأجيبها من تحت الأرض..
تحاملت عهود على نفسها وسط انشغال الجميع، وخرجت خلف الطبيب وقد قررت ما ستفعل..
- السلام عليكم، لو سمحت يا دكتور أنا نفس فصيلتها وهتبرع.
نظر الطبيب لجسدها النحيل وقال بعملية:-
- بس شكلك ضعيف جدًا..
- بس الحمد لله صحتي تمام، تقدر تسحب من دمي كل إللي تحتاجه..
- طبعًا مش ممكن؛ لإننا محتاجين كمية كبيرة، لو إنتِ مناسبة هنسحب منك الكمية المسموحه.
- تقدر حضرتك تسحب الدم إللي هي محتاجاه..
- مينفعش يا أستاذة دا خطر على صحتك.
- سيبها على الله يا دكتور.
- كله على الله، بس لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة.
صمتت قليلًا وقالت:-
- تمام أنا جاهزة، بس لو سمحت متعرفش حد إن أنا اتبرعت.
نظر لها بتعجب لكن حرك رأسه بإيجاب وردد:-
- تمام اتفضلي.
قال الطبيب قبل أن يقوم بعملية سحب الدم:-
- على فكرا حضرتك عندك ضعف تام وضعف في الفيتامينات وبنصحك بلاش.
قالت بتوسل:-
- يا دكتور توكل الله وأنقذ اختي أرجوك، اختي لازم تعيش حتى لو المقابل إن أنا هموت .. أختي مش لازم تموت منتحرة وتكون كفرت .. لا لازم ترجع وتتوب من الذنب ده.
أغمضت عينها وسقطت دمعتان حملتا الكثير وهمست داخلها مستنجدة به:-
- يارب انقذها وأنا بوعدك هي مش هتعمل كدا تاني .. اتلطف بيها يارب وقويها وقومها بالسلامة يارب..
إنت أرحم الراحمين يارب ...رجعهالي علشان نصلح علاقتنا، وأنا مش هزعل منها تاني..
هقبل كل معايرتها وكل ما هتقولي يا بايرة ياللي محدش بيبص في وشك وكل إللي يشوفك يهرب هحضنها ..
أنا مليش غيرها يارب وأنا عمري ما زعلت منها .. أنا إللي غلطانة علشان بعدت عنها .. الغلط عليا أنا..
                               *********
جاء أمان يهرول بلهفة وذهب مسرعًا نحو الجدة دلال التي تجلس بغير حولٍ ولا قوة..
- ستي .. ستي مالها عهود .. هي فين .. أيه حصلها؟
نظرت له بعدم فهم ليُكرر:-
- مالها .. متخوفنيش .. هي حصلها أيه..
تنهدت بتعب وقالت موضحة لتنتشل أمان من غيابات الجُب التي سقط بها:-
- مش عهود يا بني الله يحميها .. دي سمر أخت عهود..
سيكون منتهى العيب إن تنهد براحة أو سجد شكرًا لله أمامهم فمهما كان فشقيقتها من تنازع الموت، عاد قلبه إليه وعادت الدماء لوجهه وأردف وهو يواسيها:-
- هتبقى بخير ربنا كبير وإن شاء الله تقوم بالسلامة..
كان توفيق يجري اتصالته وجاء مسرعًا مسرورًا:-
- لقيت كيس دم والأسعاف جيباه أقل من خمس دقايق هيكون هنا .. وهدور على باقي الكمية..
ترعرع الأمل في قلب نجلاء والجدة وسارعت نجلاء نحوه وهي تتكأ على الحائط:-
- بنتنا هتكون كويسة يا توفيق .. أنا أم مش كويسة لبناتي يا توفيق .. أيه يوصل بنتي للإنتحار وأنا بعيدة عنها..
قال بندم وهو يُسندها:-
- أنا إللي أب مش كويس يا نجلاء .. أنا مكونتش عارف قيمة حاجات كتيرة أووي في حياتي وكنت بجري ورا الشغل وإن أجمع فلوس وأملاك..
نظر حوله وتسائل ببعض الحدة:-
- أمال فين عهود .. دا وقت تختفي فيه، بدل ما تقف جمب أختها وتقف جمبك إنتِ وامي سيباكم وراحت فين! 
قليلة الأصل.. أمال فين الأخلاق والطيبة والكلام إللي كانت بتهرتل بيه.. هي بس مش شاطرة ألا تكسر كلام أبوها..
تعرفي لو كان حد قالي إن هي إللي انتحرت مكانش هيبقى موقفي ده..
توفيق كان يقصد؛ أن عهود تتعرض لضغطٍ عصبي ونفسي دائم وشديد من الجميع فسيكون الدافع للإنتحار موجود لديها غير سمر التي تتلقى الدلال والمحبة من الجميع، لكن من كان بجانبه لم يفهمها كذلك فأمان والجدة وحتى نجلاء قد فهمت بأنه يقصد أنه كان يتمنى الخلاص من عهود بدلًا من سمر..
أما عن عهود التي جاءت من خلفه تترنح بعد تعرضها لسحب كمية الدم الباقية لأجل شقيقتها، وقفت وكأن أحدهم قد طعنها بخنجر مسموم..
استندت على الحائط وشعرت بأن جسدها لم يتبقى به بقعة دمٍ واحدة، العالم قد اسود داخل عينيها وتلك الكلمات القاسية تدور وتتكرر داخل عقلها دون رحمة..
تمكن الدوار منها لكن واصلت السير مستنده بقوة وتحاملت ولم تُظهر شيء من ضعف.
بينما كانت جميع الوجوه مصدومة أكثرهم أمان الذي تألم قلبه لتلك الكلمات..
الجميع قد اعتقد أنها لم تسمع شي لكن هو كان قد قرأ على وجهها الحسرة والخيبة والألم..
راقبها وهي تسير مترنحة ووجها يبدو شاحب شحوب الأموات..
لماذا كل هذا!! ما الذي يحدث معها مجددًا بعد كل ما عانته؟!
أمن الممكن أن يكون هذا تبعات ما حدث في الماضي؟
- كنتِ فين .. سيبتي جدتك وروحتي فين، هو إنتِ للدرجة دي مش هامك أختك .. للدرجة دي بتكرهيها..
رفعت رأسها نحوه ونفت بهدوء وهمست:-
- كنت بسأل الدكتور على حالتها..
قال توفيق بغضب لا يعلم إن كان من نفسه أم هو نتيجة الصدمة:-
- ليه هي تهمك .. تلاقيكِ بتتمني موتها وشمتانة علشان كان الكل بيحبها وإنتِ لا..
نظر الجميع له بصدمة لهذا الكلام بينما رفعت عهود رأسها وابتسمت وهي حزينة لأجله ورأت الطبيب يأتي إليهم مسرعًا حاملًا البشارة:-
- الحمد لله بنتكم دخلت العمليات وعدت مرحلة الخطر.
صُدم توفيق واستفهم بتعجب:-
- ليه هو إنتوا لقيتوا باقي الدم.
نظر الطبيب نحو عهود وقال بإبتسامة صافية:-
- لقينا متبرع .. واتبرع بالكمية الناقصة
كان أمان يراقب الموقف واستطاع فهم الأمر بسهولة ليغرق في تعجبه..
- يعني كدا بنتي خلاص هتعيش يا دكتور.. 
- الحمد لله.. إن شاء الله تبقى بخير..
فرح الجميع واحتضن توفيق زوجته ولم يُدرك أنه أنقذ إحداهم بذبح الأخرى..
اسندت عهود رأسها على الحائط بتعب يفتك بها وابتسمت وهي تُغمض عينها وتسقط في ظلامٍ دامس..
- عُــــهــــــود.. 
يُتبع...~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
صرخ أمان وهو يقترب لكن سبقه والدها وهو يحمل رأسها بين يديه وقد انهار جموده وصلابته..
انطلى الهلع على ملامح وجهه، ورفع صوته يُنادي للطبيب:-
- دكتور .. دكتور هنا بسرعة..
جاء الطبيب وبصحبته ممرضة بينما تقف الجدة تشاهد الموقف بشبه إبتسامة .. لا عجب فمن الطبيعي أن تكون هذه علاقة الوالد..
انحنى توفيق وحمل عُهود ثم دخل إحدى الغُرف المُجهزة ووضعها برفق فوق الفراش..
- هي مالها يا دكتور .. أيه إللي حصلها..!
تسائلت والدة عُهود بخوف فاقترب الطبيب ليفحصها وهتف بعد مدة:-
- الآنسة اتبرعت بكمية كبيرة من الدم وكان لازم تعوض الدم ده، غير إن عندها نقص فيتامينات ومعادن والدكتور حذرها لكنها أصرت تتبرع لأختها..
كلمات نزلت على قلب توفيق وكأنها عاصفة رعدية لكن ابتسمت الجدة دلال فهذه هي عهود..
ابتعد وخارت قواه ليسقط على طرف الفراش، بينما اقتربت منها والدتها وبكت بعنف وهي تُقبل يديها بحنان:-
- حقك عليا يا عهود .. أنا السبب يا حبيبتي، والله يا بنتي إنتِ لو سامحتيني على الظلم ده أنا مش هسامح نفسي، حقك عليا، يلا فتحي عيونك يا أجمل ما شافت عيني..
أنا غلطانة أنا إللي أم مش كويسة، أنا أصلًا مستاهلش كلمة أم، أنا دمرت بناتي الإتنين .. سامحني يارب.
سحبتها الجدة برفق وهي تهدئها:-
- إهدي يا نجلاء .. إهدي يا بنتي، كل حاجة هترجع ودا كان إختبار طويل لكم كلكم وأهم حاجة إنكم عرفتوا قيمة إللي بين إديكم..
ألقت بنفسها دا أحضان الجدة وقالت بمرار:-
- أنا وجعتها كتير أوي يا أمي، أنا بعدت عنها كتير أووي .. أنا ليه كنت قاسية كدا يا أمي دلال.. قوليلي..
نظرت لتوفيق الذي يجلس بصمت وأكتاف ساقطة وقد اصفر وجهه، صاحت بوجهه وهي تبكي:-
- دي عهود يا توفيق إللي قولت عليها أنانية ومعندهاش أصل، ونفسها أختها تموت..
دي عهود إللي كان نفسك هي تموت بدل سمر..
دي عهود إللي قولت هحرمها من الأكل والشرب وهمنع عنها الفلوس لغاية ما ترجع لعقلها..
دي عهود إللي بعدنا عنها في محنتها ومصدقتهاش وظلمناها كتير..
في عز ضعفها ووجعها سبناها، أنا مكسوفة منها أووي والله..
كم استحقر نفسه، وكم كان حقير! كما قالت زوجته لا يستحق تلك النعمة، نعم عهود نعمة هو لا يستحقها.
اقترب أمان من توفيق ووضع يده على كتفه بدعم ثم هتف:-
- عهود بريئة من أي إتهام من إتهامات زمان، كان شوية عيال بعد تفوقها حبوا يبعدوها عن طريقهم، وأنا للأسف شاركت في ظلمها معاكم..
رفع توفيق رأسه ونظر له بتعجب ثم تسائل:-
- ليه وإنت أيه داخلك في الموضوع ده يا أمان. 
تنفس أمان بعمق ثم بدأ يسرد ما حدث قديمًا دون أن يترك تفصيلة صغيرة، لتنجلي حقيقية كانت عهود قد توسلت إليه وروتها له مرارًا وتكرارًا لكن قد كان أصم أعمى عن كل شيء..
خرج صوت توفيق ضعيف متسائل تعصف به عواصف الحيرة:-
- هي هتسامحني! يعني أقدر أرجع بنتي تاني ليّا.
اقتربت الجدة من ولدها وقلبها يأبى أن يراه في ضعفه هذا، وقالت وهي تُشير لهم لتسحبهم للخارج:-
- سيبوا عهود ترتاح شوية.
وأكملت تقول بهدوء لتوفيق الذي جلس بضعف وخنوع:-
- بص يا توفيق أنا أكتر واحدة عارفة عهود لأني أقرب حد لها، آن الأوان يا ابني تفوق من إللي إنت وقعت فيه ده، عهود قلبها صافي وطاهر وكان خسارة من زمان القلب ده يضيع بين إللي كانت فيه قبل كدا..
ربنا حكيم يا ابني وعادل، كل الأزمات إللي مرت بيها عهود من أول إنها تتظلم وتنخدع من أقرب الناس ليها .. صحابها إللي كانت مستعدة تفديهم بالغالي، وبعدين الكلام الزور إللي طعنوها بيه .. وحرمنها من الكلية إللي طول عمرها بتسعى لها وتعبت لغاية ما وصلتلها بمجهودها واتحدت الكل..
وبعدين أهلها وأقرب الناس ليها بدل ما يدعموها لا كمان بعدوا عنها .. غير إنها سنتين بطولهم خسرت صحتها وعانت..
دا كله يا توفيق علشان توصل للي وصلتله وأنا واثقة إنها هتوصل لأكتر من كدا..
العفة حلوة يا ابني، عمر ما كان الحجاب الشرعي يعرك ولا يكسفك في وسط الناس؛ لأن دا أمر ربنا، الحجاب ستر ووقار وبيزود جمال الوجه والقلب.
افرح ببنتك وافتخر بيها وادعمها لأنها عملت الصح وسيبك من المظاهر الإجتماعية وكلام الناس إللي مستحيل يخلص..
تنهدت بهدوء واسترسلت في حديثها:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- إحنا بشر يا توفيق .. عهود اتصدمت من هجومك عليها وردة فعلك، إديها وقتها لغاية ما تصفى وإنت أبوها مش هتهون عليها زي ما هي هانت عليك.
كانت تتحدث بينما هو فأقسم بأغلظ الأيمان أن يجعل لها السعادة مهدًا وأن يعوضها على ما فات..
هي قد ملكت قلبه وكل جوارحه وسيبذل كل غالٍ وثمين في سبيل إرضائها وسعادتها..
انصرف الجميع مسرعين بعدما علموا بإستيقاظ سمر، بينما بقى أمان يُحدق بغرفة عهود بكل مشاعر الحب والحنان..
تنهد بثقل وهو يُغمض عيناه ويتخيل ألا لو كانت حلاله وبين أحضانه كان قد استطاع مواستها وإبتلاع كل حزنها. 
- عهود يا حبيبة قلب أمان ربنا ييسرنا أمورنا ويجعلك من نصيبي يا روح قلبي .. سامحيني يا عهود وارجعي بخير علشان أقطع كل العهود لقلبك.. صبري نفذ والله .. يارب اجعلها من نصيبي يارب وأبعد عن قلبها كل سوء يا لطيف.
                                   ********
- سمر يا بنتي سمر إنتِ سمعاني. 
نظرت لهم بأعين مهزومة وهي ترى تجمع الجميع حولها.. 
الجميع بجانبها ... لكن أين عهود شقيقتها..
تجمعت الدموع بأعينها عند ذكرها..
- ليه كدا يا سمر، ليه تعملي كدا يا حبيبتي. 
ابتلعت ريقها بجفاف وهتفت بضعف وقد سمحت لدموعها بالنزول:-
- خطيبي إللي كنت بعاير أختي بيه وبقولها هو إنتِ تطولي ضفره وبجرحها في كل فرصة .. رمى الدبلة في وشي وقالي إن قرف مني وإن هو بيحب واحدة تانية..
وأنا مش عهود علشان أقاوم ويبقى عندي عزيمة وقوة..
ياريتني كنت زيها ولا كنت سألتها استحملت كل إللي حصلها إزاي.. قوليلها يا ماما إن ربنا أخدلها حقها مني..واتحرق قلبي زي ما كنت بحرق قلبها..خسرت أختي تلاقيها دلوقتي بتكرهني وحقها. 
- لا يا بنتي لا يا سمر .. إنتوا اخوات ملكمش ألا بعض، عهود بتحبك دا حتى لما عرفت إللي حصلت جات جري، وهي إللي اتبرعت بدمها لكِ علشان فصيلتك مكانتش موجوده. 
حاولت الاعتدال وهي تقول بإندهاش:-
- بجد .. بجد يا ماما..
احتضنتها والدتها وقالت بحنان:-
- بجد يا حبيبتي..
اقتربت الجدة وقبلت رأس حفيدتها وقالت بحنان:-
- حبيبتي يا بنتي ألف سلامة عليكِ يا جميلة ستك..
رمت نفسها بأحضانها وهي تشعر بأن ألامها تطيب من فرط ما تلقى من حنان ووقوف الجميع بجانبها:-
- وحشتيني يا نينا أووي..
رفعت رأسها ونظرت لهم قائلة:-
- ممكن أروح أشوف عهود .. أنا كويسة وعايزة أقوم .. أشوفها بس..
وقبل أن يعترض الجميع، كانت عهود تدخل الغرفة بخطوات بطيئة وعلى شفتيها بسمة بسيطة مُرددة:-
- عهود بنفسها جيتلك هنا..
ابتهج قلب سمر وطالعتها بعدم تصديق محاولة الوقوف والسعي نحوها لكن اختصرت عهود الخطوات وسارعت نحوها ثم جذبتها بأحضانها بقوة..
كانت لحظة مؤثرة وبالأخص عندما زادت سمر من بكائها وشهقاتها علت، وقالت:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- شكرًا إنك أنقذتيني يا عهود وكنتِ أحسن مني، الحمد لله إنك أنقذيني ومسبتنيش أموت كافرة وكنت خسرت دنيتي وأخرتي..
كانت عهود تحضنها وتمسح دموعها برفق وحنان، أكملت سمر تقول لها:-
- شوفتي يا عهود إللي حصلي... هو سابني وقالي إن قرف مني ورمى الدبلة في وشي .. هو قال بيحب واحدة تانية..
هو فعلًا يا عهود أنا وحشة أووي كدا..
ابتسمت عهود برفق، وقالت بنبرة تحمل قوة وشكيمة رغم لينها:-
- ارفعي راسك يا سمر، محدش في الدنيا يستاهل إنك تنحني علشانه، إنتِ أقوى من دا كله والأهم من كدا إن ربنا بعد عنك شر كبير أوي يا سمر..
قوليلي يا سمر هو حد يستاهل إن تقابلي ربنا كافرة! 
للدرجة دي .. للأسف ده ملهوش ألا اسم واحد .. ضعف..
إحنا بإدينا نقدر نختار إللي يسعدنا وبإدينا بردوة يا سمر نروح للحزن..
يا سمر إنتِ هتعيشي مرة واحدة وصدقيني يا أختي نَفسك أولى بالحب ده كله، حِبي نفسك وفرحيها وبلاش تظلميها.
اعرفي إن كل واقعة بتقويك وبتعلمك جديد .. أيوا بتاخدي الوقت على ما تقومي وتستردي نفسك تاني، بس تعرفي بترجعي أقوى من الأول بل بترجعي شخص تاني..
أنا معاكِ مش هسيبك أبدًا هنعدي الفترة دي سواا وهنرجع أحسن من الأول.
إيدي أهي ممدوده لإيدك، هتحطي إيدك في إيد أختك عهود يا سمر..؟
رفعت أنظارها تتأمل يدها والدموع تُهرول على وجنتيها، فيالحسرتها ويالسوءها حقًا..
غمست يدها بيد عهود وهي سعيدة لأجل تلك الفرصة..
                                   ********
بعد مرور يوم وفي صباح يومٍ جديد، أخذ الجميع يستعد للخروج من المشفى، بينما عهود فكانت تقف أمام الشرفة تنظر للخارج بأعين شاردة ووجه يتكرمش بين الحين والآخر فور أن تُهاجم تلك الكلمات عقلها بإلحاح فتُسرع بالإستغفار..
إلتزمت الصمت منذ أمس والجميع احترم رغبتها، حتى "أمان" الذي حاول مرارًا أن يجذب معها حديث .. لكن كان دون جدوى..
سارت بضعف خفيّ حتى وقفت أمام سمر وساندتها وهي تقول بمرح:-
- مستعدة يا بطلة، بصراحة حقك تخرجي أن زيك مش بحب جو المستشفيات ده ولا بستحمله. 
تحاملت على ذراعها وهمست لها بحزن:-
- مش بتستحمليه  .. وإزاي استحملتيه سنتين! إنتِ قوية يا عهود..
- يا ستي بلا قوية بلا غيره دا أنا كحكحت وبقيت عجوزة، حتى شوفي وشي بقاا عامل إزاي..
اندمجت سمر معها في الحديث وردت بمرح:-
- اصبري بس أخف وأنا هعملك شوية اسكربات إنما أيه، دا بس من الأرهاق لكن الحقيقة إنتِ جميلة يا عهودي وروحك أجمل..
ابتسمت لها عهود لذاك اللقب الذي غاب كثيرًا عن لسانها، وحمدت الله لما آلت إليه الأمور .. فحقًا في كل محنة منحة..
أجلست عهود شقيقتها بالسيارة بينما كانت أعين والدها تتابعها بحسرة ووجع وشوق وكم يؤلمه صمتها وذاك الوجع الذي يراه في عينيها وتنضح به ملامحها..
جلس الجميع بالسيارات وجاءت والدتها تضع يدها على كتفها وقالت:-
- يلا يا عهود إركبي معانا.
ابتسمت عهود وقالت ما جعل الجميع يقف مصدومًا، فماذا كانوا يعتقدون فبالنهاية لها مشاعر يجب أن تداويها:-
- لا يا ماما أنا هرجع مع دولا ... هناك مكاني.
ونظرت لسمر قائلة بأعين حانية:-
- متقلقيش كل يوم هاجي أقضيه معاكِ ونخرج سوا.
يُتبع..~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
استلقت على فراشها المريح بمنزل جدتها بأعين شاردة، الهدوء يسيطر على الأجواء وبالأخص داخلها، كان الجو شديد الحرارة وهي قد أتت من العمل منهكة، ظلت راقدة تستظل بجو منزل الجدة اللطيف، فعلى الرغم من قسوة الحرارة إلا أن هنا تجد المنزل به ريح خفيفية باردة تُنعش النفس..
تنهدت بثقل ثم تحركت تُخرج ملابس صيفية خفيفة واتجهت نحو المرحاض لتنال حمامًا باردًا..
بعد قليل خرجت عهود وأخذت تجفف خصلاتها بشرود، قد مر أسبوع على الأحداث المنصرمة، عملت فيها على زيارة شقيقتها يوميًا واصطحابها خارج المنزل في نزهات لطيفة حتى تماثل شفاءها النفسي، تجنبت الإحتكاك بوالدها الذي بدأت تشعر تجاهه أنه حقًا يبغضها ويريد الخلاص منها، لكن هل من أبٍ يبغض ويكره قطعة من روحه.!
تركت العنان لشعرها وخرجت للشرفة الخاصة بالغرفة والتي تطل على حديقة المنزل الخلفية، جلست على أعقابها وبدأت بزراعة ورود جديدة، والأعتناء بكل الزروع والورد وتستنشق رائحته المريحة، ورائحة التراب المختلط بالماء التي تعشقها..
وبدأت تُدندن بصوت رقيق هاديء:-
الورد جميل .. جميل الورد
الورد جميل وله أوراق .. عليها دليل من الأشواق
اذا اهداه حبيب لحبيب .. يكون معناه وصاله قريب
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
و النرجس مال .. يمين وشمال
على الأغصان بتيه و دلال
عيونه تقول معانا عزول .. خلينا بعيد عن العزال
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور..شوف واتعلم
يا فل يا روح يا روح الروح
من شم هواك عمره ما ينساك
لكل جميل تقول بلغاك
حبيب مشتاق بيستناك
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
شوفو الياسمين جميل نعسان
حلي له النوم على الاغصان
بكل حنان تضمه الايد
و بيه تزدان صدور الغيد
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم.
كان أمان يقف مستندًا على جدار الحديقة من الجهة الأخرى مغمض العينان يستمع لعُهود الحُب والورد خاصته بعذوبة شديدة..
منذ ما حدث بالمشفى وهي تلتزم صمت مُميت، تأتي للعمل وتعمل بصمت وهدوء يُحلق فوقها، يأتي الجدة دلال لزياراتها فيجدها بنفس الحال .. نعم تتحدث وتضحك وتذهب هنا وهناك لكن كل هذا تشعر أنه خاليًا من الروح..
ليته يستطيع أن ينتزع كل الحزن الذي بداخلها ويضعه داخل قلبه...
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ليته يحمل الحق في جذبها لأحضانه ليُدثر برودة الوحدة التي تشع من عينيها..
ليته تحلل من حُرمة بث حبه لها بالحلال وجأر بما له من صوت أنه مُتيم بعهدها المتين..
ابتسمت عهود للورد وهمست لها:-
- إنتوا أصدقائي الأوفياء .. إنتوا إللي بتسمعوا من غير ما تملوا.. إنتوا نعمة من الرحمان.
خرجت من غرفتها، بحثت عن جدتها فلم تجدها قد عادت..
ظلت ترتب بعض الأمور وتُجهز طعام الغداء وبعد مرور قليل من الوقت سمعت صوت الباب يُغلق فعلمت أن جدتها قد عادت..
خرجت لها بفم مبتسم واقتربت منها مقبلة رأسها..
- الحمد لله على سلامتك يا دولا.
تنهدت الجدة بحرارة وأجابتها بصوت ضعيف ليس كعادتها:-
- الله يسلمك يا عهود..
تسائلت عهود بتعجب:-
- مالك يا تيتا فيكِ أيه، في حاجة حصلت.!
- لا .. لا مفيش حاجة يا عهود أنا بس هبطانة شوية..
- لا مش كدا .. أنا مش تايهة عنك يا تيتا، قوليلي حصل حاجة..
- عهود .. هو إنتِ مروحتيش لسمر من إمتى..!
زاد التوتر لدى عهود وأجابت باستغراب:-
- كان عندي شغل إمبارح والنهاردة ومعرفتش أروحلها بس إن شاء الله هكلمها..
- ااه ماشي.
وثبت عهود بقلق وعلمت أن بالأمر شيء، تسائلت بصوت مصبوغ بالبكاء:-
- هتقوليلي في أيه .. ولا أعرف أنا بطريقتي يا تيتا، وبقالك يومين بتخرجي وترجعي مهمومة وأنا مش راضية أضغط عليكِ.
أخفضت الجدة رأسها بحزن وقالت:-
- علشان ابني..
طرق قلب عهود خوفًا وقالت بتيهة:-
- قصدك بابا..
- أيوا..
- ماله .. في أيه..
- تعب فجأة وفي المستشفى بقاله يومين..
عادت للخلف ولم تدري إلا والدموع تهبط من عينيها وتُحرك رأسها بلا..
تسائلت بحذر:-
- ماله..
- فيروس في الكبد..
تجمد الدمع بعينيها .. وعادت للخلف ثم ولجت للغرفة مغلقة الباب .. وقفت وسط الغرفة قلبها يدق بعنف وصدرها يعلو ويهبط بجنون وأعينها تدور بأركان الغرفة تغرق بالتوهان..
مازال لم يحتضنها بعد!!
مازال لم يُسقيها الحنان.!!
وقفت الجدة دلال أمام غرفة عهود تترجى خروجها:-
- عهود يا بنتي طمنيني الله يباركلك..
فتحت عهود الباب وخرجت بكامل ملابسها..
- راحة فين يا عهود؟
ركضت تجاه باب المنزل ومن ثم أخذت تركض بعرض الشارع بأعين تنسكب منها الدموع سكبًا..
ظلت الجدة دلال تهتف بأسمها حتى تجمع الجيران وخرج أمان الذي كان خلف المنزل ليجد عهود تركض بتلك الحالة سقط قلبه وركض يُناديها بصوته كله:-
- عُــــــهــــــــود.
تشبثت الجدة به بانهيار وهتفت باستجداء:-
- أمان .. إلحقها يا بني .. عهود يا أمان..
وجاء يواصل السير خلفها فلمحها تستقل أحد سيارات الأجرة من بداية الشارع..
- إنتِ عارفة هي هتروح فين يا ستي..
صمتت قليلًا وقالت بثقة:-
- هتروحله .. هتروح لأبوها..
- طب يلا بينا..
*********
- هبطت من سيارة الأجرة التي كانت تود أن تصبح طائرة، هرولت لداخل المشفى واستعلمت عن مكان والدها ولم تتوانى عن الركض برواق المشفى تبحث عن رقم الغرفة بجنون..
وقفت بتخشب عندما رأت والدتها وشقيقتها يقفان أمام الغرفة المنشودة..
صُعقت كلًا منهما فور رؤيتها وجاءتا يقتربان منها إلا أنها اقتحمت الغرفة بلهفة..
وقفت بسكون والعالم يدور من حولها أمامه..
لماذ يبدو بهذا الشحوب..؟!!
متى أصبح نحيلًا هكذا..!!
أما توفيق فلم يكن أفضل حالًا منها وهو يتأملها بدئًا من حالتها المشعثة ووجها الغارق بدمعه وصدرها ينهج بجنون...
اقتربت منه بينما الغرفة تمتلىء بالممرضات ووالدتها وشقيقتها وأمان والجدة اللذان وصلوا للتو..
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
صاحت عهود بنبرة لم يتوقعها الجميع:-
- إنت فاكر إن هسيبك تمشي..
إنت مش هتسبني علشان إنت لسه مديون ليا بكتر..
أنا مشبعتش منك لسه..
أخر مرة أخدتني في حضنك إمتى..!
إنت بقالك قد أيه سايبني لواحدي، أنا مش هسمحلك تمشي وتسبني ألا ما تروي حرماني..
متبقاش أناني .. أنا لسه ماحكيتش لك على العذاب إللي شوفته .. أنا لسه ماورتكاش نجاحي .. أنا لسه ماظهرتش برائتي..
أنا معملتش حاجة .. مش هتصدقني صح..!
إستنى أقولك الليل كان بيعدي عليا إزاي وأنا متكسحة..!
إستنى أقولك شعور النبذ إللي حسيته..!
علا صوت بكاء توفيق الشديد وبكى من كان بالغرفة..
جلست بأحد زوايا الغرفة وضمت ركبتيها لها وهتفت وهي تنظر للسماء:-
- شوفت هو إللي عايز يسيبني ويمشي إزاي..!
كلهم بيسبوني .. عالطول أنا لواحدي كدا .. مش إنت كنت شاهد .. هما مش عايزيني..
ليه كدا .. ليه .. أنا كنت وحشه زمان بس عمري ما أذيت حد ..ودلوقتي أنا مش وحشه والله
طب جرب تقرب مني..
بس أنا مش هسيبك .. إنتوا كرهتوني بس أنا حبيتكم..
وقامت مسرعة نحو والدها ففتح ذراعيه لها وألقت نفسها بينهم وأحكم الغلق عليها ليُقسم بأشد الأيمان أنه لن يتفلتها أبدًا..
*********
وقفت أمام الطبيب تستمع لحالة والدها ختم الطبيب قوله:-
- الكل بيعمل الفحوصات اللازمة علشان هنشوف من المتطابق مع والدك ويقدر يتبرع بجزء من الكبد لأن الفيروس موجود من فترة طويلة وقضى على الكبد ودا الحل الوحيد يا آنسة عهود..
- أقدر أعمل الفحص دا أنا كمان، إعمل اللازم يا دكتور، تقدر تعمل التحاليل..
- حضرتك متأكدة..
- أكيد، أمي أصلًا مريضة، واختي لسه خارجة من عمليات الأسبوع إللي فات وجدتي كبيرة في السن..
- في كمان المهندس أمان بيعمل التحاليل..
- أنا عايزة أعملها يا دكتور...
- تمام .. اتفضلي..
بعد مرور ساعتين من إنتظار نتيجة الفحص والوقت يمر ببطء شديد..
خرج الطبيب وهتف بحسم:-
- آنسة عهود هي الوحيدة المتطابقة وتقدر تتبرع لوالدها..
صُدم الجميع بينما ابتسمت بهدوء واقتربت من الطبيب وقالت بحزم:-
- أنا جاهزة يا دكتور .. متتأخرش أكتر من كدا نقدر ندخل العمليات دلوقتي..
هرعت والدتها وقالت بخوف:-
- عهود يا بنتي بلاش .. إحنا هنشوف أي متبرع تاني..
- متحاوليش يا أمي .. محدش هيتبرع لبابا وأنا موجودة .. خلص الكلام..
توضأت وصلت ركعتان ثم نظرت للسماء وهمست بيقين:-
- دايمًا كنت معايا .. مخذلتنيش أبدًا، ودايمًا عند حُسن ظني ومتأكدة إن دي كمان هتعدي..
اشفي أبي يا الله ولا ترني به مكروهًا..
كل ظني الجميل بك يا شافي يا معافي يا أرحم الراحمين فلا ترد يدي صفرًا خائبة يا الله..
اقتربت من والدها وجعلته يتوضأ وساعدته في صلاة ركعتان وهو كان عاجزًا عن الحديث ينظر إليها يتأملها فقط ويتسائل ماذا قد فعل بحياته حتى يرزقه الله بنعمة كهذه..!!
مسد على كتفها بحنان ونظر لها:-
- مسمحاني يا عهودي.
ابتسمت بصفاء:-
- ومن إمتى عهودك بتزعل منك يا غالي عليا..
احتضنها وهي أغمضت أعينها بسكينة وراحة زارتها أخيرًا..
خرجت وبدأت تستعد للدخول لغرفة العمليات، نظرت للطبيب وقالت له وللجميع:-
- مش عايزة بابا يعرف إن أنا المتبرعة رجاءًا.
حرك الجميع رؤسهم بقلة حيلة ودخلت للداخل بقوة بينما قلوب الجميع كانت منتزعة لهذا الدخول..
وقف أمان كالغارق كل خطوة تخطوها للداخل تنسحب روحه أكثر، هبطت دمعة حارة اختبأت في لحيته وهو يسير خلفها حتى أُغلق الباب..
نظرت عهود خلفها فوقعت أنظارها عليه من الزجاج ولمحت دمعه الذي أثبت لها الناقص، أهدته إبتسامة بسيطة وأُغلق الستار...
رقدت أعلى الفراش وسط الأجهزة الطبية والغرفة الكئيبة التي لطالما كرهتها وتشائمت منها من كثرة ولوجها بالماضي إليها، رقد والدها بالجهة الأخرى يفصلهم ستار، نظرت عهود نحو تلك الجهة وابتسمت وهي تمد يدها للطبيب ثم تدريجًا أغمضت أعينها مستسلمة لسائل مخدر هرع يقبض على عقلها يُخضعها للاوعي والإنفصال عن الواقع..
همست قبل الذهاب بعالم آخر:-
- اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد حبيبي ونبيّ ورسول الله..
**********
بعد مرور بضع ساعات كان الجميع ينتظر أسفل نيران القلق، الجميع يدعوا بقلب مُلبد بالخشوع، منهم من ينفرد بزاوية يدعو، ومنهم الذي يقرأ أيات الله..
وخرج أمان سرًا للصدقة..
التف الجميع حول الأطباء الذين خرجوا من غرفة العمليات، الجميع ينظر بترقب شديد..
وأمان يستند على الحائط مُغمض العينين بقلب ملهوف..
- طمنا يا دكتور الله يباركلك..
ابتسم الطبيب وقال:-
- الحمد لله العملية نجحت وجسم المهندس توفيق مطردش العضو ومسألة أيام وهيرجع أحسن من الأول..
قالت الجدة دلال بإمتنان:-
- الحمد لله يارب .. لك الحمد يارب العالمين..
للآن لم يرتح قلبه، للآن يغلي بحميم القلق، تسائل الجميع مرةً أخرى بلهفة وترقب:-
- طب وعهود..
أخفض الطبيب رأسه بحزن ووزع نظراته بين طاقمه، مما جعل والدة عهود تضع يدها على قلبها وأمان فقد خانته أعصابه وتراخت أقدامه..
- للأسف...
صاحت سمر شقيقة عهود بجزع:-
- للأسف أيه يا راجل إنت..!
- الآنسة عهود مقدرتش تستحمل من ضعفها..
يُتبع..~
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- أمان ... أمان ... يا أمان..
شهق بفزع ووثب قائمًا يصيح بفزع:-
- عهود .. عهود .. هي فين.
ابتسمت الجدة دلال بهدوء وقالت تطمئنه:-
- إهدى يا أمان هي بخير وخرجت هي وتوفيق وكويسين بس عهود لسه بتفوق من البنج، قولت أصحيك لما لقيتك راحت عليك نومه وإنت قاعد..
كان كابوس ده ولا أيه..!!
قال بتيهة وهو يتلفت من حوله بجزع:-
- كابوس وحش أووي يا ستي .. وحش أوي..
طبطبت على كتفه وقالت براحة:-
- خلاص هانت يا أمان كل حاجة هتتعدل وتبقى زي الأول وأحسن، والأمور هترجع لطبيعتها..
أول ما توفيق وعهود يشدوا حيلهم أطلب إيديها من أبوها أنا ملاحقتش أفاتحهم في الموضوع..
مسح على وجهه وتنهد براحة ثم هتف بفرحة غمرت قلبه:-
- إن شاء الله يا ستي، بس عهود تشد حيلها، أنا انتظرت كتير ومستعد أنتظرها العمر كله..
- للدرجة دي بتحبها يا واد..
- وأكتر من كدا بكتير يا دولا لدرجة إنت متتصورهاش..
أنتظر الجميع إفاقتها وعلى الأخص والدها الذي كان يبكي بصمت عندما علم أن المتبرعة هي عهود..
قتلها وهي من قامت بإنقاذه.. أي عدلٍ هذا..
رفع رأسه للسماء يهمس بداخله..
- أكيد في حكمة من دا كله يا رحيم..
أنا مكسوف أكلمك .. أنا إللي وقفت قدام طريق عفتها وقدام طريقك..
علشان الناس يارب .. بعترف كنت عايز أرضي الناس مقابل سخطك .. 
رحمتك يا أرحم الراحمين أنا ظلمت نفسي..
دا كله حصل علشان أرجع لعيلتي وعيلتي ترجعلي، جعلت عهود سبب إن عيني تتفتح على كتير أووي.. 
بدأت عهود تفيق شيءً فشيء وهي تتمتم من بين غفوتها:-
- بابا .. بابا .. كويس .. وماما .. تيتا .. سمر..
وصمتت تتأوه بخفة ثم همست بما جعل أمان في قمة صدمته وهو لا يُصدق:-
- أمـــــان ... أمان .. أنا سامحتك..
أهو قد سمع جيدًا أم أنه يتخيل ليس إلا..
للمرة الأولى تنطق اسمه ... وأيضًا هل حقًا نال مسامحتها..!!
همست باسمه بين غفوتها إذًا هو بعقلها..
دق قلبه بعنف يطرب فرحًا، تنهد بحرارة ورفع رأسه للسماء:-
- لُطفك يا الله ... كرمك واسع..
                          **********
بعد مرور ثلاثة أشهر كان منزل عهود مُزين بالكامل بالورود رغبةً فيما شددّ عليه توفيق..
المنزل يضج بالسعادة ومكتظ بالأقارب والأحباب..
أصدقاء عهود في الدارسة والجميع هنا لأجلها فقط..
- الفستان أختفى يا سمر..!
تصنعت سمر البحث وهتفت بتعجب:-
- إزاي اختفى بس يا عهود بس افتكري إنتِ احتفظتي بيه فين..
- يعني هو ميدالية يا سمر علشان مش تظهر، دي من فعل فاعل..
- إهدى بس ثواني وراجعالك..
خرجت سمر وأجابت على الهاتف باستعجال:-
- إنتِ فين .. قدامك كتير..
- لا أنا قدام البيت أهو، ممكن بس حد يقابلني..
قالت سمر وهي تخرج خارج المنزل:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- أنا قدامك أهو..
اقتربت منها وحيتها بإبتسامة مرحبة قائلة:-
- أهلًا وسهلًا يا باشمهندسة غصون، مبسوطة جدًا بوجودك وإنك اصريتي توصلي الفستان لعهود بنفسك..
اتسعت إبتسامة غصون الجميلة وقالت بحماس:-
- لما جيتي ليا وحبيتي تعملي مفاجأة لعهود وطلبتي تصميم خاص بيها وحكيتي حكايتها أنا اشتغلت على الفستان بكل محبة وصدق وشغف إن أشوف عهود، صمتته يليق برقتها وقلبها وحبيت يكون هدية مني لها وأنال الشرف إن أقابل عهود..
قالت سمر بعدم تصديق:-
- عهود بتحبك جدًا ومتابعة الديزاين بتاعك بشغف جامد أووي مش هتصدق نفسها لما تشوفك..
- أنا إللي متحمسة أشوف عهود واتعلم منها إللي هي اتحملته..
- إنتِ حد جميل أووي يا غصون..
- يلا يا بنتي يلا مش وقت غزل ابقي امدحيني بعدين العروسة لسه من غير فستان..
- أيوا تصدقي .. دا الفستان الوهمي إللي إحنا جبناه بالاتفاق مع أمان أنا خفيته..
- طب يلا بينا..
في هذا الاثناء جلست عهود بإحباط على الفراش وقالت بسخط:-
- شكل حد بيحاول يعمل معايا مقلب وخفى الفستان..
- ترن ترن ترن .. فستانك هنا يا عروسة..
التفتت عهود على صوت سمر لتجد أمامها التي عرفتها جيدًا .. غصون ..
وقفت بصدمة تتأملها عن قرب..
رددت بعدم تصديق:-
- غصون .. صح .. أنا مش بتخيل.
لم تترك غصون لها مجالًا للتصديق واحتضنتها قائلة:-
- عهود .. زي ما وصفوكِ بالضبط..
فرحانة أووي إن شوفتك..
قالت عهود دون تصديق:-
- هو في أيه!!
- يلا مش وقت أسئلة العريس هيجي وكتب الكتاب هيبدأ..
- أنا مش مصدقة .. غصون .. طب فهموني..
بدأت سمر تحكي لها ما حدث ليترقرق الدمع بأعين عهود وجذبتها لأحضانها:-
- مش لاقيه كلام أوفي بيه إللي عملتيه يا سمر..
- دا ولا حاجة من إللي عملتيه معانا يا عهود .. كفاية إن أخيرًا وصلت لبر الأمان..
- معلش هفصل وصلة العشق ده .. وأقولك يلا يا ست عهود فستانك مستنيكِ.
ابتسمت لها عهود واحتضنتها بإمتنان:-
- شكرًا جدًا لكِ يا غصون .. جزاكِ الله خيرًا..
أخرجت الفستان من داخل الحافظة الخاصة به لتقف عهود مدهوشة وهي ترى فستان من اللون الوردي الذي يناسب رقتها له طبقتان أعلاهما من التُل الخفيف.. ضيق من الخصر .. ومن الرقبة إلى الخصر يهبط بكشكشات بسيطة..
ثم عند أسفل تنورة الفستان الواسعة ينتشر الكثير من الورود الرقيقة..
كان تصميم بسيط فريد من نوعه يليق بعهود حقًا..
- ما شاء الله تبارك الرحمن حقيقي تحفة يا غصون تسلم إيدك وعيونك..
- دا أقل حاجة يا عهود إنتِ يليق بيكِ كل جمال الورود..
قالت سمر:-
- حقيقي مبدعة يا غصون .. تسلم إيدك..
- دا شوية على عهود والله .. تسلمولي يا حبايبي..
وبدأت عهود ترتدي الفستان ثم أكملت طلتها بحجاب طويل ذا لفة مُميزة صنعتها لها غصون بكل حب..
ولم تضع على وجهها سوى بعض المُرطبات الخفيفة..
خطفت طلتها العقول ببرائها التي نطقت بها ملامحها الرقيقية الطاهرة..
- تبارك الرحمن ربنا يحفظك ويسعدك يا عهود..
قالت سمر بانبهار:-
- حقيقي أجمل عروسة شافتها عيوني، ربنا يسعدك يا نور عيني..
دارت حول نفسها بفرحة وقلبها يرقص بسعادة أخيرًا نالتها..
هتفت غصون بحماس كعادتها عند أي عقد قرآن .. يسعد قلبها وهي ترى قلبان ينعقدان إلى الأبد برباط الوِد والرحمة..
- كتب الكتاب هيبدأ يا بنات ..يلا يا عروسة اسمعي حبيبك وهو بيكتبك على اسمه..
ترقرق الدمع بأعين عهود ونظرت للسماء قائلة بكل صدق وكل ألم مر على قلبها:-
- ربنا يدوق الفرحة دي لكل البنات  .. البنات طيبة أووي ويستحقوا كل خير..
بسمة خفيفية أثمر فم غصون بها وهي تذكرها بنفسها غير أن عهود بها شيء مختلف عنها .. صدقًا ذاقت ألآم عدة وتستحق العوض الجميل..
أغمضت عهود عينيها وهي تسمع المُكبر يعلو بصوت أمان:-
- قبلتُ أن أكون أمانُها وسندٌ لها بعد الله وجدارها الراسخ حتى وإن مالت بها الحياة وجدتني مئواها، أُهديها كل عهود الحُب والورد ولن أنكث يومًا بواحدٍ منها .. قبلتُ بعُهود زوجة وحبيبة وقرة عين لا تنقطع.
هلل الجميع وسقطت دموع نجلاء والجدة دلال وتوفيق تأثرًا، بينما عهود التي وقفت في شرفة غرفتها فانتفض قلبها وابتسمت بخجل وقد تسلل الحُب اللحوح إلي قلبها على مهل حتى تمكن منها ولا خلاص من الآن..
- فكرتيني بيوم كتب كتابي أووي يا عهود..
- لحظة جميلة وبتقشعر لها الأبدان ربنا يدوقها لكل البنات، وعقبال ست البنات أختي سمر..
- يارب يارب، ألف مبروك يا عهود..
- الله يبارك فيكِ يا أجمل غصون وتسلمي حقيقي لكل إللي عملتيه دي أغلى حاجة ممكن أحصل عليها..
ونظرت لشقيقتها وقالت:-
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
- مش هنسى إللي عملتيه أبدًا يا سمر..
طرق الباب لتدخل والدة عهود ووالدها وجدتها .. ولم يكن موقفهم أقل من سمر وغصون بجمال عهود فقد أخذوا يبكون فرحةً..
احتضن توفيق ابنته بحنان جارف وهو يشعر أنها جوهرة لا تقدر..
- حقيقي النعمة كانت تقيلة عليا يا عهود .. حقيقي يا عهودي إنتِ نعمة كبيرة علي أووي يا بنتي..
- كفاية حضنك يا بابا دا عندي بالدنيا وما فيها..
- سيبها بقاا يا توفيق كفاية .. عايزة أحضن بنتي..
ضحك الجميع وأخذت نجلاء عهود بأحضانها قائلة:-
- تعالي يا وش الخير في حضن أمك تعالي..
قبلت عهود رأسها واستقرت في أحضانها تنال ما حُرمت منه يومًا..
وقفت أمام جدتها التي ابتسمت بدفء ثم هتفت:-
- ربح البيع يا عهود، شوفتي الحلاوة إللي بعد مرارة الصبر .. عيشي حياتك واستمتعي بكل لحظة وعوضي إللي فات..
قبلت عهود رأسها ويديها بحب وقالت بإمتنان:-
- محتاجة لكل نصايحك، دعمك ليا كان هو الحافز لكل حاجة هو إللي أبقاني..
تنحنح أمان قبل الدخول فالتفت عهود بخجل وأعطت له ظهرها..
- تعالى يا أمان تصدق نسيناك..
قالت نجلاء بمرح:-
- هو حد يشوف عهود وعقله يبقى براسه..
لم تسقط أعين أمان عن ظهر عهود وعَلا وجيب قلبه، قال توفيق وهو يقترب منه:-
- أخدت حتة من روحي يا أمان .. أنا مش هوصيك عليها لو مسها أي سوء مش هيكفيني عمرك..
ضحكت عهود ومازالت على حالتها وقالت بمزاح مارح:-
- يا بابا غلطت في العنوان  .. وصيني عليه دا أنا هخلص منه الجديد والقديم اصبر عليا..
انفجر الجميع ضاحكًا فقالت سمر وهي تسحب الجميع:-
- يلا يا جماعة الخير خلي عندنا شوية دم ونسيب أمان يشوف مراته بقاا ويسلم عليها..
قال توفيق بتذمر:-
- ما يسلم وإحنا واقفين.
جذبته للخارج وقالت وهي تغلق الباب:-
- تعالى بس يا توفيق أفندي ونتناقش في الموضوع ده براا..
هدرت دقات قلب عهود وشعرت أن أنفاسها قد حُبست، وقف أمان خلفها تمامًا وهمس بجانب أذنها وهو يستنشق راحة الورد المنبعثة منها بنهم:-
- عهودي ... حبيبة قلبي .. نور عيني مش هتوريني حُمرة الورد على خدودك..
ابتعدت خطوتان بخجل وهي تكاد تذوب وهمست بإعتراض:-
- أمان..!
- قلبه وروحه .. أمان طاب وانهرى أووي يا عُهوده حِني عليه..
زادت حُمرة خديها ودارت حول نفسها حتى وقفت أمامه مُغمضة العينان..
لم ينقصه أن تتزايد وتيرة دقاته فهو كان قد ذهب بعالم أخر، تأملها دون قيود وأشبع أعينها بها الذي يظن أنها لن تشبع .. فقد تحلل أخيرًا وأصبحت حلاله..
رفع يديه وتحسس خديها بعدما كوب وجهها برقة وهمس أمام وجهها:-
- افتحي عيونك يا عهودي..
ببطء فرقت بين جفنيها وتطلعت بوجهه دون قيود، أقترب أكثر وطبع قبلة فوق رأسها ثم هبط يوشم حمرة خديها بقبلة طويلة..
وهمس بينما عهود فكانت قد غابت وهو يُباغتها بتلك المشاعر الأجنبية التي تتذوقها لمرتها الأولى معها:-
- مبارك عليا إنتِ يا عهودي..
حاولت سحب أنفاسها والفرار من تلك الغارة الهجومية لكن أكمل أمان بنبرة صادقة منسوجة بالعشق:-
- بحبك يا عهود .. بعشقك وهيمانك يا وردتي، سامحيني على غبائي زمان وظلمي يا روحي..
رفعت أعينها ليغرق بها وهمست بصدق ونقاء:-
- ربنا بيسامح يا أمان وسامحتك من زمان وكلنا اتعلمنا الدرس .. دا أنا بشكرك على إللي عملته لأن لولاه مكونتش وصلت للي أنا فيه دلوقتي..
بشكر ربنا مُسبب الأسباب قبل كل ده..
- ممكن أعمل حاجة كان نفسي دايمًا أعملها..!! بس قبل كدا اتفضلي جبتلك أكبر باقة ورد جات لعروسة قبل كدا .. متنسيش إحنا بتوع الورد..
ابتسمت وأخذته تتأمله بإعجاب فقد كان حقًا باقة ورود كبيرةً جدًا وتضم كل الورود التي تفضلها، لكنها تعجبت وتسائلت:-
- أيه هيّ..؟!
جذبها لأحضانه وأغلق فوقها ذراعيه فابتسمت وهي تقنع عقلها أنه زوجها وحلالها، تحللت من خجلها وارتفع ذراعيها تطوق عنقه تتذوق أمانه..
همس لها بوعد صادق:-
- سأفي بكل عهود الحُب والورد خاصتنا..
أغمضت أعينها براحة:-
- أحبك، فأنت أصبحت أماني ومأمني..
تمت بحمدلله

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا