رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10

رواية ليلة في منزل طير جارح بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل العاشر 10

"لا يُهزم الرجل إلا بالحُب، الحُب قد يقتل الرجال." 
___________________________________
لم تصدق "جليلة" إنها خرجت من المنزل بدون أن تثير شكوك الرجال الذي يحرسون الخارج، إذ تشبهت بالنساء اللواتي حضرن من أجل تهربيها، في مهمة سرية، حصلوا على كثير من المال من أجل تنفيذها. لم تُشفق على تلك الظالمة "سعاد" بعدما تلقّت الكثير من الضرب المبرح، بل إن رؤيتها هكذا أطفأت قليلًا من الغلّ المبطون بداخلها وجعلتها تغادر بقلبٍ امتلأ بالراحة.
استقلت "جليلة" العربة (ميكروباص) برفقتهم، وبدأ السائق بالقيادة للمكان الذي يعرفهُ، حينئذٍ تسائلت "جليلة" بفضول شديد :
- هو الراجل إياه ده هو اللي بعتكم مش كده ؟؟.
كانت كبيرتهن تتشدق بالعلكة بطريقة مثيرة للإشمئزاز، وردت عليها بصراحة :
- راجل مين لامؤاخذة؟.. أنا ماخدش أوامر من راجل.
تحرجت "جليلة" وهي توزع نظراتها المحتارة عليهن، ثم سألتها بفضول أكبر :
- أمال مين؟.. مش قولتلي هتوديني لبنتي؟!.
- قولت آه.. بس مقولتش مين اللي قبضني، عمومًا كلها نصاية ونوصل، متستعجليش على رزقك إحنا مش خطافين ستات.
فركت "جليلة" كفيها معًا، وتضاعف فضولها لإستكشاف هؤلاء النسوة :
- هي دي شغلانتكم؟.
- آه.. ولو ليكي مسألة عند حد قبضيني وعـ الحوار رسيني، تحت أمرك هتلاقيني.
ضحكات النسوة ملأت العربة وسط نظرات "جليلة" المدهوشة، ومن بعدها التزمت الصمت مكتفية بمراقبة جميعهن تارة، ومراقبة الطريق تارة أخرى، إلى أن وصل بها السائق في نهاية المطاف أمام أحد القصور العريقة المتطرفة عن قلب المدينة، فـ تأهبت "جليلة" للهبوط عن العربة أثناء انتظار "حِراء" لها أمام البوابة، ثم أشارت لكبيرتهنّ وهي تُحييّ مجهوداتهن:
- تسلم إيدك وعافيتك ياست خضرا.. هجيلك تاني زي ما اتفقنا.
فأشارت إليها "خضرا" متفهمة :
- هستناكي يا غالية.. يلا أطلع بينا ياسطى.
دعتها "حِراء" للدخول وهو ترحب بها :
- أتفضلي من هنا.
- بنتي فين لو سمحتي؟.
- فوق مستنياكي.. أنا هطلعك حالًا.. اتفضلي اتفضلي.
وسبقت خطواتها بخطوة كي تدلها على الطريق، بينما عيني "جليلة" تدور يمينًا ويسارًا تشاهد القصر كله، إلى أن استقبلها "هاشم" بنفسهِ على الباب من الداخل :
- أهلًا ياهانم.. نورتي بيتي المتواضع.
كانت نظراتها مملوءة بالإمتنان والشكر وهي تُقدّر جميلهِ عليها وعلى ابنتها :
- أنا مش عارفه أشكرك إزاي على اللي عملته.. حقيقي انت أنقذتني أنا وبنتي من السواد اللي كنا شايفينه.
ابتسم "هاشم" بإشراقة، وبدت ملامحهِ لطيفة محبوبة وهو يردف بتوددٍ :
- متقوليش كده ياهانم ده واجبي.
ومدّ يده كي يصافحها، فصافحتهُ بعفوية لتتفاجأ بهِ يُقبّل كفها برُقيٍ وبدون أي نية سوى الأناقة في التصرف، فـ سحبت يدها سريعًا وهي تهمس بـ :
- أستغفر الله...
منع "هاشم" ضحكتهِ مكتفيًا بإبتسامة وديعة، ثم أفسح لها الطريق ليقول :
- أتفضلي من هنا.
استبقها نحو الدرج وهو يتابع :
- أنا مش عايزك تقلقي خالص طول ماانا موجود.. وأي حاجه محتاجاها بلغيني وانا تحت الأمر.
ثم توقف أمام الغرفة وقد تحولت تعابيره لأخرى آسفه وهو يقول :
- أنا عايزك بس متقلقيش، الوضع بسيط والدكتور قال إن......
قاطعتهُ بعدما انفلت منها الصبر، وانقبض قلبها لدى سماع تلك الكلمات الغير مبشرة :
- دكتور إيه ولمين؟؟.. هي بنتي جرالها حاجه؟.
ولم تنتظر رده عليها، ففتحت الباب على حين غرة وهي تنادي :
- رحيـل ؟.
دخلت عليها فكانت الأخيرة تجلس برفقة الصغيرة "ليلى"، وما أن رأت والدتها حتى تلهفّ قلبها وملأ الشوق ملامحها الملتاعة :
- مـامـا.
ضمّتها "جليلة" لصدرها كي تُشفي هذا الشعور المذعور بداخلها، ثم تفحصتها وهي تسألها :
- إيه اللي حصل؟.. الدكتور جالك ليه وقال إيه؟.
ذمّت "رحيل" على شفتيها بضيقٍ، واعترفت لها بالأمر الذي دسوه عنها :
- حسين.. ضرب نار على رجلي.
شهقت "جليلة" مرتاعة وبدون أن تنتبه لوقوف "هاشم" بينهما، فكشفت عن ساقيها الغطاء فجأة؛ لكن الأخيرة كانت مرتدية عبائتها فلم يظهر من جسمها شيئًا، رغمًا عن ذلك عادت تغطي نفسها من جديد وهي تنظر للغريب الذي بينهما، وهنا أدرك "هاشم" أن لوجودهِ أثرًا غير مرغوب، فـ سحب ابنته وهو يستأذن بالإنصراف :
- أنا هسيبكم على راحتكم ولو محتاجين حاجه عبير هتكون عند الباب.. عن أذنكم.
خرج "هاشم" من الغرفة مصطحبًا ابنته :
- كنتي بتعملي إيه انتي ورحيل يا ليلى؟.
- كانت بتحكيلي قصة حلوة أوي يادادي.. هحكيلك عليها لما تيجي تنام جمبي.
حملها "هاشم" وهو يهبط بها الدرج متابعًا :
- طب ما تحكيلي دلوقتي؟.
رفضت "ليلى" مبررة إليه سبب الرفض :
- لو حكيتلك دلوقتي مش هتيجي تنام معايا بالليل..أنا هسيبك مشتاق تعرف عشان تيجيلي.
ضحك "هاشم" وهو يرى ابنته الصغيرة تساومه لتنفيذ رغباتها في ذلك العمر الصغير، فما بالك حينما تعدو من العمر سنوات أخرى؟.. ستكون صعبة المراس مثل أبيها، وقد تكون على عكس ذلك!.
**************************************
غطتها "هدير" بالغطاء وهي تتآوه بتألمٍ، ولم تمنع صرخاتها من الحين للآخر كي تصف لهم المعاناة التي واجهتها في غياب رجال البيت. تهدجت أنفاس "سعاد" وكأنها انتهت من الركض توًا، ثم أردفتٍ بصوتٍ ضعيف متحشرج :
- اتبهدلت ياحج.. بهدلوني وانت عايش.. أنا عايزة حقي، هاتلي حقي من حبابي عنيهم هي وأمها الـ ×××.
كان "حمدي" يكتم إمتعاضهِ بصدرهِ، غير قادر على التفكير في حلّ سوى اللجوء للقانون، لعل ذلك يمكنهُ من تفتيش ذلك البيت اللعين الذي يأوي إبنة أخيه وأمها.
ربتت "هدير" على كتفها تواسيها :
- معلش ألف سلامة عليكي ياما.
دفعتها "سعاد" بعيدًا عنها وهي تصيح في وجهها :
- أبعدي.. واقفة تتفرجي عليا ولا هان عليكي تنادي البهايم اللي بيحرسوا الدار!.. هي دي آخرتها يابنت حبشي؟.
تلوت شفتي "هدير" غير متقبلة تلك الكلمات، ثم أردفت بـ :
- أنا كمان اتبهدلت ياما ولا مشوفتيش اتلموا عليا إزاي ؟!.. مفيش غير منال هي اللي نجت منهم.
ضربت "سعاد" على ساقها ومازالت تنوّح :
- آآآه ياكرامتك اللي اتمرمغت في الأرض يا سعاد!.. هتبقى سيرة على كل لسان يا سـعـاد آآه...
صاح "حمدي" في وجهها لكي تكفّ عما تفعله :
- ما كفاية بقى ياولية.. مش كفاية اللي انا فيه ولا إيه!.. خليني أفكر هعمل إيه مع ابن الـ ×××××
أتى "حسين" مستندًا على عكازهِ، والحرارة تخرج من بين ضلوعهِ في هيئة أنفاس تشتعل :
- كده زادت أوي الحكاية يا حج.. يعني إيه مش عارفين نرجعها وكمان ياخد مرات عمي من وسطينا كده!.. 
تأفف "حمدي" وهو يقول :
- أنا هروح أعمل محضر إن عديم الأصل ده خاطف مرات ولدي.. ونشوف بقى لما يطلعوها من بيته هنعمل إيه. 
- أنا لو طولت رحيل في إيدي بس هدفنها مكانها بس أطولها.
أخرج "حمدي" هاتفهِ من جيب جلبابهِ ليجيب على المتصل :
- أيوة ياباشا.. أنا لسه كنت هخرج للطريق وآجيلك أهو.
تبدلت تعابير "حمدي" شيئًا فشيئًا، ثم بدأ يدافع عن نفسهِ بعصبية :
- ولد الحرام ده خاطف مرات ولدي يا باشا.. أنا روحت بس أرجعها.. ياباشا أسمع مني....
أغلق "حمدي" الهاتف بينما كانت "سعاد" تسأله بفضول :
- إيه اللي حصل ياحج؟.
- في إيه يابا؟.
قذف "حمدي" هاتفهِ ليرتطم بالحائط قبل أن يصيح بـ :
- ابن الـ ××××× عامل محضر ضدي.. قال إيه بتعدّى على بيته!.. الـ ×××××
وتابع "حمدي" السباب والألفاظ وهو يخرج ومن خلفهِ "حسين"، بينما كانت "سعاد" تهمس بـ :
- ياترى عايز إيه ولد العزيزي منك يا رحيل؟؟؟.. دي الحكاية في إنّه كبيرة.
صمتت لحظات وكأنها تحدث حالها ثم تابعت :
- مفيش بينهم حاجه اني متأكدة.. بس التعبان ده عايز إيه مننا بعد كل السنين دي.. وعايز إيه من مرات ولدي بالذات؟.
راقبتها "هدير" وبداخلها السعادة گالعصافير المزقزقة متشفيّة مما أصابها، ثم سحبت نفسها وخرجت بهدوء وهي تهمس بـ :
- دي الولية باينها اتجننت ولا إيه!.
*************************************
تحولّ صدرها الذي برد للتو برؤية ابنتها الوحيدة إلى آخر ملتهب محموم، بعدما قصّت عليها "رحيل" تفاصيل ما حدث بذلك اليوم المشؤوم، وكيف أصيبت برصاصة الغدر التي أطلقها ابن عمها ومن الذي أنقذها باللحظة الأخيرة. تضاعفت نقمتها عليهم جميعًا وأحست بالخطر يرفرف فوق رؤوسهم، وخاصة "رحيل" التي صارت بمثابة الخائنة في أعينهم، وقد تخلّت عن ثوب الفضيلة والأخلاق مستبدلة إياهم بالعار الذي جلبته للعائلة - وفقًا لما ورد على ألسنة الجميع -، حتمًا عليهم التفكير في حلّ جذري يضمن لإبنتها السلامة؛ بدلًا من انتظار نار الثأر والعار التي قد تلتهمها في أي وقت. غطت تعابير الحزن وجه "جليلة"، وكأن القلق قد تشكّل على ملامحها وهي تقول بقلة حيلة :
- وبعدين يا بنتي؟.. ولا ليكي خال نروحله ولا راجل ينصفنا!.. مين هيحمينا من عمك والحيوان ابنه؟!.
ثم نظرت نحو باب الغرفة وهي تتابع :
- مش معقول هنفضل متقلين على الراجل الغريب كده!.. خصوصًا إن ليهم خصومة قديمة مع بعض.
قطبت "رحيل" جبهتها وقد أثارت الكلمة الأخيرة حفيظتها، فسألت بفضول :
- ماما هو خلافهم كان على إيه بالظبط؟ ؟.. أنا مش فاكرة حاجه من اللي حصل بعد وفاة بابا الله يرحمه.
تنهدت "جليلة" وهي تقصّ عليها بعضًا من المعلومات التي تتذكرها، وقد عاد الماضي يتشكل أمام عينيها گالتي ترى شبح زوجها الميت حيًا أمامها :
- أبوكي الله يرحمه كان هيبيع الأرض بتاعته لرضوان العزيزي.. وبعد ما اتفقوا على كل حاجه حصلت خناقة كبيرة أوي أوي بينه هو وعمك حمدي.. عمك كان عايز يشتري الأرض بتراب الفلوس! مكنتش هتكفي حتى نسدد الدين اللي كان على المحل.
طردت "جليلة" سرب الهواء من صدرها وكأنها استعادة الماضي قد حمّلت قلبها عبء التذكر المؤلم من جديد، ثم تابعت بنبرة اختلجها القهر :
- طول عمره ظالم.. حتى مرحمش أخوه في زنقته رغم إن عنده كتير، أبوكي اضطر يعرض الأرض للبيع وكان أول واحد عرض فيها مبلغ كبير هو رضوان أبو هاشم.. لكن عمك وقف في البيعة زي اللقمة في الزور، ومن بعدها تعب أبوكي ودخل يعمل قسطرة على القلب.
تدحرجت دمعتين من طرفيها وهي تعترف بالإعتراف الأليم :
- مستحملش ومات فيها.. راح وسابنا مع حمدي وابنه!، لولا حسن بيحبك وخدك تحت جناحه كان زمان عمك عذبنا من سنين يارحيل.. وأهو حسن راح هو كمان، دلوقتي هنعمل إيه يابنتي؟ مين هيقف للظلمة دول؟.
خرجت الكلمات من بين شفتيها مصحوبة برعشةٍ مهزومة، خرجت من باطن الوجع الذي تراكم على صدرها العليل بالحزن:
- مفيش غير هاشم ينقذنا ياماما.. انا عارفه إن ملهوش في الموضوع وإنه لو حماني مرة مش هيحميني التانية، بس أنا مجبرة ألجأ له لحد ما القانون يجيبلنا حقنا منهم.. أنا مش عايزة أكتر من نصيبي في حق أبويا وجوزي.. عايزة أعيش مستورة زي بقية الناس.
واجهشت بالبكاء المرير وهي تتابع بتحسرٍ :
- دي حتى الشقة خدها مننا ياماما ومفيش مكان ننام فيه انتي متخيلة؟.. أنا مش مصدقة اللي احنا عايشين فيه ده!.
ربتت "جليلة" على ظهرها وهي تضمها إليها، محاولة مواساتها في المصاب الذي حلّ عليهم ولم يكن يومًا في الحسبان :
- خلاص أهدي يارحيل.. ربنا هيدبرها من عنده يابنتي متقلقيش.
لحظات من دفء أمها كانت كافية لتسلل الطمأنينة لصدرها البارد، وشيئًا فـ شيئًا كانت تهدأ وترسو على برّ الهدوء، إلى أن سكن بكاءها تمامًا ولم يعد لها سوى صوت أنفاسها الهادئة، على ما يبدو إنها غفت بعد رحلة مملة من السهر والقلق، فـ أعادت "جليلة" رأسها على الوسادة، ودثرتها جيدًا بالغطاء وهي تنهض عن الفراش، ثم خرجت بهدوء حذر وأغلقت الباب من خلفها، وترجلت على السلم وعيناها تبحث عن الشهم الذي فتح بابه على مصرعيهِ لهما، بدون سؤال أو تطفل، وبدون أن يفرض شروطًا أو ينتظر مقابل. قابلت الخادمة وهي تمسك بالقهوة وتتجه نحو أحد الممرات، فأوقفتها لتسأل :
- هو الأستاذ صاحب البيت فين؟.
- الباشا في مكتبه، ثواني أبلغه إنك عايزاه.
- تسلمي.
لحظات قليلة وكان "هاشم" يخرج إليها ممسكًا بقهوتهِ،وتلك الإبتسامة العاقلة على ثغرهِ ليقول :
- أؤمريني ياهانم.
تحرجت "جليلة" من لطفهِ وأسبلت جفونها وهي تقول :
- الأمر لله، أنا مش عارفه أشكرك إزاي اللي بتعمله معانا و ......
منعها "هاشم" من استكمال كلماتها مقاطعًا :
- ياهانم انتي مكبرة الموضوع والله.. ده النبي وصى على سابع جار، فما بالك لو ستات زيكم مفيش حد يقف معاهم!.. أرجوكي أديني شرف حمايتكم ومتقلقيش خالص طول ماانتوا معايا.. وبعدين يمكن ييجي اليوم اللي تردوا فيه الجميل.. مش كده ولا إيه؟.
ابتسمت "جليلة" بتحفظٍ وهي تقول :
- طبعًا طبعًا.. جميلك على الراس ولو نقدر نردوا مش هنتأخر أبدًا.
ثم نظرت حولها وهتفت بنبرة آسفة :
- أنا بس قلقانة لا نسببلك حرج مع المدام و لا حاجه.
نفى "هاشم" ذلك على الفور :
- لأ لأ مفيش مدام ولا حاجه.. أنا راجل مطلق وأعزب.. يعني حريتي في إيدي ولسه مقابلتش الست اللي تستاهل تقيد الحرية دي.
صوت "ليلى" الصغيرة تطفل على تلك المحادثة وهي تنادي أبيها من الداخل :
- يا دادي.. اللعبة باظـت منـي.
ضحك "هاشم" وهو يتابع حديثه الذي بقى في المنتصف :
- وحياتي كلها مفيهاش غير ليلى هانم الصغيرة.. عن أذنك هشوفها وأرجع لك.
أفسحت له "جليلة" الطريق لكي يعبر من جوارها :
- آه طبعا اتفضل.
مرّ من أمامها عائدًا لمكتبهِ، فظلت عيون "جليلة" عليه إلى أن اختفى من أمامها، ثم همست لنفسها بصوتٍ بالكاد تسمعه هي :
- أهي دي الرجالة اللي تشرح القلب بصحيح.. مش الحيوان حسين وأبوه الظالم!.. ربنا يعوض عليكي يابنتي وينصرك قادر ياكريم يارب.
************************************
كان مختليًا بنفسهِ في الغرفة الزجاجية المعزولة عن القصر، حيث يحيط به مساحات واسعة من العشب والكلأ، واليسار تتواجد منطقة الطيور الجارحة الخاصة بـ "هاشم". كان حزينـًا مهمومًا، تسيطر الكآبه على وجهه المظلم المختنق. يراقب من بعيد تلك الحبيبة التي هجرتهُ، ومازال يتطلع على أخبارها وقصصها اليومية الإلكترونية ومنشوراتها على مواقع التواصل الإجتماعي بدون أن تراه، شغوفًا لرؤية كل جديد يخصها، يحتفظ بكل صورة جديدة تنشرها بملف خاص على هاتفهِ سماه بأسمها، ومازال متيقنًا أن الوقت سيعيدها إليه، مؤمنًا بإنها له رغمًا عن زواجها من رجلٍ آخر غيره. يشتعل قلبهِ نارًا كلما رآها بقربه، كلما نشرت منشورًا فيه صورتهِ، كلما تحدثت عنه، كلما أشارت إليه في منشور سنوي بمناسبة عيد الحب ومناسبة عيد زواجهم الثاني. أجل مرّ أكثر من عامين على فراقهم، ولكنه ما زال عاشقًا لها كما لو كان يحبها بالأمس، يشم رائحتها ويحس أنفاسها كلما غفى، وإذا مرّت إمرأة تحمل نفس عِطرها يجن جنونه، ويلتفت من حول نفسه باحثًا عنها گالثمل، قد تكون هي صاحبة ذلك العِطر الملتصق بأنفه وحواسهِ؛ لكن تذهب أمنياتهِ سدى حينما يلاحظ إنه لا وجود لها من حوله، وإنه ما زال يعيش في سراب الوهم الذي جعله حيًا حتى الآن.
أحس "مراد" بالباب ينفتح، فأسرع يمسح عيناه التي أدمعت، واكتسب وجههِ تلك التعابير الجادّة من جديد، وهو ينظر إلى ابن عمه الذي رآه بالفعل في تلك الحالة:
- في إيه يا مراد؟. 
ردّ عليه بإقتضاب :
- مفيش حاجه.. قولي بتدور عليا ليه؟. 
تنهد "هاشم" غير راضي عن الحالة التي يحاول "مراد" أن يتعايش معها :
- اللي انت فيه ده مينفعش يامراد.. أنا عمري ما شوفتك ضعيف بالمنظر ده غير وانت بتفكر فيها!. 
كان حازمًا جادًا وهو يقول :
- قولتلك متكلمش معايا في الموضوع ده.. قولي عايز إيه مني من غير كلام جانبي يخصني لأنك مش هتفيدني بحاجه.. انت شاطر توجعني وبس.
دافع "هاشم" عن نفسه وعن حِدتهِ حيال ذلك الأمر الذي لا يروق له :
- أنا بس مش عايز أشوفك ضعيف بالشكل ده عشان واحدة.. مفيش ست تستاهل أبدًا نموت نفسنا بالحزن عليها.. انت لازم تعيش وتشوف حياتك زي ما هي شافت حياتها.. محدش بيموت بعد الفراق يامراد.
حسم "مراد" الأمر بالرد المناسب من وجهة نظرهِ :
- أنا مُـت.. أنا مش عايش من بعدها، اللي قدامك ده شبح مش حقيقة.
وقبل أن يتفوه "هاشم" بكلمة أخرى كان "مراد" يقطع ذلك الطريق عليه :
- قولتلك متكلمش في الموضوع معايا.. خلينا في السبب اللي جابك ورايا.
ثم نهض عن مكانه وقد بدأت تعابيره تعود لطبيعتها، في محاولة ناجحة منه لتخطي أحزانه - بشكل مؤقت - :
- إيه الجديد.
نظر "هاشم" لساعة يدهِ وهو يقول :
- في حوار لازم نحله .. دلوقتي.
************************************
مش شدة غطرستهِ كان فمهِ منبعجًا بإبتسامة سخيفة لزجة، وهو يشاهد الطريق نحو قصر "العزيزي"، ذاهبًا لهناك بقدميهِ، ووسط حراسة مشددة من رجال الشرطة، بعدما صدر قرار بتفتيش القصر بحثًا عن الغائبة "رحيل الطحان" وأمها المختطفة -كما زعموا-.
مددّ "حسين" أنظارهِ للأمام يقيس ما تبقى من مسافة، ثم أردف بـ :
- خلاص مش فاضل غير أمتار ونوصل عُقر بيته.
لم يكن "حمدي" متفائلًا گولدهِ، بل فكّر مرارًا في اللحظة التي سيواجه فيها إبنة أخيه وزوجة ابنه الراحل، حتمًا ستكون لحظة غاية في الصعوبة، لاسيما إنه ينتوي عقابها عقابًا متوحشًا، أثر خطيئتها التي لا تُغتفر، وسيرتهم التي تجولت على ألسنة العامة من الناس بسببها هي.
زفر "حمدي" بعدما وصلت السيارة أمام البوابات، ثم ترجل عن السيارة وفتح الباب لولدهِ كي يستند على عكازهِ وينزل، ثم شقّ كلاهما الطريق نحو البوابة بعدما بدأت الشرطة في الدخول متخطية أفراد الأمن والحراسات. سار "حسين" في أعقاب والدهِ بالرواق المزدان بزهور دوار الشمس، إلى أن استطاع رؤية "هاشم" وهو يخرج من قصرهِ لإستقبال الضيوف - الغير مرحب بهم -.. وأول ما وقعت عليه عيناه هو "حسين"، متعرجًا على عكازهِ الخشبي وساقهِ تتغلف بالجبس، هذا المشهد دفعهُ تلقائيًا للضحك دون شعور، مما أجج نيران الغضب بجوف "حسين" وجعله راغبًا في إقتلاع عينيهِ التي تنظر إليه في شماتة؛ لكن الوسط كله معقد ولا يحتمل أي تعقيد آخر.
حرر "هاشم" تشابك ذراعيهِ من خلف ظهرهِ واقفًا أمام الشرطي :
- خير يافندم؟ أؤمر ؟.
- معانا أمر بتفتيش البيت يابشمهندس.
ثم ناوله أذن النيابة وهو يتابع :
- لو تسمح..
- إحنا تحت الأمر. 
أفسح له "هاشم" الطريق بدون أن يتطلع على أذن النيابة، فـ مرّ رجال الشرطة من جوارهِ، بينما كان هو ينظر إلى "حسين" ويردف بـ فتور شديد ومثير للإستفزاز :
- ألف سلامة يا حسين، أبقى خلي بالك من نفسك المرة الجاية ............

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا