رواية ومضة الفصل السادس عشر 16 بقلم ميرنا ناصر

رواية ومضة الفصل السادس عشر 16 بقلم ميرنا ناصر

رواية ومضة الفصل السادس عشر 16 هى رواية من كتابة ميرنا ناصر رواية ومضة الفصل السادس عشر 16 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ومضة الفصل السادس عشر 16 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ومضة الفصل السادس عشر 16

رواية ومضة بقلم ميرنا ناصر

رواية ومضة الفصل السادس عشر 16

فأجابني بجديّة: "صحيح، تعيشين على الأكسجين، لكنكِ الآن تعيشين أيضًا على وحدات الطاقة السحرية. منذ دخولكِ هنا، أضيفت لكِ وحدات من الطاقة السحرية، وبكل محاولة للعودة، ستفقدين جزءًا من تلك الوحدات."
نظرت إليه والحيرة بدأت تتسلل إلى قلبي، ثم فكرت بسرعة وقلت: "أليس هناك كتب في المملكة تحدد التاريخ؟"
فقال لي بعدم فهم: "لم أفهم سؤالك يا مولاتي."
فقالت وعد بدهاء: "دعنا نفكر جيدًا، إذا عرفنا متى بالتحديد بدأ الملك يخطط لجناحه الخاص أو متى بدأ حكمه، سنتمكن من تقليل عدد المحاولات، وبالتالي نوفر وحدات الطاقة السحرية."
قال إيمانويل بحزن: "يا مولاتي، الممر لا يعمل بالتاريخ، الممر ليس بآلة."
قالت وعد بحزم: "يعني أنا في كل الأحوال ميتة... إذا فتحنا الجناح بطريقتك سأموت، وستكون قد خسرت أمانتك وقسمك. وإذا دخلت الممر، فاحتمال مع كثرة المحاولات أموت... لذلك سأختار الممر."
أجابها إيمانويل بأسف: "أتفهم قرارك يا مولاتي، ولكن عليك أن تكوني على دراية بكل المخاطر التي تواجهينها. سأكون هنا لدعمك ومساعدتك بأي طريقة ممكنة."
بدأ إيمانويل في تجهيز الممر، وقام بتحذيري مجددًا: "تذكري يا مولاتي، يجب أن تكوني حذرة ولا تلتقي أعينك بأعين أي شخص في الماضي. حافظي على هدوئك وثباتك."
وقفت أمام الممر، وأطرافي تدب فيها برودة الجليد، وعيناي تتفقدان الممر والخوف يحتل قلبي. ماذا أفعل؟ هل أهرب؟ هل أخبر إيمانويل أنني لا أريد أن أعرف وأعود إلى المملكة لأعيش دون فهم؟ وكأنه فرض عليّ... وأي فرض هذا؟ عندما يُفرض على الإنسان شيء، يعلم لماذا فرض عليه... ظلمًا أم عدلًا أم صلاحًا أم قانونًا أو حتى عقابًا. لكن ماذا عني؟!
كل هذه الأسئلة تدور في رأسي: ما أصل المملكة؟ ولماذا فعل جدي كل هذا؟ وماذا عن حياتي هناك؟ ومصر! بلدي الحقيقية، موطني وحياتي...
على الرغم من أنني أستطيع الهرب والرجوع، لكن ما السر في عدم قدرتي على ذلك؟
أسئلة ودوشة كثيرة تدور في رأسي. نفضت كل هذه الأفكار وابتسمت لإيمانويل قائلة: "شكرًا لك يا إيمانويل. أنا لا أعرف كيف أشكرك أو أعبر عن معروفك هذا."
وقفت مشدوهة أمام الممر، وأطرافي تتجمد من البرد القارس، وعيناي تتفحصان الممر بتوتر والخوف يتسلل إلى قلبي كوحش يهاجم فريسته. ماذا أفعل؟ هل أهرب؟ هل أقول لإيمانويل إنني لا أريد أن أعرف الحقيقة وأعود إلى المملكة لأعيش في جهل وكأنها فرض عليّ؟ وأي فرض هذا؟ عندما يُفرض على الإنسان شيء، يعلم السبب وراء ذلك... هل هو ظلم أم عدل أم إصلاح أم قانون أم حتى عقاب. لكن ماذا عني؟
كانت الأسئلة تتزاحم في رأسي كالعاصفة: ما هو أصل المملكة؟ لماذا فعل جدي كل هذا؟ وكيف أعيش هناك؟ وماذا عن مصر، بلدي الحقيقية وموطني وحياتي؟
على الرغم من أنني أستطيع الهرب والعودة، إلا أن هناك شيئًا يمنعني. ما هذا السر الذي يعجزني عن اتخاذ قرار الهرب؟
كانت الأسئلة تتدفق في رأسي كالنهر المتلاطم. نفضت كل هذه الأفكار وأخذت نفسًا عميقًا، ثم ابتسمت لإيمانويل قائلة: "شكرًا لك يا إيمانويل. لا أعرف كيف أشكرك أو أعبر عن امتناني لهذا المعروف الكبير."
أجابني إيمانويل بابتسامة هادئة: "لا شكر على واجب يا مولاتي. أنتي دائمًا القوية والشجاعة، وأنا هنا لدعمك في كل خطوة تخطينها."
أعتذر إذا لم يكن النص السابق قد لبّى توقعاتك. سأعيد صياغته الآن بإضافة المزيد من الفصاحة والجماليات التعبيرية، مع التركيز على التفاصيل التي تعزز المشاعر وتعمّق الحوار بين الشخصيتين.
ابتسمت له وكأنني أودعه للمرة الأخيرة، وكأن اللحظة تحمل في طياتها وداعًا لا رجعة فيه. لم أكن أعلم هل كان يودعني هو الآخر، وكأنه شعر بما يجول في خاطري، أم أن هذه كانت مجرد أوهام نسجها خوفي من المجهول. تقدمت بخطوات مترددة نحو الأنبوبة، قدماي ترتجفان وكأنهما تحملان عبء العالم بأسره. وضعت قدمي على أول خطوة، وفجأة شعرت بقوة تجذبني. لم تكن هذه القوة من الأنبوبة، بل كانت من إيمانويل الذي عانقني بشدة، وكأنما يحاول أن يحميني من كل ما ينتظرني.
قال لي بمشاكسة، وهو يرفع يده ليلمس وجهي بلطف: "ماذا لو بقيتِ هنا معي؟ هذا الممر ليس مكانًا يليق بملكة شجاعة مثلك."
تفاجأت من عناقه، لكنني لم أجد في نفسي رغبة للخروج من بين ضلوعه. تحدثت بصوت يملؤه الحزن: "إيمانويل، أنت تعرف جيدًا أنني لا أستطيع التراجع الآن. يجب أن أواجه ما ينتظرني، مهما كان الثمن."
ابتسم لي بثقة، وأمسك بيدي بحنان: "أعلم ذلك، لكن لا يمكنني السماح لكِ بالذهاب دون أن أخبركِ كم يعني لي وجودك."
شعرت بدفء يديه يحيط بي، وكأنني وجدت ملاذًا آمنًا وسط عاصفة من المخاوف. قلت له: "إيمانويل، أنا خائفة. لا أعلم ما ينتظرني في هذا الممر، لكنني أعلم أنني لا أستطيع التراجع الآن. وأعلم أن ما يحدث الآن غريب وخطأ فادح، أنا جلالة الملكة وعد."
ضحك بخفة، وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعري: "أعرف ذلك، ولكن ما لا تعرفينه أنك تملكين سحرًا غريبًا، سحرًا يجعل أعظم ساخر ضعيفًا أمامك."
ضحكت بخجل وابتعدت قليلًا عن حضنه، وقلت: "خسرت نيريفا شاعرًا ولست ساحرًا ماهرًا فقط."
أمسك بيدي مجددًا، وضغط عليها  وكأنه يعاتبني: "وأيضًا رائف."
شعرت بألم في يدي، فقلت متألمة: "إيمانويل، تؤلمني."
نظر إليّ بعينين تحملان أسفًا عميقًا: "وحديثك يؤلمني أيضًا."
نظرت إليه بأسف، وقلت: "أعتذر... أعتقد أن خوفي يجعلني أهذي بكلمات غريبة. أدركت مؤخرًا أنني لم أكن أعرف نفسي حقًا. كنت شخصًا مختلفًا، لا أخاف ولا أرهب شيئًا، وكان الجميع يهابونني. كنت أدخل النار دون أن تهتز شعرة مني. انظر إليّ الآن يا إيمانويل..."
أمسك بيدي برفق شديد، وقال بصوت هادئ: "أنتِ دائمًا شجاعة، ولكن أحيانًا أعتقد أن بعض الجنون يختبئ داخل هذا القلب الشجاع."
نظرت في عينيه وابتسمت، وقلت له: "في مصر يقولون: أشوف وشك على خير."
ابتسم لي وقال، وهو ما زال ممسكًا بيدي: "وماذا يقول الطرف الآخر وقتها؟"
ضحكت، وعيناي تهرب منهما الدموع: "وأنت بخير، في رعاية الله."
رد بابتسامة دافئة تخطف القلب: "وأنتِ بخير، في رعاية الله وحفظه."
ابتعدت عنه ببطء، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن أخطو الخطوة الأولى نحو الممر. كانت كل خطوة تخطوها تجعلني أشعر بالخوف والرهبة، وكأن الظلام يبتلعني شيئًا فشيئًا. بدأت الأنبوبة تنكمش وتقل حجمها تدريجيًا بمجرد اقترابي منها، وكأنها تستعد لابتلاعي.
وفجأة، شعرت بذراعيه تحيطان بي مرة أخرى، وهمس في أذني بصوت مفعم بالحنان: "سأنتظرك يا وعد، وربما يجب أن تعودي سريعًا، لأنني لن أتمكن من البقاء طويلًا دونك. وسأظل هنا حتى تعودي. لا تنسي أنني أحبــــــ..."
وقبل أن يكمل كلمته، شعرت بالأنبوبة تلتقطني في جوفها، وتطرد إيمانويل بعيدًا وكأن شخصًا حمله وألقاه بعيدًا جدًا. رأيته يتألم من أثر السقطة ويرفع يده ويشير لي بها. بدأت الأنبوبة بالانكماش، وأغمضت عيني، تاركة خلفي كل شيء، وماضية نحو المجهول. لكنني قررت أن أتغلب على خوفي، ففتحت عيني لأرى ماذا يحدث.
قررت أن أفتح عيني، ورغم رهبة الموقف، شعرت بشجاعة غريبة تدفعني لرؤية ما يحدث. كانت الأنبوبة تلفني بالكامل، وأشعر كأنني أطفو في عالم زجاجي. بدأت الأضواء تتراقص حولي بألوان باهتة، كأنها أشباح ضائعة في ظلام دامس. الرياح كانت تعوي بصوت غامض، تحمل معها همسات مخيفة تهمس باسمي.
شيئًا فشيئًا، بدأت تشعر بشيء يتحرك حولي، كأنه أطياف مخفية تراقبني. كان الظلام يزداد كثافة، وتحولت الأضواء إلى أشكال غريبة تقترب مني ثم تتلاشى. سمعت أصواتًا خافتة، كأنها صرخات بعيدة أو نداءات مجهولة، جعلت قلبي ينبض بسرعة.
ثم، فجأة، شعرت بشيء يلمس كتفي، كأنها يد خفية تحاول جذبني إلى الأعماق. ارتجفت، وكاد الخوف يسيطر عليّ، لكنني تمسكت بشجاعتي وقررت المضي قدمًا. بدأت الأنبوبة تهتز بعنف، وكأنها تحاول ابتلاعي بالكامل. بدأت الصور تتلاشى وتتحول إلى أشكال مرعبة، كأنها رؤى من كوابيس لا تنتهي.
وبينما كنت أتحرك داخل الأنبوبة، بدأت أرى مشاهد من مملكة كريستافيل. كانت القصور المهيبة تتلاشى تحت ضوء شاحب، وأشجار الحدائق تلتف حول نفسها كأنها تسعى للهرب. رأيت جدي، منتصرًا وممتازًا، يجلس على عرشه، لكن وجهه كان متجهمًا وكأن ثقل العالم كله يقع على كاهليه.
رأيت شبابًا يدخلون المملكة لأول مرة، وجوههم متوترة وأعينهم تلمع بالدهشة والخوف. كانت المملكة تبدو كأنها تعج بالحياة، لكن الحياة كانت مشوبة بظل مخيف، كأن شيئًا مظلمًا يختبئ في الزوايا.
واصلت الأنبوبة حركتها، وشعرت كأنني أتسلل بين أزقة المملكة، لكن الظلام كان يزداد كثافة والأصوات المجهولة كانت تزداد ارتفاعًا. شعرت وكأن هناك أعين خفية تراقبني، وأشباح تحاول الاقتراب مني. كانت الأسواق صاخبة، لكن الصوت كان مشوشًا ومخيفًا، كأنها أصداء من الماضي البعيد.
وفي تلك اللحظة، توقفت الأنبوبة ببطء، وكأنها تلفظني إلى أرض جديدة، إلى مملكة كريستافيل كما لم أرها من قبل. وجدت نفسي واقفة في ساحة القصر، حيث كانت الأضواء تخبو والظلال تتلاعب حولي. شعرت بالرهبة والخوف، لكنني كنت أعلم أنني أخطو أولى خطواتي نحو اكتشاف الحقيقة، نحو ماضي المملكة الذي لطالما خفي عني.
كانت هناك أصوات ضحك في الأرجاء، وصخب الشباب الذين كانوا يدخلون إلى المملكة للمرة الأولى. لكن وجوههم كانت تحمل دهشة الأطفال وتوتر القادمين إلى مكان مجهول. شعرت أني واحدة منهم، لا أدخل فقط مملكة أجدادي، بل أدخل أيضًا عالمًا جديدًا مليئًا بالأسرار والمخاوف.
اختبأت سريعًا خلف الشجرة، ، بينما اجتاحت كلماته أذني كرياح عاصفة: "أنتم مجانين... نحن في كارثة!" كان صوته مرتجفًا، يفيض باليأس والذعر. التفتُ بحذر نحو مصدر الصوت، فرأيته بوضوح.
كان شابًا نحيف القوام، طويل القامة بشكل لافت وكأن قامته تحمل إرثًا أثقل من عمره. بشرته الداكنة الهادئة تشبه التراب المصري بعد المطر، وعيناه الواسعتان تحملان بينهما مزيجًا غريبًا من الذهول والغضب. وجهه كان أملس تمامًا، وكأن سنوات الحياة لم تترك له سوى قلق متجذر في تعابيره. أما شعره، فكان خفيفًا ومنسدلًا، يكشف عن جبينه الواسع، وكأنما يحمل أثقال الماضي والقلق على حاضره.
كان يرتدي ملابس تدل على تلك الفترة التي شهدت احتلال الإنجليز لمصر، وكأن زيه يخبرك بقصة من الكفاح والألم. ارتدى جاكيتًا طويلًا من الصوف الداكن، تبرز خياطته البسيطة طابع الفقر والأصالة، مع قميص أبيض قديم تفوح منه رائحة الأزمنة الغابرة. سرواله  رمادي اللون، يلتصق بساقيه النحيفتين، ويدل طرازها على تلك الحقبة الاستعمارية. الحذاء الذي يرتديه بدا مهترئًا ومغبّرًا، وكأنه سار به مسافات طويلة على طرقات مليئة بالتحديات.
يداه، التي كانت ترتجفان، تحملان دفترًا صغيرًا، كأنه يحوي أسرارًا أو رسائل لم تُقرأ بعد. في تلك اللحظة، بدا وكأنه شخص هارب من رواية تُسرد فصولها في زمن ثائر، يحمل بين طياته ثقل حكاية تحتاج أن تُحكى. 
فمسك بيده شاب آخر، كان مختلفًا عن باقي الشبان الثلاثة. كانت عيونه لامعة بشكل شديد ، تعكس انبهاره بالمكان وعجائب ما يراه كان أقواهم، أكثرهم ثباتًا  وشجاعة . كان وسيمًا بشكل يلفت الأنظار، الوسامة المصرية   يتمتع ببنية جسدية قوية ومثيرة للإعجاب.
كان شعره الكثيف المسدل يميل إلى السواد، وكان وجهه يحكي عن ملامح رجولية صارمة، تجمع بين الجاذبية والهيبة. عيناه الواسعتان كانتا تشعان بالحماس والحيوية، وكأنهما تستنطقان جمال كل ما يراه. بشرته السمراء الداكنة تضيف له لمسة من القوة والغموض، في حين كانت شفاهه ترتسم عليها ابتسامة نصف مدهشة نصف مذهولة.
أما ملابسه، فكانت تعكس أناقة تنم عن خلفية ميسورة في زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر. ارتدى جاكيتًا طويلًا مصنوعًا من الصوف الفاخر، لونها داكن لكنه يحمل بريقًا يوحي بالجودة العالية، وتزينه أزرار نحاسية لامعة. تحت الجاكيت كان يرتدي قميصًا أبيض ناصعًا، بتفاصيل دقيقة وخياطة فاخرة، يجعله يبدو أنيقًا وجذابًا. 
كان سرواله مصنوع من قماش قطني ناعم، لونه رمادي فاخر، يتناسب تمامًا مع جاكيت الصوف. وعلى قدميه كان يرتدي حذاءً جلديًا لامعًا، يبدو أنه تم تصنيعه بعناية فائقة، حيث كانت التفاصيل الدقيقة تظهر مدى جودته ورقيه. 
كان الشاب يقف بثبات، قوة جسده وحضوره الطاغي يملآن المكان، وكأن كل شيء من حوله يتلاشى أمام جاذبيته وسحره. عندما أمسك بيد الشاب النحيف، شعرت بأنهما يكملان بعضهما، يجتمعان في مزيج فريد من القوة والحساسية، الجرأة والإنصات، وكأنهما وجهان لعملة واحدة.
عندما ركزت أكثر في ملامح وجه الشاب الوسيم والقوي، شعرت وكأن الزمن يعود للوراء. كانت تعابيره مألوفة جدًا، وكأنني رأيتها في صور قديمة أو أحاديث مروية. صُدمت حين أدركت الحقيقة... إنه هو، جدي منتصر الجزار، في شبابه. عيناه اللامعتان، هيبته، والطريقة التي يقف بها، كانت بلا شك تحمل بصمة الملك الذي لطالما سمعت عن عظمته.. وعن قصصه التي كان يرويها لي عن شبابه وصوره التي كانت معلقة في بيتنا القديم.
نقلت بصري بسرعة إلى الشاب النحيف الذي أمسك بيده. كان صوته يرتجف، لكن ملامحه تحمل شيئًا مختلفًا. كان فيه شيء حنون، لكنه مليء بالقلق والخوف. لا يمكن أن أكون مخطئة، لقد عرفته أيضًا... إنه جدي صادق.
نقلت عيناي إلى الشاب الثالث الذي كان يراقب بصمت. من هو؟ قد يكون ممتاز، صديق جدي المقرّب، لكن عيونه المشعة بالحماس تجعلني أشعر بأن خلفه قصة كبيرة لم تُروَ بعد.
ممتاز كان مختلفًا تمامًا عن الآخرين، بمظهره الذي يعكس أصولًا أجنبية واضحة، وكأنه قطعة من عالم آخر وُضعت بين أيديهم. كان وجهه يميل للحمرة، مع بشرة ناعمة ونقية تنم عن عناية فائقة. عظام وجنتيه كانت بارزة، تمنحه مظهرًا أرستقراطيًا، وفكه المحدد أضفى عليه هيبة وثقة. أنفه المستقيم وشفتيه الممتلئتين نسبيًا كانتا تعبران عن ملامح دقيقة ومتناسقة، وكأنه لوحة مرسومة بإتقان. أما عيناه، فقد كانتا زرقاوين كالسماء وقت الفجر، تشعان ببريق يوحي بالذكاء والمغامرة.
شعره البني الفاتح كان متموجًا قليلاً ومصففًا بعناية، وكأنه أحد النبلاء في زمن الإنجليز. كان يرتدي ملابس أرستقراطية راقية، تناسب خلفيته التي تنم عن ثراء وأناقة. جاكيته الطويل كان مصنوعًا من نسيج فاخر بلون كحلي داكن، يتخلله خطوط دقيقة تكاد لا تُرى. القميص الأبيض الذي ارتداه تحت الجاكيت كان ناصعًا، محكم الزر، ومزينًا بربطة عنق داكنة تضفي عليه مظهرًا متكاملاً.
سرواله كان رمادي اللون، بتصميم دقيق يبرز أناقته دون أن يفقد الطابع الرسمي للحقبة الزمنية. أما الحذاء الجلدي الأسود الذي ارتداه، فكان لامعًا بصورة تبرز نظافته، مما يدل على أنه كان من الطبقة المخملية. إطلالته كانت تجعله يبدو وكأنه خرج من إحدى رسومات العصر الفيكتوري، مع مزيج من القوة والثقة والرقي.
 ممتاز، بتلك الملامح الأجنبية والهيئة الأرستقراطية، بدا وكأنه نقطة اختلاف مثيرة بين المجموعة، وكأن حضوره يحمل قصة لم تُروَ بعد، ولكنها مليئة بالتشويق والإثارة.
ودار بينهم الحوار كالتالي:
صادق (بصوت يرتجف وهو ينظر حوله):إنتوا مجانين! إحنا في مصيبة! إيه اللي جابنا هنا؟"
منتصر (بحزم واضح وهو يمسك بيده ليهدئه):" "اهدّى يا صادق. إحنا هنا  أكيد لهدف، وهدفنا مش هيتحقق لو فضلنا مشتتين. الموضوع في سر كبير وفي منفعة اكبر لعملياتنا كلها ."
الشاب الثالث (بصوت مشاكس ومليء بالحيوية): "مسؤولية؟ مش المسؤولية كمان إننا نعرف إيه اللي مستنّينا؟ إحنا واقفين على أرض غريبة، ولسّه هادي كده يا منتصر؟"
*منتصر (بابتسامة هادئة لكنها تحمل القوة):* "الهدوء مش معناه إنك متحسش بالخطر، معناه إنك تعرف تواجهه. وأنت يا ممتاز، دايمًا طاقتك عالية، بس المرة دي محتاجين نكون أعقل..
صادق (يقاطعهم بقلق): بس المكان ده... غريب. حاسس إن في حاجة... حاجة بتراقبنا..  يمكن دا لعبة منهم علشان يوقعونا "
ممتاز (بابتسامة ساخرة): "عادي، إنت دايمًا متخيّل إن العالم كله بيبصّ عليك يا صادق..  وكله بيتآمر عليك علشان يوقعك. "
منتصر (يضع يده على كتف صادق ليهدئه):* "الخوف من المجهول طبيعي، بس لازم نصدق إننا أقوى من اللي بنخاف منه. إحنا هنا  مش هروب لمكان تاني مش خوف..احنا كنا بنعمل   شيء عظيم جدًا"
صادق ( بفخر ): "  أول مرة عملية تنجح جدًا بالشكل العظيم ده " 
منتصر ( بفخر أكثر):  " منتصر لما بيخطط صح مفيش حاجة تقف قدامه.. احنا عملنا ملحمة تاريخية.
ممتاز (بابتسامة): " حاسس إن الجزار دا مش لقب لا دا مهنة لما شوفتك بتخلص على تلاته مرة واحده" 
شعرت وكأن الأرض تنزلق تحت قدمي، والخوف يلتف حولي كضباب كثيف. تكررت كلماته داخلي كصدى مخيف: "خلصت على تلاتة مرة واحدة... جدي قاتل!" لم أستطع تصديق ما أراه أو أسمعه، وكأن عقلي يرفض استيعاب الواقع.
بدأت أنفاسي تتسارع و ارتجفت يداي، وأنا أحاول أن أجد تفسيرًا لما يحدث أمامي. تلك الصورة لجدي، بملامحه الشابة الحادة والمليئة بالقوة، اختلطت بداخلي بصورته التي عرفتها دائمًا؛ الحكيم، العادل، المنتصر. لكن... قاتل؟!

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا