رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير بقلم ايه شاكر

رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير بقلم ايه شاكر

رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة ايه شاكر رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير
رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير بقلم ايه شاكر

رواية قدرنا في لحظة عابرة من الفصل الاول للاخير

“يعني إنت نمت طبيعي وصحيت أعمى!!… لـ… ليه إيه اللي حصلك وإنت نايم؟”
أطلق تنهيدة متألمة عندما تذكر ذلك اليوم حين أظلمت دنياة دون سابق إنذار، عقب قائلًا بحسرةٍ:
“الأطباء احتاروا في حالتي حتى إن بعضهم قال إني بتظاهر بالعمى!!”
أردف بابتسامة ساخرة:
” لأن مفيش أي سبب طبي يمنعني أشوف…”
أطرقت الفتاة رأسها لأسفل تفكر فيما قاله وهي مقطبة حاجبيها ثم طالعته وهي تقول بتعجب:
“غريبه!!!”
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
خيم الصمت عليه وإكتسى وجهه بالحزن، كانت هي تتأمل قسمات وجهه الذابلة والباهتة، تنفست الصعداء وقالت مواسية:
“ربنا يشفيك… إن شاء الله تنام تاني وتقوم تلاقي نفسك فتحت…”
ارتسمت ابتسامة باهتة على محياة ولم يُعقب…
أشاحت بصرها عنه وصمتت هنيهه حتى بكى ذلك الصغير القابع أعلى ذراعيها فأخذت تربت على ظهره وتهزه بحنو، سألها بتعجب:
“إنتِ بتعملي إيه في المستشفى بالطفل ده!! وفي الوقت ده؟”
قالت:
“ماما محجوزه في المستشفى وأنا قاعده معاها… ولما أخويا عيط خرجت أشتريله أكل عشان ماما متقلقش لأنها لسه نايمه”
سألها باستغراب:
“وباباكي فين؟! وأهلك فين؟!”
أجابت:
“بابا مسافر بره مصر وخالو من القاهرة وهيجي بكره وأنا كبيره عشان كده قاعده مع ماما لحد ما خالو يجي”
قالت جملتها الأخيرة بنبرة متعالية وهي ترفع ذقنها لأعلى بثقة فابتسم من ثقتها تلك وتمنى لو يراها، قال:
“حقيقي إنتِ سابقه سنك”
ابتسمت من كلماته وهي ترفع ذقنها لأعلى بغرور فقد مدحها هذا الليل للتو، أخذت تلاعب الصغير على ذراعيها وتداعبه، وحين سمع ضحكاتهما اتسعت ابتسامته وكأنه يراهُما…
كانت تتأمله بدقة مطمئنة بأنه لا يراها، لم يكن وسيمًا للغاية لكن لإبتسامته الواسعة _التي كشفت اللثام عن أسنانه البيضاء_ جاذبية خاصة.
وبعد فترة سكت الصغير وسكن على ذراعها، وران الصمت بينهم ظلت تُطالعه لفترة ثم قالت بنصح:
“إيه رأيك تسيبك من طريق الدكاتره وتجرب طريقه تانيه للعلاج”
أطلق ضحكة كالزفرة وقال بنبرة مغلفة بالسخرية:
“وإيه بقا الطريقه التانيه!!”
قالت وهي تتأمله:
“جرب مثلًا تروح لشيخ يرقيك ”
صمت لبرهة يفكر بكلامها، فأردفت بلجلجة:
“أ… أ… أنا أسمع إن السحر والمس ممكن يعمي ويجنن ويمـ..وت كمان”
لم تلقَ منه ردًا فأكملت:
“أ… أنا ممكن أدلك على شيخ عندنا في البلد”
اتسعت ابتسامته وقال بامتنان:
“شكرًا ليكِ… بس أنا مبصدقش في الحاجات دي!”
شعرت بالإحراج وعم الصمت مرة أخرى وهي تنظر له تارة ولأخيها الصغير تارة أخرى، انتظرته كثيرًا ليتحدث ولم ينبس بكلمة وحين طال صمته ويأست أن ينطق بحرف أخر حاولت جذب انتباهه بفتح أي حوار فقالت بأسى وهي تُطالعه:
“لا حول ولا قوة الا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون…”
أجفل ودب بعض الخوف في قلبه! فربما ظن أن الطفل الذي سكن صوته قد فارق الحياة! فتلك الجملة لا تُقال إلا في مصيبة ما! غضن حاجبيه وسألها بلهفة:
“فيه إيه!! مين اللي مـ..ات؟”
ابتسمت فقد أصابت هدفها وأثارت انتباهه، قالت بضحكات مكبوحة:
“متقلقش محدش مـ.ات…”
أسترسلت بجدية وهي تتأمل تأثير كلماتها على صفحة وجهه:
” دايمًا أسمعهم يقولوا كده لما يزعلوا تقريبًا الجملتين دول بيعالجوا حاجه جواهم”
أطلق ضحكة خافتة فقد علم أنها تجذب انتباهه بكلماتها تلك وبعد صمت طفيف قال ساخرًا:
“الجمله الأخيرة دي بتخليني أفقد الأمل وأستسلم لفكرة إني مـ.يت!”
قالت بضحك:
“ما هو كلنا هنمـ.وت في الأخر ونرتاح ”
قهقه ضاحكًا وسألها مقطبًا جبينه باستغراب:
“إيه التفاؤل ده على الصبح!… إنتِ عندك كم سنه لكل التفاؤل ده؟”
“أنا عندي ١١ أو ١٢ باين! مش متأكده… هو أنا في ٦ إبتدائي”
قال:
“كلامك سابق سنك!”
عدلت من جلستها وتجلى عليها الغرور وهي تقول باستفاضة:
“كلهم بيقولولي كده… وده لأني بقرأ كتير أوي… تعرف إن أنا حلمي أكون كاتبة… أنا كتبت قصص كتير لكن أنا بس اللي بقرأها تحب أحكيلك قصة من تأليفي؟”
لم يجب وصمت للحظات تألم وكأنها ضغطت على جـ.رحه فتجاهل عرضها وقال بأسى:
“أنا كمان كنت بقرأ كتير وبكتب لما… لما كنت بشوف…”
قالها ثم أرسل تنهيدة طويلة يبث من خلالها شجن قلبه، شعرت بحزنه فتمنت لو لم تقل تلك الجمله، ظلت تتأمله في سكون وهو مطأطأ رأسه لأسفل مغلقًا جفنيه بقـ.وة وكأنه يتمنى أن يفتحهما فيجد بصره قد عاد إليه.
وبعد فترة من الصمت فتح عينه ورفع رأسه، كانت تُحدق به وتتابعه بشفقة، حاولت انتشاله من ظلمة أفكارة فنظرت للسماء حيث أوشك ضوء النهار أن يبدد ظلام الليل و قالت متلعثمة:
“دلوقتي فيه خليط من النور والضلمة أول مره أشوف النهار وهو بيطلع”
ارتسمت ابتسامة باهتة على محياة لعفويتها تلك، وأدرك بأنه لابد أن يرحل الآن…
“يا لها من سَدَفة رائعة”
قالها الصبيّ بابتسامة وهو ينهض ببطئ….
******
إلى هنا وتوقفت «نداء» عن قراءة ما خطته بيمينها قبل خمسة أعوام، فتاة في منتصف عقدها الثاني تجلس أعلى مكتبها الخشبي تُطالع سقف غرفتها وهي تتسائل هل كان صبيًا حينها أم كان فتى بالغ! فصوته بدا خشنًا ورجوليًا!!
أغلقت دفترها وتنهدت بحيرة فعلى ما يبدو أن تلك الروايه لن تكتمل أبدًا كسالفيها فلم يسبق لها أن أكملت قصة قط!
نزلت عن سطح المكتب وهي تفتح أدراجه المكتظة بالأوراق والتي تحوي قصص بلا نهايات كانت تقرأهم بين فترة وأخرى تضيف كلمات وتحذف أخرى ثم تُعيد الأوراق مكانها في حيرة، دائمًا تقول لنفسها بأنه يجدر بها أن تتخلى عن الكتابة للأبد!
جلست على المقعد واستندت بمرافقيها على سطح المكتب ونكست رأسها بينهما وهي تتذكر تفاصيل ذلك اليوم، لم تنسَ ملامح من وصفته بـ الصبيّ وكثيرًا ما بحثت عنه في وجوه الناس أثناء سيرها في الطرقات تتمنى لو تراه فتُعيد له ذلك الأنسيال الذي وقع منه حينها! لكنها لم تلتقِ به حتى الآن! كانت تتسائل كل يوم تُرى هل عاد له بصره؟!
اعتدلت في جلستها وعادت تفتح دفترها لتقرأ ما كتبته للمرة التي لا حصر لها وعدلت بعض الألفاظ، كم تتمنى لو تُنهي تلك الرواية! تتمنى أن تُنجز أي شيء في حياتها حتى ولو رواية!
حاولت إطلاق العنان لمخيلتها لتكتب لكنها فشلت! حتى أنها لم تختر لروايتها اسمًا حتى هذا الوقت!
عادت تغلق الدفتر بعنـ..ف وهي تحدثه قائلة بعصبية:
“تبًا لك”
كان الوقت بعد الفجر والجو يتهيأ لصباح يوم جديد من منتصف شهر يناير.
استلقت على فراشها وحملت هاتفها السامسونج الأبيض القديم والمُتهـ..الك كان حجمه أصغر من كفها الصغير! فقد أعطاها والدها ذلك الهاتف بعد إلحاح من والدتها لتطمئن عليها وهي بالدروس!
كانت تستحي أن تُظهره أمام أصدقائهما كي لا يسخرون منها وحين تود مُهاتفة والدتها أو والدها تقف في جانب بعيد كي لا يراها أصحابها وكأنها تسرق!! وحين طلبت من والدتها هاتف أخر بررت لها أن والدها يخشى عليها من كل شيء حتى الهاتف!
أحقًا يخاف عليها؟! بالله كيف! ألا يحق لها أن تواكب العصر الحديث! كان أصدقائها يحملون من الهواتف الذكية أحدثها ويتحدثون دائمًا عن وسائل التواصل الإجتماعي وهذا العالم الأخر والإنترنت وهي لا تفقه لما يقولون معنى! فقط كانت تسمع وتهز رأسها وكأنها تفهم! فقد ابتليت بأبٍ بخيل! فهكذا ترى والدها دائمًا…
فتحت هاتفها وهي بقمة غيظها وأخذت ترص مجموعة من الأرقام جوار بعضهم وهي تتأكد من عددهم… ترددت أن تطلب الرقم الذي لا تعرف صاحبه أو صاحبته فهي تفعل هذا كل فترة وكأنها تُعاند والدها وتحكماته وخوفه الغير مبرر!
وقبل أن تضغط زر الإتصال فتح أخوها الصغير _الذي يستلقي على الفراش المقابل لها_ عينه.
إنه «نادر» طفل بالسابع من عمره أصم وأبكم، ملامحه تشبه ملامحها، فهو مسؤليتها منذ أن كان رضيعًا، فعلت الكثير لأجله وأخر شيء أنها تعلمت لغة الإشارة ثم علمته إياها ليستطيع الجميع التواصل معه…
ابتسم لها فاتسعت ابتسامتها ودنت منه تُُقبله بين عينيه بحنان وتحثه أن ينام فمازال الوقت باكرًا والجو باردًا، سألها بالإشارة: “ماذا تفعلين؟!”
أجابته بالإشارة أنها كانت تذاكر فاومأ بتفهم وعاد يغلق عينيه وهي تربت على جسده بحنو حتى نام مجددًا.
ابتسمت وهي تتأمله للحظات ثم وقفت لتطفئ ضوء الغرفة…
نظرت للرقم على شاشة الهاتف وأطلقت تنهيدة حارة وهي تفكر في مصيره! هل تطلبه أم تخلد للنوم!؟
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
دلف للبيت وصك الباب خلفه في هدوء وهو يردد أذكار الصباح، إنه كهل يعلو الشيب رأسه؛ شعرٌ أبيض ولحيةٌ قصيرة بيضاء بدا وكأنه في نهاية عقده السادس، وجهه القمحي المستدير يتجلى الصلاح على قسماته، قامته متوسطة وجسده ممتلئ.
نظر الأب لأرجاء البيت الذي عمه بالهدوء وكانت إضائته خافتة للغاية؛ بيت واسع يحوي ثلاث غرف بالطابق الأرضي ومطبخ واسع وردهة مكتنزة يقع بمنتصفها درجات سلم يؤدي لردهة واسعة تضم ثلاث غرف أخرى وكل غرفة تضم مرحاض خاص بها…
حين رأى الضوء ينبعث من غرفة ابنه الأكبر اتجه صوبها وطرق بابها عدة مرات حتى سمع صوت ابنه:
“ادخل يا بابا”
فتح الباب وطالعه الشاب الذي يرتدي معطفه البيتي بابتسامة قائلًا:
“اتفضل يا بابا صباح الخير يا حبيبي”
“صباح النور يا رائد…”
جلس الكهل على المقعد وأردف:
“إيه هتنام ولا هتعمل ايه؟!”
سحب رائد مقعد ووضعه قبالة والدة «دياب» وقال متنهدًا:
“شويه كده وهنام أصل أنا شغلي هيبدأ بكره الظهر فعايز أنام لحد الظهر”
ارتفع رنين هاتف «رائد» فطالع شاشته وألقاه جانبًا في حين سأله والده:
“مين اللي بيرن عليك في الوقت ده؟!”
“أنا عارف حد بيعاكسني ولا إيه!!”
قالها رائد بابتسامة ساخرة وهو يُطالع والده الذي ابتسم هو الأخر وأطلق تنهدة يبث خلالها حنين ينغز شغاف قلبه.
عاد «دياب» برأسه للخلف وكأنه يعود بشريط الذكريات للوراء وقال مبتسمًا:
“فكرتني بالذي مضى”
مصمص شفتيه واستطرد:
” أبوك ده كان دنجوان كنت كل يوم بالليل لما جدك وجدتك يناموا أخد التلفون الأرضي وأقعد أطلب أرقام معرفهاش مره ترد عليا ست عجوزه ومره راجل يهزقني ويا سلام لما كانت ترد عليا بنت صوتها ناعم كانت تبقى السهره صباحي”
مال رائد بجزعه قليلًا نحو والده وهو يهز عنقه قائلًا بابتسامة:
“اه من دنجوان الثمانينات اه… يابا استر على نفسك يابا”
قالها رائد وقهقه بصخب وشاركه والده الذي سعل من كثرة الضحك وسرعان ما كبح ضحكاته واضعًا سبابته أمام شفتيه أن صه كي لا يستيقظ باقي أفراد البيت، هب دياب واقفًا وهو يقول بجدية:
“يلا أنا هدخل أتدفي شويه تحت البطانية على ما الشمس تشرق عشان أروح أفتح المحل”
وقف رائد وأشار بيديه وكأنه يقدم والده بحركة مسرحية وقال وهو يمكن كلماته:
“اتفضل يا دنجوان”
أطرق والده رأسه وهي يتنحنح بقـ..وة ويخرج من الغرفة مبتسمًا…
ضحك «رائد» وهو يفكر بكلام والده ثم استغفر ربه ورفع كلتا يديه لأعلى في وضع الدعاء مرددًا بهمس وبمرح:
“اللهم لا تؤاخذني بما فعل أبي”
«رائد» شاب في عقده الثالث بشوش الوجه، مألوف الملامح، بشرته خمرية صافية يتخللها بعض الحمرة التي تزيده جاذبية، نحيل وطويل، أنهى دراسته بكلية التربية الخاصه ويعمل أخصائي تخاطب بإحدى المراكز الخاصة…
حدق «رائد» بهاتفه وفتح تطبيق “أبلكيشن” اعتاد أن يكتب عليه حكم وخواطر ومؤخرًا رواية…
تصفح الملفات سريعًا حتى أبصر عنوان الرواية التي لم يُكملها بعد فابتسم حين جال في رأسه خاطرة كتب أول حرف وقبل أن يُكمل باغته رنين هاتفه بنفس الرقم مجهول الهوية، أجاب:
“السلام عليكم… ألووووو”
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله 🌹
★★★★
كانت «نداء» مستلقية على ظهرها تغطي جسدها بالكامل حتى رأسها وتضع الهاتف على أذنها وحين سمعت صوته الرجولي ترددت أن تجيب فقد ظنت أنها ستكون فتاة كالعادة أو ربما سيدة كبيرة تتسلى معها لبعض الوقت…
“الووووو”
ارتفعت دقات قلبها وشعرت بحرارة تخرج من جسدها رغم برودة الجو فأزاحت الغطاء عن وجهها وكادت أن تُغلق الخط ولكن باغتتها عطسة، فقال:
“يرحمكم الله”
ردت بتلقائية:
“يرحمنا ويرحمكم الله”
أجفلت وعضت لسانها من سذاجتها تلك، أردفت تسأله بدون تفكير وبارتباك:
“هو… د…دا… دا درس مستر أحمد؟!”
نظر في ساعة يده وقال بغلظة:
“لأ والله الرقم غلط!”
قالت بنبرة مرتعشة:
“مـ… ماشي… و… ومين حضرتك بقا؟!”
قال بنزق:
“ما قولنا مش درس مستر أحمد والرقم غلط!”
قالت بفلسفة:
“تعرف إن مفيش حاجه بتحصل في حياتنا اسمها بالغلط أو بالصدفه كل حاجه محسوبه بدقه يعني كل شخص قابلته في حياتك بالغلط أو بالصدفه ليك معاه قصه ممكن تكملها وممكن تكون انتهت وإنتِ مش عارف!”
لا يدري كيف أن فلسفتها تلك تشبه الفكرة التي جالت بخاطره مع اختلاف الألفاظ! استلقى على سريره وقال بابتسامة:
“كلامك يكاد يكون منطقي!”
عادت تغطي وجهها مرة أخرى وسألته بمكر:
“إسمك إيه بقا؟!”
تنفس الصعداء وقال:
“معاكِ رائد دياب العقيد”
قالت بابتسامة ساخرة:
“رائد ولا عقيد يا دياب باشا متلغبطناش لو سمحت”
ضحك وضحكت بخفوت أثر ضحكاته، وقاطع ضحكاتها انفتاح باب غرفتها ودخول والدها….
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
” رائد ولا عقيد يا دياب باشا متلغبطناش لو سمحت”
ضحك وضحكت بخفوت أثر ضحكاته، وقاطع ضحكاتها انفتاح باب غرفتها ودخول والدها بخطوات هادئة وحين شعرت به أجفلت وعضت شفتيها ثم أغلقت الهاتف في سرعة وتظاهرت بالنوم.
وقف والدها قبالتها يطالعها لبرهة ثم اتجه صوب ابنه ليدثره جيدًا قبل أن يترك الغرفة في هدوء.
زفرت «نداء» بارتياح ووضعت يدها على قلبها الخافق والفزِع وهي تردد بهمس:
“الحمد لله إنه مسمعنيش”
الحلقة الثانية (العائلة)
#رواية_سدفة
بقلم آيه السيد شاكر
انتظرت مكانها حتى سمعت صوت إنغلاق باب غرفة والدها فوثبت نحو مكتبها ودونت الرقم في دفترها قبل أن تحذفه من الهاتف وتعود لتستلقي بفراشها وتُسلم جفونها للنوم…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★
ضحك «رائد» فدائمًا ما يقابل السخرية من اسمه بالضحك، فهو يتجنب ذكر اسمه الثلاثي أمام أحد لكنه كان يود معرفة رد فعلها ويتسلى قليلًا!
انتهى من نوبة الضحك وأخذ يكتب خاطرة ما وهو مبتسم حتى تثائب فسحب الغطاء عليه وأخذ يتأمل سقف الغرفة بابتسامة عذبة حتى غلبه النعاس وغط في النوم…
استغفروا ❤️
★★★★★★
مرت الأيام وكانت نداء متناقضة الأفعال تطلب رقمه كل يوم في نفس الميعاد بعدما تصلي الفجر وتردد الأذكار ثم تبدأ بمضايقته!
وبالرغم من أن كلامهما كان مقتضبًا ولا يتجاوز الثلاث دقائق إلا أنه اعتاد عليها وفي كل مكالمة كانت تُلهمه بخاطرةٍ أو فكرةٍ دون أن تشعر لذا لم يلجأ لحظرها وكان يجيب على اتصالها بتلهف…
وفي إحدى الأيام سرقها الوقت بالكتابة من بعد الفجر وحتى الضحى وحين سمعت صوت استيقاظ والديها اللذان تأخرا في النوم على غير عادتها، هرعت وركضت صوب فراشها لتتظاهر بالنوم.
وبعد نصف ساعة قضتها متدثرة بالغطاء وتنسج أفكارها دلفت والدتها للغرفة وهي تقول:
“نـداء… نـداء يلا اصحي عشان نفطر”
ردت نداء بنعاس زائف:
“ماشي يا ماما”
هزتها والدتها وهي تقول:
“يلا عشان متتأخريش على الدرس!!”
اعتدلت نداء جالسة ومطت ذراعيها وهي تقول:
“حاضر”
خرجت والدتها من الغرفة ووثبت «نداء» من فوق فراشها لتجلس قبالة مكتبها وتفتح دفترها لتقرأ ما كتبتهوبإعجاب، مرت دقائق أخرى وهي مبتسمة وشاردة تغوص بين بحور أحرفها…
“يا بت يا نــداء!!”
قالتها والدتها بنفاذ صبر، فوثبت نداء وهي تقول:
“حـ… حاضر يا ماما جايه… حــــاضر”
خرجت من غرفتها وكان والدها خارج من المرحاض يغطي وجهه بالمنشفة، فقالت مبتسمة:
“صباح الخير يا بابا”
أزاح «رشدي» المنشفة عن وجهه ليظهر رأسه الأصلع من المقدمة وشعره الرمادي الناعم الذي ينبت من منتصف رأسه، وشاربه العريض الذي يغطي حافة شفاهه العلوية، رد:
“صباح النور يا نداء”
كان البيت يعبق برائحة الطعام المقلي والشهي، وتتصاعد أصوت استغاثات البطاطس التي يفتـ..ك بها الزيت بعد أن قذفتها والدتها بداخله دون هوادة…!
كان بيتها هادئ تتلون جميع جدرانه بالدرجة الأولى من اللون الرصاصي، بيتٌ واسع الردهه يضم أربعة غرف تفتح كل إثنتين مقابل بعضهما بأبواب خشبية باللون البني القاني، بدا أثاث البيت قديم لم يتغير منذ زواج والديها قبل ثمانية عشرة عام رغم أن والدها يعمل بالنجارة ولكن كما يُقال “باب النجار مخلع”
دلفت «نداء» للمطبخ ووقفت خلف والدتها متخصرة تُطالعها رافعة إحدى حاجبيها، فرمقتها والدتها في سرعة وقالت بابتسامة ماكرة:
“أنا هامله ‹عامله› بطاطس مهمره ‹محمره› وبيض مقلي وطهمية ‹طعمية› يستاهلوا بوقك”
أطبقت «نداء» يدها على فمها لتكبح ضحكتها فوالدتها تنطق حرفي العين والحاء هاء..
لم تعقب نداء وصمتت لبرهة تتأمل أصناف الطعام ثم قالت بنزق:
“ماما!!! إنتِ عارفه إني مش باكل محمر!”
الأم باستغراب زائف:
“ليه بقا ان شاء الله!؟”
تأهبت «نداء» لقول جملتها اليومية التي تضغط على زر غضب والدتها، قالت :
“عشان عامله دايت يا ماما”
رمقتها الأم بنظرة متفحصة وساخرة وهي تتأمل جسدها النحيف وقالت باستهزاء:
“دايت إيه يا بنتي دا إنتِ لو هد ‹حد› نفخ قصادك هتطيري”
أدركت «نداء» أنه قد حان موعد الجدال اليوميّ مع والدتها التي لا تنفك عن الإستغراب والإستهزاء من الحمية الغذائية التي تتبعها بل وتكرر نفس الكلام كل يوم دون ملل أو كلل!
لا تدري لمَ دائمًا يربطون الحمية الغذائية “الدايت” بالسمنة والنحافة! ولا يربطونها بالصحة الجيدة!
نداء بابتسامة صفراء:
“مامتي عشان خاطري بلاش حوار كل يوم ده!!…”
تنهدت نداء بعمق وأردفت:
“أنا هسلق لي بيضتين وهفطر عشان متأخرش على الدرس وبعدين نبقى نتفاهم في موضوع المهمر ده”
قالت أخر كلمتين وهي تضغط حرف الهاء وكبحت ضحكة باغتتها، فرفعت والدتها حاجبيها وقالت:
“بتتريقي عليا! ماشي يا نداء”
قبلتها نداء بإحدى وجنتيها في سرعة لتُنهي الجدال المتكرر بلا فائدة! وقالت بابتسامة:
“والله بحبك يا دودو”
تنهدت والدتها “دينا” وهي تهز رأسها باستنكار وتتابع ما تفعله ابنتها في صمت…
استغفروا 🌹
★★★★★
فتح «رائد» حفونه أثر الأصوات الصاخبة بعد أن استيقظ جميع أفراد البيت أو عصابة البيت كما يسميهم.
كانت «وئام» التي تصغره بخمسة أعوام تقف أمام حوض الوجه تغسل أسنانها وتوأمها الغير متماثل «هيام» تقف جوارها وتصيح بتبرم:
“انتِ بتغسلي بالفرشه بتاعتي!!”
وئام والفرشة بفمها وبنبرة جليدية:
“مش بتاعتك دي بتاعتي”
هيام بعصبية وغضب:
“لا والله بتاعتي إنتِ كل حاجه عايزه تشاركيني فيها حتى فرشة الأسنان دي بقت عيشه تزهق..”
وارتفع صوت شجـ..ارهما الصاخب والشبه يومي على كل شيء…
من ناحية أخرى التوأم المتماثل «عامر» و«عمرو» كانا نسخة طبق الأصل، يدرسان بالصف بالثاني الإبتدائي، كانا يركضان خلف بعضهما بأرجاء البيت مع صرخات تدوي من حلق كلاهما، وعامر يصيح بتهديد:
“والله ما هسيبك يا عمرو…”
ولما لم يستطع عامر الوصول لشقيقه وقف مكانه عاقدًا ذراعيه حول صدرة وصاح بتذمر:
“يا مــــــامـــــا عمرو أكل من السندوتش بتاعي وتف عليا”
لم ترد الأم فتربص «عامر» لأخيه وانقض عليه فاغرًا فاه وعضه بذراعه، فصرخ «عمرو» وهرول للمطبخ حيث والدته وهو يبكي ويمسك ذراعه:
“يا ماما عامر عضني”
دلف «عامر» للمطبخ قاطبًا جبينه ومبررًا:
“عشان أكل من الساندوتش بتاعي وتف عليا”
لم تلتفت الأم ووقفت تُكمل تجهيز الطعام، فدلفت هيام للمطبخ وهي تقول بتبرم:
“يا ماما وئام غسلت أسنانها بالفرشه بتاعتي”
دخلت «وئام» خلفها وهي تقول ببرود:
“وإيه المشكله يعني اتلغبطت بتحصل في أحسن العائلات”
ارتفعت أصواتهم، كل ثنائي يتنازع مع الأخر فالتفتت شيرين التي تعصب جبهتها بقماشة صفراء من ألم رأسها ووضعت كلتا يديها على رأسها صارخة:
“بــــــاس ارحموني”
وقف «رائد» أمام باب المطبخ يتأمل الهدوء الذي حل على أخوته فور صراخ والدته..
كانت شيرين سيدة في عقدها الخامس بشوشة الوجه تشبه رائد كثيرًا ترتدي منامتها الشتوية وتُعد الغداء لأولادها وزوجها…
بدل «رائد» نظره بينهم وهو يرميهم بسهام نظراته الحادة وأشار للخارج وقال وهو يضغط على كلماته:
“اتفضلوا ومش عايز أسمع صوت في البيت”
خرجتا الفتاتان وهما تتبادلان نظرات الوعيد،ونظر عامر لـ رائد بتبرير:
“أنا معملتش حاجه يا أبيه”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
رائد بضجر:
“مش عايز أسمع صوت يا عمرو”
عامر بتوضيح:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
تنهد رائد وقال بهدوء:
“طيب اقعد ساكت يا عامر”
رفع عمرو رأسه وقال بسماجة:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
رائد بنفاذ صبر وبنبرة مرتفعة:
“أمشي ياد إنت وهو من قدامي”
نظرا لبعضهما بابتسامة فدائمًا يستمتعان بإثارة غضب الجميع بتلك الجمل، رددا بنفس الوقت وهما يركضان لخارج المطبخ:
“حاضر يا أبيه”
مسح رائد وجهه ليكظم غيظه وهو يردد:
“إيه ده!!! إيه الشقاوة دي! إيه العصابه دي!”
شيرين بنفاذ صبر:
“العيال دول هيجننوني يا رائد أنا تعبت منهم”
دنا رائد منها وقبل رأسها بحنو ثم قال:
“الف الف الف سلامه عليكي من التعب يا قلبي… معلش أنا هربيهملك”
ابتسمت شيرين وقالت:
“ربما ميحرمنيش منك يا أحن ابن في الدنيا بعد رامي”
قهقه رائد ضاحكًا وهو يقول:
«ماشي يا أم رامي… مش عارف والله الواد ده ساحرلك ولا ايه!”
تنهدت شيرين بعمق وقال باشتياق:
“دا وحشني أوي يا رائد”
رائد بلوعة:
“والله وحشني أنا كمان”
****
كان «رائد» يشتاق لتوأمه «رامي» الذي لا يشبه ملامحه لكنهما يتشابهان في الروح فلديه نفس لين قلبه ونفس النظرات الدافئة حتى أنه يشاركه هواياته فيحب لعب كرة القدم والقراءة والتأليف…
فبعدما أنهي «رامي» دراسته بكلية العلوم قسم الجيولوچيا ضـ…رب بشهادته عرض الحائط ثم سافر لإيطاليا ليعمل مع خاله بمطعمه هناك…
***
أخذت شيرين تُكمل اعداد الطعام وشرب رائد الماء ثم سألها:
“هو بابا خرج من بدري ولا ايه يا ماما؟!”
“أيوه أخد سندوتشات ليه وللعمال وخرج من ساعتين”
سار رائد لخارج المطبخ وهو يقول:
“طيب أنا هروح ألبس عشان متأخرش على الشغل ”
صاحت شيرين:
“طيب افطر الأول”
توقف والتفت قائلًا بابتسامة:
“معلش هتعبك اعمليلي سندوتش على ما ألبس”
ابتسمت والدته وهي تشير لعينيها وأخءت تتمتم بالدعاء له ولسائر أبنائها وتُكمل اعداد الطعام بكل حب…
وبعد فترة خرج «رائد» من بيته الذي يقع بأخر الشارع ذلك الشارع الذي يضم مباني على الجانبين يفتح أسفل كل مبنى محل أولهم للبقاله ويقابله أخر للملابس يجاوره مطعم للفول والفلافل ويقابله مكتبة لبيع أدوات الدراسة…
كان يسير واضعًا كلتا يديه بجيبي معطفه الشتوي يلقي السلام على كل من يقابله وكانت هناك عيون تتابعه من شرفة منزلها وهي تنشر غسيلها على الأحبال، عيون لسيدة خمسينية لا تتوقف هي وزوجها وأولادها عن مضايقته هو وعائلته ولا تمل من أذيتهم بالكلام وكأنهم يستمتعون بالأذى.
فالبعض يتمنى لو يزرع الأرض حبًا ويرويها سعادة ليعم السلام والأمان والكثير يعيش فقط ليؤذي بكلماته وأفعاله ويستمتع بجراح غيره…
وحين لمحها «رائد» بطرف عينه أخذ يستغفر الله ويوسع خطواته ويسرعها ليبتعد عن بصرها، فعندما يرى طيفها يتذكر ما عاناه في الماضي ومازال يراوده الشك بأنها كانت المتسبب به ولا دليل له سوى شعور قلبه…
﴿وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون﴾
كان صوت القرآن يفوح عبيرة بالشارع يصدر من إحدى المحلات فابتسم لشعوره الدائم بأن الله يراه ويسمعه ويشعر بكل آنات قلبه الخفية أخذ يردد:
“حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”
وسار في طريقه متجهًا لعمله…
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★
“يلا أنا همشي عايزه حاجه يا ماما!”
قالتها «نداء» وهي تقف أمام باب بيتها ترتدي جلباب فضفاض أسود اللون تكاد لا تمتلك سواه وحجاب كحلي، وحقيبة ظهر بلون حذائها الأبيض…
ردت الأم بحنو:
“سلامتك خدي بالك من نفسك”
كان والدها يتابع التلفاز فسألها وهو يضع قدمًا فوق أخرى مبتسمًا بمزاح مغلف بالسخرية:
“أخدتِ الأيفون بتاعك يا نداء؟”
أومأت بالإيجاب وهي تدس هاتفها الصغير بالحقيبة وتقول بسخرية :
“أيوه يا بابا أخدت الأيفون!”
وقفت لبرهة تبتسم وهي تُطالع والدها الذي قهقه ضاحكًا، هزت عنقها باستنكار وهي تردد في سريرة نفسها “ليس أب سيئًا ربما يخاف عليها وربما… يعاني من داء البخل”
فتحت باب شقتها وهي تهم بالرحيل قائلة:
“يلا سلام عليكم”
صكت الباب الخشبي خلفها وهي تسمع غمغمات والدتها داعية لها بالتوفيق والنجاح، نزلت الدرج وهي تقفز كالأرنب حتى وصلت بوابة بيتها الحديدية.
كان أسفل بيتها ورشة النجارة الخاصة بأبيها والتي يعمل بها شابان، حين رآها أحدهما اتسعت ابتسامته وأخذ يتابعها بطرف خفي حتى وصلت لصديقتها، فقال الشاب الأخر:
“عينك هتتخلع عليها يا عم علي”
أطلق «علي» تنهيدة طويلة وقال:
“ربنا يقدرني ويرزقني عشان أتقدملها في أقرب وقت”
ربت الشاب على كتف علي وقال:
“يارب يا غالي”
ومن ناحية أخرى حين رأت نداء صديقتها «دعاء» تنتظرها قبالة البيت أخذت ترنو نحوها وهي تتأملها فـ«دعاء» فتاة حسنة المظهر ممتلئة قليلًا خمرية البشرة متقاربة في الطول مع نداء مما وطد علاقتهما لأن نداء قصيرة القامة وتبتعد عن مصاحبة الأطول منها!
كانت «دعاء» ترتدي بنطال من الجينز يعلوه قفطان أسود بصل لركبتها وحجابها الأزرق، تحمل حقيبة على ظهرها وتضع سماعة الهاتف في أذنها وتهز رأسها مدندنة مع الأغنيه وهي تأكل رقائق الشيبسي…
وعندما رأت نداء هرولت إليها لم تلقي عليها سلامًا بل مدت يدها بالشيبسي وهي تقول باستفزاز:
“تاخدي واحده؟!”
كانت دعاء تعلم الإجابة ولكنها تتغالظ على «نداء» التي رمقتها بطرف عينها وقالت رافعة إحدى حاجبيها:
“لأ ما إنتِ عارفه إني مش بأكله ولا هي رخامه وخلاص”
مضغت دعاء ما بفمها وهي تقول ببرود:
“أحسن برده أنا أصلًا بعزم عزومة مراكبية”
لكزتها نداء بذراعها وهي تقول بغيظ:
“أنا هلاقيها منك ولا من أمي ارحموني بقا”
قهقهت دعاء ضاحكة وسارت جوارها تدندن مع الأغنية…
وأثناء الطريق تناهى إلى سمعهما صوت سيدتين، تقول إحدهما:
“مش العيال دول في ثانوي!”
عقبت الأخرى بسخرية:
“أدبي… ورايحين جاين من الدروس قالي يعني هيبقوا دكاتره!!”
أطلقا عدة ضحكات متهكمة فاستدارت نداء تُطالعهما بغيظ عازمة أن تلقنهما درسًا ولكن جذبتها دعاء من ذراعها تحثها على السير وهي تقنعها أنه لا داعي للجدال اليومي مع الجيران والشرح المستمر لمميزات قسم الأدبي، فكلما علم أحد بشعبتهما نظر لهما بسخرية وازدراء…
ففي مجتمعنا حري بنا أن نلغي مسميات قسم العلمي والأدبي إلي قسم المتفوقين وأخر للفاشلين، حقًا؟!!
تقطن «نداء» بقريةٍ ريفية تبعد عن المدينة مسافة ربع ساعة بسيارة الأجرة، تخرج كل يوم مع صديقتها «دعاء» لحضور الدروس الخصوصية بالمدينة ثم تعودان معًا…
مر اليوم وهما تخرجان من درس وتدلفان لأخر حتى حل المساء…
استغفروا ❤️
★★★★★
في المساء عند عودة «رائد» من عمله جذب انتباهه فستانين بإحدى محلات الملابس وقد رأى بهما أختيه، فوقف يتفحصهما ويُطالعهما بإعجاب..
في حين دلفت «نداء» للمحل مع دعاء يتأملان وشاح مُعلق قبالته في اعجاب، التفتت نداء حولها فلم تجد غير رائد الذي يوليها ظهره بالمحل سألته:
“لو سمحت هو بكام ده؟!”
لم يلتفت لها فقد ظنها تُحدث شخصًا أخر، سألته مجددًا بنبرة مرتفعة قليلًا:
“يا أستاذ لو سمحت ده بكام؟!”
انتبه «رائد» لسؤالها ودون أن يلتفت لها قال بلامبالاه:
“لا… لأ أنا مش هنا!!”
بدلت «نداء» نظرها بين ظهره وبين دعاء وهي تردد:
“مش هنا ازاي؟ ما أنا شايفه حضرتك قدامي أهوه”
أطبقت دعاء شفتيها تكبح ضحكاتها، ونداء تكبح ابتسامتها الخبيثة التي تجلت في عينيها.
والتفت لها رائد يرمقها بغيظ…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أخذت جملتها تمور في رأسه وهو يسير بالشارع، فهي محقه ألم يقدر على انتقاء ألفاظ أخرى!
فماذا كان يقصد بـ “أنا مش هنا!!”
باغته حلقه بإطلاق ضحكات متتالية سرعان ما كبحها والتفت حوله يُطالع المارة فقد بدا كمجنون يحدث حاله ويضحك! مسح على شعره بارتباك وأخذ يطأ الأرض بخطوات واسعة وبشموخ…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★
“يا بنتي امسكي لسانك شويه”
قالتها «دعاء» بعصبية وهي تلكز نداء في ذراعها فابتسمت نداء مرددة بضحك:
“أعمل إيه لساني ده موديني في داهيه”
مسكت «دعاء» طرف الوشاح المعلق أمامها وقالت باستهزاء:
“بتسألي على سعره على أساس إنك هتشتريه يعني!!”
“يعني لا هنشتري ولا هنسأل والله عيب علينا”
قالتها «نداء» وهي تضحك وترفع كلتا كتفيها..
جذبتها «دعاء» من ذراعها لخارج المحل وهي تردد:
“دا إنتِ صحوبيتك مهببه تعرفي لو مكنتش بحبك كنت قطعت علاقتي بيكِ حالًا”
سارت «نداء» جوارها وهي تنظر لها وتقول بدلع:
“يا بنتي أنا عليا نظره تدوبك ونبرة صوت تسحرك وخفة ظل تخطفك واللي يعرفني يحبني وميقدرش يبعد عني أبــــدًا”
أطلقت دعاء ضحكة كالزفرة وقالت:
“تصدقي أنا أول مره أعرف إنك ممكن تنافسي الطاووس!”
رفعت نداء ذقنها وقالت بغرور مصطنع:
“أكيد في سحره وجماله”
دعاء عاقدة جبهتها وبابتسامة:
“لأ في غروره وعجرفته”
تعلقت نداء بذراع دعاء وهي تقول بضحك:
“والله بحبك يا دوعدوع”
سحبت دعاء ذراعها منها وقالت بضجر:
“يوه قولتلك متنادينيش دوعدوع”
عادت نداء تتكأ على ذراعها بخفة وهي تقول باستفزاز:
“طيب خلاص متزعليش يا دعدوعه”
رمقتها دعاء بغيظ وتأففت وهي تسير جوارها بقلة حيلة فهي لن تغلب استفزازها مهما فعلت…
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله ❤️
★★★★★
توالى مرور الأيام وباتت «نداء» تطالع رقمه كل يوم وتردعها نفسها أن تطلبه فهو يُحدثها بعنجهية لم تعجبها…
كانت تقرأ أسطر روايتها بين فترة وأخرى وتقف عند نفس النقطة حائرة كعادتها وقد تحول عقلها لصفحة بيضاء وقُطع حبل أفكارها بل لم يعد هناك حبلًا من الأساس!
على نحوٍ أخر افتقد «رائد» مكالماتها ومشاكستها، كان كل صباح يُطالع رقمها على هاتفه وينتظر منها اتصالًا وتمنعه كرامته أن يطلبها، فيخلد للنوم وهو يفكر في تلك الفليسوفه والتي اشتاق لها ولفلسفتها تلك!
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
“رائد… يا رائد… قوم بقا الساعه داخله على ١٢”
قالها والده «دياب» وهو يفتح ستائر الغرفة، فتح رائد جفونه وزمهم أثر الضوء واعتدل جالسًا وهو يضع يده قبالتهم ويردد بصوت أجش:
“صباح الخير يا بابا..”
“صباح النور… يلا قوم كنت عايزك تقعد مكاني النهارده في المحل عندي مشوار وممكن أتأخر”
مسح رائد وجهه بكلتا يديه ثم قال:
“طيب ماشي أنا معنديش شغل النهارده بس….”
فرك إحدى عينيه وأردف بابتسامة ماكرة:
“إيه خارج تتفسح مع ماما ولا إيه!؟”
تنهد دياب وقال بلوعة:
“والله نفسي ياد يا رائد بس النهارده هقابل صديق قديم من أيام ثانوي مشوفتوش بقالي ١٥ سنه”
رائد متعجبًا:
“يــــــاه ١٥ سنه ولسه فاكره!…”
لوح رائد بقبضة يده في الهواء وأردف بحسرة:
“خساره… افتكرتك خارج مع الجو بتاعك ولا رايح تجيبلها هديه”
ضحك دياب وهو يقول:
“لا يا سيدي أنا أصلًا مبعرفش أجيب هدايا… يلا فوق كده وهستناك في العطاره متتأخرش عليا”
خرج دياب ووثب رائد من سريره بكسل وبمجرد أن فتح باب غرفته تناهى لسمعه النزاعات المعتادة…
“الجاكت الاسود بتاعي يا وئام إنتِ بتاعك البني”
قالتها هيام بعصبية وتجاهلتها وئام وهي تُهندم من القفطان أمام المرآة وتغلق أزراره ثم قالت ببرود:
” هلبس الاسود النهارده من باب التغير”
صكت هيام أسنانها وضغطت عليها وقبل أن تتحدث ربت رائد على كتفها وقال بجمود:
“البسي البني والمره الجايه هتشتروا انتوا الاتنين نفس اللون عشان الصداع بتاع كل يوم ده”
نفخت «هيام» بضيق ودبدبت بقدميها بعصبية ثم دخلت غرفتها لتُكمل ارتداء ملابسها، فنظر رائد لوئام وقال:
“أنا زعلان منك عشان بتضايقي أختك كتير”
ابتسمت وئام وهي تقول:
“والله بصالحها متقلقش… هجيبلها شيكولاته وإحنا ماشين”
تنهد رائد وقال:
“ربنا يهديكوا”
من ناحية أخرى كان عامر يقلب بين قنوات التلفاز فصادف أغنية لعمرو دياب أشار للشاشة وهو يقول:
“إنت أهوه يا عمرو لما كنت كبير”
اتسعت إبتسامة عمرو وأشار لشاشة التلفاز وهو يصيح:
“أيوه أنا… أنا أهوه تعالي يا ماما شوفيني وأنا كبير”
دنا «عمرو» من أخيه وسحب الريمود وهو يقول:
“هات الريمود ده أعلي الصوت شويه”
قبض «عامر» على الريمود بقـ..وة وسحبه نحوه وهو يقول:
“لأ مش هتاخده…”
صارا يتنازعان على جهاز التحكم حتى أنهى رائد الخلاف وسحب الريمود وهو يقول:
“سيب يا عامر”
غمز عامر لعمرو بابتسامة خبيثة فردد الأخر:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
وضع رائد الريمود بعيد عن متناول أيديهم وهو يقول:
“ماشي اقعد ساكت بقا يا عمرو”
رد عامر بسماحة:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
رائد بنفاذ صبر:
“يووووه أنا مش كريم أنا كرم… دا انتوا دوشه”
قالها رائد ودخل المرحاض تاركًا جهاز التلفاز يصدع بالأغاني التي يتراقص عليها عمرو وعامر حتى دوى صوت أغنية لـ شيرين عبد الوهاب فصاح عامر بابتسامة واسعة:
“إنتِ أهوه يا ماما لما كنتِ بتغني وتتمايعي”
خرج «رائد» من المرحاض وهو يقول بضحك:
“يابني قولنا شيرين دي مش أمك صحيح اسمها شيرين عبد الوهاب على اسم أمك بس مش هي يا أزكي أخواتك”
قالت «هيام» بضحك:
“بس ماما شبهها والله يا رائد محتاجين بس نحطلها مكياج ونسرحلها شعرها”
تناهى لسمعهم صوت الأم النازقة من المطبخ وهي تقول:
“شغل يابني قرآن أغاني إيه اللي مشغلينها على الصبح دي!!”
ردت هيام من خلف ضحكاتها:
“أصل النهارده الڤلانتين يا ماما وبيحتفلوا”
غمزت وئام لـ رائد وقالت:
“مفيش هديه بقا لأختك حبيبتك من باب ادخال السرور على قلب مسلمة زي كل سنه”
ابتسم وكاد أن يخبرها عن الفستان الذي ينتظر أخر الشهر ليشتريه، ولكن حين تذكر نزاعاتهما تلاشت ابتسامته وقال:
“خساره فيكوا الهدايا عشان الدوشه بتاعت كل يوم دي”
واتجه صوب غرفته يزم شفتيه بتبرم، وتركهما تتبادلان النظرات النادمة….
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
“قطه يعني cat وفأر يعني rat وكلب يعني…..”
كان صوت المعلمة الجهوري والأطفال يرددون خلفها يدق طبلة أذن «نداء» التي فتحت عينها وهي تنفخ بضجر وتقول:
“كان لازم يعني تأجروا لها الأوضه اللي فوق راسي تدي فيها دروس”
وضعت الوسادة فوق رأسها وحاولت النوم مجددًا وبالفعل جذبها النعاس، لتنتفض أثر صوت سائق سيارة:
“أي ألمونيه للبيـــــع”
وأخر يطرق بمفتاح حديدي على الأنبوبه مرددً:
“أنابيــــــــب”
صرخت نداء وهبت جالسة، نظرت في ساعة الحائط التي كانت الحادية عشر والنصف صباحًا فوثبت من سريرها وخرجت من الغرفة…
كان «نادر» يجلس جوار والدته يساعدها في حشو أوراق الكرنب، اقتربت منهما «نداء» وهي تقول بالنطق وبالإشارة:
“صباح الفل سايبني نايمه لحد دلوقتي ليه؟!”
ردت والدتها:
“صباح النور… حاولنا نصحيكِ بس قولتِ معندكيش درس النهارده”
تنحنحت نداء لما تخفيه وتنوي فعله اليوم وقالت متلعثمة:
“لـ.. لاا طبعًا عندي درس… هروح أجهز فطاري عشان ألحق الدرس ده”
وبلغة الإشارة سألت نادر: تأكل معايا؟
اومأ رأسه بابتسامة، فألقت له قبلة في الهواء مع إشارة من يدها بمعنى “بحبك” فابتسم ورد بالإشارة: “بحبك” فاتسعت ابتسامتها وهي تدلفت للمطبخ…
أخذت «نداء» تُدندن وهي تعد إفطارها المعهود “البيض المسلوق”…
شربت كوبين من الماء اعتادت أن تشربهما قبل تناول الطعام بنصف ساعة لما لهما من فوائد عدة في تحسين الهضم ونضارة البشرة وغيرها ومن لوازم الحمية الغذائية شرب الكثير من المياة ..
خرجت من المطبخ مهرولة لتجهيز ثيابها، اختارت حجاب أحمر وجلبابها الأسود الذي لا ترتدي سواه…
وابتسمت بحمـ..اس وهي تُخرح بنطال من الجينز الأزرق وقميص من نفس لونه استعارته من صديقتها «دعاء» لترتديه بمناسبة الڤلانتين!
وبما أنها لا تمتلك حبيب فقررت أن تحتفل مع «دعاء» بطريقة ما! اتفقتا أن تهربان من الدرس اليوم وتتسكعان في الطرقات لمتابعة ما يفعله الأحبه…
وبعدما ارتدت «نداء» ثيابها وفوقهم الجلباب _كي لا يراها والديها_ حملت حقيبته الظهر وخرجت لتتناول طعامها وهي واقفة في عُجالة….
كانت والدتها النازقة تتابعها دون حوار و«نداء» ترمقها بابتسامة وهي تمضغ الطعام، فيبدو أن والدتها قد سئمت من الجدال المستمر بشأن تلك الحمية الغذائية ففضلت الصمت التام والمراقبة!
ابتلعت «نداء» ما بفمها وقد فطنت معنى نظراتها تلك، فقالت بابتسامة:
“متزعليش يا مامتي أوعدك هاكل من المحشي المره دي”
قبلتها من إحدى وجنتيها وأردفت:
“يلا سلام”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
والدتها بنتهيدة: مع السلامة
اتجهت نداء صوب الباب ثم استدارت وألقت لوالدتها قبلة أخرى في الهواء فابتسمت والدتها والقت لها واحدة…
ركضت نداء للأسفل حيث تنتظرها «دعاء»
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★
“أنا شايف إنك لازم تعترفلها يا علي لازم تعلقها قبل ما حد تاني يسبقك…”
قالها الشاب هامسًا لـ «على» الذي قال مستفهمًا:
“يعني أعمل إيه شور عليا يا سعيد”
سعيد متخابثًا:
“النهارده الڤلانتين استغل المناسبه دي وقدملها هديه مع ابتسامة ونظرتين حب من اللي بتشع من عينك دي والصنارة هتغمز”
قال أخر جملة غامزًا بعينيه ثم أردف وهو يُحدق بـ دعاء مضيقًا جفونه:
“ويا سلام بقا لو لقيت لي سكه مع صاحبتها تبقى صاحبي وحبيبي”
“يا عم مش لما الاقي لنفسي سكه الأول!!”
“هتلاقي يا عم متقلقش… دا إنت مقطع السمكه وديلها ومش أول مره يعني! عليك بشوية اهتمام ونظرات اتلحلح كده هو أنا اللي هقولك!”
هز «علي» عنقه وكأنه يقلب الكلام في رأسه ثم ابتسم مقتنعًا بفكرته وعازمًا على تنفيذها….
مد بصره ليرى «رشدي» والد نداء يقطع الخشب فتمنى لو يغادر قبل أن تعود لتسنح له الفرصه و يتحدث معها..
فهو يهيم بها مذ ثلاثة أعوام، تسائل إلى متى الصمت؟! فقد تذهب لغيره كما قال سعيد إذًا لابد أن يُشعرها بحبه وهيامه ذاك…
«على» شاب وسيم تعليمه متوسط فقد أنهى “دبلوم تجارة” قبل ثلاث أعوام ويعمل مع رشدي بالورشه منذ ذلك الحين…
أخذ يُطالعها وهي تقف قبالة «دعاء» عازمًا أن يتحدث معها اليوم فلن يتأخر أكثر…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وقفت «دعاء» قبالتها تتأمل جلبابها الأسود باستغراب مالت على أذنها وقالت بهمس:
“إيه ده!!! ملبستيش الهدوم اللي اديتهالك امبارح ليه!!”
نداء موضحة بهمس:
“يا بنتي لبستها بس تحت العبايه عشان مش عارفه رد فعل ماما وبابا هيكون ايه! مش ناقصه جدال… لما نطلع بره البلد هخلع العبايه”
اومأت «دعاء» بتفهم وقالت:
“طيب… هنروح فين النهارده؟!”
“مش عارفه هنتمشى ونتفرج”
قالت «نداء» جملتها الأخيرة وهي تبتسم بحمـ..اس وتضـ..رب كتفها بكتف دعاء بخفة، التي بدورها ابتسمت هي الأخرى وسارتا جانبًا إلى جنب بصمت…
وأثناء الطريق قالت نداء:
“خليكِ فاكره نروح أي عطاره واحنا جايين عايزه أجيب كمون حصى”
“لمامتك؟!”
نداء بحـ..ماس:
“لأ ليا أنا… أصلي سمعت برنامج امبارح والدكتور كان بيقول إن الكمون ده بيخسس و…”
قاطعتها دعاء وقالت باستهزاء:
“هو إنتِ عايزه تختفي!!! أومال أنا أعمل إيه؟!”
تسمرت نداء مكانها وزمت شفتيها وهي تقبض على أكتاف حقيبة ظهرها ثم قالت بتبرم:
“بقولك إيه أنا مبحبش حد يتدخل في النظام الغدائي بتاعي!!”
ربتت «دعاء» على كتفها بخفة وهي تقول بضجر:
“إنتِ حره يختي وأنا مالي!!”
ظلت نداء متصنمةً مكانها فجذبتها «دعاء» من ذراعها ليلحقا بسيارة الأجرة وطوال الطريق تُحدثها نداء عن الغذاء الصحي وفؤائده ومميزات النحافة وعيوب السمنة.
فالأن أصبحت المرأة النحيفة رشيقة القوام هي الأكثر جاذبية وهي الجميلة الفاتنة التي يهواها جميع الرجال! فتلك الصورة التي نقلتها لنا جميع وسائل الإعلام!!
“يا بنتي أكلتي وداني كفايه… وبرده مش مقتنعه ومش هعمل دايت أنا حابه جسمي كده! حد قالك إني هدخل عرض أزياء! وبعدين زي ما فيه رجاله بتحب البنت الرفيعة فيه برده بيحبوا البنت المليانه”
قالتها وهي تغمر لها ثم أردفت:
“وبعدين مش إنتِ بتشتكي من تساقط شعرك؟!”
رفعت كتفها لأعلى وهي تقول:
“عادي البنات كلها شعرها بيتساقط”
“يا حبيبتي دا سببه الأساسي التغذيه الغلط فمتفكريش نفسك صح!!”
لم تُعقب «نداء» وشردت وهي تنظر من نافذة السيارة وتتابع الطريق متسائلة أيعقل أنها تتبع طريقة خاطئة للحمية الغذائية؟!
★★★★★
وقف «رائد» قبالة محل كبير يعلو بابه لافتة مخطوط عليها «عطارة العقيد»، كان «الحاج دياب» يجلس على مكتبه يُحدق بأوراق أمامه من أسفل نظاراته الطبية حتى جذب انتباهه دخول «رائد» حيث جلس قبالته ووضع هدية مغلفة أعلى مكتبه وهو يقول بابتسامة:
“جيتك هديه لست الكل عشان تدخل السرور على قلبها”
طالعه دياب من فوق نظارته التي تستقر فوق أنفه وقال:
“رائد إنتِ عارف إني مش بحتفل بالبتاع ده فشيل البتاعه دي من قدامي مش ناقصين ذنوب يبني”
حاول رائد إقناعه فقال:
“يا بابا يا حبيبي إنتِ هتديها لماما بنية تهادوا تاحبوا”
هز دياب رأسه بالرفض، أخذ رائد يحاول إقناع والده بشتى الطرق حتى قال والده بعدم اقتناع:
“ماشي سيبها يا رائد… يومين تلاته كده وهبقا اديهالها بنية تهادوا تحابوا… المهم تعالى أقعد مكاني شويه راجع الحسابات دي على ما أروح مشواري”
قال أمره بعد أن وقف ليخرج من المحل، فوقف رائد وقال باحترام:
“ماشي يا بابا اتفضل”
أخذ والده الهدية ووضعها في جيبه وغادر، جلس «رائد» مكان والده وهو يراقب خروجه من المحل بابتسامة عذبة، ثم التفت يُطالع الثلاث عمال بالمحل ويبتسم لهم ملقيًا السلام ثم تنهد بعمق وأخرج الدفتر أمامه ليراجع ما طلبه والده من الحسابات…
★★★★★
سارتا لساعاتين يتبادلان أطراف الحديث وتتابعان الورود الحمراء والدباديب وملابس المارة متنمرين على البعض ومعجبين بالبعض ومشفقين على البعض الأخر…
وأثناء سيرهما بلا هدف مرت «نداء» جوار تلك المستشفى التي تُذكرها بروايتها وقفت مكانها لبرهة تحملق بالفراغ وتحاول تشغيل مخيلتها علها تلتقط فكرة ما لتُكمل تلك الرواية! انتشلها من أفكارها صوت دعاء:
“يلا نروح يا نداء عشان شكلها هتمطر؟!”
التفتت لها نداء وقالت بإصرار:
“نروح إيه!! أنا مش همشي من هنا إلا لما أشتري كمون”
دعاء بنبرة ساخرة:
“أنا مش فاهمه هتشربي كمون إزاي!! وليه؟ إذا كنت أنا مش بستحمل ريحته على الأكل إنت هـ….”
قاطعتها نداء بضجر:
“يا بنتي وأنا مالي بيكِ وبعدين من تدخل فيما لا يُعنيه سمع ما لا يرضيه فاخرسي بقا”
نفخت «دعاء» بضجر وانصاعت لأمرها فمن يجادل مع تلك النداء خاسر لا محاله! وسارتا تتلفتان حولهما تبحثان عن أقرب عطارة وقد ارتدت نداء جلبابها الأسود فور شعورها بالبرودة…
مر الوقت واصتك السحاب وبدأت تمطر عليهما بغزارة، وهما تركضان تحت المطر حتى أقرب عطارة التقطتها أعينهما…
وقفت «دعاء» تمسح أثر الماء عنها متمتمة بتبرم:
“منك لله يا نداء إنتِ والكمون بتاعك”
تجاهلتها «نداء» وفتحت حقيبتها لتُخرج المال وتشتري الكمون.
فتشت بالحقيبة مرة تليها أخرى وأجفلت فلم تجد هاتفها ولا أموالها، شهقت بصدمه ونظرت لـ دعاء قائلة بوجل:
“الحقيني أنا اتسرقت! موبايلي وفلوسي والكود اللي بدخل بيه الدرس مش لقياهم!!”
دعاء بصدمة:
“بتهزري!! لا دوري كويس كده!!”
أخذت نداء تفتش الحقيبة مرة ثانية وتشنج فمها وهي تقول بنبرة متحشرجة:
“والله ما أنا لقياهم”
قالتها وأطبقت يدها على فمها بخوف وهي تقول:
“الكود بتاع الدرس ضاع يا دعاء كده مش هعرف أدخل تاني؟!”
كان داخلها صوت يخبرها بأنها تستحق ما حدث بعدما هربت من درسها فبالتأكيد هذا عقابها!
تلعثمت «دعاء» وربتت على كتفها وهي تقول بتوتر:
“مـ.. ممكن ميكونش اتسرق جايز وقعوا منك.. هنرجع ندور عليهم مكان ما كنا ماشين!”
كان المطر يزداد في الهطول، ووقفتا مكانهما تنتظران توقفه، قالت دعاء بارتباك:
“أنا هرن على الموبايل يمكن حد يرد علينا”
ضغطت «نداء» شفتيها تحاول كبح دموعها المعلقه بين أهداب مقلتيها، أشفقت عليها دعاء وربتت على كتفها تطمئنها وأخذت تطلب رقمها مرة تلو الأخرى ولا رد…
صاحت «نداء» بنبرة مرتفعة ومتحشرجة:
“أكيد دا عقاب ليا عشان سمعت كلامك وهربت من الدرس”
حاولت دعاء ضمها فأزاحت نداء يدها بعنـ..ف لكن لم تيأس دعاء واقتربت منها وعانقتها، فبكيت نداء وارتفع نشيجها، قالت دعاء بشفقة:
“بالله عليك متعيطيش هتلاقيه إن شاء الله… بس اهدي عشان خاطري”
كانت تبكي ولا تدري أعلى فقدها لحاويتها أم لأنها خافت أن يكون عقاب من ربها! فهي تخطئ وتعلم بمدى تهورها واندفاعها! لكنها مستمرة دون التفات أو توقف…
وعلى صوت نشيجها رفع «رائد» بصره يُطالعهما بفضول، وعندما أبصر دعاء التي تضم نداء حاول أن يتذكر أين رأى تلك الفتاة؟ وحين سمع شهقات «نداء» ساقته قدماه نحوهما…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وعلى صوت نشيجها رفع «رائد» بصره يُطالعهما بفضول، وعندما أبصر دعاء التي تضمها حاول أن يتذكر أين رأى تلك الفتاة؟ وحين سمع شهقات «نداء» ساقته قدماه نحوهما وقبل أن يصل إليهما قاطعه هتاف غلام «أحد العمال» بابتسامة:
“مش هنتغدى ولا ايه يا أستاذ رائد”
قال رائد مبتسمًا:
“هنتغدى طبعًا… وهجيبلكم الغدا بنفسي بس لما المطر يوقف يا أنس باشا”
ابتسم أنس وقال بمرح:
“على راحتك يا أستاذي أنا بفكرك فقط لا غير”
اتسعت ابتسامة «رائد» وانشغل أنس بحمل بعض الأشياء فاستدار يزحف ببصره باحثًا عن الفتاتين ولم يجدهما قبالته لذا عاد يجلس على مكتبه ويراجع بعض الأوراق…
استغفروا 🌹
*********
من ناحية أخرى وقفتا في ركن قريب من العطارة وبعدما طلبت نداء رقم هاتفها عدة مرات أجابت فتاة، فردت نداء متلهفة:
” لو سمحتِ دا موبايلي و…”
قاطعها صوت الفتاة العذب:
“طيب متقلقيش قوليلي إنتِ فين وأنا أجي أديهولك”
التفتت «نداء» حولها وهي تقول لـ دعاء:
“هو إحنا فين؟!”
مدت «دعاء» بصرها فالتقط لافتة «عطارة العقيد» قالت في سرعة:
“قولي لها قصاد عطارة العقيد”
أخبرتها «نداء» وطلبت الفتاة منها الإنتظار فهي بالقرب…
تنهدت «نداء» بارتياح وقالت بمرح:
“الحمد لله المال الحلال عمره ما بيضيع أبدًا يا دعاء”
تهللت أسارير دعاء وقالت بابتهاج:
“الحمد لله… تعالي بقا نستناها قصاد العطاره”
وعلى الصعيد الأخر
أخذت «وئام» الهاتف من يد «هيام» وقلبته بين يديها وهي تقول بتهكم:
“معقوله لسه فيه حد بيشل الموبايلات دي!!”
سحبته هيام من يدها وهي تقول بنزق:
“وإنتِ مالك؟! يلا نروح نرجعه لصاحبته دي صوتها كان بيعيط”
فتشت وئام حاويتها التي كانت تحوي ثلاثين جنيه من النقود وقالت بضحكات ساخرة:
“بتعيط عشان دول!!”
جذبتهم هيام من يدها وقالت بضجر:
“وهما دول شويه!!… دا إنتِ رخمه”
تقدمت «هيام» خطوة وتبعتها وئام وهي تقهقه مستنكرة…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★★★
ارتجل «دياب» من سيارته ووقف قبالة المحل يقرأ لافتته «موبليا العميد» بابتسامة، وأخذ يقيس المكان بنظراته يبحث عن صديقه القديم ويُطالع الأثاث صُنع يديه بإعجاب حتى أبصره منخرطًا في عمله فأقبل نحوه مبتسمًا وقال:
“رشدي العميد!”
التفت له «رشدي» وابتهجت ملامحه فقد تعرف عليه حتى بعد كل تلك الأعوام، فتح ذراعيه وأقبل يضمه بحرارة وهو يقول:
“العقيد بنفسه هنا!! واحشني يا عقيد”
وبعد عناق طويل وسلامات حارة جلس دياب قبالته وربت على فخذه قائلًا بفضول:
“أخبارك إيه؟ احكيلي عملت إيه السنين اللي فاتت دي كلها”
أطلق« رشدي» تنهيدة طويلة وأجاب:
“سافرت واتبهدلت… وبعدين رجعت فتحت الورشه دي… واشتريت شقتين في المدينه بأجرهم للطلبه وعايش الحمد لله… وإنت طمني عليك؟”
تنفس دياب الصعداا وقال برضا:
“أنا كمان سافرت ورجعت فتحت عطاره وبنيت عماره وعايش من إيجارها ولله الحمد…”
تحدثا كثيرًا وأخذ «دياب» جوله في المكان يُطالع شغل صديقه ثم قال وهو يشير نحو سيارته:
“طيب يلا تعالى أنا معايا عربيتي نتمشى بيها وأحكيلك وتحكيلي عن أسرتك وعيالك”
رشدي بإصرار:
“لا طبعًا مش هتمشي إلا لما نتغدى مع بعض”
“لا الغدا دا عايز ترتيبات تانيه وإن شاء الله هيكون أول غدا عندي في البيت عشان العيال تتعرف على بعضها”
“نتغدى الأول يا دياب وبعدين نبقا نرتب الحوار ده”
“يا عميد مش وقت غدا خالص… يلا عشان أوريك العطاره بتاعتي وشغلي”
وبعد شد وجذب في الحديث انتصر «دياب» واستقلا السيارة وهما يضحكان ويتذكران ماضيهما وشبابهما…
وحين خرج رشدي تنهد «علي» بارتياح وأخذ يستعد ليتحدث مع «نداء» فور قدومها…
★★★★★
“أنا نفسي أروح چيم وأعمل عضلات”
قالتها نداء بابتسامة، فضحكت دعاء وقالت ساخرة:
“إنتِ مش محتاجه تعملي عضلات إنتِ محتاجه حد ينفضك يمكن تطولي شويه”
عقدت «نداء» يدها حول صدرها رافعة حاجبيها فكبحت «دعاء» ضحكتها وأردفت:
“خلاص خلاص متزعليش… روحي جيم والعبي عقله يمكن تطولي شويه”
قالتها وانفـ..جرت بالضحك، فقالت نداء بضجر:
“بتتريقي على طولي!! وإنتِ أصلًا أطول مني بـ ٥ سنتي مش حكايه يعني”
دعاء من خلف ضحكاتها:
“يا حبيبتي أطول منك سنتي يفرق عنك كيلو في الوزن”
لكزتها «نداء» في ذراعها وهي تقول بامتعاض:
“طيب اخرسي بقا عشان منزعلش من بعض”
كان «رائد» يجلس على مكتبه فجذب انتباهه حديث «نداء» التي كان صوتها مرتفعًا بعض الشيء، أطلق نظره ليتأمل حجابها الأحمر الذي أظهر لون بشرتها البيضاء، وابتسامتها الرقيقة التي أظهرت الغمارتين بوجنتيها…
اتسعت ابتسامته عندما رفعت حاجبيها لأعلى فاتسعت حدقتاها مما أظهر جمال عينيها البندقيتين الواسعتين، أخذ يتابعها وتعبيرات وجهها وصوتها الرقيق ومحتوى حديثها باهتمام شديد…
ومن ناحية اخرى التفتت نداء حولها مبتسمة وتوقف بصرها عليه حين التقطته يحملق بها فتلاشت ابتسامتها ببطئ وتشابكت نظراتهما مما أشعره برجفة وخفقة غريبة لم يعهدها فؤاده فسرها بأنها خجلًا وحرجًا فلم يسبق له أن نظر لفتاة بتلك الطريقه باستثناء أُختيه…
غض بصره وأطرق رأسه لأسفل وهو يتنحنح ثم سعل بخفوف عله يقذف ذلك الشعور الذي انتابه لخارج قلبه لكن هيهات فلم يدرك بعد ورطة قلبه بعد تلك النظرات..
ارتبكت «نداء» أثر نظراته تلك، وأخذت تتسائل لمَ يُحملق بها هذا الشاب بتلك الطريقة! وأين رأته من قبل؟ فقد بدا لها مألوف الملامح!
عدلت من حجابها وهي تتأكد من إختفاء خصلات شعرها ولم تكتفِ بل سألت دعاء بارتباك:
“دعاء هو أنا فيا حاجه غريبه؟!”
قطبت «دعاء» جبينها وهي تتفحص هيئتها وملامحها وقالت:
“لأ مفيش حاجه”
رمقته نداء مرة أخرى بطرف خفي وهو يتظاهر بالإنشغال بأوراق وفي نفس الوقت رفع «رائد» رأسه لتتشابك خيوط نظراتهما مرة أخرى مما أربك كليهما فابتعدت «نداء» مسرعة عن باب المحل وهي تضع راحة يدها على قلبها وتلمس وجنتيها بظهر اليد الأخرى وقد بات وجهها ينافس حبات الطماطم في الحمرة فقد رآها هو الأخر تُحملق به!
هام رائد يفكر في ابتسامتها ونظراتها حتى انتشله صوت أنس:
“تحب أروح أجيب الغدا أنا يا أستاذ رائد”
وثب رائد من مكانه وهو يقول:
“لأ يا أنس أنا هروح أجيب وأجي”
خرج رائد من المحل وهو يسير بخطواتٍ سريعة متحاشيًا النظر نحوها، وهي أيضًا كان توليه ظهرها بالرغم من معرفتها بخروجه من المحل…
★★★★★
مر الوقت وأعادت إليها «هيام» حاويتها وبدأ التعارف بينهم…
هيام:
“إنتوا في سنه كام بقا؟!”
أجابت دعاء بابتسامة:
“إحنا في تالته ثانوي… وانتوا؟”
وئام بتعجب:
“واحنا كمان… أنا حاسه إني شوفتكوا قبل كده!!”
هزت «دعاء» عنقها عاقدة بين حاجبيها وهي تردد:
“مش عارفه بس شكلكوا مألوف… على فكره إحنا أدبي”
وئام وهيام في نفس الوقت:
“وإحنا كمان أدبي”
تعارفن وتحدثن كثيرًا وتبادلن أرقام الهواتف…
حركت «نداء» الهاتف بيدها وقالت بابتسامة صغيرة وبتلعثم:
“أ… أنا يعني دا… دا طبعًا موبايل الدروس إنما الأيفون بتاعي في البيت بخاف أجيبه معايا ليقع زي ما ده وقع كده”
ربتت «هيام» على كتفها وهي تقول بإعجاب:
“براڤو عليكِ يا بنت دا أنا هعمل زيك”
ابتسمت «نداء» وتنفست بارتياح فقد أصابت مرماها، قالت وئام بابتسامة:
“طيب نستأذن احنا بقا فرصه سعيده يا نداء ويا دعاء”
وتبادلا السلامات على وعد باللقاء مرة أخرى…
وغادرتا وئام وهيام على الفور عندما لم يجدا والدهما بالعطارة…
وبعدما سارت «نداء» بضعة خطوات قالت بعد شهقة مدوية:
“نسيت أجيب الكمون يا دعاء!”
رمقتها «دعاء» بغيظ وقالت:
“مش النهارده بقا يا نداء”
تسمرت قدمي نداء بلأرض وقالت بإصرار:
“والله ما همشي إلا لما أجيب الكمون”
تأففت «دعاء» بضجر فصديقتها عنيدة ولن تغلبها مهما فعلت لذا فضلت الإستسلام والعودة معها للعطارة…
اشترت «نداء» الكمون، وقبل أن تغادر كان رائد مقبلًا صوبها ومازال يتحاشى النظر نحوها فخطفت هي نظرة نحوه قبل أن تغادر وهي تتسائل أين رأت وجه هذا الشاب؟!
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
كان «علي» يتمنى أن تأتي قبل أبيها ليستطيع التحدث معها وبعد نصف ساعه تحققت أمنيته ورآها تفتح بوابة بيتها فهرول نحوها وهو ينادي:
“نداء… نداءِ”
التفتت تُطالعه فهي تعرفه جيدًا بل وتعرف معنى نظراته المختلسة.
فكل أنثى لديها القدرة لقراءة نظرات الإعجاب في أعين أي شاب، وهي تشعر بإعجابه ولكن مازال قلبها بكر لم يعرف معنى الهوى ولم تخلع رداء الحياء مع أي شاب!
ورغم وسامته؛ إخضرار عيونه ونعومة شعره البني الكثيف، وجسده الرياضي، وبشرته المائلة للحمرة وملامحه الرقيقة، تلك المواصفات التي أذابت قلب الكثير من فتيات القرية، عدا نداء فقد اعتادت أن تنظر لجوهر الأشياء لا ظاهرها، أفاقت من خضم أفكارها أثر صوته:
“إزيك يا نداء”
قالت باقتضاب:
“الحمد لله ازيك؟ ”
تلعثم وارتبك وكأنه لأول مرة يتحدث مع فتاة، قال:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“بخير الحمد لله… كـ… كنا عايزين مايه”
“حاضر”
قالتها ثم ولته ظهرها وهمت أن تغادر فناداها:
” نداء…”
استدارت له ودون النطق طالعته بنظرات متسائلة عما يريد، فمد يده بوردة حمراء وقال:
“مـ… ممكن تقبلي مني الورده دي”
بدلت نظرها بين الوردة بين أنامله وأعينه التي تبعث وميضًا ساحرًا إستطاع اختراق شغاف قلبها فخشيت عليه الفتنة لذا أطرقت بصرها نحو الوردة وكادت أن تلتقطها من بين أنامله، لكن وقبل أن تبدي أي رد فعل أنقذها صوت والدتها التي تقف في شرفة المنزل حين قالت بأمر:
“نــــداء… اطلعيلي بسرعة”
أجفل «علي» ووضع الورده خلف ظهره وهو يقرض شفتيه بارتباك…
رفعت نداء بصرها لوالدتها وقالت:
“حاضر يا ماما… جايه”
ازدردت ريقها ونظرت لـ علي الذي أخذ يحك عنقه بارتباك وقالت:
“عن إذنك”
عاد علي للورشة وقال لصاحبه:
“شكلي كده روحت في داهيه… أمها شافتني”
شهق سعيد وقال:
“يا نهارك مش فايت ربنا يستر بقا ومتقولش لعمك رشدي”
وبمجرد أن دلفت نداء لبيتها صاحت والدتها تعنفها:
“أنا مش قولتلك ملكيش دعوه بالعيال اللي في الورشه دول!!!”
نداء بتبرير:
“والله هو اللي ناداني”
“أنا مش مرتاحه للواد ده ونظراته ليكِ…”
“متقلقيش عليا يا ماما… وبعدين ممكن يكون معجب بيا ما إنتِ عارفه معجبيني كتير”
قالتها نداء بابتسامة ماكرة وهي تغمز بعينيها، فتنفست الأم وزفرت بقـ..وة ثم قالت:
“المهم ملكيش دعوه بيه وابعدي عنه”
أومأت نداء مرددة:
“حاضر يا دودو”
قالتها «نداء» ودلفت للمطبخ لتغلي الكمون فسألتها والدتها:
“إيه ده! كراويه ولا ايه؟”
“لأ دا كمون حصى عشان الدايت”
لوحت الأم بكلتا يديها في الهواء وهي بتردد بنفاذ صبر:
“دايت!! صبرني يارب”
****
عاد «رشدي» للبيت مبتهجًا بعد يوم كامل قضاه برفقة صديقه القديم انتهى بعد أن عزمه «دياب» هو وأسرته على الغداء..
أخبر «رشدي» زوجته «دينا» التي ابتهجت هي الأخرى وتحمست وأخذت تُجهز ملابس أولادها وملابسها…
وقبل النوم استلقى رشدي على الفراش واضعًا إحدى يديه أسفل رأسه وأخذ ينسح أحلامًا ويهيم في فكره ثم نطق بما في جعبته وقال:
“يا سلام يا دينا لو نجوز نداء لواحد من ولاد دياب”
تنهد بارتياح حين تخيل ذلك ومصمص شفتيه مستطردًا:
“عايزكم بكره تلبسوا أحسن لبس عندكم”
ربتت دينا على كتفه وهي تقول بابتسامة:
“متقلقش هنشرفك… يلا تصبح على خير”
كادت دينا أن تخبره بما فعله علي لكن تراجعت وتنهدت بعمق ثم خلدت للنوم في هدوء…
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده ❤️
★★★★★
وفي اليوم التالي
كان صوت القرآن يدوي بأرجاء البيت والجميع على أهبة الإستعداد لإستقبال الضيوف…
تولى عمرو وعامر تلميع الخشب والزجاج وهيام ووئام تنظيف الغرف والأم إعداد الطعام…
دلف رائد للبيت وبيده أكياس التسوق فهرول نحوه عمرو وعامر بأعين متسعة…
عمرو بحمـ..اس:
“جبت بيبسي؟”
عامر بابتسامة:
“جبت شيبسي؟”
تجاهلهما رائد ووضع الأكياس على الأرض فاقترب أحدهما يفتشهم، قال رائد:
“بس يا عامر متلعبش في الشنط”
عمرو بابتسامة سمجة:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
شاركه عمرو بالتفتيش في الأكياس فصاح رائد بحدة:
“بس يا عمرو”
عامر بابتسامة سمجة:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
وبنفاذ صبر حمل رائد الأكياس للمطبع بعد أن صاح:
“إوعـــــــى ياد منك ليه… أبو تقل د**مكوا”
وضع الأكياس أمام والدته «شيرين» التي تضحك أثر حواره المعتاد مع أخواته، قال بعد تنهيدة:
“الطلبات اللي كنتِ عايزاها يا ماما… شوفي كده لو هتحتاجي حاجه تانيه عشان هرجع الشغل؟!”
فتحت شيرين الأكياس وقالت:
” باقي الفاكهه هتجيبها بقا وإنت راجع من الشغل”
أومأ رائد رأسه وقال:
“تمام مفيش مشكله أنا هاجي إن شاء الله على الساعه ٢ ونص”
خرج «رائد» من البيت ووالدته تدعو له بالتيسير والتوفيق…
وأثناء طريقه كان هناك فتاة تقف في شرفة منزلها تُطالعه بهُيام وهي تستند بمرفقيها على سور الشرفة فرأتها والدتها تلك السيدة الخمسينية زوجة عمه «فاطمة» التي لا تكره بحياتها سوى عائلته، قالت بامتعاض:
“بتعملي إيه يا ريم! مش قولتلك ادخلي اغسلي المواعين!!”
التفتت لها «ريم» وقالت بارتباك:
“حـ… حاضر يا ماما هغسلهم”
دخلت والدتها وهي تصيح بضجر:
“بقالك ساعه بتقولي نفس الجمله انجزي بقا”
تجاهلته ريم وعادت تشرئب برأسها وتبحث عنه لكن كان اختفى عن مد بصرها فنفخت بحنق ودخلت للبيت، وقد يأست أن يلتفت لها أو يراها فهي ليست جميلة لتثير انتباهه كما أنه يعاملها كأخته وبرسمية شديدة إذا تصادفا والتقيا…
★★★★★
أصرت «دينا» على ابنتها أن ترتدي فستانها القديم
كان فستان بنبي تنتشر به نقط بيضاء ويتدلى باتساع من منتصف خصرها وتحته بطانه زادته اتساعًا ويرتفع بالإسفنج من فوق الكتف..
عندما ارتدته «نداء» كان تشبه تمامًا فتاة قد خرجت لتوها من فيلم بلأبيض والأسود أو أميرة خرجت من كارتون أطفال…
نظرت لنفسها بالمرآة وقالت:
“لا لا لا أنا لا يمكن أخرج من البيت كده!!”
والدتها بتصميم:
“والله العظيم لتخرجي كده النهارده ومفيش نقاش”
حاولت نداء إقناع والدتها فقالت بابتسامة عابثة:
“يا ماما يا حبيبتي مالها العبايه السمرا… يرضيكِ العيال يتريقوا عليا في الدرس؟!”
“مينفعش العبايه السمرا بتبينك رفيعه… وبعدين إنتِ هتستنينا وهنتقابل هناك عشان معزومين..”
صاحت نداء بضجر:
“أنا مش هخرج كده يا ماما”
تجاهلتها دينا واتجهت للشرفه، نادت:
“يا رشدي… اطلعي لحظه لو سمحت”
لحظات ودلف رشدي للبيت وحين رأى «نداء» صفر بإعجاب، فسألته دينا بحـ..ماس وبابتسامة:
“إيه رأيك؟!”
تفحصها رشدي بنظراته ودار حولها وهو يقول:
“قمر… إيه الحلاوه دي يا نداء”
رفعت نداء إحدى شفتيها لأعلى بسخرية ثم قالت بإصرار:
“قمر ايه!! أنا استحاله أخرج كده”
*****
وبعد ساعة كانت «نداء» تجلس بالدرس تأخذ مقعدين نظرًا لفستانها الواسع، كان الطلاب ينظرون إليها ويتهامسون لا تدري أإعجابًا بها أم سخرية منها!
وغير ما عانته بالمواصلات فقد اضطرت لدفع أجرة مقعدين بسبب فستانها العجيب فهي عنيدة لكن والدتها أكثر عنادًا ولاسيما عندما يجتمع عناد والدها ووالدتها عليها!
أخبرتها دعاء أنها تبدو كملكة وليست أميرة ولابد أنها تُجاملها فقد كانت تُطالعها بين حين وأخر بابتسامة عابسة وأحيانًا تضحك بخفوت عليها وهي تغرق في فستانها ذاك!
وبعد انتهاء الدرس غادرت دعاء وتركتها تقف بمفردها بجانب الطريق تنتظر والديها، وبدأت نداء تسمع مضايقات الشباب السُذّج:
“أنا طول عمري بسمع عن الأميرات لكن أول مره أشوفهم يا جدع”
وشاب أخر:
“هو القمر بيطلع بالنهار ولا ايه!!!”
نفخت «نداء» بضجر وسارت مبتعده وهي تلتفت حولها وترى حملقة العيون بقا وبفستانها…
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته ثم وقفت منكمشة الوجه عابسة الملامح…
ومن ناحية أخرى كان «رائد» عائدًا للبيت يحمل أكياس الفاكهة بيده فقُطع أحدهم وفرت منه حبات لبرتقال حتى وصلت أسفل قدميها…
وحين أبصرها تصنم مكانه وعادت هي للخلف خطوتين بارتباك…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ورغم ضجيج قلب نداء وارتباكها الواضح إلا أنها فتحت حقيبتها لتُخرج كيسًا أسود وأخذت تجمع حبات البرتقال عن الأرض وتضعها به رغم صعوبة انحنائها بسبب ذاك الفستان..
ابتسم رائد فقد أحسنت التصرف وانتشلته من بؤرة التفكير وانحنى هو الأخر يجمع البرتقال في سرعة ثم دنا منها ليضعه في الكيس الذي وقفت تفتحه له بارتباك..
كان فرق الطول بينهما واضح فلم تبلغ نداء حد كتفه، رفعت أعينها لأعلى لتلتقط ابتسامته ونظراته التي تحاصرها مما زادها ارتباكًا، أطرقت بصرها أرضًا ومدت يدها بالكيس، فأخذه وقال بامتنان:
“شكرًا ”
قالت مبتسمة برقة:
“العفو”
وفي سرعة فتح كيسًا أخر وأخرج موزة قدمها لها قائلًا:
“ممكن تقبلي مني دي؟”
هزت عنقها رافضة وأصرت على رفضها، فقال بتصميم:
“أنا مش همشي من هنا إلا لما تاخديها!”
نظرت ليده، ولم تبادر بأي رد فعل فجذب انتباه رائد فاطمة تلك التي مرت جواره وهي ترمقه بنظرة جانبية، تنهد بعمق وعاد ينظر لـ نداء ثم قال برجاء:
“اتفضلي لو سمحتِ!”
ولتنتهي نداء من ذلك الموقف أخذتها من يده وقالت بابتسامة:
“مـ…. ماشي… شكرًا”
عاد يُكمل طريقه ولم تفارقه الابتسامة وهو يتخيل الموقف بأكمله ويتذكر هيئتها وفستانها العجيب فهي تبدو مثل ”عروسة المولد“ بفستانها البمبي الواسع الذي تغرق به وحجابها البنبي ووجنتيها المتوردتان ولكنه… لا ينكر أنها جميلة على أي حال…
وقفت «نداء» تُطالع الموزة لبرهة ثم ابتسمت ووضعتها في حقيبتها، وقد اجتاح جسدها موجة حارة فتوردتا وجنتيها على أثرها، فهي وبرغم شقاوتها إلا أنها تتجنب الإختلاط بالجنس الأخر وتستحي من أي ذكر يخطو على وجه البسيطه، لكن ولم تمزق رداء حيائها ذاك سوى مرتين إحداهما من خمسة أعوام والأخرى من شهر حين تحدثت مع شاب «رائد» عبر الهاتف لأيام…
تنهدت بعمق وهي تُطالعه يبتعد عنها حتى دلف لبيته وفي تلك اللحظة انتشلها صوت والدها الذي اشرأب برأسه من باب العربة “التوكتوك” قائلًا بابتسامة:
“يلا يا نداء اركبي”
تعجبت «نداء» حين نظرت للمكان المكتنز الذي يحثها والدها على الصعود إليه وقالت في ذهول:
“أركب ازاي بالفستان ده!!”
هزت رأسها نافية مردفة:
“لأ مش هعرف يا بابا”
سبقوها بالتوكتوك وتبعتهم فقد كان البيت على بعد خطوات، وارتفع ضجيج قلبها حين وقفت العربة مقابل المنزل الذي دلف منه رائد قبل قليل، وأخذت تقرض شفتيها متمنية ألا يحدث ما تفكر به…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★
على باب المنزل استقبل رائد المشاكسان عمرو وعامر ليقول أحدهم بحمـ…اس:
“جبت التفاح؟”
والأخر بابتسامة:
“جبت الموز؟”
تجاهلهما واتجه للمطبخ حيث والدته تُعد الطعام ووضع أكياس الفاكهة، فابتسمت شيرين وقالت:
“متحرمش منك يا أحن ابن في الدنيا بعد رامي”
تعالت ضحكاته وهو يقول:
“طبعًا مهمها عملتلك رامي هو الأساس والباقي شنط وأكياس”
تنهدت وقالت بلوعة:
“أعمل إيه البعيد عن العين محفور في القلب… والواد ده واحشني أوي يا رائد بقاله أكتر من سنه مسافر وأنا قلبي اشتكى من البعد ده…”
رائد مبتسمًا:
“كان بيقول هينزل قريب بس محددش امته… ادعيله يا ماما”
أخذت الأم تتمتم بالدعاء لكليهما حتى قاطعهما صوت دياب من خلفهما:
“يلاويا جماعه الناس على تحت”
وأردف:
“يلا يا رائد انزل قابلهم”
أومأ رائد قبل أن يخرج:
“حاضر يا بابا”
★★★★
ارتجلوا من العربة ووقف رشدي يلتفت حوله حتى خرج رائد من البيت وهو يقول:
“عمو رشدي”
التفت له رشدي وعلى محياه ابتسامة ندية، ومد رائد يده يصافحه ثم حيا دينا التي تقف مبتسمة تتأمله بإعجاب فهو عريس مناسب لإبنتها..
صافح رائد «نادر» وأخذ يسأله عن اسمه فقالت دينا بتلعثم:
“دا… دا نادر أصم”
ابتسم «رائد» وداعب خصلات شعر نادر بحنو ثم قال:
“طيب اتفضلوا يا جماعه”
نظر «رشدي» نحو ابنته التي أوشكت على الاقتراب وقال:
“ثواني بس على ما نداء تيجي”
ردد رائد بنبرة متسائلة:
“نداء؟!”
تركهم «نادر» وركض نحو أخته التي جف حلقها وثقلت قدماها فأبطئت خطاها، أشار والدها نحوها وهو يقول بزهو:
“أيوه نداء بنتي”
طالع «رائد» الطريق محل ما أشار رشدي وللمرة الثالثة يشعر بتلك الخفقة التي تجتاح فؤاده حين رآها مقبلة نحوه..
حدث نفسه هل تلك هي ابنته؟! يالها من صدفة، في تلك اللحظه تذكر نبرة الفتاه التي كانت تُحدثه عبر الهاتف والتي لم تكن سوى نداء تلك التي أخذت جملتها ترن في رأسه وهو يُطالع خطواتها:
” مفيش حاجه بتحصل في حياتنا بالغلط أو بالصدفه… كل شخص قابلته ليك معاه قصه ممكن تكملها وممكن تكون خلصت وإنت مش عارف”
من ناحية أخرى وقف «نادر» قبالة «نداء» وحدثها بالإشارة:
“تبدين جميلة جدًا”
فابتسمت نداء وقالت بالإشارة:
“أنت الأجمل”
رفعت «نداء» رأسها ونظرت نحوه فالتقمت نظراتها نظراته فوقفت مكانها صاح والدها بضجر:
“يلا يا نداء”
بللت حلقها الجاف ثم أسرعت الخطى وهي تتحاشى النظر ناحيته مرة أخرى، وما أن وصلت حتى ازدرد رائد ريقه وقال بتلعثم وهو يشير للبيت:
“ا… ا… اتفضلوا”
استقبلهم الحاج دياب وزوجته بترحاب وتفاجئت نداء عندما رأت هيام ووئام اللتان فرحتا بها…
جلس السيدات بالطابق العلوي وأمامهن مائدة للطعام تضم أصناف عدة من لحم مشوي وبطاطس مقلية وفطائر محشوة باللحم وأطباق من المحشي وغيرها من طعام عالي الدسامة إلا طبق صغير على حافتها به سلطة للخضروات وهو ما جذب انتباه نداء، ازدردت ريقها بتوتر ومالت على أذن والدتها وقالت:
“إنتِ مقولتليش إننا هنتغدى هنا!”
رمقتها والدتها بنظرة جانبية متهكمة من حميتها الغذائية تلك وقالت بهمس وهي تضغط على أسنانها:
“تأكلي من غير اعتراض فاهمه!!”
همسات نداء بضجر:
“لأ مش فاهمه! هو كل حاجه تقولوهالي أعملها مش كفاية الفستان ده!”
زمت والدتها شفتها وطالعتها بأعين متسعة تحذرها وقبل أنا تتحدث قاطعها صوت شيرين:
“يلا بقا ناكل مع بعض لقمه من الحاجات البسيطة دي ويارب يعجبكوا أكلي”
ردد نداء بهمس سمعته والدتها:
“كل ده وحاجات بسيطه… دا الأكل ده يرفع الكولسترول في السما”
لكزتها والدتها بضيق، ونظرت لشيرين قائلة:
“أكيد هيعجبنا طبعًا تسلم ايدك يا حبيبتي”
هتفت نداء:
“أنا مش جعانه”
شرين بضحك:
“مفيش مجال للرفض إحنا اللي يدخل بيتنا ميطلعش إلا لما ياكل”
استسلمت نداء وجلست على المائدة وهمست لوالدتها:
“معدتي مش هتستحمل الأكل ده! أنا بقالي سنه مأكلتش محمر”
وقبل أن ترد والدتها قالت شيرين وهي تقدم أطباق الطعام من نداء:
“يلا يا نداء مدي ايدك متتكسفيش”
بدأن بتناول الطعام وأخذت نداء تتناول السلطة حتى أنهتها وكادت أن تنهض فقالت شيرين بحزم:
“إيه يا نداء إنتِ قرفانه من الأكل ولا ايه متقلقيش يا حبيبتي والله إحنا نضاف”
نداء بتلعثم:
“أ… أصل أنا شبعانه والله”
رمقتها والدتها بحدة وهي تتوعدها ووضعت شيرين أمامها طبق من الفطائر وقطعة لحم وقالت بحزم:
“والله ما هتقومي إلا لما تخلصي الطبقين دول”
خافت نداء من نظرات والدتها تلك وأخذت تتناول الطعام في سرعة ثم تحسست معدتها حين شعرت بثقلها وتوقفت للحظة عن تناول المزيد، فقدمت شيرين طبق اللحم وقالت:
“كلي يا نداء”
طالعت طبق اللحم الذي تتساقط منه نقاط السمن وقالت:
“انا الحمد لله شبعت”
شيرين بنزق:
“شبعتِ إزاي إنتِ لسه مأكلتيش منابك”
وبعد إصرار شيرين ونظرات دينا تناولت نداء قطعة من اللحم وضعتها في فمها وأخذت تلوكها كثيرًا ثم بلعتها وكأنها تدفع حبة دواء كبيرة الحجم لداخل جوفها..
وفجأة شعرت بالغثيان ووثبت وهي تقول:
“عايزه أروح الحمام”
هيام:
“يا بنتي كلي الاول”
“والله شبعت”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أشارت لها هيام للمرحاض فدلفت إليه وجلست طويلًا تحاول التقيؤ لكن لم تستطع…
قالت لنفسها بحشرجه:
“أنا عايزه أمشي!!”
شعرت بضيق فستانها المفاجئ حين انتفخت معدتها فقد أكلت أكثر من المعتاد بدت كالصائم الذي أفطر لتوه فامتلئت معدته وثقل عقله!
أزالت دبوس قد وضعته والدتها لتجعل الفستان مناسبًا لها فاتسع الفستان على خصرها وخرجت وهي تجر فستانها الذي زاد اتساعه…
مالت والدتها نحوها وقالت:
“إنتِ عملتِ إيه في الفستان؟!”
نداء بنزق:
“اسكتي يا ماما عشان أنا على أخري”
جلست نداء صامته وأصبحت لا تستوعب جل ما يقولن تبتسم على مزحاتهن كمجاملة وتتمنى مضي الوقت لتعود لبيتها، حتى وضعت شيرين أمامهن صنية تضم أكواب من البيبسي أسود اللون، اتسعت حدقتي نداء في ذهول وقالت بصدمة ودون تفكير:
“إيه ده!!”
اتسعت ابتسامة شيرين وأشارت للأكواب قائلة:
“دا عشان نهضم بعد الأكل الدسم ده”
نظرت لها والدتها بوعيد فحملت كوب البيبسي وشربته دفعة واحدة ثم أطلق حلقها صوت تجشؤ عدة مرات، ووالدتها محرجة من تصرفات ابنتها الطفولية…
مر بعض الوقت ووالدتها تتحدث مع شيرين حتى دلفت وئام حاملة صنية من الفاكهة وجوارها هيام تحمل أخرى من الحلوى، فوثبت نداء وقالت:
“يلا يا ماما هو احنا مش هنمشي بقا؟!”
جذبتها والدتها لتجلس وقالت بابتسامة صفراء:
“اصبري يا حبيبتي لما بابا ينادي”
جلست بقلة حيلة تحاول اخفاء امتعاض وجهها واضعة ظهر يدها على أرنبة أنفها تنتظر إذن والدها ليُطلق سراحها من هذا البيت الذي مذ أن دخلته وهي تأكل
رفضت أن تأكل المزيد إلا طبق حلوى أخير، ثم قالت بنبرة حازمة:
“والله لو قتـ…لتوني ما هاكل تاني!!”
فرمقتها والدتها بنظرة جانبية تتوعدها بسبب ما فعلت! مر الوقت ثقيل عليها حتى أعطى والدها أمره بالإفراج…
استقلا سيارة دياب وكان رائد هو قائد السيارة، جلست نداء بجوار النافذة متحاشية النظر نحوه، مالت والدتها على أذنها وهمست بكلمة واحدة أربكتها:
“فضحتينا”
وبمنتصف الطريق اجتاحها شعور بالغثيان مجددًا فأخرجت رأسها من النافذة وأخذت تتقيء فأوقف رائد السيارة حتى أفرغت معدتها وسكنت بتعب بعدما أغلقت جفونها وهي تردد بوهن:
“إنتِ عارفه إني مش باكل محمر يا ماما… ااااه حرام عليكِ”
بدلت والدتها نظرها بين «رائد» وابنتها التي أغلقت جفونها في تعب وقالت بتلعثم:
“دي لازم داخت من العربية”
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله 🌹
★★★★
عاد رائد إلى بيته وهو يتذكر ما حدث اليوم وتلك الفتاة الغريبة، والشعور الذي هيمن عليه فور رؤيتها..
ردد اسمها بابتسامة:
“نداء”
استلقى على سريرة واضعًا ساعديه أسفل رأسه هائمًا في فكره حتى غلبه النعاس ليستيقظ على صوت أذان الفجر.
خرج من غرفته بعدما توضأ فوجد والده متأهبًا للخروج للمسجد فخرج معه وسار جواره يقول مبتسمًا:
“محدش بيسبقك للفجر يا حاج دياب”
“صلاة الفجر دي مقدرش أتخلف عنها طول ما أنا بصحتي”
“ربنا يديك الصحه يا بابا”
وصلا للمسجد الذي كان مقابلًا لمنزل «ريم» تلك التي تقف خلف النافذة تُطالعه بهُيام وهو يدلف للمسجد متنهدة بعمق هائمة به حتى رفعت أختها الكبيرة «رغده» رأسها وطالعتها باستغراب قائلة بنعاس:
“إنتِ بتعملي إيه عندك؟!”
“كـ… كنت رايحه أصلي الفجر”
ابتسمت أختها بسخرية وهي تسحب الغطاء على وجهها مرددة باستخفاف:
“ربنا يقوي ايمانك كمان وكمان”
سألتها ريم:
“مش هتقومي تصلي؟!”
قالت بنفاذ صبر:
“فكك مني يا ريم… وابقي ادعيلي ربنا يهديني”
هزت ريم رأسها باستنكار وهي تُطالع رغدة التي تكبرها بأربعة أعوام وتخشى أن يكون مصيرها كأختها التي لم يطرق بابها أي رجل للزواج حتى الآن! ودائمًا ما تقول والدتها بأنه قد عُقد لها سحر يحجب الرجال عن رؤيتها وتسعى دائمًا لفكه، تنفست ريم الصعداء ورددت:
“ربنا يهديكِ ويهديني”
تنهدت بعمق حين تذكرت رائد ورامي وأردفت:
“ويرزقني ويرزقك”
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★
وبعدما أدت «نداء» فريضة الفجر جلست تردد الأذكار بعقل مغيب شارد ووجه متجهم…
تتذكر صوت والدها الهادر بالأمس وسيل كلماته الغاضبة التي كانت كـ قذيفة من للأحجار الصلبة بوجهها فكان كل حجر يرجم جزء من روحها حتى باتت صامتة كالمـ..وتى..
ذ**بحتها نظرات والدتها الحادة وهي تسرد على والدها ما حدث وتصفها بالغباء وأنها ساذجة وبلهاء فمن في مثل عمرها وأصغر تزوجن وأنجبن الأطفال أما هي فلا تفعل شيء سوى تلك الحمية الغذائية حتى انكمشت معدتها…
وأكمل والدها ذ***بحها حين وصفها بالذميمة النحيله التي لا تمتلك صفة واحدة تُنكح لأجلها لا مال ولا جمال ولا خلق حسن!
كانت تجلس على فراشها وقد أغرقت الدموع وجنتيها قالت بصوت هامس متحشرج:
“أنا محدش بيحبني”
ازداد نشيجها حتى هدأت وجففت دموعها بأناملها وحملت هاتفها لتكتب رقم جديد سرعان ما حذفته وكتبت الرقم المدون بدفترها وبدأ صراعها الداخلي بين أن تطلب رقمه أو تتراجع حتى اتخذت قرارها وضغطت على زر الاتصال وهي مغمضة العينين…
انتظرت لحظات حتىى أجابها صوته الرجولي الذي ألفته، بكلمة اعتادت سماعها منه:
“باشا… ازيك يا باشا”
ابتسمت دموعها تسل فلم تجبه وارتشفت دموعها لتستطيع التحدث فأردف:
“إنت بتعيطي ولا إيه؟!”
باغتتها شهقة تبعتها برشفة أخرى لعبراتها وهو يسألها عما أصابها حتى أجابته بصوت متحشرج:
“صعبان عليا نفسي!..”
“ليه بس؟!! إيه اللي حصل؟!”
تجاهلت سؤاله وقالت بابتسامة مهزومة:
” تعرف إن إنت عقابي”
ضحك وهو يردد بدهشة:
“أنا عقابك!!”
استرسلت بجدية:
“أيوه عقابي اللي بعاقب بيه نفسي… أنا أصلًا مش عارفه بكلمك ليه! أنا عمري ما كلمت شاب إلا إنت…”
لم يصدقها وابتسم بسخرية ينتظرها لتكمل، ران الصمت بينهما فمزقته نداء بنبرتها المتألمة وكأنها قرأت ما يجول بخاطرة:
“أنا متأكده إنك مش مصدق إنك الشاب الوحيد اللي كلمته… بس مش مهم”
تنهد بعمق من نبرتها الحزينة وسألها:
“طيب احكيلي مالك؟!”
صمتت لبرهة تتذكر ما فعله والديها، وتنهدت بعمق ثم سألته بمرارة:
“هو ليه كل الناس بتتكلم عن عقوق الأبناء لأبائهم ومحدش بيتكلم عن عقوق الأباء لأولادهم”
انتظرها لتُكمل فأخذت نفسًا عميقًا وزفرته، واستطردت:
“تعرف إن بابا دايمًا يقول إن شكلي وحش ومش هلاقي حد يتجوزني… وماما شيفاني غبية ومش نافعه في حاجه!..”
مسحت دمعة فرت من إحدى مقلتيها وقالت بصوت مختنق:
“ميعرفوش الكلام ده بيوجعني ازاي!”
ارتشفت دموعها ثم أطلقت تنهيدة طويلة تبث خلالها رجفة قلبها ووجعه وسالته:
“إنت معايا يا عقابي ولا نمت؟!”
كان يسمعها بتركيز وقد رق لحالها وشعر بصدقها بل وأشفق عليها، ابتسم على لقبه الجديد «عقابي» وأجاب:
“معاكِ وبسمعك يا باشا… صحيح إنتِ اسمك إيه؟! “
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
خيم الصمت عليها وابتلعت ريقها عدة مرات كانت مترددة وحائرة وأخذت تتسائل أتنطق باسمها أم تقول له أي اسم أخر! انتشلها صوته حين قال:
“إيه يا باشا…. إنتِ معايا ولا…؟!”
تلعثمت وقالت:
“أ… أيوه معاك…”
ابتلعت ريقها وأردفت:
“أ… أعتقد مش لازم تعرف اسمي دلوقتي”
مط شفتيه لأسفل متعجبًا لا يعلم ما تخشاه! فلو أراد معرفة كل معلوماتها لعرفها من رقم جوالها بمنتى البساطة، لكنه لن يفعل تنفس الصعداء و قال مطمئنًا:
“على راحتك يا باشا”
ابتسمت وقالت:
“أنا اتعودت انك تقولي يا باشا… فقولي يا باشا… اتفقنا يا عقابي؟”
قال بضجر:
“لأ متفقناش ومن هنا ورايح متقوليش يا عقابي اسمي رائد العقيد…”
قالها وهو يضغط على أحرف اسمه ثم أردف:
“وبالنسبه لإسمك اللي مش عاوزه تقوليه فأنا هسميكِ بنفسي…”
أطلقت ضحكة كالزفرة وسألته بتعجب:
“ويا ترى هتسميني إيه بقا؟!”
صمت لبرهة وقال:
” نداء… هسميكِ نداء”
أجفلت حين نطق اسمها دار رأسها، انتفض قلبها وتسارعت أنفاسها وأخذ صدرها يعلو ويهبط بعنـ…ف فقد نطق اسمها لتوه! تسائلت تُرى من أين عرف باسمها؟! أم أنها صدفة!!
وحين طال صمتها سألها:
“سكتِ ليه!! لو الإسم معجبكيش نغيره عادي”
سألته بارتباك:
“اشمعنا الاسم ده؟!”
صمت لبرهة حين تذكر «نداء» وابتسم ثم قال:
“مش عارف هو ده الإسم اللي جه في بالي”
تنفست الصعداء وزفرت الهواء من فمها لتهدأ، وقالت:
“مـ… ماشي…”
صمتا لفترة ولم يظهر سوى صوت أنفاسهما…
كان كلاهما يهيم في فكرة هو يتذكر «نداء» وابتسامتها وفستانها ونظراتها، وهي تفكر فيما قاله وتحاول طمئنة حالها وإقناع نفسها أنها ليست إلا صدفة..
استلقى «رائد» على فراشه ووضع إحدى ساعديه أسفل رأسه ثم ناداها بصوت أجش:
“نداء”
خفق قلبها مجددًا ووضعت يدها على صدرها تهدئه، أردف يسالها:
“إيه الحاجه اللي نفسك فيها ومستحيل تحصل؟!”
كان يسألها ليجيب هو على هذا السؤال بعد أن تنتهي فصمتت لوهلة ثم تنهدت بعمق وقالت:
” نفسي في حاجات كتير لكن أكتر حاجه كان نفسي فيها إن يكون ليا أخ كبير أو حتى أخت عشان لما ماما وبابا يزعلوني أروحلهم…. أنا بجد حاسه بالوحده أوي”
قالت أخر جملة بمرارة وقد تملكها الحزن والأسى، فقال:
“طيب إيه رأيك تعتبريني أخوكي؟!”
رددت بتعجب:
“أخويا!!!”
أومأ وهو يقول:
“أيوه أخوكي”
زمت جفونها مفكرة في عرضه، ولم لا؟! فليكن بمثابة أخ وصديق!
فقد سمعت من الكثيرين بأن صداقة الشباب أقوى من البنات فلتجرب بنفسها، أخذت تقنع حالها بأنه ما المشكلة فلن تفعل شيء خاطئ هي فقط ستُحدثه كأخ وصديق بمعنى أنه لا مشاعر ولا هذيان بكلمات الحب تلك!
ستتحدث بمنتهى الإحترام والجدية، سولت لها نفسها بأنها لن تخطئ هي تعرف حدودها جيدًا وفي لمح البصر أخذت قرارها ودعست بقدمها أول خطوة لتجازف وتسير في طريق غريب لا خريطة له ولا دليل…
ومنذ ذلك اليوم نشبت بينهما صداقة توطدت بمرور الأيام كان موعد كلامهما يوميًا في سدفة النهار بعد أن يصلي كلاهما الفجر ويقرأ الأذكار والورد القرآني فيا له من تناقض غريب!!
كانت «نداء» تحكي له كل ما حدث باليوم السابق وترتيبات يومها الحالي، وعرفت بأنه من نفس محافظاتها لكن لم تتجرأ على إخباره بمعلومات عنها إلا أنها هي الأخرى من نفس بلدته…
أما عن «رائد» فكان يعاملها باحترام وينتقى ألفاظه معها بعناية ولكنه كان دائم الشعور بتأنيب الضمير وتتلوى بحلقه غصة حين يتخيل وئام أو هيام مكانها أو تتحدث أي منهما إلى شاب! ولكنه يقنع حاله بأنه ليس كباقي الشباب هو يعرف حدوده ولن يتخطاها!
******
مرت خمسة أشهر وانتهت امتحانات الثانوية العامة وفي تلك الفتره لم يرها رائد سوى مرتين صدفة إحداهما قبل ثلاثة أشهر عند عودتها مع دعاء من الدرس الخصوصي وحينها تظاهرت بأنها لم تره، والأخرى قبل شهر عندما صادفت وئام وهيام في درس خصوصي، وكان رائد ينتظرهما بالسيارة وأصر أن يوصلها هي ودعاء لموقف سيارات الأجرة الخاص بهما..
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وذات يوم استيقظ «رائد» على دوي رنين هاتفه وإضاءة شاشته برقم نداء ابتسم فقد أصبحت منبهه لصلاة الفجر، وقبل أن ينهض طرق والده باب غرفته وهو يقول:
“الفجر يا رائد”
أجاب بصوت أجش:
“حاضر يا بابا قايم أهوه”
وبعد دقيقة ارتفع أذان الفجر وخرج «رائد» مهرولًا ليلحق بوالده…
وكانت «ريم» تتابع دخوله للمسجد كعادتها وقفت لفترة تتابع الشارع الخالي عبر نافذة غرفتها وغمرتها السعادة حين رأت شابًا يدلف للشارع ويجر وراها حقيبة سفره، تهلل وجهها واتسعت ابتسامتها وأخذت تعدو نحو الشرفة وقفت تنتظره حتى مر أسفلها نادته بلهفة ونبرة خافتة وصلت إليه:
“رامي!…”
نظر الشاب لأعلى وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة عذبة، قال بشوق وبنبرة خافتة:
“ريم! وحشتيني”
تجاهلت كلمته وقالت بتلعثم:
“ر… رغده هتفرح أوي… لما تعرف إنك رجعت”
فدائمًا تحاول جذب انتباهه لأختها «رغدة» وهو يفهم ما ترمي إليه لكنه يتظاهر بالغباء ولا يطيق تلك الرغدة!
عقد حاجبيه وزم شفته ببغض ثم قال بضجر:
“رغده!! الصراحه أنا معرفش ازاي السكر يبقا أخو السم.. اسمعي يا سكره متقوليش لحد إن أنا جيت وبذات أختك دي مش ناقص استفزاز”
قالت بضحك:
“ليه بس دي بتعزك أوي و…”
قاطعها واضعًا سبابته على فمه وقال بحزم:
“هوووش اسكتي.. يلا ادخلي مش عايز أحسس حد إني جيت”
لوح لها بيده وقال بابتسامة وبخفوت استطاعت سماعه:
“يلا باي يومين كده هنخرج سوا يا مسكر”
اومأت رأسها بابتسامة وهي تردد:
“باي”
تنهد «رامي» وسار عدة خطوات قبل أن يدلف لبيته، فتنفست ريم الصعداء وأخذت تقرض شفتيها بتوتر وهي تلتفت حولها ثم تنفست بارتياح فلم يستيقظ أحد!
أخذت تتذكر طفولتها وكيف كان رامي أكثر من يهتم بها ويدافع عنها حتى أمام والديها ومازال…
تنهدت ثم همست لنفسها:
“والله المفروض كنت وقعت في غرامك إنت بدل رائد التقيل ده! بس هنقول ايه القلب ميحبش إلا معذ**به”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
دلف «رائد» للبيت مع والده فأثار انتباههما ضوء غرفة رامي! تبادل نظرات الدهشة هو ووالده وهرولا إلى الغرفة وما أن فتح بابها حتى شقت ابتسامتهما طريقها وابتهجت ملامحهما وهما ينظران لحقيبة السفر أعلى الفراش وصوت خرير المياه الصادر من المرحاض، قال رائد بابتسامة:
“رامي رجع يا بابا”
اومأ دياب رأسه مبتسمًا وهو يردد:
“أيوه رامي رجع… رجع بالسلامة”
طرق «دياب» باب المرحاض وهو يقول بلهفة:
“واد يا رامي مقولتش ليه إنك جاي ياد”
أجاب رامي بضحك:
“ثواني وطالعلكم”
قال رائد بمرح:
“مستنينك يا شيف…”
دياب بضحك:
“شيف إيطالي”
ضحكا وأخذ «رائد» يفتش حقيبة أخية حتى رأى دفتره القديم فتحه في لهفة فقد اشتاق لقراءة كلماته، وأخذ يقرأ ما كتبه رامي وهو يسبح في بحر أحرفه..
“يا لها من سَدَفة رائعة!!”
قالها الصبيّ بابتسامةٍ وهو ينهض ببطئ بعد أن تحدث بالكثير مع تلك الفتاة التي كانت تجلس جواره.
وقفتْ هي الأخرى في سرعةٍ مقطبةً جبينها الأبيض باستغراب وأخذت تُربت على ظهر الطفل الصغير الذي تحمله على كتفها وهي تستفهم قائلة:
“أتقصد صُدفه؟!”
“كلا!… بل أقصد سدفه بالسين المفتوحه..”
“و… وما معناها؟!”
“يُمكنكِ أن تبحثي عنه وتعرفي…”
تركها تفكر وولاها ظهره ليرحل متحسسًا الطريق بعصاه؛ تلك التي لم تفارقه منذ أكثر من عام، سمعته يقول دون التفات إليها:
“وداعًا أيتها الأميرة الصغيرة”
ابتعد عنها عدة خطوات فصاحت بنبرة مرتفعة:
“ألن تسألني عن اسمي؟!”
توقف عن السير وقال دون التفات:
“إن تقابلنا مرة أخرى حينها سأسألك”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ابتسمت الفتاة الصغيرة وهي مازالت تُربت على ظهر الطفل المستند برأسه على كتفها وقد غلبه النُعاس، وأخذت تُبدل نظرها بين مكان الصبيّ الذي كان يملأه للتو وظهره المستقيم وهو يغادر حتى اختفى حين دخل بشارع جانبيّ، وقبل أن تغادر المكان جذب انتباهها أنسيال باللون الذهبيّ، حدقت به لبرهة واستنتجت قائلة بذهول:
“يا إلهي! لقد وقع منه هذا!”
هرولت مسرعةً خلف الصبيّ لكنها لم تجد له أثرًا….
إلى هنا وانتشله من الغوص أكثر خروج «رامي» من المرحاض بادر الده بعناقه وأخذ يطبع القبلات على وجنتيه ورأسه ويخبره عن مدى اشتياقه له، حتى جاء دور رائد الذي ألقى الدفتر من يده ولمعت عيناه بالدموع وهو يتأمل ملامح أخيه التي اشتاق لرؤيتها؛ عيناه السوداويتين الواسعتين ونظراته الدافئة وابتسامته العذبة، ولحيته وشاربه اللذان نبتا قليلًا، عانقه رائد بحرارة وهو يردد:
“وحشتني يا رامي… وحشتني أوي… حمد الله على السلامه يا حبيبي”
عانقه رامي وهو يقول:
“الله يسلمك يا غالي… كلكوا وحشتوني أوي… عشان كده أنا قاعد معاكم لحد ما تزهقوا مني”
خرج رائد من بين ذراعيه وهو يقول:
“أنا هسافر معاك المره الجايه الشغل هنا مش جايب همه”
رامي بابتسامة:
“عين العقل يبني والله”
تدخل الأب قائلًا بضجر:
“عقل ايه!!! هو أنا قادر على غياب واحد لما هقدر على غيابكوا انتوا الاتنين!”
جلس «رامي» يروي لهما ما حدث في سفره وهما يرهفان السمع وحين وقع بصره على دفتره المفتوح، ابتسم وأغلقه متجاهلًا الأمر ومستطردًا حديثه عن عمله مع خاله وكيف قضى ذلك العام بعيد عنهم، وأخيرًا أخبرهما ألا يخبرا أحد بقدومه إلا بعد العصر لينام أولًا ويرتاح وخلد للنوم…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★
وبمجرد أن دلف «رائد» لغرفته طلب رقمها وبعد السلام قال ببهجة:
“عايز أقولك إن النهارده أسعد يوم في حياتي… رامي أخويا رجع من السفر”
قالت بابتسامة:
“حمد الله على سلامته”
“الله يسلمك يا باشا… ها ناويه تعملي ايه بقا بعد ما خلصتِ امتحانات!”
“ناوية أخرج أتمشى مع صاحبتي بكره او بعده وأشتري سنامكي و…”
قاطعها متعجبًا:
“سنامكا! ليه؟… عندك امساك ولا إيه؟”
تلعثمت حرجًا وقالت:
“لـ.. لا… اه… قصدي لأ بس…”
صمتت لبرهة فقال:
“ما هي السنامكي دي ملين طبيعي عايزاه ليه بقا؟!”
أطلقت ضحكة صغيرة وقالت:
“متوقعتش إنك تعرفها… بيقولوا بتنزل الدهون وبتخسس وكده وأنا…”
قاطعها نافيًا:
“لا لا لا مين دول اللي بيقولوا!!! يا بنتي الأعشاب دي بتنزل المايه من الجسم مش الدهون ومنصحكيش بيها للتخسيس… لو عاوزه تخسي يبقا تظبطي أكلك وتلعبي رياضه وتشربي مايه كتير لكن بلاش العشبه دي ولا اي أعشاب اصلًا”
ضحكت وقالت بتصميم:
“الحقيقة مقتنعتش أنا هجيبها وأجربها الأول وبعدين…”
قاطعها قائلًا:
“إنتِ حره بس افتكري اني قولتلك بلاش”
صمتا لبرهة وقالت بابتسامة:
“بس أنا مكنتش متوقعه انك تعرف السنامكي!”
“لأني يا سيدتي قرأت كتير عن الأعشاب بفضل بابا لأنه دائمًا يبحث عن الأعشاب وبيعمل وصفات علاج وكنت بساعده”
تنفس الصعداء وأردف:
“أنا بقا اللي مكنتش متوقع إنك تخينه كنت متخيلك كتكوته صغتوته”
تنحنحت وقالت بخجل:
“ما أنا مش تخينه أوي برده… أو مش تخينه خالص بس بحافظ…”
صمتا مجددًا فقالت:
“أنا هقفل بقا عشان عايزه أنام..”
“ماشي يا باشا سلام”
اغلقت نداء هاتفها واستلقت على فراشها تنظر لأخيها القابع أعلى الفراش المقابل لها فلو لم يكن أصم لما استطاعت فعل ما تفعله!
استغفروا♥️
★★★★
وقبيل العصر استيقظ «رامي» على صوت عصابة البيت بعد أن انتهى الحصار على غرفة! فتح جفونه على قبلات المشاكسان عمروا وعامر، قال بنعاس:
“وحشتوني وحشتني ياد يا عمرو”
ضمه عامر بحرارة وهو يقول:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
اعتدل رامي جالسًا وهو يقول:
“وحشتني يا عامر”
عانقه عمرو وهو يقول:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
ضحك رامي وأخذ يعانق أخواته ووالدته واحد تلو الأخر بشوق جارف وكانت والدته قد أعدت أصناف الطعام التي يفضلها مذ أن أخبرها دياب بمجيئه…
جلس معهم وأخذ يحكي ما فعله في الغربة وكيف كان يأكل وينام ويعمل وحال تلك البلدة وهم يترقبون حديثه بانتباه وكأن على رؤسهم الطير…
★★★★
خرج رامي من بيته فقد طلب منه والدة تولي مسؤولية محل العطاره اليوم…
أخذ يصافح كل من يقابله من جيرانه ويعانق أخرون حتى وصل قبالة بيت «ريم» نظر للشرفة فوجدها تقف مستندة بمرفقيها وقد زينت الإبتسامة محياها فغمز لها مبتسمًا وكاد أن يُحدثها لولا خروج والدتها «فاطمة» التي كانت تخاطبها بامتعاض:
“إنتِ يا زفته بتعملي إيه عندك؟!”
وحين رأته «فاطمة» رمقه بغل وهي ترفع إحدى حاجبيها وتحدث نفسها لم َ فلح هو وأخوه ولم يفلح أولادها بشيء!
تلاشت ابتسامته وقال:
“ازيك يا مرات عمي؟”
ردت بتهكم:
“أهلًا يا رامي… إنت جيت؟”
رد بنفس التهكم:
“اه جيت”
سار في طريقه وهو يهز رأسه مستنكرًا أن تكون ريم من أفراد تلك العائلة التي لم يرى منهم أي خير، تنهد بعمق فتلك الفتاة تمتلك قلبًا أبيض كاللبن في صفائه، ونابضًا حيًا بذكر الله وخشيته أما والدتها وباقي إخوتها متجمدي المشاعر وقد نزع الله القبول من وجوههم! ردد:
“الله يصبرك”
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده🌹
★★★★
خرجت «نداء» مع «دعاء» بعدما انتهت من تنظيف البيت وغسيل الأطباق وأوامر والدتها الشتى.
ارتدت ذلك الأنسيال وكانت تُطالعه بيدها بابتسامة وإعجاب فقد يأست أن تُعيده لصاحبه وقررت أن تتزين به….
من ناحية أخرى كان «علي» يتابعها ينتظر فرصة مناسبة ليتحدث معها بعدما اطمئن أن شيئًا لن يحدث ولم تخبر والدتها رشدي بما رأته وحتى وإن كانت قد أخبرته فلم يبدي هو أي رد فعل؛ لذا تربص لـ نداء وتبعها حين خرجت مع دعاء عازمًا ألا تعود لبيتها حتى يشتري قلبها مقابل كلمتين ونظرتين اعجاب وبعض الابتسامات مع هدية صغيرة.
وبعدما ارتجلت نداء من سيارة الأجرة قالت:
“تعالي يا دعاء نروح العطاره الأول ونشتري السنامكي بعدها نقعد في أي مكان نتكلم شويه”
وافقتها دعاء، وكانت نداء تتمنى أن تراه وأن يراها…
★★★★
وفي محل العطارة
كان «رامي» يجلس على المكتب و«رائد» قبالته يتبادلان أطراف الحديث حتى سأل رائد بابتسامة:
“مش ناوي تكمل الروايه الي بدأتها ياسي رامي”
رامي بنظرة جانبية:
“المفروض إنت اللي تكملها”
تركه رامي ونهض ليساعد العمال بالبيع حين زاد عدد الزبائن وعندما انتهي وقف يحكي للعمال عن ايطاليا وعمله هناك، ورائد يتابع كلامه مبتسمًا حتى جذب انتباهه «نداء» التي وقفت قبالة العطارة تزحف ببصرها عن أحد العمال فأقبل نحوها مبتسمًا وقال:
“اتفضلي محتاجه إيه؟”
قالت بتلعثم:
“عايزه…..”
وقبل أن تُكمل صاح رامي:
“هتتغدى معانا يا رائد؟!”
فالتفت له رائد ولم تسمع أي كلمة بعد اسمه! توقف الزمن ودق قلبها، كانت تلك هي المرة الأولى التي تسمع اسمه لطلما تسائلت بين نفسها عن اسمه لشهور عدة ولم يحالفها الحظ لتعرف به إلا الآن!
عادت خطواتين للخلف ورفعت رأسها لأعلى لتقرأ الافته «عطارة العقيد» وأدركت أنها في ورطة كبيرة…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
عادت خطواتين للخلف ورفعت رأسها لأعلى لتقرأ الافته «عطارة العقيد» وأدركت أنها في ورطة كبيرة..
أطرقت رأسها لأسفل وأغلقت جفونها ثم فتحتها وأخذت تتذكر حديثه عبر الهاتف لقد أخبرها أن له أختين في مثل عمرها! إذًا فهما وئام وهيام، يا لغباء ما فعلت واللعنة على تهورها!
الحلقة(٧)
#رواية_سدفة
انتبهت على صوته وهو يسألها عما تريد؟! لم تجب تلجم لسانها وظلت تحملق به بشرود وقلبها يختلج، انتشلها من أفكارها لكزات دعاء لذراعها التفتت لها فكانت تُطالعها عاقدة جبهتها باستغراب، خاطبتها بأعين متسعة وبنفاذ صبر:
“اخلصي هتشتري إيه؟!”
رمقته «نداء» مرة أخرى ثم أخفضت بصرها وهي تقول بشدوه:
“عايزه… عايزه…”
وقفت الكلمة على لسانها ابتلعت ريقها عدة مرات وعادت تنظر إليه وهو يزم جفونه مترقبًا لها فقالت:
“عايزه أروح”
غصن حاجبيه وقال بتعجب:
“إيه!!!”
نظرت نداء للطريق على يمينها قبل أن تهرول من أمامه، وتبعتها دعاء وهي تصيح:
“نداء… فيه ايه؟! استني طيب…”
مط رائد شفتيه لأسفل وهو يقول باستغراب:
“مالها دي!!”
ضحك «رائد» وهو ينظر لأثرها وضـ…رب كفًا بالأخر مرددًا جملتها بسخرية:
“عايزه أروح”
من ناحية أخرى كان قد جذب انتباه رامي صوت أخيه وتلعثم الفتاة وثقل لسانها فاتكأ بمرفقه على رف جواره وأخذ يترقب ما يحدث بابتسامة وتفهم..
أقبل «رامي» نحو أخيه وهو يلحن متخابثًا:
“الحكايه فيها إن… إن إن إن”
رائد وهو يكبح ابتسامته:
“إيه ياعم بتبصلي كده ليه!!”
هز رامي عنقه وهو يسأل بابتسامة:
“مين دي ياسطا؟”
مسح رائد سعره وهو يقول:
“دي تبقي….”
كاد أن يكمل لولا نظرات رامي وابتسامته التي استفزته، فأردف بضجر:
“إنت بتبصلي كده ليه يا عم إنت…”
ضحك رامي وقال بحمـ..اس:
“إنت لازم تحكيلي من الأول”
“احكيلك ايه!! بطل استفزاز مفيش حاجه من اللي في دماغك نهائي”
تنحنح «رامي» وتجاهل تبريراته وتوضحاته، حمحم وجلس على المقعد قائلًا بضحك:
“يلا يا أنس هاتلنا الغدا… ومعاه حاجه ساقعه عشان تطري على قلب سيدك رائد”
“تصدق بالله ما أنا قاعد معاك أنا ماشي…”
قالها رائد وخرج من المحل بخطوات واسعة وسريعة بعد أن لوح بقبضة يده بامتعاض متجاهلًا هتافات رامي وضحكاته…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★
كانت تسرع في خطاها وما زال اسمه يجول في رأسها «رائد العقيد» بات قلبها يرتجف وكأنها تُصعق! وهناك جيش من المخاوف اقتحـ…م غرفاته أخذت تتسائل هل يعرفها؟! بالطبع يعرفها وإلا لمَ يناديها باسمها!! أخذت تومأ رأسها مرة وراء أخرى تأكد ما يمور برأسها وتردد:
“عارفني… أكيد عارفني”
كانت تُحدث حالها متجاهلة دعاء التي تسير جوارها وتسالها عما أصابها؟ ثم هوت جالسة على أقرب مقعد حجري قابلها وأطلقت العنان لعبراتها لتنهمر على وجنتيها ومازالت دعاء تسألها عما جرى في لهفة وترقب!
أخذت تزفر الهواء من فمها وتهش بيدها على وجهها وهي تكبح دموعها حتى هدأت وساد بينهما صمت مطبق للحظات قطعته دعاء:
“إنتِ كويسة!”
هزت «نداء» رأسها نافية فسألتها دعاء وهي تربت على ذراعها بحنو:
“مالك إيه اللي حصل؟”
أطلقت نداء تنهيدة حارة ووثبت وهي تقول بحزم:
“مش عايزه أتكلم يا دعاء يلا نروح”
نهضت دعاء خلفها وقالت:
“براحتك يا نداء بس متنسيش إني موجوده لو حابه تتكلمي في أي وقت”
أومات لها نداء بابتسامة وقالت مُطمئنة:
“متقلقيش عليا يا دعاء”
وقبل أن تغادرا المكان أتى صوت رجولي من خلفهم:
“نـ… نداء؟!”
استدارت نداء تُطالع وجه الشاب صاحب الأعين الخضراء مترقبة ما يريد، فأردف:
“ازيك يا نداء”
ردت بجمود:
“الحمد لله”
حمحم «علي» وقال بحرج:
“أنا شوفتكم من بعيد فقولت أوصلكم معايا بالعربية”
قالها وهو يشير نحو سيارة شفروليه بيضاء نصف نقل، فتبادل دعاء ونداء النظرات، وقالت نداء بجفاء:
“لا شكرًا… إحنا لسه هنشتري حاجات”
همت أن تغادر فناداها مجددًا:
“نداء… نداء”
التفتت له في ترقب فحك أرنبة أنفه وهو ينظر لدعاء بطرف عينه ثم نظر لنداء وقال بترقب:
“نداء أنا معجب بيكِ”
نظرت لها «دعاء» في ذهول مترقبة رد فعلها لكن طال صمتها وتجلت الصدمه على ملامحها، فأخرج علي وردة حمراء وقدمها لها وهو يقول:
“مش عايز منك أي رد دلوقتي لكن لو قلبك مستعد يتقبلني خدي الورده…”
كانت «نداء» تُطالع الوردة في صمت وقد هامت في فكرها تتسائل أمجنون هذا الشاب!!!
ولما لم تبدي أي رد فعل، أكمل علي متلعثمًا:
“أ.. أنا مش قصدي إننا نتصاحب والكلام ده… أ… أنا طالبك في الحلال… لكن يهمني أعرف موافقه مبدأيًا إني أتقدملك ولا… لأ؟”
احتقن وجه «نداء» وتنهدت بعمق ثم قالت بأسف:
“أنا بعتذرلك لكني مبفكرش في الموضوع ده دلوقتي…”
عقب علي وهو ينظر لعمق عينيها:
“أنا مستعد أستناكِ سنه اتنين تلاته براحتك لكن….”
أشاحت بصرها بعيدًا وقاطعته قائلة بحزم:
“أنا آسفه طلبك مرفوض”
همت أن تغادر لكنها توقفت وقالت:
“و… ولو خايف إني أقول لبابا فمتقلقش لأني مش هقول… بعد إذنك”
غادرت وتبعتها «دعاء» بعد أن رمقته بشفقة حين رأت انطفاء بريق عينية وتركتاه يقف مكانه في خيبة أمل…
نظر «علي» للورده ثم أطبق قبضته عليها وكأنها يُحـ..طمها كما تحـ…طم قلبه للتو ثم ألقاها أرضًا فلم وغادر وهو يفكر هل تسرع فيما فعله! وهل يحاول معها مرة أخرى أم ينساها ويمضي حياته!!!
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وبعد ذلك اليوم أغلقت «نداء» هاتفها أسبوعًا كاملًا…
وذات مساء فتحت هاتفها فوصلها ثلاث رسائل من رائد الاولى محتواها:
«أنا قلقت عليكِ لما تشوفي رسالتي طمنيني علطول»
والثانية محتواها «مفتقدك وقلقان عليكِ جدًا»
والأخيرة كانت بكلمة واحدة لم تسمعها منه مطلقًا:
«وحشتيني»
قرأت الرسائل أكثر من مرة وتنهدت بعمق قبل أن تغلق هاتفها مجددًا وتستلقي لتغلق نوافذ عقلها وتنام كي تهرب من التفكير الذي أطاح برأسها…
أما عن رائد فقبل أن يستلقي طلب رقمها مجددًا ولكنه مغلق كالعادة!
ففي خلال الإسبوع هاتفها كثيرًا وكل مرة يأتيه نفس التنبيه بأن الهاتف مغلق أو غير متاح…
انشغل باله عليها، لا يعلم لمَ اعتاد وجودها بتلك الطريقة وغيابها المفاجئ أرهقه وآرقه…
نفخ بقـ…وة وألقى الهاتف جانبًا ثم مسح وجهه بكلتا يديه قبل أن يستلقي على ظهره ويُسلم جفونه للنوم…
★★★★★
وفي مساء اليوم التالي كان بيته يعم بالضجيج المعتاد..
“البيجامه دي بتاعتي واتفضلي بقا اخلعيها”
قالتها هيام وهي تجذبها من ملابسها، أفلتت منها وئام وقالت بحدة:
“مش خالعه حاجه ومتمديش إيدك عليا”
ضـ..ربتها هيام في كتفها وصاحت وقد ارتفعت نبرتها:
“لا همد إيدي طول ما بتاخدي حاجة غيرك من غير استئذان”
أطلقت وئام ضحكة ساخرة وقالت:
“أنا أعمل اللي أنا عاوزاه”
دبدبت هيام بقدمها وقالت:
“والله لأقول لماما… يا مــــامـــــا”
وئام بتهكم:
“هو ده أخرك أصلًا…”
ثم أردفت بنبرة ساخرة تقلدها:
” يا ماما”
تشنج فم هيام ووقفت تُطالعها لبرهة قبل أن تجذبها من شعرها بعنف فتتأوت وئام صرخت واشتد النـ.زاع…
ومن ناحية أخرى كانت شيرين ترى ابنتيها وفي نفس الوقت تقف حاجزًا بين عامر الذي يُصر على فقأ عين أخيه الذي يقول مبررًا:
“كنت بلعب معاك مش قصدي بس إنت تفيت عليا”
عامر ببكاء:
“عضني يا ماما عضي وأسنانه غرست في جسمي”
“بس يا عامر… بس يا عمر”
قالتها شيرين بنبرة مرتفعة وهي تبدل نظرها بينهما بنفاذ صبر
وعلى أثر أصوات تلك المشاحنات هرولا رامي ورائد خارج غرفهما، يحاولان تهدئة ما يحدث وقف رائد بين أختيه فدفعته إحداهما وأخذت الأصوات تتزايد فثار رائد وقذف مقعدًا بلاستكي ليرتطم بالأرض بعـ..نف وصاح بغضب وبنبرة مرتفعة:
“بس إنتِ وهي وهو… فيه إيه!! هو كل يوم!! دا مفيش يوم بيعدي من غير ما الجيران يسمعوا صوتنا!!”
جفل الجميع وهدأت أصواتهم وهم ينظرون له في ترقب، ورامي يقول:
“اهدى يا رائد”
رائد بنفس العصبية:
“يا رامي دا يوميًا بنحل في خلافات حضراتهم…”
أردف بتهكم ونبرة مرتفعة:
“أكل أكلي… لبست لبسي… تف عليا!!”
أخذ رائد نفسًا وزفره ثم بدل نظره بينهم وقال بغضب عارم وهو يشير نحو الغرف:
“اتفضلوا كل واحد على أوضته…”
ركض الجميع لغرفهم ووقف رامي يقول:
“خلاص يا عم روق كده إيه العصبيه دي مالك؟”
شيرين بنفاذ صبر:
“اسكت يا رامي خليهم يخافوا دول جننوني…”
أردفت وهي تشير لغرفتها:
“يلا هدخل أكمل غسيل المواعين”
تركتهما شيرين وجلس «رائد» على الأريكة يميح وجهه بكفه ويتنفس ليهدأ، وجاوره رامي الذي رمقه بتسائل وقال:
“إنت فيك حاجه… حاسس انك مش طبيعي”
تنهد رائد بقـ…وة وقال بكذب:
“مفيش بس متضايق من العيال دول”
ساد الصمت بينهما لفترة وقطعه رامي الذي غمز بعينه وهو يقول:
“إيه مش هتحكيلي بقا!”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
هز رائد رأسه باستنكار وقال:
“أحكيلك عن ايه بطل استفزاز إنت كمان بدل ما التعصب عليك زيهم”
رامي بسماجه:
“إحكيلي عن البنت اياها! هي مين دي؟”
نفخ رائد بضجر فقد سئم من أسئلة أخيه اليومية التي لا تنتهي!
قام من مكانه وهو يغمغم بكلمات نازقة لم يسمعها رامي، فوثب رامي وتبعه وهو يدلف لغرفته وقف قبالته وسأله بابتسامة سمجة:
“مين البنت دي؟!”
تجاهله رائد وفتح خزانة ملابسه فوقف رامي أمامه وكرر سؤاله بابتسامة:
“مين البنت دي يا رائد؟!”
رائد بنفاذ صبر:
“إنت إيه اللي رجعك من السفر!! امشي يا رامي من قدامي”
رامي ببرود:
“رجعت ومش هسافر دلوقتي خالص يلا احكيلي”
لم يجبه رائد وفتح مخدع ملابسه ليرتدي ثياب نومه فتنهد رامي وجلس على المقعد مرددًا بنبرة حزينة:
“من امته بتخبي عليا يا رائد! ياد دا أنا بفهمك من نظرة… لو ناسي أفكرك إننا قعدنا مع بعض تسع شهور في بطن أمك”
ابتسم رائد وهو يرتدى سترته ثم جلس أعلى فراشه وقال بجدية وهو يتذكر نداء:
“يا رامي بجد مفيش حاجه دي تبقى بنت صاحب بابا ومن سن وئام وهيام ومعرفش عنها حاجه زيادة”
تهلل وجه رامي ووثب يجلس جواره على الفراش ثم قال وهو ينظر لعمق عيني رائد:
“اسمها ايه؟!”
“نداء… اسمها نداء”
قالها رامي وهو يشيح بصره بعيد عن أخيه ويضغط على أحرف تلك الجملة ثم أردف بضجر:
“وبطل بقا تبصلي بالنظره دي عشان بجد مفيش حاجه”
نهض «رامي» ليخرج من الغرفة ووقف يستند على بابها وهو يقول:
“مع إني مش مقتنع بس ماشي”
حمل «رائد» الوسادة من جواره وقذفها ناحيته وهو يردد:
“أمشي ياد… أبو شكلك”
قهقه رامي ضاحكًا وأغلق الباب ثم فتحه مرة أخرى وقذف الوسادة بوجه رائد مرة ثانية وهو يقول بنزق:
“ابو شكلك إنت”
التقط رائد الوسادة وهز رأسه مستنكرًا ثم ابتسم وتثائب قبل أن يغلق جفونه ليخلد للنوم…
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★
في ظهر اليوم التالي
في كافيه مغلق جلست ريم قبالته على الطاولة وهي تتلفت حولها بقلق فقال رامي:
“يا بنتي اهدي احنا قاعدين في مكان عام ووسط الناس… اهدي”
ريم بارتباك:
“لو حد من إخواتي شافني معاك هيبقا نهاري أبيض”
“محدش يقدر يعملك حاجه طول ما أنا موجود وبعدين ايه اللي هيجيب أخواتك الأماكن النضيفه دي!”
نظر لها وأردف:
“متخافيش طول ما أنا موجود”
ارتشفت ريم من العصير وقالت بابتسامة:
“أنا فعلًا مبخافش طول ما إنت موجود”
اتسعت ابتسامته وطالعها وهي ترتشف من العصير ثم سألها:
“ريم هو أنا بالنسبالك إيه؟!”
قالت بحمـ..اس:
“إنت ابن عمي وصاحبي وسندي بجد بحس إنك سندي…”
أردفت بضحك:
” يعني لما كنت اجي اعمل مصيبه زمان كنت دائما اقول رامي موجود واعملها بقلب جامد بقا”
عبس وجهها وأكملت:
“أما بقا لما سافرت حسيت اني لوحدي أوي… متعرفش أنا فرحت ازاي لما عرفت ان أجازتك طويله… رامي بجد إنت أكتر حد فاهمني في الدنيا”
ابتهجت ملامحه وارتشف من العصير وهو يقول:
“حلو أوي الكلام ده”
تنحنحت وسألته:
“هو مينفعش أسافر معاك”
قال بابتسامة:
“طبعًا ينفع… طيب ياريت”
قالت بأسى:
“يارتني كنت راجل والله ما كنت قعدت في البلد دي”
مال بجزعه العلوي نحوها وقال:
“لو عايزه تسافري معايا أنا ممكن أتصرف وأخدك”
قالت بسخرية:
“إزاي بقا!! يعني هتعرف تقنع بابا؟! أكيد مش هيوافق طبعًا”
قال بابتسامة:
“الموضوع بسيط خالص”
هزت عنقها وهي تقول ساخرة:
“يا سلام!!”
قال بجدية وهو يتأمل ملامحها:
“والله بجد نتجوز ونسافر سوا إيه رأيك؟”
سعلت بقـ..وة فقال:
“اسم الله عليك يا مسكر”
تطرق رامي لمواضيع عدة ولم يقل عرضه مرة أخرى لكن نظراته كانت تشي بالكثير.
وبعد فترة خرجت ريم من الكافيه هائمة ومذبذبة تفكر فيما قاله رامي ودار في رأسها أنها حتى وإن رفضت رامي فلن تتزوج أبدًا من رائد، بعد أن انقشع الضباب عن عينها وعلمت بمدى حب رامي لها!
استغفروا
★★★★
كان «رشدي» يجلس بالشرفة يشرب الشاي فجلست «نداء» قبالتة وأخذت ترتب كلماتها لتطلب منه ما تريد، وأخيرًا قالت:
“بابا أنا عايزه خط جديد”
وضع كوب الشاي من يده وسألها:
“ليه؟!”
صمتت لبرهة تفكر في تبرير ثم قالت بتلعثم:
“أ… أصل… وقع مني ”
رشدي بلهفة:
“الموبايل وقع منك؟!”
“لـ… لأ الخط بس”
تنهد رشدي بارتياح وعاد يُمسك كوب الشاي ويرتشف منه عدة مرات وهي تترقبه حتى قال:
” أنا ناوي أغيرلك الموبايل طبعًا مينفعش تدخلي الكليه بالموبايل ده”
تهلل وجه نداء وقالت بسعادة:
“بجد يا بابا”
اومأ رشدي وهو يقول:
“أيوه وهجيبلك خط تاني كمان… بالليل ان شاء الله هيكون عندك الموبايل الجديد بالخط بتاعه”
ضمته نداء وهي تردد:
“ربنا ميحرمنيش منك يا بابا”
دلفت والدتها الشرفة وهي تقول بابتسامة:
“أنا اللي أقنعته يا ست نداء”
ألقت لها نداء قبلة في الهواء وقالت:
“إنتِ أصلًا حبيبتي يا دودو”
أخذت تفكر فوالدها ليس بخيل فمن الواضح أنها ظلمته!
انتظرت المساء بكثير من الحمـ…اس حتى أسدل الليل ستارته..
كانت تقف بالشرفة تُطالع السماء التي تبعثرت بها حفنة من النجوم شاردة وتائهة فكلما تذكرت رائد شعرت بغصة في حلقها، فمازالت تزعم بأنه يعرفها تمام المعرفة! تنهدت بعمق وهي تردد:
“يارب ما يقول لبابا حاجه!!”
انتشلها من خضم أفكارها دخول والدها للبيت فخرجت من غرفتها مسرعة وهي تتخيل كيف سيكون هاتفها الجديد بالتأكيد سيكون بحجم كفها بالكامل وشاشته باللمس…
دخل والدها للبيت وهو يقول:
“نداء… يا دودو… تعالي شوفي الأيفون بتاعك الجديد”
خرجت نداء مبتسمة تزحف بصرها نحو هاتفها الجديد وما أن أبصرته حتى تلاشت ابتسامتها، وتناثرت أحلامها ذاهبة أدراج الرياح، قال رشدي بابتسامة وهو يحرك الهاتف في يده:
“دا بقا فيه كاميرا وكمان طلعتلك خط جديد بنفس رقمك القديم”
صُعقت وتخشب جسدها للحظات فقد اشترى لها شريحة بنفس رقمها القديم! يا لحظها السعيد ويا لهنائها..
مد والدها الهاتف لها وهو يقول بابتسامة:
“خدي شوفيه”
التقطته نداء من يده ووالدتها تقول بفرحة:
“مبروك هليكِ ‘عليك’ موبايل الجامهه ‘الجامعه’ يا نداء…”
قال والدها بابتسامة:
“وكمان عندي ليكِ مفاجأة… حددوا يوم عشان ننزل نشتري لبس الجامعه”
تجاهلت نداء كلامه وقلبت الهاتف بيدها فلم يختلف عن قديمه كان بزراير ونفس حجمه ونفس لونه لكن الاختلاف الوحيد أنه يمتلك كاميرا خلفية!
أخذت تعبث بداخله حتى وقع بصرها على تطبيق الفيسبوك! إذًا فالهاتف يستطيع التقاط الانترنت تهلل وجهها ابتسمت وتحمـ..ست، وحين رأى والدها ابتسامتها وفرحتها برم شاربه بأناملة وقال بزهو:
“ربنا يقدرني وأسعدكم دائمًا”
ربتت دينا على كتفه وقالت بابتسامة:
“ربنا ما يهرمنا ‹يحرمنا› منك يا هاج ‹حاج›”
“شكرًا يا بابا تسلم ايدك”
قالتها نداء برضا قبل أن تدلفت لغرفتها مسرعة وأخذت تضحك وتضحك وهي تقلب الهاتف في يدها هاتف جديد وشريحة جديده بنفس الرقم! ثم أخذت تتفحصه باهتمام وتكتشف كيف يتصل بالانترنت…
★★★★
في فجر اليوم التالي قررت أن تحدثه فلا مجال لتغير رقمها وأيضًا تريد أن تطمئن أنه لن يخبر والدها ستسأله بمنتهى الشفافية عما يريد منها…
من ناحية أخرى خرج رامي من المسجد وسبق رائد ليختبأ أسفل فراشه وظل ينتظر دخوله من الباب ليفزعة…
أما رائد فعند دخوله من باب البيت رن هاتفه برقمها ابتهج وأجاب بلهفة:
“حرام عليك كنت هموت من القلق”
أسرع خطاه ودلف لغرفته ثم أوصد بابها، وهي صامتة لا يسمع سوى أنفاسها الاهثة، سألها:
“نداء… نداء… مبترديش ليه؟ موبايلك كان مقفول ليه كل الفتره دي…”
لم ترد عليه فصاح مرة أخرى:
“نداء إنتِ معايا؟!”
أما رامي فحين تناهي لسمعه اسم نداء أطبق يده على فمه في دهشة وأرهف سمعه لباقي الحوار…
“نداء ردي عليا طمنيني عليكِ”
نطقت نداء:
“جاوبني بصراحه… إنت تعرفني شخصيًا صح!”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“نداء إنتِ معايا؟!”
أما رامي فحين تناهي لسمعه اسم نداء أطبق يده على فمه في دهشة وأرهف سمعه لباقي الحوار…
“نداء ردي عليا طمنيني عليكِ”
نطقت نداء:
“جاوبني بصراحه… إنت تعرفني شخصيًا صح!”
الحلقة (٨)
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
“إيه السؤال الغريب ده! يعني إيه أعرفك شخصيًا؟!”
قالها رائد مستفهمًا وقد غضن جبهته متعجبًا وجلس على طرف فراشه، ورامي ينظر له بوعيد من أسفل الجهة الأخرى للفراش…
أخذت نداء تقرض شفتيها باضطراب وهي تفكر ماذا لو كانت مجرد صدفة ولم يكن يعرفها!! يجب عليها أن تتريث وتنتقي كلماتها كي لا تضع نفسها في مأزق.
وحين طال صمتها قال:
“يبنتي ردي عليا فيه ايه!”
“مـ… مفيش حاجه…”
“طيب كنتِ فين كل الفتره دي؟!”
أجابت باقتضاب:
“مـ… موبايلي كان بايظ”
قال بصوت رخيم وقلق حقيقي:
“قلقت عليكِ جدًا متعرفيش كنت عامل ازاي… كنت زي اللي ضايع منه حاجه”
خرجت الكلمات من قلبه لتدخل قلبها مباشرة، فأجفلت حين باغتتها مشاعرها وتحركت نحوه، قالت بصوت حاولت إخراجه طبيعيًا:
“أنا… أنا لازم أقفل”
قال بانفعال متعجبًا من تغيرها المباغت:
“إنتِ متغيره ليه؟ هو بابا وماما مزعلينك ولا ايه!!”
صمتت لبرهة أخزت نفسًا عميقًا ثم زفرته كمحاولة للتملص من سطوة مشاعرها، فسمع صوت زفيرها، قالت:
“لـ… لأ… مفيش حاجه… بص أنا صايمه النهارده فـ… يعني منتكلمش دلوقتي و…”
لم تكمل ولاذت بصمتها مجددًا حين تذكرت فقد كانت تكلمه الشهر الماضي وكان شهر رمضان! قطع رائد الصمت ليتفوه بما خشيت:
” ما احنا كنا بنتكلم طول رمضان إيه اللي اتغير! أنا مش فاهمك!!”
قالت بنفاذ صبر وحدة لم يعهدها منها:
“مش مهم تفهم… أنا مضطره أقفل سلام”
لم تنتظر إجابته وأغلقت هاتفها ثم وضعته جانبًا وهي تلهث وكأنها كانت في سباقٍ بين كلماته وكلماتها…
نظرت لسقف الغرفة وأعينها تلمع بالدموع وقالت برجاء:
“يارب… مكنتش عارفه خطورة الموضوع ده!!!”
******
نظر رائد لشاشة هاتفه بملامح مجعدة ثم قال بنزق:
“إيه الطريقه دي!!!”
لوى شفتيه لأسفل متعجبًا ثم نفخ الهواء من فمه ووضع هاتفه جانبًا وهو يفكر في نبرة صوتها وما قالته! وفجأة جفل ووثب من مكانه عندما سمع صوت رامي الذي كان يخرج من أسفل فراشه مطالعًا وجه رائد المصدوم ثم دنا منه ولف ذراعه حول كتيفه قائلًا بهدوء وبابتسامة جليدية:
“يلا بقا يا حبيب أخوك احكيلي من الأول”
تلعثم ىائد وهربت منه الكلمات لوهلة ثم قال بجمود:
“إنت كنت بتعمل إيه تحت السرير؟… بتتجسس عليا يا رامي؟!”
قالها رائد وهو يشير لنفسه، فابتعد عنه رامي وجلس على المقعد ثم قال متجاهلًا حديثه السابق:
“قولتلي معرفهاش وطلعت بتكلمها! فهمني بقا إيه اللي بيحصل!!”
ضغط رائد على أسنانه بغيظ وأغلق جفونه لبرهة يفكر فيما قاله لها قبل قليل وما وصل لسمع أخيه ليعرف كيف يبرر! وأخيرًا تأكد أنه لا مناص من قول الحقيقه، جلس قبالته وقال متنهدًا بقلة حيلة:
“هحكيلك يا رامي”
قص عليه كل التفاصيل وكيف تعرف عليها وأنها ليست نفسها نداء كما يظن بل هو من أطلق عليها هذا الإسم.
كان رامي منصتًا لكل كلمة يتفوه بها ويُطالعه بجدية حتى انتهى فأطلق رامي ضحكة كالزفرة وهز رأسه مستنكرًا ما فعله أخوه وقال:
“أنا أول مره أعرف إن إنت مراهق!!!”
مال رامي بجزعه العلوي نحو أخيه وقال وهو يحدق بعمق عينيه:
“يا حبيبي إنت فاهم إنت بتعمل ايه؟! إنت مسميها باسم البنت اللي انت معجب بيها يا رائد! وكل ما تيجي تكلمها أكيد بتتخيل صورة نداء قدامك… تنكر إن ده بيحصل؟!”
اومأ رائد برأسه وقال بصدق:
“بيحصل بس والله كلامنا كان باحترام أصدقاء وإخوات…. يا رامي أنا مغلطتش”
“مغلطتش!!!! يابا فوق إنت الغلط راكبك من فوق لتحت… وبعدين متضحكش على نفسك اخوات ايه إنت معجب بـ نداء وبتكلمها على الأساس ده!”
لم يعقب رائد وأطرق بصره لأسفل يفكر فيما قاله رامي فهو محق بكل كلمه! فلا تفارقه صورة نداء أثناء المكالمه وكأنه يقنع حاله بأنه يخاطب نداء!
نهض رامي وأردف:
” أقعد مع نفسك وشوف إنت بتعمل ايه!… شوف إنت عايز إيه يا رائد… لو معجب بالبنت اللي بتكلمها دي اتقدملها… ولو معجب بنداء اتقدملها إنما كده إنت بتتصرف زي المراهقين!”
خرج من الغرفة بعد أن رمقه بنظرة أخيرة دون أن ينبس بكلمة…
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★
انقشع الضباب عن الأفق معلنًا عن يوم حار، كانت رغدة مستندة بمرفقيها على سور الشرفة ترتشف من كوب العصير بيدها كل فترة وهي تتأمل الشارع والمارة ثم أخذت تلحن:
“إنت خايف من رموشي يجر.حوك مبيجـ…”
توقف لسانها وارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها حين رأت رامي يمر أسفل الشرفة، فقالت:
“ازيك يا رامي؟ حمد الله على السلامه”
رفع رامي رأسه لأعلى وخلع نظارته الشمسية وقد فطن لسخريتها فقال بنفس نبرتها:
“الله يسلمك يا رغدة… لسه فاكره”
قالت بدلال مستفز:
“معلش بقا المشاغل”
قال باستهزاء:
“مشاغل!!”
كادت أن ترد لولا صوت «ريم»:
“رغدة أنا خارجه أشتري حاجات لماما أجيبلك حاجه معايا؟!”
ردت وبصرها مسلط على رامي:
“لا شكرًا يا ريم”
خرجت ريم للشرفة ونظرت محل ما تنظر أختها فكان رامي يُطالع رغدة باستفزاز وهي تبادله نفس النظرات، فقالت ريم بارتباك:
“إ… إزيك يا رامي؟”
تغيرت ملامحه لابتسامة ندية شقت ثغرة فور رؤيتها ورد بصوت رخيم:
“الحمد لله ازيك يا ريم”
ردت في سرعة:
“الـ… الحمد لله”
لم تتلاشى ابتسامته وهو يُطالعها وابتسمت ريم بحياء قبل أن تخفض بصرها و«رغدة» تبدل نظرها بين كليهما وترمقهما من أعلى لأسفل إلى أن ظهرت والدتهما «فاطمة» وهي تتسائل:
“انتوا بتكلموا مين؟!”
وفور أن رأها رامي ارتدى نظارته الشمسية وغادر دون أن ينبس بكلمة أخرى.
دخلت فاطمة وجلست على الأريكة لتجلس رغدة هي الأخرى قبالتها وتقول بامتعاض:
“دا الواد اللي اسمه رامي ده سمج”
أردفت بحقد:
“بجد مبطقش الواد ده ولا اخواته”
فاطمة بتأكيد:
“ومين بيطيقهم أصلًا!! ولا أمهم اللي متعرفش ربنا موقفه حالك… كل ما نفك السحر تروح تجدده”
“مستحيل طنط شيرين تعمل كده!!”
وكأنهما انتبهتا لوجود ريم التي تدافع عن عمها وعائلته بصورة مستمرة، فردعتها فاطمة بجملة معتادة:
“اسكتي انت طيبه وعلى نياتك”
رغدة متهكمة:
“معرفش والله بتدافعي عنهم ليه دا أنا حاسه انك بتحبيهم أكتر مننا!! الظاهر كده شيرين عملتلك سحر إنتِ كمان”
هزت ريم عنقها يمنة ويسرة في استنكار وقالت:
“سحر ايه!! أنا معرفش إنتوا مصدقين الأوهام دي ازاي!!”
أردفت ريم وهي توقع كلماتها:
“طنط شيرين وعمو دياب وعيالهم يعرفوا ربنا ومستحيل حد فيهم يفكر يأذينا”
رفعت فاطمة إحدى حاجبيها وقالت بحدة:
“بت إنتِ معاهم ولا معانا!!”
أشارت ريم لنفسها وقالت بثقة:
“أنا مع الحق”
مصمصت فاطمة بشفتيها وقالت وهي تهز عنقها بمرونه:
“والحق ده بقا مش معانا ليه!! عمك يختي واكل حقنا دا ضحك على جدك قبل ما يموت وخلاه يكتبله بيت كامل باسمه”
ريم بتوضيح:
“ماما انت بتنبشي في ماضي اتردم عليه وبابا وعمي اتصالحوا خلاص”
رغدة بتوضيح:
“اتصالحوا قدام الناس لكن اللي في القلب في القلب”
ريم بنفاذ صبر:
“أنا همشي عشان عارفه إن الجدال معاكم ملهوش فايده”
سارت متجهة صوب باب البيت وفاطمة تشير ناحيتها وتنظر ل رغدة قائلة:
“شوفي البت وقلة أدبها بتكلمني ازاي وبتعارضني!!!”
التفتت ريم قبل أن تمد يدها وتفتح الباب وقالت بنبرة هادئة:
“مش بعارضك يا ماما بس بحاول أفهمك إن إنتِ غلط”
شهقت فاطمة واتسعت حدقتيها وهي تقول:
“أنا غلط!! تصدقي إنتِ عايزه تتربي من جديد”
رغدة بلامبالاه:
“سيبك منها يا ماما دي هطـ…له… المهم احنا هنروح للشيخ امته نفك السحر ده”
ريم بانفعال:
“شيخ ايه!! دا دجال وكـ…ذاب”
فاطمة بحدة:
“امشي يا به… امشي روحي هاتي الطلبات بدل ما اتعصب عليكِ…”
هزت ريم رأسها مستنكرة وخرجت ثم صكت الباب خلفها فأصدر دوي أزعجهما فقالت فاطمة:
“جتك البلا في شكلك بت بومه مش طالعالنا!!”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
مرت الأيام بروتينية لم يحدث جديد كانت ريم تتهرب من رامي تتابعه وهو يخرج من بيته أو يدلف لبيته وأحيانًا يراها فيغمز لها أو يبتسم فتبتسم…
ولم ترفضه أو تقبله وهو لم يخوض سجال الموضوع مرة أخرى كان ينتظر لحين عودة عمه من عمله في مرسى مطروح ليفاتحه في الموضوع مباشرة…
أما نداء فلم تتحدث مع رائد مرة أخرى ولم يفعل رائد ولكن ظل يفكر بها ويتذكرها كل يوم ويتسائل لم ابتعدت فجأة! هل شعرت بخطئها أم وجدت ملاذًا أخر…
وفي تلك الفترة كانت نداء تتبع حمية غذائية بها الكثير من الخضراوات والقليل من الكربوهيدرات لتستقبل عيد الأضحى ببشرة نضرة تُشع حيوية كما قالت طبيبة التغذية في برنامج عبر التلفاز إضافةً لجسد منحوت…
ظهرت نتيجة الثانوية العامه ولم تنشغل بها نداء ولا عائلتها لأنها ستلتحق بأي كلية يدفعها التنسيق نحوها…
وفي فجر يوم عيد الأضحى قبل أن يستيقظ أفراد البيت جلست «نداء» على أرضية غرفتها تلهث بعدما انتهت من التمارين الرياضية…
أخذت تتسائل لمَ ابتعد رائد ولم يُحدثها منذ أخر مرة هل لأنها حدثته باقتضاب، أم كان يتسلى معها ووجد فتاة أخرى!!
نهضت عن الأرض وجلست قبالة مكتبها تحمل هاتفها بشاشته الصغيرة لتفتح تطبيق التواصل الإجتماعي الذي لا تمتلك غيره الفسبوك…
ظلت تضغط على زر الهاتف في سرعة وتقلب بداخل التطبيق بلا هدف حتى شخص بصرها حين ظهرت أمامها صورة رائد واسمه باللغة الإنجليزية فتحت الملف الشخصي الخاص به ثم صورته حملقت بها كان مبتسمًا فطُبعت ابتسامته على شفتيها…
أخذت تتأمل وجهه بيضاوي الشكل وبشرته القمحي المائلة للحمرة وملامحه الهادئة؛ عيناه اللتان تضيقان حد إغلاقهما عندما ينفرج ثغرة، وشعره الأسود الناعم والكثيف…
زفرت متنهدة وهي تعود بظهرها للخلف وتُحدث صورته:
“اتمنيت لو كنت أخويا بجد”
صمتت برهة وهي تُحدق بشاشة هاتفها ثم أردفت:
“يا بخت وئام وهيام بيك”
اختفت صورته وانتفضت فجأة أثر ظهور اسمه على شاشة الهاتف حتى كاد الهاتف يسقط من يدها وضغطت زر إجابة الإتصال بالخطأ ليأتيها صوته:
“بقالك أكثر من شهر مش بتتصلي ولا أعرف عنك حاجه! حتى لو مش هنتكلم تاني خلينا ننهيها صح مش هتبقى بداية غلط ونهاية غلط كمان!”
احتبست الكلمات داخل صدرها فلم تنبس ببنت شفه، كان يسمع صوت أنفاسها المرتفعة فأردف:
“كل عام وإنت بخير”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ابتلعت ريقها باضطراب وقالت:
“وإنت بخير عيد سعيد عليك”
صمت لبرهة ثم قال:
“عامله ايه؟”
“الحمد لله بخير”
أطبق عليهما الصمت فقالت نداء بتردد:
“بص أنا… أنا راجعت نفسي إحنا مينفعش نتكلم عشان كده بعدت عنك”
“طيب مش تقوليلي الأول”
أردف متنهدًا:
“أنا متصل عشان أقولك إن اللي مرضاهوش على أخواتي البنات أكيد مش هرضاه لبنات الناس..”
سكت لبرهة واستطرد:
“وأتمنى متغلطيش تاني ولا تكلمي حد تاني غيري لأن مش كل مره هيطلع شخص محترم”
قالت بانفعال:
“والله أبدًا أنا عمري ما هعمل كده تاني… أنا أول مره أكلم شاب كنت إنت والله العظيم”
قال بابتسامة:
“أتمنالك السعاده دائمًا يا…”
صمت لوهلة ثم أردف:
“عندي طلب واحد قبل ما أقولك الوداع”
“اتفضل”
“أنا عايز أعرف اسمك الحقيقي”
صمتت في حيرة أتقول اسمها أم لا وأخذت تردد:
“اسمي… اسمي…”
“اسمك ايه؟!”
ابتلعت ريقها في اضطراب وقلبها يختلج، ثم قالت:
“إسمي هو اللي إنت سميتني بيه…”
سألها مرة أخرى ليتأكد:
“يعني اسمك ايه؟!”
قالت بأنفاس متسارعة:
“أنا نداء”
أغلقت الخط في سرعة ووضعت رقمه في قائمة الحظر ثم ألقت الهاتف على مكتبها وأطبقت يدها على فمها للحظات وكان صدرها يعلو ويهبط في اضطراب شديد وتشتت أشد، انحت للأمام واستندت برأسها على المكتب، وهي تحاول تهدئة نفسها مرددة:
“حتى لو عرفني مش مهم خلاص كل حاجه انتهت…”
رفعت رأسها عن المكتب وخاكبت نفسها:
” خلاص اهدي يا نداء الموضوع انتهى واتقفل ومش هتشوفيه تاني خلاص…”
حدقت بنقطة وهمية في الفراغ وقالت:
” ولا هكلمه ولا هشوفه الموضوع خلص واتقفل… صفحة واتقطعت”
وثبت من مكانها واستلقت على فراشها بإرهاق نفسي وجسدي وأخذت تسمع صوت تكبيرات العيد يدوي بالخارج وتردد معها…
******
أخذت جملتها الأخيرة تمور في رأسه «أنا نداء» فقال لنفسه عاقدًا جبهته بتعجب:
“نداء!!… اسمها نداء!!”
هز رأسه يمنة ويسرة نافيًا ما قاله للتو وكأنه يتحدث مع شخص أخر:
“لا لا أكيد بتكذب… أكيد مش عايزه تقولي اسمها…”
رفع كتفيه لأعلى وقال:
“عندها حق أكيد خايفه”
طلب رقمها مجددًا ليخبرها بأنها كـ…اذبة ولكن في كل مره يأتيه أن الهاتف مشغول فعلم بأنها وضعت رقمه في القائمة السوداء فارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه وردد:
“وداعًا يا أول بنت وأول غلطه في حياتي”
لم يضع رقمها في قائمة الحظر مثلما فعلت ولم يحذفه من جهات الاتصال لكن اكتفى بحذفه من سجل الاتصال…
وأخذ يتجهز ليخرج لصلاة العيد…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
جفاها النوم لأيام تفكر فيما قاله «رامي» تتذكر نظراته وغمزاته وكلامه لها وتبتسم، صلت استخارة وما زال قلبها يرفضه وفي نفس الوقت يجذبها عقلها لتوافق فقد لا تجد فرصة مماثلة لتهرب من هذا البيت فهي تشبه خادمتهم تنظف البيت تغسل ثيابهم وتجهز طعامهم ثم تغسل الأواني وأهملت مذاكرتها، وفي النهاية تسمع جملة واحدة “إنتِ بتعملي إيه طول اليوم؟!”
نظرت لأختها «رغدة» القابعة أعلى فراشها فكم نسجت أحلامًا تمنت لو يتزوج رامي بـ رغدة وتتزوج هي من رائد الذي تهيم به ولكن الأحلام لا تتحقق دائمًا وعليها أن تفكر بعقلانية وتقنع قلبها بـ رامي فلن تجد رجلًا مثله ولو انتظرت أبدًا ولا تريد أن يكون مصيرها كأختها!
كانت تتحدث في سريرة نفسها ثم نطقت:
«وعلى رأي اللي قالوا خد اللي بيحبك ومتاخدش اللي تحبه»
حاولت إيقاظ أخواتها لصلاة العيد ولم يستجب أحد ومر الوقت وانتهى الناس من صلاة العيد ومازال السكون يعم البيت.
جاوزت الساعة العاشرة صباحًا واستيقظت والدتها ودلفت المرحاض دون النطق بكلمة، ووقفت ريم بالشرفة تتابع الأطفال في الشارع حتى جذب انتباهها خروجه من بيته وهو يسير برتابة مرتديًا بنطال كحلي وقميص بلون السماء الصافية ونظارته الشمسية فبدأ وسيمًا اتسعت ابتسامتها ووقفت تنتظر مروره وحين رآها تهللت أساريره التفت حوله ليتأكد من خلو الشارع إلا من بعض الأطفال قال مبتهجًا:
“هنخرج نعيد سوا طبعًا؟! ”
هزت رأسها نافية وقالت:
“مش هينفع بابا هيجي من السفر النهارده”
“يجي بالسلامه ان شاء الله ”
أشار لها أن تحدثه عبر الهاتف فأومأت رأسها وابتسمت بعذوبة لتتلاشى ابتسامتها فجأة حين وقف الأخ الأكبر «صالح» جوارها على حين غفلة وطالع رامي بحدة فتظاهر «رامي» بالحديث عبر هاتفه، نظر صالح لأخته وقال بحدة:
“إنتِ يا زفته خلصي اكويلي هدومي عشان خارج”
ارتبكت في البداية وهي تُطالع رامي ثم تمالكت حالها وقالت بنفس الحدة:
“هو حد قالك إني الخدامه بتاعتك روح إكويها لنفسك”
قال بتهكم:
“لا والله!!!… اخلصي ادخلي جهزي هدومي بلاش مياعه”
قالت بعناد وهي تضغط على كل كلمة:
“مش هجهر حاجه أنا مش شغاله عندكم”
قال بنفاذ صبر:
“هكررها مره أخيره روحي جهزيلي هدومي يا ريم”
رفعت ذقنها لأعلى وقالت بعناد وحزم:
“وأنا كمان بقولك مره أخيره لأ”
جذبها من حجابها بعنـ…ف فصرخت مما أثار انتباه رامي، الذي وقف يتابع ما يحدث بقلق، فدفعها صالح للداخل وهي تقول بصوت خافت وكلماتٍ أخرجتها بصعوبة بالغة:
“حاسب يا صالح هتخنق”
لم يتركها بل أخذ يزيد من قبضته على حجابها حتى التف على عنقها، كان يصرخ بها كالمجـ..نون:
“لما أقولك على حاجه تنفيذها من غير نقاش فاهمه؟”
ظل يسحبها بعنـ…ف وهي تحاول التملص من قبضته وتمسك بالحجاب الملتف حول عنقها وتحاول نزعه حاولت وحاولت وهي لا تسمع أي كلمة يقذفها بها صالح، وتنظر لوالدتها التي خرجت من المرحاض للتو ورددت ببرود:
“تستاهلي كل اللي يجرالك عشان لسانك طول”
خرجت« رغدة» من غرفتها ركضًا أثر صياح أخيها وتبعها «مؤمن» الذي يصغرها بعامين وتشابك مع أخيه الأكبر لتخليص ريم من بين يديه وهو يهتف:
“سيبها يا مجـ…نون إنت بتعمل ايه”
صالح وهو يجرها بلا هوادة:
“دي ناقصه ربايه وواقفه في البلكونه تكلم الواد رامي… شوفتها بعنيا”
رغدة بلهفة:
“سيبها يا صالح البنت هتتخنق”
تعالت أصواتهم تزامنًا مع طرقات الباب العنيـ..فة وفجأة تجهمت الوجوه واحتبست الأنفاس حين خار جسد ريم وجثت ركبتيها قبل أن يرتطم جسدها بالأرض وتغلق جفونها…
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله❤️
★★★★★
وعندما انتهى رشدي من حديثه مع «دياب» عبر الهاتف وثب واقفًا وهتف مبتهجًا:
“يا أهل البيت… يا دينا… يا نداء”
هرولوا إليه جميعًا وطالعوه بترقب، فبرم شاربه وقال بزهو وهو يبدل نظره بينهم:
“عندي ليكم مفاجأة إنتوا مستنينها من زمان”
نظر له الجميع في ترقب ونداء تُحدث نادر بالأشارة أن هناك مفاجأة، ونادر يرد بالإشارة وهو مبتسم:
“ربنا يستر”
أردف رشدي:
“استعدوا هنسافر اسكندريه نصيف”
دينا باستغراب:
“بتتكلم بجد!!!”
قال بحـ…ماس:
“وهنقعد إسبوع كامل كمان”
اتسعت ابتسامة «نداء » وابتهجت فهي تحتاج لتغير الجو علها تنسى رائد للأبد! فأخيرًا سترى البحر، لطلما حاولت إقناع والدها أن يذهبوا ولو ليوم واحد وكان يُصر على الرفض فلابد أن معجزة ما قد حدثت، قالت دينا:
“ربنا ميحرمناش من مفاجئاتك يا حاج”
قال بتباهي:
“والمفاجأة الإكبر بقا إننا مش هندفع أي حاجه لأننا هنروح مع دياب وعيلته وهو عنده بيت هناك ومصمم ياخدنا معاه”
دينا بفرحة وإعجاب:
“والله صاحبك ده راجل محترم”
على نحوٍ أخر تجهم وجه نداء وارتجف قلبها ودارت رأسها….
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“إيه يا نداء إنتِ مش فرحانه ولا ايه؟!”
تلعثمت نداء قائلة:
“بـ… بابا… أ… أنا مش عايزه أروح”
رشدي بحزم:
“كلنا هنروح أنا إديت الراجل كلمه جهزوا نفسكوا هنمشي بكره الصبح بدري”
لم يقبل والدها أي عذر تفوهت به وبعد دقائق كانت منزوية أعلى فراشها وساخطة، تمنت لو يحدث أي شيء يُعطل تلك الرحله…
انتشلها من خضم أفكارها دخول «دينا» للغرفة قائلة بحمـ…اس:
“قومي بقا نشوف الهدوم اللي في الشنطه دي واللي يناسبك منها”
نظرت «نداء» للحقيبه الكبيرة بيد والدتها والتي تحملها بصعوبة أثر ثقلها، ابتسمت بسخرية فها هي الحقيبة التي ترسلها خالتها ساره كل عام من ملابس استعملها بناتها وأولادها وزهدن فيها أو لم تعد تناسبهم لأي سبب، فقد اعتمد والديها على تلك الملابس لأعوام ولا تتذكر أنها اشتريت ملابس جديدة غير مرتين أو ثلاثة على الأكثر!
نداء باستغراب:
“هي خالتو ساره جت هنا امته؟!”
هزت والدتها رأسها نافية وهي تقول:
“لأ دي جيباهم من أخر زياره بس أنا نسيتهم خالص”
أومأت نداء فلم يسبق لها أن تمردت رغم سخطها الدائم، تنهدت بعمق ووثبت لترتدي الثياب تباعًا…
وقفت نداء قبالة المرآة تُطالع انعكاس صورتها وهي ترتدي أخر فستان بالحقيبة باعجاب فقد كان باللون التيفاني الفاتح تنتشر به ورود بيضاء مطرزة بفصوص لامعة كما كان له حزام باللون الأبيض ربطته من الخلف للحد من اتساعه، سحبت نداء حجاب أبيض ووضعته على رأسها ثم قالت:
“أنا هروح بـ ده”
دارت دينا حولها تُطالعها بإعجاب وهي نمط شفتيها لأسفل ثم قالت:
“جميل أوي عليكِ…. والباقين برده هكويهم وأطبقهم كويس وناخدهم معانا تغيري فيهم”
قالتها دينا وهي تشير نحو الثياب المبعثرة أعلى الفراش، تنهدت نداء بقلة حيلة قائلة:
“ماشي”
لملمت دينا الملابس وخرجت من الغرفة تاركةً نداء التي هوت جالسة وزفرت متنهدة وهي تقول برجاء:
“يارب”
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
انحنت «رغدة» ولطمت وجه «ريم» بخفة وهي تصرخ في أخيها بصوت مبحوح:
“منك لله يا صالح…. عملت في أختك ايه؟!”
كان «صالح» متخشبًا ينظر لجسد ريم بوجه خال من التعابير متسائلًا هل ماتت؟ أقتـ…ل أخته على حين غفلة؟!
كانت «فاطمة» تصرخ في وجهه و«مؤمن» يلكمه في صدره وهو لا يحرك ساكنًا فقط أنفاسه تتزايد وصدره يعلو ويهبط بانفعال…
وفي تلك اللحظه باغتهم فتح باب المنزل ودخول والدهم متلهفًا فزعًا من أصوات الصراخ وخلفه «رامي» الذي كان يطرق الباب بعنفوان حتى وصل عمه «ضياء»…
“فيه ايه؟!!”
قالها«ضياء» بصدمة وحين ابصر جسد ابنته القابع على الأرض وأختها التي تهزها بلا فائدة، سقط قلبه بأخمص قدميه وقال بفزع:
“ريــــــم… ايه اللي حصل؟!”
حدج رامي صالح بحدة وهدر به:
“إنت عملت فيها إيه يا بني أدم؟!”
لم يرد صالح كان فزعًا يُطالع الفراغ بصدمة، فأدرك رامي أنه ليس وقتًا للجدال انحنى لمستواها وأخرج زجاجة صغيرة من العطر النفاذ ويداه ترتجفان وأخذ يقربه من أنفها ويُسمي الله ثم قال بأنفاس ثقيلة واضطراب:
“فتحي يا ريم… يلا يا ريم… فتحي”
مرت لحظات ثقيلة وضياء يرفع رأس ابنته لتستنشق العطر عله ينبهها فتستيقظ، والأم تلطم وجهها وتصرخ باسمها ورغده ومؤمن يترقبان ما يحدث بقلق، حتى فتحت جفونها بوهن وأول ما أبصرته كان ضباب ثم وجه رامي الذي ابتسم فور استجابتها وقال متنهدًا:
“الحمد لله”
ظلت ريم تمرر بصرها بينهم حتى تذكرت ما حدث وكان «ضياء» جوارها يقبل يدها، فقالت بلسان ثقيل:
“بابا… إنت جيت؟”
انهمرت دموعها فضمها ضياء وهو يقول:
“حبيبة أبوها اللي منوره حياته”
انهارت «ريم» باكية على ما حدث لها، ووالدها يربت على ظهرها ويهدئها فلطلما كانت مدللة أبيها وقرة عينه لكنه في أخر ثلاثة أعوام أصبح يغيب عن البيت كثيرًا ولا تراه لأشهر عده…
استشاط رامي غضبًا أثر بكائها ووثب يرنو من صالح وضـ..ربة بظهر يده على صدره قائلًا بنبرة حادة:
“استرجل شويه ومتمدش ايدك على أخواتك…”
طأطأ صالح رأسه ومازال ساكنًا كالصنم ولم يرد، فجذبه رامي من ملابسه وقرب وجهه من وجهه قائلًا وهو يوقع كلماته:
“وخصوصًا ريم…”
ترك «رامي» ملابس صالح ودفعه للخلف بعنـ..ف ولم يُعقب صالح خوفًا من أبيه…
مرت دقائق حتى اطمئنوا على «ريم» ودلفت لغرفتها برفقة رغدة ووالدتها، في حين ارتدى صالح ثيابه وخرج من البيت متعجلًا كي لا يسمع كلمة أخرى…
شكر ضياء رامي وعانقه مربتًا على ظهره ثم أخرج الأموال من جيبه وقال وهو يمد يده بها:
“خد يا رامي كل سنه وإنت طيب”
رامي بحرج حاول إخفاؤه:
“وإنت طيب يا عمو بس إيه ده إحنا كبرنا على الحاجات دي خلاص وبقينا إحنا اللي نوزع العيديه دلوقتي”
هز ضياء النقود وقال بإصرار:
“امسك ياد كبرت ايه!!! خد مصروفك من عمك”
أخذ رامي النقود وقال:
“ماشي يا عمو كل عام وإنت بخير”
ساد الصمت لبرهة وقطعه رامي قائلًا بتردد:
“عمو أنا كنت عايز حضرتك في موضوع وأتمنى توافق عليه”
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ♥️ طين
★★★★
“قولتلك كام مره بلاش طولة لسان بتعاندي في أخوكي ليه!!!”
قالتها «فاطمة» بنظرات حادة معاتبة ريم، فرمقتها ريم بضعف ولم تُعقب فقد اعتادت على اللوم المستمر، هم لا يخطئون هي المخطئة الدائمة بكل شيء، فكل يوم يزيد مُقتها لجدران هذا البيت…
رغده بحده:
“وواقفه تتكلمي مع رامي كمان!! إنتِ أصلًا محتاجه تتربي من جديد”
هزت رغده رأسها يمنة ويسرة باستنكار وأردفت بسخرية:
“أنا أصلًا شاكه فيكم وفي نظراتكم لبعض… إنتوا مرتبطين صح؟”
صكت فاطمة صدرها وهدرت بها:
“مرتبطين!!! دا أنا كنت أقتـ…لها بايدي… عاوزه تتجوزي في بيت شيرين اكتر واحده بتكره أمك!!”
هزت فاطمة عنقها وكأنها تقلب الكلام في رأسها وقالت بشرود:
“دا مش بعيد تكون هي اللي مسلطه الواد عليكِ عشان تاخدك مني!”
نظرت فاطمة بعمق في عيني ريم وصاحت بغضب:
“إنتِ مبترديش ليــــه!!”
لاذت ريم بالصمت فسألت رغدة بترقب:
“ردي يا ريم فيه حاجه بينك وبين رامي؟!”
وقبل أن تنبس بكلمة تناهي لمسمعهم هتاف ضياء مناديًا إسم ريم لينقذها من ذلك التحقيق المباغت، فوثبت لتلبي نداءه وتبعاها…
وقفت قبالة والدها وقالت في هدوء:
“نعم يا بابا”
“رامي ابن عمك طلب مني طلب… ورأيي متوقف على رأيك إنتِ”
ابتلعت ريقها في اضطرات وقلبها ينتفض بضـ..ربات متوالية وهي تترقب ما سيقوله والدها، وتبدل نظرها بين فاطمة ورغدة ثم رامي الذي تحاشى النظر نحوها وظل يُحدق أسفل قدمه، فظنت أنه ربما طلبها للزواج!
أطرقت بصرها أرضًا في حياء وهي تبلل شفتيها بارتباك حتى قال والدها:
“رامي عايزك تسافري معاهم اسكندريه بكره تغيري جو مع بنات عمك ايه رأيك؟”
تنهدت بارتياح ودون أن تفكر اومأت رأسها قائلة باندفاع:
“مـ… موافقه… أيوه أنا محتاجه أغير جو…”
تدخلت فاطمة وقالت وهي ترمقها بنظرات حادة:
“لأ مش هتروح في مكان… إنت مدلعها وده غلط”
تنحنح ضياء وتجاهل كلامها قائلًا لـ ريم:
“روحي يا ريم جهزي نفسك وجهزي هدومك… ولو عايزه تروحي معاها يا رغده جهزي نفسك”
رغده بغلظة:
“مش عايزه اروح في حته”
ونظرت لـ رامي من أعلى لأسفل بحدة ثم خرجت غاضبة، فوثب رامي وقال:
“طيب يا عمو أستأذن بقا”
نهض ضياء وقال:
“سلملي على أبوك يا رامي على ما نتقابل”
“يوصل يا عمو”
خرج رامي من البيت، فقالت فاطمة بحدة:
“إنت مسمعتنيش يا ضياء قولتلك البت مش هتروح”
رمقها ضياء ببرود وقال متجاهلًا إياها:
“حضريلي الفطار يا فاطمه”
وخرج من الغرفة وتركها تصفع كفًا بالأخر وتقول:
“هو الراجل ده ماله!!!… أكيد شيرين سحرتله هو كمان!!”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
في صباحٍ جديد تعالت شقشقة العصافير في تناغم وكأنهم يطلقون الزغاريد احتفالًا باليوم الثاني من أيام عيد الأضحى…
كان الجميع يستعدون للرحلة بحمـ…اس إلا «نداء» التي ثقُل صدرها وكانت ملامحها العابسة تشي بمدى تذمرها وامتعاضها…
كانت تحمل حقيبة ظهرها السوداء تضع بها ملابسها وقنينة مياه ودفترها وحبلًا لتمارس رياضة قفز الحبل….
وقفت لبرهة تُطالع هاتفها القابع أعلى المكتب مقررة تركه وكأنها نسيته! فلا تريد إظهاره أمام أحد لكنها عادت ووضعته في حقيبتها ثم ارتدت الأسورة «الأنسيال» حول معصمها وظلت تتأملها بإعجاب حتى تناهي لسمعها صوت والدها:
“يلا يا ولاد عشان علي هيوصلنا بالعربية ومستني تحت”
دينا باستغراب:
“هنركب ازاي في العربية كلنا!!!”
رشدي:
“أنا اللي هسوق وهنركب قدام وعلي هيركب ورا عشان يبقا يرجع بالعربية”
نفخت «نداء» متضجرة فما كان ينقصها غير رؤية علي هو الأخر….
كان علي يتحاشى النظر نحوها، فلم يقل غير جملتين لوالديها:
“كل سنه وانتوا طيبين… تنعاد عليكم الأيام بخير”
ربت رشدي على كتفه مرددًا:
“وإنت بالصحه والسلامه يا غالي”
رمقها بطرف خفي وقد سحره فستانها الذي زادها جمالًا
ركب علي بصندوق السيارة المفتوح وأخذ يتخيل حاله فرد من تلك العائلة اي زوجًا لـ نداء ويتخيل أنه يخبرها كم هي جميلة فتبتسم على استحياء وهي تردد أحبك، وهنا لفح الهواء الطلق وجهه بعنفوان وكانه يضـ…رب خديه ليستيقظ من أحلامه تلك…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كانت سيارة الأجرة تقف أسفل منزل دياب تضم ثلاث مقاعد واسعة كل مقعد يسع لثلاث أفراد كان رامي يقف أمام السيارة يضع الحقائب إما فوقها أو بداخلها….
خرج «رائد» من البيت يحمل حقيبة سفر في يده، ويركض أمامه عمرو وعامر فتعثر أحدهما، قال رائد بضجر:
“على مهلك يا عمرو براحه”
“أنا مش عمرو أنا عامر”
رائد بابتسامة صفراء:
“طيب على مهلك يا عامر”
صباح الأخر من خلفه:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
ثم انفـ…جرا ضاحكين فطالعهما رائد بغيظ وضحك رامي هو الأخر وهو يقول لأخيه:
“روق يا رائد عيال بقا ما احنا كنا عيال!”
انفرج ثغر رائد بابتسامة وهو يهز رأسه يمنة ويسرة مستنكرًا وأخذ يساعد رامي في عقد الحقائب وتثبيتها أعلى السيارة…
من ناحية أخرى فتح عامر باب السيارة الأمامي وقال
“أنا هركب جنب عمو السواق”
عمرو بتذمر:
“لا أنا اللي هركب جنب عمو السواق”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
دياب بنفاذ صبر:
“اركبوا انتوا الإثنين بلاش صداع”
صاحا مبتهجين:
“هيييييه”
★★★★★
في ردهة البيت كانت «ريم» تقف قبالة المرآة تُطالع ملابسها كانت ترتدي فستان واسع باللون الأحمر وعليه حجاب وردي يتخلله بعض الورود..
اقتربت من المرآة تتأمل وجهها المرهق وتلك الحبة الخاصة بكل عيد والتي عكرت صفو بشرتها..
وحين تذكرت «رامي» وإعجابه بها انفرج ثغرها بابتسامة مضيئة، وأخذت تمرر يدها على بشرتها وتتحدث في سريرة نفسها بأنها ليست ذميمة كما تعتقد بل تمتلك ملامح رقيقة هي فقط عليها الإهتمام ببشرتها التي لفحتها شمس الصيف الحـ..ارقة…
جال في خاطرها فكرة فأخذت تعدو للغرفة وأخرجت من حقيبة رغدة بعض مساحيق التجميل وأخذت توزعها على بشرتها ولونت شفتيها الباهتة ووجنتيها ببعض الحمره فتجلى جمال ملامحها، أجفلت عندما دخل والدها من الشرفة فلم تكن تره، قال:
“يلا يا ريم العربية تحت”
وحين استدارت نحوه قال بإعجاب:
“إيه الجمال ده كله… الله أكبر عليكِ”
ابتسمت بحياء، فدنا منها والدها وضم وجهها بين راحتيه ثم قال بحب:
“خلي بالك من نفسك… وكلميني أول ما توصلي”
ابتلعت ريقها بارتباك وقالت بامتنان:
“شكرًا يا بابا…. أنا بحبك أوي”
ضمها والدها وقال بضحك متخابثًا:
“حبيب بابا المسكر على رأي الواد رامي..”
لطلما كان والدها هو صديقها قبل أن يكون أبيها، ودومًا تحكي له عن رامي وما يقوله لكن لم تقل له بعد عن عرضه للزواج…
أطرقت بصرها أرضًا في حياء وقاطعها دوي صوت جرس الباب فقال والدها:
“تلاقيه رامي… يلا…”
فتح ضياء الباب فأطل منه رامي بهيبته التي تلاشت حين نظر نحوها وقال بابتسامة:
“يلا يا مسكر…”
قال ضياء بتبرم زائف:
“يبني قول صباح الخير الأول… وبعدين ايه مسكر دي! إنت بتعاكس البت قدامي!”
قبل رامي وجنتي عمه بالتبادل وقال:
“صباح الفل يا عمو… متيجي معانا إنت كمان”
ضياء متنهدًا:
“أجي فين أنا مصدقت أجي أقعد يومين هنا… خلي بالك إنت من ريم…”
أشار رامي لعينيه وقال:
“في عنيا…. متقلقش عليها يا عمو”
لا تعلم لمَ شعرت بخفقة مريبة وغصة تتلوى في حلقها حين قال والدها جمتلة السابقة وكأنها تخيلت حالها ترتدي فستان زفاف ووالدها يودعها فكادت دموعها تنهمر لولا أن انتشلها من خضم أفكارها صوت والدها:
“يلا يا ريم”
نزل معهما ضياء ووصى دياب على ابنته للمرة الثانية قبل أن تمضي السيارة للأمام وكانت ريم تجلس في المقعد الأخير تُلوح لوالدها وتبتلع غصة حلقها حتى أنها كادت تُوقف السيارة وتعود أدراجها لبيت والدها لكن جذبها من تلك الأفكار صوت وئام التي مالت نحو أذنها وقالت:
“بس إيه الحلاوة دي يا روما”
ابتسمت ريم في حياء وقالت:
“مفيش أحلى منك”
كان رائد يجلس في المقعد الأمامي وشيرين ورامي في المقعد الأوسط ورامي يجلس جوار النافذة بجسد مائل ليتسنى له أن يختلس النظر إليها من حين لأخر وكانت هي تُطالع الطريق عبر النافذة دون التفات…
توقفت السيارة في انتظار عائلة «نداء» فقال رائد متعجبًا:
“انتوا واقفين ليه؟!”
دياب موضحًا:
“مستنين رشدي وعياله”
رائد بصدمة:
“رشدي!!! مين رشدي!!”
لم يكن يعلم!! انتفض قلبه وتشتت مشاعرة واضطربت فلم يفسر حقيقتها أهو فرح لرؤيتها أم خائف!
صاحت هيام من الخلف:
“هو إنت متعرفش يا أبيه!!! دي نداء هتيجي معانا أنا بجد فرحانه أوي”
لم يعقب رائد فقط ابتلع ريقه عدة مرات ثم تنحنح واعتدل في جلسته…
نظرت شيرين لـ… رامي وقالت:
“قوم يا رامي أركب جنب أخوك عشان نداء ومامتها يركبوا جنبي”
خطـ…ف رامي نظرة نحو ريم ثم وثب وجلس جوار أخيه الذي سأله:
“إنت كنت عارف إنها جايه مع عيلتها؟!”
رامي بجدية:
“لا والله لو كنت عارف كنت هقولك”
اومأ رائد واعتدل جالسًا ولم يُعقب….
******
من ناحية أخرى ارتجلوا من السيارة كانت مضطربة تتعثر في مشيتها من خلفها علي ونظراته ومن أمامها رائد…
أخرجت قنينة المياه من حقيبتها وشربت كثيرًا رغم أنها لم تكن عطشى ثم مسحت فمها بظهر يدها، فلكزتها والدتها في ذراعها وقالت:
“مش هايزين ”عايزين” فضايه ”فضايح””
حاول رائد تحاشي النظر إليها بعد أن تفحصها بنظرة سريعة وابتسم….
ارتفع صوت هيام ووئام باسمها في آن واحد تزامنًا مع وقوف نداء المضطربة أمام باب السيارة فاتسعت ابتسامتها وصعدت للسيارة سلمت على جميعهن دون الالتفات للشابين حرجًا وحياء منهما…
دقائق أخرى وانطلقت السيارة كانت الجو يعبق بتلاوة عطرة لسورة يوسف وصمت الجميع ينصتون حتى صاح عامر:
“عمو شغل أغنية عمرو دياب… يا عمو شغل أغنية عمرو دياب يا عمو… يا عمو… يا عمو ”
مال رائد للأمام وقال بضجر:
“أغنية ايه اللي هنقفل القرآن عشان نشغلهالك… أقعد ساكت يا عمرو”
التفت له عامر وقال بسماجة:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
رائد بنفاذ صبر:
“إنت مش عامر إنت بارد”
التفت له عمرو وقال بنفس سماجة أخيه:
“أنا مش بارد أنا عمرو”
تدخل رامي وهو يقول بضحك موجهًا كلامه لـ عمرو:
“الظاهر كده إنت حافظ مش فاهم يابا”
ضحك الجميع ثم أطبق عليهم الصمت كلٌ شرد في عالمه عدا دينا وشيرين اللتان لم تتوقفا عن الحديث..
وبعد ساعة ونصف أخرجت شيرين السندوتشات ووزعتها على الجميع للإفطار، وتوقف القرآن فأخذت هيام تُغني ولم يكن صوتها عذبًا فقال رائد بتهكم:
“يا ست ام كلثوم مصدعين والله… الله يكرمك تسكتي”
ضحكت هيام وقالت:
“لعلمك بقا يا رائد أنا صوتي حلو وواثقه في نفسي ومش واحد زيك اللي هيزعزعلي الثقه دي”
أكملت دندنه فصاح رامي دون التفات:
“يا ريم حطي إيدك على بوق البت دي الدبان اتلم”
انفـ…جر الجميع بالضحك فقالت هيام لـ نداء:
“زي ما إنتِ شايفه كده يا نداء إخواتي أكتر ناس بيشجعوني”
بقلم آيه شاكر
★★★★★
مر الوقت ووصلوا الإسكندرية، وقفوا أمام بيت من أربعة طوابق غير الطابق الأرضي ويحاوطه سياج خشبية وأمام بابه حديقة صغيرة…
وكان البحر يبعد عنهم مسافة شارع واحد…
رفع رائد بصره لأعلى ليرى أن كل طابق يقف في شرفته أطفال أو شباب، فقال لوالده:
“بابا هو البيت متأجر ولا ايه!!”
دياب:
“أيوه بس الدور الأرضي فاضي هنقعد فيه”
رائد بصدمة:
“كلنا؟!!!”
دياب:
“أيوه يابني ما هو واسع هيكفينا وزياده…”
أردف دياب وهو ينظر لرشدي ويضحك:
“واللي منلاقيلهوش مكان ينام في الجنينه”
دخلوا جميعًا للبيت كلٌ يحمل متاعه وكانت نداء تحاول حمل حقيبة سفر قد تركتها والدتها وكادت تتعثر في سيرها فالحقيبة ثقيلة، فدنا منها رامي وقال:
“سيبيها… سيبيها وأنا هدخلها”
رمقته في سرعة وأومأت، مد رامي يده ليأخذ الحقيبه في ذات اللحظه التي كانت تتركها نداء فأبصر الأسورة حول معصمها، اتسعت حدقتاه في ذهول، وهو يردد:
“معقول!!!”
كان رائد يترقب ما يحدث في صمت، وهرولت «نداء» للداخل وقبل أن تدلف من باب البيت ناداها رامي متلعثمًا:
“استني… نـ… نداء…”
التفتت له نداء وزم رائد جفونه بتركيز مترقبًا ما يفعله رامي….
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“استني… نـ… نداء…”
التفتت له نداء وزم رائد جفونه بتركيز مترقبًا ما يفعله رامي…
دنا منها رامي، فقالت باضطراب:
“نعم!!”
الحلقة العاشرة
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
أشار للأسورة حول معصمها وقال بتردد:
“هو… هو الأنسيال ده بتاعك؟!”
رفعت ذراعها لتُطالع معصمها، وقالت بتلعثم:
“أ… لـ… أيوه… ليه بتسأل؟!”
تنحنح وقال:
“أصل…”
صمت هنيهه ومسح ذقنه ثم أردف:
“لا أبدًا مفيش أصل كنت عايز أجيب لوئام وهيام شبهه… اتفضلي ادخلي”
قال أخر كلمتين وهو يشير لباب البيت فرمقته نداء باستغراب واستدارت لتدخل للبيت وهي تمط فمها متعجبة….
وقف «رامي» يُحدق بالفراغ في حيرة ويتذكر ما حدث ذلك اليوم مبررًا أنه ربما تكون أسورة مشابهة أو ربما وجدتها «نداء» ولم تلحظ تلك الفتاة وجودها من الأساس! وربما هي نفسها تلك الطفلة الصغيرة!! أطلق ضحكة كالزفرة وهو يردد:
“حاجه تحير”
“هي إيه دي اللي تحير؟”
انتفض رامي حين ربت رائد على كتفه بعد أن باغته بسؤاله! قطب رائد جبينه وأردف:
“فيه ايه؟! كنت بتقولها ايه؟”
ابتسم «رامي» وغمز بعينه وهو يقول متخابثًا:
“غيران ولا إيه؟!”
زفر «رائد» متنهدًا وقال بنظرة حادة يشوبها الصرامة:
“رامي… متتكلمش بالطريقه دي لو سمحت…. إنت عارف إن مفيش حاجه”
نظر «رامي» لعمق عيني «رائد» وقال بجدية مؤكدًا:
“لأ فيه… ولو خبيت على الدنيا كلها مش هتعرف تخبي عليا لأني بعرف أقرأ نظراتك يا رائد”
تذبذبت نظرات «رائد» وكاد أن يرد لولا هتاف والده:
“هاتوا الشنط يا ولاد إنتوا بتعملوا ايه عندكم؟!”
طالع «رامي» أخيه المرتبك ونظراته المشتته وهو يردد بابتسامة ويرمقه بـ فطنه:
“حاضر جايين يا بابا”
زفر «رائد» الهواء من فمه، فقد أصبح كتابًا مفتوحًا يقرأه أخوه وذلك يربكه…
وحملا الحقائب للداخل دون أن ينبس أي منهما بكلمة أخرى.
ظل «رامي» شارد الذهن ينسج خيالات وأفكار بشأن الأسورة وتتسع ابتسامته ببلاهة حين يتخيل أن «نداء» هي نفسها تلك الفتاة الصغيرة…
ظل ينظر للأسورة بين حين وأخر بطرف خفي ونداء تلاحظ نظراته تلك!
يريد أن يحكي لـ رائد عله يساعده ولكن حتى وإن فعل فلن يتعرف رائد عليها! هو وحده من يستطيع معرفة حقيقة الأمر، أفاق من شروده على صوت والده:
“بصوا يا جماعه البيت واسع زي ما انتوا شايفين يعني هيسعنا كلنا ان شاء الله”
قالها دياب وهو يشير لأرجاء البيت فربت رشدي على كتفه وهو مبتسم وقال:
“واسع يا غالي ويسع كل الحبايب”
أخذوا جميعًا يتفقدون أرجاء البيت ويقتسمون الغرف، ورائد يتحاشي النظر نحو نداء حتى لا يُكشف أمره أمام باقي أفراد العائلة فيكفيه أخيه!
كان البيت له ردهة واسعة بها طاولة سفرة يحاوطها ثمانية مقاعد، وتضم الردهة أربعة غرف ومرحاض ومطبخ كانت الغرف مكتنزة تحوي بداخلها سريرين من طابقين أي أربعة أَسِرة، ومخدع صغير للملابس ومرحاض…
ويحاوط البيت من جميع الاتجاهات شرفة واسعة دائرية تُفتح في الحديقة تلك التي تضم على الجانبين أحواض من الورود وأرضيتها من النجيلة الخضراء…
وبعد دقائق من تفقد البيت تم تقسيم الغرف واحدة لـ نداء والثلاث بنات، والثانية لـ رائد وأخوته الأولاد، والثالثة لـ دياب وزوجته والأخيرة لـ رشدي وزوجته ونادر…
كان اليوم هو الجمعة وخرج الرجال للصلاة في حين الفتيات خلدن للنوم دون تبديل ملابسهن..
وبعد أذان العصر استيقظ الجميع وتناولو الطعام عدا نداء وريم الغارقتان في النوم فاقتربت هيام من ريم وقالت:
“قومي بقا يا كسوله إنتِ وهي هتناموا طول اليوم ولا ايه…”
وجلست وئام جوار نداء وقالت بحمـ…اس:
“قوموا بقا عشان نعمل جدول كده للفسح والخروجات واللعب والذي منه”
سحبت «ريم»الغطاء على وجهها وقالت بكسل:
“سيبوني عايزه أنام…”
ولم ترد «نداء» فقد كانت غارقة في النوم لا تشعر بما حولها فلم تنم مذ يومين وهي تفكر في رائد…
تأملتها «وئام» بإعجاب ثم نظرت لـ هيام وهمست بابتسامة :
“عسوله أوي بحب ملامحها”
استطردت وئام متنهدة وبنفس الهمس:
“بحبها أوي ونفسي تتجوز حد من أخواتي بجد”
لمعت فكرة لـ وئام فوثبت وقالت لأختها:
“تفتكري هي لايقه على رائد ولا رامي؟!”
نظرت «هيام» نحو ريم وقالت غامزةً:
“المسكر هو اللي لايق على رامي”
وئام وهي تُشير لـ نداء:
“اشطا يبقا دي لـ رائد…”
أردفت وئام بحمـ..اس:
“إيه رأيك لو نقربهم من بعض ونخليهم يحبوا بعض وأكيد بعدها هيتجوزا؟”
تحمـ…ست هيام وقالت مبتهجة:
“الله بجد! تفتكري ممكن يحصل اللي في بالنا!!”
أومأت وئام وقالت وهي تبسط إحدى يديها:
“هيحصل”
صافحتها هيام وهي تومئ رأسها وكأنهما داخلتان لإحدى التحديات وهما لا تقبلان الخسارة…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
خرجتا من الغرفة مبتسمتان تغمزان لبعضهما بخبث، اوقفهما صوت رشدي:
“هتيجوا معانا البحر يا بنات”
وئام بتعجب:
“إنتوا هتروحوا دلوقتي؟! دا نداء وريم نايمين!”
دياب:
“تعالوا انتوا معانا وسيبوهم نايمين”
نظرنا لبعضهما وقالتا في نفس اللحظه:
“ماشي”
★★★★★
وعلى صوت أذان المغرب فتحت «نداء» جفونها بخمول، جلست أعلى الفراش تمط ذراعيها فوجدت ريم تخرج من المرحاض، ابتسمت ريم وقالت:
“صباح الخير أو مساء الخير المغرب بيأذن”
نداء بصوت ناعس:
“مساء النور… يا نهاري هو أنا نمت كل ده!!”
ريم بضحك:
“إحنا كنا في غيبوبه باين! يلا قومي دا أنا سمعت إنهم راحوا البحر وسابونا… خلينا نلحق نفسنا بقا ونروح معاهم الملاهي”
وثبت نداء من فراشها وهي تردد:
“أيوه أنا نفسي أروح الملاهي”
وقبل أن تدلف للمرحاض أوقفها سؤال ريم:
“إحنا متعرفناش إنتِ عندك كم سنه يا نداء؟!”
التفتت لها «نداء» وهي مبتسمة وكانت ريم تمد يدها وتقول:
“خلينا نتعرف يا ست الكل أنا ريم عندي ٢٠ سنه في كلية علوم…”
مدت نداء يدها لتصافح ريم وقالت:
“وأنا نداء ١٧ سنه وإن شاء الله هدخل كلية تربية”
ريم بابتسامة:
“فرصه سعيده يا نداء”
نداء بابتسامة:
“أنا أسعد”
سارت ريم نحو باب الغرفة وهي تردد:
“يلا هجهز الغدا على ما تلبسي كده وتصلي”
أومأت «نداء» ودلفت للمرحاض ومازالت الإبتسامة عالقة على شفتيها تفكر في تلك الفتاة بشوشة الوجه التي آلفتها وتشعر وكأنها تعرفها من زمن طويل…
وفي غضون دقائق كانت تجهزت وخرجت…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كان الأطفال يركضون خلفت بعضهم بالشرفة مصدرين أصوات صاخبة، ودينا وشيرين تجلسان على الأريكة وتتحدثان، ورشدي ودياب يجلسان على طاولة مستديرة ويلعبان طاولة…
أما وئام وهيام ورامي ورائد فيجلسون معًا على الأرض في حلقة دائرية بالحديقة ويلعبون الأوراق، وثبت هيام وقالت:
“يلا بقا عايزين نخرج أنا زهقت من اللعب”
نهض «رائد» عن الأرض ونفض يده ثم قال وهو يبدل نظره بينهم:
“قولولي الأول الدقن حلوه عليا ولا أحلقها؟”
وثبت وئام هي الأخرى وحملقت بوجهه وقالت بحيرة:
“مش عارفه هو أنا متعوده عليك من غير دقن…”
نظر رائد لـ رامي وقال:
“إيه رأيك يا رامي؟”
وضع رامي ما بيده من أوراق على الأرض ونهض وهو يقول بنفاذ صبر:
“يابني قولتلك مره حلوه والله… بطل تردد بقا وسيبها”
نظر رائد لـ هيام وقال:
“وإنتِ إيه رأيك يا يوما؟”
لمحت «هيام» نداء تقبل نحوهم مع ريم، فلمعت لها فكرة قالت بمكر:
“بص هو احنا متعودين على شكلك فممكن نسأل حد ميعرفكش”
عقد «رائد» بين حاجبيه مترقبًا فقد ظن أنها ستسأل رشدي لكنها باغتته وصدمته حين نظرت نحو نداء وقالت:
“نداء إيه رأيك في رائد؟..”
ران الصمت بينهم، فقد صُدم الجميع وصُعقت نداء أثر سؤال هيام المباغت كان قلبها يرتجف خلف أضلعها تسارعت نبضاته وتلون وجهها بالحمرة أخذت تنظر لوجوه الموجودين عدا وجهه لم تستطع تحريك مقلتيها تجاهه، وحين طال الصمت أردفت هيام متخابثة:
“بصيله كده يا دودو وشوفي الذقن حلوه عليه ولا ايه!”
وضحت وئام:
“أصله عايز يحلق ذقنه فقولي رأيك؟”
ابتلعت نداء ريقها في اضطراب وأصبحت مغيبه لا تعرف كيف تتصرف فحركت مقلتيها ورمقته بنظرة خاطفة ثم قالت بارتباك حاولت اخفاؤه:
“حـ… حلو… حلو كده”
أقبلت إليها «وئام» وتأبطت ذراعها وهي تقول بابتهاج:
“والله إنتِ إللي حلوه وزي القمر”
نظر رامي لـ رائد وابتسم بمكر، وحاول رائد تجاوز الموقف فقال بلجلجة:
“يلا يا جماعه نخرج…”
نظر. امي نحو والده وقال:
“إحنا خارجين يا بابا”
رد دياب:
“ماشي يا حبيبي… خلي بالك من إخواتك”
أومأ رامي بالإيجاب وهو يقول بابتسامة:
“حاضر يا غالي”
ثم وقف رامي يجيب على هاتفه الذي صدع بالرنين، فرمقه رشدي بإعجاب وقال:
“محترم أوي رامي… ورائد كمان ربنا يباركلك فيهم”
من ناحية أخرى مال رائد على أذن هيام وقال بوعيد:
“هحاسبك على اللي عملتيه ده!”
ابتسمت بمكر وقالت:
“وأنا عملت إيه؟!”
رفع إحدى حاجبيه وقال:
“مش عارفه إنتِ عملتِ إيه!!!”
ابتلعت هيام ريقها باضطراب وهي ترمقه بتوجس وهو يُطالعها بنظرات مدلهمة ظنته سينهرها عما فعلت لكنه وحين تذكر قول نداء “حلو كده” ابتسم وابتهج وأخذ يلمس ذقنه ثم حاوط كتف هيام بذراعه وهو يقول بحمـ…اس:
“تأكلي بيتزا ولا شاورما يا بت”
اطمئنت لرد فعله وتحمست هي الأخرى فرفعت إصبعيها السبابه والوسطى مرددة:
“الإثنين”
وضحك الإثنان …
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
خرجوا من البيت كانت وئام تتأبط ذراع نداء وريم تمضي بجوارهم شاردة تنظر لرامي الذي يتحدث عبر الهاتف خلفهم ويسير وحده واضعًا إحدى يديه بجيبي بنطاله واليد الأخرى يرفع بها الهاتف على أذنه.
تأخرت ريم عنهم قليلًا متصنعة أنها تربط حذائها حتى أتاها صوته:
“إيه يا مسكر بتعمل إيه؟!”
قالها رامي مبتسمًا فردت وهي تعتدل واقفة:
“بربط الجزمه… إنت بقا كنت بتكلم مين؟”
“دا إسلام صاحبي… المهم إنتِ عامله إيه؟!”
“الحمد لله وإنت؟!”
تنهد بعمق وقال:
“أنا يا ست الكل عامل كويس من الصبح لكن من جوايا مكنتش تمام كنت عايز أشوفك… أعمل إيه بقا بتوحشيني”
قال جملته الأخيرة بلوعة وارتسمت الإبتسامة على مُحياه فابتسمت ريم.
أصبح وقع كلماته يُربكها، وكلما نظرت إليه أو سمعت صوته تحرك شيء في داخلها، تسائلت كيف لها أن تنسى رائد وتتجاهل وجوده بتلك الطريقه فقد باتت بين يوم وليلة ترمي جُل تركيزها مع رامي وضحكاته وكلماته وكل تصرفاته وانفعالاته، فلابد وأنها لم تحب رائد أبدًا!! قاطع سيل أفكارها صوت رامي:
“كنت عايز منك خدمه يا مسكر”
توقفت وطالعته عاقدة حاجبيها وقالت:
“خدمة إيه؟!”
أخذ نفسًا عميقًا وزفرة ثم قال:
“نداء معاها أنسيال كده لونه ذهبي كنت عايزك تسأليها هي جيباه منين!!”
هزت عنقها بخفة مستفهمة:
“أنسيال! ليه عايز تعرف؟”
“هقولك بعدين المهم هتقدري تعرفي؟”
رفعت كتفيها لأعلى وهي تردد:
“مـ…. ماشي عادي”
ابتسم رامي فهو يعرف أن ريم ليست فضولية كأختيه وستساعده دون أن تسأل أو تُصر على معرفة السبب….
خيم عليهما الصمت طويلًا حتى قطعه رامي قائلًا بابتسامة عابثة:
“على فكره يا سكر إنتِ مردتيش على عرضي وأنا مستنيكِ عشان أخد خطوه”
فهمت ما يرمي إليه لكنها تظاهرت بالجهل وسألته بلجلجة:
“عـ…. عرض إيه؟”
“إننا نتجوز ونسافر سوا”
صمتت هنيهه وسارت جواره خطوتين دون تعقيب أو التفاف إليه وكان يرمقها بطرف خفي مترقبًا حيائها وملامحها التي ارتسم القبول عليهما دون إدراك منها، ابتلعت ريقها في اضطراب فحتى البارحة كانت حائرة ومشتتة المشاعر لكن الآن علمت بحقيقة ما تريد، قالت:
“أنا فعلًا نفسي أسافر و… وموافقة أسافر معاك عشان بحب السفر”
عقد جبهته وسألها متخابثًا:
“موافقه عشان بتحبي السفر بس!!”
انتفض قلبها بقـ..وة حتى كاد يثب خارج أضلعها من فرط الإنفعال، طال سكونها ولم تُعقب فاستطرد:
“على العموم أنا هكلم عمي بعد ما نرجع… ونكتب الكتاب علطول أصل أنا مستعجل أوي”
وقف قبالتها فتوقفت عن السير وأطرقت بصرها أرضًا فقال هو بمكر:
“أنا مستعجل على السفر طبعًا أصلي بحبه أوي يا ريم”
لم تصدر أي رد فعل فضلًا عن الإبتسامة التي تجلت في عينيها ولم تبلغ حد شفتيها أما هو فاتسعت ابتسامته برضا وتنهد بارتياح…
من ناحية أخرى وقفت نداء أمام المطعم وقالت لـ وئام:
“أنا مش باكل بره البيت مش بحب الأكل بره… كنت بحسبكم رايحين الملاهي”
وئام بتعجب:
“يعني إنتِ مبتاكليش الشاوما ولا البيتزا!!”
هزت نداء عنقها يمنة ويسرة نافية فقالت هيام:
“دا إنتِ فايتك كتير أوووووي… تعالي ندخل ومش لازم تأكلي اشربي عصير او كلي أيس كريم مثلًا”
اضطرت نداء للموافقة وجلسوا جميعًا على طاولة مستطيلة في انتظار الطعام، قام رائد ليدلف للمرحاض، ووئام وهيام تتغامزان وتتهامسان على طريقة ما لجذب رائد ونداء لبعضهما، وكان رامي يغمز لـ ريم كل لحظة وهو يشير بعينه للأسورة حول معصم نداء لتسألها ريم، فابتلعت ريم لعابها وقالت بمكر وهي تشير للأسورة:
“الله حلو أوي الأنسيال ده يا نداء جيباه منين!”
ارتبكت نداء وطالعت الأسورة لبرهة ثم قالت بتلعثم:
“دا… دا أنا… أنا لقيته في الشارع و… و… وقعدت خمس سنين أدور على صاحبه قصدي صاحبته وبعدين لبسته بقا…”
باغتها رامي بقوله:
“لقيته فين؟!”
بللت نداء شفتيها في اضطراب وقالت بنبرة مرتجفة:
“ما أنا قولت لقيته في الشارع!”
رامي بتدقيق:
“شارع إيه يعني؟!”
تنحنحت نداء وقالت بحرج:
“مش فاكره”
لم يجذب ذلك انتباهها لأي شيء سوى أن رامي يتدخل فيما لا يعنيه! أشاحت ببصرها بعيدًا وظلت صامتة حتى أتى رائد وجلس قبالتها وظلت تنظر يمينها متحاشية النظر إليه وهو يختلس النظر إليها في هدوء…
لم يأبه أي منهما لغض البصر جهلًا منهما! فكل أمراض القلب تبدأ من نظرة ولو حفظ كلٌ منا بصره لما انفتحت أبواب غرفات القلب إلا لمالكها…
لم تمر عليهم أكثر من ساعة وعادوا إلى البيت ورامي ينسج الأفكار وهو يُطالع الأسورة حول معصم نداء…
كانت «نداء» تشعر بثقل شديد في معدتها أثر تناول قطعتين من البيتزا فلم تعتد على تناول الطعام خارج البيت مطلقًا…
جلسوا جميعًا في حديقة البيت وسحبت «دينا» ابنتها «نداء» لتجلس جوارها وأخذت تمدحها قائلة بابتسامة:
“نداء بنتي غير كل البنات مش عشان هي بنتي والله يا أم رامي لأ… بنتي دي المطيعه الهاديه الرقيقه… نسمه بترفرف في البيت والله”
كانت نداء تُطالع والدتها بأعين متسعة متعجبة مما تسمح، ليزيد والدها في المدح المبالغ ويا ليته لم ينطق، قال:
“فعلًا نداء بنتي موهوبه من صغرها يعني عندها قدره تعمل أكتر من حاجه في نفس الوقت… ممكن تزاكر وهي نايمه… تاكل وهي في الحمام… تغسل المواعين وهي بتغني رهيبه بنتي دي رهيبه”
انفـ…جر الجميع بالضحك ووضعت نداء يدها على وجهها بحرج، فاستأنفت والدتها المدح قائلة:
“وكمان بتعرف تتكلم مع العصافير والقطط أصلها بتحبهم أوي… وفوق كل ده في بينها وبين ربنا عمار يعني دائمًا تصلي الفجر في ميعاده وتصوم رمضان من وهي في ٦ ابتدائي دا غير إنها بتروح درس قرآن وحافظه خمس أجزاء…”
أخذ والدها اللجام من والدتها وقال:
“ودايمًا محافظه على صحتها وبتلعب رياضة وبتأكل أكل صحي يعني عروسه كامله يا دياب”
قالها رشدي بابتسامة أي أفهم أيها الأحمق واطلب يدها لأحد أبنائك الآن! فهمت نداء ما يرمي إليه والدها ووالدتها فاستفزها ذلك هبت واقفة وخلعت رداء الخجل قائلة بسخرية:
“وفيه حاجه كمان بابا وماما نسيوها أنا كمان بطير يعني ساعات بكون قاعده كده وألاقي طلعلي جناحين وأرفرف في قلب الشقة”
جذبتها والدتها بعنـ..ف لتجلس وضحكوا جميعًا لتقول دينا بخجل:
“وكمان د***مها خفيف زي ما انتوا شايفين”
ربتت شيرين على فخذ دينا وهي تقول:
“ربنا يباركلك فيا يارب وفي نادر”
نهضت نداء بضجر بعد أن استأذنتهم وسارت نحو البيت كانت تمسك حذائها بيدها وتدعس على أرضية الحديقة حافية القدمين…
على نحوٍ أخر كان الطفلان عمرو وعامر يضعون الصواريخ في أماكن متفرقة من الحديقة ويضعون أيديهما في أذنهما تحسبًا للضجيج المترقب، وفجأة صدر دوي مزعج وصرخت نداء حين دعست على صاروخ! وانتفض الجميع أثر الصوت…
وثب رائد غاضبًا وطالع عمر وعامر بحدة ثم ركض خلفهما وهما يوجهان أسلـ…حتهم المائية نحوه ويركضان ضاحكين..
وقف دياب يقول:
“خلاص يا رائد دول عيال”
رائد بغضب عارم:
“والله ما هسيبهم يا بابا عشان أنا كنت مخبي الصواريخ دي ومحذرهم وبرده جابوها”
لم يفلتا من يد رائد إلا بعد أن نهرهما وعاقبهما بأخذ الألعاب قائلًا بحزم:
“مفيش لعب من دي تاني عشان الشقاوة دي”
نظر عمرو وعامر لبعضهما بفم مشدود يوشك على البكاء متوعدين رائد على ما فعل…
تنهد رائد بضجر ودخل البيت بعد أن رمق نداء بطرف خفي…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وبعد الفجر عند اختلاط الضوء والظلم معًا كان السكون يعم أرجاء البيت والجميع نيام، ارتدت نداء حجابها وخرجت بهدوء من الغرفة دلفت للمرحاض العمومي للبيت دون أن تنتبه لإغلاق بابه بالمفتاح ولتعبث قليلًا في هاتفها دون أن يشعر بها أحد وكي لا يرى أحد هاتفها جلست في حوض الإستحمام المحاط بستارة وشردت وهي تقلب بأخر أخبار تطبيق الفيسبوك…
على نحوٍ أخر استيقظ رائد من نومه وخرج من غرفته في هدوء كي لا يوقظ إخوته لم يكن يعلم بأن أحد ما يراقبه…
دلف للمرحاض العام للبيت ليغتسل وأخذ يخلع ملابسه في هدوء شديد حتى كشف جزعه العلوي، وبمجرد أن أغلق الباب وقبل أن بوصده بالمفتاح سمع صوته يُغلق من الخارج فأجفل وأخذ يُحاول فتحه ويطرق الباب بخفوت كي لا بوقظ باقي البيت وفي تلك اللحظه أجفلت نداء حين فتحت الستار ورأته، اتسعت حدقتيها وأخفت الهاتف خلف ظهرها، ثم استدارت وولته ظهرها ليصيح رائد:
“إنتِ بتعملي إيه هنا؟!”
لم تُعقب وكان قلبها يختلج وأخذ رائد يحاول فتح الباب حتى فُتح من تلقاء نفسه وظهر رشدي ودياب، مد رشدي رأسه لداخل المرحاض فرآى ابنته تقف في حوض الإستحمام والأخر عاري الصدر فاتسعت حدقتاه ووجه حديثه لـ دياب قائلًا بفزع:
“في الحمام يا دياب… ابنك وبنتي في الحمام!!”
حاول رائد التوضيح وهو يجذب ملابسه ليرتديها وهو يقول:
“حضرتك فاهم غلط يا عمي دا….”
قاطعه رشدي قائلًا:
“فاهم إيه غلط ما أنا شايف بعنيا أهوه!!!!”
قالها رشدي منفعلًا وهو يشير لصدره العاري ولابنته التي تسارعت أنفاسها هلعًا وفزعًا!
استطرد رشدي:
“إنت لازم تصلح غلطتك… ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
بدل «دياب» نظره بينهم في ريب ثم غرس عينيه في عيني ابنه وقال:
“إنتوا بتعملوا ايه في الحمام يا رائد؟!”
أخذ «رائد» يُعدل من ملابسه في اضطراب وعيناه تتجولان في ملامح والده، وقال بنبرة مغلفة بالقلق:
“والله ما كنت أعرف إنها هنا يا بابا”
أطلق «رشدي» ضحكة ساخرة وعقد ذراعيه أمام صدره وهو يقول متهكمًا:
“اه عبيط أنا بقا عشان أصدق…”
نظر رائد لـ رشدي وهو يقول تلك الجملة وازدرد لعابه ليبلل جفاف حلقه ثم بدل نظره لـ دياب وقال بنبرة مرتعشة:
“والله العظيم دي الحقيقه وفيه حد قفل عليا الباب من بره”
رفع رشدي ذقنه لأعلى وقال بعناد:
“أأ…أنا مليش دعوه بالكلام ده إنت لازم تصلح غلطتك”
نفذ صبر «رائد» فقال بنبرة مضطربة ومتضجرة:
“غلطة إيه!!! مفيش غلطه ولا حاجه أنا كنت داخل أخد شاور ومشوفتهاش وهي قاعده في البانيو… اسألوها هي كانت بتعمل إيه هنا!!”
كان «دياب» يرشق ابنه بنظرات مبهمة ويبدل نظره بينهم في صمت ثم يعود ليتفرس ملامح ولده عله يلتمس منها أصادق هو أم كاذب؟ حتى أثار انتباهه رشدي الذي دنا من ابنته وجذبها من ذراعها بعنـ…ف هادرًا:
“اعترفي يا نداء وقولي كنتوا بتعملوا إيه هنا!! انطقي”
جف حلقها وارتعد قلبها، حاولت اخراج الأحرف من بين شفتيها ولم تستطع وكأن فمها أُوصد بقفل ولا تملك مفتاحه، فبم ستفسر بقائها في ذلك المرحاض ةفي هذا الوقت! أتقول أنها كانت نائمه أم أنها تسير وهي نائمة أو ربما كانت تغتسل؟! ظلت الأفكار تطيح برأسها حتى هزها والدها بعنـ..ف وقال بنبرة مرتفعة حادة:
“انطقـــــــي…”
زلزلها صوت والدها وكأنه كان مفتاح شفتيها فنطقت على الفور بأنفاس متسارعة وصوت متهدج:
“أنا… أنا كنت…”
صمتت هنيهه ثم أردفت بنبرة مرتعشة:
” يا بابا والله مفيش حاجه أنا…”
احتبست الكلمات داخل صدرها ولاذت بفقاعة من الصمت، طأطأت رأسها في خجل وهي تضغط شفتيها معًا ووتحبس العبرات التي تلمع داخل أسوار مقلتيها، والجميع يُطالعونها بترقب حتى قال والدها بنبرة جليدية:
“إزاي مفيش حاجه… ما تقول حاجه يا دياب ما إنت شايف بعينك”
قالها ثم نظر نحو دياب الذي طالع رائد لبرهة ثم بدل نظره لنداء وقال بنبرة هادئة:
“انزلي يا نداء تعالي ادخلي أوضتك!!”
ثم رمق رائد بنظرة جانبية وأردف بنبرة يشوبها الحدة:
“وامشي يا رائد ادخل أوضتك”
أومأ رائد بالإيجاب مرددًا:
“حاضر يا بابا عن إذنكم”
وثبت نداء مسرعة وهرولت لغرفتها متحاشية النظر لأي منهم كي لا تنفجـ…ر بالبكاء أمامهم، وكان «رائد» يهز عنقه يمنة ويسرة مستنكرًا وقبل أن يخطو هو الأخر بخطوة رمقه رشدي بأعين متسعة وصاح وهو يُطالع دياب:
“ألاه هو رايح فين؟… إنت هتسيبه يمشي يا دياب من غير ما تديله قلمين…”
كاد رائد أن يبرر مجددًا ولكن ضـ…رب دياب على كتفه بخفة قائلًا وهو يوقع كلماته:
“ادخل أوضتك يا رائد”
زم «رشدي» شفتيه وامتعضت ملامحه فدنا منه دياب وسحبه من يده لخارج المرحاض وهو يقول:
“اهدى يا رشدي… مش دايمًا العين بتشوف كل جوانب الموضوع وأنا مربي ابني ومتأكد إنه بيقول الحقيقه”
طالعه رشدي رافعًا إحدى حاجبيه في حيرة وأخذ يفكر في جملة ينطق بها، فاستطرد دياب:
“بطل سطحية يا عميد…. يا راجل محصلش حاجه… شغل أبو الفصوص شوية”
قالها دياب وهو يشير لدماغ رشدي فحدجه رشدي بنظرة جانبية وهو يقول:
“يعني ابنك مش هيصلح غلطته ويتجوز البت ونبقى نسايب”
فتح دياب كلتا ذراعيه بقلة حيلة وهو يردد بابتسامة:
“والله ياخويا لو عايزين يتجوزوا هيجوا يقولولنا…”
تنهد «رشدي» بخيبة أمل فربت دياب على كتفه وهو يرفع إحدى حاجبيه:
” إنت مش مربي بنتك ولا ايه يا عميد!!؟”
رفع «رشدي» سبابته وقال بانفعال وهو يضغط على كلماته:
“لا يا عقيد أنا بنتي متربية أحسن تربية…”
حاوط رشدي خصره بإحدى يديه وحك رأسه باليد الأخرى مسترسلًا:
“بس أنا قولت أستغلها فرصه وأهو نتهم الفقر في الحريـ..قة ونجوزهم لبعض ونخلص”
غمز دياب بعينيه وقال بمراوغة:
“هيجوزا يا عميد وبكره أفكرك”
انخرط دياب في الضحك وغير الموضوع قائلًا:
“فاكر يا عميد لما كنا في ثانوي بنمشى رافعين راسنا عقيد وعميد قال كنا فاكرين نفسنا رُتب”
عاد رشدي لتوازنه وحاوط كتف دياب بذراعه وهو يقول:
“ومازلنا رُتب يا جدع متقللش من نفسك… إنت عطار وأنا نجار”
“طيب تعالى بقا يا نجار نلعب دور طاوله على ما باقي العيله يصحوا…”
“بينا يا عطار”
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★
أخذ «رائد» يقطع الغرفة جيئةً وذهابًا في اضطراب ثم جلس على الفراش يُطالع الصغيرين عمرو وعامر في ريب فقد يكون ذلك إحدى مقالبهما التي لا تنتهي، وربما فعلاه انتقامًا مما اقترفه ليلة البارحة حين أخذ ألعابهما بعد اشعالهما للصواريخ..
أمعن النظر لملامحهما فبدا وكأنهما غارقان في النوم! نفث الهواء من فمه في ضجر ودلف للمرحاض بالغرفة…
******
ومن ناحية أخرى جلست نداء على فراشها ثنيت ركبتيها واستندت برأسها عليهما ليستجلب عقلها ما حدث كان قلبها يختلج ووجهها يتلون بحمرة الخجل بينما الدموع تنفر من عينيها هي تتذكر مظهره، وكلام والدها وتفكر فيما سيحدث!!
استلقت على الفراش وأغلقت جفونها وهي تحاول كبح نشيجها وترتشف دموعها حتى وصل صوتها لـ ريم التي فتحت جفونها بخمول وما أنا انتبهت لحالتها اتجهت نحوها في لهفة، جلست جوارها وقالت وهي تمسح على ظهرها بحنو:
“نداء!! مالك يا حبيبتي؟!”
جلست نداء وطالعتها لبرهة وهي تكبح دموعها وما أن التقت أعينهما حتى ارتمت في حضنها وأخذ نحيبها يرتفع حتى سمعتاه وئام وهيام النائمتان بالفراش بالفراش العلوي وقفزتا عن السرير…
هيام بقلق:
“فيه إيه؟! إيه اللي حصل؟!”
وئام بصوت ناعس:
“هي بتعيط كده ليه يا ريم؟”
ربتت ريم على ظهر نداء وهي تقول:
“مش عارفه يا جماعه اصبروا لما تهدى”
ربتت وئام على كتف نداء بشفقه وساد بينهن صمتٌ ثقيل لا يقطعه سوى نشيج نداء المتقطع…
وبعد فترة هدأت الأنفاس وجلست نداء على طرف فراشها تطرق رأسها لأسفل وهن يتأملنها مترقبين أن تخبرهن بما حدث…
ريم بترقب:
“إيه اللي حصل يا نداء؟!”
مسحت نداء وجهها متنهدة وقالت بلجلجة:
“مفيش حاجه… محصلش حاجه”
قطبت هيام جبينها وقالت:
“أومال كنتِ بتعيطي ليه يا بنتي؟!”
ابتسمت نداء بتصنع لتدير وهمت قائلة بتنهيدة:
“أصلي حلمت حلم وحش فعيطت”
نظرن لبعضهمن ثم طالعنها يتفرسن ملامحها، فهبت نداء واقفة واتجهت صوب المرحاض وهي تردد:
“أ… أنا داخله الحمام”
دلفت للمرحاض في سرعة لتهرب من نظراتن تلك!! وهن ينظرن لطيفها متعجبين!
★★★★
مر الوقت واستيقظ الجميع كان الأطفال يركضون خلف بعضهم بأنحاء البيت وشيرين ودينا تقفان في المطبخ تتحدثان أثناء تنظيف أواني الإفطار…
والفتيات يجلسن بالشرفة يلعبن بالأوراق عدا نداء التي تناولت إفطارها وحدها ولزمت غرفتها متظاهرة بالنوم، وهي تنسج أحلامًا وتتخيل رد فعل والدها المترقب تتخيل لو عقد قرانها من رائد في سرعة! وكانت مشاعرها تتأرجع بين رغبة ورهبة…
ومن جهة الأخرى لم يبرح «رائد» غرفته إلا لتناول الإفطار وتفاجئ بسكون والده ووالد نداء ومعاملتهما له وكأن شيء لم يحدث…
استلقى على فراشه متوسدًا ذراعيه كانت ابتسامته تتسع كلما تخيل شكلها أمام عينه أخذ يتذكر أول لقاء بينهما ونظراتهما لبعضهما وارتباكها وحيائها فكم هي جميلة وتعجبه!
وفجأة انتفض واعتدل في جالسًا تلاشت ابتسامته وانتبه لنفسه أخذ يتسائل ماذا أفعل؟ وما مصير توزيع نظراتي هكذا بدون رقابة؟ أين غض البصر الذي لزمته لأعوام!
تذكر صديقه «يحيى » ونُصحه الدائم بألا يفرط في بصره رن في رأسه جملة يحيى المعهودة:
“يميل القلب للغوص في بحر الشهوات وذلك البحر مخيف ومُغرق وبدايته نظرة فاحذر أن تغرق يا صديقي”
أخذ ينهر نفسه لم يتصرف هكذا كمراهق!! هز عنقه يمنة ويسرة مستنكرًا ما يفعله!
هو لن يستطيع الزواج الآن أقل شيء سينتظر ثلاثة أعوام ليُحسن دخله المادي حتى يستطيع الباءة.
نفخ بقـ..وة وخاطب نفسه:
“مش هبصلها تاني وهمنع نفسي من التفكير فيها لحد ما أشوف هعمل إيه”
بل ظن أنها قد تكون مجرد نزوة وسيتحرر من قيودها حينما تختفي نداء من أمامه، أومأ رأسه وأخذ يردد:
“لازم أحافظ على نظراتي وابعد عنها بقدر الإمكان”
وثب وتنهد بعمق ثم فتح باب غرفته وخرج يبحث عن رامي ليحكي عما يعتل بصدره….
********
كان رامي يجلس بمفرده على مقعد بالحديقة يكتب بدفتره فكرة قد جالت بخاطره، وريم تستند بمرفقيها على سور الشرفة وتُطالعه وهو يوليها ظهره والإبتسامة ترتسم على مُحياها شاردة في حال قلبها المتقلب وقف رائد جوار رامي فأخفضت بصرها ثم رفعته وهي تبدل نظرها بين الإثنين متسائلة عن حقيقة مشاعرها المشتته!
___________
“بتعمل إيه يا رامي”
رفع رامي بصره لأخيه وأجاب بابتسامة:
“بكتب جملتين كده… تعالي دا أنا عايز أحكيلك حاجه مهمه يمكن تساعدني في حيرتي”
أغلق «رامي» الدفتر متأهبًا لإخباره عن الإسورة التي رآها بيد نداء، فقال رائد بفضول:
“خير احكي”
سحب رائد مقعد ليجلس جوار أخيه ثم رمق ريم بطرف خفي فمازلت تتابع رامي، قال متخابثًا:
“بص الأول وراك كده يا رامي”
نظر رامي نحو ريم التي هرعت فور التفاته ودلفت للبيت، فابتسم «رامي» ونظر لأخيه قائلًا بلوعة:
“دي بقا أجمل حاجه في حياتي”
“هي عارفه؟!”
أومأ رامي وقال مبتهجًا:
“أنا طلبت أتجوزها وهي وافقت… وكلمت بابا وهو كلم عمي في التلفون… وعمي رحب بالموضوع”
جحظت عيني «رائد» مندهشًا، أشار لنفسه وهو يقول بصدمة:
“وأنا أخر من يعلم يا رامي؟!! إيه كنت ناوي تعزمني على الفرح ولا إيه!!”
زم رامي شفتيه وحاول التبرير قائلًا بارتباك:
“متزعلش والله يا رائد ما إنت عارفني مبعرفش أحكي…”
ران بينهما الصمت هنيهه فدائمًا يفاجئه رامي كما فعل مسبقًا بقرار سفره…
ما يحزنه أنه لا يستطيع قراءة أخيه كما يفعل هو! لا يدري أعجز منه أم غموض زائد من رامي، ربت رامي على فخذه وقال بأسف:
“مبعرفش يا رائد مبعرفش أحكي ولا أشارك مشاعري مع حد”
وثب رائد وطالع أخية لبرهة بنظرات مبهمة وقد ثقل صدرة، قال بخيبة أمل:
“لكن أنا مش حد يا رامي وعلى العموم مبروك”
لم ينتظر رده وهرول من أمامه ورامي ينظر نحوه صائحًا:
“استنى بس يا رائد”
لم يلتفت إليه ووقف لحاله في ركن بالشرفة متضجرًا من أفهال أخيه وقد قرر ألا يحكي لأخيه أي شيء بعد الآن سيكون غامض مثله تمامًا! زفرًا متنهدًا ليقذف مع الهواء ذاك الثقل الذي يُعيق تنفسه.
وظل رامي ينظر لمكان أخيه الفارغ بندم وهو يردد:
“دائمًا بزعله وعنده حق يزعل بس أنا مبعرفش أحكي”
نفث رامي الهواء من فمه وأخذ يكتب:
“حاربتُ مشاعري لأبتعد عنها لكنها تسكن روحي… لم أستطع نسيانها، لازلت أشعر بتخبطها ونظراتها المشتته وحيرتها بيننا ولكني لن أتركها هي لي وحدي وهو لا يراها… لابد وأن تُحبني”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
كانت دعاء تجلس في غرفتها تعبث بهاتفها وهي تستمع لإحدى الأغاني حتى وصل لها رسالة عبر تطبيق الماسنجر محتواها:
“أنا علي وكنت عايز منك مساعده يا دعاء”
ردت:
“مساعدة إيه؟!”
كتب على الفور:
“أنا بحب نداء ممكن تساعديني أوصل لقلبها”
سألته:
“أيوه يعني مش فاهمه إنت عايز مني إيه برده؟!”
“إنتِ صاحبتها وعايزك تساعديني نفسي تحبني زي ما بحبها”
“والله نفسي أساعدك بس قلوبنا مش بإيدينا ومش هقدر أخليها تحبك بالعافيه”
“حاولي تقنعيها بيا أنا بجد بحبها ونفسي أتجوزها”
أرسلت دعاء:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“وهي قالتلك إنها مش بتفكر في الموضوع ده دلوقتي”
كتب مستعطفًا:
“حاولي عشان خاطري أنا مش متخيل حياتي من غيرها كلميها بالله عليكِ”
تنهدت دعاء بعمق وهي تلف في المحادثة تقرأها مرة تلو الأخرى فهي تُشفق عليه منذ أن أحرجته نداء برفضها وردها الصارم، وبعد أن فكرت لبرهة أرسلت:
“حاضر هحاول معاها عشان خاطرك”
ابتهج علي وأرسل لها:
“شكرًا يا دعاء عمري ما هنسالك الجميل ده”
ردت باقتضاب:
“ربنا يقدملكم الخير”
طلبت دعاء رقم نداء مرة تلو الأخرى لكنها لم تُجبها..
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★
في عصر اليوم وبعد تناول الغداء كانت نداء على حالتها تجلس بالغرفة خشية النظر في وجه والدها!
أجابت على «دعاء» التي سردت عليها ما قاله «علي» وأخذت تُقنعها به فنهرتها نداء وقالت بعصبية وفي حزم:
“ريحي نفسك يا دعاء علي ده لو أخر راجل في الدنيا مش هتجوزه دا ماشي مع نص بنات البلد”
ردت دعاء بنفاذ صبر:
“إنتِ حره يختي متتعصبيش عليا!”
نفخت نداء وقالت:
“سلام يا دعاء دلوقتي”
أغلقت هاتفها ووضعته أسفل وسادتها…
وعلى نحوٍ أخر زفرت دعاء بحنق منها مرددة:
“حد يرفض علي القمر ده… دا إنتِ وش فقر… والله صعبان عليا”
********
كان الفتيات يخرجن ويدلفن إلى الغرفة ولا تخرج معهن حتى صاح دياب:
“يلا يا ولاد رايحين البحر”
تعالى هتاف الصغار متهللين، حاولت نداء التملص منهم كي لا تذهب فلا تريد رؤية والدها ولا رائد الذي يُربكها وجوده معها في أي مكان… ولكن بعد إصرارهم اضطرت لمرافقتهم…
ارتدت فستان باللون الأسود وحجاب وردي وخرجت من غرفتها سار الرجال أولًا وتبعنهم لم تكن تتحدث والجميع يلاحظ تغيرها لكن لم يسألها أحد…
اقتربوا من البحر وسمعت نداء صوت هدير مياهه حاولت أن تبتسم ولكن ما حدث في صباح اليوم مازال عالقًا في ذهنها وينغصها!
أخذت ترنو من البحر في اشتياق وبداخلها اضطرب يشبه امواجه…
سألتها ريم التي تسير جوارها عما أصابها فأجابت:
“مفيش أصلي منمتش كويس امبارح ومصدعه”
“ألف سلامه عليكِ لما نرجع هديكِ حباية للصداع”
أومأت نداء مبتسمة بتصنع ووقفت أمام البحر تتأمل لون مياهه الزرقاء وتشعر بالرمال تتوغل بين أصابع قدميها والتي تلامسها المياه بين حين وأخر أخذت تملأ صدرها بالهواء النقي وتزفره من فمها وهي مغمغة العينين…
وحين فتحت جفونها أبصرت رائد وهو يسبح مبتعدًا عن الشاطئ فابتسمت…
نظرت خلفها فكانت والدتها وشيرين تجلسان على الأرض وتضحكان بابتهاج فلم تتوقفا عن الحديثمذ وصلا للأسكندرية…
أما والدها ودياب فكانا داخل المياه مع الأطفال يضحكون، فتسائلت هل صدق والدها ما قاله رائد وانتهى الأمر أم ماذا حدث؟!
انتشلها من أفكارها «وئام» التي جذبتها من ذراعها وأخذت تُصر عليها هي وريم ليصعدن لمركب صغير يدور بالمياه فلم ترضى وآثرت أن تبقى مكانها!
أما ريم فوافقت وركبن الثلاثة للمركب وظللن يلوحن لها من داخل المياه وهي تبتسم لهن…
كان رامي يجلس على مقعد أمام الشاطئ وكانت تلاحظ نظراته التي يرمقها بها خلسة تسائلت بين نفسها هل هو معجب بها لذا يسترق النظر إليها أم ماذا به هذا الشاب الغريب!!
من ناحية أخرى أخذ رامي يكتب بدفتره أحيانًا وينظر نحوها أحيانًا وينظر نحو ريم أحيانًا أخرى، حتى تناهى لسمعهم صوت صرخات وئام…
أجفل الجميع حين قفزت هيام في المياه خلف ريم التي سقطت عن سطح المركب للتو، هب رامي واقفًا وبيده دفتره الذي أعطاه لـ نداء وتوغل لداخل المياه في سرعة….
كانت المياة تسحب ريم لأسفل وهي تقاومها وترفع يدها لأعلى ثم تسحبها المياه مجددًا!
وهيام هي الأخرى لا تعرف للسباحة طريقًا فكانت تستغيث…
لم تمر لحظات إلا ورائد يجذب أخته إليه وكاد يذهب لـ ريم لولا أن جذبها رامي إليه وهو يلهث…
أخذت «ريم» تشهق وتحاول التنفس وهي تتشبث به وتخفي وجهها في صدره، وهو يحاوطه بذراعه ويقول باضطراب:
“معلش يا حبيبتي… خدي نفسك واهدي”
“كـ… كنت همـ.. وت”
رد في لهفة:
“بعد الشر عليكِ وأنا وأعمل إيه من بعدك!!”
نظرت إليه لبرهة وطالعها بنظرات تقتر حبًا، فلمست شغاف قلبها، سرعان ما انتبه لنفسه والتفت حوله في خجل فكانت العيون ترشقه بنظراتها، وحين اطمئن أنها هدأت ابتعد عنها وأخذ عوامة من طفل مع أبيه هو يقول:
“امسكي في دي يا ريم على ما نطلع”
أومأت هي في حياء ونفذت ما قاله…
من ناحية أخرى كان رائد يحتضن أخته وهو يقول ساخرًا:
“ولما إنتِ مبتعرفيش تعومي بتنطي وراها ليه؟!”
ضمته هيام بقـ..وة و قالت بضحك:
“كنت فاكره نفسي بعرف أعوم يا رائد واتفاجئت إن أنا بغرق”
ضحك رايد بقـ..وة وقال:
“يلا يختي نخرج”
“لا نخرج إيه! خلينا شويه بقا هدومي اتبلت وخلاص”
ظل رائد يمسك يدها وأخذ يعلمها السباحة….
على الصعيد الأخر تنهدت «نداء» بارتياح حين اطمئنت عليهما، جلست على مقعد رامي وفتحت دفتره فأبصرت جملة:
“يا لها من سدفة رائعة”
جحظت عيناها حين تذكرت تلك الجمله فلم تنسها يومًا، أيُعقل أنه رامي؟! أكملت قراءة الحوار الذي كان يصف ما حدث بالفعل! هو رامي!!!
شهقت ووضعت يدها على فمها وبسرعة البرق دار في رأسها سؤاله عن الإسورة ونظراته لها، انتفض قلبها وتسارعت واخذت تُطالعه وهو يُقبل نحوها بعد أن وضع المنشفة حول كتفي ريم التي جلست على الرمال جوار شيرين ودينا.
كانت نداء تُحملق به وتتفحصه بأعين متسعة تحاول المقارنة بين ملامحه وملامح ذاك الفتي، لم يفهم سر نظراتها إلا حين وقف قابلتها فازدردت ريقها بتوجس، وصدرها يعلو ويعبط وكأنها في سباقٍ ما! سألته بنبرة مرتعشة وهي ترفع معصمها صوب عينه:
“هو إنت صاحب الأنسيال ده؟!”
نظر للأسورة ثم للدفتر بيدها وقال بابتسامة:
“إنتِ قرأتِ اللي مكتوب في الدفتر؟!”
أومأت إيجابًا فاردف يسألها:
“إنتِ نفس البنت صح؟!”
أومأت دون النطق بكلمة فاستطرد بابتسامة:
“بس للأسف مش أنا صاحب الأنسيال… دا أخويا”
اقشعر جسدها وجاهدت لتُخرج تلك الكلمة من حلقها فسألته برجفة:
“أ… ر… رائد!؟”
هز عنقه نافيًا وأطرق رأسه لأسفل وهو يقول:
“لأ… رياض الله يرحمه”
صُعقت ورددت بصدمة:
“مـ… مات؟!”
أومأ دون النطق بكلمة فصمتت وقد تحولت ملامحها وكأنه قد مر بهم فصول السنه الأربعة في لحظات، أغلقت جفونها وقالت بنبرة تخنقها العبرات المكبوحة:
“البقاء لله”
كاد أن يقول شيئًا لكنها لم تعطه مجال، تركت دفتره على المقعد وهرولت من أمامه ووقف هو ينظر لطيفها وهو يزم جفونه بتركيز…
وفي نفس الوقت طلبن الفتيات العودة للبيت، فعادت معهن وهي تكبح جماح مشاعرها وتحاول إخفاء الحزن الذي غلف قلبها ولكنه بدأ جليًا في نظراتها، كانت تنتظر أن تختلي بنفسها لتبكي ولا تدري لمَ أصابها ذلك الشعور!! هي فقط تريد البكاء للتخفيف عن قلبها المثقل….
بقلم آيه شاكر
★★★★
مر يوم باكمله كان رامي يحاول أن يحكي لـ رائد لكنه كان يصده، ولما يأس منه تركه متضجرًا مما يفعل!
غابت نداء عن الأنظار كانت تقرأ ما كتبته عن ذلك الفتى الذي وصفته حينها بالليل وتنظر للأسورة بيدها وتبكي لا تخرج لتتناول الطعام معهم وقد لاحظ الجميع تغيرها المباغت حتى ظن دياب أنه ربما بسبب ذلك الموقف مع ابنه رائد فناداها ليتحدث معها أمام رشدي «والدها»…
جلست «نداء» على المقعد جوارهما في الشرفة وهما يلعبان الطاولة حتى قال دياب:
“نداء يا بنتي إحنا واثقين فيكم وعارفين إن اللي حصل ده كان بالغلط… ولا إيه يا رشدي؟”
برم رشدي شاربه في تباهي وقال:
“ايوه أنا مربيكِ وواثق في أخلاقك… وكمان مقولناش لحد… إطلعي كده اقعدي معانا وروقي محصلش حاجه إحنا نسينا أصلًا”
ابتسمت نداء بتصنع وقالت بصوت متقطع:
“أنا بس عـ… عندي صداع عشان كده بـ… بقعد بعيد عن الدوشه”
دياب وهو يُمعن النظر نحو عينها:
“باين على عينك فعلًا”
باغتها دموع عينيها فقالت:
“وكمان عيني بتدمع لوحدها”
ربت رشدي على ظهرها وهو يقول بجدية:
“أكيد اتحسدتي… تعالي يا بت هرقيكِ”
وضع رشدي يده على رأسها وأخذ يردد أيات من القرآن واستسلمت واضعة رأسها على صدر والدها وأغلقت جفونها…
كان «رائد» يتابعها رُغمًا عنه، كان مشفقًا عليها فقد سمع الحوار الذي دار بينهم مذ قليل هرول لغرفته وخرج في سرعة ثم جلس جوارهم فشعرت بوجوده، أصبحت تشعر بأنفاسه إذا اقترب منها، ولم تفتح عينها إلا بعد أن انتهى والدها من القراءة فمد رائد يده ببعض الحبوب وقال:
“اتفضلي يا نداء دي حبوب للصداع”
مدت يدها وأخذتها منه، قالت دون أن تنظر لوجهه:
“شكرًا”
ثم نهضت في هدوء ودخلت لغرفتها، وظل رائد ينظر لأثرها لفترة…
وحين أبصر نظرات رشدي ودياب اللذان يرشقاته بابتسامة مراوغة، إزدرد لعابه باضطراب وهرول لغرفته دون أن ينبس بكلمة، فنظر رشدى لـ دياب وقال مبتسمًا:
“والله أنا حاسس إن العيال دول بينهم حاجه… ”
ابتسم دياب وقال:
“والله ياخويا لو فيه حاجه هيقولولنا… واحنا مش هنمانع”
استغفرو❤️
★★★★
في صباح اليوم التالي وبعد أن أدت «نداء» فريضة الفجر دلفت للمطبخ كانت تشعر بالجوع، ففتحت الثلاجة وأخرجت الجبن والخبز وحين رفعت يدها نحو فمها أبصرت الأسورة حول معصمها فدمعت عيناها لا تدري ما أصابها؟ هي لم تكن تعرف رياض! ولم تقابله سوى مرة واحده لمَ تبكِ هكذا؟! تود أن تفيقومن ذلك الحزن المباغت ولا تستطع! ارتشفت دموعها فسمعها رائد وهو يمر بجوار المطبخ فدلف إليها وقال بقلق:
“نداء… إنتِ لسه مصدعه ولا إيه؟!”
انتفضت حين سمعت صوته ومسحت دموعها في سرعة فأردف بابتسامة:
“متخافيش أنا رائد”
هي لا تخاف إلا منه ولا ترتبك إلا مع وجوده، قالت دون أن ترفع بصرها:
“أ… أنا… كويسه”
سألها باهتمام:
“طيب مالك كنتِ بتعيطي ليه؟!”
لم تجبه وخلعت الأسورة ومدت يدها لتعطيها له قائلة:
“الأنسيال ده كان وقع من رياض أخوك الله يرحمه… إ… إتفضل”
عقد جبينه متعجبًا وقال مستفهمًا:
“مين رياض؟! أنا عمري ما كان ليا أخ إسمه رياض!”
وضحت:
“رياض اللي كان أعمى اللي نام وصحى لقى نفسه مش بيشوف… أنا اتفاجئت إنه توفى”
قال بنبرة ساخرة وابتسامة تجلت في عينيه:
“رياض مين؟! إنتِ جايبه الكلام ده منين؟!”
رفعت بصرها تُطالعه بتدقيق وهي تقول:
“رامي اللي قالي!!”
أطلق ضحكة كالزفرة وقال بسخرية:
“رامي ده اتجنن رسمي”
استطرد:
“إوعى تكوني بتعيطي عشان كده؟!”
وقبل أن تُجبه أُغلق باب المطبخ عليهما فنظرا لبعضمها هي ذهول ثم اتجه رائد نحو الباب وتبعته نداء التي تعثرت قدمها فصرخت وكادت تسقط لولا أن جذبها لتقع بين يديه…
رأت نداء ذلك المشهد في الأفلام الرومانسية وقرأت عنه في الروايات كانت تتعلق بين يديه ونظراتهما تتشابك وتتناغم دقات قلبها المتسارعة مع بعضها…
كان رائد يغوص في بحر عينيها وكأنه في عالم أخر، وهي تنظر لعمق عينيه الدافئتين، طالع رائد جفونها المتورمة من أثر البكاء ابتسم وقال بصوت رخيم:
“يا لها من سدفة رائعة”
أكمل موضحًا:
“مفيش رياض يا نداء… أنا رائد… رياض ده مـ…ات لما…”
قاطعه صوت فتح الباب وإطلالة والده وجواره رشدي، فاعتدل واقفًا واعتدلت نداء وولتهم ظهرها في حياء واضطراب واضعة يدها على فمها…
وقف رائد يلتفت حوله بنظرات مذبذبة وأخذ يحك عنقه بارتباك، فأشار رشدي نحوهما وسأل بجمود:
“انتوا بتعملوا ايه؟!”
وأردف وهو ينظر لـ دياب:
“شوفت بعينك… حيث كده بقا إبنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“شوفت بعينك… حيث كده بقا إبنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
هزت نداء عنقها يمنة ويسرة ونطق لسانها وكأنها لا تتحكم في عضلاته وبصوت متحشرج:
“يا لها من سدفه… سدفة… سدفــــة”
غضن رشدي جبينه وقال مستفهمًا:
“سدفة!!! يعني إيه؟!”
الحلقه ١٢
#رواية_سدفة
قهقه رائد وشاركه والده دياب حتى سعل، فقال رشدي رافعًا إحدى حاجبيه:
“بتضحكوا على إيه؟! بتضحك على إيه يا عقيد!!”
لم يجب دياب وظل يقهقه هو وابنه فأكمل رشدي ساخرًا:
” هتمـ…وت من الضحك يا راجل ويقولوا الله يرحمه كان طيب مات من الضحك… فكل ما نفتكرك نضحك”
قال رشدي أخر جملة وانفـ..جر ضاحكًا وهو يصفع كفًا بالأخر وكأنه ألقى نكتة، فضحكت نداء هي الأخرى على طريقة والدها وهو ينثني ويقف من شدة الضحك…
نظرت نداء لـ رائد الذي احمر وجهه من شدة الضحك وقالت بسخرية ومن خلف ضحكاتها:
“هتمـ…وت من الضحك يا رائد”
ثم سمعت «نداء» أصوات ضحكات ريم وهيام ووئام التي ارتفعت فجأة ولكنها لم تراهن حولها إلا بعد أن فتحت جفونها فاصتدمت عيونها بعيونهن الدامعة من كثرة الضحك…
وثبت جالسة وهي تبدل نظرها بينهن وهن يجلسن حولها على الفراش منهمكين بالضحك ظلت مشدوهة للحظات حتى تذكرت ذلك الحلم الغريب فانتفض قلبها وهربت الد**ماء من جسدها خشية أن تكون قد هذيت بأي هراء وهي نائمة، سألتهن بلجلجة:
“بتضحكوا على إيه؟!!”
“كنتِ بتضحكي وإنتِ نايمه ”
قالتها وئام من خلف ضحكاتها فابتلعت نداء ريقها وسألتها بقلق:
“قـ… قولت حاجه؟!”
عقبت هيام:
“الصراحه قولتِ كتير يا نداء”
ضحك ثلاثتهمن مجددًا وكانت نداء في قمة إحراجها فربما نادت باسم رائد أو رياض أو رامي، تُرى ماذا قالت ليضحكن هكذا!!
كبحت «ريم» ضحكاتها لتقول:
“صوت ضحكتك إللي كان فظيع يا نداء”
أخذت وئام تُقلد ضحكات نداء وهي ترفع رأسها لأعلى:
“هع هع هع هع هااااع”
انخرط ثلاثتهن بالضحك مجددًا وقالت هيام بضحك:
“وكنتِ بتقولي سدفه… سدفه… وأخر حاجه قولتيها هتموت من الضحك يا رائد”
ثم حاولت هيام بطنها وهي تقهقه بلا توقف…
وضعت نداء يدها على وجهها بإحراج وأخذت تتذكر ذلك الحلم بداية من دخولها للمطبخ ودلوف رائد خلفها وحتى إطلالة والدها مع دياب من خلف بابه وكامل حديثهم وضحكاتهم وفجأة انفـ…جرت نداء ضاحكة وهي تردد:
“كان حلم غريب أوي بجد”
هيام بضحك:
“أنا بس عايزه افهم يعني ايه سدفة وليه رائد أخويا هيمـ….وت من الضحك؟”
ارتفعت ضحكاتهمن جميعًا،حتى كبحت نداء ضحكاتها وقالت بابتسامة مغلفة بالخجل:
“اسكتوا بقا يا جماعه!! ألااااه”
أخذت وئام تسخر منها وتقلد ما كانت تردده:
“سدفه… سدفه.. هع هع هع هع هااااع”
واكملت هيام بضحك:
“هتمـ…وت من الضحك يا رائد”
زمت نداء شفتها وكرمشت ملامحها وهي تقول بتبرم:
“والله انتوا رخمين… بــس بقـــا!!”
لم يتوقفن عن الضحك فظلت نداء توزع الضـ…ربات عليهن وهن يسخرن منها ومن ضحكاتها تلك! حتى تناهى لسمعهن صوت ضحكات دياب المخطلته بالسعال، ورشدي الذي يخاطبه قائلًا:
“هتمـ..وت من الضحك يا راجل ويقولوا المرحوم كان طيب مات من الضحك”
تذكرت نداء تلك الجملة فقد قالها والدها في الحلم عقدت جبينها وسألتهن في ترقب ولهفة:
“هي الساعه كام دلوقتي؟!”
هدأت نوبة الضحك التي انتابتهن، وتنهدت ريم وهي تمط ذراعيها من أثر النوم قائلة:
“لسه الفجر مأذن حالًا”
جلست «نداء» على طرف فراشها وأخذت تحك رأسها وهي تُحدق بالفراغ وتردد:
“يعني ممكن تكون رؤيه!! أصل بابا قال نفس الجمله اللي قالها دي في الحلم بردو”
اعتدلت هيام في جلستها وقالت بحمـ…اس:
“احكيلنا بقا الحلم الكوميدي ده”
طالعتها «نداء» لبرهه وهي تتذكر تفاصيل الحلم وكللمات رائد ونظراته فانتابتها قشعريرة وانتفضت بارتباك، وثبت قائمة وغيرت دفة الحوار قائلة بنبرة مرتعشة:
“يلا… يلا نصلي الفجر مع بعض جماعه”
هرولت نحو المرحاض وقبل أن تدلف سمعت صوت ريم وهي تقول:
“الله! مش لما تحكيلنا الحلم الكوميدي ده!”
ودون أن تلتفت نداء لوحت بيدها في الهواء بضجر ولم تُعقب، فضحكت وئام وقالت وهي تغمز بعينها لـ هيام:
“بتحلم برائد!؟”
ريم قاطبة حاجبيها:
“يعني إيه؟!”
أخذت«هيام» تدندن وهي تتمايل بحمـ…اس:
“بحلم بيك أنا بحلم بيك…”
صفقت وئام ووثبت تقفز بفرحة وهي تغني:
“وبأشواقي مستنيك”
ضحكت «ريم» عليهما بينما وقفت نداء خلف باب المرحاض تسمع صوتهما وتضع يدها على قلبها المرتجف وهي تتذكر «رائد» ونظراته مذ لقاء بينهما وحتى تلك اللحظة، فرددت بندم:
“كانت غلطه واحده عملتها بدون قصد جابتلي وجع القلب”
قد يكون خطئها واحد لكنه أودى بقلبها، كان أشبه بعقدة تحفظ سلسلة متلاحمة وحين انفكت انفرط العقد بالكامل….
فقد تجاوزت حدودها حين حدثته كصديق ولكن لم لا تجوز الصداقة بين شاب فتاة؟! هكذا سألت نفسها ثم اومأت وهي تُجيب حالها دون نطق، الله خلقنا وهو الأعلم بحال قلوبنا وهو القائل في كتابه:﴿….ولا متخذات أخدان….﴾ والخدن أي الصديق
رددت بصوت هامس:
“مغلطتش لما سميتك عقابي… إنت عقابي”
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★★★
صلى «رامي» الفجر قبل تمام الشروق وحمل كتابًا ليقرأه فرماه «رائد» بنظرة جانبية وقال بجمود:
“اخرج اقرأ بره عشان أخواتك نايمين”
ترك «رامي» الكتاب جانبًا ورنى من أخيه ثم قال هو يقف قبالته:
“عايز أتكلم معاك شويه”
استلقى رائد على فراشه وولاه ظهره وهو يقول:
“طفي النور يا رامي عايز أنام”
نفذ صبر رامي فثار عليه قائلًا:
“تصدق بالله خساره فيك إللي كنت هقولهولك”
لم يعقب رائد ولم يلتفت له، فرمقه رامي لبرهة وهو يفرك ذقنه ويفكر فهو يعرف مفاتيح أخيه، تنحنح وقال في دهاء:
“على فكره نداء بتحبك”
وقبل أن يلتفت رائد أغلق رامي ضوء الغرفة وخرج وهو يبتسم بخبث وخاطب نفسه:
“أنا عارف هجيبك ازاي يا رائد”
جلس «رائد» يفكر بكلمتي أخيه ثم صك أسنانه بغيظ فقد فهم ما يريده ذلك الأحمق لن يفلح تلك المره وقرر ألا يُحدثه على أى حال!ا
ترددت الكلمات في رأسه مجددًا فزم جفونه ثم ردد:
“اممم… يمكن نداء قالته حاجه أو لاحظ حاجه وعايز يقولهالي”
هز رأسه يمنة ويسرة لينفض الأفكار من رأسه وقال بانفعال:
“حتى لو فيه حاجه برده مش هكلمه..”
أوما مؤيدًا نفسه ثم عاد يستلقى على الفراش فأخذت جملة أخيه تمور في رأسه ”نداء بتحبك” فنفخ بحنق ونهض لخارج الغرفته يبحث عن أخيه ضـ…اربًا بقراره عرض الحائط…
بقلم آيه شاكر
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌹
★★★★★
“تعالي معايا يا ريم عايزه أعمل سندوتش جعانه أوي”
قالتها «نداء» فمازلت قلقة أن يتحقق حلمها ذاك، وتخشى الخروج بمفردها من الغرفة فالتقى برائد ويتحقق الحلم!
لبت ريم طلبها وخرجت من الغرفة تتأبط ذراعها وأخذت «نداء» تحكي لها بصوت خافت عن حلمها عدا تلك اللحظة الرومانسية التي تخللته!
بينما جلس وئام وهيام تعبثان بهواتفهما بعد أن طلبتا منهما أن يجلبا معهما الطعام….
وقفت «نداء» بالمطبخ تُحضر السندوتشات وتحكي لـ ريم التي تقف خلفها تستمع وتضحك دون تعليق، وحين رأت ريم رامي يجلس بمفرده بالشرفة انسحبت في هدوء واتجهت صوبه تاركةً نداء تُحدث نفسها وتضحك كالمجنونة…
من ناحية أخرى كان «رائد» يمر أمام المطبخ فسمعها تردد بضحك:
“عشان كده بقا كنت بقول هتمـ…وت من الضحك يا رائد…”
توقف عاقدًا جبهته باستغراب، ودلف خطوتين لداخل المطبخ بينما هي تنهدت واستندت بكلتا يديها على رخام المطبخ ودون أن تنظر نحو ريم واستطردت بأسى:
“تخيلي الصدفه دي! أنا قابلت رياض الله يرحمه من خمس سنين وأنا معرفش إنه ابن صاحب بابا… أكيد كنتِ تعرفي رياض!”
صمتت نداء لبرهة وهي تتذكر ذلك اليوم وحوارهما وقالت باستفهام:
“تفتكري معناها ايه يا لها من سدفة رائعة اللي قالها لي دي؟!”
استدارت خلفها تنظر لريم التي سكن صوتها! فصُدمت حين وجدته ينظر نحوها والذهول يعلو ملامحه فاستدارت مجددًا ووضعت يدها على قلبها الذي كان يتواثب خلف أضلعها!
وحين تذكرت ذلك الحلم استدارت مرة أخرى ونظرت نحو باب المطبخ فلم يكن له باب من الأساس!!
ابتلعت ريقها بارتباك وهي تُطالع رائد الذي مازال على حالته يُطالعها والصمت يقتات عليه! والدهشة تحتـ..ل كل ذرة فيه، فارتجفت نداء وتركت الطعام مهرولة خارج المطبخ وجسدها يختلج…
هز «رائد» عنقه وكأنه يغربل ما سمعه من كلام في رأسه ثم ردد بشدوه:
“يا لها من سدفة رائعة!! مش ممكن!! معقوله هي؟!”
كاد قلبه يقفز خارج صدره من فرط انفعاله أطلق قدميه نحو أخيه فبالطبع كان يحاول إخباره شيئًا بشأن هذا القبيل…
★★★★
وقفت «ريم» جواره وهو يستند بمرفقيه على سور الشرفة مُطالعًا الحديقة في شرود، قالت بابتسامة ونعومة:
“صباح الخير”
التفت لها بكامل كيانه وارتسمت الإبتسامة على ملامحه وهو يقول بصوته الرخيم:
يا صباح السكر على المسكر”
أشاحت بصرها عنه ووقفت تنظر للحديقة أمامها قائلة بنزق مصطنع:
“بطل بقا تقولي كده وخصوصًا قدامهم”
أطلق تنهيدة حارة وقال بلوعة وهو يتأملها:
“لا أستطيع فكلما رأيتُك شعرتُ بمذاق السكر في فمي”
رمقته بنظرة جانبية وعقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول بسخرية:
“بتبالغ أوي”
نظر أمامه وقال بتنهيدة:
“مش ببالغ… بحبك”
وقعت كلمته تلك على قلبها كالصفعة، وكأنها كانت تسير مطمئنة وصدمها أحدهم فهوت أرضًا حتى وإن كانت تعلم أنه يحبها لكن لوقع تلك الكلمة أثر هز كيانها! كادت أن تنهره عن قولها الآن ولكن قبل أن تنطق خرج رائد للشرفة مندفعًا وتجاهل وجودها موجهًا كلامه الحاد لـ رامي:
“إنت شكلك اتجننت رسمي”
ظنت أنه ربما سمع ما قاله رامي ولذا ينهره! فابتلعت لعابها وتركتهما على استحياء ودلفت للبيت وقلبها ما زال يقرع بعنـ…ف أثر كلمة رامي “بحبك…
ارتبك رامي، وبدل نظره بين أخيه وطيف التي غادرت دون كلمة، ثم وجه نظرات حادة لـ رائد وقال بصرامة:
“متغلطش يا رائد”
غرس رائد عينيه بعيني رامي وهو يقول:
“إنت قولت لـ نداء إيه؟!!”
تلعثم رامي:
“قـ… قولت ايه؟! مقولتش حاجه”
رائد بانفعال:
“متستعبطش محدش يعرف اسم رياض ده غير أنا وإنت!”
أسترسل ساخرًا:
“مش ده البطل اللي إنت كتبته في الروايه على أساس إنه أنا وقولت هنكمل الروايه من وحي خيالنا!”
صمت رائد هنيهه ثم سأله مترقبًا:
“إنت اكتشفت إن نداء دي هي نفسها البنت الصغيره اللي قابلتها من خمس سنين صح؟!… عرفت إزاي؟! وإيه الي حصل؟!”
كان «رامي» يُطالع أخيه بنظراتٍ مدلهمة وقد لاذ بفقاعة من الصمت، ورائد يقف مترقبًا وقد حاوطته هالة من القلق المشوب بالفضول، ينتظر من رامي كلمة ليروي ظمأه ولكن طال صمت رامي فهدر به رائد:
“انطق يا عم… هو أنا هشحت منك الكلام؟!!”
قال رامي بتخبط:
“أ… أ… أنا قولتلها إن الأنسيال بتاع أخوياو… وإنه مات بـ… بس كنت لسه هكمل و… وهي مدتليش فرصه”
حاوط رائد رأسه بيديه وقال:
“لأ أنا مش فاهم حاجه!! عرفت ازاي إنها نفس البنت اللي قابلتني و….”
قاطعه رامي وأشار للمقعد على يمينه وهو يقول في رصانة:
“اهدى وأقعد هفهمك كل حاجه…”
جلس «رامي»على المقعد وجلس رائد قبالته وبدأ رامي يحكي له بداية من الأسورة التي رآها حول معصمها إلى قراءتها لما كتبه بدفتره..
فعقب رائد بتهكم:
“يعني مفكرتش تحكيلي مثلًا يا رامي!”
مال رائد بجزعه العلوي نحو أخيه واستطرد مستفهمًا:
“هو إنتِ مالك يا رامي؟ ليه بتخبي عني كل حاجه مع إني بحكيلك كل حاجه!!!”
رامي مبررًا:
“يبني كنت بتأكد من الحوار وبعدين الأنسيال ده عمرك ما كنت هتتعرف عليه أنا اللي أعرفه لأن أنا إلي كنت شاريه وإنت كنت أعمى وقتها؟!”
ران عليهما صمتٌ ثقيل عاد رائد يجتر ذكرياته حيث تلك الأيام العصيبة التي كان يتخبط في ظلامها، وتذكر تلك الأسورة التي اشتراها رامي ليهدياها معًا لوالدتهما وأخيرًا تذكر ذلك اليوم الذي قابل فيه نداء ودلته على طريق لم يركن إليه وأضاءت له شعاع جديد تعلق به، حين قالت له:
“أنا أسمع إن السحر ممكن يعمي ويجنن ويمـ..وت كمان”
حينها رد عليها بأنه لا يُصدق في مثل تلك الخرافات ولكنها خلقت له طريقًا جديدًا يسلكه، وقد كانت سببًا في انشاله من العتمة كم تمنى أن يراها أو يقابلها مجددًا! حتى يأس وظن بأنها كانت مجرد طيف ساعده وأفل للأبد ولن يلتقيها مرة أخرى بل لم يتوقع أبدًا أن يسوقها القدر إليه بتلك الطريقة!
ابتلع ذكرياته المؤلمة عندما انتبه لـ رامي الذي مازال يبرر ما فعله قائلًا:
“مكنتش عايز أشغلك يا رائد”
أطلق رائد ضحكة كالزفرة وقال بتهكم:
“لا الظاهر إنك اعتبرتني موتت زي بطل روايتك إلي موتته!!…”
نظر «رائد» في عمق عيني أخيه وكأنه يخترقه وأردف معاتبًا:
“وبعدين مقولتليش ليه إنك موتت البطل!! مش كنا مقررين إننا هنكتب الروايه دي سوا…”
أطرق رامي بصره أرضًا وضغط شفتيه معًا في ندم فمجددًا يتسبب في فجوة بينه وبين أخيه! وربما لن تلتئم ولن يغفر له رائد تلك الكَرة كسالفيها! وكما توقع تمامًا فقد وثبت رائد وقال في حزم:
“من هنا ورايح لا عايز أعرف عنك حاجه ولا هقولك عني حاجه..”
اندفع رائد لخارج البيت فناداه رامي:
“رائد… استنى… يا رائـــــد”
لم يتوقف رائد ولم يلتفت إليه فوقف رامي يزئر بعصبية ولوح بقبضته في الهواء وهو يصرخ في غضب مغمغمًا:
“طول عمري بزعله بغبائي… يارتني قولتله…”
ثم نفخ في حنق وداخله يعصف بالمشاعر المتضاربة، فأحيانًا يشعر بالغيرة من رائد فهو يعلم بانجذاب ريم ناحيه وتفضحها نظراتها! ولا يدري لمَ يعاقب أخيه وهو بلا ذنب لكنه يجاهد ليقاوم مشاعره تلك ولم يستطع البوح لـ رائد عن أجيج صدره، والصمت يجر الصمت فلم يعد يخبره بأي شيء….
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
كم نحزن عند إدراكنا أن من نحكي له أدق مشاعرنا هو شخص لم نعرفه وكتاب مغلق التصقت أوراقه ببعضها كي لا نقرأها بل لم يدع لنا غير عنوانه علنا نخمن محتواه! فنتوقف لنسأل أنفسنا لمَ فتحنا له كتابنا؟! لا أحد يستحق أن يقرأ محتونا غيرنا! فلا أحد يؤتمن…
وقف رائد قبالة البحر يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله دار في مخيلته كل ما حدث له من صعوبات مر بها خلال حياته حتى شعر بغصة تتلوى في حلقه ابتلعها، أخذ يتنفس في هدوء وينفض الأفكار السلبية المتقدة في رأسه مرددًا:
“الحمد لله…. أنا راضي يارب والله راضي”
أطلق تنهيدة طويلة واستدار عائدًا للبيت فلا يريد أن يشعرا والديه بأي شيء هم في عطلة ولا يريد تنغيصها عليهم…
كان «رامي» مازال يجلس بالشرفة مطرقًا رأسه في وجوم شارد الذهن يفكر فيما حدث قبل قليل
انتبه لـ رائد الذي دلف للبيت فوثب قائمًا كاد أن يتأسف لأخيه ويظهر ندمه لكن رائد خاطبه في برود:
“ياريت متقولش لـ نداء حاجه يا رامي…”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“مش هقول حاجه بس….”
رفع رائد يده مقاطعًا إياه عن أي تبرير فقد سئم من تبريراته وحواراته تلك! قال رائد بحزم:
“مش عايز اي تبريرات كفايه يا رامي لو سمحت وياريت متحسسش ماما وبابا بأي حاجه..”
أومأ رامي بيأس ورماه رائد بنظرة تشع حدة ثم تركه رائد ودلف للبيت فأغلق رامي جفونه بأسى وتنهد زافرًا بندم….
★★★★★
كان آذان العصر يدوي في الأرجاء وهي تسير لحالها تمضغ العلكة وهي تتحدث مع نداء عبر الهاتف قائلة بنزق:
“إنتِ حره يا نداء أصلًا هو خساره فيكِ”
دوى بأذنها صوت نداء الحازم:
“دعاء متتكلميش في الموضوع ده تاني عشان بجد هنزعل من بعض”
عقبت دعاء بضجر:
“طيب ماشي سلام يا نداء”
قالتها دعاء وحركت رأسها مستنكرة وهي تغلق الهاتف وتضعه في حقيبتها ثم تكمل سيرها في رتابة…
“دعاء… دعاء…”
توقفت عن السير والتفتت أثر صوته فوقف علي قبالتها قائلًا بابتسامة أعجبتها:
“ازيك يا دعاء عامله إيه؟”
في البداية ارتبكت وتلعثمت فلم تعتد على الحديث مع أي شاب، سرعان ما تداركت حالها وحيته بابتسامة عذبة:
“الحمد لله ازيك يا علي؟”
رد باقتضاب:
“الحمد لله… مـ… مفيش أخبار عن نداء”
أطلقت دعاء تنهيدة بائسة وقالت:
“والله يا علي حاولت أكلمها بس هي رافضه الموضوع”
سألها متلهفًا:
“طيب ليه! أكيد قالتلك ليه!”
أومأت دعاء قبل أن تقول بسذاجة:
“عشان سُمعتك سبقاك وكنت مصاحب نص بنات البلد”
أطلق علي ضحكة خافتة معقبًا:
“كلنا بنغلط احنا بشر”
قالت بفلسفة:
“وعشان احنا بشر برده صعب نغفر”
أطرق وهو يزم شفتيه، ثم رفع بصره وقال مغيرًا الحوار:
“طيب إنتِ رايحه فين كده؟!”
أشارت خلفها وقالت في ارتياب:
“كـ… كنت نازله أتمشى”
سألها مغضنًا حاجبيه:
“لوحدك؟!”
أومات وهي تقول بمكر:
“أمممم… لوحدي”
“طيب تسمحيلي أتمشى معاكِ ونتكلم شويه؟”
ابتسمت بانتصار فقد كانت تنتظر ذلك العرض، هي كانت ذاهبة لبيت عمتها ولكن لا بأس ستغير وجهتها لأجله، أما هو فكان يظن أنها سبيل سيسلكه عله يستطع الوصول لقلب نداء!
وعندما طال صمتها سألها بريب:
“عايز أتكلم معاكِ شويه أ… أنا بعتبرك زي أختي”
ردت بحبور ورغبة جامحة وبابتسامة:
“أكيد طبعًا.. يلا بينا…”
سارت جواره وركبا سيارة الأجرة مبتعدين عن القرية وأخذ يحدثها عن نفسه وعن حياته وعن حبه لـ نداء وسألها أن تساعده للفوز بقلبها فشعرت دعاء ببعض الغيرة من صديقتها الحمقاء التي ترفض حب شاب رائع كـ علي وودت دعاء لو يهتم بها أحدهم كما يفعل علي مع نداء…
وبعد.وقت طويل قصته برفقته عادت دعاء لبيتها بعد أن تبادلا أرقام الهواتف ليتواصلا معًا، بدلت ثيابها وهي شاردة الذهن تفكر فيما حدث اليوم، وبينما هي تجلس على فراشها تتذكر كلامه ومدحه لها وابتسامته الندية، ونظراته، ارتفع رنين هاتفها معلنًا عن اسم علي فاتسعت ابتسامتها وأجابت على الفور وبعدما حيته قال:
“أنا اتصلت أطمن عليكِ وصلتِ البيت بالسلامه ولا لسه”
ابتسمت وأجابت برعونة:
“الحمد لله وصلت… شكرًا يا علي”
قال بصوت رخيم سحرها:
“مفيش شكر بين الأخوات وخصوصاً لو أخت زي القمر زيك”
اتسعت ابتسامتها فلا شك وأن مشاعرها الكامنه ستبدأ في التحرك، فقد أظهر لها فيض اهتمامه، وهو يعلم غريزة الأنثى فقلب أي أنثى يميل لمن يهتم لأمره..
تحدثت معه طويلًا وكأن يومها كان بعنوان «علي»..
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 🌷
★★★★
أسدل الليل وشاحه الأسود فخيم على الأفق، وقفت «ريم« تُطالع النجوم المبعثرة في صفحة السماء من نافذة غرفتها فلم تخرج من غرفتها اليوم بأكمله تسللت دمعة منها ولم تشعر بها إلا بعد أن وصلت لزاوية فمها، أخذت الأفكار تطيح بها ومجددًا تستسلم لهواجسها وتضعف كم تخشى قلبها سريع التقلب، فكيف تقلب قلبها من حب رائد لـ رامي بتلك السرعة؟!
فكلما تذكرت حال قلبها واضطرابه ورامي ينطق بكلمة ”بحبك” وقارنته بحاله عند سماع صوت رائد هو الأخر! تحتار وترتبك ويختلج داخلها تتسائل ما بها وما أصابها، أتحبهما الإثنين؟! وكيف ذلك!؟
فقد اعتبرت رامي سندًا لها، فهو الرجل الذي تشعر جواره بالأمان والطمأنينة ولكنها أيضًا تابعت رائد لأعوام وتمنت لو يراها ويشعر بها فقد كان طيفه يزين لياليها، نسجت في خيالها أحلامًا عده وتمنت رفقته.
ففي كل ليلة كانت تدعو الله أن يقربه منها ويقرب رامي من أختها «رغدة»، سخطت وكأنها تعاتب الله على قضائه وأخذت تتسائل لمَ لم يستجب الله دعائها؟! فقد كانت تدعوه بيقين وحسن ظن!
ارتفع نشيجها وسخطها يزداد وقلبها ينتكس فهي تعلم ما مصير الدعاء؟ وقد قرأت سالفًا أن دعاء المؤمن لا يُرد، في حديث شريف قال صلى الله عليه وسلم:
«ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر وأطيب.»
وقبل تمام انهيارها تداركت نفسها وتراجعت، أخذت تستغفر الله ثم تنهدت ورددت وهي تنظر للسماء:
“سامحني يارب على ضعفي وهواني… يارب قدر لي الخير وأرضني به… اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك”
ثم زرفت المزيد من العبرات الدافئة لتنهمر على وجنتيها علها تغسل قلبها…
مسحت وجهها بكلتا يديها وعقدت أمرها ستجبر قلبها على حبه! لن تقبل أن تكون كأختها!
ستتزوج من رامي على أي حال، فيكفيها أنه يحبها والبيوت لا تُقام على الحب بل على المودة والرحمة والإحترام….
رددت:
“هحبك يا رامي”
★★★★★★
مرت الأيام والبعض يستمتع والبعض يتيه ويتخبط في مشاعرة والبعض الأخير يضع الثلج على قلبه ليُهدأ من حرارة مشاعره ويكمنها…
كان رائد يتجنب الجلوس في نفس المكان الذي يجلس به رامي وأيضًا يتجنب رؤية نداء..
وريم تقترب من رامي وتجلس معه معظم وقتها وتقنع قلبها به…
وتقرب الفتيات من بعضهن ونشبت بينهما علاقة صداقة وكأنها هيام ووئام تحاولان تقريب رائد من نداء بأن تتحدثان مع رائد عن نداء ومع نداء عن رائد لكن خاب رجائهما فكل منهما يتحاشى التعامل مع الأخر فقررتا التفكير في خطة ما فتلك ليلتهم الأخيرة بالأسكندريه وسيعودون لبيوتهم صباح اليوم التالي…
وفي تلك الأيام كانوا يخرجون جميعًا للبحر في عصر كل يوم ثم يعودون فيجتمع بعضهم مساء والبعض يقبع في غرفته…
وفي مساء اليوم
كان الجميع في الحديقة يستمتعون بالهواء العليل والفتيات يجلسن بردهة البيت في حين رائد الوحيد القابع داخل غرفته….
نادهن دياب ليستمتعن بالجو في الحديقه فخرجن وجلس الجميع يتسامرون فسأل رشدي:
“اومال فين رائد؟!”
رد عامر:
“في أوضه”
دياب:
“بيعمل ايه!!! روح ناديله يا عمرو”
ضحك عامر وهو يردد بسماجة:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
دياب رافعًا حاجبية:
“ناديله يا عامر”
صاح عمرو ببرود:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
ضحك الجميع فعقبت شيرين:
“من ساعة ما سمعوا فيلم كده… وهما مزهقينا بالشكل ده”
وبعد دلوف الصغيرين للبيت وثبت نداء في سرعة لتهرب قبل أن يأتي رائد معلله بأنها ستدخل المرحاض ولكن باغتها ظهور طيفه أمامها والثلاث أطفال يركضون حولهما خلف بعضهم ويضحكون بجزالة، ازدردت ريقها وتسمرت قدميها بالأرض للحظات، ثم حاولت السيطرة على حالها وكادت أن تمر جواره في هدوء إلا أن أحد الأطفال دفعها فتعثرة وكادت تهوى أرضًا لولا أن التقطها رائد بين يديه لتتعانق نظراتها ويتوقف الزمان للحظات وها هي تتكرر تلك المشاعر التي انتابت قلبها في الحلم، وكأن الحلم يتحقق ولكن بأجزاء منفصلة!
سرعان ما انتبه رائد لما يحدث وساعدها لتعتدل واقفة ثم تنحنح بحرج وهو يحك رقبته، فمال رشدي على أذن دياب وقال هامسًا:
“ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
قهقه دياب ضاحكًا وهمس هو الأخر:
“ارحمني يا رشدي”
بينما هرولت نداء لغرفتها وهي تتعثر في خطاها من شدة الإرتباك، نظرتا وئام وهيام لبعضهما فغمزت لها هيام بخبث…
جلس رائد جوارهم والنظرات تحاصره فأطرق رأسه في خجل ولم ينبس ببنت شفه…
مر الوقت سريعًا وهم يتبادلون أطراف الحديث وانقضى الليل سريعًا…
في الصباح وقبل تمام الشروق كان جميع أفراد البيت خارجين للبحر ليسلمون عليه قبل رحيلهم إلا هيام التي رفضت الخروج، وكانت نداء تغط في نومها وابى نادر أن يذهب معهم، وأيضًا رائد الذي قرر انتظارهم هنا بالبيت ليلملم أشيائه قبل الرحيل…
دلفت دينا لغرفة ابنتها وقالت:
“اصحي يا نداء أخوكِ هنا أهوه خلي بالك منه… وإحنا ساعه وراجعين”
قالت نداء بصوت ناعس:
“ماشي بس طفوا النور”
“يا بنتي قومي عشان أخوكي مش راضي يجي معانا”
قالت نداء بنزق:
“ماشي يا ماما هقوم أهوه”
مر نصف ساعة وقد سرق النوم جفون نداء وفجأة تذكرت نادر فوثبت وأخذت تناديه ثم نفخت بحنق فهي تعلم بأنه لن يسمعها فهو أصم!
ارتدت حجابها وخرجت من غرفتها بأعين ناعسة وأخذت تبحث عنه لم تكن تعلم بوجود هيام ورائد بالبيت وتظن أنها بمفردها…
بحثت في كل البيت ثم فتحت غرفة رائد وأخوته وظلت تدور بعينيها في أرجاء الغرفة دلفت خطوتين متجهة صوب المرحاض وقبل أن تفتحه باغتها انغلاق باب الغرفة فهرعت صوبه تحاول فتحه ولكنه الباب لا يُفتح لكن من أوصده من الخارج!
شهقت بصدمة ثم أطبقت يدها على فمها وهي تتذكر ذلك الحلم فلابد وأن رائد سيخرج من المرحاض الآن! ليتحقق كل حلمها العجيب!
شهقت مرة أخرى حين تخيلت أنه قد يخرج عاريًا لذا هرولت وطرقت باب المرحاض هي تنادي:
“حد هنا!!”
ولم يخب ظنها فقد رد رائد:
“أيوه…”
التوى فمها لأسفل متظاهرة بالبكاء، ثم قالت بنبرة مرتعشة:
“ابقى إلبس هدومك قبل ما تخرج”
فتحت نافذة الغرفة علها تقفز منها قبل خروجه، لكنها وجدتها تُحاط بالحديد، أخذت تستغفر الله وتنظر لأعلى قائلة:
“يارب… يارب استرها يارب”
كان رائد يغتسل بالمرحاض ارتدى ثيابه متعجلًا وخرج فقد عرف صوتها ولكن كان يُكذب حاله!
تفاجأ بكونها بالغرفة والباب مغلق! هدر بها:
“إنتِ بتعملي إيه هنا؟!”
ابتلعت ريقها وقالت في ارتباك:
“كنت بدور على نادر هنا و… وحد قفل عليا الباب باين..”
رائد متعجبًا:
“نادر وهيام لسه خارجين دلوقتي… مين قفل الباب؟!”
رفعت نداء كتفيها لأعلى تزامنًا مع مط فمها وهز رأسها يمنة ويسرة، حاول رائد فتح الباب ولم يستطع طرق عليه كثيرًا ونادى بصوت مرتفع عل أحد يسمعه ولم يجبه أحد!
حمل هاتفه وطلب أرقامهم واحد تلو الأخر وكان يسمع دوي بعض الهواتف بالخارج والبقية لا يجيبون…
زفر بنفاذ صبر وجلس على الفراش قائلًا بقلة حيلة:
“دلوقتي يجوا ويفتحولنا”
نداء بلجلجة:
“هو إنت هتقعد؟!!”
قال بتهكم:
“عايزاني أعمل إيه يعني؟!”
نفخت بحنق وجلست هي الأخرى على طرف الفراش الأخر وساد الصمت بينهما وهو يعبث بهاتفه ويحاول مهاتفتهم كل دقيقة وما من مجيب.
كانت نداء تتابعه بطرف خفي أرادت أن تستدرجه وتتحدث معه فقد اشتاقت لحديثه اشتاقت لـ رائد الذي كان يُحدثها كل يوم وها هو أمام عينيها وتتظاهر بأنها لا تعرفه، يبدو شحيح الكلام تتمنى أن يفتح معها أي حديث فقد أهلكها الشوق!
حانت منه التفاتة نحوها فوجدها تحملق به فقال بتنهيدة وكأنه متضجر:
“استغفر الله العظيم يارب”
أشاحت بصرها للإتجاه الأخر وداخلها يختلج، قالت لفتح حوار:
“شكلهم هيتأخروا؟!”
لم يجيبها فاردات خلق حوار أخر لذا خلعت الأسورة التي لم تُفارق معصمها كانت تنتظر أن تلتقي بـ رامي مجددًا لتسلمه إياها! لا تعلم لمَ لم أعطها لهيام أو وئام!
نهضت واتجهت صوبه وقفت قبالته ومدت يدها بها وهي تقول:
“اتفضل دي وقعت من اخوك رياض وأنا لقيتها”
أخذها من يدها وأغلق عينيه وهو يتحسس الأسورة، ولاذ بصمت ثقل عليها فقد ظنت أنه سيسالها عن رياض وكيف قابلته أو يتفاجئ! لكنه لم يبدِ أي رد فعل مما أزعجها فوقفت أمام النافذة تُطالع الحديقة أمامها وتشعر بغصة تتلوى في حلقها حتى أنها كادت أن تبكي ولكنها تماسكت…
وقف رائد وضع الأسورة على المكتب ثم أخذ يلملم ملابسه وأشيائه في حقيبته وهو يقول:
“اعتبري الأنسيال ده بتاعك… تمام؟!”
قالت دون أن تلتفت نحوه:
“لـ… لأ أنا كنت بدور على صاحبه…”
تنهدت واستطردت بنبرة تخنقها العبرات:
” أنا قابلته مره واحده واتكلمنا كتير وأخر حاجه قلهالي جمله مفهمتهاش ”
تنهدت وقد سألت منها دمعة وهي تردد:
“يا لها من سدفة رائعة”
صمتت لبرهة وأغلقت جفونها لتعصر الدموع المعلقة بين أهدابها، قالت بصوت متحشرج:
“الله يرحمه… مع إني مقابلتهوش إلا مره بس أثر فيا أوي…”
اتجه رائد نحوها وسألها:
“إنتِ بتعيطي؟”
أطلق ضحكة خافتة وهو يردد:
“نداء روقي كده فيه ايه؟! يا بنتي مماتش والله… اهدي؟!”
لم تكن تبكي لأجل رياض قدر ما تبكي لتجاهل رائد لها، نظرت لـ رائد وسألته والدموع تبرق في عينيها:
“مـ…ماتش!… اومال هو فين؟!”
أشار لنفسه وهو يقول بابتسامة:
“قدامك أهوه”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قالها رائد ثم هز عنقه مستنكرًا وعاد يطوي ثيابه ويضعها في حقيبته وكأنه لم يقل شيئًا.
رمقته نداء في سرعة وعادت تنظر عبر النافذة، وفي الواقع هي لم تندهش كثيرًا فقد كانت شبه موقنة بأنه هو!
ولكن لمَ قال لها رامي بأن له أخ أصغر يدعى رياض؟ التفتت لـ رائد وسألته بما يجول في رأسها فأجاب ببرود وهو منشغلًا بجمع مقتنياته ودون أن يلتفت لها:
“والله السؤال ده تسأليه لـ رامي مش ليا!”
صمتت لبرهة متضجرة من رده ولكن لم تستطع كبح فضولها فسألته مجددًا:
“طيب إنت إزاي رجعت تشوف؟!”
صمت ولم يلتفت لها حتى ظنته لن يجيبها لكنه اعتدل واقفًا وزفر متنهدًا ثم قال باقتضاب:
“اتعالجت”
رمقته بغيظ وأشاحت بصرها بعيدًا، فلمَ يعاملها بذلك الجمود؟ شعرت بالد**ماء تغلي برأسها واشتد غيظها منه لذا قررت ألا تُحدثه مجددًا، فحقًا هو كما وصفته في طفولتها غامض كالليل…
عادت «نداء» تنظر عبر النافذة تتمنى أن يصل أحد أفراد العائله لتخرج من غرفته تلك، عازمةً ألا تختلط به مجددًا فهو لا يشبه رائد الذي حدثته عبر الهاتف لأشهر ولم يكن هومن اشتاقت إليه! الآن يبدو كشخصٍ أخر لا يتشابه معه سوى باسمه!
سنتساه! حتمًا ستنسى فقط ليمر هذا اليوم وبعدها لن تراه أبدًا! هكذا حدثت حالها حتى سمعت صوت وئام وهيام تضحكان فأقبلت لباب الغرفة وطرقته بتلهف وهي تناديهما ففتحت هيام التي قطبت جبينها وهي تبدل نظرها بين أخيها وبين نداء وقالت:
“بتعملوا ايه؟! ومـ… مين قافل عليكم؟!”
“مش عارفه!!”
قالتها نداء بجمود ولم تنتظر تعليق أخر وهرولت خارج الغرفة، فنظر رائد لمكانها الفارغ ثم لـ أخته المبتسمة، واقترب منها قائلًا وهو يزم جفونه بتوعد:
“والله يا هيام لو عرفت إن إنتِ إللي كنتِ قافله علينا هتزعلي مني جامد”
تلاشت ابتسامتها ورفعت كتفيها لأعلى قائلة بنبرة مرتعشة:
“أ… أ… أنا معملتش حاجه”
ثم ركضت من أمامه كي لا يباغتها بكلمة أخرى، فصك رائد باب الغرفة وجلس على فراشه نفخ بحنق وأخذ يُطالع المكان حيث كانت نداء تقف أمام النافذة قبل قليل وارتسمت ابتسامة على شفتيه، أخذ يحدث نفسه أنه لابد أن يتجاهلها ويعاملها بجفاء كي لا تشعر بابنجذابه ناحيتها، فهو لديه أختين وما لا يرضاه عليهما لن يقبله عليها أبدًا، فلا يريد لقلبها ذاك العذاب الذي يجتاح خاطره…
لا أحد يعلم بما تخبه لنا أقدارنا! علها تأتينا بما نهوى، وتُثلج أفئدتنا بما نبغي، ولو لم يأتنا ما نريد فقد قال تعالى: …وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم…، فإرادة الله هي الخير على الدوام ولو لم تُرضِ رغبتنا!
أخذ رائد يحدث نفسه ويقنعها بعقلانية أنه ومازال أمامه وقت ليس بالقليل وطريق لابد أن يقطعه وحده قبل أن يفكر بالزواج أو الإرتباط…
فالزواج مسؤولية كبيرة ستقبع على عاتقه ولابد من الاستعداد الكامل قبل أن يخطو خطوة واحدة، فالحب وحده لا يكفي ولم يُسمع عن بيوت قد شيدت بالحب! هل سيطعم أسرته حُبًا!!
نعم! لابد وأن يُطعم رب الأسرة أفراد عائلته حُبًا ولكن هل سمعت عن أحدٍ قد أكل حبًا وشبع؟
قال رائد لنفسه أن البيت يبنى بالمال أولًا ثم الإحترام ثانيًا والمودة ثالثًا فهذا ما وجدنا عليه أوباؤنا! ومن يقل غير ذلك فحتمًا هو شخص يعيش عالم أخر! ولن ينجرف مع تيار تلك النزوة ستبلغ ذروتها ثم تعود لتنخفض تدريجيا حتى تتلاشى.
نهض واقفًا وخرج من الغرفة قبل أن يأتي رامي الذي يتجنب الحديث معه منذ أيام ورغم أنه يريد إفراغ ما بجعبته من أفكار كادت تطيح برأسه لكنه حسم الأمر فلن يُحدث رامي بما يعتمل بصدره مرة أخرى!
أخذ الجميع يستعدون للرحيل ووقف رائد بالشرفة يحمل هاتفه ليطلب رقم «يحيى» ويحكي له عما يمر به وعن مشاعره المتضاربة فـ «يحيى» صديقه الذي مهما طالت مدة ابتعاده عنه يفتح له ذراعية مُرحبًا كلما عاد….
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★★
في شرفة أحد المنازل كان هناك شاب يرتل آيات من القرآن وهو يسقى مزهرية من الورد وينحنى ليشم عبيرها مبتسمًا ثم يسير خطوتين لليسار ليسقى أعواد النعناع التي زرعها مؤخرًا…
“يا يحيى خذ الكتاب بقوة”
التفت الشاب أثر صوت والده الذي يقف أمام باب الشرفة ارتسمت الإبتسامة على شفتيه فدائمًا ما يقول له والده تلك الجملة فهو الإبن الوحيد لوالديه وقد انتظراه بشوق ولهفة لمدة عشرين عامًا بعد زواجهما….
عشرون عامًا قضياها داعين باكين متوسلين لله دون ملل ولا كلل، حتى رُزقا به لذا سماه والده يَحيَى.
فهو شابٌ نشأ على طاعة الله متأثرًا بأخلاق والديه الكريمة ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب.
اقترب «يحيى» من والده وانحى ليطبع قبلة دافئة على يده باحترم وقال:
“صباح الخير يا حاج”
رد الشيخ الذي بلغ من العمر عتيًا:
“يا صباح الورد على الورد”
أشار يحيى للزرع والورود وقال بحـ ماس:
“أيه رأيك بقا في الحديقه اللي عملتهالكم في البلكونه دي”
جلس الشيخ على مقعده وقال بإعجاب:
“إنت أصلًا مبتعملش حاجه وحشه الحلو ميعملش إلا الحلو”
“أيوه أقعد إنت انفخ فيا كده لحد ما هنفـ..جر ”
قالها يحيى وضحك فشاركه والده حتى أتاهما صوت تلك السيدة التي جاوزت الستين:
“صباح الخير”
التفت لها يحيى وقال والإبتسامة عالقة على محياه:
“يا صباح الورد على الورد”
ابتسمت السيده وهي تهندم عصابة رأسها وتردد:
“هجهزلكم الفطار حالًا”
ليرد يحيى:
“الفطار جاهز يا أمي من بدري”
أخذت تدعو لولدها الذي يساعدها بكل شيء، فقال الشيخ بابتسامة:
“اقعد إنت دلعنا كده لحد ما هنتعود”
غمز له يحيى قائلًا:
“طيب ما هو ده المطلوب انكوا تتعودوا”
وأردف بجدية:
“يا بابا دا أنا خدامكم”
نهض الشيخ بوهن وربت على كتف ابنه وهو يقول برضا:
“إنت حبيبنا وهديتنا اللي ربنا أهداها لنا يا يحيى… كده الواحد يموت وهو مرتاح هحتاج إيه في قبـ ـري غير ولد صالح يدعيلي!”
انحنى يحيى والتقط يد والده وقبلها وقال:
“ربنا يديك الصحة وطول العمر يا بابا”
ارتفع رنين هاتفه الذي كان قابعًا أعلى الطاولة فقالت والدته:
“دا مين اللي بيرن عليك بدري كده؟!”
أقبل إليها يحيى ونظر لشاشة هاتفه لوهلة قبل أن يقول بابتسامة:
“دا رائد! دا كان بيحلم بيا ولا إيه!!”
أجاب ليأتيه صوت رائد:
“وحشتني أوي”
يحيى بنزق مصطنع:
“لسه فاكرني!! من يوم ما رامي أخوك رجع من السفر وإنت بايعني خالص اخص عليك صاحب!”
“والله عارف إني مقصر معاك…. ممكن تسامحني؟”
يحيى مبتسمًا:
“عيب عليك ياسطا إنت أخويا ومهما تغيب عني مكانتك في قلبي زي ما هي”
“تصدق بالله… أنا بحبك”
يحيى بخجل مصطنع:
“لا إله إلا الله… يا رائد ميصحش كده أنا بتكسف ومبعرفش أرد على الكلام الحلو ده”
ضحك كلاهما ليباغتهما صوت أنثوي:
“رائد تعالى اقفلي السوسته دي…”
ابتسم يحيى فلابد أن تلك إحدى أختيه، نظر رائد لوئام ثم التفت أمامه متجاهلًا لها وهو يقول لـ يحيى:
“إن شاء الله يا يحيى أول ما أرجع من اسكندريه هقابلك”
“يا رائـــــد اقفلي السوسته مش عارفه أقفلها شكلي تخنت ولا ايه!!.. يلا يا رائد”
قالتها وئام وهي تقترب من رائد، فقال نازقًا:
“الله! يا وئام بتكلم في التلفون…”
قال يحيى:
“طيب يا غالي أسيبك تشوف حوار السوسته ده ونتكلم وقت تاني”
ضحك رائد وهو يقول:
“ماشي يا حبيبي بلغ سلامي للحاج والحجه”
وقفت وئام قبالة أخيها وقالت بضجر:
“يا رائــــــد… خلص هو أنا هتحايل عليك!”
زم رائد شفتيه ونظر لها متوعدًا وهو يقول:
“ماشي يا يحيى هكلمك تاني يا حبيبي ان شاء الله”
وضع رائد الهاتف في جيبه متوهمًا أنه أنهى المكالمة، فسمع يحيى صوته الهادر:
“والله العظيم عايزه تتأدبي قولت مليون مره لما أكون بتكلم في التلفون مسمعش صوتك”
ضحكت وهي تقول بسخرية:
“يعني كنت بتكلم مين يعني؟! أوعى تكون مزه ومخبي عليا!”
قالتها وئام غامزة بمكر، فقال مبررًا:
“مزة إيه! كنت بكلم يحيى صاحبي”
ضحكت وهي تقول:
“يَحيى اللي ضد الكسر… الواد أبو ياء مفتوحه ده؟”
لكزها في ذراعها وهو يقول:
“اتلمي”
ضحكت وئام فهي لم تره ولو مرة واحدة لكنها سمعت رائد يحكي عنه كثيرًا لـ رامي ووالديه ودائمًا يُصحح نطقهم لاسمه وهو يقول:” يَحيَي وليس يِحيى”.
على نحوٍ أخر ابتسم يحيى وأغلق الهاتف قبل أن يلتفت فيرى والديه يضعان الإفطار على المائدة فسارع إليهما وهو يقول:
“تعبتوا نفسكم ليه ما أنا جاي أهوه”
سبحان الله وبحمده ❤️
★★★★
وصلت السيارة التي ستصطحبهم ظلت نداء تتحاشى النظر نحو رائد الذي فعل مثلها ومر الطريق وهم يتحدثون ويتمازحون أحيانًا لكن لم يلتفت أي من نداء أو رائد لبعضهما…
وكان رشدي قد اتفق مع «علي» أن يقابلهما في نفس المكان الذي أحضرهما إليه أثناء الذهاب…
وحين وصلوا وقف «علي» يحملق بنداء بابتسامة واسعة فقد اشتاق لرؤيتها وفطن رائد لنظراته تلك التي تشي بمكنون قلبه فحدجه بنظرات ثاقبة ثم طالع نداء فوجدها تجر الحقيبة ولا تبالي بـ علي بل أنها وحين أخذ على الحقيبة من يدها التفتت واقتنصت نظرة أخيرة نحو رائد قبل أن تصعد للسيارة، فأشاح رائد بصره وتنحنح مرتبكًا وهو يحك أنفه ثم ابتسم!
بقلم آيه شاكر
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🌹
★★★★
مرت الأيام تباعًا وبدأت الدراسة أصر والد نداء أن تلتحق ابنته بكلية التربية الخاصة مثل وئام وهيام فوافقت دون اعتراض فالتعليم بالنسبة لها مجرد شهادة ستضعها بين أرفف مكتبتها…
مرت سنه كامله ولم يرى خلالها رائد نداء ولو صدفة، وكان هو من يتجنب التلاقي بها حتى أنه رأها عدة مرات واختبأ كي لا تراه…
وفي شارع متوسط الإتساع يضم بيوت متوسطة المعيشة كان رائد يسير جوار يحيى بعد أن انتهى من زيارته في بيته لدعوتهم لحضور عقد قران أخيه رامي
أخذ رائد يخبر يحيى عن مشاعره المضطربة ويحكي له عما يعتمل بصدره:
“مش عارف إنت هتفهمني ولا لأ يا يحيى بس أنا تعبان! كنت فاكر لما هبطل أشوفها وأبعد عنها مش هفكر فيها لكن الموضوع جاي معايا بالعكس وطول الوقت خايف تضيع مني”
توقف يحيى عن السير وقال بجدية:
“بقولك ايه يا رائد إنت حالتك دي ميتسكتش عليها! بص إنت تتقدملها وأنا واثق إن باباها هيوافق”
أطلق رائد ضحكة كالزفرة وسأل ساخرًا:
“وإيه اللي مخليك واثق كده ما يمكن يرفضوني”
“لأ مش هيرفضوك مش إنت بتقول إن باباها صاحب باباك! يبقا أكيد هيوافق ويا سيدي لو رفض هتبقى عملت اللي عليك”
عاد رائد يسير بخطى ضيقة يفكر في كلام يحيى ثم سأله:
“تفتكر دا الحل؟”
“أيوه هو ده الحل الوحيد”
تنهد رائد بعمق وقال:
“هصلي استخاره وبعد فرح رامي هاخد خطوة ان شاء الله”
ربت يحيى على كتف رائد وقال:
“ربنا يقدملك الخير يا غالي…”
قاطعهما هتافات مرتفعة:
” حـ ـــــرامي… إمسك حـ ـرامي”
“لااااا… الديك بتــاعـــي…”
قال الطفل تلك الجملة لاهثًا وهو يركض بأقصى سرعته ويمر من بين أرجل كل من يقابله…
طفلٌ صغير بجسدٍ عاري، يرتفع عن سطح الأرض عدة سنتيمترات، وبين ذراعه الصغير الهزيل ديكًا يحاوطه كـ لعبة تخصه ويأبى أن يتركها لغيره! وكانت ملامح الذعر ترتسم على قسمات وجهه وملامحه البريئة…
“استنى ياض… حد يمسك المفعـ ـوص ده يا اخوانا”
قالها صاحب المحل لاهثًا ولازال يركض خلف الطفل مع الزبون الذي دفع حق الديك قبل سرقته بلحظات.
ارتفع صوت نشيج الطفل الراكض وهو يقول بحشرجة:
“لااااا محدش هياخد ثونه ”سونه” ”
وطفق يركض بكل ما أوتي قـ ـوة، صاح الديك فقبل الطفل عُرفه الأحمر، وخاطبه بلوعة:
“متخافش يا ثونه محدش هياخدك مني”
نظر الطفل خلفه فلاحظ اقترب الرجال منه وما تبقى إلا خطوتين ويمسكون به، فحاول الإسراع من ركضه وهو يبكي صارخًا:
” ديكــــي… ديكــــي…”
وفجأة التقطه عن الأرض ذراع أحدهم، فأحكم الطفل ذراعه على الديك وأخذ يهز أرجله ويحاول التفلت من قبضة من حمله وعيناه مغلقتان صارخًا :
“ثيــــبني „سيبني„… لاااا محدش هياخد ثُونه… ديكـــي”
ضحك «يحيى» الذي حمل الطفل قبل لحظة قائلًا بسخرية:
“متخافش محدش هياخد ثُونه اهمد بقا فضحتنا”
انفرجت أسارير الطفل حين سمع صوت يحيى، وفتح عينيه يطالعه مبتهجًا، وقال:
“يَحيى حبيبي!!… الحمد لله إنك هنا”
تنهد الطفل بارتياح مردفًا:
“اثتحلفك „استحلفك „ بالله تنقذ ثُونه يا يحيى”
كان «رائد» يقف جوار يحيى ولا يستطيح كبح ضحكاته، فكيف لطفل صغير أن يُحير كل هؤلاء الرجال!
ضحك يحيى وخاطب الطفل:
“اثتحلفك إنت بالله ترحمني وترحم الغلبانه أمك”
رائد بضحك:
“مين ده يا يحيى؟!”
“آدم ابن عمي… دا بقا الغلطه اللي فضحانا في منطقتنا والمناطق والمجاورة”
وقف صاحب المحل قبالة يحيى وقال وهو يلتقط أنفاسه:
“هات الديك يا أستاذ يحيى ابنكم دوخنا”
نظر «يحيى» للطفل ثم للديك وقبل أن ينبس بكلمة أو يحرك ساكنًا خاطبه الطفل باستعطاف:
“أثتحلفك بالله ألا تفعل”
خاطب يحيى صاحب المحل:
“خلاص أنا هدفع تمنه يا عمي رضا وهاخده”
تدخل الزبون الذي دفع ثمن الديك قائلًا:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“لأ أنا اشتريته… ولا يجوز أن يشتري أحدكم على بيعة أخيه ويتدخل فيما لا يُعنيه”
عقد يحيى جبينه وهو يحدق بالزبون باستغراب مغلف بالسخرية:
“نعم يافندم!!! لا يجوز إيه؟”
مد صاحب المحل يده ليأخذ الديك وهو يردد:
“هات يابني الديك ده”
أحكم الطفل ذراعه على الديك، وقد التوى فمه لأسفل متأهبًا للبكاء، ثم ونظر ليحيى قائلًا بفم مشدود:
“اثتحلفك بالله تنقـ ـذه…”
هتف صاحب المحل بحنق:
“ادينا الديك يبني خلينا نمشي المحل لوحده…”
قال يحيى بنفاذ صبر:
“يا عمي رضا قولتلك هدفع تمن الديك!!”
وقال الزبون بإصرار:
“طلاق تلاته ما أنا متنازل عن الديك ده”
صاح الطفل بتصميم:
“ثونه محدش هياخده”
حاول الرجل نزع الديك من يد الطفل الذي صرخ:
“ثــــــونه”
وحاول يحيى إبعاد صاحب المحل والتفاهم معه ورائد يحاول فك الإشتباك وهو يهتف:
“يا جماعه مش هتخسروا بعض عشان حتة ديك بعرف أحمر”
هتف يحيى بحدة:
“استنى يا عم رضا اوعى كده!”
وهتف الزبون مجددًا:
“طلاق تلاته ما هسيب الديك ده”
وصاحب المحل يقول بضجر:
“سيب الديك ياض…”
ارتفعت أصواتهم، والديك يصيح بين يدي الطفل الذي يأبى أن يتركه، فطالع يحيى رائد قائلًا:
“رائد بتعرف تجري؟!”
ونستفيد من «آدم» أنه إذا أحببت شيئًا فإياك أن تتركه، حـ ـارب لأجل ما تريد وإن حاول أحدهم انتزاعه منك فلا تيأس فقط اسـ ـرقه واهرب!!
هل صدقت؟ انتظر!! فتلك حكمة خاطئة لا تفعلها! فإذا أحببت شيئًا سارع لامتلاكه وإن لم تستطع فاتركه لمالكه…
★★★★★★
“إنتِ أنانية يا ريم عشان وافقتِ تتجوزي قبل أختك الكبيره… اتخطبتِ من سنه وقولت ماشي أكيد مش هتتجوز قبلي لكن كمان تحددي فرحك!!! إنت أنانيه… أنانية ومبتفكريش إلا في نفسك”
قالتها «رغدة» بحرقة وصدرها يعلو ويهبط بانفعال، فردت ريم بنبرة خرجت هادئة:
“أنا مش أنانية بس مش عايزه أكون زيك…”
قاطعتها رغدة مستنكرة:
“زيي! يعني إيه زيي؟”
انفعلت ريم وقالت:
“مش عايزه أقعد جنب أمي ومحدش يتقدملي… وعلى فكرة إنتِ إللي أنانيه ومبتفكريش إلا في نفسك المفروض تفرحيلي…”
ازداد انفعال رغدة فاقتربت من ريم وجذبتها من شعرها وهي تصرخ:
“بكره هيطـ ـلقك وهيـ ـدوسك برجليه وهترجعلنا مكسـ ـورة… فاكراه بيحبك!؟ عيال عمك دياب مبيعرفوش يحبوا”
حاولت ريم الإفلات من قبضتها وهي تهتف بنبرة مرتفعة:
” بيحبني يا رغده بيحبني..”
استشاطت رغدة غضبًا وطفقت تضـ.رب ريم التي تحاول صد لكـ.مـ.ات أختها دون ضـ.ربها وهي تأن وتصـ.رخ حتى تدخل صالح بدلًا من أن ينقذ ريم من تحت يد رغدة، دفعها بقـ.وة لتسقط أرضًا ثم وبمنتهى القـ سوة سحبها من ذراعها وقال وهو يكز على أسنانه:
” اطلعي بره… إحنا زهقنا منك ومن قرفك”
قالها ثم دفعها لخارج الشقة وصك الباب في وجهها فطرقت ريم الباب وهي تصيح:
“إنتوا بتعملوا كده ليه! حرام عليكوا مستكترين عليا الفرحه!!”
طرقت الباب كثيرًا وهي تنادي والدتها ثم أخوتها ولكن ما من مجيب! نظرت لمنامتها الصيفية ذات الأكمام القصيرة وطرقت الباب مجددًا، ارتشفت دموعها وهي تقول بتوسل وبنبرة مبحوحة:
“ماما! افتحيلي… حرام اللي إنتِ سيباهم يعملوه فيا ده…”
هدرت والدتها فاطمة من خلف الباب:
“اسمعي يا ريم طلما وافقتِ تتجوزي ابن شيرين وعصيتني يبقى متنادينيش أمي… أنا مش أمك وخليكِ ماشيه ورا أبوكي يا بنت أبوكي”
هتفت رغدة بهمس:
“افتحيلها يا ماما لتروح لـ شيرين وعيالها!”
فاطمة بثقة:
“متقلقيش بنتي وأنا عارفاها مش هتمشي بالبيجامه في الشارع!”
ظلت ريم تطرق الباب عدة مرات تتوسلهم أن يفتحوا وما أن يأست أن يردوا عليها جلست على درج السلم تبكي بمرارة.
فقد مر عام كامل مذ أن تقدم رامي لخطبتها، حاولوا بكافة الطرق اقناعها أن ترفض تلك الزيجة ولكنها لم تتراجع قدر أنمله عن قرارها وستتزوج من رامي على أي حال وسينعقد قرانهما بعد يومين…
ومنذ أن علموا بموعد عقد قرانها تحولت معاملتهم من سيئة لأسوء، تصطدم بها رغدة متعمدة فتوقعها أرضًا وصالح ومؤمن لا يتوقفان عن ضـ. ـربها على كل شاردة وواردة وهي تكظم غيظها وتواسى نفسها بأن هانت وستنتقل لبيت زوجها…
مسحت دموعها ونهضت واقفة تبحث حولها على أي شيء تستر به جسدها لتذهب لبيت عمها فقد طفح الكيل ستشتكي لعمها ووالدها، سالت دموعها بغزارة حين أبصرت قماش سوداء طويلة كانت تمسح بها درج السلم اليوم، لم تتردد في لفها حول جسدها ثم نزلت الدرج بانكـ سار وفتحت البوابة وهي تلتفت يمنة ويسرة على المارة من الناس وتتمنى ألا يراها أحد حتى تصل لبيت عمها، هرولت حافية القدمين وقبل أن تصل حد بيت عمها ببضعة سنتمترات اخترقت زجاجة حادة قدمها فكتمت صرختها وأخذت تسير على قدم واحدة حتى وصلت لبيت عمها وهي تبكي.
صعدت السلم وعند كل درجة كان تتساقط من قدمها قطرة من الد**ماء حتى وصلت أمام باب البيت ودقت الجرس…
لتسمع صوت شيرين:
“حد يشوف مين على الباب يا ولاد”
ثم صوت رامي الذي يرنو من الباب وهو يهندم من ساعته وملابسه فقد كان مستعدًا للخروج…
“مين؟”
ريم بصوت خافت ومكسـ ور وهي تطرق براحة يدها على الباب:
“أ… أنا ريم افتح”
وحين سمع رامي صوتها فتح باب المنزل في سرعه مرددًا بابتسامة:
“إيه يا مسكـ….”
وحين وقع بصره عليها وهي منكسة رأسها تبكي والد**ماء تتساقط من قدمها حُبست الكلمات في صدره وهتف بلهفة واضطراب:
“في ايه يا ريم؟!”
شهقت باكية ولم ترفع رأسها إليه، صدع صوت شيرين:
“مين يا رامي؟!”
وحين أبصرت ريم اتسعت حدقتيها وشهقت بقـ.. وة…
رواية سَدفة
خاصة بصفحة “كتابات آيه شاكر” ولا أحلل نقلها لأي مكان دون إذني…
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★★
لم تستطع نداء كبح جماح مشاعرها، فقد غاب رائد عن ناظرها لكنها لم تنسه ومهما حاولت صرف تفكيرها عنه يأتي لمخيلتها دون استئذان ويزداد شوقها إليه يومًا بعد يوم!
كانت تردع نفسها وتنهرها على تفكيرها به، لكنها من ناحية أخرى أصبحت تدعو الله أن تراه!
كانت تتزين بأبهى حُلتها عند خروجها من البيت علها تقابله صدفة لكن لم يحدث، كانت تذهب لمحل عطارة والده دياب متمنية أن تصادفه ولكن دون جدوى، حتى أنها ذهبت لبيته برفقة أسرتها أحيانًا وبرفقة وئام وهيام أحيانًا أخرى ولم تقابله مطلقًا!
وأخيرًا لجأت لملفه الشخصي على تطبيق الفيسبوك، كانت تتابعه بدقة وتقرأ ما يكتبه باستمرار….
وفي هذا اليوم كانت تجلس على فراشها منكبة على هاتفها الصغير تتأمل صورة جديدة شاركها رائد قبل لحظات كان يقف جوار صديقه الذي يحمل طفلًا صغيرًا يحمل بيده ديك وترتسم الإبتسامة على محياهم، وكتب معها “أعرفكم بـ ثونه الديك اللي حيرنا”
اتسعت ابتسامتها ولم تلحظ حين ضغطت زر الإعجاب عن طريق الخطأ، تركت الهاتف من يدها لتُلبي هتاف والدها:
“يا نداء… يا بنتي”
وثبت من فوق فراشها وسرعان ما وقفت قبالته.
كان رشدي يجلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى ويُصلح جهاز التحكم الخاص بالتلفاز، وأخذ يفك اللصقات الكثيرة الملفوفة حوله فقالت نداء متهكمة:
“بتعمل ايه يا بابا! دا مبقاش ريمود دي بقايا ريمود! اشتري واحد جديد بقا!”
تجاهل كلامها وأكمل ما يفعله وهو يقول:
“جهزي نفسك عشان هتيجي معانا عند عمك دياب بعد بكره كتب كتاب رامي”
“بس أنا مش عايزه أروح يا بابا”
قذفها رشدي بنظرة نارية دون أن ينطق مما جعلها تقول متلعثمة:
“حاضر يا بابا هجهز نفسي”
“واعملي كوباية قهوه”
“حاضر بس أنا نازله دلوقتي أشتري حاجه”
“حاجة إيه!!”
قالت بارتباك:
“كتب… هشتري كتب محتاجاها السنه الجايه ومتقلقش معايا فلوس”
اومأ رأسه وهو منهمكًا بما يفعلة، ودلفت هي للمطبخ لتعد القهوة ثم ارتدت ثيابها وخرجت!
لم تكن تريد شراء أي شيء لكنها أخذت تسير بلا هدف حتى وصلت قبالة عطارة العقيد، وقفت تتأمل الافته من بعيد وداخلها إحساس قوي وصوت لا تعلم مصدره يتردد بأذنها أن رائد بالداخل!
نهرت نفسها عما تفعل وابتعدت ريقها في اضطراب ثم ابتعدت عدة خطوات عن المحل وفجأة توقفت ونظرت خلفها ثم عادت مرة أخرى بخطى بطيئة…
وها هي مشاعرها تتناقض من جديد وتتأرجح بين رغبة به وبرؤيته ورهبة مقيته تلفح قلبها وتدفعها بعيدًا عنه…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
من ناحية أخرى وبداخل عطارة العقيد
تعالت أصوات ضحكاتهم ويحيى يحكي عن آدم ابن عمه وكيف منع الطفل والدته من الإقتراب من ذلك الديك فباغتتهزوالدته وباعت الديك لمتجر للدواجن أسفل بيتهم، فتربص آدم وأخذ يتابع المحل وكلما رأى الديك لازال حبيس القفص اطمأن فؤاده…
وحين كان الطفل على وشك الاستحمام ألقى نظرة من شرفة بيته على الديك فلاحظ ذلك الزبون الذي أشار للديك وطفق يدفع ثمنه، شهق آدم بصدمة واتسعت حدقتاه وخرج من بيته متعجلًا دون أن يرتدي ملابسه وسـ ـرق الديك على حين غفلة من صاحب المحل والزبون…
استطرد يحيى حديثه ضاحكًا:
“المهم إنوإحنا جرينا بس ابنك بطيء يا عمي والناس مسكته… فاضطريت أقول بعلو صوتي نزل إيدك إنت وهو عن سيادة الرائد الناس خافوا ورجعوا لورا”
ضحك دياب وهو يقول:
“بيقولك يعملوها الصغار ويقعوا فيها الكبار”
رائد بضحك:
“المشكله إن الواد صغير أوي ميبانش من الأرض والديك تقريبًا طوله ووزنه”
وبعد الإنتهاء من الضحك نهض دياب وقال:
“طيب يا ولاد بعد إذنكم أنا عندي مشوار كده وجاي…”
“اتفضل يا بابا”
قالها رائد وظل ينظر لأثر والده حتى اختفى نظر لـ يحيى وقال:
“إنت قاعد معايا شويه طبعًا”
اومأ يحيى قائلًا:
“قاعد يا كبير بس اطلبلي شاي”
ربت رائد على فخذه مبتسمًا فابتسم يحيى قبل أن يستأذنه ليجيب على هاتفه الذي صدع بالرنين…
فتح «رائد» هاتفه وأخذ يرى عدد المتفاعلين مع الصوره التي نشرها على تطبيق الفيسبوك وأصابه الذهول حين أبصر اسم نداء بينهم، أخذ يقلب في ملفها الشخصي بتركيز، تزامنًا مع نقرات صوتها طبلة أذنه حين قالت لأحد العمال:
“لو سمحت عاوزه سنامكي”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وقبل أن يرفع بصره ردد لنفسه بهمس متعجبًا:
“سنامكي!! عايزه سنامكي!”
كان قلبها يختلج ونظراتها تتذبذب وتتجول في المكان باضطراب، رفع رائد بصره وطالعها بنظرة خاطفة عاقدًا جبينه فأسقطت نداء بصرها أرضًا وأخذت تتحدث في سريرة نفسها؛ هل غابت كل كلماتها لتنطق بذلك؟ والآن!! تسائلت هل سمعها؟ هل عرفها؟ فإذا عرف بأنها نفس الفتاة التي كانت تُحدثه عبر الهاتف فحتمًا سيظن بها الظنون! ازدردت ريقها بتوتر والتساؤلات تتجول برأسها، وأفاقت من خضم أفكارها على صوت أحد العمال الذي طرقع أصابعه أمام وجهها وهو يقول:
“يا آنسه…”
وكأنها كانت نائمة واستيقظت لتوها! وانتبهت لمكان تواجدها، التفتت له قائلة ببعض الصدمة:
“هه… نعم!”
“بسألك عايزه بكام؟”
وقبل أن تجيبه اقتـ حمت وئام المكان وهي تلهث أثر ركضها! وبمجرد أن رأت نداء خاطبتها بتعجب وبأنفاس متسارعة:
“إنتِ بتعملي إيه هنا؟!”
علقت نداء مستفهمة:
“بشتري حاجه… مالك بتجري كده ليه؟”
قالت وئام بنبرة متقطعة وهي تحاول استجماع كلماتها:
“خـ… خناقه…. و…”
لم تكمل حين تذكرت ما أتت لأجله فتجاهلت نداء وخاطبت العامل:
“بابا فين يا انس؟”
عقب أنس:
“خرج من شويه”
اشرئبت وئام برأسها لترى رائد عاقدًا حاجبيه باستفهام وهو ينظر نحوها، فأشارت له بيد وهي تضع الأخرى على صدرها الذي يعلو ويهبط بعنـ.ـفوان وقالت بنبرة مرتفعة:
“الحق رامي بسرعه يا رائد رايح يتخـ ـانق…. ”
التفت يحيى أثر صوتها وأنهى المكالمة على الفور ليتابع رائد الذي هرول نحو وئام متسائلًا:
“يتخانق مع مين؟!”
قالت باضطراب:
“هو بابا فين؟ تعالى إنت بسرعه رامي… أ أ…أ”
توقف الكلام على طرف لسانها من فرط قلقها وأخذت تشير خلفها وكأن الأحرف حُبست داخل جوفها ورفضت الخروج! أخذ رائد يسألها عما حدث وهو يشير ليحيى ليتبعه، وسحبت وئام نداء من يدها وسار رائد ويحيى أمامهما بخطوات واسعة أقرب للركض ووئام تشرح ما حدث بأنفاس مضطربة وبارتباك بالغ:
“طردوا ريم وبالبيجامه… وضـ.ـربوها…. ورجليها اتعـ ـورت و….”
التقطت وئام أنفاسها الاهثة وصمتت حتى سمعوا أصوات كبكبة الناس وبدأت الرؤية تتضح عندما وصلوا الشارع وتجمع أهله أمام بيت ضياء، ركض رائد قائلًا بقلق:
“اجري يا يحيى رامي بيتخـ.ـانق بجد..”
تبعه يحيى راكضًا وهو يقول:
“إيه الحكايه النهارده!”
توقفت وئام مكانها وتركت يد نداء التي ابتعدت عنها عدة خطوات لتتابع ما يحدث!
أما وئام فقد تردد صدى اسمه في أذنها، إنه هو! «يحيى!» فقد أصبح لذكر اسمه أثر جلل على قلبها!
فخلال عام لم يتوقف خلاله رائد عن مدح صديقه الودود الخلوق وكان يُسمعهم صوته الشجي فتعلقت به وئام به دون إرادة منها! ودوون أن تراه!
فقد كان ذلك التعلق يزحف لقلبها رويدًا رويدًا حتى تملك منها كليًا، كانت تتجسس على محادثة أخيها معه عبر الهاتف وتتابع معظم أخباره، بل كانت تتعمد أن تتحدث عله يسمع صوتها لكن يحيى كان يبعد الهاتف عن أذنه إذا تدخلت وئام فهو يعلم كم يغار رائد على أخوته ويخشى أن يخون صديقه من مجرد سماع صوت أخته!
تخيلت وئام مشاهد كثيرة لأول لقاء بينهما وحين علمت أنه سوف يحضر حفل عقد قران أخيها التهجت وأخذت تستعد لأول لقاء، ولكن لم تتخيل أن يكون أول لقاء بينهما وهي بهذا المنظر! أخذت تُطالع ملابسها، فكانت ترتدي إسدال الصلاة الخاص بوالدتها وترفعه قليلًا لتستطيع السير بخطوات واسعة فظهر أسفله بنطال منامتها الأحمر وحذائها الأصفر فضلًا عن مظهر وجهها المضطرب!
قالت بهمس ساخرة:
“وأهي انتهت علاقتنا قبل ما تبدأ أصلًا ربنا يعوض عليا… منك لله يا صالح”
انتبهت من شرودها على صوت صالح المرتفع:
“إنت مالك أصلًا بتتدخل بيني وبين أختي ليه!!! طيب والله الجوازه دي ما هتتم يا رامي!”
قالها صالح هادرًا بحدة وهو يدفع رامي الذي كان يمسكه من تلابيبه، وحينها هتف رائد بغضب مغلف بالسخرية:
“لا والله! ومين بقا اللي هيوقف الجوازه ان شاء الله! إنت؟!”
صالح بتهكم:
“أيوه أنا اللي هوقفها وميشرفناش نناسب أشكالكم”
انقض رامي على صالح مرة أخرى وهو يقول:
“الظاهر إنك عايز تتربى يا صالح”
تدخل يحيى ووقف حائلًا بينهما وهو يقول:
“صلي على النبي يا رامي واهدوا كده انتوا أهل… الناس بتتفرج عليكم”
هتف صالح بصوت جهوري:
“وأنا عايز الناس تتفرج…”
هجـ ـم صالح على رامي فدفعه رائد ووقف أمام رامي ووقف يحيى يُهدأ صالح، وتعالت أصوات الشجار، فصاحت فاطمة:
“منك لله يا ريم على اللي عملاه فينا ربنا يدوخك”
ضغط رامي على أسنانه بغيظ والتفت ينظر نحو ريم التي ولتهم ظهرها وغادرت دون كلام متجهة نحو بيت دياب….
قالت شيرين وهو تلوح بيدها في وجه فاطمة:
“حرام عليك يا شيخه اتق الله متدعيش على بنتك”
فاطمة بغلظة وحدة:
“ملكيش دعوه يا ست إنتِ… أنا موجهتش كلام ليكِ”
كادت شيرين أن تجادلها لولا أن أشارت لها نداء ألا تفعل فابتلعت شيرين كلامها وكانت ملامحها محتقنة، زفرت محاولةً كظم غيظها، ثم خاطبت هيام تلك التي تقف جوار والدتها تضع يدها على فمها وتبكي بصمت:
“خدي أخواتك الصغيرين وامشي إنتِ بتعيطي ليــــه!”
لم ترد هيام فخاطبت شيرين نداء بنبرة يشوبها الشجن:
“خديهم يا نداء وروحوا ورا ريم”
أومات نداء ووقفت تُطالع رائد بقلق فدرت بها شيرين:
“يلا يا نداء متقفيش إنتِ كمان”
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★
في مرسى مطروح، في شرفة من الطابق الرابع تُطل على شارع واسع تقطعه السيارت ذهابًا وإيابًا، وتتعالى أصوات أبواقها…
كان «ضياء» يجلس في شرفة منزله يحتسي فنجان من الشاي وقد اقترب وقت غروب شمس هذا اليوم، كان شاردًا يفكر في حياته وما آلت إليه، ليقطع خلوته دخول شاب يشبه ريم كثيرًا لولا شاربه ولحيته، شاب بمنتصف العشرينات متوسط القامة يمتلك شعر أسود كثيف ومموج، جلس قبالتة ضياء ووضع المفاتيح على الطاولة وهو يقول:
“إيه يا حبيبي قاعد لوحدك ليه؟!”
وضع ضياء كوب الشاي على الطاولة أمامه وهو يقول:
“حمد الله على السلامه يا محمد”
أطلق محمد تنهيدة طويلة وقال:
“الله يسلمك يا بابا”
ابتسم ضياء وهو يتأمل عيني محمد البندقية والتي تشبه خاصة والدته تلك التي توفيت قبل ثلاثة أعوام، كانت زوجته الثانية؛ زوجة مطيعة يسكن ضياء إليها كلما ضاقت عليه أموره ولم تغلق بابها في وجهه قط!
كانت عكس فاطمة في كل شيء، بشوشة الوجه راضية بقدرها وتحمد ربها على كل عطاءه، لم تكن تسخط لغيابه عنها مع انها كانت تبغي قربه والأهم من كل ذلك أنها كانت تحبه وكثيرًا، ومنذ أن فقدها لم يذق للحياة لذة…
أخرجه من خضم أفكاره صوت محمد بعد أن اعتدل في جلسته وحمحم مرتبكًا ثم قال:
“احم… هو أنا بفكر في حاجه كده يا بابا…”
طالعه ضياء بانتباه فاسترسل محمد:
“بصراحه يا بابا نفسي أتعرف على أخواتي وخصوصًا ريم…”
اتسعت ابتسامة ضياء حسن تذكر ابنته وقال بحب:
“ريم دي أرق وأجمل وأحلى بنت في الدنيا”
محمد باشتياق:
“نفسي أتعرف عليها يا بابا… وبعدين هتفضل مخبيني عنهم لحد إمته!!”
زفر ضياء متنهدًا وقال:
“فاطمه مراتي لو عرفت إني متجوز عليها مش هتسكت هتقلب الدنيا”
سند محمد ظهره لظهر المقعد وقال بحسرة:
“يعني أنا مكتوبلي أفضل وحيد طول عمري! بابا أنا لوحدى!”
“وحيد ليه! أنا معاك يا محمد وعمري ما هسيبك”
طالع محمد الشارع بوجه حزين ولم يرد على والده الذي أخذ يُطمئنه أنه بجواره ولن يتخلى عنه….
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
في بيت دياب وبالتحديد في غرفة الضيوف كانت الوجوه متجهمة وملتهبة، والجميع يرتدي عباءة الصمت…
يجلس عمرو وعامر جوار بعضهما منكسين الرأس ويحاوطان وجههما بكلتا أيديهما، ويجاورهما رامي
وفي المقابل يجلس رائد جوار يحيى وعلى يسارهما شيرين التي تضع يدها على خدها بتبرم…
وعلى نحوٍ أخر كان الفتيات في غرفة وئام…
جلست نداء أسفل قدم ريم تتفحص جـ.ـرحها وقالت:
“إنتِ لازم تروحي مستشفى يا ريم الجرح عميق”
ريم بلامبالاة:
“مش مهم”
“هو ايه اللي مش مهم!”
قالتها هيام هادرةً بعد أن وثبت في مكانها ليقاطعهما صوت دياب الذي أتى من الخارج بعد أن دلف للبيت وهو يقول بلهفة:
“فيه إيه! إيه اللي أنا سمعته ده!!!”
نظروا لبعضهم ولم يخلع أحدهم عباءة الصمت فاستطرد دياب:
“فين ريم؟”
نهضت شيرين واقفة وهي تقول:
“جوه في أوضة البنات”
توجها للغرفة وتبعهما الصغيران عمرو وعامر وبمجرد أن رأت ريم عمها هبت واقفة وضمته باكية فربت دياب على ظهرها وقال بانفعال:
“معلش يا حبيبتي أنا هكلم ضياء يجي يتصرف معاهم”
لم ترد عليه فقط ارتشفت دموعها وخرجت من حضنه لتجلس وهي تكبح تاوهها من آلم قدمها…
وكلما بكيت ريم نظر كل من عمرو وعامر لبعضهما، خاطب عمرو توأمه بهمس:
“إحنا مش هنسكت على اللي بيحصل ده!”
عامر بنظرة ذات معنى وبتصميم:
“هنجيب حقهم”
وضع عمرو يده في يد أخيه ودلفا لغرفتها ثم أغلقا الباب…
من ناحية أخرى انتبه دياب لوجود نداء فقال:
“ازيك يا نداء”
ردت بحرج:
“الحمد لله يا عمو إزي حضرتك؟”
أومأ دياب وهو يحمد الله ثم خرج من الغرفة…
جلست «نداء» جوار ريم وربتت على كتفها بشفقة ثم حاوطت كتفيها بذراعها فسندت ريم رأسها على صدر نداء بوهن وانخرطت في بكاء مرير…
تنهدت شيرين بقـ ـوة وهزت رأسها بقلة حيلة وقد أشفقت عليها، وبعد تنهيدة طويلة نطقت:
“اللهم لا حول ولا قوة الا بالله”
قالتها قبل أن تخرج من الغرفة…
★★★★
“وإنت بقا فارد عضلاتك ورايح تتخانق مع عيال عمك!”
قالها دياب وهو يُطالع رامي بحدة، فعقب رامي مفسرًا:
“مقدرتش أسكت… إنت شايف حالة ريم يا بابا!”
رفع دياب نبرة صوته قائلًا:
“كنت تكلمني يا رامي! مش تروح تتخـ ـانق وتفرج علينا الناس”
تدخل يحيى لتهدأة الحوار:
“معلش يا عمي الواحد في ساعة الغضب مبيبقاش شايف قدامه”
علق رائد:
“العيال دول أصلًا مشافوش تربية و….”
قاطع رامي حديث أخيه قائلًا في هدوء ودون أن يرفع بصره بأحد:
“أنا عايز أكتب كتابي على ريم النهارده”
رائد بتعجب:
“إزاي!!! والناس اللي عزمناهم بعد بكره… والمأذون و…”
نطر رامي لـ رائد قائلًا:
“الناس هيجوا عادي ونعمل الحفله بعد بكره… والمأذون أنا هتصرف وأجيبه”
دياب بحزم:
“مش هيحصل الكلام ده يا رامي كل حاجه هتتم في ميعادها…”
وثب رامي واقفًا وخاطب والده:
“بابا ريم مش هينفع ترجع البيت ده تاني”
تجاهل دياب انفعال رامي وأخرج هاتفه من جيب جلبابه قائلًا:
“أنا هكلم ضياء دلوقتي وهو هيتصرف”
نهض يحيى وربت على كتف رامي قائلًا:
“أقعد يا رامي ومتاخدش قرارات وإنت غضبان”
زفر رامي متنهدًا وجلس مجددًا منتظرًا حديث والده عبر الهاتف مع عمه…
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★★
وبعد فترة كان لابد من رحيل نداء فقد ودعت الشمس السماء وأوشك الليل على إسدال ستارة…
“بالله عليكِ يا وئام لازم تاخدوا ريم المستشفى”
قالتها نداء وهي تستعد للرحيل فردت هيام:
“أكيد طبعًا متقلقيش شويه وهقول لـ رامي”
انحنت نداء لتقبل رأس ريم وتربت على كتفها وهي تقول:
“خلي بالك من نفسك”
أومأت ريم بملامح جامدة دون أن ترفع بصرها…
خرجت نداء من بيتهم بعد أن ودعتهم وهي تدعو الله أن ييسر أحوالهم…
توقفت بعد أن سارت عدة خطوات لتربط حذائها تزامنًا مع خروج يحيى من البيت ومعه رائد الذي أبصرها فترك يحيى وأخذ يعدو نحوها حتى وقف قابلتها وقال:
“استني هوصلك”
اعتدلت نداء واقفة وقالت بتوتر:
“لـ… لأ مفيش داعي لسه بدي وفيه مواصلات”
ابتسم وقال بمراوغة:
“أحيانًا كده بنغلط من غير ما ناخد بالنا فبنكشف حاجات مستخبيه”
رمقته بنظرة خاطفة ثم أشاحت بصرها وقالت:
“مش فاهمه قصدك!”
تنحنح وقال بابتسامة:
“ابقي شيلي الايك اللي عملتيه على البوست بتاعي أصل حد من إخواتي البنات يشوفه ودول مبيسكتوش!”
لم تعقب على كلامه وهرولت من أمامه وعلامات التوتر تتجول بين خلجات وجهها، فوقف رائد ينظر لأثرها مبتسمًا وشاردًا، انتفض حين قال يحيى بمكر:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“مش هتوصلني ولا ايه؟”
“هـ… هوصلك… هوصلك طبعًا”
يحيى متخابثًا:
“هي مين دي يا صاحبي؟”
تلعثم رائد وأخذ يشير لمكان نداء الفارع وهو يقول:
“دي… دي…”
أطلق رائد تنهيدة ليهدأ ويستأنف:
“هي يا يحيى…”
ابتسم يحيى ثم ربت على كتف رائد قائلًا:
“لا أرى لك علاج غير الزواج يا صديقي”
ابتسم رائد وقال:
“ادعيلي”
وسارا معًا يتبادلان الحديث…
بقلم آيه شاكر
★★★★
في اليوم التالي وصل «ضياء» وجلس قبالة أخية دياب الذي قص عليه ما حدث جملة وتفصيلًا، وكانت ريم تجلس جوار والدها تلوذ بصمتها وهو يحاوطها بذراعه خوفًا عليها وشفقة مما قابلته في غيابه…
وبعدما انتهى دياب من الحديث سألها ضياء بنبرة حانية:
“اتكلمي يا ريم احكيلي اللي جواكِ أنا عايز أسمع منك”
تنحنحت ريم بخفوت لتجلي حلقها الذي ظنته قد صدأ من فرط صمتها وسكونها الذي لاذت به، قالت بهدوء:
“عمي قالك كل حاجه يا بابا أنا كنت حكياله…”
أزاح ضياء ذراعه عن كتفها وربت على ظهر يدها، فنظرت لعينيه واسترسلت بحزن تجلى بنبرتها:
“رغم إني ليا عيله كبيره بس أنا لوحدي محدش بيحبني ولا حد بيفكر فيا وكأني سراب..”
سقطت منها دمعة فالتقطتها بإصبعها وأكملت:
“أنا ساعات بحس إن أخواتي مش أخواتي وأمي مش أمي! وإلا ليه بيعاملوني كده! أنا لوحدي يا بابا ومن زمان مش من النهارده”
صك ضياء أسنانه وهدر بها:
“ليه مقولتليش يا ريم؟!”
“وحضرتك فين يا بابا! إنت كمان مش موجود عشان أقولك… مش جنبي عشان أحكيلك..”
“يا بت إنتِ أكتر واحده بكلمهها في التلفون”
لاذت بالصمت مجددًا فنهض ضياء واقفًا وخاطبها:
“طيب قومي تعالي معايا”
هزت رأسها بعـ ـنف وهي تردد:
“لا يا بابا أرجوك مش عايزه أروح هناك… أنا مش عايزه أشوفهم”
“سيبها على راحتها يا ضياء”
قالها دياب فاومأ ضياء وخرج من البيت ودياب يوصيه أن يهدأ ويتصرف بحكمة! سار بخطوات مكتنزة وصوت ريم يرن برأسه:
“أنا لوحدي يا بابا”
ويختلط معه صوت محمد:
“هفضل لوحدي لحد امته! أنا لوحدي يا بابا!”
بقلم آيه شاكر
★★★★★
“منكم لله… دلوقتي أبوكوا يجي شايط عليا!”
قالتها فاطمة بقلق بعد أن رأت ضياء يدخل للشارع قبل قليل، عقبت رغدة بتأنيب:
“ما أنا قولتلك افتحلها الباب يا ماما قولتي لأ مش هتمشي”
خرج صالح من غرفته وقال:
“أنا رايح الشغل….”
تبعه مؤمن وقال بتوتر:
“و… وأنا كمان خارج مع أصحابي”
نظرت فاطمة لرغده وقالت وهي ترفع إحدى حاجبيها:
“وإنتِ مش هتهربي إنتِ كمان؟!”
رغدة بثبات ظاهري زائف:
“أنا عن نفسي مش خايفه! هيحصل ايه يعني!”
انتبهوا جميعًا على صفعة مدوية لإغلاق باب المنزل بعد أن دلف ضياء، ابتلعت رغدة ريقها باضطراب ووقفت تنتظر ما هو آت…
جلس ضياء على أقرب مقعد قابله دون أن ينطق فدنا منه صالح وقال بتوتر:
“إنت سمعت من طرف واحد يا بابا… ومن حقنا ندافع عن نفسنا”
ضياء بنبرة هادئة:
“اتفضل دافع عن نفسك”
ابتلع صالح ريقه وهو يخترع كلام لم يحدث قال بتخبط:
“البت دي من يوم ما اتخطبت وهي مش مظبوطه… أ… أ… أنا كنت بقولها وبفهمها تاخد بالها من تصرفاتها لأنها كانت خارجه مع الواد ده! قامت خرجت من البيت وقالت كلام محصلش… حـ… حتى اسأل ماما وأخواتي..”
التقطت فاطمة لجام كذبته قائلة وهي تفرك يدها:
“أيوه فعلًا ده اللي حصل…. دا غير إنها كدابه وتعباني أخر تعب”
صمت ضياء للحظات اختلجت أفئدتهم خلالها ثم نهض واقفًا ووقف قبالة رغدة محدقًا بعينيها وسألها:
“حصل كده فعلًا يا رغده؟”
ارتبكت وأسقطت بصرها أرضًا وهي تقول:
“أ… أ… حصل”
بدل ضياء نظره لزوجته حين قالت:
“وإسمع بقا يا ضياء إحنا مش موافقين على الجوازه دي…. لازم تتفركش”
أومأ ضياء وهو يلوي فمه بسخرية، ونظر لـ مؤمن الصامت وسأل بنفس هدوئه:
“وإيه كمان؟”
عقب مؤمن:
“والبت ريم دي لازم تربيها يا بابا…. اه بت كذابه…”
اقترب ضياء من مؤمن وصفعه فوضع مؤمن راحة يده على وجهه واتسعت أعين الجميع مترقبين رد فعل ضياء التالي، فهدر ضياء بنبرة مرتفعة:
“كتب الكتاب في ميعاده وعلى فكره انتوا مش معزومين”
رغده بسخط:
“إنت إزاي مصدقها ومكذبنا كلنا يا بابا!”
ضياء بحدة:
“عشان دي الوحيده اللي شبهي ومتأكد إنها مبتكذبش زي ما أنا متاكد إنكوا بتكذبوا”
أشار لهم واحد تلو الأخر مستطردًا:
“أما إنتوا شبه أمكوا يعني متربتوش”
رفعت فاطمه سبابتها في وجهه وقالت:
“إنت بتغلط فيا يا ضياء؟ وقدام عيالك!”
لوح ضياء بقبضتة يده في وجهها وهو يقول بحده:
“يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيك”
ارتفع صوت فاطمة وهي تقول:
“إنت أكيد مش طبيعي….”
تركهم ضياء وخرج من البيت صافعًا الباب مرة أخرى بعنـ ـف ووقفت فاطمة تندب حظها وتصيح:
“أكيد شيرين سحرتلك إنت كمان!! خربة البيوب ربنا يخرب بيتها”
من ناحية أخرى سار ضياء وهو يخرج هاتفه ويطلب رقم محمد وبمجرد أن أجاب قال ضياء:
“كتب كتاب ريم أختك بكره هتيجي تقف مع أختك ولا مش جاي…”
★★★★★★
في صباح يوم كتب الكتاب قبل أذان الظهر بساعة وفي شارع جانبي جلس عمرو على حجر كبير وقد التف حوله ما يقرب من خمس وعشرين طفل من عمره أو أصغر قليلًا، خاطبه أحدهم:
“الخطه جاهزه يا بوص ومستنين منك إشاره؟”
أشار عامر لثلاثة أطفال وقال:
“إنتوا هتقفوا يمين البيت”
أشار لثلاثة أخرين وقال:
“وإنتوا هتقفوا شمال”
أشار لباقي الأطفال وقال:
“وإنتوا هتتوزعوا بالترتيب وكل واحد هيستلم مهمه…”
صاح أحد الأطفال ليُحمس البقية:
“يا رجاله أهل البوص بتاعنا اتهـ ـانوا… وإحنا اللي هنجيب حقهم”
رفع أحدهم يده وصاح:
“معاك يا بوص…”
ردد خلفه جميع الأكفال قبل أن ينطلقوا لخارج الشارع استعدادًا لتنفيذ مخططهم…
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده 🌹
★★★★
وصلت نداء مع والدتها لتساعد شيرين في تجهيز الطعام…
فقد قضيت نداء يومين في توتر وارتباك واضطراب وخصوصًا عندما علمت بتفاعلها مع منشور رائد على تطبيق الفيسبوك عن طريق الخطأ وايضًا كان يشغلها هل كشفها رائد حين طلبت شراء السينامكى أم لم يسمعها من الأساس!
حين لمحها رائد ابتسم وخرج من البيت ليستقبل صديقه يحيى المُكلف بالتجهيز للحفل فهو من كلف نفسه بتلك المهمه كهدية لـ رامي….
كانت نداء تجلس جوار ريم تُحاول اغتـ ـصاب الإبتسامة منها بإلقاء عدة طرف وهي تضع القناع الطبي باللون الأبيض على وجه هيام، حتى قاطعهم نقرات على باب الغرفة ففتحت وئام ليظهر رامي بهيبته وقال:
“ناديلي ريم”
وبعد دقائق كانت ريم تقف جواره في شرفة البيت تنظر أمامها عاقدة ذراعيها أمام صدرها وهو يقف واضعًا كلتا يديه بجيبي بنطاله ينظر أمامه ويرمقها بين لحظة وأخرى في صمت قطعه قائلًا:
“كل حاجه هتبقى تمام يا ريم… متقلقيش”
أومات ريم دون أن تنطق فأردف بمرح:
“روق بقا يا مسكر مبحبش أشوفك كده”
ابتسمت ريم وهي تُطالعه وقالت بامتنان:
“حقيقي شكرًا لوجودك”
أطلق تنهيدة طويله وهو يشيح بصره عنها قائلًا بنبرة مرحة:
“لأن الحلال أجمل سأنتظر حتى المساء”
يعلم أنه اقترف بعض الأخطاء في سالف علاقتهما لكن ومنذ أن ارتبط بها رسميًا وهو يحافظ عليها من نفسه ليبارك الله لهما حياتها…
بقلم آيه شاكر
★★★★
استقبل رائد صديقه وأوصله لشقة رامي الخالية من الأثاث والتي سيُقام بها الحفل كانت بالطابق الثالث، أشار يحيى نحو آدم الذي يركض بأنحاء الشقة وقال بضحك:
“قالي أثتحلفك بالله تاخدني معاك فاضطريت أجيبه”
قال رائد بضحك:
“معقوله يا آدم تسيب ثونه لوحده وتيجي”
آدم بمرح:
“ما أنا “وثيت“ وصيت اخواتي عليه متقلقش”
جذبه رائد من يده وقال:
“طيب تعالى أعرفك على عمرو وعامر عشان تلعب معاهم”
أردف رائد:
“وإنت بقا يا هندسه شوف هتبدا منين على ما أجيلك”
“ماشي يا معلم”
أخذ يحيى يتفقد الشقة ويلف بأنحائها حتى دلف إلى إحدى الغرف تزامنًا مع دخول وئام للشقة وهي تنادي بنزق:
“يا رائد… يوووه شكله مش هنا!….”
التفتت حولها وجال في خاطرها فكرة! لمَ لا تُجرب أن تزغرد، التفتت حولها ثم أغلقت الباب وأخذت تحاول وتطلق عدة زغاريد ثم خاطبت نفسها قائلة بزهو:
“طيب والله حلوه…”
اطلقت زغرودة أخرى ثم طفقت تغنى وهي تدور بأرجاء الشقة متراقصة على ألحانها حتى لمحت طيف أحدهم عند مرورها من أمام إحدى الغرف…
عادت خطوتين للخلف فأبصرت يحيى الذي يحك رأسه المنكس للأسفل بحرج…
وقفت مكانها تُطالعه بصدمة قبل أن تلتفت خلفها إلى المرآة فتبصر ذلك القناع الطبي على وجهها فرددت بهمس:
“أنا ربنا يعوض عليا”
“لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ـطين”
بقلم آيه شاكر
★★★★
خرجت نداء من الغرفة تبحث عن الفتيات، فأبصرت رائد يقف أمام باب البيت بعد أن سلم يد آدم لـ عمرو، ودون تفكير دنت منه تريد أن تقول له كلامًا قد حضرته مسبقًا، هتفت باضطراب:
“اسمع يا… يا اسمك ايه إنت…”
التفت لها فاسترسلت بانفعال:
” صفحتك دي لقيتها قدامي بالصدفه قدامي وفتحتها بالغلط… وكمان عملت لايك بالغلط…. لكن يعني كلها صدفه مش أكتر”
أربكتها ابتسامته وصمته وتحاشيه النظر نحوها، فولته ظهرها لتغادر لكنه ناداها:
“نداء…”
نظرت له بوجوم وقد ارتسم الاستفهام على ملامحها، فأردف:
“مفيش حاجه في حياتنا بتحصل بالغلط أو بالصدفه”
لم تجبه فقط اكتفت بازدراد لعابها فتلك هي جملتها التي قالتها له في أول محادثة لهما، استأنف وهو يستعد للمغادرة:
“عايز أقولك كلام كتير لكن هأجله لبعد فرح رامي…”
ابتعد خطوتين ثم عاد إليها وأشار لنفسه قائلًا وهو يوقع كلماته:
“وعلى فكره أنا عمري ما كنت ولا هكون عقابك”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
غاب عن نظرها وظل صوته يمور برأسها وجملته تتكرر:
“…أنا عمري ما كنت ولا هكون عقابك”
أطبقت راحة يدها على فمها وخاطبت نفسها هامسة:
“يا نهار مش فايت! ده عرفني!”
نفخت الهواء من فمها متضجرة وساخطة على حالها وما وصلت إليه بسبب تهورها وطيشها!
أخذت تُأنب حالها كثيرًا حتى رأت وئام تنزل الدرج وهي تلتفت خلفها بوجل فحاولت نداء الخروج من حالتها تلك واقتربت من وئام قائلة:
” ايه ده إنتِ لسه مغسلتيش الماسك!!”
التوى فم وئام وقالت ببكاء زائف:
“اسكتِ على اللي حصلي… أنا اتحطيت في حتة موقف…”
لم تتحمـ.ـس نداء لمعرفة ما حدث معها كانت تود إخبارها بأنه مهما حدث معها فلن يُقارن بما صدمها به رائد للتو!
قطبت نداء جبينها مستفهمة بنبرة تجلت بها الامبالاة:
“حصل ايه يعني؟”
جذبتها وئام من يدها لداخل البيت وهي تقول:
“تعالي ندخل أوضتي وهحكيلك…”
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
وقف رامي جوارها صامتًا حتى ارتفع رنين هاتفها فقالت:
“ده بابا!”
“ردي عليه”
أجابت ريم على والدها الذي أصر عليها لمرافقته لشيء هام معللًا أن هناك مفاجأة ويتمنى أن تُسعدها، أغلقت الهاتف ونظرت لرامي قائلة:
“بيقولي أقابله عاملي مفاجأة”
ابتسم رامي قائلًا:
“طيب يلا وأنا أوصلك… أنا أصلًا خارج…”
ابتسمت ريم وأومأت رأسها بالموافقة وهي تقول:
“إديني خمس دقائق وهكون جاهزه”
وبعد خمس دقائق بالتمام والكمال كانت تقف أمامه وتقول:
“يلا بينا”
سار أمامها وهو يقول:
“يلا يا مسكر”
ابتسمت كعادتها حينما تسمع تلك الكلمة التي أحبتها حتى أدمنت سماعها منه…
من ناحية أخرى كان صالح عائدًا، وحين أبصرهما يقابلانه تجهم وجهه ومر وكأنه لا يعرفهما وتجلى بعينيه نظرات السخط والغضب عندما سمع أصوات الزغاريد تخرج من بيت دياب…
غـ ـزا الحزن قلب ريم مجددًا وانطبع أثره على ملامحها وعندما لاحظ رامي خاطبها بابتسامة:
“إيه يا مسكر عمي هيقابلك فين؟”
انتبهت له ريم وقالت بجمود:
“هكلمه أهوه”
كاد صالح أن يدلف لبيته لولا صوت آدم الذي شده من مؤخرة سترته قائلًا:
“عمو لو سمحت”
طالعه صالح شذرًا ومازل الغضب يتمشى بين ملامحه، وأزاح يده عن سترته قائلًا بضجر:
“عايز إيه يلا؟!”
اتسعت ابتسامة «آدم» حين رأى عمرو يشير بسبابته لطفل أخر كان قد ثبت حجرًا صغيرًا في قوس مطاطي استعدادًا لإطلاقه، وبسرعة البرق ارتطم الحجر بمنتصف جبهة صالح الذي تأوه وأخذ يفرك جبهته وهو يتلفت حوله مرددًا بغضب:
“مين اللي عمل كده؟”
نظر نحو آدم الذي فر من أمامه وهو يضحك بصخب،
نفخ بحنق وهز رأسه مستنكرًا وهو يلعن الأطفال فهو يكرههم! ليباغته صوت طفل من شرفة بيته:
“عمو أنا عارف مين اللي عمل كده يا عمو؟”
رفع صالح رأسه لأعلى فابتسم الطفل لأنها نجح في جذب انتباهه حتى ينفذ الأطفال باقي الخطة…
وبعد لحظات قليلة شعر صالح بمياة بللت سرواله بعد أن حاوطه ما يقارب من عشرة أطفال يحملون مسدسات مائية مختلفة الأحجام….
ضحك الأطفال بصخب ليردد أحدهم بصوت مرتفع أثناء فراره:
“عمو عمل بيبي على نفسه”
هتف آدم وهو يركض مبتعدًا وصالح يتبعه ركضًا:
“إيه يا عمو! مش كبرت على الحاجات دي!”
هتف صالح بغضب شديد:
“استني ياض… والله ما هسيبك يابن الـ….”
صاح طفل أخر بضحكات عالية، من خلف صالح:
“أنا عارف دكتور كويس أوي ممكن يعالجك”
انحنى صاح وأمسك صالح عصا غليظة والتفتت للطفل ليضربه لكنه سرعان ما فر من أمامه….
توقف صالح مكانه يلهث ويصرخ غاضبًا وردد:
“اقف هنا يلا…. خد ياض”
وحين أبصر آدم الذي كان متعمدًا أن يريه نفسه، ركض نحوه وقبل أن يصلةإليه سكب أحدهم دلو منوسائل سميك كان ورقًا مذابًا في الماء غطي رأس صالح بالكامل ومر ملابسه…
وقف صالح مكانه يمسح وجهه ورأسه وسط ذهول جيرانه بالشارع لما يحدث له….
رفع صالح بصره وهتف بأعلى صوته:
“يا بن الـ…. أنا عارفك وهجيبك”
استطرد ومازال يمسح ملابسه:
“مش هسيبكم والله لأروح لأهلك إنت وهو”
هتف آدم ضاحكًا:
“إحنا واحد من كل قبيله يا باشا…”
وفر جميع الأطفال بعدما أنهوا خطتهم…
خرج رجل من محله وخاطب صالح:
“معلش يبني متعملش عقلك بعقل شوية عيال”
لوح صالح يده بنزق ولم يعقب على كلمات الرجل وسرعان ما دخل لبيته والغضب يعتريه…
لتقابله والدته فاطمة بأعين متسعة ومذهولة وقالت:
“إيه اللي عمل فيك كده يا صالح!!”
لم يجِب ودلف المرحاض وصك الباب خلفه فسألته:
“إنت وقعت ولا إيه؟!”
تجاهل سؤالها وقال بنبرة يشوبها الحدة:
“هاتيلي هدوم”
********
تجمع الأطفال حول عمرو الذي خطب فيهم:
“كده الخطه نجحت يا رجاله أنا فخور بيكم”
هتف الأطفال في صوت واحد:
“هيييييييه”
ربت عمرو على كتف آدم وهو يقول:
“أنا سعيد بانضمامك للشله بتاعتنا ولو احتاجتنا في أي وقت احنا في ظهرك… من النهارده إنت واحد مننا”
أردف عمرو بنبرة مرتفعة وهو يضع يده على كتف آدم:
“يا رجاله من النهارده آدم واحد مننا”
آدم بزهو:
“شكرًا يا رجاله وأنا كمان ثعيد ”سعيد” بوجودي معاكم….”
ثم أردف بحمـ ـاس:
“تكبير”
ردد الاطفال بنفس الحمـ ـاس وبنبرة هزت الشارع:
“الله أكبر… الله أكبر”
عامر بفرحة:
“يلا يا رجاله بينا نحتفل بعد الانتصار ده… دقــــوا الطبول”
أخذ أحد الأطفال ينقر على وعاء بيده والثاني ينفخ مزمارًا والأخر يغني والبقيه يرقصون ويركضون هنا وهناك أمام البيت….
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ♥️
★★★★
وفي غرفة دعاء كانت تجلس أعلى فراشها وقد أغلقت الباب عليها بإحكام وكانت تتحدث بصوت خافت مع علي عبر الهاتف، وفجأة انفعلت قائلة:
“يعني عاوزني أعملك إيه يا علي؟!”
خاطبها بنبرة ناعمة:
“مش احنا أصحاب يا دعاء؟”
قالت بقلة حيلة وبنبرة غلفتها السخرية:
“طبعًا أصحاب”
“يبقا ساعديني أقابل نداء وأتكلم معاها مره تانيه”
قالت بنزق:
“هي برده لسه في دماغك يا علي؟”
قال بلوعة:
“بحبها أوي يا دعاء”
ازداد انفعالها أثر جملته تلك وقالت بحدة:
“بس هي مبتفكرش فيك!”
انفعل هو الأخر وقال:
“لكن انا بفكر فيها وهي تستاهل إني أحاول عشانها… بالله عليك تساعديني…”
أخذ صدرها يعلو ويهبط من شدة انفعالها وقد ذهبت جميع أمالها أدراج الرياح كبحت بكائها وقالت بعصبية:
“فوق يا علي نداء ماشيه مع واحد تاني ومن زمان أوي وعمرها ما هتكون ليك”
قالتها كاذبةً عله ينسى نداء ويراها هي! هي التي أحبته وتمنت أن يشعر بها هي التي لم تترك يومًا منذ عام إلا وكلمته واستمعت إليه، مالت إليه لكنه لم يمِل لها…
قال متلعثمًا وهو يهز رأسه كأنه يقلب بها ما تفوهت به:
“و… واحد تاني!!! مش ممكن! إنتِ كذابه”
“أنا مش كذابه دي الحقيقة اللي كنت مخبياها عنك… وهو أخو واحده صاحبتنا… أنا بقولك عشان إنت تهمني… وعشان تنساها… نداء عمرها ما هتكون ليك…”
“وأنا بقولك إنتِ كذابه نداء مستحيل تكون ماشيه مع حد!!”
“إنت حر تصدق أو متصدقش إنت حر”
قالت أخر كلمتين وهي تضغط عليهما فأغلق علي المكالمة دون استئذان فنظرت لهاتفها وقالت بغضب:
“أبو شكلك… غـ ـبي…”
صرخت وهي تلقي بالهاتف جانبًا:
“برده نداء… نداء… نداء”
فكل يوم يزداد مقتها لـ نداء وحقدها عليها، قالت:
“ماشي يا علي”
وعلى الصعيد الأخر كان علي يجلس على مقعد بشرفة بيته، أخذ يُحدق بالفراغ أمامه بتجهم وعقله يستعيد ما قالته دعاء، ثم هب واقفًا وقال:
“مستحـــيــــــل”
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★★
وفي إحدى المطاعم أخذت ريم تلتفت يمنة ويسرة تتأمل المكان وهي تجلس لحالها ووالدها يتحدث عبر الهاتف بعيدًا عنها، انتبهت على صوته حين خاطبها وهو يجلس قبالتها:
“ها تحبي تتغدي إيه يا عروسه؟”
“أتغدى هو أنا لسه هتغدى!!! فين المفاجأة؟!”
قال بابتسامة:
” المفاجأة لسه في الطريق… قدامها ربع ساعه وتوصل”
أومات رأسها وطلبت عصير بعد أن بررت أنها لا تشتهي الطعام…
أخذ ضياء يشرح لها عن سرية ما يود إخبارها به وأنها مفاجأة قد تسعدها لكنها ستصدم آخرين وينبغي أن تظل سرًا بينهما…
أخذت ريم رشفة من العصير ثم وضعته على الطاولة وانحت بجزعها العلوى نحو أبيها قائلة:
“مش بحب المقدمات يا بابا خلينا ندخل في الموضوع علطول! حضرتك بقالك نص ساعه بتكرر نفس الكلام”
قال مبتسمًا:
“معلش زيادة تأكيد”
رفع ضياء هاتفه وكاد يطلب رقم محمد وقبل أن يفعل كان محمد يقف بمنتصف المطعم يجول ببصره في المكان باحثًا عنهما وحين أبصره ضياء رفع يده مخاطبًا إياه:
“محمد… تعالى”
اقترب محمد والإبتسامة تزين مُحياه وألقى عليهما السلام فردت ريم بحياء متحاشية النظر نحوه…
وتفاجئت حين سحب محمد المقعد المجاور لها وجلس معهما ثم خاطبها بابتسامة عذبة:
“ازيك يا ريم؟”
نظرت ريم لوالدها كأنها تستفهم منه عن هوية هذا الشاب وأجابت بنبرة مرتعشة:
“الحمد لله”
محمد ومازال محافظًا على ابتسامته:
“كان نفسي أتعرف عليكِ من زمان… بابا دائمًا بيحكيلي عنك”
تحدثت ريم وهي تشير لنفسها والإستفهام يعلو قسمات وجهها:
“بيحكيلك عني أنا؟ مين باباك! ويعرفني منين؟”
حمحم ضياء وتدخل قائلًا بنبرة منخفضة:
“أنا يا ريم….”
ابتلع ضياء ريقه بتوجس واستطرد:
“أنا باباه… محمد ابني و… وأخوكي… محمد ضياء العقيد”
طالعت ريم والدها بابتسامة ضائعة وكأنها تظنه يُلقى طرفة ما! وسرعان ما تبددت ابتسامتها وغلفت الصدمة ملامحها حين أدركت جدية ما قاله والدها، سألته بنبرة مرتعشة:
“إزاي؟”
عاد ضياء بظهره للخلف وقال:
“أنا كنت متجوز واحده غير فاطمه والدتك من ٢٦ سنه لكن… لكن توفت من ٣ سنين”
ريم مستفهمة بتعجب:
“وماما عارفه؟”
هز رأسه نافيًا فنطقت ريم بانفعال:
“بس دا حرام… ودي خيانه يا بابا”
رفع ضياء نبرة صوته وهو يقول:
“مش خيانه… وأنا معملتش حاجه حرام! وسألت بدل الشيخ عشره وكلهم قالولي إن الراجل مش فرض عليه يقول لمراته إنه هيتجوز…”
ريم بنفس درجة انفعال والدها:
“كان لازم تقول لماما وهي تختار تعيش معاك على كده ولا لأ”
ضياء بانفعال شديد:
“ملهاش حق تعرف… أنا موفرلها كل احتياجاتها فلوس… أكل.. شرب.. لبس… هتحتاج إيه تاني!”
إحتبست العبرات في محاجرها وهي تنطق بحسرة:
“هتحتاجك إنت!!”
ازداد انفعال ضياء وقال:
“أمك ميهمهاش إلا الفلوس دا غير إنها عايشه معايا من باب ضل راجل ولا ضل حيطه… أمك مبتحبش إلا نفسها يا ريم”
رمقت ريم محمد الذي يجلس صامتًا وينظر للأسفل بهدوء انفعلت ريم قائلة:
“لو سمحت يا بابا متتكلمش عن ماما كده”
ضياء بتهكم:
“ماما! مش ماما دي اللي قفلت الباب في وشك وإنتِ بالبيجامه… بتدافعي عنها ليه؟”
تسارعت أنفاس ريم وأطلقت العِنان لدموعها الدافئة وهي تقول بحشرجة:
“عشان مهما عملت هتفضل أمي…”
كان محمد يتابع ذلك الحوار الساخن بترقب وحين بكت ريم اختلج داخله، سحب منديلًا ورقيًا من أمامه وصوبه لريم قائلًا بحنو يغلفه شفقة:
“ريم عشان خاطري متعيطيش”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
مال محمد نحو أذن والده وهمس:
“براحه عليها يا بابا الكلام ده ميتقالش قدامي…”
هدأ ضياء من ثورته التي في غير محلها، وقال وهو يوقع كلماته:
“محمد أخوكي يا ريم”
التفتت ريم تتأمل محمد الذي ابتسم فور التقاء أعينهما وود لو يعانقها ولكن تلاشت ابتسامته حين نهضت ريم على فورها وقالت:
“لكن أنا معرفهوش… بعد إذنك يا بابا عشان رامي مستنيني هنزل أشتري شوية حاجات”
سارت خطوتين ثم عادت وقالت:
“متقلقش يا بابا أنا مش هقول لحد”
ثم انصرفت فقال محمد بقلق:
“بابا أنا هروح وراها لحد ما توصل لـ رامي”
أومأ ضياء مؤيدًا وحدق أمامه بشرود في حين تبعها محمد ليطمأن عليها…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
*******
غادرت ريم ولم يكن رامي بانتظارها كما قالت لكنها أرادت أن تختلي بنفسها قليلًا…
ولم تشعر بـ محمد الذي تتبع أثرها، وبعد أن اطمئنت لإبتعادها مسافة عن المطعم جلست على أقرب مقعد حجري قابلها وانفجـ ـرت باكية لم تكن تفهم حقيقة مشاعرها هي لم تكن حزينة لأجل والدتها كما أظهرت بل دب الرعب في قلبها وخصوصاً بعد جملة والدها:
“…الراجل مش فرض عليه يقول لمراته إنه هيتجوز…”
وأخذت تتسائل هل يمكن أن يتزوج رامي عليها دون أن يخبرها! وقد تعيش وتمـ ـوت دون أن تعرف كما فعل والدها!
جال صوت رغدة أختها في أذنها وهي تقول:
“رامي مش بيحبك وبكره يطلـ ـقك ويـ ـرميكِ…”
تبعها صوت ضحكات رغدة كأنها تسخر منها وحضر لمخيلتها نظرات صالح ومؤمن المتهكمة تزامنًا مع تردد جملة والدتها الحادة:
“لو اتجوزتي ابن شيرين يبقا أنا مش أمك! متنادينيش ماما!”
ثم جملة والدها مرة أخرى:
“الراجل مش فرض عليه يقول لمراته إنه هيتجوز…”
وصوت رامي الحاني:
“إيه يا مسكر…”
ثم صوت رغدة:
“عيال عمك دياب مبيعرفوش يحبوا حد…”
انفعلت وازداد بكائها وهي تردد:
“بس بقا… كفايه… كفايه…”
كان أخر صوت تردد في أذنها وهي منهـ ـارة بالبكاء محمد وهو يقول بنبرة حانية:
“ريم عشان خاطري متعيطيش”
حاوطت رأسها بكلتا يديها وتشوشت الرؤية أمامها فأغلقت جفونها ولكن قبل أن يُغشى عليها وتسقط التقطتها يديه….
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله 🌹
★★★★
كانت نداء ترتدي حجاب الصمت وهي تجلس قبالة وئام التي تسرد لها ما حدث للمرة التي لا حصر لها ونداء تسمعها دون تعقيب حتى خرجت من صمتها قائلة بنزق:
“حكيتيلي الموقف مية مره يا وئام… ما خلاص بقا!”
عقبت وئام بحسرة:
“أنا اللي مضايقني إنه مكنش هيعرفني لولا رائد إللي ظهر فجأة وقال بعلو صوته… وئام! بتعملي إيه هنا يا وئام؟… متخيله نطق اسمي مرتين في نفس الجمله!”
نداء بضجر:
“معلش”
هبت وئام واقفة وقالت بتبرم:
“معلش!! إنتِ مش حاسه بمشاعري وأحاسيسي أنا…. أنا عايزه أعيط”
أطلقت نداء تنهيدة طويلة ثم قالت بهدوء:
“أومال أقولك إيه!! بصي خليكِ زيي اعملي نفسك مش واخده بالك… متفكريش كتير”
عادت وئام تجلس مكانها وكادت تكرر نفس الجملة بحسرة:
“أنا بس اللي مضايقني إنه….”
قاطعتها نداء وهي تكمل الجملة التي حفظتها بسبب كثرة تكرارها، هتفت ساخرة:
“مكنش هيعرفني لولا رائد إللي ظهر فجأة وقال بعلو صوته… وئام! بتعملي إيه هنا يا وئام؟… حفظت أنا الجمله دي”
طالعها وئام بغيظ وهي تشير لنفسها قائلة بعبوس مصطنع:
“إنتِ بتسخري مني يا نداء!…”
قاطعهما هيام حين فتحت باب الغرفة في سرعة وقالت من خلف ضحكاتها:
“شوفتو عيال الشارع عملوا إيه في صالح!”
نداء مستفهمة:
“صالح مين؟”
أجابت وئام:
“أخو ريم…”
أخذت هيام تقص ما حدث وما رأته وانخرطا في الضحك حتى نادتهن شيرين وسلمت كل واحدة مهمة اثنتان ستقـ طعان الخضروات والثالثة وهي هيام
خرجت لشراء بعض المتطلبات…
وبعد دقيقة هتفت شيرين:
“روحي يا وئام طلعي الشاي ده لـ رائد وصاحبه”
وئام بابتسامة صفراء:
“لا والله أنا مش هينفع أطلع خالص”
رمقتها شيرين بغضب قبل أن تقول بصرامة:
“هو إيه اللي مش هينفع!!! أنا مش هكرر كلامي تاني شيلي الصينيه طلعيها لأخوكي”
زفرت وئام بقـ ـوة وهي تحمل الصنية وترمق نداء التي تُطالعها بنظرات متهكمة وتكبح ضحكتها التي تبدلت بابتسامة سمجة تجلت على ملامحها…
ربتت نداء على كتف وئام وهي تقول بخفوت:
“قلبي معاكي معلش”
رمقتها وئام بحدة وهي تقول متضجرة:
“إوعي يا به”
وبعد خروج وئام اتسعت ابتسامة نداء أكثر وهي تتخيل حالتها تلك! حتى باغتتها شيرين قائلة:
“يا نهار ابيض دي نسيت السكر… معلش يا نداء روحي طلعيه”
وقفت نداء حائرة حتى أشارت لها والدتها الحازمة بعينها لتفعل ما طلبت شيرين لذا أخذت وعاء السكر وصعدت الدرج وهي تتمنى أن تقابلها وئام….
على نحوٍ أخر وقفت وئام جوار رائد بعد أن سلمته الشاي وتنهدت بارتياح حين لم تجد يحيى الذي كان ينادي آدم من الشرفة، أخذت تتفقد الزينة التي شرع يحيى في تحضيرها ولم ينتهي بعد…
وانتبهت على صوت رائد الذي يمسك أذن عامر بحدة مرددًا:
“والله يا عمرو لأقول لبابا على اللي عملته… لازم أخليه يعلقك عشان قلة الأدب دي!”
“سيب وداني يا أبيه أنا مش عمرو أنا عامر… وعمرو هو اللي خطط لكل ده!… أنا اللي حكيتلك يا أبيه”
تدخلت وئام وهي تحاول جذب عامر من يده:
“سيبه يا رائد ما هو بصراحه صالح يستاهل اللي حصل”
عاد رائد يضغط على أذن عامر وهو يخاطب وئام:
“اسكتي يا وئام متتدخليش…”
دلف عمرو للشقة فجذبه رائد باليد الأخرى وهو يقول:
“أهلًا برأيس العصابه… تعالالي يا سابق سنك”
صاح عمرو:
“اه وداني يا أبيه أنا معملتش حاجه دا العيال اللي عملوا”
وئام:
“خلاص بقا يا رائد سيبهم”
عمرو وعامر في نفس الصوت:
“وداني يا أبيه…”
أطل آدم برأسه من فتحة الباب فابصره رائد قال:
“تعالى… تعالى…”
دلف آدم للشقة وهو يُبدل نظره بين عمرو وعامر وأصوات استغاثتهما ترن بأذنه:
“وداني… سيب وداني يا أبيه”
آدم بضحك:
“حرام عليك يا أبيه سيب ودانهم… بدل ما تطول أكتر ما هي”
التفت رائد ينادي يحيى فخرجت وئام من الشقه مسرعة قبل أن يراها!
أطل يحيى وهو يتفقد المكان فقد ظل بالشرفة كي لا يراها! تنحنح يحيى وقال:
“ايه يا غالي…”
رائد ومازال ممسكًا بأذنا عمرو وعامر ومشيرًا برأسه نحو آدم المبتسم:
“هات المتـ ـنمر الصغير ده احبسه هنا…”
اقترب يحيى لفك عمرو وعامر من بين يدي رائد وهو يقول:
“إوعى كده سيب العيال يا عم…”
وحين أفلتهما يحيى من يد رائد ركض الأطفال الثلاثة للخارج…
فهدر رائد وهو يركض خلفهم:
“استنى يا عمرو…. استنى يا….”
قاطعه صرخات وئام _تلك التي كانت تقف خارج الشقه وأمام السلم مباشرةً ليتسنى لها الاستماع لما يحدث_ دفعها عامر وهو يهرب وعن طريق الخطأ، لتعثر على الدرج تزامنًا مع صعود نداء بوعاء السكر الذي ارتفع عاليًا أثر اصطدام وئام بها، وباءت محاولتها بأن تسند على أي شيء بالفـ ـشل فأخذت السلم كر وفر ككرة مطاطية تتدحرج على درجاته وقد تبعتها كرة أخرى وهي وئام مع تناثر حبيبات السكر عليهما كالألئ البيضاء…
ولم يشغل تفكير وئام أثناء ما يحدث سوى يحيى وأنها سيراها أيضًا بتلك الحاله، لترتطم أخر شيء بجسد نداء التي أغلقت أعينها غائبة عن الوعي…
تجاهلت وئام ألم جسدها حين رأت حالة نداء وصاحت:
“نـــداء”
وفي نفس اللحظة كان رائد مشدوه يشاهد ذلك المشهد الذي لم يستغرق سوى لحظات بأعين متسعة وجواره يحيى الذي هدر به قائلًا باستغراب:
“إنت هتقف مبلم! أنزل شوفهم….”
★★★★★
بين كل فترة وأخرى تضعنا الحياة أمام مفترق طرق لكننا لا ندرك أي الطريقين أفضل إلا حين نسلك أحدهما لنهايته وقتها إما أن نقفز فرحًا لإختيار هذا الطريق أو تصـ ـرخ روحنا ندمًا على اختيارنا ونتمنى لو نعود أدراجنا ولكن يبقى العمر اتجاه واحد ذهاب بلا إياب…
فتحت ريم جفونها لتبصر محمد الذي حاوطها بيده وطفق يضع العطر النفاذ أمام أنفها حتى انتبهت..
انتفضت وابتعدت عنه رُغم أنها لم تستعد كامل توازنها، هتف محمد بلهفة:
“أنا كنت همـ ـوت من القلق عليكِ…”
لاذت بالصمت فاستطرد:
“عمري ما اتحطبت في الموقف ده”
لم تعقب فنهض ووقف قبالتها ثم سألها:
“إنتِ كويسه يا ريم ولا نروح مستشفى؟”
قالت باقتضاب:
“كويسه… شكرًا لحضرتك”
صمت قليلًا وقال:
“ريم إنتِ هتعـ ـاقبيني على غلطه مليش إيد فيها”
سندت رأسها بيدها ولم تعقب فصمت قليلًا ثم نظر أمامه مسترسلًا:
“بابا كان دائمًا بيوريني صورتك ويقولي إنت وريم شبهي وشبه بعض أوي… وكان دايما يحكي عنك… حتى ماما الله يرحمها كانت بتحبك ونفسها تشوفك بس ملحقتش…”
خرجت من صمتها وسألته:
“مـ ـاتت إزاي؟!”
قال بألم:
“كانـ ـسر”
استرسل:
“قبل ما تمـ ـوت قالتلي… لو في يوم قابلت ريم وأنا ملحقتش أقابلها… سلملي عليها… الله يرحمها وحشتني أوي”
قال أخر جملة بلوعة وباغتته عيناه بدمعة لاحظت ريم فرارها من بين أهداب جفونه…
أخذت ريم تُحدق به وتتامل ملامحه التي تشبهها إلى حد كبير، ثم مدت يدها بتردد وربتت على ظهر يده فابتسم والحـ ـزن عالق بين عينيه، سرعان ما سحبت يدها وكأنها لُـ ـدغت للتو…
صمتت قليلًا وهي تنظر أمامها ثم التفتت له قائلة:
“أنا كتب كتابي النهارده”
“ما أنا جاي عشان كده”
التقت عينها بعينيه وابتسما لبعضهما قبل أن يدنو منها ويضمها وتضمه بحرارة فقد نمى بقلبها شعور بالحب والدفء وكأنها تربت معه وتعرفه منذ نعومة أظافره، وها قد رُزقت بأخ حنون ويمتلك قلبًا صافيًا بعد كل تلك الأعوام!
وكان هناك عيون تتابع ما تفعله ريم بذهول، بعد أن التقطت لهما العديد من الصور….
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أخذت هيام تُقلب بين الصور على هاتفها وداخلها يشتغل غضبًا من ريم والتساؤلات تجول برأسها؛ هل هذا الشاب عشيقها وتحبه وقد أرغمها والدها على الزواج من رامي؟ أم ماذا يحدث هنا!! وكيف تُعانقه ريم بتلك الطريقة! فلم تعهد عن ريم بأنها عديمة الحياء! وهل تخبر رامي بما رأت أم تواجه ريم أولًا؟
هزت رأسها مستنكرة وأخذت تُقلب بين الصور وتحذفهم واحدة تلو الأخرى قبل أن ترنو نحو ريم وذلك الشاب الذي يجلس جوارها ويضم كفها بين كفوفه ويضحكان! فلم تعتد هيام على مثل تلك الأفعال لذا ستواجهها….
“ريــــــم”
انتفضت ريم أثر صوتها ونهضت واقفة وهي تبتلع ريقها وتبدل نظرها بين هيام ومحمد الذي تمشى القلق على ملامحه وكان يُطالع هيام هو الأخر بريب…
ابتسمت هيام بسخرية وقالت:
“مفاجأة مش كده؟!”
أردفت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
“ويا ترى بقا كنتِ ناويه تهربي النهارده معاه ولا…..”
قاطعتها ريم قائلة بانفعال:
“هيام إنتِ فاهمه غلط دا….”
هيام باندفاع:
“هتقولي إيه؟! أنا شوفت كل حاجه… بس الغلط مش عليكِ الغلط على رامي اللي حبك من قلبه”
نظر محمد لـ ريم وسألها:
“مين دي يا ريم؟”
ريم بنبرة مرتعشة:
“دي هيام أخت رامي”
ابتسم محمد وهو يُطالع هيام:
“بنت عمي دياب؟”
اومأت ريم وهي تنطق بالإيجاب، فعقب محمد:
“طيب ممكن تدينا فرصه نشرحلك يا هيام”
هيام بتهكم:
“هتشرح إيه ما أنا شوفت بعيني…”
“تسمحيلي أقولك إنك متسرعه أوي وده غلط”
قالها محمد وهو يخرج حاويته من جيبه ثم بطاقة هويته ويصوبها نحو هيام التي قالت بتلعثم وهي تحدق بيده الممدودة لها:
“إيه ده!!”
قال برتابة:
“خدي بطاقتي واقري إسمي”
التفتت هيام تحدج ريم بنظرات مضطربة، فأومات لها ريم بعينيها لتفعل، فالتقطت هيام الهوية من يده ونطقت اسمه:
“محمد ضياء…”
صمتت للحظة ثم رفعت رأسها طالعته بدهشة وهي تردد:
“العقيد!”
التقط محمد يد ريم وقال بابتسامة محدقًا بريم المبتسمة:
“أنا أخوها…”
ثم وجه نظره لهيام وقال:
“وابن عمك ضياء”
بدلت هيام نظرها بينهما في ذهول مرددة:
“إزاي ده!!!”
ريم وهي تومئ رأسها:
“هحكيلك يا هيام… بس الموضوع ده مش لازم أي حد يعرفه أبدًا…”
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★★
“نــــــــــداء… بنتــــــي”
دوى صوت دينا المصدومة بالمكان وهي ترى جسد نداء المنكبة على وجهها تفترش الأرض بلا حول ولا قوة، تبعت تلك الكلمات بصرخات من شدة هلعها تزامنًا مع دخول الأخت الكبرى لـ دياب «داليا» من بوابة البيت مع بناتها الأربعة وعلى الفور حملن نداء لإحدى الغرف وساعدتها إحداهن في استعادة وعيها وفحصتها لتتأكد من سلامتها، هتفت شيرين بقلق:
“طمنينا عليها يا دكتوره!”
أخذت الفتاة تتفحص نداء وما يؤلمها ثم نطقت:
“الحمد لله مفيش كسـ ـور”
تبع جملتها خروج تنهيدات ارتياح من الواقفات حول نداء…
كانت نداء تتأملهن وهن يحمدن الله على سلامتها، وشردت تتذكر رائد الذي كان أخر شيء رأته قبل أن تفقد وعيها فلم يسبق لها أن فقدت وعيها مطلقًا وكانت تتمنى تجربة ذلك لكن ليس بتلك الطريقة المحرجة!!
أخرجها من خضم أفكارها صوت داليا وهي تشير نحو ابنتها مخاطبة دينا بابتسامة وزهو:
“دي الدكتورة غاده بنتي الكبيرة..”
استرسلت داليا بفخر أكبر:
“ومتجوزه دكتور صادق العدلي صيدلاني كبير أوي أكيد تسمعوا عنه”
خرجت وئام من الغرفة فهي تعرف عمتها وحبها الدائم للفخر ببناتها فلم تحضرهن للحفل إلا للحديث عنهن والتباهي بهن بين الناس….
وقفت وئام أمام باب الغرفة تتسائل في سريرة نفسها هل يحق لعمتها أن تفعل! فبعد أن توفى عنها زوجها وكانت أكبر بناتها في السادس من عمرها لم تتزوج بل آثرت الكد والتعب لتربيهن وحدها…
“وئام! إنتِ كويسه يا حبيبتي؟”
جذبها خارج أفكارها صوت رائد الذي ربت على كتفها وهو يُطالعها بقلق، أجابت:
“كويسه متقلقش”
أشار رائد للغرفة وسألها بخفوت ونظرات يتجلى بها الإضطراب:
“ونداء…..”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة متفهمة وغمزت بعينيها قائلة
بعض المكر:
“فاقت وغاده قالت إنها كويسه… متقلقش عليها”
تنحنح رائد وأخذ يفرك أذنه وهو يرمق وئام بنظرات مذبذبة وهي عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتبتسم بمكر فقال متلعثمًا ليغير مجرى الحديث:
“هاتيلنا حاجه ساقعه”
قالت وهي تومئ رأسها ومازالت نظرات الخبث تشع من مقلتيها:
“الساقع في التلاجه”
حدجها بنظرة مطولة ثم انصرف من أمامها دون أن يعقب….
وقفت وئام تُطالعه وهو يغادر ثم ابتسمت بحمـ ـاس زاعمةً بأن خطتها هي وهيام لتقريب رائد من نداء قد نجحت جذبها من أفكارها عامر الذي ضمها محاوطًا ساقيها بيديه وهو يقول بنبرة باكية:
“أنا آسف…”
انحنت وئام لمستواه وضمت وجهه بيدها وهي تقول بشفقة:
“بتعيط ليه يا حبيبي؟”
قال بنبرة متحشرجة:
“عشان أنا اللي وقعتكوا”
“إحنا كويسين والله متعيطش”
حاوط عمرو ظهرها من الخلف هو الأخر مرددًا ببكاء:
“أنا كنت خايف عليكوا”
جذبتهما وئام لحضنها وهي تربت على ظهرهما مرددة:
“والله إحنا كويسين… خلاص بقا يا عمرو”
رد عامر بعد أن جفف دموعه:
“أنا مش عمرو أنا عامر”
وئام بابتسامة:
“طيب خلاص يا عامر”
خرج عمرو من أحضانها وهو يمسح دموعه بيديه ويردد:
“أنا مش عامر أنا عمرو”
وانفـ جـ ـر ثلاثتهم بالضحك وشاركهم آدم الذي كان يتابع الحوار من زاوية قريبة….
وبعد أن غادرت وئام اقترب منهما آدم وهو يحرك زجاجة من قطرة العين بيده قائلًا بمكر:
“مش قولتلكم العياط هو الحل”
عمرو بابتسامة:
“إيه رأيك في تمثيلنا؟”
آدم بضحك:
“تمثيل؟ دا أنا صدقتكم واتأثرت”
التقط عامر القطرة من يده وأخذ يضعها بعنيه لتسيل على وجنتيه وأخذ يتظاهر بالبكاء ناطقًا:
“يلا بينا بقا على ست الحبايب”
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة الا بالله ❤️
★★★★★
“يعني عمو ضياء طلع متجوز واحده تانيه؟!”
أومات ريم رأسها بالإيجاب دون نطق، فأشارت هيام لـ محمد وهي تنظر لـ ريم مستطردةً:
“يعني ده أخوكي؟”
ريم وهو تُطالع محمد:
“أيوه محمد أخويا من بابا”
رمقت هيام محمد الذي يتابع حديثهما مرتديًا جلباب الصمت، أطلقت تنهيدة قصيرة وهي تُطالع ريم ثم قالت:
“تمام!… وزي ما اتفقنا مش هقول لحد حتى وئام”
أردفت:
“أنا همشي بقا عشان ماما كانت طالبه مني حاجات واتأخرت”
“استني هاجي معاكِ”
قالتها ريم…
مد محمد يده لها فكادت تقول أنها لا تصافح الرجال لكنه نطق:
“بطاقتي!”
قطبت جبينها في دهشة واستفهام:
“مالها؟”
نظر للبطاقة في يدها قائلًا بابتسامة:
“معاكي… هاتيها”
ارتبكت حين فهمت مقصده وقالت بتلعثم:
“اه… معلش مش مركزه… اتفضل”
وقبل أن تغادر اتفقت معها ريم أن تساعد محمد في الإلتقاء بها مساء دون أن يلاحظ أحد…
وغادرت ريم مع هيام التي رمقت محمد بطرف خفي قبل أن تنصرف، ومازالت مشدوهة ومصدومة من ظهور ابن عم مفاجئ…
لم يرمي محمد تركيزه إلا مع أخته التي تحققت أمنيته ورآها…
أما ريم فكانت مشاعرها مضطربة للغاية تكاد تطير فرحًا لأن محمد أخوها فكم تمنى قلبها أخ حنون تشعر معه بالدفء بعيدًا عن قـ ـسوة أخوتها ووالدتها وها قد تحققت أمنيتها دون أن تنطق بها، وفي نفس الوقت يُنغصها أن والدها تزوج أخرى غير والدتها…
مما يبعث الطمئنينة في النفس أن الله يرى؛ يرى الخبايا والنوايا ويعلم ما تكنه الصدور، وكل ما تتمناه القلوب ولم تنطق به الألسنه، وسبحانه يرزق على قدر النوايا…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وفي المساء
جلست ريم جوار والدها تمسك القلم بيدها لتوقع الاوراق، كانت يداها ترتجفان وداخلها يختلج وكادت والتساؤلات تطيح برأسها هل تفعل الصواب أم أنها تسرعت بقبول تلك الزيجة، رفعت رأسها تُطالع رامي المبتسم فقال المأذون مداعبًا:
“إيه يا عروسه لسه بتفكري ولا ايه؟”
ابتسمت ريم بحياء ودقات قلبها تتسارع وأخذت توقع الأوراق واحدة تلو الأخرى حتى انتهت..
وفور انتهائها انهالت عليها المباركات
ثم رأت رامي يدنو منها فأسقطت بصرها أرضًا بحياء، مد يده ليصافحها ثم قبلها من مقدمة رأسها، أخرج الدبلة التي أخذتها منها وئام صباحًا، فمدت يدها اليمين لكنه تجاهلها وسحب يدها اليسار ووضع الدبلة في يدها ثم طبع قبلة عليها وسط زغاريد النساء، وارتباك ريم الظاهر جليًا لكل الحضور، وحين وقف رامي جوارها مال على أذنها وقال:
“إيه يا مسكر روقي… باين عليكِ التوتر أوي”
أشارت له ريم ليقترب فهمست في أذنه:
“أنا عايزه أدخل الحمام”
مسك يدها وقال بابتسامة:
“دقيقتين بس وهسيبك تروحي”
********
ومن ناحية أخرى أشارت هيام لـ محمد ليصعد الدرج وهي تلتفت حولها بتوجس، أدخلته لغرفتها في سرعة ثم أغلقت الباب وقالت بهمس:
“ريم قالتلي إنها هتيجي دلوقتي استناها بقا هنا”
“طيب ماشي شكرًا يا هيام”
وضعت هيام يدها على مقبض الباب لتخرج وهمت أن تفتحه فسمعت صوت والدتها تقبل نحو غرفتها، فاتسعت حدقتيها وأغلقت الباب وهي تقول:
“ماما جايه على هنا… ادخل الحمام بسرعه”
دلف إلى المرحاض وتبعته هيام ثم أوصدت الباب فقال بهمس:
“دخلتِ ليه!”
وضعت سبابتها على فمها أن صه…
ومن ناحية أخرى اتجهت شيرين صوب المرحاض وضعت يدها على المقبض لتفتحه فلم يفتح! نقرت على بابه وهي تقول:
“حد هنا يا ولاد؟”
ردت هيام بتوتر:
“أيوه… أنا هيام يا ماما عايزه حاجه؟”
“عايزه ادخل الحمام انجزي”
“حـ… حاضر…”
التفتت هيام حولها بارتباك وهي تقول بنزق:
“اعمل ايه دلوقتي يعني سابت كل حمامات البيت وجايه هنا!”
محمد بهمس:
“أنا آسف على الموقف ده”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
هيام بحدة:
“اسكت”
عقد جبهته هامسًا بتعجب:
“اسكت! إنتِ بتعامليني كده ليه؟”
زمت شفتيها وهمست بحنق:
“اسكت دلوقتي”
قاطعها صوت شيرين من الخارج:
“يلا يا هيام…”
قالت بتلعثم:
“بطني وجعاني يا ماما شوفي حمام تاني”
“ايوه ما هي لازم توجعك ما إنتِ كنتِ عملالي ميكس بين الشاي السخن والعصير المتلج”
قالتها شيرين بنزق قبل أن تغادر الغرفة فقال محمد وهو يكبح ضحكاتهم:
“فعلا؟! كنتِ عامله الميكس ده؟”
وحين اطمئنت هيام أن والدتها غادرت فتحت باب المرحاض وهي تقول:
“وإنت مالك؟ إنت هتصاحبني!”
تركته واتجهت صوب باب الغرفة فسمعت صوته يقول:
“معاملتك جافه”
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وكادت أن تغادر فطرأ في رأسها سؤال، التفتت له وسألته:
“هو إنت عندك كم سنه؟”
قال بسخافة مصطنعه:
“وإنتِ مالك! إنتِ هتصاحبيني!”
تجهم وجهها وكادت ان تغادر فضحك وأوقفتها إجابته:
“استني بس… أنا يا ستي هكمل ٢٥ كمان شهر”
قالت:
“يعني عمو متجوز بقاله أكتر من ٢٥ سنه واللي اسمها فاطمه دي متعرفش!”
قال مستفهمًا:
“فاطمه دي مامت ريم؟”
أومأت هيام رأسها إيجابًا فأردف محمد مستفهمًا:
“هي مجتش الحفله؟”
وكانه أطلق عقدة لسانها بسؤاله فقالت:
“لا دي ست صعبه أوي…”
أخذت هيام تحكي لـ محمد كيف تحقد عليهم تلك المرأة ومعاملتها القاسـ ـية لهم منذ الصغر مرورًا بسردها لتلك المشاجرة التي حدثت بين صالح ورامي وما فعلوه مع ريم، وأخيرًا ما فعله عمرو وعامر مع صالح، فضحكا الإثنان، وقال محمد بابتسامة:
“يا نهار أبيض إخواتك دول كـ ـارثه”
قالت من خلف ضحكاتها:
“فعلًا والله دول محيرين ماما”
أطلق محمد تنهيدة وقال:
“كان نفسي أتعرف عليكم من زمان أوي… ومازلت نفسي أتعرف على رامي ورائد وأخواتي برده”
“إن شاء الله تتعرف عليهم قريب وعمو ضياء يقول لفاطمه ويحـ ـرق دمها”
قال بضحك:
“للدرجه دي يا هيام!”
ضحكت ولم تعقب ثم سألته:
“هو إنت شغال إيه؟!”
“أنا خريج سياحه وفنادق وشغال في فندق في مطروح”
اومأت رأسها بابتسامة لكنه لم يسألها شيء عنها فقد سال والده سالفًا وألم بكل ما يريد..
“هيام”
كان صوت ريم التي طرقت باب الغرفة ففتحت ريم وهي تسحبها للداخل وتغلقه مجددًا…
بارك لها محمد وقبل رأسها وهو يقول:
“ربنا يسعدك يا ريم”
ابتسمت ثم قالت بحمـ ـاس:
“على فكره بابا قالي إني هاجي معاكم مطروح لحد ميعاد الفرح”
محمد بنفس الحمـ ـاس:
“الله يا ريم والله فرحت أوي”
اتسعت ابتسامة هيام وهي تراقبهما، ولاحظت نظرات محمد المختلسة نحوها بين وهلة وأخرى…
وبعد فترة خرجت ريم من الغرفة وتركت لهيام مهمة توصيل محمد لخارج البيت دون رؤية أحد له…
راقبت هيام المكان وأوصلت محمد لخارج البيت وقبل أن يغادر مدت يدها بعلبة من العصير وهي تقول:
“اتفضل”
أخذها من يدها وقال مبتسمًا وبامتنان:
“شكرًا مره تانيه يا هيام”
استدارت ولوحت له بيدها وهي تقول بمرح:
“سلام يابن عمي”
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده ❤️
★★★★★
كانت نداء تقف جوار وئام في الشرفة، تحكي لها وئام عن عمتها داليا وبناتها أشارت وئام لإحداهن تُدعى «ريمان» وطفقت تخبر نداء أنها تحب رائد منذ الصغر وقد طلبت من وئام وهيام المساعدة للتتزوجه، فسألتها نداء بتوتر:
“ورائد بيحبها؟”
وقبل أن تجيبها باغتهما صوت رائد:
“وئام كلمي ماما”
بدلت وئام نظرها بين نداء المرتبكه ورائد الذي ينتظر خروج وئام وقالت بمكر:
“حاضر هكلم ماما”
غادرت وئام وابتلعت نداء ريقها باضطراب وهي ترى رائد يدلف للشرفة، خاطبها دون أن ينظر إليها:
“ابقي طلعي رقمي من قائمة الحظر”
لم ينتظر إجابتها فقط قال جملته وغادر…
نظرت لمكانه الفارغ ورفعت رأسها لأعلى عازمة ألا تفعل….
مرت الأيام
وبعد ثلاث أسابيع قضتهم ريم بمرسى مطروح برفقة أخيها وأبيها، ولم يتبقى على زفافها سوى إسبوع فقط….
ولم تحاول وئام إظهار صوتها ليسمعه يحيى حين يتحدث مع رائد عبر الهاتف بل كانت تحاول حبس أنفاسها كي لا يشعر بها بعد أخر موقف محرج بينهما…
أما نداء فلم ترى رائد أو تتواصل معه خلال الأسابيع الماضيه، وتركته يحاول التواصل معها بلا فائدة، وأخر شيء أرسل لها رسالة عبر الفيسبوك:
“لو مخرجتيش الرقم من قائمة الحظر ورديتي عليا هاجي أقول لباباكي كل حاجه بكره”
تجاهلت نداء الرسالة وخرجت من غرفتها لتجد دينا تقف قبالة الأريكة تتفحص ثياب من الواضح أنها مستعملة، ظنت أن خالتها من أرسلتها، دنت من والدتها وقالت:
“مين جايب الهدوم دي يا ماما؟!”
دينا وهي تتفحص الثياب:
“دي طنط شيرين بعتاهم قالتلي أوزعهم على أي حد بس والله هدوم جديده وتناسبك تعالي شوفي كده”
تجهم وجه نداء وصكت أسنانها، قالت وهي تحاول كظم غيظها:
“لا يا ماما مش هاخد منهم حاجه”
أخرجت دينا فستان أخر وقالت:
“ليه!!! طيب شوفي الفستان ده!”
قالت وهي تحاول التحكم بأعصابها:
“يا ماما دي هدوم هيام ووئام وأنا بقابلهم كل يوم تقريبًا مينفعش ألبس هدومهم”
“ليه مينفعش! يا بنتي الهدوم دي خسارة”
قالتها دينا وهي تُقلب بين الملابس، فخرجت نداء عن هدوئها وقالت بحدة:
“يا ماما افهميني… أنا كبرت بقيت أتحرج ألبس هدوم مستعمله!”
جذبت والدتها من ذراعها وهي تقول:
“تعالي يا ماما”
فتحت نداء مخدع ملابسها بقـ وة وقالت وهي تشير لملابسها:
“وريني كده إنتوا شارينلي ايه من الهدوم دي؟!”
أردفت بدموع وهي تُخرج الملابس واحدة تلو الأخرى:
“دي خالو جايبهالي من بره ودول تبع بنات خالتي… يا ماما أنا هدومي كلها مستعمله!”
قالت جملتها الأخيره بنبرة مرتفعة متحشرجة، ثم ارتشفت دموعها ومسحتها وهي تقول:
“مش معنى إني مبتكلمش يبقا مش محتاجه حاجه! أنا بس بتحرج أطلب منكم…”
كانت والدتها تُطالعها بشفقة، ربتت على كتفها ولم تنبس بكلمة وهمت لتغادر الغرفة تاركة نداء لكنها اوقفتها قائلة:
“أنا هشتغل وأصرف على نفسي وأشتري اللي أنا عايزاه مش عايزه منكم حاجه…”
توقفت دينا مكانها للحظة ومن ثم غادرت الغرفة دون أن تلتفت لإبنتها التي هوت على فراشها وأخذت تبكي بنشيج مسموع…
وقفت دينا قبالة الأريكة تنظر للملابس المبعثرة لملمتها ثم جلست تُطالع الفراغ فكلام ابنتها كان بمثابة صفعة جعلتها تستيقظ من غفوتها…
لم تتغاضى عما حدث وأقنعت رشدي أن يشتري لـ نداء ملابس جديدة لتلفت نظر رائد، فوافق رشديعلى مضض…
★★★★★
وفي اليوم التالي
دلفت وئام لغرفة رائد بعد عدة طرقات فلم تجده ولكن قبل أن تخرج دوى صوت هاتفه فأخذت ترنو إليه وكان إسم المتصل ”يَحيى” ابتسمت فمازال اسمه يبعث شيء في نفسها، أخذت الهاتف معها وخرجت من الغرفة، وبعد ثلاث رنات ولكثرة عدد الرنات… لا شيء أخر كما نعلم أجابت عليه، فسمعت صوته:
“إيه يا غالي تقلان عليا ليه؟”
ابتلعت ريقها ثم قالت:
“أ… أ… أنا وئام”
تجمد صوته فجأة وهو يسأل:
“فين رائد؟”
قالت:
“باين خرج ونسي الموبايل”
قال بنبرة جادة:
“تمام شكرًا”
وضعت هيام يدها على صدرها علها تُهدأ خفقاته وأخذت تنهر نفسها قائلة:
“يارتني ما رديت”
عادت تضع الهاتف في حجرة أخيها كما كان وتركت الغرفة…
من ناحية أخرى أغلق يحيى الهاتف وكان مضطربًا لأنها أجابته لكن لم يتخذ الموضوع حيز من تفكيره حين أبصر آدم يقف في الشارع حاملًا الديك بعدما ذ**بحته والدته وهو يصرخ ويصيح قائلًا:
“أمي خانتنـــــي”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★
رآها «علي» وهي تقف في الشرفة فأخذ يطيل النظر إليها ويتفحصها وهي شاردة تُحملق أمامها في سكون، نظر له صاحبه وقال بخفوت:
“نزل عينك أبوها هياخد باله”
استجاب له علي فأردف صاحبه:
“إيه مفيش جديد!”
“للأسف طلعت ماشيه مع واحد تاني!”
صاحبه ساخرًا:
“كنت حاسس والله… مش قولتلك مفيش بنت تقدر تعيش من غير راجل يسمعها كلمتين… تلاقيك بس اتأخرت”
ابتسم علي ولم يعقب فاستطرد الشاب:
“بس أنا زعلان منك بقالك سنه بتكلم دعاء وإنت عارف إن عيني منها”
“يا عم متزعلش نفسك هديك رقمها…”
أردف علي وهو يخرج هاتفه:
“أكتب عندك ٠١١**”
★★★★★★
خرجت دينا للشرفة وخاطبت نداء:
“جهزي نفسك عشان هننزل نشتريلك هدوم بالليل”
التفتت لها نداء وقالت بندم:
“أنا آسفه يا ماما انفعلت عليكِ امبارح”
ربتت دينا على كتف ابنتها وهي تقول بابتسامة قبل أن تغادر:
“ولا يهمك”
ثم تركتها ودخلت فنظرت نداء لأثرها ثم عادت تنظر أمامها فجذب انتباهها سيارة تقف أمام بيتهم، تمعنت النظر فرأت رائد يرتجل منها ويدنو من والدها، أطبقت يدها على فمها تكتم شهقتها ثم ركضت للداخل تبحث عن هاتفها المحمول لتخرج رقمه من قائمة الحظر ثم تتصل به منتتظرة إجابته…
لم يجبها وما هي إلا لحظة وكان هاتفها يضيء برقمه فأجابت في سرعة وداخلها يختلج، انتظرت صوته ولكن باغتها صوت تألفه:
“طبعًا مستنيه تسمعي صوت تاني!”
ضحكت ثم أردفت:
“بترني على أخويا ليه بقا؟”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ازدردت «نداء» لعابها باضطراب فمن ناحية هيام التي أجابت على الهاتف ومن الأخرى رائد الذي حتمًا يخبر والدها الآن!
وحين طال صمت نداء وسمعت هيام أنفاسها المضطربه قالت بارتياب:
” أنا أصلًا شاكه فيكوا من فترة من يوم ما شوفت رقمك عند رائد…”
أسدلت نداء ستارة جفونها وهي تضغط شفتيها معًا لا تدري أيعاندها القدر؟ لكن القدر لا يُعاند هو فقط يسوقنا للنصيب المحسوم منذ دخولنا من بوابة الدار الدنيا…
“يا بنتي ردي متخافيش هستر عليكوا أنا أصلًا كتومة أوي كتومه جدًا كتومه خالص”
قالتها هيام ثم أطلقت عدة ضحكات ساخرة…
نفخت نداء الهواء من فمها لتهدأ ثم نطقت بتلعثم وتوتر تجلى بنبرتها:
“هيام إنتِ…. إنتِ فاهمه غلط”
حمحمت هيام بعد أن عقدت أرجلها أعلى فراش رائد وقالت:
“اشطا فهميني بقا الصح”
حاولت نداء تأليف حكاية:
“أ… أ… وئام رنت عليا مره من الرقم ده و… وسجلته… وكنت برن عليكوا وبعدين…”
أدركت أنها فشلت في التأليف حين قاطعتها هيام:
“نداء متألفيش عشان باين عليكِ… وبعدين رائد مسجل رقمك هو كمان وأنا عرفت الموضوع ده من ٦ شهور تقريبًا عارفه عرفت إزاي؟…”
نداء بنبرة مرتعشة:
“عرفتِ إزاي؟!”
طفقت هيام تحكي ما حدث….
”رجوع بالزمن ستة أشهر”
كانت رائد يجلس على مكتبه أمام جهاز اللابتوب يُطالعه بتركيز حين قالت هيام:
“رائد هات موبايلك كده هعمل مكالمة ضروري”
قال دون أن يلتفت:
“عندك على السرير”
كتبت هيام رقم نداء وتفاجئت بأن رائد قد سجل رقمها سلفًا، فسألته:
“هو رقم نداء متسجل معاك إزاي؟!”
انتبه رائد حين نطقت اسم نداء، قطب جبينه مستفهمًا بتعجب:
“نداء!! وريني كده؟”
قالها وهو يمد يده ليأخذ هاتفه ويُطالع الرقم ثم ينظر لأخته قائلًا بذهول:
“هو… هو ده رقم نداء!!”
اومأت هيام رأسها وهي مبتسمة بخبث، فأخذ رائد يفرك ذقنه وهو يتذكر ما مضى؛ نظرات نداء التي كانت تشي بكل شيء لكنه لم يفطن لها إلا الآن، حركاتها وتوترها كلما رأته، واضطرابها الدائم بحضرته! تجهمت ملامحه وجذبه من شروده صوت هيام الماكر:
“إيه يا أبيه… مقولتليش رقم نداء بيعمل إيه هنا!”
قال بتوتر:
“هه… لأ… مـ… مش عارف هتلاقي وئام اللي مسجلاه…”
”عودة”
وبعد أن قصت عليها هيام ذلك الموقف أكملت:
“ولما سألت وئام أكدتلي إنها مسجلتش الرقم ولا عمرها كلمتك من تلفون رائد…. اتفضلي احكيلي بقا إيه اللي بينكوا؟ وكلي آذان صاغية”
إذًا رائد يعرف بحقيقها من فترة طويلة! فقد زعمت أنه عرفها حين طلبت السنامكي! وظنت أيضًا أنه حين يعرف تلك الحقيقة ستسقط من نظره ولن يفكر بها مطلقًا!
لا تدري بأنه بالفعل ابتعد عنها فتره بعد معرفته، لكنه عاد وراقبها لفترة أخرى وجذبه حيائها واحترامها والمواقف التي سردتها وئام وهيام عنها وكيف أنها تخجل من أن ترفع بصرها بأي شاب فانجذب لها رغمًا عنه وقرر أن يغفر لها ذلتها تلك! هي أخطئت وهو أيضًا لم ينفي عن نفسه حقيقة اقترافه لتلك الذلة التي وقع بها…
فمن منا معصوم؟! ومن منا مثالى! نحن بشر نخطئ ونصيب نتوه ونعود، وتتقلب قلوبنا بين خير وشر، ثبات وسقوط، استقامة وانحناء، والمهم أن نعرف طريقنا ونعلم أن مردنا إلى الله وندعوه بالثبات….
أغلقت نداء مع هيام على وعد بأن تحكي لها في وقت لاحق لأن هناك ما يشغلها الآن، فوافقت هيام بعد أن أعطتها موعد بعد يومين لتتقابلا وتعرف يما تواريه نداء…
وقفت نداء في الشرفة تُطالع رائد الذي يجلس جوار والدها وطفقت تبتلع ريقها بتوجس وتيار من التساؤلات يموج برأسها هل سيخبر والدها؟ أم أنه أخبره بالفعل؟ وما هذا التصرف المتهـ ـور الذي يفعله!!؟
جذب انتباهها «علي» الذي كان يرفع رأسه وينظر نحوها بين وهلة وأخرى ولكن نظراته تشي بمدى غضبه! ارتبكت أكثر فهل سمع علي ما قاله رائد لذا هو غاضب منها!
أخرج علي سيجارة من جيبه وأخذ يدخن وينفث الهواء من فمه بحنق شديد، ونداء تتابع ما يجري وداخلها يختلج هلعًا، ومما جعل فرائصها ترتعد هو نهوض رشدي من جوار رائد مندفعًا لداخل البيت، أطبقت يدها على فمها وهي تقول:
“يارب استر…”
ومن الجهة الأخرى انتبه «رائد» للإتجاه الذي يُحدق به علي، فضغط على أسنانه ونهض متجهًا نحو علي حتى وقف خلفه…
لم ينتبه له علي إلا حين خاطبه بنبرة جافية:
“إزيك يا غالي”
ارتبك علي حين بدل رائد نظره بينه وبين شرفة نداء كأنه يخبره بأنه رآه، فألقى علي السيجارة أرضًا ودعسها قبل أن يزيح قدمه عنها، وبعد ابتسامة صغيرة مضطربة قال علي:
“الحمد لله… ازيك يا باشا”
رائد ونظره منصب على السيجارة التي ألقاها علي لتوه:
“التدخين مضر بالصحة يــــا…. إنت اسمك إيه؟”
أجاب بنبرة متوترة:
“علي… اسمي علي”
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
“أمي خانتنـــــي…”
أخد آدم يكررها ويبكي وهو يقف أمام بيته، ويُطالعه بعض الجيران من شرفتهم والبعض يقف حوله طفي الشارع، قالت والدته وهي تحاول جذبه ليدخل للبيت:
“يبني ده مش سونه… ادخل فضحتنا في الشارع”
آدم ببكاء:
“هو ثونه أنا متوهش عنه ابدًا… متبقيش خاينه وكذابه كمان”
أطلق صرخة عالية وهو يضم الديك وأخذ يبكي بنشيج مسموع، حتى ظهر يحيى الذي خرج من البيت قائلًا بقلق:
“إيه يا آدم؟!”
قال آدم وهو يضم الديك لصدره ببكاء:
“أمي خانتني”
كبح يحيى ضحكته وقال وهو يحمل آدم:
“طيب تعالى نحل الموضوع ده جوه”
دلفوا للبيت فاقتربت والدة آدم وأخذت الديك من يده فقال آدم بانهيار:
“من النهارده إنتِ مش أمي ولا أعرفك…وكلي لحمة ثونه مطرح ما يسري يهري”
اتسعت حدقتيها وهي تقول:
“شوف يا يحيى الوله بيتكلم إزاي؟”
يحيى بضحك:
“مش تربيتك دي يا مرات عمي!!”
صاح آدم من خلف بكاءه:
“لأ أنا محدش رباني”
ربت يحيى على ظهره وهو يقول:
“واضح يا حبيبي متعصبش نفسك…”
صعدت والدة آدم الدرج وهي تردد بإرهاق:
“أدي جزاء اللي يخلف بعد أربعين سنه أنا محدش حيرني في حياتي إلا آدم!”
نظر يحيى نحو آدم فصرخ آدم وهو يكرر عدة مرات:
“مطرح ما يسري يهـــــــري”
وضع يحيى يده على فم آدم وهو يقول:
“كفـــــــــــاية”
فتح يحيى باب شقته ودلف إليها مع آدم وصعدت السيده للطابق التالي لشقتها…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★
“مش هتيجي معانا؟”
قالتها ريم وهي تجلس قبالة محمد الذي يتأملها بابتسامة، قال:
“هحصلكوا وعلى ما بابا يأجرلنا شقه… وبعدين حتى لو جيت ما أنا مينفعش أظهر”
قالت:
“لكن أنا بطمن بوجودك جنبي… هتوحشني أوي يا محمد أنا اتعودت على وجودك”
ضم كفها الصغير بكفه وهو يقول بملامح عابسة:
“والله وإنتِ كمان… حقيقي يا ريم أنا مش عارف أفسر مشاعري هل أنا فرحان عشان هتتجوزي ولا زعلان عشان بعد ما لقيتك هتبعدي تاني!”
“تصدق لو قولتلك إني ندمانه إني وافقت على رامي…”
غصن محمد حاجبيه وارتسمت على ملامحه علامة استفهام، فاستطردت ريم:
“يعني لما قابلتك وقارنت مشاعري ناحيتك بمشاعري ناحية رامي خوفت أكون بحبه كأخ!!”
ضحك ثم عقب بابتسامة:
“وإيه يعني يا بت… حبيه بكل ألوان الحب أخ وأب وابن و… وفوق كل ده زوج…”
أردف:
“والله أنا حبيت رامي من كلامك عنه وواضح جدًا إنه راجل يا ريم وبيحبك فخلي بالك منه…”
ابتسمت ولكن أخذت التساؤلات تضج برأسها حتى خطر لها سؤال نهرت نفسها أنه جال في خاطرها؛ أن ماذا عن رائد؟! هل كانت تحبه كأخ هو الأخر أم أن مشاعرها نحوه كانت حقيقية!!
بقلم آيه شاكر
لا حول ولا قوة إلا بالله ❤️
★★★★★★
دلف رشدي للمنزل وهو ينادي بصخب:
“نـــــــداء…”
انتفضت نداء واختبئت خلف الباب ولم تجبه، فخرجت دينا تسأله عما يريد ونداء تصغي جيدًا لحوارهما فقال:
“البسي بسرعه إنتِ والعيال هنركب مع رائد وتلفوا شويه على ما نوصل عزال رامي للشقه..”
“طيب ماشي…”
نظرت نداء من الشرفة لترى العمال يضعون بعض الأثاث داخل سيارة النقل فأدركت أن رائد قد أتى لأخذه وأنها ارتبكت دون حاجه!
رفع رائد بصره إليها وأشار بسبابته لتدخل فدلفت للغرفة لتنتبه على صوت والدتها النازقة:
“هو أنا مش بنادي عليكِ! خلصي البسي عشان هننزل نشتري لبس”
“حـ… حاضر يا ماما”
تجهزت نداء في سرعة وكذالك والدتها وأخيها ونزلوا للأسفل..
وكان علي يرمق نداء بنظرة غاضبة لم تعهدها منه!
جذبت نظرات علي انتباه رائد فكان يقف أمامها ليخبئها عن عينه، وحين سئم من تلك اللعبه اتجه نحو نداء وقال وهو يشير لسيارته:
“اركبي”
ابتلعت نداء ريقها ولم تُحرك ساكنًا، ففتح رائد باب سيارته وخاطب دينا:
“اتفضلوا يا طنط”
وبعد فترة وجيزة غادروا ومعهم«علي» بعدما أمره رشدي بمرافقتهم وسط نظرات رائد الساخطة…
وقبل أن يصلوا للبيت قالت دينا:
“نزلنا هنا بقا يا رائد”
“هو حضرتك رايحه فين يا طنط”
“هنشتري هدوم وحاجات على ما عمك رشدي يخلص”
تنهد رائد بارتياح فلن تكون نداء تحت عين علي وهذا بعث في نفسه الطمأنينة، توقف لترتجل نداء مع والدتها وتترك نادر بعد أن حدثته بلغة الإشارة أنه سيلحق بهما مع والده…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
“يا معلم ما أنا رنيت عليك قالولي إنك نسيت الموبايل وخرجت…”
قالها يحيى وهو يخاطب رائد عبر الهاتف، فقال رائد:
“ما أنا قايلك هروح أجيب عزال رامي يلا تعالى أنا في انتظارك”
“ماشي يا غالي مسافة السكه”
نظر يحيى صوب آدم المنزوي في ركن بعيد، متجهم الوجه وخاطبه:
“آدم تيجي معايا عند عمرو وعامر؟”
قالت بنبرة حزينة:
“ماشي بس روح هاتيلي هدوم من البيت”
وبعد فترة وقف يحيى جوار رائد بالشرفة بينما نظراتهم مسلطة على «علي» الذي يقف جوار رشدي يحتسى الشاي بعدما انتهى من عمله، فخاطب رائد يحيى هامسًا:
“الواد ده مش مظبوط”
طالع يحيى علي مرددًا بنفس الهمس:
“قصدك إيه بمش مظبوط؟!”
“يعني بيشرب حاجه…”
يحيى وهو يمعن النظر ليد علي:
“فعلًا دا بيشرب شاي الكوبايه في إيده”
“شاي ايه يا يحيى ركز معايا… قصدي حشيـ ـش… بودره كده يعني…”
يحيى بجدية:
“وإيه اللي خلاك تقول كده؟”
“باين عليه جدًا…”
أمعن يحيى النظر لـ علي الذي شعر بنظراتهما وارتبك أكثر!
هم يحيى أن يتحدث لولا صوت وئام الهادر:
“والله ما هسكت… مش هسكتلك يا رغدة”
كانت تقف بالشرفة أسفلهما وتُطالع رغدة التي نزلت من البيت قبل لحظات، نظرت لها رغدة وقالت:
“ادخلي يا طويله متفرجيش الناس عليكِ وإلا هيتأكدوا إنك هبـ ـله”
حاولت هيام أن تسحبها للداخل وهي تقول:
“خلاص بقا يا وئام…”
تسارعت أنفاس وئام ودفعت هيام قائلة بحدة:
“إوعي”
ثم أجهشت بالبكاء، فناداها رائد بلهفة:
“فيه إيه يا وئام؟!”
رفعت وئام رأسها فأبصرته يقف جوار رائد مما زاد من غضبها لأنه سمع ما قالت رغده، شهقت باكية ثم قالت بنبرة مرتفعة وبعصبية عارمة وهي تضـ ـرب سور الشرفة بقبضة يدها:
“أنا عايزه حقي… عايزه حقي”
ضـ ـربتها والدتها كفًا على وجهها وهي تصرخ بوجهها:
“اسكتـــــي…. اسكتـــــي بقــــا”
ربت رائد على كتف يحيى قبل أن يخرج في سرعة وهو يقول:
“ثواني وجايلك…”
أومأ يحيى رأسه دون أن ينطق لكنه شعر بالغضب حين رأى حالة وئام تلك!!
*********
“إيه اللي حصل يا ماما؟”
قالها راپد فركضت وئام وارتمت في حضنه وهي تبكي بمرارة، فربت على ظهرها وهو يقول:
“إيه يا حبيبتي؟!”
شيرين بانفعال:
“حبيبتك إيه وزفت إيه!! أختك اللي غلطانه… البت كانت جايه بيت عمها ودي قعدت تلقح عليها بالكلام وفي الأخر طردتها!”
قالتها شيرين وخرجت من الغرفة وهي تستشيط غضبًا من ابنتها وما فعلته!
صمت رائد لبعض الوقت وأخذ يُهدأ وئام التي لم تتوقف عن البكاء، فسأل هيام:
“إيه اللي حصل يا بنتي”
هيام:
“رغده دي مستفزه زي ما تكون كانت جايه تحـ ـرق دمنا وتمشي”
استرسلت تشرح ما فعلته رغدة:
“هي دخلت وقعدت… ماما رحبت بيها ونادتني أسلم عليها أنا ووئام فسلمت عليها لكن وئام عنديه وقعدت تجادل وشدوا مع بعض ولقحوا بالكلام لحد ما رغدة قالت لـ وئام يا طويله يا هبله إنتِ فاكره حد هيبصلك!”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قالتها هيام وهي تقلد طريقة رغدة المتهكمة ثم إستأنفت:
” فوئام اتعصبت ومسكت فيها وطردتها بس كده…”
ابتسم رائد وخاطب وئام مداعبًا:
“يا بت دا إنتِ زي القمر… دا إحنا مش ملاحقين على العرسان هي اللي متغاظه منك عشان إنتِ أحلى منها!”
ارتشفت وئام دموعها وهي تقول بحشرجه:
“أهـ ـانتني يا أبيه وماما سكتت…”
رائد:
“روقي بس كده عشان يحيى صاحبي سايبه لوحده فوق… ولينا كلام تاني”
مسحت وئام دموعها وولجت لغرفتها وهي تبكي وأكثر ما يزعجها أن يحيى سمع ما حدث!!!
**********
“مش هتاخدوا الفلوس إلا لما أسمع الغنه صح”
قالها يحيى لعامر وعمرو وآدم هو يردد سورة الناس وهم يرددون وراءه ثم أخذ كل واحد يقولها على حده ورائد يراقبهم حتى أعطاهم يحيى النقود وغادروا مبتهجين، فقال رائد:
“مش عارف إزاي كانت غايبه عني الفكره دي!… إيه رأيك تحفظهم قرآن”
“موافق… بس طمني الأول إيه اللي حصل؟”
كان يقصد ما حدث مع وئام فسرد عليه رائد التفاصيل فقال يحيى بضحك:
“ربنا يعينك يبني…”
شاركه رائد الضحك وهو يردد:
“يارب”
من ناحية أخرى اشترت نداء كل ما تمنت من الملابس وعادت للبيت مبتهجة كانت بقمة سعادتها، تكاد من فرط إعجابها بالملابس أن تأخذهم بين أحضانها وهي نائمة…
استغفروا
★★★★★
وبعد مرور يومين
في كافيه يطل على البحر كانت هيام تجلس قبالة نداء اتسعت ابتسامتها بعدما أنهت حياكة وتطريز فستان صغير بحجم كف يدها وأخذت تُلبسه لدمية صغيرة بيدها وهي تقول:
“إيه الجمال ده بس… حقيقي أنا مصممة أزياء منتازه… منتازه”
قالتها وهي تضغط على حرف النون فعقبت نداء وهي تصوب نظرها لتلك الدمية:
“إنتِ تافهه يا هيام!”
أخذت هيام تُحرك الدمية وهي تتحدث بنبرة مختلفة وكأن الدمية من يتحدث:
“بموت في الشتيمه… بموت في الشتيمه وبخني”
طالعتها نداء بسخط وتهكم ولم تنطق فضحكت هيام وقالت:
“خلاص خلاص يلا احكيلي أنا سامعه… إيه علاقتك بـ رائد؟”
مالت نداء بجزعها للأمام وقالت بنفاذ صبر:
“علاقة إيه!!! قولتلك مفيش بينا حاجه إنتِ ليه مش مصدقه؟!”
عادت هيام بظهرها للخلف ووضعت رجل فوق الأخرى وهي تردد:
“لا فيه بينكوا حاجه ونظراتكوا فضحاكوا”
أردفت بإصرار:
“اخلصي بقا واحكيلي….”
نفخت نداء بضجر ثم مالت بجزعها العلوي للأمام وقالت:
“طيب هحكيلك بس إوعديني يفضل سر بيننا وحتى وئام متعرفش”
“أوعدك والله… قولي بقا”
أخذت نداء تحكي لها كل شيء بداية من التقائها به وهو فاقد البصر ثم حديثها معه عبر الهاتف وحتى تلك اللحظة، فابتسمت هيام وفكرت قليلًا قبل أن تقول:
“رائد أخويا حنين أوي وراجل أوي ومحترم وإنتِ بنت جدعه يا نداء وحقيقي إنتوا لايقين على بعض”
نداء بنفاذ صبر:
“يبنتي افهمي مفيش حاجه بيننا أصلًا ما أنا حكيتلك…”
ضحكت هيام وقالت بسخرية:
“مفيش حاجه إزاي إنتِ مش واخده بالك من لمعة عينك وإنتِ بتتكلمي عنه؟”
أطرقت نداء بصرها لأسفل وابتسمت هيام وهي تلعب بدميتها الصغيرة وتتحدث معها ثم رفعت بصرها لتُحدث نداء، فابصرته يجلس على طاولة خلف ظهر نداء، طالعها محمد بابتسامة عذبة ولوح لها، فابتسمت له وحاولت ألا تُظهر أي رد فعل أمام نداء التي نهضت وهي تقول:
“أنا هدخل الحمام وأجي عشان نمشي”
اومأت هيام وهي تقول:
“ماشي هستناكِ هنا”
وبمجرد ابتعاد نداء أقبل محمد نحو هيام وقال بسخرية لطيفة ونظره على الدمية:
“حلوه العروسه… دي بنتك؟”
قالت بعد أن رمقته بغيظ زائف:
“إنت مالك هو إنت هتصاحبني؟”
جلس على المقعد جوارها وقال:
“افترضنا إن عايز أصاحبك هتوافقي؟”
تجاهلت كلامه وقالت:
” قوم امشي قبل ما نداء تيجي”
استند بمرفقيه على الطاولة وهو يقول:
“جاوبيني الأول”
“قولتلك قوم صاحبتي لو شافتك هتحقق معايا وهقولها الحقيقة وإنت حر بقا”
ضحك وهو ينهض ثم أشار لأكواب العصير على الطاولة قائلًا:
“طيب العصير ده على حسابي متدفعيش، اتفقنا؟”
قالت بابتسامة:
“عصير ايه!؟ لأ أنا ليا عندك عزومه على الغدا أو العشاء هقول لريم تبقى تقولك… ما أنا مش هتستر عليكوا كده لله وللوطن، اتفقنا؟”
أومأ مرددًا بابتسامة:
“اتفقنا… سلام”
قالت:
“سلام يابن عمي”
تابعته وهو يعود لطاولته وما أن عادت نداء نهضت وغادرت بعد أن لوحت له دون أن تلاحظ نداء..
سبحان الله وبحمده 🌹
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كان يحيى جالسًا قبالة عمرو وعامر وجواره آدم يُقرأهم قرآن بصوته العذب ويصل صوته إليها وهي تجلس على فراشها…
وقفت والدتها قبالتها وقالت:
“قومي نضفي الشقه وشوفي أختك اللي قاعده تلعب بالعروسه زي العيال دي خليها تساعدك”
اومأت وئام ووجهها متجهم فرمقتها والدتها وقالت:
“لما يبقى حد في بيتنا مينفعش نعمل اللي عملتيه مع بنت عمك ده عيب! وعيب برده لما تعاملي أمك كده! يومين كاملين متجاهلاني… يا ست وئام يا متربيه مفيش حد بيعاقب أمه وأبوه معهما عملوا حتى لو غلطوا فيه!”
همت شيرين أن تغادر فوثبت وئام وضمتها وهي تقول:
“متزعليش مني”
شددت شيرين من ضمها وقالت بمرح:
“مش هزعل لو نضفتولي الشقه وغسلتوا المواعين دي”
ضحكت وئام وهي تشير لعينيها قائلة:
“من عنيا..”
اتجهت وئام نحو أختها وحين رأتها شاردة قالت:
“قومي بقا يا هيام خلينا نخلص شغل البيت”
طالعها هيام وهي تضع إحدى يديها التي تستند بمرفقها على المكتب على خدها بنظرات هائمة دون أن تعقب، فأردفت وئام:
“مش فاهمه مالك النهارده متغيره و…”
قاطعتها هيام وأخذت تحرك الدمية وكأنها ترقص وتغني:
“متغيره ومتحيره وكأني لسه صغيره لو بحلم أنا بالحلم ده مش عايزه أفـــــوق”
“لا بجد إنتِ مش على طبيعتك خالص من ساعة ما رجعتي من برد… أنا قلقت…”
نهضت هيام واقفة ثم عانقت أختها وقبلتها وهي تقول:
“متقلقيش دا أنا هعمل كل الشغل… هتشقلب في الشقه بس إوعي تزعلي نفسك يا قمر يا أحلى أخت في الدنيا… يا احلى حاجه في الحياة يا…”
تحسست وئام جبهة هيام بظهر كفها وقالت بتهكم:
“طيب ما هو مفيش سخونيه أهوه أومال مالك؟!”
تركتها هيام وخرجت من الغرفة تتمايل بجسدها وتغني بخفوت وكأنها فراشة ترفرف بأرجاء البيت، طالعتها وئام لبعض الوقت ثم قالت:
“مالها البت دي!!؟”
قاطعها صوت رائد الذي قال:
“وئام… مش كنتِ عايزه حد يحفظك قرآن!”
اومأت بحمـ ـاس وهي تقول:
“ايوه… لقيتلي مقرأة؟”
“لأ لقيتلك شيخ حافظ ومتقن”
قالت:
“مكانه فين ده؟”
أشار رائد للغرفة التي يجلس بقا يحيى وقال:
“في الأوضه دي”
ابتلعت وئام ريقها وقالت باضطراب:
“إيه!!”
قال بابتسامة:
“بعد فرح رامي هرتب معاه المواعيد اللي تناسبكم”
قالها رائد ثم انصرف من أمامها وتركها متصنمة مكانها بذهول…
★★★★★
مرت الأيام
وجاء يوم زفاف ريم ورامي
وفي المساء أمام البيوتي سنتر وقف محمد أمام سيارة قد أجرها، وحين أبصر خروج ريم مع عريسها ابتسم وكبح دمعته وهو يحملق بها كم تمنى لو يفرق الصفوف ويعانقها ويطمئنها أنه بجوارها….
لم يعرفه أحد من الموجودين سوى هيام التي التفتت حولها ثم لوحت له فابتسم لها، وحين لاحظت انشغال الجميع أقبلت نحوه، قال بقلق:
“امشي يا هيام أصل حد يشوفك معايا”
قالت:
“اكتب رقمي عندك عشان هتصرف وأخليك تقابل ريم”
أخذت تملي عليه الرقم ودونه ثم اتصل بها فدونت رقمه، ابتعدت خطوتين ثم عادت إليه وقالت:
“إنت معاك حد؟!”
هز رأسه نافيًا وهو ينطق:
“لوحدي”
كانت ملامحه عابسة يشعر بتلك الكلمة، فقد أضحى وحيدًا مجددًا، تزوجت ريم وستنشغل بحياتها وتنساه وكأنه لم يكن، هكذا ظن!
عقبت هيام بابتسامة:
“طيب متمشيش أنا هركب معاك…”
تركته وانصرفت ووقف هو ينتظرها حتى رآها تقبل نحوه ومعها وئام ونداء، سألتها وئام:
“هنركب فين يا بنتي العربيات كلها مشيت”
“لسه فيه صاحب رائد مستني هناك…”
هز محمد رأسه مستنكرًا مما تفعل تلك المعتـ ـوهه، وركبوا الثلاثة السيارة ليتبعوا موكب العروسين حتى البيت…
لم يكن هناك حفلًا صاخبًا فضلًا عن الأضواء المختلفة وأخذ الشباب يقرعون الطبول وينشدون إحتفالًا بهما…
حزنت هيام لأنها لن تستطيع جمع محمد وريم اليوم…
فنظرت نحو محمد الذي يقف مستندًا على سيارته يتابع الإحتفال وهزت رأسها يمنة ويسرة بأنها لن تستطيع فتفهم ذلك وأومأ رأسه بابتسامة مهزومة…
على الصعيد الأخر وقفت فاطمة جوار رغدة من ناحية وصالح ومؤمن من الناحية الأخرى كانوا متجهمين الملامح يشاهدون ما يحدث بجمود، أقبلت رغدة لتسلم على ريم همست بأذنها:
“صدقيني مش هتطولي وهتطـ ـلقي… مبروك”
سلمت فاطمة على ريم وقالت بأذنها بحزن:
“إنتِ خسرتيني للأبد…”
ابتعدت فاطمة ثم عانق صالح ريم بجفاء وهمس لها:
“إن شاء الله ترجعلنا بعد ما تاخدي فوق دماغك”
عانقها مؤمن وقال بتهكم هو الأخر:
“إنتِ صعبانه عليا اوي…”
لم تذق للفرحة طعمًا كانت مرتبكه وازداد خوفها وقلقها، واختنقت بدموعها التي جاهدت لتحبسها، مدت نظرها لترى محمد يقف قبالتها، ابتسم وقبل راحة يده وألقى لها القبلة فشعرت ببعض الإطمئنان….
وكان رامي يتابع ريم ونظراتها وكذالك ابتسامتها لـ محمد وتلك القُبل التي ألقاها محمد لها، فصُدم وتجهم وجهه، أخذ يتابع نظراتهما لبعضهما ثم ترك يدها وابتعد عنها قليلًا قبل أن يُنهي الإحتفال ويصعدا لشقتهما…
وبعد فترة خرجت رغدة من البيت بعد أن نزلت من شقة رامي وريم فأقبلت وئام نحوها وقالت باستخفاف:
“عقبالك يا رغده لما تلاقي حد يبص في وشك”
لم تلتفت لها رغده وكادت تغادر، فأردفت وئام بتهكم:
“يلا ربنا يدينا طول العمر عشان نشوف اليوم ده… ألا هو محدش بيعبرك خالص يا رغده يا حبيبتي”
ومن جهة أخرى أبصرت هيام محمد فمازال واقفًا مكانه يحملق بالأفق، فأقبلت نحوه…
من ناحية أخرى وقف رائد جوار نداء وقال دون أن ينظر إليها:
“استني مني مكالمة في ميعادنا بعد الفجر”
ابتلعت نداء ريقها باضطراب والتفتت حولها في توجس، بعد أن غادر رائد ليصافع يحيى بابتسامة واسعة لتتلاشى ابتسامته حين رأى هيام تدنو من شاب لأول مرة يراه!
كانت هيام تلتفت حولها في توجس وهي تتجه نحو محمد الذي أشار لها بعينه من بعيد ألا تقترب لكنها لم تفهم مقصده وأخذت ترنو منه، فولاها محمد ظهره حين لاحظ انتباه رائد لما يجري، وقفت هيام خلفه وقالت بحزن:
“أنا آسفه كان نفسي أساعدك لكن…”
ليباغتها صوت رائد الذي جز على أسنانه وهو يقول بنبرة حادة:
“هيام”
أجفلت هيام والتفتت تطالعه بخوف ولم ينقذها من سهام نظراته الحادة إلا صرخات وئام أثر اشتباكها مع رغدة التي دفعتها بقـ ـوة فكادت وئام أن تسقط على ظهرها لولا أن سندها يحيى بيديه…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أرادت وئام أن تثأر لنفسها فلم تأبه لـ يحيى الذي ابتعد فور توازنها وأخذ ينظر لراحة يديه لوهلة ثم مسحهما بملابسه…
هملجت وئام بعصبية نحو رغدة هادرة:
“والله ما هسيبك…”
تشابكت معها رغدة وأخذت تجذبها من حجابها وهي تقول بحدة:
“أنا اللي مش هسيبك”
احـ ـتد الشـ ـجار وارتفعت صرخاتهما ووقفت نداء بينهما تحاول تهدئة وئام…
أخذ يحيى يلتفت حوله بحثًا عن رائد وأشار إليه فقد كان يقف مشدوهًا يبدل نظره بين ملامح محمد الذي التفت للتو أثر الصرخات ثم وئام الصارخة قبل أن يركض نحوها تزامنًا مع محاولة نداء لردع وئام عما تفعل فدفعتها وئام بعنـ ـف وهي تحت خدر الغضب…
طُرحت «نداء» أرضًا واصطدم رأسها بحجر كبير فأطلقت أنينًا عاليًا قبل أن تتشوش الرؤية أمامها وتغيب عن الوعي…
توقف النزاع من هول الصدمة واحتبست الأنفاس لوهلة قبل أن تتعالى الصيحات باسم تلك الطريحة، وتتصاعد الصرخات فزعًا وهلعًا…
وعلى الصعيد الأخر
كانت شيرين تقف جوار دينا التي تُساعدها في تنظيم وترتيب عدة أشياء ورشدي يقف مع شقيق شيرين يتبادلا أرقام الهواتف على وعد بأن يتواصلا فقد أُعجب بأثاث رامي الذي صنعه رشدي…
نظرت دينا نحو زوجها الذي أشار لها بعينه يستعجلها للرحيل فاومأت له وخاطبت شيرين:
“إحنا هنمشي بقا وان شاء الله أجيلك بكره بدري أساعدك”
شيرين بامتنان:
“أنا تعبتك معايا اليومين دول… والله لو ليا أخت ما هتعمل معايا كده… وأجاملك في فرح نداء يارب”
“يارب يا حبيبتي يجعل جمعنا دايما في الأفراح”
طلب رشدي مقابلة دياب قبل رحيلهم فصعدت شيرين لشقة رامي لتناديه حيث كان ضياء يوصي زوجها على فربت دياب على كتف ضياء قائلًا:
“يا راجل إنت هتوصيني على بنتي دي فوق راسنا”
قالها وهو ينظر لـ ريم مسحت دمعة فرت منها ثم أطرقت في صمت….
كانت فاطمة تقف جوار ضياء تُطالع ابنتها بحدة، وترمق شيرين التي دخلت لتوها بنفور، فأطلقت شيرين تنهيدة ثم تجاهلتها واقتربت تعانق ابنها وريم، ثم همست لدياب بعدة كلمات وخرجت…
رفع ضياء سبابته وخاطب رامي:
“خلي بالك منها إوعي تزعلها”
رمقها رامي بنظرات مدلهمة قبل أن يقول بابتسامة مصطنعة:
“ريم في عنيا يا عمي”
ضمت فاطمة ابنتها في جمود تأدية لأوامر ضياء ثم خرجت من الشقة تهملج بخطوات واسعة دون أن تنظر لأحد ومشاعرها تتأرجع بين سخط وبغض وقد هيمن عليها الغضب…
وجهت ريم نظراتها لرامي الذي تحاشى النظر إليها مما أثار الريب والقلق والخوف بداخلها…
كان الجميع ينظر لأثر فاطمه التي رحلت دون استئذان وقبل أن ينطق أي منهم تناهي لسمعهم أصوات الصرخات التي تصدر من الخارج، هتف ضياء وهو يهرول نحو الشرفة:
“إيه ده!!… استر يارب…”
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★★
“شغل العربيه يا يحيى”
قالها رائد الذي يحمل نداء مغيرًا طريقه بعدما كان سيدلف للبيت لولا أنه أبصر قطرات الزبد الأحمر تتدفق من رأسها، فاتجه لسيارة والده، قال يحيى بتوتر:
“فين المفتاح؟”
“تعالى… تعالى هنا”
قالها محمد الذي استقل سيارته فور أن رأى ذلك ولم يفخر رائد بل توجه إلى السيارة وتبعتاه وئام وهيام وكذلك رغدة التي تجلى عليها الذعر وهي تتابع ما يحدث، طالعها محمد بحنين قبل أن ينطلق بالسيارة فالتقطت نظرته تلك ووقفت مكانها تفكر في هذا الشاب فملامحه بدت مألوفة لها لكنها لا تذكر أين رأته! وجذبها من أفكارها والدتها التي سحبتها وهي تنهرها فسارت معها وعقلها شاردة في نظرات محمد…
تزامن انطلاق السيارة مع خروج رشدي ودينا من البيت فقد فزعا بعد رؤيتهما إصابة ابنتهما من النافذة….
فاستقلا سيارة شقيق شيرين وقادها ابن شقيقها «يونس» شاب في أواخر العشرينات، الذي راقب ما حدث من بدايته من شرفة المنزل….
وقفت أخت دياب الكبرى «داليا» جوار ابنتها «ريمان» تضـ ـرب كفًا بالأخر وهي تردد بصدمة وذهول:
“إيه اللي حصل ده؟!”
حدجت ريمان والدتها ببرود وقالت:
“أنا عايزه أمشي”
تدخلت أختها «غالية» التي تحمل طفلها صاحب الثلاث أعوام:
“نمشي إيه!!! لأ طبعًا لما نطمن على البنت الاول يلا نطلع فوق…”
ظهرت فتاة ثالثة «ريناد» توأم ريمان:
“انتوا واقفين هنا وطنط شيرين أغمى عليها فوق وغاده بتفوقتها والدنيا مقلوبه”
شهقت داليا قبل أن تهرول للبيت وهي تردد:
“استر يارب دا احنا مش مكتوبلنا نفرح زي الناس…”
تبعها الفتيات الثلاثة، وكانت ريمان متضجرة فقد أزعجها رؤية اللهفة في عين رائد على تلك النداء ونشبت نار الغيرة بداخلها…
وقف يحيى يلتفت حوله للحظات فلم يبصر أحد يعرفه لذا قرر الرجوع لبيته وكان يشعر بتأنيب الضمير يُطالع راحة يديه بين وهلة وأخرى ثم يمسحهما بملابسه…
وبعد فترة دلف يحيى لبيته وكان الهدوء سيد المكان توجه للمرحاض وأخذ يغسل يديه في قـ ـوة مرة بعد الأخرى ثم توجه لغرفته ليجففهما بعنـ ـف ونظر لراحتيه للحظات متذكرًا كيف سند وئام وأخذ يأنب نفسه وينهرها لمَ ابتعد ولم يفعل مع نداء والتي كان بإمكانه إنقاذها، خاطب نفسه بصوت مسموع:
“الضرورات تبيح المحظورات يا يحيى… يا ريتني سندتها مكنش كل ده حصل…”
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
وفي المستشفى في عيادة الاستقبال
أخذت الطبيبة تعقم وتخيط جـ ـرح نداء التي كانت متماسكة لا تصدر سوى أنين خافت بين حين وأخر ومن حولها وئام التي لم تتوقف عن البكاء ودينا التي تمسك يدها بحنو، ورشدي الذي خرج من الغرفة فلم يستطع رؤية ابنته هكذا…
وحين أبصر رائد رشدي يخرج من الغرفة وقف جواره وقال:
“حمد الله على سلامتها يا عمي رشدي”
“الله يسلمك شكرًا يبني”
قالها وهو يربت على كتف رائد ويُطالع قميصه الملطخ بد**ماء ابنته…
طالع رائد الد**ماء على قميصه وجال في عقله كيف دفعت وئام نداء فاشتعل غضبه منها وتوعدها بداخله…
نظر نحو «هيام» التي تقف لحالها ونظر محل ما تنظر فوجدها تُطالع محمد الذي يقف جوار «ضياء» وصافح دياب بابتسامة واسعة ثم عانقه دياب وهو يربت على ظهره…
أقبل رائد نحوهم ونظر لمحمد ثم سأل عمه:
“مش هتعرفني يا عمي؟!”
تمنى محمد لو يعرفه والده على رائد أيضًا! لكنه لم يفعل حيث قال متلعثمًا:
“دا… دا محمد ابن صاحبي اللي شغال مـ… معايا في مطروح”
وجه رائد لمحمد نظرات مبهمة فرسم محمد على شفتيه ابتسامة صغيرة وهو يمد يده ليصافحه، فالتفت رائد وطالع هيام التي مازالت تنظر ناحيتهم، فأشاحت هي وجهها للجهة الأخرى بحرج…
أصر يونس على توصيل نداء وأسرتها للبيت فرافقه رائد بينما استقل البقية سيارة محمد…
كان رائد يتابع نداء بشفقة سرعان ما تبددت حين أن رأى وئام فدنا منها وهمس في أذنها بوعيد:
“اللي حصل ده مش هيعدي كده وهتتحاسبي عليه”
انتبه رائد ليونس الذي يُطالع نداء بتركيز واشتد غيظه حين تناهى لسمعه صوت يونس مخاطبًا رشدي:
“حمد الله على سلامة الأنسة نداء”
عقب رشدي:
“الله يسلمك”
ظل رائد يصر على أسنانه في غيظ ثم قال لـ يونس بنبرة يشوبها بعض الحدة:
“يلا يا يونس”
مضى الطريق ولم يخلع أي منهم رداء الصمت وكانت نداء تستند على كتف والدتها ويختلس رائد النظر إلى انعكاسها عبر المرآة بين حين وأخر…
★★★★
“خلاص بقا يا طنط أهو طمنك الحمد لله جت سليمه…”
قالتها ريناد لـ شيرين التي تبكي وترتشف دموعها في قلق، قبّل رامي يدها وهو يقول:
“خلاص بقا يا حبيبتي”
انتبهت شيرين لـ ريم التي كانت ترتدي جلباب فضفاض بعدما نزعت فستانها الأبيض وكان والقلق يتمشى على ملامحها…
خاطبت شيرين رامي:
“الحمد لله اطمنا… يلا خد مراتك واطلع يا رامي”
رامي بقلق:
“لما نطمن عليكِ الاول…”
شيرين:
“أنا كويسه الحمد لله يلا خد مراتك واطلع شقتك”
ورغم إصرار شيرين إلا أنهما لم يحركا ساكنًا وانتظروا حضور البقية…
وبعد فترة دلفت وئام للبيت وكانت تزرف الدموع بلا توقف، ركضت إلي غرفتها وتبعتها هيام ثم باقي الفتيات…
تبع دخولهما طرقات الباب ثم رنين الجرس ودهول دياب مع ضياء برفقة محمد الذي كان يبدل نظره بين الجميع في ارتباك…
ابتسمت ريم فور رؤيته فغمز لها بعينه مبتسمًا ولم ينتبه أحد لتلك الغمزات وذلك الحديث الصامت بين ريم ومحمد سوى رامي الذي أخذ يبدل نظره بين ريم ومحمد في حنق شديد بينما صوت رغده يدوي داخل رأسه:
“إنت صعبان عليا لأنك أخدت واحده بتحب واحد تاني”
تلك الجملة التي قالتها له بعد محاولات عدة للقاء به بلا فائدة حتى صادفته ذات مرة في طريقها للعودة إلى المنزل فأخذت تدس الشك وتبث كلماتها السامة داخل عقلة، زجرها رامي ولم يُظهر إهتمامه بكلامها حتى أخر لقاء في شقته حين عانقت ريم ثم نظرت لرامي قائلة بتهكم:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
“مبروك يا مسكين… بكره تندم”
وحينها لم يرد رامي بل أطرق رأسه وهو يتذكر نظرات ريم ومحمد ولم يستطع منع الشك من التسلل لقلبه، وكانت ريم تنظر لوجهه لترى أثر كلمات رغدة عليه ففاجئها صمته…
********
قدم «ضياء» محمد للعائلة كما قدمه لرائد، فرحب به الجميع إلا رامي الذي رماه بنظرات حادة قبل أن يقبض على يد ريم بقـ ـوة وهو يقول:
“طيب عن إذنكم يا جماعه… تصبحوا على خير”
غادر رامي مع زوجته التي قالت فور خروجهما من الباب:
“إيدي يا رامي”
فلم يعيرها رامي اي اهتمام وزاد من قبضته عليها حتى دخلا لشقتهما…
طفق محمد يجول بعينيه باحثًا عن هيام التي اختفت فور دلوفها للبيت، جلس في الغرفة لحاله لبعض الوقت حتى دلفت داليا للغرفة مع والده وعانقت محمد وهي تتفحصه بإعجاب قائلة:
“ما شاء الله ربنا يباركلك فيه يا أخويا يارب… أنا عمتك يا محمد…. متعرفش أنا فرحانه بيك ازاي…. بقا كده أبوك يخبيك عننا السنين دي كلها”
عانقته داليا مجددًا فابتسم محمد ثم طالع والده قائلًا:
“شكرًا يا بابا إنك عرفتني على عمي وعمتي”
ضياء:
“وهعرفك عليهم كلهم يا محمد بس اصبر عليا شويه”
اومأ محمد متفهمًا، فاستطرد ضياء:
“إنت هتبات عند عمك النهارده وبكره ان شاء الله هنمشي”
“طيب ما أروح الشقه اللي مأجرينها”
ضياء بنفاذ صبر:
“لا خليك هنا متجادلش يبني”
اومأ محمد موافقًا بينما كانت داليا تنظر إليه مبتسمة ثم نادت ابنتها ريناد التي استجابت لها على الفور فقدمتها له داليا قائلة بزهو:
“ريناد بنتي في تالته كلية هندسه”
أومأ محمد وهو يقول:
“أهلًا بيكِ”
جاملته ريناد بابتسامة ومالت نحو والدتها لتسألها بهمس:
“مين ده؟”
“بعدين هقولك”
خرجت ريناد من الغرفة وطفقت داليا تخبر محمد عن نفسها وعن بناتها خاصة ريناد بفخر اعتزاز….
★★★★★★
“بتدور على حاجه؟”
قالتها ريم لـ رامي الذي أخذ يبحث عن هاتفه في كل مكان ولم يجده، رد عليها رامي بجمود ودون أن ينظر نحوها:
“موبايلي مش عارف راح فين!!”
بحثت ريم عن الهاتف فلم تجده قالت:
“يمكن سيبته تحت!!”
قال ببرود:
“ممكن… أنا داخل أنام”
هم أن يغادر فمسكته من يده وسألته بقلق:
“مالك يا رامي”
رمقها في سرعة ثم أشارح بصره وهو يقول:
“مفيش حاجه… تعبان وعايز أنام..”
أفلت يده منها ودخل لغرفته ليأوى إلى فراشه مستلقيًا على ظهره ثم يغلق جفونه متظاهرًا بالنوم، فابتلعت ريم ريقها بتوجس من تغيره المباغت ولم يجول في رأسها إلا صوت ريم وكلمتها التي تكررت كثيرًا: “هتطلقي”
هزت ريم رأسها بعنـ ـف نافية وهي تردد:
“مش هسمح لحد يشمت فيا”
دلفت لحجرة النوم واستلقت جواره ثم سحبت ذراعه ووضعت رأسها عليه وحاوطته بذراعها قبل أن تغلق جفونها وتغط في النوم، ولم يبدي هو أي رد فعل لا بالإستجابة أو بالرفض بل ظلت الأفكار تضج بعقله حتى جذبه سكون النوم
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وأمام شاشة الهاتف كان عامر وعمرو يجلسان في غرفتها بعد أن صور عامر كل شيء بداية من المشاجرة وحتى عودة الجميع للبيت في بث مباشر على تطبيق التواصل الإجتماعي الفيسبوك الخاص برامي، ليقول عامر بابتسامة مذيع يقدم برنامج تلفزيوني:
“وبكده نكون صورنالكم كل اللي حصل النهارده انتظرونا بكره في حلقة جديده ان شاء الله…كان معكم عامر دياب”
تدخل عمرو للشاشة وهو يقول بابتسامة:
“وعمرو دياب”
أغلق الطفلان الهاتف وقال عمرو:
“حفظت الفديو عشان الذكرى؟”
“مش عارف موبايل رامي ده غريب ومش عارف الفديو راح فين أصلًا”
أخذ عمرو الهاتف من يد عمرو وهو يقول:
“شكلنا مكناش بنصور… يا خساره كنت عاوز أفرج ماما عليه…”
لم ينتبها أنهما يسجلان بث مباشر فقد ظنا أنه مجرد كاميرا لتوثيق اليوم بأحداثه….
★★★★★★★
“مين الواد المز اللي بايت عندكم ده يا هيام؟!”
قالتها ريناد بابتسامة، فصوبت لها هيام نظرات حادة ونفخت بحنق ثم قالت:
“معرفش”
“بجد زي القمر… يارب ميكونش مرتبط…”
أصرت هيام أسنانها بغيظ ولم تعقب، فنظرت ريناد لوئام التي تجلس على المقعد وتبكي وقالت:
“هي البت دي هتفضل تعيط كده!!!”
طُرق باب الغرفة فلم ترد عليها هيام ونهضت لتفتح ليظهر رائد الذي رمق هيام بحدة، أجال بعينيه في الغرفة قبل أن يدلف إليها ثم يُطالع وئام الباكية قائلًا بنبرة حادة:
“لو كان حصلها حاجه كنا هنعمل إيه!!”
تدخلت هيام قائلة:
“والحمد لله محصلهاش حاجه ملهاش لازمة الافتراضات”
رائد بغضب:
“إنتِ كمان حسابك بعدين لما أشوف كنتِ واقفه مع الواد ده بتعملي إيه!!!”
ابتلعت هيام ريقها باضطراب ولم تعقب، حدج رائد وئام بسخط وقال:
“بطلي يا بت عياط ونامي…”
ترك رائد الغرفة وخرج، فضمت هيام أختها التي قالت بحشرجة:
“مكنش قصدي والله ما كان قصدي”
وكانت ريناد تتابع الحوار دون أن تنبس بكلمة…
دلف رائد لغرفته والتي سيشاركه بها محمد الذي خرج من المرحاض، دنا منه رائد وغرس نظراته الحادة بعيني محمد ليسأله دون سابق إنذار:
“سؤال واحد مفيش غيره مالك ومال أختي؟”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
جلس «رائد» على طرف فراشه دون تعليق وكأنه ينتظر محمد أن يكمل، فأردف محمد:
“كل الحكاية إني طلبت منها تنادي بـا….”
استدرك ما كان سينطقه«بابا» وصحح مستطردًا:
“طلبت منها تناديلي عمي ضياء وهي ملقتهوش ورجعت تعتذرلي…”
نهض رائد ووقف قبالته يُطالعه بنظرات حادة وهو يصر على أسنانه بغيظ قائلًا:
“طيب ياريت لما تحتاج حاجه بعد كده تطلبها من الرجاله… وملكش دعوه بالحريم…”
تدفقت الد**ماء لوجه محمد الذي قال في ارتباك شديد:
“متفهمنيش غلط والله ما قصدت حاجه وأختك في مقام أختي واللي مرضاهوش على أختي مرضاهوش على بنات الناس… كل الحكايه إن هي اللي كانت قدامي فسألتها”
كان رائد يتفرس خلجات وجهه انفعالاته وهو يتحدث، صمت هنيهة ثم جلس على المقعد قال في هدوء:
“باين عليك شخص محترم… هو إنت شغال إيه؟!”
تنهد محمد بارتياح بعدما صدّق رائد ما قاله..
أخذ يتحدث عن نفسه ودراسته وعمله وكذلك رائد حدثه عن نفسه وعن بعض قشور حياته حتى حانت لحظة النوم واستلقى كل منهما على جانب الفراش، وبينما رائد يعبث بهاتفه خاطبه محمد الذي يمسك هاتفه أيضًا:
“أتمنى ميزعجكش إني هشاركك السرير الليله”
رائد بمرح:
“إوعى تكون بتشخر!!”
محمد بضحك:
“مش عارف! بس محدش اشتكى مني قبل كده”
ابتسم رائد قائلًا:
“ربنا يستر”
ولاه محمد ظهره بعد أن قال بابتسامة:
“متقلقش… تصبح على خير”
رد عليه رائد وهو ينظر لظهره بينما هو تنفس بارتياح لمرور اليوم بسلام…
ظل رائد يعبث بهاتفه يقلب بين الصور التي التقطها لأخوته ولنداء حتى غلبه النوم فسلم جفونه في خنوع ومن داخله يدرك بأنه لن يستطيع محادثة نداء فجر اليوم فمن ناحية محمد يشاركه غرفته ومن الناحية الأخرى بنات عمته ريمان وريناد لم تغادرا بعد وتتمشان بالبيت بحرية دون الاكتراث لوجوده أو لوجود أخر غريب بالبيت!
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★
مع إشراقة شمس الصباح استيقظت نداء على صوت عهدته لـ عصفوره تنقر زجاج غرفتها كل يوم في نفس الميعاد، فتحت جفونها بخمول وما أن أبصرت شعاع الشمس الذهبي يخترق النافذة حتى جحظت عيناها تذكرت رائد وأخذت تبحث عن هاتفها….
وحين التقطته خاب أملها فلم تجد أي مكالمة فائته سوى وئام التي طلبتها كثيرًا، أطلقت تنهيدة طويلة وهي تتحسس رأسها وتتذكر ما حدث بالأمس ثم نهضت من فراشها لتخرج من الغرفة فالتقط بصرها انعكاس صورتها في المرآة وبعدما مرت من أمامها عادت مرة أخرى بظهرها، وبأعين متسعة، مذهولة ومصدومة ثم نطقت بفزع:
“أنا تخنت أوي”
أخذت تتفحص جسدها الذي لا يوصف إلا بالهزيل وهي تنهر نفسها لإهمالها ممارسة الرياضة وتركها الحمية الغذائية، ركضت لتقف على الميزان وهنا كانت صدمتها الأعظم حين قرأت زيادة وزنها بضعة كيلوغرامات…
قالت بإرادة:
“من النهارده دايت ورياضه ورياضه ودايت….”
خرجت من غرفتها تزامنًا مع وضع والدتها لرقائق البطاطس في الزيت المغلي، وعندما أبصرت دينا ابنتها قالت:
“حمرتلك شوية بطاطس وطعميه يستاهلوا بوقك”
كانت تنطق الجمله بأبدال حرفي الحاء والعين هاء، فقالت نداء متهكمة ونازقة:
“تاني مهمر يا ماما”
أردفت وهي تبحث عن مسحوق الكمون لتغليه:
“من النهارده مفيش مهمر…. من النهارده هرجع أكل مسلوق ومش هاكل أي نشويات”
طالعها دينا وهي تقول:
“طيب على فكره بقا المشويات صحيه… أنا بشوف ناس عاملين دايت وبياكلوا فراخ مشويه وسمك مشوي…”
أردفت وهي تقلب البطاطس:
“اه ما أنا مش جاهله برده”
نداء بنزق:
“مشويات إيه!! بقول نشويات يعني كربوهيدرات…”
صكت دينا صدرها وهي تقول:
“بهارات! يعني كمان هتاكلي الأكل من غير بهارات…”
نداء مستنكرة:
“بهارات إيه!!”
تجاهلت دينا ابنتها وأخذت تردد بحسرة:
“أنا مش عارفه عملت إيه في حياتي عشان ربنا يبتليني ببنت هبـ ـله…”
أومأت نداء رأسها فهي تحفظ تلك الكلمات المتكررة!
حركت دينا إحدى يديها أمام وجه نداء وهي تستأنف بحنق:
“يا بت الناس كلت وشي… إنتِ لو حد نفخ قصادك هتطيري”
وبعد تنهيدة قالت نداء:
“ماما أرجوكِ بلاش الإسطوانة دي من جديد”
زفرت دينا بيأس قبل أن تقول:
“طيب يلا افطري عشان هنروح لطنط شيرين”
نداء بتصميم:
” أنا مش هينفع أطلع من البيت قبل ما أنزل الأربعه كيلو اللي زدتهم دول”
“يا رشـــــدي”
كان صوت دينا المرتفع، فقالت نداء بتلعثم:
“ما هو يا ماما أنا دماغي لسه مفتوح امبارح هخرج ازاي؟!”
هتفت شيرين بنبرة مرتفعة:
“يا رشـــــــــــــدي”
تخصرت نداء قائلة:
“ناديله هو أنا هخاف يعني!”
وبعد لحظات ظهر شدي فاعتدلت نداء في وقفتها قبل أن يقول:
“إيه يا دينا مالك على الصبح؟”
قالت وهي تضغط أسنانها بغيظ:
“نداء مش راضيه تيجي معايا عند شيرين”
أطلق شهقة مدوية وهو يردد:
“نـــعــــم!! أومال إحنا شارينلك اللبس ليه!!”
حاولت نداء اختلاق أي عذر:
“يا بابا….”
قاطعها رشدي:
“تكونوا جاهزين كمان ساعه عشان تركبوا مع علي رايح يوصل طلبيه جنبهم هناك…”
تركهم وغادر بينما نفخت نداء بضجر وهي تردد:
“كمان علي أنا زهقت من العيشه دي!”
وهرولت لغرفتها وهي تغمغم بنزق ووالدتها تتابعها بابتسامة عابثة…
★★★★
“صباح الخير النهارده يوم الصباحيه وهنصورلكم كل حاجه”
قالها عمرو وهو يعبث بالبث المباشر على الفيسبوك الخاص بـ رامي، فقال عامر:
“اتأكد الأول إن الفديو بيتحفظ عشان ميضعش زي التاني”
“خد اتاكد إنت”
وبعد تنقيب من عامر قال ببهجة:
“أنا لقيت الكاميرا الأصلية مش البرنامج الرخم ده!!”
صوب الهاتف لعمرو، الذي قال بحـ ـماس:
“هنبدأ تصوير منين؟”
أخذ عامر يحك رأسه مفكرًا ثم قال بحـ ـماس شديد:
“هنبدأ من شقة رامي”
تسلل الإثنان كللصان حتى خرجا من الباب دون ملاحظة أحد وصعدا الدرج في سرعة وهرولة….
من ناحية أخرى استيقظ رامي من نومه على صوت جرس الباب نظر جواره فلم يجدها فزفر متنهدًا قبل أن ينهض من فراشه…
لم ينم طوال الليل كان يطالعها وهو نائمة والشك يحوم بقلبه، ما يؤرقه هو ظنه بأنه يعرف ريم حق المعرفه فهل كان واهمًا! هل هي شخص أخر لم يعرف خباياه!! وهل يواجهها أم ينتظر؟ كل تلك التساؤلات كانت تمور بجعبته!
بدأ يبحث عن هاتفه فرن جرس الباب مجددًا لذا خرج من غرفته ليجدها تقف بالمطبخ وقد أعدت طعام الإفطار، وعندما أبصرته ابتسمت وأقبلت نحوه وهي تقول:
“صباح الخير كنت لسه جايه أصحيك عشان تفتح الباب”
اتجه نحو الباب وهو يرد ببرود وجمود:
“صباح النور”
تجهم وجهها حين رأت ملامحه العابسه وقبل أن يفتح الباب سألته بقلق:
“مالك يا رامي من إمبارح وإنت متغير؟!”
لم يجبها وفتح الباب فدلف الصغيران ابتسم لهما وحياهما بحـ ـماس قبل أن يغلق الباب…
انحنى وقبّلهما ثم دلف للمرحاض وكانت تقف أمامه فأغلق بابه في وجهها في تجاهل تام أزعجها وضغط زر القلق بقلبها…
شعرت ريم بغصة في حلقها وهي تتسائل ماذا حدث؟ وما خطبه وكيف تغير هكذا بين ليلة وضحاها؟!! تُرى هل فعلت شيء ضايقه دون قصد أم ماذا حدث؟
تصاعدت ضحكات رغده الساخرة لرأسها، أغلقت جفونها فرأت نظرات صالح المتهكمة وابتسامة مؤمن المستهزئة وعيني والدتها الغاضبة فأجفلت وفتحت جفونها، لتجد عمرو وعامر يعانقاها فتصنعت ابتسامة وانحنت تقبّلهما في حنان ثم استأذنتهما لتحضر لهما قطع الحلوى…
وحين استدارت أطلقت العنان لدموعها الساخنة لتهطل على وجنتيها وباغتها صوت إغلاق بابا الشقة وحين خرجت لم تجد عمر ولا عامر فتعجبت!!
خرج رامي من المرحاض فجففت دموعها في سرعة، وقف خلفها وسألها:
“هما نزلوا؟”
أومأت رأسها وازدردت ريقها قبل أن تنطق بنبرة مهزومة:
“رامي”
التفت لها ومازال وجهه يرتدي قناع العبوس قال:
“نعم!”
صمتت هنيهة ثم سألته بنبرة مرتعشة:
“هو أنا زعلتك في حاجه؟”
تجاهل سؤالها واتجه صوب باب الشقة وهو يقول بجفاء لم تعهده:
“هنزل أشوف الموبايل بتاعي تحت كده وأجي”
صك رامي الباب خلف ظهره فهوت ريم جالسة وأخذت تبكي بنشيج مرتفع وكلمات رغده تمور في عقلها: “هتطلقي وهترجعي…”
حملت هاتفها وطلبت رقم محمد…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
كان محمد يجلس بالشرفة الخاصة بغرفة رائد يتابع الطريق أمامه ويفكر في الأحداث السريعة التي تجري حوله وفجاة دوى هاتفه بالرنين وعندما أبصر اسمها «أختي» اتسعت ابتسامته وأجاب، وتلاشت ابتسامته حين تناهى لسمعه نشيجها، بل دب الرعب في قلبه حين نطقت:
“هو أنا لو اتطلقت هتقف جنبي”
قال بفزع:
“إنتِ بتقولي إيه يا ريم!! طلاق إيه اللي بتتكلمي فيه يوم صباحيتك!”
ارتشفت دموعها وهي تقول بأسى:
“يا محمد أنا عمري ما خوفت من حاجه إلا وحصلتلي”
سألها بقلق:
“إيه اللي حصل يا ريم؟!”
لم تجبه وارتفع نحيبها فاستطرد محمد بلهفة وقلق؛
“طيب اهدي أنا هكلم هيام دلوقتي وأتصرف واقابلك… بس اهدي عشان خاطري”
ازداد بكاء ريم ولم تعقب، فأغلق محمد وطلب رقم هيام التي أجابته بصوت مرتبك فقال دون تحية:
“هيام ساعديني أقابل ريم دلوقتي لو سمحتِ”
“دلوقتي!!! ليه فيه إيه مالها ريم؟”
“هتساعديني ولا اتصرف أنا”
“هـ… هساعدك…”
وحين سمعت هيام صوت رامي قالت بخفوت:
“دا صوت رامي!! بص أنا هعطله وإنت اطلعلها بسرعه ولما تخلص اديني رنه..”
قال بنزق:
“هخرج ازاي يا هيام!!!”
“متقلقش دقيقتين وافتح باب أوضتك وأخرج هكون ظبطتلك الدنيا”
وبعد فترة وجيزة كان محمد يعانق ريم التي تبكي بانهـ ـيار، سألها بلهفة:
“إيه اللي حصل يا ريم؟”
سردت عليه ريم ما حدث في عجاله وقصت عليه مخاوفها وكلمات أخواتها ووالدتها وتغيُر رامي المباغت، فطالعها محمد بصمت ممعنًا التفكير ثم قال:
“أنا مش قلقان إلا إن رامي يكون لاحظ حاجه بيني وبينك وفهم غلط…”
ريم بانفعال:
“لو فعلًا زي ما بتقول فهم غلط ومواجهنيش يبقا ميستاهلش إني أعيش معاه…”
“لأ يا ريم!… رامي بيحبك وأنا واثق من كده… متفكريش بالطريقه دي تاني”
وثبت واقفة وهي تقول بإنفعال أشد:
“يا محمد إنت أخويا أنا نفسي أقف جنبك قدام كل الناس وأقول يا جماعه ده أخويا إبن ابويا…”
أردفت وهي تُطالعة:
” محمد ضياء عبد الله العقيد… أمنيتي اللي ربنا حققهالي أخ حنين وطيب وجدع وبيحبني”
نهض محمد وعانقها وهو يقول:
“هيحصل يا ريم بس الصبر…”
أخرجها من حضنه وغيّر دفة الحوار قائلًا:
“على فكره هيام دي بت جدعه أوي”
اومأت بابتسامة صغيرة مرددة:
“حقيقي…”
أضاء هاتفه باسمها فقال قبل أن يجيب:
“اهي بتيجي على السيره”
“انزل بسرعه رامي هيطلع”
قالتها هيام بارتباك وأغلقت، فاجفل محمد واتجه نحو باب الشقة وهو يقول:
“أنا همشي يا ريم وهبقا اكلمك عشان رامي طالع”
ودعته ريم وأغلقت الباب، وما أن نزل درجتين حتى اصطدم برامي أمامه…
اصطنع محمد إبتسامة ظهرت مضطربة وهو يمر بجوار رامي الذي سمع دوي إغلاق باب شقته، ألقي محمد التحيه ولكن لم يرد رامي بل ظل ينظر له مشدوهًا وتسائل فهل كان هذا بصحبة زوجته وفي شقتها!!!
دلف رامي للشقة فوقفت ريم مرتبكة، كان على وشك مواجهتها ولكنه توقف فبالطبع ستنكر! غير سؤاله بطلب:
“هاتي موبايلك ارن على موبايلي”
أعطته هاتفها وانصرفت وقبل أن يطلب رقمه أبصر أخر رقم في سجل المكالمات «محمد» فطلب الرقم ليأتيه صوت محمد المضطرب:
“جوزك شكله شك في حاجه….”
لم ينتظر رامي سماع المزيد وأغلق الهاتف، كانت ملامحه باردة، ولم يبدي أي رد فعل سوى أنه طلب رقم هاتفه فصدع رنينه أعلى المنضدة مستندًا على مزهرية الورود فالتقطه وترك هاتف ريم من يده، ولم ينتبه للفيديو الذي حُفظ قبل لحظات…
بقلم آيه شاكر
رددوا
سبحان الله وبحمده♥️
★★★★★★
وصلت نداء مع والدتها لبيت شيرين ووقف علي يُطالعها بضيق وهي تبتعد حتى اختفت عن ناظريه حين دلفت للبيت…
تابع رائد تلك النظرات من شرفته فصك أسنانه في حنق، قاطعه صوت محمد الذي كان يجلس على طرف الفراش وكاد يختنق من خضم الأفكار والمشاعر السلبية، ناداه ثم قال:
“أقدر أقولك سر وتحفظه؟”
دلف رائد للغرفة وجلس قبالته ثم قال بمرح:
“قول متقلقش دا أنا خزان أسرار”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أطلق محمد ضحكة كالزفرة وخاطبه مبتسمًا:
“وأنا خزان أحزان”
ضحك رائد وقال:
“تصدق بالله أنا حبيتك…”
لم يعقب محمد ومد يده ببطاقته فسأله رائد:
“إيه دي!!!”
محمد بهدوء:
“اقرأ اسمي…”
قرأ رائد الإسم مرة تلو الأخرى وأخذ يبدل نظره بين البطاقة ومحمد ثم قال متلعثمًا:
“ده تشابه أسماء ولا… فيه إيه؟!”
تنحنح محمد ليجلي حلقه قبل أن يقول:
“أنا أخو ريم… وإمبارح لما شوفت هيام بتكلمني كانت بتحاول تساعدني أقابل ريم واباركلها..”
رائد باستغراب:
“وهيام كمان عارفه!!!”
“وعمي دياب وعمتي وإنت وبس محدش تاني يعرف…”
أخذ محمد يحكي لـ رائد ليوضح له الصورة كاملة وإنتهى بجملته:
“أنا خايف يكون رامي فاهم غلط وشاكك في ريم بسببي!”
ابتسم رائد وقال بثقة:
“متقلقش رامي مبيعملش أي تصرف إلا لما يحسبها كويس جداً جداً وكمان هو بيثق في ريم اطمن….”
نهض محمد وقال وهو يحمل مفاتيحه:
“أنا مضطر أمشي دلوقتي عشان كنت مأجر العربيه وهرجعها قبل ما أسافر أمانه عليك يا رائد تخلي بالك من ريم…”
ربت رائد على كتف محمد وهو يقول بابتسامة:
“متقلقش يابن عمي…”
تذكر محمد أن هيام دائمًا ما تناديه بابن عمي فاتسعت ابتسامته وقال:
“وكمان سلملي على هيام واشكرهالي”
اومأ رائد قائلًا:
“اعتبره وصل…”
ورغم أن رائد يغار على أخوته من طيف أي شاب إلا أنه ابتسم حين نطق محمد اسم أخته!
أخذ يمعن النظر لملامح محمد التي تشبه عمه ضياء إلى حد كبير ولا يدري لما أُطلق لسانه بسؤال مباغت:
“محمد هو إنت مرتبط؟!”
محمد بضحك:
“لأ… لسه ملقتش بنت الحلال”
ضحك رائد وهو يتذكر نظرات عمته داليا لمحمد وقال:
“يبقا أكيد عمتي داليا قعدت تكلمك عن ريمان وريناد ومميزاتهم الخارقه”
“فعلًا والله…”
رائد بضحك:
“مش هتتغير عمتي أبدًا… طول الوقت بتدور على عريس لبناتها!”
ضحك محمد وقال وهو يتجه صوب الباب:
“يلا ربنا يرزق كل مشتاقه”
خرجا من الغرفة يتبادلان الضحكات متجهين صوب باب الشقة…
“رائد… رايح فين؟!”
كان صوت ريمان التي وقفت فور أن رأته يتجه للباب فمال رائد على أذن محمد وهمس:
“دي بقا ريمان مش عارف والله قاعدين هنا ليه…”
رفع رائد صوته مردفًا:
“عايزه حاجه يا ريمان؟!”
قالت وهي تتشدق بالعلكة:
“أيوه عايزاك توصلني أنا وريناد”
فبلأمس أصرت داليا أن يبيتا «ريمان وريناد» الليله ببيت خالهما لتساعدا زوجة خالهما في تنظيم البيت لكنهما جلستا مكانهما ولم يفعلا أي شيء سوى المشاهدة، نظر رائد لمحمد وقال:
“تعمل فينا معروف وتوصلهم”
محمد بابتسامة:
“عادي مفيش مشكله”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وقفت هيام تُطالعهم من الشرفة وهما تصعدان لسيارة محمد متضجرة من ضحكات ريناد ومحاولتها للفت نظر محمد بكلامها لكنه كان يبتسم بصمت حتى انصرف بالسيارة تسائلت هل سيتحدث معها في الطريق ويتبادلون ارقام الهواتف أيضًا!!!
قاطع شرودها ضياء الذي دلف للبيت برفقة رغدة، توجهت نحو وئام ونداء الجالستان وقالت:
“عمي ضياء جاي مع اللي اسمها رغده”
وبعد فترة وقفت رغده أمام وئام وقالت في وجوم:
“متأسفة”
كان رائد عاقدًا ذراعيه أمام صدره، نظرت وئام نحوه فأشار لها بعينيه لتتأسف هي الأخرى فابتلعت ريقها قبل أن تقول:
“أنا كمان آسفه”
طلب منهم ضياء أن يضما بعضهما ففعلا الإثنتان بنفور شديد…
بدلت رغده نظرها بين الجميع ثم خرجت من البيت تهملج بعصبيه وهي تصر على أسنانها بغيظ مما حدث فلم يسبق لها أن اعتذرت لأي شخص لكنها إرادة والدها واجبة النفاذ…
ظنت نداء أن رائد سيختلق فرصة للتحدث معها لكنه ترك البيت ورحل دون متجاهلًا إياها مما أزعجها وعكر صفو يومها…
مر إسبوع لم يبادر خلاله رائد بأي رد فعل وكذلك نداء لم تفعل وآثرت أن تتجاهله كما فعل! وانغمست في البحث عن السعرات الحرارية للأغذية وممارسة التمارين الرياضية للمحافظة على وزنها…
لم يبدي رامي أي رد فعل لكن تأكدت شكوكه حين سمع ريم تحدث محمد أكثر من مره! كان يتعمد معاملتها بحب وود أمام العائلة فتغاضى رائد عما قاله محمد ومرت الأيام ورامي يعامل ريم بجفاء وبرود ولم ترد هي أن تحكي لأي شخص بل كانت تتحمل وتبتلع معاملته الجافة وتحاول جذبه إليها لكن بلا فائدة فسئمت وابتعدت هي الأخرى…
لم تتحدث هيام مع محمد طول تلك الفترة، وكانت تقاوم رغبتها الملحة بالاتصال به وسماع صوته وسؤاله عن ريناد!!
أما وئام فعادت تحاول جذب انتباه يحيى وكلما شعرت أن رائد يتحدثه عبر الهاتف ترفع صوتها ليسمعها، وكلما علمت بقدومه لإعطاء عمرو وعامر درس تتعمد الحديث والضحك بصوت مرتفع، وأخر شيء تحدثت مع رائد تُذكره بعرضه أن يحيى سيدرس لها القرآن…
وفي مساء ذلك اليوم جلس يحيى قبالة رائد بعدما أنهى درس القرآن لعمرو وعامر، قال بحدة:
“إنت من كل عقلك بتطلب مني الطلب ده يا رائد!”
“مش فاهم إنت متعصب ليه وفيها ايه؟ وئام وهيام زي إخواتك وإنت أولى بالفلوس دي….”
“مش حكاية فلوس يا رائد…”
أردف بعد تنهيدة:
“مينفعش يبني… أنا مستغرب من طلبك الغريب ده!”
قاطعها طرقات على باب الغرفة فقال رائد:
“ادخل…”
دخلت شيرين وقالت:
“ازيك يا يحيى… مش عارفه أشكرك ازاي يبني إنك وافقت تحفظ وئام وهيام دا جميل مش هنساهولك عمري كله”
وجه يحيى لرائد نظرة حادة قبل أن يتظاهر بالهدوء مبررًا:
“والله يا طنط أنا مش عارف أقول لحضرتك ايه بس….”
قاطع سيل كلامه طرق هيام لباب الغرفة فقالت شيرين:
“تعالوا يا بنات…”
مال يحيى نحو رائد وقال:
“منك لله على الموقف ده”
كبح رائد ضحكته وهو يطالع يحيى بتمعن وهمس له:
“وشك احمر كده ليه! مكنتش أعرف إنك بتتكسف اوي كده…”
دلفت وئام على استحياء فقالت شيرين
“تعالوا بقا ظبطوا المواعيد مع أستاذ يحيى”
قال يحيى متلعثمًا:
“مبدأيًا كده هو المواعيد هتكون دائمًا في وجود رائد أو عمي”
أطلق رائد ضحكة وهو يربت على فخذ يحيى المرتبك ويقول:
“معلش أصل إحنا ابننا بيتكسف”
رماه يحيى بنظرة ساخطة قبل أن يحدد المواعيد وهو يتوعد رائد بداخله على إحراجه بتلك الطريقة!
ومرت الأيام ويحيى يدرسهم القرآن في حضور رائد أو رامي…
وذات يوم دلفت شيرين للغرفة وجذبت وئام من يدها وهي تقول:
“معلش يا يحيى هاخد وئام عشان تقابل العريس..”
سحبت وئام يدها وقالت بحزن:
“أنا مش هقابل حد!”
زفرت شيرين وقالت بضجر:
“يا بنتي متحرجيش أبوكي”
وئام:
“أنا قولت من الأول مش موافقه إنتوا اللي بتحرجوني وبتحرجوا نفسكوا..”
نهض رائد وقال:
“بصي يا وئام قابليه وابقي إرفضي..”
“أنا مش عايزه أقابله”
قالتها وئام وهو توجه نظرة ليحيى الذي كان يستمع للحوار منكس الرأس ورفع عينه في تلك اللحظة لتلتقي عينه بعينها، فأطرق يحيى مجددًا وأخذ يفرك لحيته باضطراب…
بدل رائد نظره بين صديقه وأخته ثم ابتسم بتفهم وقال:
“خلاص قابليه إنتِ يا هيام!”
هيام بضجر:
“هو اي عروسه وخلاص! يا حبيبي هو جاي لوئام بالإسم يعني معجب بيها!”
استأنفت متخابثة:
“أنا أصلًا كنت حاسه لما شوفت نظرته ليها يوم ما كانت بتشتري عصير هي ونداء كان واقف يبص عليهم…”
رائد بضجر:
“لا والله!!! واقف يبص عليهم ازاي يعني؟”
هيام بمكر:
“يعني كان بيختار عروسه منهم”
اشتعل الغضب بداخل رائد فقال بانفعال:
“تمام أوي الكلام ده…. والله ما هتقابليه يا وئام”
شيرين بضيق:
“يبني اصبر في ايه؟”
خرج رائد من الغرفة وهو يقول:
“متقلقيش يا ماما أنا هتصرف”
هرولت شيرين خلفه، فمالت هيام على أذن أختها وهمست:
“اي خدمه”
كبح يحيى ابتسامة لاحت على شفتيه، وحمحم وقال بجدية:
“طيب يلا نكمل…”
كانت وئام ترمقه خلسة وقد تجلت الفرحة والراحة بنظراته ونبرة صوته فشعرت بأنه يبادلها نفس مشاعرها لكنها لم تتأكد!!
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
في شقة ريم ورامي
خرج ذلك الضيف الثقيل الذي قضى قرابة النصف ساعه ببيتهم، وقد كان يونس ابن خال رامي الذي حدج رامي بخبث قبل أن يغادر…
صفع رامي الباب خلفه ووقف يهز رأسه بعنـ ـف عله يركز فيما حوله! ظل يجاهد ليفتح عينيه وما أن يأس هوى جالسًا على أقرب مقعد وأسند رأسه للخلف…
ومن جهة أخرى خرجت ريم من غرفتها وقد قررت أن تجادله لتسمع منه ويسمع منها ليصلا لحل! فقد مر قرابة الشهر على زواجهما وكل يوم يبعده عنها أكتر وأكثر…
وقفت ريم قبالته وقالت:
“إحنا محتاجين نتكلم مع بعض”
قال بجمود دون أن يرفع عينيه:
“عايزه إيه؟!”
تلعثمت من حالته تلك! قالت:
“إ… إنت متغير معايا ليه!! أنا عملت إيه؟”
قال بنبرة خافتة منكـ ـسرة ودون أن يُطالعها:
“خونتيني يا ريم… خونتيني”
جلست جواره وهي تردد
“أنا!!! أنا خونتك يا رامي؟”
قال بحدة:
“ابعدي عني دلوقتي يا ريم”
نهض واقفًا وقبل أن يغادر جذبته من ذراعه وهي تقول بنفس الحدة:
“لا مش هتهرب… لازم نتكلم ونوصل لحل”
سحب ذراعه بقـ ـوة هادرًا بها:
“ابعدي عني يا ريــــــم”
حدقت بعينه فصُدمت من نظراته الشاردة وكأن عقله مغيب! انتبهت لغضبه المبالغ حين استأنف بحدة عارمة:
” أيوه إنتِ خاينه… خونتي حبي وثقتي فيكِ… إنتِ خاينه يا ريم…”
تبدد غضبه وتحول لطفل صغير يشكو لأمه، قال بحشرجة:
“بسمعك وإنتِ بتكلميه كل يوم وتشكيله مني…”
أدركت أنه علم بوجود محمد بحياتها لذا ركضت لباب الشقة وقبل أن تفتحه جذبها من ذراعها وهدر بها بغضب:
“رايحه فين؟!”
قالت في قلق وذعر من نظراته:
“هنزل أنادي عمو دياب عشان يوضحلك كل حاجه”
قال وهو يصر على أسنانه:
“تنزلي فين!! دلوقتي عايزه تهربي!! لأ يا حبيبتي مش قبل ما أخد حقي منك!”
بقلم آيه شاكر
★★★★★
“يعني إنت زعلان ومتأثر عشان ديك بعُرف أحمر!”
قالها عمرو فأومأ آدم بحزن، قال عمرو:
“طيب متزعلش بص تعالى نطلع فوق ماما عندها فراخ وأكيد فيه ديوك… وإختار الديك اللي يعجبك وملكش دعوه”
آدم ببهجة:
“بجد يا عمرو”
“عيب عليك يا معلم هو أنا هضحك عليك…”
صعد الثلاث أطفال للطابق الأخير وأخذ آدم يجول بنظره بين الدجاج حتى جذب انتباهه ديك صغير فقال:
“أنا حاسس إن ده شبه ثونه وهو صغير”
مد عامر يده وأخرج الديك الصغير وأهداه لآدم قائلًا:
“أنا مش عايز حد يحس إننا أخدنا حاجه عشان كده انزل استنى أبيه يحيى تحت وحاول تخبي الديك في هدومك هو صغير مش هيبان”
آدم بقلق:
“هو احنا كده بنسرق؟”
عمرو:
“لأ يبني مش سرقه… أنا هجيبها لماما بطريقتي”
أومأ آدم ونزلوا الدرج في هدوء فسمع عامر صوت صرخات مكتومه يخرج من شقة رامي فقال لعمرو:
“عمرو! أنا سامع حد بيصرخ أو بيعيط!”
وضع عمرو أذنه على الباب فسمع أنين مكتوم قال:
“أيوه فعلًا!!”
رن عمرو الجرس عدة مرات ولم يجيبه أحد فخاطب عامر آدم:
“إنزل إنت واعمل زي ما قولتلك…”
وخاطب عمرو:
“وإنت روح قول لماما… وأنا هستنى هنا يمكن حد يفتحلي…”
وما أن قال عمرو لوالدته حتى زجرته ونهرته وعاقبته بقـ ـسوة وحذرته أن يقترب من شقة رامي مجددًا…
حملت هاتفها وطلبت رامي فلم يجبها شردت قليلًا ثم تجاهلت الأمر زاعمة أن عمرو وعامر يفتعلان الأكاذيب…
★★★★★
أدت نداء فريضة الفجر وأخذت تُطالع رقم رائد عبر الهاتف وكأنها تخاطبه وترجوه أن يحدثها! تنهدت بعمق ثم أخرجت دفترها وأخذت تدون:
“أشتاقُ إليك، ويكفيني صوتك ليروي فؤادي وتنتشي روحي…”
وبمجرد أن تركت القلم من يدها، صدع هاتفها بالرنين فابتسمت وهي تُطالع اسمه بلهفة وانتظرت قليلًا ثم أجابت وانتظرته ليتحدث وهو الأخر انتظرها لتتحدث، وعم الصمت إلا من أصوات أنفاسهما، قال:
“عارفه أنا بقاوم إزاي عشان أحافظ عليكِ….؟”
وقبل أي يُكمل حديثه فتحت والدته باب غرفته دون استئذان نطقت في فزع وهي تلهث:
“الحقني يا رائد…”
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
سمعت نداء تلك الجملة فأرهفت السمع وترقبت لكن لم يأتها أي صوت بعد! فطالعت الهاتف لبرهة لتكتشف أن رائد قد أنهى المكالمة! أخذت تتسائل ماذا يمكن أن يكون قد حدث وفي هذا الوقت؟ هل حدث مكروه لأحد أفراد العائلة!
طلبت رقمه مجددًا والهاتف مشغول فأُثير قلقها وأخذت تقطع الغرفة جيئة وذهابًا في توتر بالغ، اتجهت صوب باب غرفتها لتخبر والديها ولكن عادت أدراجها وقررت الإنتظار قليلًا وما لبثت كثيرًا وطلبت رقم هيام فلم تجب، طلبت بعدها رقم وئام فلم تجب أيضًا! ابتلعت ريقها في ارتباك وهي تردد:
-أعمل إيه؟ يارب استرها يارب…
على جانب أخر
وبمجرد قول شيرين تلك الجملة أغلق رائد الهاتف وألقاه جانبًا في توجس وكأنه كان يفعل جُرمًا ويخشى أن تراه والدته، سرعان ما انتبه لحالة والدته ووثب نحوها قائلًا:
-في إيه يا ماما؟
– أبوك! أبوك عمل حادثه.
قالتها بانفعال قبل أن تشهق باكية وتتدفق العبرات من مقلتيها، جحظت عيني رائد وهربت الد**ماء من وجهه وقال بهلع:
-حادثة! هو بابا أصلًا راح فين؟
-خرج مع عمك رشدي معرفش كانوا رايحين فين! وحد اتصل عليا من موبايله قالي إنه عمل حادثه بالعربيه وحالته صعبه…
اخذ رائد يسحب الكلام من فم والدته الباكية حتى أخبرته باسم الطريق الذي ذكره المتصل وبعض تفاصيل المكالمة…
بعد فترة من الوقت ومع تنفس صباح اليوم كان رائد يقف مع والدته في ذلك المكان بعد أن سأل كل من قابله إذا كان هناك حادث سير بالجوار وكان يصف مظهر سيارة والده ولكم لم يفده أحد حتى وصلا إلى ذلك الطريق كان خاليًا من المباني والمارة، وقف رائد يتلفت حوله في حيرة وحاول أن يتصل على والده أو رشدي والهاتف مازال خارج نطاق الخدمة زفر متضجرًا وقال:
-هو ده نفس المكان اللي قالك عليه المتصل يعني لا فيه حادثه ولا يحزنون… أومال فين بابا؟
-والله يا رائد حد كلمني من تلفونه وقالي زي ما قولتلك!
تنهد رائد وقال:
-كويس إننا مقلقناش رامي!
-صباح الفل…
التفت رائد لمصدر الصوت فرأى ثلاثة رجال وكل منهم يتسلح بألة حادة، امتقع وجهه وابتلع ريقه في توجس، ووقف كالحصن المنيع أمام والدته التي هربت الدماء من أوصالها فزعًا على ولدها…
حرك أحد الرجال الألة الحادة صوب نظر رائد وهتف مع ابتسامة خبيثة:
-طلع اللي معاك يا برنس من سُكات دا لو مش عايزنا نأذيك إنت وست الحبايب!
طالع رائد والدته بنظرات حائرة ومضطربة وأخذ يتلفت حوله عله يجد منقذ في ذلك المكان الموحش، ضحك رجل أخر وقال لتهكم:
-إنت بتدور على إيه؟ محدش هنا يا باشا.
تمسكت شيرين بذراع رائد وقالت:
-إديله اللي هو عايزه…
فكر رائد لبرهة فلم يجد بديل عن إخراح كل ما بحوزته من أموال ثم الهاتف في هدوء ظاهري يناقض داخله المضطرم بنار الغضب، اقترب أحدهم من شيرين وهو يُحملق بخاتم ذهبي ودبلة بيدها، وقال بأمر:
-واللي في إيدك!
نظرت شيرين للذهب وابتعدت خطوتين في تردد ولكن عندما اقترب اللص بالألة الحادة من رائد أسرعت نزعهما وتسليمهما…
-يلا يا رجاله.
قالها أحدهم فركض إثنان بينما أطلق الثالث ضحكة مدوية متهكمة قبل أن يعود بظهره للخلف محركًا الألة الحادة تجاه رائد كأنه يحذره من الإقتراب، وقبل أن يوليهم ظهره ويركض قال بسخرية:
-شكرًا يا باشا مع السلامة…
أطبقت شيرين يدها على فمها وأخذت تبكي، ووقف رائد يبدل نظره بين والدته الباكية واللصوص ثم زمجر غاضبًا بقلة حيلة…
★★★★★
انتبه يحيى من نومه أثر صيحات ديك في غرفته، فتح عين واحده وطالع آدم الذي ينام جواره فسمع صياح أخر! أخذ يحملق بملامح الطفل وهو يتسائل هل يصيح الطفل كالديك أم ماذا يحدث؟ استوى جالسًا وسُرعان ما تذكر الأمس وكيف راوغه آدم وخبأ الديك الصغير فلم يكتشف يحيى بأمر الديك إلا عند اقترابه من المنزل! وبعد مجادلة طويلة حكى له آدم ما حدث وحاول إقناعه بالتستر عليه!
أطلق يحيى تنهيدة طويلة وقال وهو يطالع آدم:
-الواد ده صعب أوي!
نظر يحيى في ساعة هاتفه تزامنًا مع إضاءة شاشته برقم غريب! فرك عينيه ثم تنحنح عله يزيل أثر النوم من صوته وأجاب بإلقاء التحيه فرد رائد التحية وقال:
-معلش يا يحيى صحيتك بس أنا مش حافظ إلا رقمك إنت ورامي… ورامي مبيردش عليا.
-فيه إيه يا رائد؟!
-أنا اتسرقت يا يحيى…..
أخذ رائد يحكي ما حدث جملة دون تفصيل فقال يحيى:
-طيب اهدى أنا جايلك حالًا.
وبعد مُضي ربع ساعة ارتجل يحيى من سيارة الأجرة وأخبر السائق أن ينتظره قليلًا طفق يجول بنظراته في المكان حتى رأى رائد يقف على قارعة الطريق جوار والدته التي لا تتوقف عن البكاء فأقبل نحوهما والقى السلام ثم قال بارتباك:
-يلا التاكسي مستني…
أحاط رائد كتف والدته التي جففت دموعها بمنديل ورقي فور رؤية يحيى، فرمقها يحيى بشفقة وحاول أن يطمئنهما فقال:
-إحنا هنروح المركز نقدم بلاغ وإن شاء الله نوصل للحاجات المسروقة.
ارتشفت شيرين دموعها ورددت بمرارة:
-هو اللي راح بيرجع يا يحيى!!
-أنا ميهمنيش في كل ده إلا بابا مش عارف راح فين؟ خايف يكونوا عملوا فيه حاجه!
قال يحيى في اضطراب:
-يا عم متقولش كده إن شاء الله مفيش حاجه.
مال يحيى على أذن رائد وأردف:
-تماسك يا رائد متقلقش والدتك أكتر ما هي!
أومأ رائد متفهمًا وهو ينظر لوالدته قبل أن يتجهوا نحو سيارة الأجرة ويغادروا…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★★
فتح رامي جفونه ليجد حاله مستلقي على الأرض ومن حوله تعم الفوضى تواثبت دقات قلبه ونهض واقفًا يتفحص المكان بعينه باحثًا عنها، أخذ يخطو لخارج الغرفة فجذب انتباهه ثياب ريم الممزقة والملطخة بالد**ماء!
انحنى وأخذ قطعة الثياب عن الأرض وأخذ يطالعها في ريب ثم حاوط رأسه بيديه فلا يذكر شيء مما حدث! وتمنى ألا يكون قد حدث ما دق باب عقله…
ابتلع ريقه بتوجس وطفق يبحث عن ريم يجول بعينيه بأرجاء الشقة وبداخله تساؤلات عده عما حدث هنا؟!
سمع صوت بكاء يصدر من المرحاض فاتجه نحوه بخطى متثاقلة وقلب يرتجف وجسد يختلج، وضع أذنه على باب المرحاض فسمع شهقاتها وأنينها، طرق الباب فلم تجب طرق مرات ومرات وهو يناديها ويرجوها أن تفتح ويوضح لها أنه لا يذكر أي شيء! فلم يتناهى لسمعه إلا صوت نشيجها، أخذ يردد:
-يا ريم أرجوكِ افتحي! إيه اللي حصل؟
-طيب أكلم ماما؟!
-يا ريم!
جثى على الأرض أمام المرحاض، يجول ببصره على حالة الشقة المزرية! وهو يتسائل هل هو المسؤل عن ذلك؟
وبعد فترة فتحت باب المرحاض وخرجت تحدق أمامها بملامح جامدة وواجمة، وثب واقفًا ونظر بعينيها يسألها في ارتياب:
-إنتِ كويسه؟
اقتنصت نظرة نحوه وقالت بسخط شديد:
-إنت معندكش رحمه ولا إحساس… أنا عمري ما هسامحك يا رامي…
قالت أخر جملة بنبرة حادة ومرتفعة، تنفس رامي الصعداء وقال بقلق:
-هو إيه اللي حصل يا ريم أنا مش فاكر والله ما فاكر!
تجاهلت سؤاله واتجهت لغرفتة غير غرفتهما وأغلقت الباب في وجهه بعنـ ـف، نظر لأثرها ثم بدل نظره لمكانها الذي كانت تملئه قبل قليل ودنا من الحائط الصلب وطفق يطرق رأسه به مرددًا:
-إزاي مش فاكر حاجه! ازي؟
من ناحية أخرى دلفت ريم لغرفتها وهوت جالسة على أقرب مقعد، لم تجف دموعها طيلة الليل! بالأمس رأت شخصًا أخر! شخصٌ لم تعرفه، لم يكن هو رامي الذي راهنت عليه وزعمت حبه لها! لا تجد له عذر فيما فعل! لمَ لم يواجهها ولو مرة واحده؟ هو المخطئ! هكذا كررت تلك الجملة بلسانها هو المخطئ! فقد ودت إخباره عن محمد منذ ليلتها الأولى ولكنه لم يترك لها مجالًا للإفصاح.
جالت الأفكار في رأسها فكرت في الإنفصال عنه ولكن إخوتها! هل ستستسلم وتعطيهم الفرصة للسخرية منها! هزت رأسها بقـ ـوة لتطرد تلك الفكره من جعبتها، وأخيرًا قررت ألا تخبر أحد ولابد أن تصبر وتحتسب…
مسحت وجهها بكلتا يديها قبل أن تنهض وترفع رأسها عاليًا كأنها تقنع نفسها أنها قـ ـوية وتستطيع التحمل…
سمعت باب الشقة يُغلق بقـ ـوة ورغم تعب جسدها إلا أنها خرجت من الغرفة بخطوات واثقة لكنها ثقيلة لتنظف تلك الفوضى…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
أذن العصر ولم يعثروا على أي أخبار عن دياب ورشدي مروا على المستشفيات المجاورة ولا أثر لهما حتى أنهما سارا في الطرقات يتفرسون وجوه المارة ولكن بلا فائدة…
ومع أذان المغرب كان الصمت قد ألقى عباءته عليهم أخذ رائد يقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا يبدل نظره بين الوجوه المتجهمة، والأنفاس المتثاقلة ويزداد توتره وقلقه أكثر وأكثر، بينما جلس يحيى مطرقًا رأسه لأسفل يردد خلف الآذان حتى قال المؤذن حى على الصلاة، فوثب يحيى واقفًا وردد بصوت مسموع:
-لا حول ولا قوة إلا بالله…
أقبل نحو رائد وربت على كتفه قائلًا:
-يلا ننزل نصلي وندعي وإن شاء الله ربنا هيحلها…
شيرين برجاء:
-يارب… يارب…
وبمجرد إنهاء جملتها دوى جرس الباب فركض رائد للباب وقف الجميع متأهبين لرؤية دياب ولكن خاب أملهم حين ظهرت نداء بوجهها الممتقع ودينا التي يتمشى القلق بين قسمات وجهها، أفسح لهم الطريق ودلفوا للداخل وبعد التحية والجلوس قالت دينا بحيرة:
-هو قالي إنه رايح مشوار مع الحاج دياب وهيجي على أخر اليوم.
مسحت شيرين وجهها وهي تقول:
-ما هو قايلي كده برده!
رائد بقلق:
-طيب هما فين محدش فيهم بيرد ليه؟
يحيى مطمئننًا:
-ممكن تكون الموبايلات اتسرقت أو مثلًا وقعت منهم أو فصلت شحن..
شيرين بنبرة قلقة:
-طيب والراجل اللي كلمني الصبح ده!
تدخلت وئام قائلة:
-يا جماعه الظاهر إن موبايل بابا اتسرق واللي سرقه هو اللي كلمكوا عشان يسرقكوا
هيام بحيرة:
-طيب وبابا راح فين؟
رائد بانفعال:
-حاجه تحير!!
أطلق رائد تنهيدة طويلة وقال بقلة حيلة:
-يلا يا يحيى نروح نصلي
طالع يحيى رامي الذي يجلس منكس الرأس ولم ينطق بكلمة واحدة فقال بقلق:
-يلا يا رامي…
انتبه رامي له ونهض واقفًا ليرافقهما للمسجد…
★★★★★
وقبل العشاء بقليل تعالت أصوات ضحكاتهما في السيارة…
-بس إيه رأيك في اليوم ده؟
-ياه يا عقيد أصدقاء الطفوله مهما مر الزمن مش هنلاقي زيهم… بس أمين ده عايش وسط القطط لدرجة إنه مش بعيد ينونو
تذكر دياب تفاصيل اليوم الذي قضاه برفقة صديقه القديم «أمين» في بيته بين القطط التي تلد وأخرى المريضه والبقيه يركضون بكل مكان، قال رشدي:
-بس خدت بالك القطط بيولدوا إزاي بيتعبوا ياخي زي البني أدمين بالظبط!
-اه والله هي الدنيا كلها كد وتعب…
أردف دياب:
-هو اليوم كان هيبقى حلو لو معزمش نفسه عندي هو وابنه عشان يتقدم لبنتي اللي أنا واثق إنها هترفضه!
-ليه ترفضه دا واد وسيم وحلو؟
-مرتاحتلهوش يا عميد
قالها دياب قبل أن يوقف السيارة أمام بيته واستدار ليجلب صندوق من المقعد الخلفي ثم قال وهو يُطالعه:
-هطلع الصندوق ده للعيال وأجي أوصلك… تفتكر العيال هيفرحوا بالقطط دي؟
طالع رشدي الهرة البيضاء بين ذراعه وقال:
-أكيـــــد إذا كنت أنا فرحت بيها!
ضحك الإثنان وأردف رشدي:
-ياخي لو أنثى الإنسان تولد العدد اللي بتجيبه أنثى القطط كانت تبقى مشكله…
-إذا كان بيبقا عيلين ومش ملاحقين عليهم…
أخذ رشدي يبحث عن هاتفه بجيب سرواله ثم بالسيارة وهو يقول بحيرة:
-مش عارف موبايلي راح فين؟ دا إحنا مكلمناش العيال من الصبح!
وضع دياب يده في جيبه وطفق يبحث عن هاتفه هو الأخر ثم قال بصدمة:
-إيه ده أنا كمان مش لاقي موبايلي يا عميد!
جحظت عيني دياب واستنتج بصدمة بالغة:
-إحنا باين اتسرقنا يا عميد!!
قال رشدي:
-دي مصيبه لما العميد والعقيد يتسرقوا يبقا على الدنيا السلامة…
قاطع سيل حديثهما طرقات عمرو وعامر على زجاج نافذة السيارة، فتح دياب باب السيارة فقال عامر بلهفة:
-الحمد لله إن إنتوا عايشين! إحنا كنا هنمـ ـوت من القلق.
طالع عمرو وجه والده وقال بحب:
-أنا طلعت بحبك اوي يا بابا!
ضمه عمرو وعامر وسط نظرات رشدي الحائرة حتى أبصر ابنه _نادر_ الذي ضمه هو الأخر وأخبره أنه أتى برفقة والدته ونداء القلقتان…
ارتجلا من السيارة وصعدا للبيت وبمجرد دخولهما عانقهما الجميع وانهالت عليهما التساؤلات أين كنتما؟ وأين هواتفكما؟…
لينتبهوا جميعًا لصوت هرة بيضاء صغيره يحملها رشدي على ذراعه، فتهلل وجه عامر وقال بابتهاج:
-الله قطه!
أعطاهم رشدي الهرة وجلسوا يتبادلون الحوار وحكى له رائد ما حدث فقال رشدي:
-دي عملية نشل!! يارب الشرطه توصل للعيال دي.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قال شيرين بحزن تجلى بنبرة صوتها:
-يلا الحمد لله أهم حاجه سلامتكم.
وبعد فترة غادر كل منهم إلى بيته….
كان رامي متكئًا على الأريكة شاردًا في الأفق فدنا منه رائد وسأله:
-مالك يا رامي؟
اعتدل رامي جالسًا وتنحنح وهو يفرك أذنه ثم نهض واقفًا وقال:
-مفيش… أنا طالع شقتي..
انصرف رامي وظل رائد ينظر لأثره حتى خرج من الباب، أخذ يتسائل لمَ لم تظهر ريم اليوم! وهل هناك خطب جلل يحدث مع أخيه فلطلما كان كتومًا لا يحب أن يتدخل أحد في شؤونه الخاصة لكن الأمر يختلف فهل يشك رامي بزوجته وذلك ما يتعسه! ذلك السؤال جعل رائد يصب واقفًا ويلحق بأخيه على الفور…
وبعد رحيله كان دياب يتمشى في الشقة فرأى هاتف رامي على الأريكة، أخذه وقلبه بين يديه وهو يقول:
-موبايل مين ده يا ولاد!
فتحه وأخذ يعبث بمعرض الصور بعد أن تأكد أنه لـ رامي حتى وقع أمامه فيديو وفغر فاه في دهشة مما رأى!
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
دلف يحيى لبيته حيى والديه وبعد أن جلس معهما لبعض الوقت دلف إلى غرفته وبينما كان يبدل ملابسه حضر طيفها إلى مخيلته، ابتسامتها التي اختلس النظر إليها مرات عده، صوتها، مشاكستها الدائمة لأخيها وروحها الطيبة التي راقت له، تذكر كيف سند ظهرها قبل أن تسقط وأخذ يُطالع يديه ويبتسم، بات يستلذ ذلك الشعور أخذ يتسائل هل ستقبل به زوجًا لها! وفجأة استيقظ تجهم وجهه حين تذكر حالته تلك فهو شخص عاطل لا يملك مصدر ثابت للدخل إلا دروس القرآن! بالإضافة إلى أنه لا يملك منزلًا سوى هذا الذي يعيش به مع والديه، زفر متنهدًا وهو يطردها من عقله ويعاتب رائد بداخله فلولا إصراره على درس القرآن لما وقع في شباك وئام! تذكر حالة رائد وكيف كان يحكي عن نداء وعن مدى تعلقه الشديد بها ليته مثل رائد يمتلك منزلًا لذهب إلى والدها الآن وطلبها للزواج! فكم هو مؤلم تخيله أن تتزوج غيره، أخذ يتسائل هل هذا هو ألم الحب أم أنه الم من تعلق قلبه بغير الله!
استلقى على فراشه فقد أُصيب اليوم بالإرهاق، افتر فاه عن ابتسامة حين تذكر كيف دخل دياب للمنزل مع القطط ثم أغلق جفونه وقبل أن يجذبه النوم دلف آدم للغرفة وهو يحمل بيده الديك وقال:
-يحيى… يحيى إنت نايم؟!
فتح جفونه بثقل وقال:
-عايز إيه يا آدم؟
سأله بقلك:
-هو إنت قولتلهم على الديك!
-لسه بس الديك ده هرجعه بكره فاهم؟
-أثتحلفك بالله ألا تفعل أنا وقعت في حبه متحرمنيش منه…
ولاه يحيى ظهره وقال بعد أن تثائب:
-خد الديك ده واطلع بره سيبني أنام وبكره نشوف الحوار ده.
-هنام جنبك قوم احبسلي الديك تحت السرير زي امبارح…
اعتدل يحيى جالسًا وقال بنزق:
-هو أنا يبني خلفتك ونسيتك، ارحمني شويه… ارحمني يا آدم…
-أثتحلفك بالله….
قاطعه يحيى قائلًا بقلة حيلة وهو يجذب الديك من يده:
-هات أم الديك… يارب الصبر يارب
★★★★★
-ممكن تهدي يا ريم أنا مش فاهم منك حاجه! رامي عملك إيه؟
قالها محمد الذي يتحدث مع ريم الباكية عبر الهاتف فهي تراوغه كي لا تحكي، تستحي أن تقول ما حدث، لاذت بالصمت فقال محمد:
-ريم أنا هيجيلك الصبح بس عشان خاطري متعيطيش.
ارتشفت دموعها وقالت:
-متجيش يا محمد متتعبش نفسك… أنا هبقى كويسه.
-هاجي يا ريم مش هتطمن إلا لما أشوفك بنفسي…
شهقت باكية وقالت بندم:
-يارتني ما اتجوزته…
أطلقت تنهيدة حارة وأردفت ببكاء:
-بس أنا برده مش عايزه أتطلق… أنا مش عارفه أنا عايزه إيه يا محمد!
-أنا قلبي واجعني ومش فاهم حاجه ومش عارف أعملك حاجه يا ريم… احكيلي إيه اللي حصل اتخانقتوا يعني ولا فيه إيه؟
أومأت رأسها وهي تقول بحشرجة:
-اه… اه اتخانقنا…
-طيب يا حبيبتي قومي اتوضي وصلي ركعتين وأنا هكلمك تاني بعد الصلاة.
سمعت ريم إغلاق باب الشقة فعلمت بوصوله لذا قالت:
-متقلقش عليا أنا هبقى كويسه أنا بس بفضفض معاك.
-بتفضفضي! هو إنتِ قولتيلي حاجه أصلًا!!
-معلش مضطره أقفل عشان هو جه وهكلمك بعدين.
أغلقت معه وأكملت بكاء، وبعد لحظات رن جرس الباب وسمعت صوت رائد وبعدها بدقائق رن الجرس مرة أخرى وسمعت صوت عمها، لكنها لم تأبه وعادت تنزوي على نفسها وتبكي…
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
حاول رائد جذب رامي للحديث ولكن لم يفصح رامي عن أي حرف وقبل أن يواجهه رائد حضر والده وسأل عن ريم فتلعثم رامي وهو يقول بارتباك واضح أنها نائمة! فتح دياب هاتف رامي وصوبه نحوه وهو يقول:
-إنت شوفت الفيديو ده؟!
أخذ رامي الهاتف من والده وأخذ يُطالع شاشته بعدما ظهرت ريم وهي تعانق محمد! لم يكمل وألقى الهاتف جانبًا وقد اكفهر وجهه واستشاط غضبًا، قال بأنفاس متسارعة وهو يصر على أسنانه:
-خاينه!
اقتنص رائد نظرة من الفيديو وترك الهاتف وهو يقول:
-أنا اللي غلطان كان لازم أقولك من الأول!
أشار دياب بعينه للهاتف وهو يقول:
-كمل الفيديو للأخر يا رامي.
رامي بانفعال:
-هشوف إيه أصعب وأكتر من كده!
دياب بنفس الإنفعال وبنبرة حادة:
-قولتلك كمل الفيديو للأخر…
أخذ رامي يُطالع شاشة هاتفه ويرفع الصوت ليسمع عما يتحدثان فأصابه الذهول، نظر لوالده وقال:
-أخوها!! إزاي يعني؟
اومأ رائد وهو يقول مؤكدًا:
-أيوه محمد أخو ريم وابن عمك ضياء…
قص دياب على ابنه الحكاية من بدايتها، فنطق رامي وهو يشير لصدره بإنفعال:
-وإزاي أنا معرفش! إزاي محدش يقولي؟ سيبتوني أشك فيها ليه!! وهي… هي مقالتليش ليه؟ ليه تخبي عليا!
وبعد فترة كان رامي يجلس في مكانه ينظر لغرفة ريم بين وهلة وأخرى ويتذكر انفعال رائد عليه حين قال:
-وإنت لما شكيت فيها مسألتهاش ليه يا رامي؟
وصوت والده يجول بعقله:
-يا خساره يا رامي كنت فاكرك أحكم وأعقل من كده!
ضـ ـرب رامي الطاولة بقبضته وهتف في حده:
-كنتوا عاوزيني أعمل إيه لما أسمع مراتي بتكلم راجل غريب! وبتقابله… غصب عني… غصب عني
باغتته تلك الدموع الدافئة وهي تنفلت من بين أهداب جفونه الطويلة لتنهمر على وجنتيه متسارعة خاصةً عند تذكره الفوضى التي رآها بالصباح، أخذ يهز رأسه باستنكار وهو يكرر بنبرة متحشرجة:
-مش هتسامحني…
هاجمه خضم من الأفكار والتساؤلات هل هذا عقابه؟ ألأنه أطلق لسانه ونظره دون رقابة، ألأنه لم يحافظ عليها ويراعي الله كما أخبره صديقه؟ هل لابد من عقاب ولابد من وجع بعد تجاوزه للحدود! أجاب نفسه أنه لم يكن يعرف وحين عرف التزم وصار يراقب أفعاله وسكناته فهل يعاقبه الله على جهله؟
بالطبع لا يعاقب الله على الجهل، فالجهل رافع للإثم ولكنه عسى أن يكون ابتلاء وحكمته لا يعلمها إلا الله…
وعلى نحوٍ أخر وضعت ريم أذنها على باب الغرفة وتناهى لسمعها نشيجه الذي حاول كتمانه ولم يفلح فعاد تزرف الدموع، أطبقت يدها على فمها كي لا يسمعها ثم عادت مكانها واستلقت على الفراش وقبل أن تجف دموعها غليها النعاس فقد كانت مرهقة ومتعبه نفسيًا وجسديًا…
بقلم آيه شاكر
استغفروا ♥️
★★★★★
دلف رائد لغرفته وأخذ يفكر فيما كان يفعله في سدفة ذلك النهار! وها هو دفعته نفسه لمحادثتها مجددًا! ألم يتعهد لنفسه ألا يفعل حتى يطلبها للزواج! كيف سولت له نفسه أنه لا يفعل شيئًا خاطئًا هو فقط سيطمئن عليها ويسمع صوتها! ولكن عندما اقتحـ ـمت والدته الغرفة على حسن غرة وشعر بقلقه من معرفتها بما يفعل علم أنه على خطأ! فالصواب لا يخشى المرء أن يتطلع إليه أهل الأرض أجمع، لكنها النفس، فالنفس تحب الدنيا وإذا تُرك الإنسان لنفسه أهلكته…
تذكر صديقه يحيى كيف يغض بصره عن هيام ووئام، وكيف يهذب نفسه ويؤدبها، تذكر جملته:
-لما بلاقي نفسي هقع في ذنب بقوم أصلي وأدعي اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين…
ابتسم رائد وهو يتوضأ، فالصاحب ساحب ويا لهناءه من سحبه صاحبه لطريق الله…
★★★★
في عصر اليوم التالي وفي الشرفة وقفت وئام بجوار هيام المتبرمه وبداخل الغرفة يجلس يحيى الذي انشغل مع عمرو وعامر ولم يرفع عينيه نحو وئام وهيام
ومن ناحية أخرى كان هناك بعض الضيوف، همست هيام لوئام:
-هتعملي إيه في العريس ده!
طفقت هيام تقرض شفتيها بارتباك ثم قالت:
-هطفشه طبعًا!
-عندك خطه يعني؟
-أكيد عامله خطه متقلقيش عليا…
ضحكت وئام وهي تقول:
-أنا مش قلقانه عليكِ أنا قلقانه عليه هو!
اشرئبت هيام برأسها عندما أبصرت محمد يقبل نحو بيتهم وافتر ثغرها بابتسامة واسعة فقد مر وقت دون أن يحدثها او تراه، وحين وقف محمد قبالة البيت رفع رأسه للأعلى ابتسم حين رأها فأطرقت بصرها بحياء ودلفت للغرفة تزامنًا مع دخول والدتها للغرفة وهي تقول:
-يلا عشان تقابلني العريس ده!
رفع يحيى رأسه وطالع وئام بقلق لكن ارتاحت نفسه وأطرق بصره مجددًا حين أقبلت هيام نحو والدتها وهي تعدل من ملابسها وتقول بمرح:
-يا مسهل الحال يارب.
ضحك رائد وشاركته وئام التي قالت:
-مينفعش تخلصنا من العريس ده هو كمان!
-الموضوع المره دي خارج إيدي.
لاح شبح ابتسامة على شفتي يحيى اختفي حين خرج رائد من الغرفة عندما سمع صوت محمد..
جلست وئام جوار عمرو وعامر الذي يتلو آيات القرآن ويصحح يحيى نطقه ونظره مصوب نحو الأرض وحين اقتنص نظرة نحوها أشاحت بصرها في سرعة واضطراب فقد كانت تنظر إليه مطمئنة أنه لن يرفع بصره، فحمحم يحيى ونكس رأسه وداخله يختلج، ولا يدرى لمَ شعر بالغضب فهب واقفًا…
★★★★★★
دلفت هيام للغرفة وبعد السلام جلست جوار والدها الذي قام ليترك المجال لها وللعريس بالحديث، كانت ترى محمد يقف أمام باب الغرفة وقبالة رائد الذي أخذه بعيدًا..
رفعت هيام بصرها ونظرت للعريس ثم شرعت في بكاء زائف، فقال الشاب:
-فيه إيه؟ بتعيطي ليه يا أنسه؟
-لا مؤاخذه يا أستاذ عريس أصل القعده دي فكرتني بحبيبي الأولاني…
-حبيبك الأولاني!!! هو إنتِ اتخطبتِ قبل كده؟
قالت بأعين متسعة:
-أيوه بس متقولش لحد من عيلتي هما مخبين عليك إني ارتبطت خمس مرات واتخطبت مره
لاذ الشاب بصمتٍ أطبق عليهما للحظات قبل أن تستأنف هيام:
-طلع حيـ…وان… تخيل يا أستاذ عريس يسيبني عشان… عشان….
وقفت الكلمات على طرف لسانها حين رأت محمد يقف أمام الغرفة وقد اقتنص نظرة نحوها ثم أطرق رأسه وكأن حزن الدنيا تجمع في عينيه فثقلت راسه فنكسها، أشاحت بصرها عنه وتلعثمت فسالها العريس:
-عشان إيه يا أنسه؟
انتبهت هيام ونظرت له قائلة:
-عشان……
نظرت مرة أخرى نحو باب الغرفة فلم تجد محمد لذا قررت أن تستأنف ما بدأته….
★★★★★★
رافقت نداء والدتها للسوق وبينما تشتري والدتها الفاكهة أبصرت نداء كافيه بالقرب تجلس به دعاء ومن الواضح أنها تنتظر شخصًا ما، ابتسمت نداء وأخذت تدنو منها وفجأة تصنمت مكانها وتلاشت ابتسامتها حين رأت دعاء تلوح لأحد ليقترب منها اخر شخص ظنت أن تكون دعاء في انتظاره، قالت نداء بصدمة:
-علي!!!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
توقفت نداء تتأمل انفعالتهما وتعبيرات وجههما؛ ابتسامة دعاء فور رؤيته، وكيف مدت يدها وصافحته بحرارة _توحي باستحالة أن يكون هذا أول لقاء لهما_ جلوسه قبالتها والإبتسامة التي لم تفارق محياه وأيضًا الحوار الذي لم تسمع منه شيء سوى حديث أعينهما وتحديقهما ببعضهما بلا رقابة!
عادت خطوتين بظهرها قبل أن تستدير وتهرول نحو لوالدتها…
-كنتِ فين؟ خدي شيلي معايا!
قالتها والدتها بضجر فنظرت لها نداء بشدوه ثم أومات ومدت يدها وحملت بعض الأكياس، وتبعتها في هدوء ظاهري يناقض الضجيج الذي يدوي بداخلها!
سارت وهي تشعر بغصة تتلوى بحلقها، لكم تجاهلت ذلك الشعور الذي أخذ يتسلل لقلبها مؤخرًا! إنه الإختناق بلا سبب يُذكر! وهناك شيء خفي يجثم فوق صدرها لا تدري ما مصدره لكنه يثقل يوم بعد يوم! حتى بلغ ذروته الآن، الآن تريد البكاء لتخفف ذلك العبئ الثقيل! لكن لتنتظر قليلًا ريثما تعود لغرفتها…
التفتت حولها لترى والدتها انشغلت بشراء الليمون، مدت يدها وأمسكت ثمرة ليمون وأخذت تقلبها بين يديها وتخاطبها بصوت هامس:
-تفتكري بتقابله ليه؟ وليه مقالتليش؟ تفتكري يعرفوا بعض من زمان!
كيف لم تلحظ تغير دعاء في أخر فترة، ومحاولتها الدائمة لتشويه صورة علي وتنفيرها منه، تريده لنفسها! انقشعت الغشاوة من أمام عينيها لتنجلب حقيقة دعاء أمام عينيها، أيعقل أن تكون صديقة سيئة! أخذت بعض الأفكار تجذبها يمينًا والأخرى تجذبها يسارًا….
-نداء!
انتبهت من أفكارها على صوت والدتها التي ابتعدت عنها عدة خطوات ولم تلحظ! فقد كانت تقلب الليمونه بين أصابعها شاردة فيها وكأنها تراى الأشياء فيها! وقد تحركت قدميها عدة خطوات دون إدراك فوقفت في منتصف الطريق، بينما يمر الناس من حولها متحاشين الإصطدام بها ويحدجونها بسخط، وفجأة تصاعدت أبواق عربة من خلفها، فأردفت والدتها بتبرم:
-إنتِ واقفه عندك تعملي إيه؟
-أ… أ… جايه…
قالتها متلعثمة بعد أن عادت لرشدها فعادت مسرعة لتضع ثمرة الليمون مكانها وهي تبتسم للبائعة بتصنع ثم هرولت لتتبع والدتها التي حركت رأسها باستنكار قائلة:
-قال وأنا اللي جيباكِ تساعديني وتشيلي معايا طلع إني لازم أخد بالي من حضرتك أصل أنا ماشيه مع عيله صغيره!!
قالت جملتها وسارت أمامها وتبعتها نداء وهي تلوذ بصمتها، بعدما التفتت خلفها لترى بهجة دعاء التي تضحك مع علي….
★★★★★★
وقف يحيى بينما ظلت وئام منكسة الرأس تفرك أصابعها بارتباك، فلا تدري لمَ نهض فجأة حين رآها تُطالعه! وكأنه لُدغ!
لا تعلم أنه يخشى أن يكون كالعاشقين هؤلاء أصحاب القلوب الفارغة الذين لم يتذوقوا حلاوة حب الله فبحثت قلوبهم عن غيره من البشر! فجعلوا لله أنداد يحبونهم كحب الله والعياذ بالله.
لابد أن يستعفف طلما أنه لن يستطيع نكاحها وجعل عشقه مباحًا، جال في رأسه صوت والده: «يا يحيى خذ الكتاب بقوة».
اتخذ قراره وكان سيغادر! لولا دخول شيرين ومعها كوب من العصير وضعته على الطاولة وهي تقول:
-إنت وقفت ليه يا يحيى؟
-هو… هو فين رائد؟
قالها بارتباك، فردت شيرين:
-رائد طلع عند رامي مع صاحبه وجاي حالًا.
ازدرد لعابه وتنحنح ثم قال في اضطراب:
-طيب أنا… أنا…
-أنا حفظت يا شيخ، أسمع؟
قالها عمرو رافعًا رأسه عن مصحفه، ومقاطعًا إياه، حاول يحيى أن يهدأ من روعه ويتمالك نفسه، فابتسم بتصنع وهو يداعب شعر الصغير ثم جلس قائلًا:
-سمع يا شيخ عمرو.
غضن عامر حاجبيه وهو يقول:
-مش لما أخلص أنا الأول يا شيخ؟!
-طيب أسيبكوا أنا بقا تسمعوا…
قالتها شيرين وهمت أن تخرج تزامنًا مع سؤال عمرو:
-هو إنت مجبتش آدم معاك النهارده ليه يا شيخ؟
وعلى ذكر اسم آدم تذكر يحيى الديك الذي تناسى أن يحضره، فنظر ناحية شيرين التي وصلت عند باب الحجرة وقال:
-طنط لحظه واحده كنت عايز أقول لحضرتك حاجه مهمه!
دلفت للحجرة مجددًا وهي تقول بفضول:
-خير إن شاء الله؟
أخذ يحيى نفسًا عميقًا وأشار بسبابته لعمرو وعامر وهو يقول:
-الإتنين دول إدوا لـ آدم ديك صغير من عندكم…
-ديك!! من عندنا إحنا؟
قالتها شيرين بصدمة مغلفة بالتعجب فقد اشترت الدجاج قبل إسبوع واحد لتربيته والإستنفاع به.
جحظت عيني عمرو وركض لخارج الغرفة فزعًا، أما عامر فالتقطته والدته قبل أن يهرب، فرفع سبابته وقال بهلع:
-طيب وحياة سيدك البلبولي عمرو اللي عمل كده وأنا عامر مش عمرو…
-سيدي البلبولي!!! إنتوا اديتوله ديك البرابر!
قالتها شيرين هادرةً بينما كبح يحيى ضحكاته واكتفى بإبتسامة صغيرة سرعان ما إزالها عن مُحياه وضـ ـرب عامر بخفة على رأسه مرددًا:
-سيدك البلبولي! من حلف بغير الله فقد أشرك يا شيخ عامر والكفارة قول لا إله إلا الله…
حدق به عمرو في وجوم ونظراته تتحدث أهذا وقت مثل ذلك الحديث! فهو الأن على حافة العقاب الاذع!
كانت والدته تجذبه من ملابسه قابضة عليه كاللص بينما مسد يحيى على رأسه مردفًا بابتسامة:
-ردد يلا يا بطل لا إله إلا الله.
طالع عامر والدته التي تُطالعه بنظرات لا تبشر بخير وقال بخوف:
-حاضر يا شيخ هنطق الشهادة… أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله…
ازدرد عامر ريقه وهو يطالع والدته التي لم تتبدل نظراتها قائلًا:
-أنا بقول إنتِ كمان توحدي الله وتهدى يا ماما وأنا هروح أنادي عمرو عشان تاخدي حقك منه…
-أنا تعبت وجبت أخري من شقاوتكم دي!
قالتها شيرين بأسى بينما فلت عامر من قبضتها وركض للخارج وتبعته والدته التي تصر على أسنانها في غيظ وتناديه.
كبحت وئام ضحكاتها فقد جذبها الحوار خارج دائرة تساؤلاتها وحيرتها! كان يحيى يضحك بخفوت وهو ينظر لأثرهما وعندما انتبه لوئام تنفس الصعداء وهو يشيح وجهه عنها فقد عادت إليه مخاوفه، تلاشت ابتسامته شيء فشيء وقبل أن ينبس بكلمة قالت وئام:
-أنا ممكن أسمع على ما يجوا!
نظر يحيى لباب الغرفة المفتوح وجلس على مقعد قبالته مباشرة ثم قال باقتضاب:
-اتفضلي أنا سامعك…
أخذت تسرد عليه ما حفظته ورغم حفظها الجيد إلا أنها تعثرت أكثر من مره، فهز يحيى رأسه يمنة ويسرة وقال:
-لا مش هينفع كده راجعي تاني.
-والله كنت حافظه كويس لكن….
-مش مشكله راجعي تاني.
فتحت مصحفها وأخذت تقرأ مجددًا بينما رمقها يحيى بطرف خفي ثم أشاح وجهه للجهة الأخرى وأطلق تنهيدة طويلة قبل أن يفتح مصحفه هو الأخر وينظر به ثم أغلق عينه وأخذ يستغفر الله…
وبعد فترة من الصمت ارتفع صوت شيرين:
-أنا هلاقيها من الكبار ولا من الصغيرين أنا تعبت والله تعبت…
-دي باين خناقه!!
قالتها وئام وهرولت للخارج بينما لم يُحرك يحيى ساكنًا وظل مطرقًا رأسه لأسفل، فرمقته وئام بسخط قبل أن تغادر فهي تحاول جذبه إليها لكنه يعاملها بجمود شديد لا تعلم أنه يستعفف…
من ناحية أخرى وقفت هيام قبالة والدتها وقالت:
-يا ماما أنا عمري ما هوافق عليه ده شكله أصلًا غلط!
-غلط إزاي يعني؟
-يعني مفيش قبول و… و…
قاطعتها شيرين هادرةً:
-تقومي تقوليله معندناش بنات للجواز!
-كداب… شوفتي أهوه طلع كداب من أولها أنا قولتله أن لا أصلُح للجواز!
أردفت بتهكم:
-وبعدين دا شعره ناعم ومسبسب وأنا مبحبش الشعر الناعم!
أومأت وئام بالإيجاب مرددة:
-فعلًا سبب مقنع جدًا يا ماما أنا كمان مبحبش الشعر الناعم…
خرج يحيى للشرفة بعدما سمع جملة وئام، مسح على شعره الناعم وهو يردد بسخرية:
– ماله الشعر الناعم؟
هز رأسه مستنكرًا ثم أخرج هاتفه ليطلب رقم رائد وسرعان ما تذكر أن هاتف رائد سُرق، نفخ متضجرًا من رائد الذي تركه هكذا وأخذ يتخيل نفسه وهو يزجره ويوبخه فكيف يتركه هكذا!!
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
رغم محاولات رامي لم تخرج من غرفتها ولم تحدثه ولكن عندما سمعت صوت محمد فتحت الباب قليلًا وأرهفت السمع فقد سرد على مسمع رامي كل الحكاية وانتهى بجملة:
-وريم معرفتش إني أخوها إلا من فترة بسيطه.
-أنا بحاول أصالحها وهي اللي مش مدياني وش!
-معلش يا رامي حاول تاني وتالت الامام علي قال إيه؟! واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب…
ابتسم رامي وقال:
-خلاص يا سيدي إنت كلمها كده وحنن قلبها عليا وصالحنا على بعض والجميل ده مش هنساهولك طول عمري.
أومأ محمد قائلًا بابتسامة:
-ماشي يابن عمي…
تلاشت ابتسامته فقد ذكرته بهيام لكنه طرد الأفكار من رأسه سريعًا فلمَ يفكر بها؟!
ربت رائد على فخذ محمد وقال:
– هسيبك بقا تصالحهم وهنزل عشان معايا صاحبي تحت… يلا بالتوفيق..
قالها رائد ثم نهض واقفًا وانصرف بينما دخل رامي لينادي ريم التي خرجت مسرعة وعانقت محمد فور رؤيته فشعر رامي ببعض الغيرة وطفق يقنع نفسه بأنه أخوها عله يهدأ غيرته، قال رامي بتلعثم:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-طيب هروح أجيبلنا حاجه نشربها.
دلف رامي للمطبخ بينما أجلس محمد ريم جواره وقال:
-إيه اللي حصل يا ريمو؟
ابتسمت ريم قائلة:
-متقلقش كل حاجه هتتصلح…
-أتمنى والله يا ريم… جوزك راجل محترم ومحترم جدًا وبيحبك إوعي تخسريه… فاهمه؟
قال أخر كلمة رافعًا سبابته في وجهها كأنه يُحذرها، فقالت بابتسامة:
-فاهمه… وشكرًا إنك جيت…
-أنا أقدر أتأخر على المسكر!
اتسعت ابتسامة ريم وكذلك رامي الذي كان يسمع حوارهما، وهو يقف خلف الحائط حاملًا أكواب العصير قبل أن يدخل للغرفة، فنهض محمد وهو يقول:
-لأ العصير ده تشربوه انتوا أنا نازل أتغدى عند عمي…
وقبل أن يعترض أحدهما أردف:
-هسيبكم تتصافوا وان شاء الله ليا عزومه كبيره عندكم والسفره يكون عليها ما لذ طاب…
اتجه صوب الباب وفتحه رغم إصرار رامي أن يمكث فترة أخرى فقال رامي بقلة حيلة:
-نورتنا يا محمد وأنا سعيد بمعرفتك.
-أنا اللي محظوظ إن يكون ليا إخوات قمر كده ومسكرين….
قالها محمد غامزًا بعينيه فضحك الثلاثة قبل أن ينصرف محمد وينزل معه رامي.
تنهدت ريم بارتياح بعدما اتضح كل شيء، ابتسمت وحمدت ربها وقبل أن تتحرك من مكانها دلف رامي للبيت، فهمت أن ترحل من أمامه لولا أنه جذبها من ذراعها فطالعته بعتاب دون أن تنبس بحرف، قال بندم:
-أنا آسف أرجوكِ سامحيني… والله يا ريم والله ما كنت في وعيي… مش عارف الواد يونس حطلي حاجه في العصير ولا إيه اللي حصلي!
طالعته بصمت، فمسك كلتا يديها وقال باستعطاف:
-هتسامحيني؟
-إنت شكيت فيا يا رامي.
-كنت مغفلٌ.
قالها بابتسامة، فقالت ريم بانفعال:
-إنت مدتليش فرصه يا رامي أفهمك… و… وكمان اللي عملته مكنش سهل عليا…
-ما خلاص بقا يلا نقفل على القديم ونبدأ صفحه جديدة.
جلست على الأريكة وقد لاذت بالصمت فاستطرد:
-ها…. جاهزه تعيشي في إيطاليا؟ هنسافر الإسبوع الجاي…
نظرت له بطرف عينها ولم تعقب فقال:
-أنا آسف والله… والله آسف وندمان.
تركت ريم المكان ودلفت غرفتها فأطلق رامي تنهيدة طويلة وقال:
-شكلك هتتعبيني يا ريم! بس عندك حق..
استغفروا♥️
★★★★★
-يحيى دا يا بقا يا محمد صاحبي الوحيد اللي طلعت بيه من الدنيا.
-كان نفسي يبقا ليه صديق بس للاسف مليش رزق… ليا زمايل كتير أوي بس علاقتنا سطحيه.
قالها محمد بنبرة حزينة، فأشار رائد ليحيى وهو يقول:
-فعلًا الأصدقاء دول رزق وأنا رزقي في ده…
يحيى رافعًا إحدى حاجبيه:
-شوف مهما تقول برده زعلان منك عشان تسيبني لوحدي وتمشي من غير احم ولا دستور…
رائد بنفاذ صبر:
-ما خلاص بقا يا يحيى… ياخي بوست دماغك أعملك إيه تاني.
ظل رائد يداعب يحيى حتى عاد يضحك، فقال محمد:
-بقولك ايه يا رائد متجيبلي أتغدى ولا معندكوش أكل!
-الصراحه معندناش دا إحنا الفار بيدخل بيتنا بيطلع رابط بطنه من الجوع…
ضحك ثلاثتهم فطُرق باب الغرفة، ربت رائد على كتف محمد قائلًا:
-أهو الأكل وصل يا سيدي…
قالت وئام لاهثة وبخفوت:
-بابا بيتخانق مع هيام.
التفت رائد لمحمد ويحيى وقال:
-طيب ثواني وجاي يا شباب.
ارتفع صوت المشـ ـاحنة فقال محمد:
-سامع صوت خناقه بره؟
-أكيد عشان العريس اللي هيام طردته.
حك محمد عنقه وهو يسأل:
-هي هيام طردت العريس؟
قال يحيى بضحك:
-أيوه بتقولك شعره ناعم ومسبسب وهي مبتحبش كده.
ضحكا وخيم عليهما الصمت هنيهة ثم باغته محمد بسؤال:
-يحيى إنت عمرك حبيت؟ يعني قصدي…
فهم يحيى ما يعتمل بصدره فقاطعه بابتسامة:
-الحب أول ما يكون لجاجة ** تأتي به وتسوقه الأقدارُ
حتى إذا اقتحم الفتى لججَ الهوى ** جاءت أمورٌ لا تُطاق كبار.
محمد بابتسامة:
-لأ مش فاهم قوله تاني يمكن أفهم!
أخذ يحيى يكرر الأبيات ثم شرع بتفسرها بقوله:
-من الأخر الحب ده مرض ومن أصعب الأمراض النفسية يعني في الأول تقدر تلحق نفسك لأن لو ملحقتش نفسك هتضيع…
تنهد يحيى وطالع الأفق أمامه مستطردًا:
– وأنا كل ما أحس ببداية أعراض المرض ده باخد علاجي وبلحق نفسي.
-أيوه إيه بقا العلاج… يعني ألحق نفسي ازاي الله يكرمك!
اتسعت ابتسامة يحيى وأكمل:
-غض بصرك واتحكم في تفكيرك واشغل نفسك فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل والعياذ بالله.
أردف:
-وعلى فكره فيه حاجه فوق دا كله ممكن تعملها؟
نظر له محمد بن قبل فأردف:
-انجذبت ليها يبقا تتجوزها ويبقى الحب حلال…
قالها يحيى ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة مهزومة، بينما ردد محمد تلك الكلمة بتفكير:
-أتجوزها!
شرد كل منهما في نقطة ما إلى أن أثار انتباهها هيام التي خرجت من البيت مهرولة وهي تبكي وتبعتها وئام ثم رائد الذي أخذ يجذبها لتدخل للبيت وهو يُحايلها لكنها أفلتت يدها منه، فقال وهو يصر على أسنانه:
-أدخلي يا هيام متفرجيش الناس علينا.
-مش هدخل يا أبيه… بابا ضربني!
-عشان إنتِ غلطانه.
ارتشفت دموعها ونكست رأسها لأسفل فقالت وئام:
-إحنا هنتمشى شويه أنا وهي على ما بابا يخلص تأديب عمرو وعامر وروح إنت عشان أصحابك.
رفع رائد رأسه لأعلى فرأى محمد ويحيى ينظران إليه، فعاد يُطالع هيام وهو يضم وجهها بين كفيه:
-روقي كده متبقيش غلطانه وبجحه!
أشاحت هيام رأسها في وجوم فتأبطت وئام ذراعها وسارتا بينما وقف رائد ينظر لأثرهما لوهلة قبل أن يدخل للبيت…
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين.
★★★★★
إسبوع كامل مر برتابة لم يحدث سوى تحسن طفيف في علاقة رامي وريم والتي قررت أن تسامحه فهما سيسافران بالغد وقد عاقبته بما يكفي ولن ترضى الخراب لبيتها عند أول عائق يقابلها، فيجب عليها أن تتجاوز ما حدث لتستمر الحياة…
*****
طال صمت رائد ولم يأخذ خطوة نحو نداء فقررت هي التعافي من ذلك الداء الذي أصاب روحه، فهذا ليس جبًا بل مجرد إعجاب، والحب لا يأتي بتلك الطريقه! وقد تكون تحت تأثير الهوى، فالهوى خادع يخدر العقل ويُعمي القلب، وقد ران على قلبها؛ فلا وقت لذلك الحديث التافه الذي لا ينفك الناس عن ترديده والوله به! قررت الإستيقاظ من غفلتها ومن وهم دلفت إليه نتيجة خطأ اقترفته.
قررت التركيز على هدفها الأول وهو البحث عن عمل لتساعد نادر فينبغي أن يعود لدروس التخاطب في أسرع وقت فوالديها لا يعطيانه إهتمام وتشعر أنه من مسؤلياتها، كما أنها نظمت وقتها وشرعت في البحث والتنقيب عن طرق الغذاء الصحي لتكتب عنه في روايتها الأولى التي استأنفت كتابتها مؤخرًا…
وضعت لنفسها هدفًا جديدًا ستسعى وراءه وتشغل جُل وقتها لتنسى هذا الهُيام الذي لا يجلب لها سوى الإرهاق النفسي والبدني.
بعد عتمة الليل ونوم عميق انتبه سمعها على صوت العصفورة وتلقائيًا فتحت جفونها، فمذ أن بدأت تضع الخبز الجاف والمياه في نافذتها كل ليلة وتلك العصفورة توقظها بتلك الطريقة وفي نفس الميعاد…
وثبت من فراشها بعد أن ذكرت الله واتجهت صوب مكتبها لترتب مهام يومها، تنفست بعمق وهي تبدأ يومها بتذكر نعم الله عليها كما اعتادت أن تفعل كل صباح كتمرين لطرد التعاسة والحزن؛ فوالديها بصحة جيدة ونادر أيضًا، أما هي فسمع وتبصر وتدرك وتمشي وتعقل، رددت:
-اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
ثم خرجت من غرفتها وهي في قمة الرضا والراحة النفسية…
كان والدها يتناول فطوره فحيته وقبل أن تدخل للمرحاض أوقفها صوته:
-كنت عايز الأيفون بتاعك يا نداء على ما أشتري أيفون غير اللي مش عارف اتسرق إزاي ده!
قالت بابتسامة راضية:
-حاضر يا بابا…
-يحضرلك الخير يا مطيعه يا غاليه.
ابتسمت وهي ترمق والدها بحب فقد باتت تلتمس له الأعذار وحتى وإن كان به جانب سيء فسيظل والدها وسيظل عليها بره مهما حدث فلن تسمع للشيطان بالتسلل لها من أي موطن ضعف.
وحين خرجت من المرحاض خاطبتها والدتها:
-يلا يا نداء اقعدي افطري.
-لأ يا ماما مليش نفس و…
-يا بنتي الفطار ده أهم وجبه في اليوم!
حان وقت المجادلة اليومية بتوقيت القاهرة، قالت نداء ساخرة:
-مين اللي قال كده؟ على فكره بقا الأفضل مناكلش أول ما نصحى من النوم ليه بقا؟
انتبه لها والديها فاسترسلت:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-لأن الجسم في الوقت ده بيبدأ يتخلص من السموم الي فيه فاحنا نشرب مايه ونتحرك نص ساعه كده وبعدين نفطر، وكمان في حاجه اسمها الصيام المتقطع ١٤ ساعه للسيدات و١٦ ساعه للرجاله من غير أكل هيساعد في التخلص من الكرش ده…
قالت أخر كلمة بابتسامة عابثة وهي تشير نحو بطن والديها بسخرية فقال والدها بضحك:
-لأ كله إلا الكرش… دا الكرش ده عز يابنتي.
-يا بابا جسم الكمثرى ده غلط على صحتك إنت محتاج تخس… أنا ممكن أساعدك…
طالعها والدها لبرهة بينما يلوك الطعام في فمة فعقبت والدتها بعد أن رمقتها بسخرية:
-سيبك منها كل الطهميه دي هلوه وبسمسم.
-دا إنت اللي هلوه وبسمسم.
قالها رشدي غامزًا بعينه فاتسعت ابتسامة دينا بخجل بينما ضحكت نداء ودخلت غرفتها وهي تهز رأسها باستنكار.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
بقلم آيه شاكر
★★★★
وعلى مر الأسبوع كان يحيى يتهرب من حضور الدروس ببيت رائد بل ابتعد عنه وقلل من محادثته عبر الهاتف، فشعر رائد بتغير صديقه المباغت لذا لم يتردد بالذهاب إلي بيته…
ارتشف رائد من العصير بينما يُطالع يحيى بنظرات متفحصة لأنه يختلق الأعذار والتي لم تنطلي عليه، فقال:
-بقولك إيه يا يحيى متجيب من الأخر! مبقتش تيجي الدروس ليه؟
تنحنح يحيى ثم أخذ يسعل بتصنع وهو يفكر في عذر مقنع، ورائد يُطالعه مغضنًا حاجبيه، فحاول يحيى مصارحته:
-ربنا سبحانه وتعالى قال: «وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله» وأنا….
قاطعه نقرات على باب الغرفة ثم دلوف والدته حاملةً بيدها وعاء يحوي ملابس مغسولة، فوثب يحيى وأخذه من يدها وهو يقول:
-إيه يا أمي بتتعبي نفسك ليه أنا كنت هعملهم.
-إوعي كده يا يحيى أنا أصلًا زعلانه منك.
تنفس يحيى بعمق فلابد أن أثر حوارهم بالليلة الماضية مازال عالقًا برأسها، قال رائد:
-ليه بس يا حجه مزعلك ليه الواد ده؟
جلست السيدة على إحدى المقاعد وخاطبت رائد:
-يرضيك يا رائد مش راضي يتجوز ويفرحني بيه.
أردفت بأسى:
-نفسي افرح بيه وأشوف عياله قبل ما أموت…
-بعد الشر عليك يا أمي… وبعدين يا أمي يا حبيبتي مين اللي هيرضى إن بنته تعيش في شقه واحده مع حماها وحماتها! ومين أصلًا البنت اللي هتوافق على كده!
قالها يحيى، فعقبت والدته:
-والله بنات الأصول كتير بس إنت اللي معقد الدنيا.
نهضت السيدة وحملت الملابس متجهة للشرفة وهي تغمغم:
-قوله حاجه يا رائد يمكن يسمع منك.
-حاضر هقنعهولك بس ليا الحلاوة.
قالها رائد بمرح قبل أن ينهض وهو يخاطبه:
-قوم اتمشى معايا ونتكلم في الطريق عشان باقي على شغلي نص ساعه.
استأذن يحيى من والدته وخرج مع صديقه…
ظل رائد يحدثه بينما يستمع دون تعقيب حتى قال رائد:
-طيب واللي يجيبلك عروسه توافق عليك وبظروفك.
ابتسم يحيى بسخرية وقال:
-بلاش احراج يا رائد يعني إنت تقبل لأختك الوضع ده واحد ملهوش مصدر دخل ثابت ولا حتى عنده شقة.
-يا سيدي ربنا قادر يبدل حالك بين يوم وليلة وإحنا بنشتري راجل دا كفايه إنك حامل لكتاب الله فأكيد ربنا مش هيضيعك…
أطبق عليهما الصمت فقطعه رائد قائلًا:
-هااا أخدلك ميعاد من بابا!
اختلج قلب يحيى وتوقف عن السير فجذبه رائد من يده ليُكمل السير وهو يقول:
-اديني يومين اتنين على ما رامي يسافر وهكلملك بابا وأخليك تتكلم معاها….
-أتكلم مـ… مع مين؟
رائد متخابثًا:
-مع العروسه… هيام… ولا بلاش هيام دي لسه مطفشه عريس الإسبوع اللي فات يلا زي بعضه خليها وئام…
على نحوٍ أخر
ظلت نداء تدور في الطرقات بحثًا عن عمل يناسبها فجذب انتباهها دعاء التي تجلس قبالة علي في مقهى مجاور، ابتسمت نداء بسخرية وأقبلت نحوهما فالآن تريد مواجهتها! وحين رأتها دعاء ابتلعت ريقها بتوجس بينما كان علي يشعل سيجارة وهو يقول:
-يعني إنتِ عايزه تقنعيني إن نداء شمال! طيب ما إنتِ صاحبتها ولو هي شمال تبقي زيها!
تلعثمت دعاء وهي تُطالع نداء بينما تهدر بعلي:
-إنت إيه اللي بتقوله ده!!
سمعت نداء جملة علي فأطلقت ضحكة كالزفرة وقالت:
-ازيك يا دودو مبقتش أشوفك ليه يا بنتي! مشغوله عني!
قالت أخر كلمتين وهو تضغط عليهما وترمق علي؛ الذي نهض واقفًا وألقى السيجارة من يده وهو يقول بقلق:
-نداء خليني أفهمك!
-ملهوش داعي.
قالتها نداء بجمود وانصرفت، فنفخت دعاء بضجر وهرول علي خلف نداء يناديها ولا تستجيب لنداءه، تزامنًا مع مرور رائد جوار المقهى وقوله ليحيى:
-أنا قررت أتقدم لـ نداء بعد ما رامي يسافر علطول…
أثار انتباههما صوت علي فالتفت رائد خلفه ليرى علي يركض خلف نداء، فزم جفونه لبرهة وأطلق ساقيه نحوهما…
التفتت نداء وقالت بصرامة:
-لو سمحت عيب كده متمشيش ورايا!
-أنا عايزك تسمعيني اديني فرصه أشرحلك…
قالها وهو يبتلع ريقه بتوجس فظهر رائد من خلفه وقال وهو يصر على أسنانه:
-إزيك يا علي إيه الصدفه دي!
رمقه علي في سرعة وقال بتلعثم:
-إزيك يا باشا…
طالع رائد نداء وقال:
-ازيك يا نداء… الجماعه أخبارهم إيه وعمي رشدي…
-الحمد لله…
قالتها باقتضاب فبدل علي نظره بينهما واستأذنهم وانصرف، فقال رائد ومازال نظره عالقًا على علي الراحل:
– إنتِ رايحه فين؟
كانت ستجيبه لولا أنها تذكرت أن وئام أخبرتها أن مركز التخاطب الذي يعمل به رائد يحتاج لمدرس جديد، وهي تُجيد لغة الإشارة فقد كانت تتهرب من تلك الوظيفة لكن بعد بحثها لأيام لم تجد عمل مناسب خلالها قررت التقدم لتلك الوظيفة الشاغرة، نطقت:
-هو أنا ينفع أشتغل في مركز التخاطب اللي بتشتغل فيه!
صمت هنيهة ثم قال:
-ابعتِ لي CV بتاعك…
مدت يدها ببعض الأوراق وقالت:
-اتفضل…
قرأ ما به في سرعة وقال برتابة:
-تمام… امشي بقا ورايا لحد ما نوصل المركز…
عاد رائد ليحيى واستأذنه وتبعت نداء خطوات رائد حتى وصلا للمكان فدخل رائد لإحدى الغرف وجلست على إحدى المقاعد تنتظره وبعد فترة خرج فنهضت أقبل نحوها، وقال:
-هتبدئي الشغل من النهارده ومدام أمنيه هتفهمك كل حاجه…
قالها وهو يشير نحو سيده قد تجاوزت عامها الثلاثين وبشوشة الوجه، طالعتها نداء وأومأت رأسها قائلة:
-تمام شكرًا….
ثم أقبلت نحو السيدة التي شرعت في تدريبها…
استغفروا♥️
★★★★
جلست هيام تحيك الملابس للدمية كعادتها وأخذت تسأل والدتها هل أعجبها تصميم الثياب، فقالت شيرين بنزق:
-روحي نظفي البيت بطلي تفاهه… زمان عمتك جايه تسلم على أخوكي.
-وئام بتنظف.
دوى جرس الباب فقالت شيرين:
-طيب روحي افتحي الباب.
فتحت الباب حيث تقف رغدة، قالت هيام بتلعثم:
-اتفضلي يا رغده…
حمحمت رغدة بخفوت وقالت بوداعة:
-كنت جايه أسلم على ريم عشان عندي شغل طول اليوم… هي فوق؟
أومأت هيام قائلة:
-أيوه تعالي هطلع معاكِ…
-طيب قبل ما نطلع ممكن أسلم على طنط شيرين ووئام!
تعجبت هيام من طلبها وشعرب ببعض التوجس، لكن نادت والدتها ووئام، سلمن رغدة على شيرين وقالت:
-ممكن تسامحيني؟
قالت شيرين ببعض التوتر:
-على إيه يبنتي؟
رغده وهي تكاد تبكي:
-سامحيني وبس.
-إنتِ زي بناتي يا حبيبتي أنا مش زعلانه منك عشان أسامحك.
عانقتها رغدة مجددًا وسط تعجب وئام وهيام، طالعت رغدة وئام وقالت بابتسامة:
-ازيك يا وئام؟
ردت باقتضاب:
-كويسه…
-لسه زعلانه مني برده؟
أردفت:
-يا بنتي إحنا اخوات ياريت متزعليش منا دا احنا لسه هنتخانق كتير…
لم تعقب وئام واكتفت بابتسامة سمجة، فقالت رغدة:
-طيب أنا هطلع لريم بقا.
صعدت هيام معها بينما قالت وئام لوالدتها:
-البنت دي مش سالكه! حاسه إنها بتخطط لحاجه؟
-ربما يهديها لنفسها…
*****
وبعدما سلمت رغدة على أختها وعانقتها بحبور خرجت من عندها لتصطدم بمحمد الذي نظر لها مطولًا ثم ألقى السلام فردته وسألت:
-أنا حاسه إني أعرفك شكلك مألوف أوي.
-أنا صاحب رامي.
قالها محمد متلعثمًا بابتسامة، فابتسمت رغدة وقالت:
-فرصه سعيده…
نزلت الدرج وظل محمد يتابعها حتى اختفت فقالت ريم:
– دي رغدة كانت بتسلم عليا…
أردفت بعد أندخل محمد وأغلقت الباب:
– مش عارفه مالها متغيره كده فيها حاجه غريبه…
-ربنا يهديها…
قالها محمد وشرد قليلًا…
★★★★
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-اقعد يا نادر بقا خليني أخلص الشغل اللي في إيدي.
أخذ نادر يشد من مئزر والده ويحدثه بالإشارة فطالعه والده لبرهة وقال بضجر:
-مش فاهم عاوز ايه!!
أخذ نادر يشرح له أنه يريد الذهاب لنداء، فدفعه رشدي مغمغمًا بسخط ثم عاد وجذبه من يده لمقعد بعيد وأعطاه الهرة البيضاء قائلًا:
-اقعد هنا العب معاها.
ظل نادر يُطالع الأفق أمامه بتجهم والقطة تقبع بين يديه ثم نهض واقفًا وطفق يُطالع الطريق يمنة ويسرة قبل أن يغادر المكان وهو يحمل الهرة بين يديه…
سار مسافة طويلة ثم ركب سيارة أجرة ودفع من النقود الذي يحمله بجيبه وبعد مسافة ارتجل من السيارة.
سار مسافة طويلة وهو يتحاشي الإصطدام بالسيارات وفجأة توقف يتطلع للطريق لوهلة ثم بكى بعدما وجد نفسه ضالًا في منطقة لا يعرف كنهها، ظل يتجول وهو يتلفت حوله في اضطراب ويشهق باكيًا وبعد مسافة قطعها باكيًا هم أن يقطع الطريق فباغتته سيارة تقبل نحوه في سرعة تصنم مكانه وجحظت عيناه منتظرًا نهايته!
إلى أن ارتطم الطفل بالأرض وتوقفت السيارة لبرهة قبل أن تذر الطفل طريحًا وتنصرف في سرعة…
-إنت مشيت ليه لازم ناخده مستشفى حالًا!
قالتها رغدة هادرةً، فقال يونس:
-مستشفى إيه! إنتِ اتجننتِ؟
-منك لله الواد هيمـ ـوت.
-ما يمـ ـوت هو كان من بقية أهلك…
قالها بابتسامة ساخرة فقالت رغدة:
-إنت قلبك حجر… نزلني هنا.
لم يلبِ ما طلبت فهدرت به:
-بقولك نزلني هنا…
-اسكتي بقا اسكتي…
-نزلنــــي…
-مش هتنزلي واخرسي بقا.
ظلت تصرخ به وهو يتجاهلها مكملًا السير…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام
★★★★★
وبعد انتهاء ساعات التدريب عادت نداء لبيتها وهي ترفرف بجناحيها فرحًا، الآن ستستطيع تعليم نادر بنفسها، ظلت تحمد الله أثناء الطريق حتى وصلت بيتها، تجهم وجهها حين رأت علي بالمحل وصعدت شقتها بعد أن رمقته بغيظ ولم يحرك ساكنًا بل انشغل بعمله وتركها…
أخذت تنادي والدها ووالدتها فلم يجبها أحد، جلست قليلًا فحتى هاتفها بحوزة والدها ماذا ستفعل؟ أتخرج وتسأل علي أو تسأل جيرانها!! أخذت قرارها ونزلت لتسأل جارتها والتي فور رؤيتها سألتها:
-تعالي يا حبيبتي لقيتوا نادر ولا لسه؟
-نادر!!! لقيناه ازاي هو ضايع!!!
-أيوه أبوكي وأمك بيدوروا عليه من الصبح يارب يلاقوه يارب… ربنا يلطف بيهم…
اختلج جسدها وهبت واقفة والأفكار تضـ ـرب رأسها بعـ ـنف كيف اختفى؟ هل خُطـ ـف! هل مـ ـات! أيعقل ألا تراه مرة ثانية؟ كانت كل خلية بداخلها تهتف باسمه «نادر».
ظلت جارتها تتحدث وهي لا تسمع كلماتها خرجت من بيتها مسرعة أخذت تدور في الطرقات تنظر للمارة وتتفرس وجوه الأطفال عله تجده، وانتهى بها السير عند بيت دياب بينما بيته يعج بأفراد عائلته لتشيع ريم ورامي، دقت نداء جرس الباب ففتحت لها ريمان التي خاطبتها ببرود:
-ازيك؟
تجاهلت نداء سؤالها وقالت:
-فين طنط شيرين؟
تفحصت ريمان ملامحها المضطربة وأفسحت لها الطريق قائلة:
-اتفضلي هناديهالك…
كانت تحبس دموعها وهي في حالة من الشدوه، رأتها وئام فأقبلت نحوها وضمتها وكأنها مع تلك الضمة ضغطت زر دموعها فأخذت تبكي وتشهق وانتبه لها الجميع وهي تردد بأنفاس سريعة وأحرف متقطعة:
-نـ ا د ر…
وبعد فترة كان رائد يسير في الطرقات ومعه وئام ونداء ويحيى يحدث والد نداء بين حين وأخر فيخبره أنه مازال يبحث في شوارع المدينه فيكمل رائد بحثه وتفرق كل في جهة وئام ونداء في جهة ويحيى في جهة ورائد في جهة أخرى…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★
حل المساء وشيعهما الجميع وأوصلهما دياب وضياء ومحمد للمطار لوحت لهم ريم بدموع وهي تتأبط ذراع زوجها الذي ربت على ظهر يدها بحنو قبل أن يختفيا عن مد بصرهم…
وعند العودة صدع هاتف ضياء بالرنين وبعد السلام قال الطرف الأخر:
-حضرتك والد رغدة ضياء العقيد؟
-أيوه مع معايا؟
-مع حضرتك النقيب كرم عبد الله، ممكن تيجي حالًا قسم الشرطة مركز***
أجفل ضياء واعتدل في جلسته وهو يقول بقلق:
-خير يا فندم؟
-لما تيجي هتعرف إن شاء الله…
أغلق ضياء الهاتف وهو يزدرد ريقه بفزع فسأله محمد الذي كان يقود السيارة:
-فيه إيه يا بابا؟
ضياء بقلق:
-مش عارف يا محمد ربنا يستر… اطلع بينا على مركز***
-في إيه يا ضياء؟!
قالها دياب حين لاحظ وجه أخيه المتوتر، فأخذ ضياء يسرد عليهم ما قاله الضابط….
******
وبعد فترة وصلوا لقسم الشرطة حياهم الضابط وأطرق رأسه للحظة فلا يعلم كيف يخبرهم بالأمر، نهض واقفًا وقال:
-اتفضلوا معايا…
تتبعوا الضابط بينما ارتسم الهلع على وجوههم وسأل دياب بقلب يختلج:
-خير يا حضرة الظابط؟
أطلق الضابط تنهيدة طويلة وقال:
-انا مش عارف أقولكم إيه!! بس… بنتكوا عملت حادثة! وهي في مستشفى ***
وقع قلب ضياء في أخمص قدميه وارتسمت الصدمة على وجهي دياب ومحمد الذي قال بلهفة:
-حادثة إيه!!! طيب هي كويسه؟
تلعثم الضابط وهو يقول:
-هنروح دلوقتي ونشوف الحاله…
ركبوا سيارة الشرطة وسرعان ما وصلوا لإحدى المستشفيات كانوا يتبعون الضابط داعين الله أن تكون بخير، وأثناء الطريق أتى الضابط اتصال وكان يرد باقتضاب وأخر كلمة قالها:
-أنا جاي مع أهلها دلوقتي…
دلفوا لطرقة المستشفى وبينما يسيرون جوار الضابط حاول انتقاء كلماته فلم يرد اخبارهم بالأمر دفعة واحدة، قال:
-بصوا يا جماعه هي حالتها كانت صعبه شويه.
توقف الضابط أمام قسم المشرحة وتنحنح باضطراب وهم يطالعونه بترقب، وينظرون نحو لافتة القسم، استأنف الضابط بنبرة خافتة:
-البقاء لله…
دكت الصدمة قلوبهم وخارت قوى ضياء فسنده دياب يشد عضده، بينما قال محمد بصدمة:
-رغدة مـ ـاتت!
تنفس الضابط الصعداء وربت على كتف محمد قائلًا:
-ياريت تتماسكوا عشان تتعرفوا على الجثة لأنها مش حادثة عاديه دي جـ ـريمة قتـ ـل…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-قـ… قـ ـتـ ـل!!!!!
قالها دياب بصدمة وعيناه تتذبذبان وجسده يختلج فأطرق الضابط لبرهة بعد أن أومأ رأسه وهو يزم فمه بأسى، ثم دلف للمشـ ـرحة بينما وقف دياب يعضد أخاه الذي يبكي بح.ـ ـرقة…
خارت قوى محمد بعدما سمع حديث الضابط، فهوى جالسًا على أقرب مقعد، ظل يُحملق أمامه في شدوه يستمع لصوت بكاء والده وصوت دياب الذي يبذل جهد كبير في التظاهر بالتماسك! حتى انتبهوا لأمر الضابط:
-دلوقتي هتدخلوا تتعرفوا عليها!!
وثب محمد وتبعهم متمنيًا ألا تكون هي! فبداخله صوت يخبره بأنها بخير! لم تمت ولن تذهب قبل أن يخبرها بهويته…
دلفوا للغرفة بخطوات متثاقله وكأن الحزن أثقل أقدامهم فأصبحت كالصخر.
فتحت الممرضة ثلاجة الموتى فأغلق محمد مقلتيه قبل أن يُكشف عن وجه الجـ ـثة متمنيًا أن يسمع نفي والده ينتظر أن يسمع ليست هي! لكن وللمرة الثانية يضطر لمواجهة فاجعة من فواجع القدر المؤلمة الأولى كانت لأمه التي توفت بين أحضانه وها هي الثانية لأخته! فتح عينه أثر انهـ ـيار والده وصراخه باسم ابنته:
-بنتــــي… رغده… لا يا رغده… قومي يا بنتي… مين عمل فيها كده؟ مين اللي عمل في بنتي كده…
طفق دياب المروع هو الأخر يُهدأ أخاه والطبيب والتمريض يتابعون المنظر يحاول بعضهم المواساة والمساندة بينما يتابع البقية في سكون وهدوء وكأنهم اعتادوا مثل هذا المشهد وآلفوه فلم يؤثر في قلوبهم.
فتح محمد عينه فأبصر وجهها الشاحب واتسعت حدقتاه فزعًا حين رأى جيدها المنحور بلا رحمة، فانتفض وظل يعود للخلف بهلع ثم ركض خارج الغرفة مروعًا ومنكبًا على وجهه وكأن عينه لا ترى سوى صورة واحدة مقسومة لنصفين وجه والدته الشاحب بعدما فارقت الحياة ووجه أخته المـ ـذبـ ـوحة.
وقف بالخارج يلهث، لم تحمله قدماه فجثى على ركبتيه وهو لا يشعر بأي من حوله تفيض الدموع بغزارة على وجنتيه وتتسارع أنفاسه ومن حوله أناس لا يعرفهم يربتون على كتفه وهو يبكي كطفل صغير.
تذكر كلامها له في الصباح؛ ابتسامتها ووجهها المليء بالحيوية، نظراتها التي تتأرجع بين الدهاء والحنان، تذكر حديث ريم عنها وكيف كانت تصفها بالساذجة الطيبة التي لا تفطن ما تريد، ارتفعت شهقاته وهو يردد بانكـ ـسـ ـار من خلف بكاءه:
-انا بس كنت عايزك تعرفي إني أخوكي! كنت عايز أحضنك ولو مره واحده… ياريت الوقت يرجع وأنا أصلح حاجات كتير…
فقد يعود الماضي ونغير ما به من أهوال ولكن في منامنا وحين نغلق جفوننا ليخفف عقلنا من ثِقل ما مر بنا.
انخرط في بكاء مرير وهو يردد بانهيار وبنبرة مرتفعة:
-أنا أخوكي سمعــــاني… إنتِ أختي يا رغده… أختـــــــي.
فقل لمن يتعجل بالموت ليرتاح، إن الموت مصيبة! وإلا لما قال الله في كتابه:«…فأصابتكم مصيبة الموت…»، فهو أمر جلل! النفس ترحل من جوار ذويها ومن عالم الدنيا بأسره إلى عالم أخر حيث تثاب على طاعتها وتحاسب على إثمها وتندم على تقصيرها.
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وأمام المستشفى التي بحثوا بها للمرة الخامسة، وقف رائد قبالة رشدى المهموم رمق نداء بطرف خفي كانت ملامحها جامدة مدلهمة، جفت دموعها وها هي تضم والدتها الباكية وجوارها وئام التي تربت على كتفها بشفقة، فبعد الكثير من البحث بالمستشفيات والطرقات لم يجدوا أي أثر لـ نادر وقد بدأ اليأس في التسلل إلي قلوبهم….
-إنتو لازم ترجعوا البيت وترتاحوا شويه وإن شاء الله الشرطة توصل لحاجه.
قالها رائد مخاطبًا رشدي الذي رد بجمود:
-نرتاح إزاي وابننا مفقود!!!
علقت وئام بعد تنهيدة حارة:
-إن شاء الله هتلاقوه…
-يارب.
رددها ثلاثتهم بنبرة خافتة ذليلة للخالق….
فنحن ضعفاء، فقراء، لكننا لا نتذلل ولا نتوكل إلا على الله الغني العزيز، ونوقن أنه وحده القادر على رفع البلاء وتفريج الكرب وإزاحة الغمة…
وصل يحيى حاملًا بيده كيسة سوداء، ألقى عليهم التحية ثم أشار لـ رائد ليتحدث معه بمفرده، حمحم وهو يفتح الكيس فأشاح رائد وجهه باشمئزاز وهو يقول:
-إيه ده يا يحيى!
كانت جثة لهرة بيضاء وقد تلطخ جسدها بالد**ماء، أجاب يحيى:
-القطه دي لابسه نفس السلسله اللي القطه بتاعتكم لبساها!
تفقدها رائد مجددًا وبدأ يربط أساور الموضوع فقد أخبره رشدي أن نادر خرج مع الهرة، سأله بترقب:
-لقيتها فين دي؟
-لقيتها مرميه على الأرض والد**م حوليها زي ما يكون حاجه خبطتها!
-طيب تعالى نقول لعمي رشدي ولو إن الموضوع صعب يتقال…
-ربنا يستر
قالها يحيى قبل أن يتوجها صوب رشدى وشرع يحيى يروي له ما حدث، فأجهش رشدي بالبكاء لا يتخيل أن يصيب ابنه مكروه! يتسائل هل دعسته سيارة ام ماذا حدث؟ وطفق يأنب نفسه على تقصيره في حقه….
من ناحية أخرى توجه رائد لداخل المشفى حين أبصر والده يتحدث عبر هاتفه وملامحه العابسة لا تبشر عن خير، فهرول إليه وهو يهتف:
-بابا!
التفت دياب لرائد والعبرات تقف عتبة جفونه ويحاول جاهدًا أن يتحكم بمشاعره، قال:
-بتعمل إيه هنا يا رائد؟
-كنا بندور على نادر! في حاجه ولا ايه! إنت بتعمل إيه هنا؟
عصر دياب جفونه بأصابعه ليضمن أن دموعه لن تخدعه وتنهمر، فسأله رائد بقلق:
-خير يا بابا شكلك ميطمنش!
تنهد دياب بعمق قبل أن يشرع في سرد وحينها لم يتمالك حاله وبكى بل أنه لم يستطع السيطرة على عبراته وشهقاته، فضمه رائد وهو يردد بأسى:
-إنا لله وإنا إليه راجعون.
على جانب أخر أضاء هاتف وئام فأجابت على هيام التي كانت تبكي ولا تستطيع تجميع كلماتها:
-مكنتش بتمثل يا وئام… كانت حاسه إنها ماشيه… قلبي واجعني أوي…
-أنا مش فاهمه منك حاجه! بتعيطي ليه؟
-رغده ماتت يا وئام! مــــاتت…
صاحت وئام:
-إنتِ بتقولي إيه!!!!
-رغده بنت عمك ماتت… رغده ماتت…
أخذت هيام تبكي بينما تجمعت الدموع بمحاجر وئام، أطبقت يدها على فمها وتصنمت مكانها لبرهة وهي تقنع نفسها أن رغده خبيثة وقد تفعل أي شيء! لابد أنها تتظاهر! لكن هل يتظاهر أحد بالمـ ـوت؟ رددت بصدمة ونبرة خافتة:
-رغدة!!
اقتربت منها نداء وسألتها عما بها فهزت وئام رأسها بالنفي دون أن تنبس بكلمة، فانشغلت نداء بالحديث مع والديها بينما أخذ يحيى يلتفت حوله بحثًا عن رائد فرأى وئام التي تضع الهاتف على أذنها بيد بينما تطبق الأخرى على فمها ودموعها تسيل وهي تلتفت يمنة ويسرة، أمامها ثم خلفها تبحث عن أخيها الذي اختفى داخل المستشفى مع دياب!
دنا منها يحيى وسألها:
-مالك؟!
طالعته بصمت قبل أن تشهق باكية وهي تسأل:
-فين رائد؟
يحيى بلهفة:
-إيه اللي حصل؟ ومين اللي بيكلمك في التلفون؟
ارتفع نشيجها وهي تردد:
-بنت عمي مـ ـاتت…
صمت يحيى هنيهة حين رأى حالتها، التفت حوله باضطراب وهو يقول ببعض العصبية:
-أنا مش عارف رائد راح فين؟
أقبل رشدى ودينا ونداء منهما يسألونها عما أصابها وهي تردد بحشرجة وانهـ ـيار:
-رغدة مـ ـاتت….
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★
توقفت السيدة عن تلاوة القرآن حين فتح «آدم» باب الشقة ودخل متجهم الملامح فمذ علم باختفاء نادر _الذي كان يلعب معه في فرح رامي_ وهو يدعو الله أن يكون بخير فهو يُشفق عليه كيف يعيش بلا سمع! فقد أخبره يحيى قبل عدة أيام أن رائد يسعى لموافقة الدوله على زراعة قوقعة بأذنه ثم سيرتدي سماعة أذن ليستطيع سماع الأصوات، وكان سعيدًا بذلك الخبر.
جلس قبالة والدته فقالت بمرح:
-معقوله آدم باشا بنفسه هنا! سيبت يحيى وجيب ليه الساعه لسه ٩؟
قال بمراوغة:
-أنا أصلًا مكنتش قاعد مع يحيى لأني زعلان منه من ساعة ما أخد مني سونه الصغير بعد أما ارتاحت روحي ليه وعرفت طعم الدنيا بيه!
رمقته والدته بسخرية وهي تقول:
-لا والله! وإنت تقدر تبعد عن يحيى مهما يعمل… دا إنت عامل زي السمكه ويحيى المايه بتاعتك.
صمت الطفل وظل يُطالعها، فأردفت بجدية:
-أومال كنت فين؟
وضع قدمًا فوق أخرى قائلًا بزهو:
-كنت قاعد مع عمو الحاج أبو يحيى عشان موضوع مهم خاص بالرجاله… متشغليش إنتِ بالك بيه…
ضحكت السيدة وهي تهز عنقها باستغراب من صغيرها صاحب الست سنوات من عمره والخمسين من طريقة حديثه، نهض آدم مستطردًا:
-يلا تصبحي على خير أنا داخل أنام…
-وإنت من أهل الخير يا مدوخني…
ابتسم الطفل ولم يعقب وظلت هي تتابعه بابتسامة حتى اختفى داخل غرفته واستأنفت هي قراءة القرآن…
وبعد قرابة النصف ساعة فُتح باب منزلها ودلف زوجها بصحبة طفل صغير تراه للمرة الأولى، نهضت واقفة وهي تُطالع الصغير الباكي، إنه نادر! نهضت واتجهت نحوهما وهي تقول:
-مين ده يا ابو أدم؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-مش عارف لقيته ماشي في الشارع بيعيط فجيبته معايا!
تفحصته السيدة بعينيها وهي تسأل:
-وإيه الد**م اللي على هدومه ده؟!
-مش عارف هو قاعد يعمل إشارات غريبه وأنا مش فاهمُه! قولت أجيبه معايا للصبح وأشوف هعمل معاه إيه!!
ربتت السيدة على ظهر الطفل بحنو وخاطبيته:
-متعيطش يا حبيبي… إسمك ايه؟
حدق نادر بفمها وهي تتحدث بينما يرتشف دموعه، فأردفت:
– طيب تعالى أجيبلك هدوم نظيفه وأغيرلك عشان تريح شويه… دا شكله متبهدل خالص…
قالت الجملة الأخيرة مخاطبة زوجها الذي قلب كفيه مرددًا:
– لا حول ولا قوة إلا بالله…
ساعدته السيدة حتى ارتدى ثياب نظيفة وأخذته لغرفة آدم لينام على الفراش المجاور له، فابتهج نادر وظل يشير لآدم النائم بابتسامة ويُحدث السيدة بالإشارة أنه يعرفه وهي لا تفقه ما يريد، وضعت سبابتها على فمها أن صه كي لا يستيقظ وأشارت له لينام على الفراش قبالته، أومأ نادر متفهمًا وتنهد بارتياح قبل أن يستلقي وينام فقد ضمن أنه سيعود لأهله في الصباح، تذكر ما حدث معه اليوم، كيف فزِع عند رؤية السيارة فقذف الهرة نحوها من هول صدمته فدفعتها السيارة مرة أخرى بقـ ـوة لترتطم بالأرض، وحين رأى هو منظر الهرة وقع مغشى عليه ودماء الهرة تسيل من حوله.
تذكر وجه الفتاة«رغدة» التي كانت تجلس جوار الشاب «يونس» لعنهما بداخله حيث فرا هاربين بعدما قـ ـتـ ـلا الهرة التي كان يحبها…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
ارتفع قرآن الفجر من مسجد بالجوار ولم يغمض لأحدهم جفن، يجتمعون أمام المستشفى وأصوات الصرخات والصيحات تدوي بالأرجاء.
ابتعدت نداء عن المكان وبحثت عن المسجد تريد الصلاة، تريد السجود بين يدي الله، فلو ظلت في هذا المكان ثانية أخرى سيصيبها الجـ ـنون…
أسرعت خطواتها حتى وصلت المسجد دلفت إليه، توضأت وشرعت بالصلاة لم تبكِ إلا حين سجدت فارتفع نشيجها وهي تردد:
–يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد يامن تقول للشيء كن فيكون يامن قلت ادعوني أستجب لكم رد إلينا أخى وارحم رغده يارب ارحمنا جميعًا برحمتك يارب… يا الله دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا.
★★★★
وأمام المستشفى وقف عمرو وعامر يبكيان أثر بكاء منْ حولهم فدنا منهما يحيى وهي ينكر وجودها في هذا المكان! فمن هول ما مر بالجميع غفلوا عن هذين الطفلين…
أخبر يحيى رائد أنه سيأخذهما معه للبيت ليبعدهما عن أصوات الصراخ وجو الحزن الذي خيم على العائلة بأكملها بل والجيران أيضًا…
وبعد فترة دلف يحيى للبيت بصحبتهما، ثم لغرفته وطلب منهما أن يستلقيا، فاستوى عامر جالسًا وسأله:
-هي رغده اندبحت زي الفرخه فعلًا!
-لـ… لأ مين اللي قال كده؟
عمرو بتجهم:
-عمتي فاطمه مرات عمو… عماله تصوت وتقول كده!
حاول يحيى مراوغتهما فقال وهو يربت على كتف أحدهما:
-هي بس مصدومه يا عمرو وبتقول كده من الصدمه…
تنهد الطفل قبل أن يقول:
-أنا مش عمرو أنا عامر.
ابتسم يحيى ولم يعقب، فسأله الطفل الأخر:
-هما لقوا نادر يا شيخ؟
-لسه يا عامر.
-أنا مش عامر أنا عمرو…
قالها الطفل الأخر بنبرة هادئة قبل أن يغلق جفونه، فابتسم يحيى وقال بوداعة:
-طيب يلا يا عمرو ويا عامر تصبحوا على خير…
هم يحيى أن يغادر الغرفة فناداه أحدهما برهبة:
-إنت رايح فين يا شيخ؟
– إيه يا حبيبي عايز حاجه؟
قال الأخر:
-خليك معانا إحنا خايفين.
-حاضر.
تنهد يحيى واستلقى جوارهما وأخذ يردد آيات من القرآن حتى جذبهما النوم وجذبه هو الأخر، لكنه انتفض فجأة على صوت مرتفع يدوي بأذنه:
«يا يحيى خذ الكتاب بقوة»
جلس لبرهة بمسح وجهه ودقات قلبه تتواثب، تنفس الصعداء ونهض ليصلي الفجر ويقرأ ورده من القرآن فلم يجد الوقت ليقرأه بالأمس.
وبعدما صلى حمل مصحفه وتنفس الصعداء وردد باشتياق:
-أغرق فؤادك بالأيات إن بها** طبٌ لكل فؤاد صار يحتضر.
أدمعت عيناه حين تذكر حالة رائد وأسرته وفتح مصحفه ليرتل القرآن حتى أشرقت الشمس فسمع باب الشقه يفتح ودلف والده وما أن أبصره قال:
-صباح الخير… إنت جيت إمته يا يحيى؟
-صباح النور… جيت من شويه ومعايا عمرو وعامر….
طفق يحيى يحكي لوالده مع حدث حتى دوي هاتفه بالرنين، أجاب في سرعة ليأتيه صوت رائد المتحشرج:
-تعالي يا يحيى خد أخواتي البنات من هنا لو فضلوا أكتر من كده هيمـ ـوتوا…
دب القلق في قلب يحيى عليها فنهض وهو يقول:
-جايلك حالًا
أوصى يحيى والده على عمرو وعامر قبل أن يتوجه نحو باب الشقة ليخرج…
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
استيقظ آدم بعد إشراق الشمس مباشرة وثب من فراشه وقبل أن يخرج من الغرفة جذب انتباهه طفل كان يقبع جواره على الفراش، دنا منه وفور رؤيته أخذ يفرك عينه يظن أنها ربما تهيؤات! لمسه فتأكد أنه موجود بالفعل، شهق بدهشة وقال بابتهاج وبخفوت:
-نادر!
اتسعت ابتسامته وقرر إيقاذه لكنه تراجع وقرر إخبار يحيى أولًا، ركض خارج الشقه متجاهلًا أن يخبر والديه أولًا!
أبصر يحيى الذي خرج من شقته للتو فناداه ثم قال بابتهاج:
-يحيى نادر… نادر فوق لقيته نايم قصادي على السرير…
-أنا مش فايق لهزارك يا آدم.
-والله ما بهزر… والله نادر فوق تعالى شوفه بنفسك.
كان سيتجاهله لكن تسائل ماذا لو كان يقول الحقيقة؟ فصعد معه ليرتاح فؤاده.
دلف لغرفته فوجد نادر بالفعل، تنهد يحيى بارتياح، وطلب من آدم أن ينادي والده، فأخبره عمه كيف وجد آدم شاردًا في الطرقات يبكي لذا أحضره للبيت وكان سيخبر الشرطة هذا الصباح!
خرج يحيى من البيت ليذهب لصديقه بعد أن أخبر آدم أن عمرو وعامر بالأسفل فابتهج مرددًا:
-دا باينله أسعد يوم في حياتي.
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★
كانت وئام تستند على كتف أختها هيام بعد أن أُغشي عليها وساعدها رائد في العودة لوعيها، ثم بعدها فقدت هيام الوعي وساعدها رائد لتعود، وها هما تجلسان وتبكيان ومن حولهما يدوي صراخ فاطمة «والدة ريم» التي تفتح جفونها لكنها في حالة ن الانهيـ ـار والاوعي، تتأوه من شدة ألم قلبها وتصرخ بين وهلة وأخرى وهي بين أحضان شيرين الباكية هي الأخرى…
وحين رأى رائد يحيى أقبل نحوه وأعطاه مفتاح السيارة وهو يقول:
-متروحهمش البيت عندنا خدهم عندك يا يحيى… معلش هتقل عليكم..
-متقولش كده يا رائد… ربنا يربط على قلوبكم يارب.
أخبر يحيى رشدي عن نادر وعاد لبيته مع نداء ووئام وهيام اللتان رافقوهم على مضض بعد إصرار من رائد ووالدهما…
وصل رشدي لبيت يحيى سيرًا على قدمه بينما ركب البقية السيارة…
عادت نداء لبيتها مع والديها على وعد أن تعود لهيام ووئام وأوصت والدة يحيى عليهما…
ولم تلبث هيام بالبيت كثيرًا فقد غفت عينيها لساعة واحدة وانصرفت لبيتها بينما كانت وئام تغط في سبات عميق….
بقلم آيه شاكر
★★★★
تمت الدفنة بعد صلاة العصر واكتسى الشارع بالحزن، وانتشرت خلاله أفراد الشرطة.
هدأت أصوات الصرخات التي لم تنقطع مذ مساء الأمس، اصطف بعض الرجال أمام البيت بينما النساء بداخل البيت.
طلب الضابط الدخول لغرفة رغده وطفقت الشرطة تبحث بين أشيائها إلى أن خرج أحد الأفراد بمفكرة صغيرة بحجم كف اليد كانت بين ملابسها وقد دُون بها رقم هاتف وعدة جمل أخرى وأجندة كبيرة دون فيها الكثير من الكلمات وغيرها من الأوراق والمقتنيات.
غادرت سيارة الشرطة الشارع تزامنًا مع دخول سيارة يونس الذي وقف أمام بيت دياب وارتجل من سيارته وهو يُطالع سيارة الشرطة ويبتلع ريقه باضطراب…
وبعدما ألقى التحية دلف مع رائد للبيت فهوى محمد جالسًا أطرق رأسه ووضع يده على جبهتته وأخذ يبكي ورائد ويونس يحاولان مواساته سألت هيام:
-الشرطه كانوا عايزين ايه؟ فيه جديد!
– سيبينا دلوقتي يا هيام… إنتِ إيه اللي جابك من عند يحيى؟
قالها رائد بنفاذ صبر وهو يمسح دموعه، فرمقته هيام وهو يبكي وخرجت من الغرفة وعندما تذكرت ضعف ودموع كل من حولها سالت دموعها، فكلما رأت أحد يبكي لم تتمالك نفسها هي الأخرى…
وبعد فترة هدأ بكائهم فسال يونس متلعثمًا:
-و… وصلتوا للي عمل كده؟
هز رائد رأسه نافيًا مرددًا:
-هيروح فين!! مسيرنا هنوصله.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ازدرد يونس ريقه باضطراب ولاذ بالصمت لبرهة ثم سأله:
-يعني الشرطه موصلتش لأي حاجه خالص؟
-لسه!
قالها رائد باقتضاب، فقال يونس بتلعثم:
-كانوا بيعملوا ايه هنا… أنا شوفت العربيه وأنا داخل الشارع؟
رمقه رائد في تعجب لاهتمامه الزائد بمعرفة التفاصيل فهو يعرف يونس جيدًا لا يهتم بشيء ولا يعتني بأمر لا يخصه! قال رائد:
-شايفك مهتم بالموضوع أوي على غير عادتك؟
-لـ… لأ يعني صعبان عليا رغده… وانتوا كمان صعبانين عليا…
قالها بعدما ابتلع ريقه وأخذت نظراته تتجول في المكان باضطراب حتى دوى هاتفه بالرنين فأجاب، ليأتيه سؤال:
-يونس معايا؟
-أيوه مين؟
ليختلج جسده وتتواثب دقات قلبه عندما سمع:
-معاك الضابط كرم….
وقع قلبه في أخمص قدميه حين أخبره الضابط أن يحضر لمركز الشرطة على الفور، فانصرف بغتة دون استئذان ولم يعره أحد اهتمام…
★★★★
”رجوع بالوقت ليوم زفاف رامي…”
كان يونس يتابع رغدة بإعجاب فقد مرت السنون وكبرت فأخر لقاء بينهما عندما كانا طفلين وهو في زيارة لعمته شيرين وكان يستمتع بمضايقتها المستمره حينما يلعبان بالشارع.
كانت رغدة تنزل الدرج فاعترض طريقها وقال بابتسامة:
-يا ترى فاكراني؟
-يونس! والله ما اتغيرت لسه بتعترض طريقي برده!
ضحكا الإثنان وقال:
-كنت بستمتع أوي لما أضايقك وتقعدي تصوتي وتنادي صالح، فاكره؟
-وأنا برده كنت بستمتع لما أعضك وتصرخ!
قالتها بضحك، فقال بابتسامة:
-بس كنت برجع أصالحك يابنتي!
-بمصاصه! دا أنا كنت طفله طيبه أوي.
انخرطت بالضحك فقال يونس:
-طيب هاتي رقمك بقا عشان ليكِ عندي مصاصه من أخر خنـ ـاقة…
-هات إنت رقمك… استنى هكتبه في النوته عشان نسيت موبايلي في البيت…
أخرجت ورقة من حقيبتها ودونت رقمه ثم قالت بابتسامة:
-هكلمك أول ما أروح….
أومأ يونس رأسه وهو يقول:
-هستنى منك مكالمة.
وبعد هذا اليوم بدأت تحدثه كل يوم وتقابلا أكثر من مرة…
”عودة”
-هي دي كل الحكايه يافندم.
قالها يونس الذي يجلس قبالة الضابط بمركز الشرطة، فسأله الشرطي:
-يعني إنت مقابلتش المجني عليها يوم الحـ ـادثة؟
صمت يونس هنيهة وهو يتذكر حادثة الطفل ثم هز عنقه نافيًا وهو يردد بتلعثم:
-لـ… لأ يافندم مقابلتهاش…
-تمام تقدر تتفضل يا أستاذ يونس…
نهض يونس وتنفس الصعداء وهو يغادر ذلك المكان فقد خشى أن يُكشف أمره لكنها مرت على خير….
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده❤️
★★★★
وبعد خمسة أيام من التحقيقات المستمرة، ومن الحداد على فراق رغدة، قررت نداء أن تعرج على بيت دياب بعدما انتهت من عملها كان معها نادر فقد أصبحت تأخذه معها…
كان رائد يسير أمامهما ويعلم أن طريقهما واحد لكنه لم يلتفت ولو مرة واحدة حتى وصل لبيته ودلفت هي بعده بلحظات.
دق رائد باب بيته ففتحت شيرين تزامنًا مع صعود نداء درجات السلم ثم ظهورها، فألقى رائد السلام على والدته ودخل بينما وقفت شيرين ترحب بنداء…
كانت داليا تجلس بالردهة مع بناتها ريمان وريناد، فألقى رائد عليهما التحية ودخل لغرفته حيث يجلس محمد…
وحين أبصرت ريمان نداء تجهمت، واشتعل غيظها فقد ظنتها أتت برفقة رائد…
★★★★
وفي غرفة وئام وهيام جلس نادر جوار أخته بصمت بعدما علم بأن عمرو وعامر خارج البيت…
وبعد فترة من الصمت سألتهما نداء:
-هي ريم عرفت؟
-محدش قالها! بس الأخبار ماليه النت…
قالتها هيام…
-حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عمل كده هي الناس بقت قلوبها حجر!!!
قالتها نداء وهي تهز رأسها مستنكرة كانت وئام تقف بالشرفة حين لاحظت دلوف سيارة الشرطة للشارع فمذ يوم الحـ ـادثة وقد اعتادوا أن تعرج الشرطة لشارعهم، فنادت وئام والديها وأخيها الذين هرولوا لبيت ضياء ومعهم محمد…
أظهر الضابط حقيبة بيده وقال:
-دي بتاعت رغدة؟
أيد الجميع فسأل الضابط:
-ومين ريمان وريناد؟
-دول بنات اختي!
قالها ضياء، فقال الضابط:
-طيب هما فين؟
-هنا يافندم ليه؟
قالها دياب فازدرد صالح لعابه في توجس أثر سؤال الضابط عنهما، وعاد خطوتين للخلف وهو يحك أرنبة أنفه، بينما سأل محمد:
-هو في حاجه ولا إيه يافندم؟
الضابط باقتضاب:
-إحنا لقينا شنطة رغده وتلفونها وتوصلنا لمعلومات جديدة.
ارتفع صوت فاطمة المختنق بدموع لم تجف:
-أنا عايزه حق بنتي يا باشا… هاتولي حق بنتي.
رمقها محمد بشفقة وظلت هي تصرخ وتصيح وشيرين تربت على ظهرها وتحاول ضمها لكنها تنفلت منها وتبتعد عنها فمازال في قلبها بعض الحقد رغم انكـ ساره.
ومن ناحية أخرى اقترب مؤمن «أخو رغدة» من محمد وسأله:
-هو إنت مين؟!
-أ… أ…
-دا محمد صاحبي يا مؤمن… يلا يا محمد.
قالها رائد وجذب محمد من يده ليغادر بينما ظل مؤمن يحدج ظهرهما بإمعان وصاح بنبرة مرتفعة:
-مش غريبة شويه إن صاحبك يكون مهتم بالقضية!!!
تجاهله رائد ولم يلتفت إليه بل أكمل طريقه لبيته…
من ناحية أخرى كان نادر يتجول بأرجاء البيت فجذب انتباهه ألبوم صورة على مكتب مجاور فاخذ يُقلبه بابتسامة وعند إحدى الصور اتسعت عيناه بدهشة وأخذ الصورة وركض لنداء وأخذ يُحدثها بالإشارة في اضطراب وهو يصدر زمجرة مدوية من حلقه، فابتلعت نداء ريقها وهي تقول:
-طيب اهدى…
ثم أخذت تُحدثه بالإشارة فهدا قليلًا وجلس، فقالت وئام:
-اخوكي ماله؟
صوبت نداء الصورة لوئام وسألتها:
-مين اللي في الصورة ده؟
-دا يونس ابن خالي… بتسألي ليه؟
صمتت نداء لبرهة ثم قالت متجاهلة سؤالها:
– ممكن تناديلي أخوكي رائد…
-في إيه يا نداء؟
-مـ… مفيش هساله عن حاجه.
خرجت وئام تناديه بينما وقفت نداء تفكر هل تخبره بما أخبرها به نادر أم تدع نادر يخبره بنفسه…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعدما خرج آدم من الشقة نظر عمرو لوالدة يحيى المنشغلة بتنظيف المطبخ وقال بهمس:
-يلا نبدأ الخطه قبل ما آدم يجي…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-تفتكر هتدينا فلوس؟
اومأ عامر رأسه مؤكدًا فتنحنح عمرو ودلف للمطبخ، قال:
-أنا سمعت من آدم إن حضرتك بتدوري على عروسه للشيخ يحيى!
ابتسمت السيدة وطالعت الطفلان وهي تقول:
-فعلًا بدور على عروسه…
عمرو بحمـ ـاس:
-لو قولت لحضرتك على عروسه حلوه وبتحبه تديني كام!
ضحكت ثم قالت:
-على حسب مين العروسه الحلوه اللي بتحبه؟
قال عامر بابتسامة واسعة:
-أختي…
صمتت السيدة هنيهة ثم سألته:
-وهي اللي قالتلك إنها بتحبه؟
أخذ كل طفل يقول جملة والسيدة تُحملق بهما بصمت وهما يقولان:
-لأ بس تصرفاتها واضحه…
-دي بتديني فلوس أنا وعمرو عشان نبقا نخرج من الأوضه والشيخ يحيى موجود…
-وبتعلي صوتها لما تعرف إن رائد بيكلم الشيخ في التلفون…
-وبتبص عليه كتير وهو قاعد أنا بقا واخد بالي.
-وبتتكسف منه…
-وبتعمله الشاي بإيديها…
-مش دليل إنها بتحبه؟
سألتهما:
-هيام؟!
هز كلاهما عنقه نافيًا ناطقين في نفس الصوت:
-لأ وئام.
حملقت السيدة بالفراغ وهي تتذكر وئام حين دلفت لبيتها لأول مره وكيف ارتمت بحضنها، اتسعت ابتسامتها فقد آلفتها واختارتها وهي تنتظر لتمر تلك الغمة لتأخذ رأي ابنها…
تنهدت بعمق وهي تتخيلها زوجة ابنها وجذبها من أفكارها صوت عامر:
-ها هتديني كام؟
ضحكت السيدة وأخرجت من أحد الأدراج بعض النقود وقدمتها للطفلان اللذان ركضا مبتهجين فرحين بنجاح خطتهما…
وبعد فترة دلف يحيى للبيت وأخذ ينادي والدته فنظرا كل من عمرو وعامر لبعضهما وهمس أحدهما للأخر:
-إيه رأيك نقوله هو كمان وناخد منه فلوس؟
اتسعت ابتسامة الطفل وقال:
-تعجبني دماغك اللي شغاله دي.
رفع الطفل رأسه بزهو وثقة قبل أن يقبلا نحو يحيى ويقول أحدهما:
-كنت عايزك في موضوع مهم للغاية يا شيخ….
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★
وفي مركز الشرطة خرجت ريناد من مكتب الشرطي بينما دلفت ريمان المرتبكة كانت تتعثر في سيرها وتبتلع ريقها باضطراب طلب الضابط بطاقتها وسألها ما علاقتها بالمجني عليها فأجابت بتلعثم وبنبرة مرتعشة، ثم باغتها بسؤال:
-ريناد بتقول إن إنتِ خرجتِ مع رغده يوم الحـ ـادثة.
اختلج قلبها وقالت بارتباك شديد:
-أنا!!! لا مش أنا دي هي اللي خرجت معاها ولما رجعت قالت إنها اتخانقت معاها وكانت متوتره.
أومأ الضابط رأسه ورمقها بهدوء وهو يمد لها كوب من الماء لترتشف القليل بينما هو يسألها:
-اه واتخانقوا ليه بقا؟
-عشان….
توقفت الكلمات على طرف لسانها وتذبذبت نظراتها، فقال الضابط:
-كملي متخافيش….
-هو… هي… رغده… كانت عايزه ريم تتطلق فكانوا بيخططوا لحاجات كده وكنت بسمعهم…
قالتها وهي تلهث فسأل الضابط زامًا جفونه:
-مين اللي كانوا بيخططوا؟ وحاجات ايه؟
-أنا… أنا معرفش حاجه… معرفش حاجه…
-لا دا إنتِ عارفه كل حاجه وهتحكيلي عشان أساعدك وإلا هتلبسي القضيه كلها لوحدك.. لأن إحنا لقينا مذكرات رغده كتباها على تلفونها وكاتبه فيها كل حاجه…
سالت الدموع من عينيها وأطبقت يدها على فمها، وهي تردد بنبرة مكتومة:
-كذب كل حاجه كتبتها رغدة كدب….
صمت الضابط هنيهة ثم باغتها بسؤاله:
– قتـ ـلتيها ليه؟
انفعلت ريمان وهي تردد بجزع:
-والله ما قتـ ـلتها! والله ما أنا!
-أومال مين اللي قتـ ـلها؟
-معرفش… والله مش عارفه… أنا مش عارفه أي حاجه وعايزه أمشي…
-تمشي!!
قالها الضابط بسخرية محدقًا بها ورافعًا إحدى حاجبيه ثم صمت وأطرق وهو يشبك أصابع يديه معًا ورفع رأسه يُطالع ريمان المنـ ـهارة….
******
من ناحية أخرى
بعد أن خرجت ريناد وسألها الواقفون عما حدث أشار لها صالح بعينه فوقفت جواره، وحين لاحظ انشغال الأعين عنهم سألها بخفوت وهو ينظر أمامه:
-عملتِ إيه؟ اوعي تكوني جيبتِ سيرة حاجه!
قالت باضطراب وهي تفرك يديها:
-مجبتش سيرة حاجه بس أنا مش ضامنه ريمان!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-وهي ريمان تعرف ايه أصلًا؟
قالها صالح بنبرة حادة، فابتلعت ريناد ريقها وقالت بتوتر:
-متقلقش هي مش عارفه كل حاجه… خلينا نتفق هنقول إيه لو جابت سيرتنا…
صك صالح جبهته وقال بحدة:
-هنتنيل نقول ايه!
باغتهما خروج ريمان من الغرفة، ارتمت بأحضان دياب وطفق الجميع يسألونها عما بها، وهي تهز رأسها بالنفي قلقًا وفزعًا.
تبادل ريناد وصالح النظرات الحائرة المضطربة وقبل أن تتحدث ريمان نادى الضابط اسم ريناد، جحظت عيناها وسلطت بصرها على صالح الذي ولاها ظهره، فنادى العسكري اسمها مجددًا فردت بخفوت واضطراب:
-أ… أيوه…
قال:
-اتفضلي… حضرة الضابط عايزك تاني…
ابتلعت ريقها وهي تنظر لصالح الذي تظاهر باللامبالاة، ولكنه كان أشد اضطراب وقلق منها…
وكانت ريمان تُطالع أختها بقلق فقد حاولت جاهدة لتتستر عليها لكنها لم تستطع فقد أُطلق لسانها رُغمًا عنها، بل نبشت سرًا دُفن منذ فترة بعيدة…
دلفت ريناد للغرفة ودقات قلبها تتواثب، جلست قبالة الضابط تفرك يديها باضطراب شديد وهو ينقر بسبابته على سطح المكتب في صمت مريب قطعه بعدما تنفس الصعداء وقال:
-ريمان بتقول إنك قابلتِ رغده يوم الحادثة واتخانقتوا… وإنتِ قلتِ إنك ما قابلتهاش من يوم فرح ابن خالك؟!
أغلقت جفونها وتشنجت ملامحها وهي تحاول تجميع كلماتها المبعثرة بجعبتها، قالت متلعثمة:
-أ… أ… أنا كنت فعلًا المفروض أقابلها لكن مـ… معرفتش… فـ… ريمان أصلًا متعرفش حاجه.
قالتها وهي تهز عنقها بالنفي فطرق الضابط سطح مكتبه بقـ ـوة انتفض جسدها أثرها، وتحجرت مقلتيها حين هدر بها:
-بقولك إيه بطلي لف ودوران وهاتي من الأخر لأن أختك قالت كل حاجه…
سقطت دموعها في صمت، فهدّأ الضابط من نبرته وعاد يسألها مجددًا، فازدردت لعابها ثم قالت بنبرة متحشرجة:
-أنا هحكي لحضرتك كل حاجه…
*********
“رجوع ليوم الحادثة….”
بعدما خرجت رغدة من بيت دياب اتجهت نحو أحد المطاعم المغلقة وقفت تتفرس وجوه الزبائن حتى أشارت لها ريناد فاتجهت صوبها وهي ترسم على محياها ابتسامة متهكمة،حيتها رغده بملامح جامدة وجلست قبالتها، وبعد فترة من الصمت قالت وهي توقع كلماتها:
-بصي بقا أنا عايزاكِ تنسي رامي نهائي…
ريناد بصدمة:
-يعني إيه؟!
-يعني رامي جوز أختي وأنا مسمحش لحد يخرب حياة أختي!
-والله!!! ومن امته بقا التغير ده؟!
قالتها ريناد ضاحكة، فعقبت رغدة:
-من النهارده يا ريناد…
ريناد بانفعال:
-إنتِ شكلك بتخططي لحاجه من ورايا…
عدلت رغدة من حجابها بينما تقول ببرود:
-أبدًا والله أنا بس لقيت إن اللي بعمله مفيش منه فايده…
طالعها ريناد بتجهم، فاستطردت رغدة بعد إطلاقها ضحكة مستفزة:
-وبعدين هو مش إنتِ كنتِ حامل؟
هبت ريناد واقفة وهدرت بنبرة مرتفعة انتبه لها الحاضرين:
-إيه اللي إنت بتقوليه ده؟
التفتت رغدة حولها وقالت وهي تشير لمقعد ريناد ببرود واستفزاز:
-اقعدي… اقعدي بلاش انفعال إحنا في مكان عام…
جلست ريناد بعد أن التفتت يمنة ويسرة ولاحظت نظر الحضور لها، طالعت رغدة وهي تُصر على أسنانها بغيظ، فانحنت رغدة بجزعها العلوي نحوها وقالت:
-أنا عرفت كمان إن الدكتور مجدي اللي عملك العملـ ـية ورجعك زي الأول! يعني رجعك شريفه…
قالت رغدة أخر كلمة وانفـ ـجرت ضاحكة فقالت ريناد بانفعال وبنبرة مرتفعة:
-إنتِ….
قاطعتها رغدة وهي تقول بحدة:
-ولا كلمه زيادة… أنا بس اللي مش فاهماه ليه عايزه رامي متروحي للي سلمتيه نفسك…
رفعت رغدة سبابتها واستطردت محذرة:
-ابعدي عن أختي وجوزها فاهمه؟
حملت رغده حقيبتها لتغادر فقالت ريناد وهي تجز على أسنانها:
-ويا ترى بقا عارفه مين كان أبو اللي في بطني؟
نهضت رغده وقالت بلامبالاه:
-ميهنميش أعرف…
-بس أنا يهمني إنك تعرفيه… اقعدي يا رغده…
”عودة”
*******
ارتشفت ريناد دموعها وهي تتذكر ما حدث وتحاول انتقاء جملها بعناية لتخفي أمر حملها وعلاقتها المحرمة.
صمتت هنيهة مطرقة رأسها، ثم رفعت رأسها وهي تقول:
-هي اللي اتخانقت معايا عشان عرفت إن أنا وصالح أخوها كنا على علاقة حب…
علق الضابط بعدم استيعاب:
-لحظه واحده منين إنت وأخوها على علاقة حب ومنين بتتفقي معاها على رامي اللي بتحبيه…
ارتبكت وارتعدت أوصالها وأخذت تفرك يديها وهي تقول:
-أ… أ… الحب حاجه لكن الجواز حاجه تانيه أنا بحب صالح لكن كنت عايزه أتجوز رامي وده اللي ضايقها واتخانقنا عشانه….
ران بينهما الصمت للحظات والضابط يزم جفونه مفكرًا بكلامها، قبل أن يقول باقتضاب:
-كملي…
-وبعدها هي مشيت وأنا رجعت البيت معرفش بقا راحت فين!
أردفت بدموع ونبرة مختنقة:
-لو سمحت ياريت الموضوع دا يفضل سر بينا عشان….
قاطعها الضابط قائلًا بنبرة متهكمة:
-سر بينا!! هو حد قالك إن أنا دكتور نفساني وأسرار المرضى أمانه! ولا تكونيش ناويه تصاحبيني…
أخذ الضابط منها عنوان المطعم ثم أمر بالتحفظ عليها هي وأختها لحين عودته ثم خاطب الضابط_الذي دلف للمكتب لتوه_ قائلًا:
-يلا نروح المطعم وبعدها نروح مكان وقوع الجريمة يمكن نلاقي حل للقضيه المعقدة دي… وصالح ده كمان محتاجين نستدعيه…
-طيب نستدعيه الأول يا باشا؟
-لما نرجع…
وبعدما خرجت ريناد وعلمت والدتها ودياب بأمر التحفظ عليهما سأل دياب الضابط الذي وقف معه وأخذ يسرد عليه الجديد في القضية، بينما كانت ريمان وريناد تراقبان ما يجري بتوجس…
وبعدما غادر الضابط حدجهما دياب بنظرة حادة وخاطب أخته قائلًا:
-لو عايزه تروحي يا داليا أمشي إنت وأنا قاعد معاهم… أصل الظاهر إن الموضوع هيطول…
-هو إيه اللي بيحصل يا دياب؟
قالتها داليا بقلق، فأجابها:
-إسأليهم… هما يحكولك…
قالها دياب وهو ينظر لهما بحدة فأطرقتا بحرج، طالعتهما والدتهما بحدة وهدرت:
-إنتوا ليكوا يد في قـ ـتـ ـل بنت خالكوا؟
نطق الإثنان في نفس الصوت:
-لأ…. لا والله يا ماما…
وقف دياب قبالتهما وقال بحزم:
-على ما الضابط يرجع تحكولي الموضوع من أوله لأخره عشان أعرف أساعدكوا…
صمتا وتعالى صوت نحيبهما فهدر بهما دياب:
-يلا….
-حاضر أنا هحكيبك كل اللي أعرفه يا خالو…
قالتها ريمان بينما توسلتها ريناد:
-لا… متقوليش…
ريمان بإصرار:
-لأ هقول… هقول… هقول كل حاجه.
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
★★★★★★★
-إنت متأكد؟
قالها «رائد» بصدمة مخاطبًا نادر الذي أومأ عدة مرات مؤيدًا، فرمق رائد نداء ثم أطرق مفكرًا، فقالت نداء:
-أنا كنت متابعه التحقيقات ومكنتش عايزه أدخل نادر في الموضوع… هو إمبارح شاف صورة رغده الله يرحمها على الفيسبوك وقالي إنه شافها يوم اختفاؤه اللي هو نفسه يوم وفاتها وإن هي كانت راكبه جنب شاب ودلوقتي اتعرف على الشاب اللي هو ابن خالك اللي ضـ ـرب القطه وهرب…
طال صمت رائد وأخذ يتذكر يونس وكيف أنه مهتم بالموضوع على عكس طبيعته، جذبه خارج دائرة أفكاره وتساؤلاته صوتها:
-هتعمل ايه؟!
تناهى لسمعهما صوت يصدر من جوار باب الغرفة فنهض رائد مسرعًا نحو الباب المفتوح على مسرعيه وأخذ ينظر خارجها يمنة ويسرة فلم يجد أحد، فعاد إليها وقال بحيرة:
-مش عارف… أروح أقول للشرطه ولا أسأل يونس الأول ولا….
قاطعته:
-قول لعمو دياب.
حملق رائد في نقطة وهمية بالفراغ زامًا جفونه بتركيز حتى طرأت له خطة، فهز رأسه نافيًا ثم خاطبها:
-الموضوع ده لازم يفضل سر بينا… أنا هبحث فيه بطريقتي.
-طيب قولي ناوي تعمل ايه و… وأنا هساعدك.
-خليكِ بعيد.
قالها بحزم وهو ينظر نحو باب الغرفة بعدما سمع صوت مجددًا لكنه تجاهله حين قالت بتحدي وعناد:
-لو مشاركتنيش معاك هروح أقول لعمو دياب.
صمت هنيهة ثم خاطبها بضجر:
-إنتِ عايزه إيه يا نداء!! هتدخلي نفسك في مشاكل ليه؟!
-ملكش دعوه وبعدين أنا عايزه أجيب حق أخويا…
حاول مراوغتها فقال:
-طيب بصي سيبيني أفكر وأقرر وهبقا أقولك….
صمتت وهي تُفكر في عرضه ثم قالت:
-أنا عندي خطة هتخلينا نفهم كل حاجه…
-قولتلك أنا هفكر وأقرر…
قالها بنزق، فقالت بتصميم:
-اسمعني بس… دا ربنا اللي قال إن كيدهن عظيم خليني استعمل الميزة العظيمة اللي ربنا أنعم عليا بيها دي ولو مرة…
كبح ابتسامته واستسلم أمام تصميمها فأخذت تسرد عليه خطة أعجبته لأنها قالت ما طرأ بعقله قبل قليل.
وبعدما انتهت قال وهو يُطالع نادر الجالس جوارهما بصمت:
-تمام… اطلعي إنتِ بره الحوار بقا وأنا هتصرف.
باغتهما صوت شيرين:
-حوار ايه؟
التفت كلاهما لمصدر الصوت أمام باب الغرفة، فحمحم رائد وحك أنفه وهو يقول باضطراب:
-دي حاجه تبع الشغل يا ماما ما إنتِ عارفه نداء بتشتغل معايا في المركز…
اومأت شيرين بعدم اقتناع وهي تبدل نظرها بينهما في ريب، خاطب رائد نداء برسمية، دون أن ينظر إليها:
-متقلقيش خالص يا… يا نداء أنا هحل كل حاجه بخصوص الشغل…. بتاعنا… في المركز…
قالها بجمل متقطعة وبنبرة مرتعشة مما أثار ريب شيرين أكثر، أومأت نداء بابتسامة زائفة، وابتسم رائد لوالدته ثم دنا منه وقبل رأسها وقال قبل أن يخرج من الغرفة:
-أنا رايح مشوار مع محمد عايزه مني حاجة؟
نظرت شيرين لأثره مرددة بخفوت:
-سلامتك…
ثم نظرت لنداء التي جذبت أخيها من يده وهي تقول:
-وأنا همشي بقا عشان متأخرش…
-لسه بدري خليكِ شويه يا حبيبتي…
أصرت نداء على الرحيل فأخذت شيرين تنادي ابنتيها…
*******
وفي غرفة أخرى جلست وئام قبالة هيام وقالت:
-أنا قولت يا ترى عايز يتكلم معاها لوحدهم ليه!!!
-وأنا كنت متخيلاه هيتغزل فيها ولا حاجه وبيطرقنا…
صمتا للحظات وما سمعاه من اتفاق بين رائد ونداء يجول برأسهما، فقالت هيام:
-تفتكري يونس يكون هو اللي قـ ـتـ ـل رغده؟!
نفخت وئام بضجر وقالت وهي تهز عنقها:
-مش عارفه… أنا حاسه إني في كابوس ونفسي أفوق منه بقا…
طرقت شيرين باب غرفتهما وهي تقول:
-تعالوا سلموا على نداء عشان ماشيه….
وثبت وئام وهرحت من غرفتها مسرعة ثم قالت لنداء:
-استني يا نداء هنيجي معاكي نوصلك…
-لأ متتعبوش نفسكوا الموقف مش بعيد.
قالتها نداء لكن أصرت وئام على مرافقتها، فقالت شيرين:
-وابقوا روحوا هاتوا عمرو وعامر من بيت يحيى…
اندفعت وئام بقولها:
-أنا مليش دعوه مش رايحه هناك…
فهي لا تريد اللقاء به فمذ وفاة ابنة عمها وقد تغير نمط تفكيرها، تغيرت اهتماماتها وفقدت شغفها في جذب انتباهه، أصبحت تتسائل ما هي حقيقة وجودها في هذه الحياة؟ لماذا خُلقنا؟ ألسنا موجودين لعبادة الله وطاعته! إذًا فلمَ نهدر وقتنا وطاقتنا وقلوبنا في غير محلها؟
حاولت شيرين اقناعهما فردت هيام:
-خلي رائد يروح يجيبهم وبعدين هو أستاذ يحيى مش كان بيجي يديهم درس هنا! ليه بقا مصمم يروحوله البيت الفتره دي؟
-رائد خرج مع محمد… وقُصر الكلام اللي ملهوش لزمه روحوا هاتوا العيال…
قالتها شيرين وهي توقع كلماتها ثم دلفت للمطبخ بينما نظر كل من وئام وهيام لبعضهما، فقالت هيام بإصرار:
-خلاص أنا مش خارجه من البيت…
كانت نداء تبدل نظرها بينهما ولم تحرك إحداهما ساكنًا حتى تناهى لسمعهما صوت شيرين الباكي:
-يعني أروح أنا أجيب العيال ولا إيه؟! فينك يا رامي مكنش بيحوجني ليكوا… يا حبيبي يابني…
وئام بنفاذ صبر:
-خلاص يا ماما حاضر يا حبيبتي هروح أجيبهم…
طلبت وئام من نداء الإنتظار ودلفت غرفتها فتحت صندوق صغير كانت تضع به النقود يوميًا، ابتسمت عازمة على التصدق به بنيتين الأولى لأجل رغدة والثانية ليهدى الله قلبها إلى طاعته فقد باتت تشعر بالحيرة والتيه…
حاولت إقناع هيام لمرافقتها لكنها آثرت البقاء بالبيت…
وأثناء الطريق حاولت وئام جذب نداء لتخبرها بما اتفقت عليه هي ورائد ولكن بلا جدوى فقد كانت نداء على درجة عاليه من الحيطة والحذر أن تتفوه بأي حرف.
كادت وئام أن تخبرها أنها سمعت كل شيء لكنها لم تفعل وآثرت الصمت، سُرعان ما استقلت نداء سيارة الأجرة بينما أكملت وئام طريقها لبيت يحيى الذي كان في شارع مجاور لشارعهم…
استغفروا ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★
ندت عن يحيى ابتسامة سرعان ما أزالها وتظاهر بالجمود، وظل يبدل نظره بين عمرو وعامر في صمت قطعه عمرو مبتسمًا:
-على فكره الموضوع ده يستاهل ميه جنيه بس لأجل عيونك الحلوين هناخد خمسين…
-دا ايه الحنيه دي كلها! تصدق جسمي قشعر…
قالها يحيى بسخرية، ليعقب عامر بابتسامة واسعة:
-طيب بذمتك نستاهل كام؟
تجهم وجه يحيى وجذب عامر من ملابسه قائلًا:
-بذمتي!! هو أنا مش قولتلك متحلفش بغير الله! ردد لا إله إلا الله…
قالها بنبرة حادة فردد عامر بخوف، لم يترك يحيى ملابسه وقال:
-إنتوا عايزين فلوس؟ دا انتوا تستاهلوا علقه محترمه بعد اللي قولتوه ده يا فتان منك ليه…
وثب عمرو حين رأى تجهم يحيى وقبضته على أخيه وقال رافعًا سبابته ومبررًا:
-لا يا شيخ يحيى دي مش فتنه إحنا بنحاول نوفق راسين في الحلال…
رمقه يحيى بتعبيرات ساخرة فحاول عامر الإفلات من قبضة يحيى وهو يقول:
-والمثل بيقول اخطب لـ… للبت ولا تخطب الواد!
صحح عمرو:
-لا اخطب الست ولا تخطب الراجل…
ترك يحيى عامر وجلس رافعًا إحدى حاجبيه ليتابع كلامها حيث صحح عامر ما قاله أخوة:
-لا لا اخطب للأخوات ولا تخطب للأخووون….
يحيى بتعجب مغلف بالسخرية:
-أخووون!!! دي لغة عربيه دي يا عمرو؟
-أنا مش عمرو أنا عامر…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قالها الطفل بابتسامة مستفزة بينما جلس الطفل الأخر قبالة يحيى وقال بجدية رجل كبير:
-مش مهم المثل… المهم يا شيخ هتدينا كام؟
-الصراحه الموضوع ميستاهلش خمسه جنيه…
قالها يحيى فغمز له عامر بعينه وهو يجلس جوار أخيه ويحاوط كتفيه بذراعه، قائلًا:
-طيب خليها عشره يا شيخ وأنا أقولك سر أكبر من دا…
تجاهل يحيى ما قاله وأشار بسبابته نحوهما وهو يقول بامتعاض:
-إنت حفظت ياد إنت وهو؟
عامر بسماجة وهو يومئ رأسه:
-أيوه حفظنا… وبعدين يا شيخنا الفاضل متغيرش الموضوع…
تجاهل يحيى ما قاله وهتف بجدية:
-يلا… يلا إنت وهو عشان تسمعوا.
عامر وهو يحك رأسه:
-طيب وبالنسبه للـ…
قاطع سيل حديثه ارتطام وسادة صغيرة بوجهه قد قذفها يحيى، فتأوه عامر وهو يزيح الوسادة قائلًا بانفعال:
-لعلمك بقا أنا بشوفك إنت كمان وإنت بتبص عليها…
قلب يحيى كفيه مرددًا بحسرة:
-يا نهار أبيض أنا ببص عليها…
وكان عمرو من الناحية الأخرى يصدر أزيزًا مزعجًا وضحكات مستفزة قبل أن يرتطم بوجهه هو الأخر نفس الوسادة فأزاحها وهو يقول:
-طيب على فكره بقا عامر معاه حق… إنت فعلًا بتبص عليها من تحت لتحت يا شيخ…
جحظت عيني يحيى وهدر بهما:
-ليه هو أنا قليل الأدب زيكوا… ماشي يا عمرو إنت وعامر أنا هعلمكم الأدب.
أخرج يحيى عصًا من أسفل فراشه وأردف:
-هتسمعوا دلوقتي والغلطه بتلت عصيان…
-دا ظلم… ما طول عمر الغلطه بعصايه…
قالها عامر برهبة، فعقب يحيى وهو يُحرك العصا صوبهما ويصر على أسنانه:
-هروح مشوار وأجي وبعدها….
قطع حديثه ضـ ـاربًا بالعصا على الأريكة فانتفض الطفلان واضطربا وفتح كل منهما مصحفه ليحفظ بينما خرج يحيى من الغرفة وهو يهز رأسه باستنكار مرددًا:
-إيه العيال دي!! عيال؟! دا احنا اللي عيال ومبنعرفش حاجه كمان…
نظر أحدهما للأخر ونطق الإثنان في نفس اللحظه:
-إنت السبب…
وطفق كل منهما يلقي اللوم على أخيه….
خرج يحيى من بيته ليشتري دواء طلبته والدته وما أن دلف للصيدلية تفاجأ حين رآها تقف جواره كانت تلتحف بالسواد ويبدو عليها الذبول والإنكـ ـسار، لم يستطع كبح لسانه من قول:
-ازيك يا وئام؟ بـ… بتعملي إيه هنا؟…
-بـ…. كنت…. أ…
لم تبغِ قول ما كانت تفعله، فهي تريد التصدق في الخفاء بلا رياء، وقد كانت تنتظر خلو الصيدلية من الناس كمان أوصتها تلك الطبيبة التي جاوزت الخمسين من عمرها وطلبت منها الإنتظار بعدما تبرعت وئام بالأموال لأجل أي مريض مديون للصيدلية أو لا يقدر على شراء الدواء…
وحين طال صمتها وأطرقت تجاهل يحيى سؤاله وأخذ يطلب ما أراد من الطبيبة التي تسأله ما يريد!
ومن ناحية أخرى لم تنتظر وئام بل خرجت مهرولة من الصيدلية فنظر يحيى لأثرها متعجبًا…
-إنت تعرفها؟!
انتبه يحيى لسؤال الطبيبة، فقال متلعثمًا:
-أ… اه قريبتي…
-بنت محترمه أوي كانت جايبه فلوس تتصدق لأي شخص مديون أو مش قادر يشتري العلاج…
لم يرد يحيى وظل يُحملق بمكان وئام الفارغ، فسألته الطبيبة بعدما وضعت الدواء أمامه:
-هي مخطوبة؟!
-لأ… قصدي أ… أ… أيوه…
قالها يحيى بارتباك وهو يومئ برأسه، فقالت الطبيبة:
-يا خسارة والله كنت ناويه أخدها لإبني… يلا ربنا يسعدها ويرزق ابني بزوجه بالأدب والأخلاق دي…
ابتسم يحيى مجاملًا وخرج من الصيدلية وكلام الطبيبة يجول برأسه…
ومن ناحية أخرى وصلت وئام لبيت يحيى سألت عن عمرو وعامر ثم جلست قبالة والدة يحيى التي تغاضت عن سؤالها وأخذت تحكي عن ابنها يحيى وكيف رُزقت به بعد معاناة، ثم قالت:
-يحيى ابني حافظ القرآن من ٦ إبتدائي… وحافظ صحيح البخاري كمان… ومن صغره بياخد دروس دينيه وإنتِ عارفه إن اللي مع القرآن ربنا معاه.
اومأت وئام وقالت بابتسامة:
-أكيد… أنا نفسي أحفظ القرآن وإن شاء الله هحفظه…
-ربنا يوفقك ويرزقك يا حبيبتي…
أطلقت السيدة تنهيدة طويلة واستطردت بلوعة:
-نفسي أفرح بيحيى قبل ما أموت وأشوف ولاده…
ربتت وئام على يدها بحنو وقالت:
-ربنا يطول بعمرك يارب…
ابتسمت السيدة وقالت بحزن دفين:
-المشكله إن يحيى مش موافق خالص عشان معندوش شقه… أنا قلتله ياخد الشقه دي وإحنا نأجر بره مرضيش أبدًا… لحد ما باباه قاله يشوف واحده بنت حلال تعيش معانا أصل اللي فات من العمر مش أد اللي جاي ومسير الشقه بتاعت يحيى…
-متقولش كده ربنا يديكم الصحه وطول العمر…
أطرقت السيد وعقبت بمكر وكأنها لم تسمع ما قالته وئام:
-لكن يحيى مش موافق بيقول مين يعني اللي ترضى بعيشه زي دي!
تنحنحت وأردفت متخابثة:
-طيب إنت لو اتقدملك واحد في ظروف يحيى توافقي؟
ازدردت وئام لعابها باضطراب، فقد باغتتها والدة يحيى بسؤالها المفاجئ! أخذت وئام تتجول بعينها بأنحاء الشقة وتُطالع جدران البيت…
كانت الشقة واسعة بردهة واسعة وخمسة غرف ومرحاضين ومطبخ وأخذت تفكر هل تستطيع القبول بذلك الحال! ظلت تجول بعينيها في البيت حتى وقع بصرها عليه حين فتح الباب ودلف ليتفاجأ بها تجلس قبالة والدته…
ألقى يحيى السلام وجلس جوار والدته ثم خاطب وئام بابتسامة:
-يعني أكلمك في الصيدليه مترديش عليا وتطلعي تجري وأجي ألاقيكِ هنا…
ابتسمت وئام بحياء ولم تجب وكانت والدته تبدل نظرها بينهما مبتسمة وقد تأكدت من كلام عمرو وعامر، نهض يحيى وقال لوالدته:
-أنا هدخل أسمع لعمرو وعامر وأجي عشان عايز أقولك حاجه مهمه…
ظنت وئام أنه يخاطبها وكادت تغرق في بحر أفكارها متسائلةً ما الذي يريده منها!
وبعد فترة خرج يحيى من الغرفة يسبقه عمرو وعامر اللذان نظرا لبعضهما وابتسما قبل أن يهتف احدهما:
-إنتِ أحسن أخت في الدنيا جايه تاخدينا صح؟
-لأ مش هتاخدكوا… إنتوا قاعدين معايا لحد ما تحفظوا وأنا هروحكوا بنفسي…
قالها يحيى بحزم، فسألته وئام:
-هما مش حافظين ولا إيه؟
-لأ محفظوش مش فالحين الا في الفتنه.
قالها يحيى متخابثًا فجحظت عيناهما دهشة وخشية أن يتفوه يحيى بالمزيد فيضعهما في موقف لا يُحمد عقباه، لكنه صمت وخاطب وئام:
-أنا هاجي عندكم وهبقا أجيبهم معايا… لو عايزه تستنينا على ما نخلص ماشي ولو عايزه تمشي… ماشي برده…
نهضت وئام واقفة وقالت:
-لا أنا همشي….
-رايحه فين يا وئام أنا عملت العصير….
قالتها والدة يحيى بعدما خرجت من المطبخ تحمل صنية عليها أكواب من العصير، فأقبل إليها يحيى وأخذ الصنية من يدها وهو يقول:
-تعبتِ نفسك ليه يا أمي كنت نادين وأنا أعمل…
ابتسمت وئام وأقبلت تُسلم على ولادة يحيى وهي تقول بابتسامة:
-هشرب العصير مره تانيه ان شاء الله…
-مره تانيه دا إيه الحجه عملتلك عصير بإيديها يبقى لازم تشربي ولو رفضتِ هنكتفك ونشربك بالإجبـ ـار…
مدت وئام يدها وحملت كوب العصير وهي تقول بابتسامة:
-وعلى إيه نشرب العصير من غير إجبار…
من ناحية أخرى مال عمرو على عامر وهمس:
-شايف نظرات الشيخ اللي من تحت لتحت…
-متقلقش هيصلح غلطته ان شاء الله…
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
دلف رائد لبيت خاله بينما انتظره محمد بمقهى قريب من البيت…
جلس قبالة يونس بعدما طلب أن يتحدث معه على انفراد قال رائد:
-بص يا يونس فيه واحده صاحبة رغده جت حكتلي عن علاقتك برغدة وإنك قابلتها يوم الحادثه وهي شافتها بتركب معاك… وشافت الواد اللي خبطته بعربيتك وسيبته وجريت… أنا كنت ممكن أروح أقول للشرطة لكن خفت عليك مهما كان إنت ابن خالي برده…
أطرق يونس وصمت، فأردف رائد:
-احكيلي يا يونس عشان أقدر أساعدك…
تجهم وجه يونس وصمت للحظات يفكر، قبل أن يحسم أمره قائلًا:
-أنا فعلًا قابلت رغده وكانت… هو في اليوم ده كنت واخد منها ميعاد عشان أطلبها للجواز لكن….
”رجوع ليوم الحادث..”
خرجت رغدة من المطعم تبحث عن سيارة يونس حتى وجدته ينتظرها قبالة المطعم وركبت جواره سألها عما بها فقد كانت عابسة الملامح، وكأن سؤاله ضغط زر عبراتها فاجهشت بالبكاء انشغل يونس معها وحاول تهدئتها، وبينما يبحث عن منديل ورقي إذ ظهر أمامه طفل وقبل أن يضغط مكبح السيارة ارتطم الصغير بالأرض ورأى يونس الد**ماء من حوله ففزع وفر بالسيارة بينما حاولت رغدة أن توقفه وهدرت به:
-حرام عليك الواد هيـ مــ وت….
حاولت اقناعه أن يعود ليساعد الطفل لكنه هدر بها أن تصمت فقد كان بقمة غضبه وخوفه وهلعه…
وعندما لم تتوقف رغدة الصراخ أوقف السيارة وقال بحدة:
-انزلي….
ارتجلت رغدة من السيارة وهي في قمة غضبها وغيظها وغادر يونس…
حاولت رغده أن تعود لتنقذ الطفل ولكن بعُدت المسافة فالتفتت حولها للشارع الخالي من المارة ووقفت مكانها تبكي بلوعة…
بحثت عن هاتفها لتكتشف أنها نسيت حقيبتها كاملة بسيارة يونس، فأخذت تسير وهي تلعنه وتلعن اليوم الذي رأته به.
”عودة”
-ولما عرفت إنها اتقتلت رميت شنطتها في مكان عام وتقريبا حد سلمها للشرطة… وكنت خايف اقول إننا اتقابلنا فالشرطه تعرف بحادثة الطفل…
قالها يونس، فعقب رائد:
-يعني سيبت الطفل سايح في د**مه وكمان سيبت رغده لوحدها في حته مقطـ ـوعة…
باغتهما طرقات على باب المنزل مع رنين عنيـ ـف لجرس الباب وما أن فتح والد يونس حتى امتلأ البيت بأفراد الشرطة فنظر يونس لرائد وقال بعتاب وبانكـ ـسار:
-إنت بلغت عني يا رائد؟!
هز رائد رأسه نافيًا وقال الضابط:
-محدش بلغ عنك… إحنا فرغنا كاميرات المطعم ولقينا إن إنت أخر واحد رغده قابلته فاتفضل معانا بهدوء…
قالها الضابط قبل أن يسحب يونس أفراد الشرطه، ووقفت والدته تصرخ بعدما علمت أن ابنها متهم في قضية قـ ـتـ ـل…
وبعد فترة سار رائد جوار محمد وبعدما حكى له كل ما حدث، قال محمد:
-وإيه اللي مخليك واثق في ابن خالك كده ما يمكن هو اللي د.بـ ـحـها عشان متقولش إن هو اللي خبط نادر…
-جايز… مش عارف…
-أنا عايز أنام يا رائد… تعبت ودماغي هتنـ ـفـ ـجـر….
قالها محمد وهو يمسح وجهه بكلتا يديه، فقال رائد:
-أنا مش عاجبني حالك! إنت موقف شغلك وقاعد هنا قصدي نايم طول النهار ليه؟ ارجع يا محمد شغلك وشوف حياتك… لا الحزن بيرجع اللي راح ولا حل لغز القضيه هيخمد النـ ـار اللي جوانا…
أطلق محمد تنهيدة طويلة ثم قال:
-الوقت قادر يخمد أي نـ ـار يابن عمي والحياه مبتقفش على حد ولو ممشتش معاها هتدوس عليك وتمشي…
-قول لنفسك الكلام ده… إنت لازم ترجع لحياتك وشغلك يا محمد…
-إيه ده إنت زهقت مني ولا ايه؟ حاسس كده إنك بتطردني…
-عيب عليك… إنت متعرفش معزتك في قلبي…
ربت محمد على كتف رائد وابتسم بانكـ ـسار..
وبعد صلاة المغرب دلف الإثنان إلى البيت فتناهى لسمعهما:
-يعني الست رغده كانت بتحاول تخرب حياة أختها…
-خلاص يا شيرين مبقاش يجوز عليها إلا الرحمه…
قالها دياب مقاطعًا، فقالت شيرين بنبرة حادة:
-الله يجحمها مطرح ما راحت….
هدر بها دياب:
-حرام عليكِ يا شيرين.
تجاهلت جملته وقالت بحنق:
-وكانت بتحط لإبني إيه في المايه والأكل هي وريناد! أكيد سحر!! كانوا بيسحروله! منهم لله حسبنا الله ونعم الوكيل… أختك وعيالها ميدخلوش بيتنا تاني…
نهض دياب ودلف لغرفته ثم صك الباب خلفه بعـ ـنف وخاطب نفسه:
-أنا غلطان إني حكيتلك يا شيرين!!!
أطلق تنهيدة طويلة وردد:
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم….
من ناحية أخرى نظر كل من محمد ورائد لبعضهما وأخذ محمد يسأل ويستفسر عما قالته شيرين، فشرحت له بإيجاز ثم عقبت:
-أصلكوا متعرفوش رغده… دي كانت أخبث واحده ممكن تقابلوها… يلا أهي أخدت جزاتها…
قالتها شيرين واتجهت للمطبخ بينما أطرق محمد بحزن فربت رائد على كتفه وقال:
-اجمد كده…
-يا ترى ريم لما تعرف هتعمل ايه!!!
قالها محمد بنبرة حزينة، فقال رائد:
-ريم مينفعش تعرف حاجه وزي ما رامي مخبي عليها مـ ـوت رغده هنخبي عليها الباقي ..
تنهد محمد بأسى وقال:
-مسيرها هتعرف…
ومن ناحية أخرى كانت هيام تستمع للحديث من وراء حجاب، أدمعت مقلتيها وهزت رأسها باستنكار وهي تردد:
-ليه رغم كل اللي سمعته مش قادره أكرهك يا رغده!!
-هيام…
جففت دموعها في سرعة حين سمعت نداء رائد باسمها وهرولت إليه فقال فور رؤيتها:
-اعمليلنا كوبايتين قهوة عشان نفوق الأخ ده…
قالها وهو يشير لمحمد، فعقبت هيام:
-القهوة خلصت… هات فلوس وأنا أنزل أجيب…
-خلاص مش مهم يا هيام اعمليلنا شاي…
قالها محمد، فرد رائد:
-لا المحل جنبنا متقلقش… هتلاقي الفلوس في درج مكتبي يا هيام…
أومأت هيام ودخلت لغرفة أخيها فجذب انتباهها ملابس محمد المعلقة أمامها فطرأت لها فكرة بحثت عن ورقة وقلم وكتبت عليها عدة جمل ثم وضعتها بجيب بنطاله وخرجت من الغرفة…
وقفت أمام باب الغرفة كانت تشعر أنها تنسى شيء ما، وسرعان ما تذكرت وهرولت مجددًا لتأخذ الأموال وتخرج لشراء القهوة…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
بقلم آيه شاكر
★★★★
دخل صالح لبيته وما أن رآه ضياء حتى هب واقفًا وأقبل نحوه بنظرات حادة ثم صفعه على وجهه، فصرخت فاطمة ووقفت بوجه ضياء، في حين وضع صالح يده على وجهه وقال بانفعال:
-إنت بتضـ ـربني ليــــــه!!! أنا معملتش حاجه بنتك اللي كانت قنـ ـبلة شر ماشيه على الأرض…
دفع ضياء زوجته عن وجهه ومسك ابنه من تلابيبه هادرًا به:
-علاقة ايه اللي كانت بينك وبين ريناد!! مجتش قولتلي ليه وأنا أجوزهالك يا نـ ـدل!!
صالح بانفعال:
-مكنش فيه علاقه بينا هي اللي كانت بتحبني و… والموضوع انتهى من زمان….
-يعني ريناد مكنتش حامل منك؟!
قالها ضياء بنبرة ساخرة…
وقع السؤال على صالح كالصاعقة فقد ظن أنه لا أحد سيعلم! زعم بأنه لن يُكشف ستره! وسيمر ما فعل، لكن ما حدث لرغده كشف كل شيء، ولم يمـ ـت السر مع أخته كما ظن! بل نُبش أمام الجميع.
تلعثم صالح وارتبك وأنكر:
-إ… إيه الكلام ده! لا طبعًا.
-ريمان مسجلالكوا مكالمات تفضح…. ومش بعيد تكونوا انتوا اللي قتـ ـلتوا أختك… ما أنا متوقع أي حاجه بعد اللي سمعته ده…
قالها ضياء وهو يدفع ابنه للخلف بقـ ـوة، وانهال عليه يلكمه بعنـ ـف، لم يصمد صالح طويلًا أمام ضـ ـرب والده المبرح بل دفع والده بغـ ـضب، فسقط ضياء على ظهره تأوه ثم أغلق جفونه، وسكن جسده، كانت فاطمة تشاهد ما يحدث بصدمة وما أن رآت ضياء ملقى على الأرض، صرخت بابنها:
-إنت عملت إيه؟!!
انحنت تتفقد زوجها وهي تهدر بصالح:
-عملت في أبوك إيه!! عملت في أبوك إيه…
انحنى صالح وأخد يتفقد والده وهو يقول بندم:
-بابا… بابا أنا آسف قوم… قوم اضـ ـربني… يا بـــــابـــــا…. أنا آسف..
ارتفع نشيج فاطمة وأخذت تناديه وعندما لم يستجب صرخت:
-ضيـــــــــاء.
★★★★★★★
وقفت وئام في شرفتها وظلت تتسائل لمَ لم يفصح يحيى عما يريده منها هل نسى أم تراجع عما يريد!
خرجت والدتها للشرفة وأخذت تقص عليها ما عرفته بشأن رغدة للمرة الثانية فلم تعقب وئام وزفرت بقـ ـوة، مدت بصرها فرأت يحيى يقبل مع عمرو وعامر تزامنًا مع سماعها صوت صرخات تخرج من بيت عمها وقد طفق الناس يتكبكبون حول البيت فاختلج قلبها فزعًا ونظرت لوالدتها متسائلة بهلع:
-هو فيه ايه تاني؟!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-مش عارفه… ربنا يستر.
قالتها شيرين وركضت تنادي دياب، وهرولت وئام لتخبر رائد ومحمد اللذان كانا يرتشفان القهوة في صمت مطبق قطعته وئام اللاهثة حين قالت:
-فيه صوت صريخ طالع من بيت عمو ضياء…
وثب محمد بعد أن وضع كوب القهوة على الطاولة، مرددًا بفزع:
-بابا!!
أخذت العائلة تركض بالشارع وكأنهم يتسابقون للوصول…
شق محمد صفوف الناس وما أن رأى والده طريحًا حتى صاح بنبرة مرتفعة دكت قلوبًا وصدمت أخرى:
-بــــــــابــــــا!
انحنى محمد يتفحص دقات قلب أبيه وحين اطمأن كونه على قيد الحياة أخذ يهزه وهو يناديه بلهفة:
-بابا.
كان ضياء مـ ـريض بداء السكري ودائمًا ما كان يشرح لمحمد أن غيبوبة سكر الدم المنخفض أشد خطورة من ارتفاعه فلو رآه ملقى أرضًا ذات يوم ينبغي أن يضع في فمه حبيبات السكر أو العسل وإلا قد تتأثر بعض المراكز المهمة في المخ إن لم يخضع للعناية الطبية في غضون دقائق.
لم يكن محمد بطبيب ليعرف أعراض غيبوبة السكر من غيرها ومن فرط الصدمة لم يخطر له إلا تلك الفكرة حيث هدر:
-حد يجيب عسل أو سكر بسرعه…
لم يُحرك أحدهم ساكنًا فكرر محمد طلبه بنبرة مرتفعة لذا توجه دياب للمطبخ وسرعان ما خرج بوعاء للعسل بينما كانت فاطمة تقف كتمثال من الشمع تتابع محمد وهو يسكب العسل في فم زوجها مرددًا:
-فوق يا بابا متسيبنيش أرجوك… أنا مليش غيرك…
لم تعقب فاطمة لكنها كانت تُحملق بمحمد وتتفحص ملامحه فهو يشبه ضياء!
ظلت تُحدق به وهو يحمل والده وحده دون مساعدة أحد بل أنه لم يأبه لمن يحاولون مساعدته ولا يدري متى اكتسب تلك القـ ـوة ليفعل! لكن الأمر تعلق بأعز ما يملك وأهم شخص بحياته ورغم ثقل والده إلا أنه نزل درجات السلم حاملًا إياه على ظهره وكأنه كان يطير طيرًا، وكان يردد كلمة واحدة من خلف أنفاسه الاهثة:
-متسيبنيش يا بابا…
جميعنا أقوياء وكلنا نستطيع مجابهة أي شيء إذا حاولنا، فقط نحتاج لما يدفعنا لندرك أننا نستطيع…
تابعت وئام وهيام ما يجري في اضطراب وبعدما انطلقت السيارة وتبعها عدة سيارات أخرى…
ظل يحيى مكانه يلتفت يمنة ويسرة للواقفون حوله من الناس، تناهى لسمعه صوت أحدهم المتهكم:
-أهو ضياء ده كان بيمشي رافع مناخيره ومبيكلمش حد شوف ربنا كسـ ـرله مناخيره ازاي!
قالها وضحك مع شاب يقف جوار، فهدرت به هيام:
-إنت إزاي تتكلم عن عمي كده؟
-أنا أتكلم زي ما أنا عايز يا بت ويلا امشي من هنا…
قالها الرجل مستهزء ليباغته صوت شيرين التي قالت بحرقة وحدة:
-إنت راجل مش محترم…
فرد الشاب الذي يقف جوار الرجل:
-متغلطيش في أبويا يا حُرمه.
شعرت وئام بإهانة والدتها فتدخلت:
-حُرمه!! طبعًا ما هو إذا كان رب البيت جحش مبردع فشيمة أهل البيت كلهم الرفصُ…
عقبت شيرين وهي تبدل نظرها بين الرجل وابنه باستخفاف واستفزاز:
-طبعًا الكلام دا كبير عليكم مش هتفهموه من أول مره… فقلبوها في دماغكوا كده وإن شاء الله تفهموا.
سُرعان ما ظهر في الأفق سيدة سمينة ومعها بنتين يُعادل وزن الواحدة منهم وئام وهيام معًا، قالت إحدى البنات:
-ادخل يابا إنت وأخويا خلونا نشوف ست الكل بتقول جحش إيه!
كان يحيى يتابع ما يحدث متعجبًا ومعجبًا برد وئام، وحين لاحظ اشتداد النزاع وقف أمامهن كالحصن وأخذ يخاطب الرجل معاتبًا:
-يعني لزمته ايه الكلام ده يا حج؟ الناس بتمر بمرحله صعبه جدًا بدل ما نهون عليهم نسخر منهم!
تدخل الناس في الحوار وكل واحد يعاتب الرجل بعبارة أن جـ ـرحهم لم يندمل، وحين لاحظ الرجل أنه في الكفة الخاسرة هو وأسرته حدجهم بنظرات إزدراء وصرف بناته وزوجته ثم انصرف دون أن يدلي بأي كلمة أخرى، امتثالًا لأمر الناس…
فخاطب يحيى شيرين:
-مش وقت خناق خالص يا طنط خديهم وارجعوا البيت.
أطلقت شيرين تنهيدة خرجت من عمق قلبها المتأجج بالحمم، ثم خاطبت يحيى باستسلام:
-حاضر يا يحيى…
جذب انتباه يحيى عمرو الذي يتجلى الخوف على خلجات وجهه، دنا منه وقبض على يده وخاطبه بقلق:
-إنتِ بتترعش كدا ليه يا عمرو!!
-هما دبحوا عمو هو كمان يا شيخ؟
قالها الطفل بنبرة مرتعشة فزعة، فانحنى يحيى لمستواه وقال:
-لا يا حبيبي عمو بس تعبان شويه… ومتقلقش هيبقا كويس…
صرخ عمرو قائلًا بانهيـ ـار:
-إنت بتضحك عليا دبحـ ـوه وهيدبـ ـحونا واحد واحد…
بكى الطفل الأخر عامر وهو يقول بهلع:
-أنا مش عايز أندبح زي الفرخه…
ضم عمرو يحيى وهو يردد:
-خدني معاك يا شيخ أنا مش عايز أندبـ ـح هنا بالله عليك….
ضمه عامر هو الأخر مرددًا:
-وأنا كمان يا شيخ…
كانت وئام وشيرين تقفان بالجوار وتسمعان حوارهم،
فقالت وئام:
-متخافوش مفيش حاجه… محدش هيعملكم حاجه… يلا هنرجع البيت….
جذبت وئام يد عامر فصرخ قائلًا:
-لا لا لا… مش هرجع البيت… لا…
سحبه يحيى من يدها وهو يقول:
-خلاص… سيبيه يا وئام…
أردف:
-أنا كنت عايز أحصل الجماعه على المستشفى الأول لكن…
حاولت شيرين إقناع الطفلين لكنهما أصرا على الذهاب مع يحيى، تذكر عمرو عبارة آدم التي يضعف يحيى أمامها فطالع يحيى بأعين باكية وقال بحشرجة:
-أستحلفك بالله تاخدنا معاك.
وعندما لاحظ يحيى انهيار الطفلين قال:
-خلاص يا طنط هاخدهم يقعدوا مع آدم يومين…
وافقت شيرين على طلبه وقبل أن يغادر رمق وئام بطرف خفي، وها قد خاب أمله للمرة الثانية فقد كان عازمًا أن يلتمس الفرصة ويتحدث مع رائد الليلة بشأن خطبتها بعد أن شجعته والدته ليفعل! لكن وكلما أبَّ أن يفعل ظهر له عائق من العدم…
استغفروا ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وقبيل منتصف الليل عادوا للبيت بعدما تحسنت حالة ضياء وبعد الفحوصات تبين أنه لم يكن يعاني من أي شيء يستدعي القلق، ولم يدخل في غيبوبة كما ظن محمد هو فقط فقد وعيه أثر انخفاض ضغط د**مه…
وفي البيت
كان ضياء مستلقيًا على فراشه وحين اطمئان محمد على سلامته، دنا منه ثم قبل يده وقال:
-حمد الله على سلامتك يا حبيبي…
طالعت فاطمة محمد بنظرات مدلهمة وقبل أن يهم بالإنصراف دنت منه فاطمة وسألته بنبرة مترقبة ومتوجسة:
-إنت مين؟
تذبذبت نظرات محمد وأخذ يبدل نظره بين دياب وضياء ثم رائد ثم صالح ومؤمن قبل أن يسلط بصره على فاطمة ويرى الإنكـ ـسار والذبول متجليًا على قسمات وجهها، إزدرد ريقه مراتٍ عدة زاعمًا أن أوان الإفصاح عن هويته لم يأن! تلعثم قائلًا:
-أ… أ… أنا صاحب… قصدي ابن…
-ابني أنا…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
التفت الجميع لضياء الذي تفوه بتلك العبارة، فطالع محمد ضياء وأخذ يراوغ بقوله:
-اه فعلًا أنا بعتبر حضرتك أكتر من أب بالنسبه لي…
لكن ضياء كان قد حسم الأمر وأزفت ساعة الإفصاح عن زواجه الثاني، قال:
-محمد ابني…. محمد ضياء العقيد.
-إبنك!!! إبنك ازاي؟
قالها مؤمن بدهشة، فأشارت فاطمة لنفسها وقد تحجرت مقلتيها ورددت بنبرة خافتة مرتابة:
-هـ… هو إنت متجوز عليا يا ضياء؟
تجاهل ضياء سؤالها ونظر لصالح ومؤمن قائلًا بجمود:
-محمد أخوكوا…
أردف وهو ينظر أمامه:
-أنا كنت متجوز… ومراتي اتوفت…
زمت فاطمة فمها وأطرقت رأسها لبرهة ثم رفعت رأسها تُطالع محمد بنظرات مبهمة قبل أن تخرج من الغرفة دون التفوه بأي كلمة…
فقال محمد معاتبًا والده:
-مكنش وقته يا بابا!
تجاهل ضياء عتابه وقال:
-بات هنا مع أخواتك النهارده يا محمد.
-لأ يا بابا أنا هبات مع رائد عشان هرجع مطروح الصبح بدري….
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد مرور أربعة أيام من التحقيقات المستمرة مع يونس أُطلق سراحه بعدما لم يثبُت عليه أي دليل.
وابتهج حين علم بسلامة الطفل الذي ظن أنه صدمه بالسيارة، خرج من المرحاض بعدما أغتسل وجلس على طرف فراشه يجفف شعره وأخذ يتذكر صوت رغدة وضحكاتها ومرحها وتذكر تلك المكالمة، حين حدثته في إحدى المرات وكان صوتها مليئ بالشجن.
”رجوع بالوقت”
حين سألها عما بها قال بنبرة مرتعشة متحشرجة:
-أنا مش فاهمه نفسي… معرفش بعمل كده ليه يا يونس!!!
-حصل إيه يا رغده متقلقنيش عليكِ؟
صمتت هنيهة ثم سمع صوت استنشاقها لعبراتها وقالت:
-ريناد هي السبب هي اللي اديتني سائل كده، وقالتلي عشان ريم تكره رامي وتبعد عنه… ولو ريم شربت من المايه نفسها هو هيحس إنها مش كويسه فاهمني؟
-مش فاهم حاجه! فهميني بالراحه.
ارتشفت دموعها وقالت بحشرجة:
-ريناد بتحب رامي وأنا كنت عايزه ريم تتطلق فاتفقنا نفرقهم وريناد اديني سائل كده حطيته في المايه قالت إنهم هيكرهوا بعض بسببه…
استوى يونس جالسًا وتذكر حالة رامي حين زاره أخر مره فعندما نظر بعينه بدا وكأنه سـ ـكران، فرمقه يونس متخابثًا زاعمًا أنه فعل ذلك عمدًا…
جذبه من أفكاره صوتها الباكي:
-يونس أنا فتحتلك قلبي عشان مخنوقه من نفسي ومن اللي بعمله وعايزه أتغير… هو أنا كده حقوده صح؟ أنا كده بحقد على أختي؟
-واضح كده يا رغده…
-طيب ممكن تساعدني أتغير… أنا حاسه إني مريضه نفسية والله!!
”عودة”
مسح يونس وجهه وهو يردد:
-الله يرحمك يا رغده.
★★★★★
في مرسى مطروح وقف محمد يختار ثيابه ليخرج لعمله وكلما أخرج بنطال وجده متسخ فيضعه جانبًا…
تذكر ذلك اليوم حين أفصح والده عن هويته أمام الجميع وكيف أشفق على فاطمة وقتها فقد انسحبت من المكان بهدوء ولم تبدِ أي رد فعل وفي اليوم التالي طلبت من ضياء الطلاق وغادرت البيت وعاد محمد لمرسى مطروح وقد أخبره ضياء بأنه لن يعود معه مجددًا وسيظل بمسقط رأسه جوار أولاده لأنهما بحاجته الآن…
كان شاردًا بينما يرتدي ثيابه وبعدما انتهى وضع يده في جيبه وأبّ للسير ولكن تفاجأ بورقة خطت على ظهرها «هيام» ففتحها وحين قرأ ما بها من عبارات انتزعت منه البسمة أخذ يرددها للمرة الثانية والإبتسامة لم تفارق مُحياه:
-يابن العم يعز علي أشوفك كده لكن إحراجي عائق إني أواسيك… مش عارفه هتشوف الورقة دي ولا لأ بس لو شوفتها إعرف إني بدعيلك كتير وصدقني هتعدي الأزمه دي وترجع أقوى من الأول… اجمد يا بطل…
وجملة أخرى بأخر الورقة:
-كنت عرضت عليا قبل كده نكون أصحاب وأنا برفض خلينا ولاد عم أحسن الصداقه هتخلينا نخسر بعض… بنت عمك هيام.
ضحك وأخذ يتأمل كلماتها ثم وضع الورقة في جيبه وخرج لعمله وكلماتها تمور بقلبه الذي دق بسعادة، بينما الأدرينالين يتدفق داخل عضلات جسده…
وفي منتصف اليوم بينما كان جالسًا على مكتبه طلب رقمها فلم تجب لذا انتظر فترة أخرى وطلبها مجددًا…
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
كانت هيام تمضغ العلكة وبينما تحيك ثياب دميتها، فنادتها وئام:
-موبايلك بيرن يا بنتي…
-سيبيه مش فاضيه.
وبعد فترة صدع مجددًا بالرنين فحملته وئام وقرأت الإسم ثم أقبلت نحو هيام وقالت رافعة إحدى حاجبيها:
-مين محمد!
وثبت هيام وجذبت الهاتف من يد أختها وهي تُطالع شاشة الهاتف باضطراب بعد أن قالت:
-مـ… مين؟ مـ… معرفش.
ازدردت لعابها واستطردت:
-أهاا…. دا ابن عمك ضياء… وتلاقيه عايز رائد ولا حاجه…
طالعتها وئام بابتسامة ماكرة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها، فهدرت بها هيام:
-متبصليش كده!
وئام بخبث:
-طيب ردي عليه وافتحي المايك…
-لأ مش هرد… وامشي بقا من قدامي ولا أقولك همشي أنا…
قالتها هيام وحملت كل أدواتها ودلفت لغرفتها وقلبها يكاد يثب من بين أضلعها من فرط اضطرابه، أخذت تتنفس مرة بعد الأخرى لتهدأ من ارتباكها ثم أوصدت الباب وجلست على طرف فراشها تطرق قدميها بالأرض في سرعة واضطراب وتقضم أظافرها بأسنانها، وهي تتسائل هل قرأ ما كتبته!! نهرت نفسها لأنها كتب له تلك الورقة، وبعد فترة حملت هاتفها وترددت كثيرًا قبل أن تطلب رقمه فلم يجب، وبعد لحظة أضاءت شاشة الهاتف باسمه…
تنفست الصعداء وأجابت ملقية السلام، فرد عليها بنبرة تتجلى بها السعادة وترى فيها بسمته، حاولت التظاهر بالمرح لتُخفي توترها، قالت:
-خير يابن العم بترن عليا ليه؟
-تخيلي لسه قارئ رسالتك الحلوه دي النهارده!
-مش مشكله أن تصل متأخرًا خيرًا من ألا تصل أبدًا يابن عمي…
ضحك بخفوت وقال:
-طيب يا ستي المهم انتوا عاملين إيه ورائد وعمي؟
-الحمد لله بخير… وإنت الحياه عندك عامله إيه؟
قال بأسى:
-ناقصها وجودكوا جنبي…
-مش هتيجي إنت قريب؟
-هاجي إن شاء الله قـ….
قاطع حديثه صوت أنثوي:
-أستاذ محمد المدير طالب حضرتك…
قال بجدية:
-حاضر جاي حالًا…
أردف بينما ينهض من مكانه:
– طيب يا هيام هقفل دلوقتي وهبقا أكلمك تاني… سلام عليكم…
-عليكم السلام…
قالتها بنبرة مختنقة فحين سمعت الصوت الأنثوي جال في رأسها أسئلة عدة؛ هل يعمل مع نساء! وهل يرى فتيات جميلات ويحادثهن! شعرت بالغيظ الشديد فحملت دميتها وأخذت تحيك الثياب وهي تُصر على أسنانها فقد أضناها الندم لأنها أجابت عليه…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد مرور يوم
بعدما أدت نداء فريضة الفجر فتحت هاتفها الصغير، حملقت برقم رائد لبرهة ثم طلبته…
كانت تنتظر أن يعطيها مغلق لكن بدلًا عن ذلك أتاها صوته بعد عدة رنات:
-صباح الخير…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-صـ… صباح النور… آسفه إني بطلبك في الوقت ده لكن كنت عايزه…
صمتت وأخذت تزدرد لعابها في اضطراب فقال:
-كملي سكتتِ ليه؟
تنحنحت وسألته:
-هو إنت لقيت موبايلك المسروق؟
-لأ لكن اشتريت واحد جديد…
ران بينهما الصمت، فقال رائد:
-كويس إنك اتصلتِ كنت عايز أقولك حاجه مهمه.
-خير؟
-نداء أنا… أنا بحبك.
وقبل أن تجبه نقر طبلة أذنها صوت يدوي في مكان ما ولا تعلم مصدره….
“سال دمعي يا إلهي، ولولا غربتي ما كان دمعي يسيل، غربتي نجوى ونيران شوق، وأسى باك وليل طويل، وما لي رجاء غير أن تسعى إليك السبيل، إذا ضاقت فنجوى دعائي، حسبي الله، حسبي الله ونعم الوكيل”
-حسبي الله ونعم الوكيل.
رددتها نداء بعد أن فتحت جفونها وأغلقت المنبه الذي بات يوقظها لصلاة القيام الذي جعلته فرض عليها كالصلاة المكتوبة، واختارت هذا الإبتهال فتلك الكلمات مع صوت «الشيخ نصر الدين طوبار» الخاشع لم يفشلا لمرة واحدة في إيقاظها من سباتها، لتُقبل إلى الله بقلب مشتاق للقاء متلهف للدعاء…
وبعدما ارتدت اسدال الصلاة تذكرت ذلك الحلم وخاطبت نفسها مستنكرة:
-يعني اتحكمت في تفكيري ومشاعري ومبقتش أفكر فيك… تقوم تجيلي في الحلم! طيب أتحكم في أحلامي إزاي؟
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت:
-يارب…
إستعاذت بالله من الشيطان ومن شر نفسها ثم شرعت في الصلاة، لا تدري لمَ كانت تخجل أن تدعو الله ليجعل رائد زوج لها وبدلًا عن ذلك كانت تدعوه أن يرزقها سبحانه زوج صالح تقى تقر بها عينها….
فالله أعلم بما يناسبها أما هي فشاعرها متقلبة ولا تعلم ما تريد…
مر الوقت وهي تصلي وتقرأ القرآن حتى أذن الفجر فأدت صلاتها وبعد التسليم استلقت على سجادتها محدقةً بسقف غرفتها محدثة ربها بتذلل:
-يا إلهي… يا من بيده مقاليد كل شيء حتى فؤادي، طهر فؤادي واهده وأعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وأخذت تردد أذكار الصباح حتى غفت عينيها دون إرادتها…
أعلن صوت شقشقة العصافير عن تنفس النهار، فتحت جفونها أثر نقرات العصفورة زجاج نافذتها لتجد حالها مستلقية على سجادة الصلاة، نهضت ثم أقبلت نحوه النافذة وهي تخاطب العصفورة ببهجة:
-صباح الخير يا عصفورتي.
طارت العصفورة حين اقتربت نداء من النافذة فابتسمت، وطالعت نادر الذي يغط في نوم عميق عازمةً ألا تأخذه معها للمركز اليوم…
أقبلت نحو باب الغرفة وقبل أن تفتحه سمعت صوت والدتها الهادر فتراجعت لحين تهدأ تلك المشاحنة….
*******
-مش مسمحاك يا رشدي عشان بقالي ساعه بغسل في بقعه عصير الفراولة اللي في قميصك!
كانت تنطق حرفي العين والحاء هاء مما دفع رشدي للسخرية:
-ساهه! إذا كنتِ إنتِ صاهيه من النوم مبقالكيش نص ساهه…
-وكمان بتتريق عليا يا رشدي طب خد قميصك أهوه…
قالتها ثم ألقت الثوب بوجهه بعصبية وحين لاحظت تجهمه جحظت عيناها بصدمة مما فعلت بسبب غضبها، وحين أقبل رشدي نحوها ركضت صارخة وتبعها وهو يهدر:
-بتحدفي القميص بميته في وشي يا دينا…
-دي مهبه “محبه” يا رشدي… هبًا “حبًا” فيك يخويا…
قالتها بخوف وهي تحتمي خلف الطاولة وهو يقف في الجهة المقابلة، سخر منها قائلًا:
-مهبه!!!
رفعت سبابتها قائلة بحدة مختلطة بالخوف:
-متتريقش عليا!
وثب رشدي نحوها وجذبها من ذراعها وأخذ يمسح الثوب بوجهها وهي تدفعه وتحاول الفرار فتعثرت وسقط عليه فضحك رشدي بينما قالت بنزق:
-عاجبك كده!!
تأمل رشدي ملامحها بابتسامة فظنته سيتغزل بها لذا لم تنهض، وتفاجئت حين قال بخفوت وبابتسامة:
-هو… هتفطرينا إيه النهارده إن شاء الله..
صمتت هنيهة لتستوعب ما قاله ثم قالت بهمس:
-هملالك بطاطس مهمره وطهميه مهمره وبتنجان مهمر يستاهلوا بوقك…
قال بنفس الهمس:
-أمـ ـوت أنا في المهمر.
حين لاحظت نداء الهدوء الذي طغى على البيت فجأة خرجت من غرفتها وأخذت تبحث عنهما فوجدتهما يفترشان الأرض خلف الطاولة ويتهامسان، انحنت لمستواهما وقالت بنفس الهمس:
-بتعملوا إيه؟!
صرخت والدتها ووثب واقفة وتبعها رشدي الذي قال بنبرة مضطربة:
-إنتِ بتعملي إيه هنا يا نداء… مش تخبطي قبل ما تدخلي؟
نهضت نداء وتثائبت ثم مطت ذراعيها وهي تقول:
-كنت داخله الحمام… عندي شغل كمان نص ساعه وعايزه أمشي…
-هو… هو إنتِ بتشوفي رائد في الشغل ده يا نداء؟
سألتها والدتها ببسمة واسعة بينما طالعها رشدي بترقب، فقالت نداء:
-أيوه بشوفه… ليه؟
تنحنحت دينا وقالت:
-لأ مفيش بسأل بس…
وبعدما دلفت نداء للمرحاض دنا رشدي من زوجته وهمس:
-البنت دي بتلبس حلو ولا إيه نظامها؟
-اليومين دول رايهه “رايحه” جايه بالهبايه “بالعباية” السمره قال إيه عشان المرهومه “المرحومه” رغده…
أخذ رشدي يحك ذقنه بتفكير ثم ابتسم رشدي حين تذكر شيئًا وقال غامزًا بعينه:
-هو التيير الإسود اللي شوفتك بيه أول مره لسه موجود يا دودو؟
-طبعًا موجود وفي الدولاب…
-طيب إيه رأيك تخلي نداء تلبسه النهارده؟
-والله فكره هلوه “حلوه” بس لازم تساهدني “تساعدني” فيها أصل البت دماغها ناشفه أوي وقال إيه بتقول إنه قديم وهالك…
قالتها دينا ثم مصمصت شفتيها بعدم اقتناع، فقال رشدي:
-وهي بتفهم حاجه في اللبس دا التيير ده بيدي اللي يلبسه وقار وعظمه كده..
أردف بعد أن هز رأسه باستنكار:
-اجري بس هاتيه وتعالي وأنا هتصرف معاها…
خرجت نداء من المرحاض وحين رأتهما أمامها يُطالعانها بابتسامة واسعة ووالدتها تخفي شيء ما خلف ظهرها، مدت نداء نظرها وحين أبصرت الجاكت الأسود وأدركت ما يجول برأسهما هتفت بحزم:
-مستحيل ألبس كده…
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
حاولت نداء أن تظل مكانها على المقعد ولا تتحرك أمامه بذلك الرداء الهالك، حتى انتهت ساعات العمل وحان وقت الإنصراف، كانت ترمقه بطرف خفي وهو يجلس في غرفة قبالتها تنتظر أن ينصرف أولًا ككل يوم لكنه لم يفعل وظل مكانه لذا عزمت أمرها أن تغادر وتحاول ألا يراها…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
نهضت واقفة وأخذت تهندم من ثوبها الجاكت الطويل الذي يصل لما قبل ركبتها بإنش واحد ناهيك عن اتساعه الذي يحتاج لأنثى أخرى لتغرق معها فيه، فضلًا عن نهايته المزركشة بالترتر الأسود اللامع وأكمامه الواسعة التي تحتاج إلى ذراعين أخرين غير نداء والجيبة العجيبة التي ثنيتها على خصرها ثلاث مرات كي لا تتعثر بها نظرًا لطولها، وثباتها بدبوس كي لا تسقط من على خصرها، وأكثر ما يزعجها هو لون القماش الباهت، نفخت بضجر فلا تعلم كيف قال والدها حين رآها:
“الله الله الله دا إيه الشياكه دي كلها…”
ووالدتها:
“أيوه كده خليه ينفشك شويه بدل العبايه اللي بتبين رفعك وعصعوصك.”
وقبل خروجها رأتها سيدة التي تعمل معهما بالمركز «أمنيه» التي انفـ ـجرت ضاحكة وقالت:
-إيه الطقم ده؟ أنا مشوفتكيش وإنتِ جايه!
-أنا فيا اللي مكفيني مش ناقصه تريقه والله.
قالتها نداء بنزق، فقالت أمنية بضحك:
-لأ هو حلو بس محتاج يضيق شويه…
حدجتها نداء بحنق تزامنًا مع دوي هاتفها برقم والدتها فلم تجب لفرط ضيقها من والديها وعنادهما!
وعند خروجها من المركز اختبئت جوار أمنية كي لا يراها رائد وحين خرجت تنفست بارتياح وخاطبت أمنية:
-شكرًا لطولك يا أمنيه.
-أنا مش طويله إنتِ اللي قصيرة.
قالتها أمنيه بضحك ساخرة، فضحكت نداء حين تذكرت أن وئام دوما ما تقول لها تلك الجملة وعندما همت أن تخطو خطوة أخرى تعثرت بذيل ردائها فانكبت على وجهها لكن لحسن حظها أن استندت على سيارة قبالتها ولسوء حظها دوي إنذار السيارة فصُعقت وأخذت تعود بظهرها للخلف فدعست على ذيل ثوبها لينفك دبوس الذي أحكمته على خصرها وأخذت الجيبة تتهدل شيئًا فشيء دون أن تلحظ…
باغتها صوته فتسمرت مكانها وحين ناداها مرة أخرى التفتت إليه مطأطأة الرأس، قال وهو يكبح ابتسامته التي تجلت بنبرته:
-طنط دينا بتقولك هي عندنا في البيت فروحي على هناك…
اومأت وودعت أمنية ثم سارت تغمغم بضجر فإذًا قد أخذت منها والدتها مفتاح البيت لتجبرها على الذهاب لبيت دياب بذلك الرداء!!
كان رائد يسير أمامها ويسبقها بعدة خطوات وحين وصلت لبيت دياب كان رائد يقف أمام بيته ويتحدث عبر هاتفه رمقها وهي تتعثر في سيرها فلوى فمه للأسفل متعجبًا من ثيابها الغريبة!!
وبعدما دخلت نداء سلمت على الجالسات وإذ بغتة بينما تضم شيرين، شعرت أن هناك شيء ما سقط على قدميها تلا ذلك الشعور دوي شهقاتهن…
ابتلعت ريقها ثم نظرت لذيل ثوبها فأبصرت بنطال بجامتها الأبيض الذي تنتشر به ورود حمراء وعدة خطوط باللون الأزرق والأصفر ناهيك عن جورابها السوداء اللذان تضع بهما بنطالها…
نظرت لوجوههن ثم لبنطالها مجددًا وتشنج فمها كالأطفال وهي تردد بنبرة مختنقة:
-دا حرام ولا حلال اللي بيحصلي ده؟
رن جرس الباب فانحنى كل من هيام ووئام يمينها ويسارا ورفعتا لها الجيبة ووقفتا تمسكانها لفترة حتى القى رائد السلام على دينا ثم دخل لغرفته، فتنفستا بارتياح وتركتا الجيبة لتسقط مرة أخرى، فانفـ ـجرن بالضحك عدا نداء التي انحنت ورفعت الجيبة، وظلت واقفة، فخاطبتها دينا بنزق مصطنع:
-قولتلك بلاش الطقم ده قعدتِ تقوليلي دا تيير شيك!
قالت هيام من خلف ضحكاتها:
-تيير!! إنتِ قولتِ تيير يا نداء؟
نظرت دينا لشيرين مبررة:
-والله دولابها مليان هدوم بس هي غاويه تلبس هدومي القديمه…
طالعتها نداء والدموع تقف على عتبة جفونها في انتظار إشارة منها، فشعرا بها وئام وهيام لذا سحبتاها من ثوبها المتهدل ودخلن لإحدى الغرف…
وبعد فترة جلس الثلاث فتيات يضحكن على ذلك الموقف ونداء تحكي لهما عن إصرار والدتها لترتدي ذلك الرداء فقالت هيام:
-بس الحمد لله إن رائد مشافش حاجه! تخيلي الجيبه تقع قدام رائد؟
-دا أنا كنت أروح فيها!
قالتها نداء، فردت وئام بضحك:
-يا بنتي عادي زي أخوكي يعني….
غمزت لها هيام وهي تردد متخابثة:
-لأ يا بنتي متقوليش كده… مينفش يبقا زي أخوها… ولا إيه يا دودو؟
-تعرفي تسكتِ؟!
قالتها نداء بتجهم وهي تُحدق بالفراغ بوجوم…
مر الوقت وعندما عادت نداء لبيتها أخذت دينا تحكي لرشدي ما حدث وتضحك وهو يشاركها الضحك ونداء رهف السمع لحديثهما وهي في قمة غضبها، فقال رشدي مبتهجًا:
-الطقم ده وشه وش الخير يا دينا جابني على ملى وشي وجاب رائد على بوزه…
-يعني إيه؟
-يعني رائد كلمني النهارده وقالي إنه عايز يجي يشرب معايا الشاي عشان موضوع خاص يا دينا…
قالها وهو يصفق بكلتا يديه بحمـ ـاس شديد، فقالت دينا ببهجة:
-أخيرًا هيتقدملها!
-عاوزك بقا تحضري الساقع وتظبطي الشقه وتظبطي البت…
صمتا لبرهة قبل أن يقول رشدي وهو يغمز بإحدى عينيه:
-الفستان الأحمر اللي قابلتيني به أول مره لما اتقدمتلك لسه موجود؟
-موجود طبعًا وفي الدولاب…
قالتها بحمـ ـاس وقد فهمت نداء مقصدهما فوثبت في مكانها وخاطبت نفسها وهي تُصر على أسنانها:
-لأ بجد حرام… ده بالذات مش ممكن البسه…
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد آذان العشاء جلست وئام على فراشها تعبث بهاتفها فاقتـ ـحم عمرو وعامر الغرفة، وقفزا على فراشها كالقرود، وقال أحدهما:
-تدينا كام ونقولك سر عن الشيخ يحيى؟
ألقت هاتفها جانبًا وقالت بابتسامة:
-قولوا الأول وبعدين أقرر…
تنحنح عامر وقال بعدما غمز بعينه:
-من خلال قعدتنا في بيته تلت ايام عرفنا إنه راجل محترم بيصلي قيام كل ليلة…
الطفل الأخر:
-وبيقرأ قرآن كتير في كل وقت وصوته حلو أوي.
حملت وئام هاتفها وعادت تعبث به مرددة:
-طيب ما أنا عارفه فين السر هنا؟
قال عمرو:
-ما إحنا بنسخن لسه السر جاي في الطريق انتبهي…
أكمل عامر:
-لما قعد فتره ميجيش يدينا درس هنا كان بسببك…
تركت الهاتف مجددًا وأشارت لنفسها قائلة بصدمة:
-بسببي أنا!!!
اومأ عمرو وقال:
-أيوه عشان… عشان كان معجب بيكِ وخايف يعلق قلبه بحاجه مش حلال.
التقط عامر اللجام منه قائلًا:
-وقال لمامته إنه هيتقدملك لما الظروف اللي بنمر بيها تعدي…
عمرو:
-وكمان سمعته بيقول لمامته إنه أتكلم مع رائد في الموضوع ده…
هز عامر عنقه بأسى مرددًا بحزن:
-بس هو يا حبة عيني خايف ترفضيه…
صمتت وئام تفكر بما قالاه، ليجذبها صوت عمرو:
-يلا ربنا يتمم بخير ونشوفك عروسه ونتفشخر بيكي في الشارع كله…
رفع عامر سبابته قائلًا:
-لعلمك الراجل باين عليه بيحبك جامد يا وئام زي ما إنتِ بتحبيه وأكتر…
شهقت وئام أثر جملته الأخيرة وقالت بصدمة:
-إيه اللي بتقوله ده يا عمرو!!!
هز الطفل رأسه مرددًا بابتسامة جليدية:
-أنا مش عمرو أنا عامر…
هتف الأخر:
-هتدينا كام؟
أخذت وئام تضـ ـربهما بكلتا يديها وهي تقول:
-اطلعـــــوا بره…
ركض الأطفال صوب الباب وقال أحدهما بتهديد:
-لو مديتناش فلوس هنقول لكل العيله عن نظرات الحب الصامته دي…
قذفتهما وئام بالوسادة فخرجا وأغلقا الباب، قلبت كفيها وهي تردد:
-دول مش ممكن يكونوا أطفال…
فُتح باب غرفتها فحملت الوسادة لتقذفها زاعمةً أنهما عادا، ولكنها تراجعت حين رأت والدتها التي قالت باضطراب:
-وئام! البسي بسرعه وتعالي يحيى ووالدته بره!
وثبت واقفة واختلج قلبها! ووقفت تزدرد ريقها بتوتر…
من ناحية أخرى خارج غرفتها قال عمرو:
-شامم إلي أنا شامه؟
استنشق عامر الهواء وهو يقول:
-أيوه رائحة الحب بتهفهف في المكان…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
صفق عمرو وطفق يقفز بحـ ـماس ثم عاد ليفتح باب غرفة أخته بهدوء وتؤده فلم تنتبه له إلا حين أطل برأسه من فوهة الباب ليرى وئام التي كانت تقف قبالة مخدع ملابسها تُطالع ثيابها بمزيج من الحيرة والإضطراب، بعدما أخبرتها والدتها أن ترتدي أفضل ما لديها…
قال عمرو بابتسامة عابثة:
-إلبسي الفستان الكحلي بيبقا تحفه يا تحفه إنتِ…
ثم غمز بعينه، وظهرت بعدها رأس عامر الذي قال ببسمة:
-مبروك يا عروستنا.
ضغطت وئام بقواطعها العلويه على شفتها السفلية وزمجرت بغضب فأغلق الطفلان الباب وركضا بعيدًا بينما تختلط أصوات ضحكاتهما المستفزة مع بعضها…
وقفت وئام مكانها هنيهة وكلمات أخويها عن يحيى تمور برأسها، ودون تردد أخرجت الفستان الكحلي، تفحصته بإعجاب وقالت بابتسامة مرحة:
-معاهم حق… هيبقا تحفه يا تحفه أنا…
ثم ضمت الفستان وهي تضحك مرددة:
-بقا أنا تحفه!!
قاطع ضحكاتها اندفاع هيام لداخل الغرفة، وقولها بسعادة وحبور:
-أستاذ يحيى طلبك…
حاولت وئام التظاهر بالغبـ ـاء قائلة:
-يـ… يعني إيه!!
-يعني عايز يتجوزك…
قالتها هيام بإماءة وبسمة واسعة، ثم نظرت للفستان بيد أختها واستأنفت:
-كنت جايه أقولك البسي الفستان ده…
طالعت وئام الفستان وكانتا يداها ترتجفان، حملتها الأفكار لذكريات مضت عندما كانت تحاول جذب انتباه يحيى وحين كانت تطوق لذلك اليوم، وكيف كان يحيى يبتعد عنها، والآن عندما ردعت مشاعرها وصرفت قلبها عما تفعل، طرق هو بابها، افتر ثغرها بابتسامة وهي تردد بهمس:
-حاجه غريبة…
-بتقولي إيه؟
سألتها هيام، فهزت وئام رأسها بالنفي أن لا شيء….
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وفي غرفة الضيافة جلست شيرين قبالة والدة يحيى بعدما وضعت أكواب العصير أمامها وأخذت ترحب بها للمرة التي لا حصر لها ثم مدت بصرها لترى يحيى يجلس بالشرفة مع رائد ودياب وقد شرح لهما ظروفه وعرضه بالزواج…
-أنا عارفه إن يمكن تكون الظروف مش مناسبه للكلام ده لكن…
انتبهت شيرين حين قالتها والدة يحيى ثم ابتلعت ريقها باضطراب فحتى الآن لم يجب أحد بالنفي أو القبول، أضافت بحرج:
-فكروا براحتكوا وربنا يقدم الخير إن شاء الله… وتأكدوا إن سواء قبلتوا أو رفضتوا إحنا هنفضل أهل.
-طبعًا إحنا أهل من غير أي حاجه… ربنا يصلح الحال يارب.
قالتها شيرين بابتسامة عذبة، فقد تلجم لسانها من المفاجأة وألقى الصمت عباءته عليهم جميعًا.
وعلى نحوٍ أخر كان دياب يخشى قرار ابنته فقد تفعل كما فعلت هيام مع العريس السابق وتُحرجهم جميعًا، لذا قال:
-والله يابني القرار يرجع لوئام وأنا هتكلم معاها وأشوف…
تلعثم يحيى وهو يقول:
-أ… أ… خدوا وقتكوا أنا مش مستعجل…
ربت رائد على كتف يحيى وهو يقول بابتسامة واسعة:
-إحنا إن كان علينا يا يحيى مش هنلاقي لأختي أحسن منك.
نهض دياب واقفًا وقال بعد تنهيدة:
-أنا هدخل أتكلم شويه مع وئام…
وبعدما انصرف دياب، نظر يحيى لأثره فوقعت عينه بأعين والدته ألتي أومأت مبتسمة لتطمأنه فلاح على شفتيه شبح ابتسامة فاترة يخشى أن يكون استعجل في الأمر، فالإصرار والدته الشديد لم يخبر رائد بل فاجأه كما فاجأ الأسرة بكاملها.
كان رائد يتابع نظرات يحيى المضطربة وحركات أصابع يديه التي تنم عن فرط ارتباكه، فعاد رائد بظهره للخلف ووضع ساق على الأخرى ثم حمحم قائلًا:
-متقلقش هتوافق…
لمس يحيى وجهه بأصابعه وهو يردد:
-أتمنى.
*********
وقفت وئام أمام والدها تفرك يديها وتتحاشى إلتقاء نظراتهما وهو يعرض عليها ما قاله يحيى، وحين طال صمتها قال دياب:
-لو ناويه تحرجينا زي ما هيام عملت يبقا ما تقابلهوش…
قالها ثم سلط بصره على هيام التي طأطأت رأسها بحرج حين تذكرت ذلك العريس ابن صديق والدها…
أما وئام فابتلعت ريقها ولم تعقب بل أطرقت رأسها في خجل ظنه دياب وجوم أو إعراض، فاستأنف دياب:
-يحيى عاوزك تعيشي معاه هو ووالدته ووالده في نفس البيت… وأنا حاسس إن الكلام ده مش هيناسبك! ولا إيه رأيك؟
دلفت شيرين للغرفة بعد هذا السؤال الذي بقى معلق في الهواء، وبدلت وئام نظرها بينهم كانت تتفرس ملامح والدتها ثم والدها وأخيرًا هيام علها تلتمس بهم القبول أو النفور! ليباغتها صوت عمرو:
-اه هيناسبها يا بابا.
أكمل عامر بابتسامة:
-أهم حاجه الحب وهما بيحبوا…
قفزت وئام نحوه وأطبقت يدها على فمه، فأكمل الطفل الأخر برتم سريع وهو يركض خارج الغرفة:
-بيحبوا بعض وبيبصوا لبعض من تحت لتحت.
ازدردت وئام لعابها وتحدثت بعصبية لتواري ارتباكها:
-ماشي يا عمرو حسابك بعدين.
كانت هيام تضغط شفتيها معًا وتكبح ضحكاتها، بينما طالع كل من شيرين ودياب بعضهما بابتسامة ونظرات ذات معنى قبل أن يخرج دياب فقد أسفرت نظرات وئام الصامتة عن مكنون قلبها…
خاطبت شيرين ابنتها والإبتسامة لم تفارق شفتيها:
-تعالي معايا يلا يا عروسة…
حمحمت هيام قائلة:
-وأنا أجي ولا ايه النظام؟
-روحي إنتِ اغسلي الفاكهه.
قالتها شيرين قبل أن تقبض على يد ابنتها الباردة كالثلج، قالت:
-فكرتيني بنفسي لما باباكي اتقدملي… كانت إيدي متلجه برده…
تدخلت هيام قائلة بضحكات ماكرة:
-ويا ترى بابا كان بيبصلك من تحت لتحت برده؟
وجهت لها وئام نظرات حادة بينما قالت شيرين بضحك:
-بس يا بت…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وفي مكان أخر في بيت داليا «والدة ريناد» نفخ صالح بضجر ثم خاطب والده الذي يجلس جواره:
-يا بابا الموضوع انتهى من فترة طويلة… وأنا معرفش إنت جايبني هنا ليه! لو اللي في دماغك إني أصلح غلطتي فأنا مستحيل اتجوزها…
-هتتجوزها يا صالح ومش بمزاجك.
قالها دياب باقتضاب وهو يضغط على كل كلمة بعبارته، فصك صالح أسنانه بغيظ ولم يعقب، تدخل مؤمن:
-أيوه يا صالح لازم تتجوزها وتصلح غلطتك دي مهما كانت بنت عمتك ياخي…
-وأنا معملتش حاجه غصب عنها كله كان برضاها…
قالها صالح ببرود ليباغته والده بصفعه مدوية، وهدر به بغضب عارم:
-أنا مش عايز ولا كلمة…
خيم الصمت عليهم هنيهة قبل أن يستطرد ضياء بأسى:
-بس الغلط مش عليك الغلطه غلطتي أنا… معرفتش أربي… منكم لله كـ ـسـ ـرتوا ظهري…
برقتا عيني ضياء بالدموع فأخذ مؤمن يواسيه بقوله:
-أ… إهدى يا بابا هـ… هو هيصلح غلطته…
لم يعقب صالح وأطبق راحة كفه على موضع الصفعة مشيحًا وجهه للجهة الأخرى _والتي كانت صوب باب الغرفة_ لتشتبك نظراته مع نظرات ريناد شاحبة الوجه، منهكة الروح، فأشاح وجهه للجهة الأخرى في سرعة وهو يلعنها في داخله.
كان وجه داليا متجهم جلست قبالة ضياء الذي خاطب ريناد بحدة:
-لو طلع إن إنت والواد ده السبب في مـ ـوت رغده مش…
قاطعته ريناد قائلة بانفعال وبنبرة مرتجفة:
-والله أبدًا يا خالو… إنتوا إزاي تفكروا كده أصلًا!!!
وجه ضياء نظراته الحادة لصالح الذي انتفخت أوداجه من شدة الغضب، وخاطبه بحزم:
-هنكتب كتابكوا بكره…
استأنف رافعًا سبابته في وجه ريناد:
-اللي بعمله ده عشان خاطر أمك وعشان أبوكي الله يرحمه اللي كان أقرب صاحب ليا… إنما إنتِ متستاهليش…
قالها باشمئزاز فهمى الدمع من مقلتي داليا التي أطرقت خزيًا، انهمرت دموع ريناد على وجنتيها وارتفع نشيجها، فلم يربت أحد على قلبها بل تجاهلها الجميع، خاطبها ضياء بحدة ودون سابق إنذار:
-وكنتِ بتحطي إيه لرامي في المايه إنتِ ورغده؟
جففت دموعها وقالت بحشرجة:
-دا… دا… كان….
رمقتها والدتها بخيبة أمل وقاطعت كلامها قائلة:
-كان سـ ـحـ ـر… بس متقلقش يا ضياء الست اللي راحولها مبتعرفش تعمل سـ ـحـ ـر أصلًا… نصابه يعني…
نهض ضياء بعد أن أطلق تنهيدة متألمة والحسرة تقبع بين عينه، ثم استأذن من أخته وغادر وتبعه ولداه في صمت….
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
-المرة اللي فاتت لبست التيير غصب عني عشان حطيتوا كل هدومي في الغسيل…
صمتت هنيهة وأكملت:
-يعني مش كفايه بلبس هدوم بنات خالتي كمان عايزه تلبسيني هدومك القديمه يا ماما!!… لكن لحد هنا وكفـــايـــه.
زمجرت نداء بغضب ثم صكت أسنانها ورفعت سبابتها مردفةً بنبرة مرتفعة:
-المره دي مستحيل ألبس الفستان المهلهل ده وهلبس على مزاجي وإلا مش هقابله…
انتفضت أثر فتح والدتها باب الغرفة ثم إطلالة والدها بابتسامة واسعة وقوله بإعجاب:
-بسم الله ما شاء الله إيه القمر ده؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
همت نداء أن تقول تلك الكلمات التي كانت تخاطب بها نفسها قبل لحظات علها تزيل الحمل الثقيل الذي يجثم على صدرها، لكن نظرات الإعجاب في أعين والديها لجمت لسانها وبرأسها تدوي جملة واحدة وهي قوله تعالى:
«ووصينا الإنسن بوالديه حُسنًا»
التفتت خلفها وطالعت نفسها بالمرآة للمرة الثانية علها تكون مخطئة في حكمها على الفستان.
كانت تغرق بفستان أحمر ناصع الحُمره، طويل الأكمام ويتدلى ذيله الطويل خلفها على الأرض فضلًا عن وسعه الكبير! وعدم تناسقه، أخذت تلمس الفستان وتتفحصه فقد كانت تقيسه عليها كما طلبت والديها.
قالت نداء بنبرة آسية خافتة:
-جماعه أنا كده شبه الشحاتين بالظبط.
-شحاتين إيه!! دا إنتِ معندكيش ذوق….
قالها والدها هادرًا بعصبية، فقالت وهي تهز عنقها يمنة ويسرة:
-متحاولوش مش هلبس كده… والمره دي اللي عاوز يخرجني بالمنظر ده يفرجني…
نزعت الفستان الأحمر ووضعته على الفراش وهي تكظم غيظها وتحاول قدر الإمكان عدم إظهاره لوالديها، بدلت نظرها بين والديها اللذان لم يحركا ساكنًا وقالت بنبرة خفضتها رهبة وريب:
-ومش هلبس هدومك تاني يا ماما…
نظر كل من دينا ورشدي لبعضهما وفي هدوء، فشعرت أنه ربما هدوء ما قبل العاصفة! مما دفعها لإزدراد لعابها وهي تبدل نظرها بينهما بتوجس، حافظت والدتها على هدوئها معقبة بخيبة أمل:
-دا أنا كنت بحافظ على هدومي القديمه عشان اليوم ده يا نداء.
-يا ماما الموضه دي بطلت خلاص… والفساتين دلوقتي مبقاش ليها سفنج عند الأكتاف كده… دا غير نوع القماش نفسه اللي أكيد انقرض…
أشاحت نداء وجهها بعدما رمت والدتها بنظرة جانبية تخفي ورائها تذمرها، فتدخل والدها غامزًا بعينه:
-الفستان كان حلو عليكِ وهيزغلل العريس زي التيير ما جابه لحد هنا.
-لو سمحت يا بابا متجبش سيرة التيير ده! أصلًا مبقاش فيه حاجه دلوقتي اسمها تيير يا بابا…
ران بينهما الصمت ودينا تغمز لرشدي بعينيها أن يتصرف مع عناد ابنته، فخاطب رشدي نداء:
-طيب إيه رأيك نعمل قُرعه…
وافقت نداء فأخرج رشدي من جيبه عملة نقديه وقال:
-لو طلعت صورة تلبسي الفستان الأحمر ولو طلعت كتابه تلبسي اللي تختاريه.
-اتفقنا.
قالتها نداء بحمـ ـاس، فقذف رشدي العملة عاليًا وما أن سقطت نصب أعينهم، صرخت نداء مبتهجة وانفرجت أساريرها بل أخذت تقفز كالأطفال فهز رشدي رأسه في استهانه، وألقى نظرة خاطفة على الفستان القابع أعلى الفراش ثم برم شاربه وهو يردد:
-خسرتي فستان حظك… يلا ملحوقه مره تانيه…
خرج والديها من الغرفة فوثبت نداء فوق فراشها وأخذت تتمايل فرحًا وسعادة، ولم تكن سعادتها فقط لأجل إرتدائها ما تريد ولكن غمر قلبها سعادة العالم لأن رائد سيأتي مساء الغد لطلبها للزواج، محدثة نفسها أنه قد حان الوقت لتنهل من حبه دون خوف أو تأنيب ضمير، وكانت تلك هي الليلة الأولى حيث دعت الله في قيامها أن يجعله هو زوجها ويكون تقي نقي تقر به أعينها…
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ❤️
★★★★★
أغلق رامي هاتفه بعدما اطمئن على أخبار عائلته من رائد، بحث عن ريم بأرجاء البيت فقد عادا من عملهما بالمطعم مبكرًا هذا اليوم فقد مرت أيام ثقال على قلبه وهو يواري الحزن عن ريم حيث يُشغلها معه بالعمل كي تكون أمام ناظره طوال الوقت فلا تتفرغ للحديث مع أسرتها إلا أمام عينه وتعمد أن يُشغلها كي لا تفكر بأي شيء! كما عطل حسابها على الفيسبوك عمدًا، فهو يخشى على قلبها ذلك الحزن الذي أنهكه ومزق من قلبه ما مزق…
خرجت ريم من المرحاض وهي تجيب:
-بتنادي ليه يا رامي؟
قال بابتسامة:
-فاكره يحيى صاحب رائد؟
قطبت جبينها تفكر وسرعان ما أومأت رأسها بالإيجاب، فأردف بابتهاج:
-اتقدم لوئام النهارده…
-بجد!!! خبر حلو أوي.
قالتها بابتسامة باهتة لاحظها رامي، همت أن تنصرف من أمامه فجذبها من ذراعها وحين التفتت إليه رأى وميض من الدموع يبرق خلف أهدابها وقبل أن يسألها قالت:
-محمد كلمني من شويه…
انتفض رامي وانزعج من محمد فقد حذره ألا يخبر ريم بأي شيء، ابتلع غصته وسألها:
-كلمك امته؟!
-من شويه… ساعة ما كنت بتكلم رائد…
قالتها تكبح عبراتها، وأردفت بحشرجة:
-ماما عرفت إن محمد أخويا وإن بابا كان متجوز عليها وطلبت الطلاق… عشان كده مش بترد عليا وحتى رغده ببعتلها رسايل على الواتس ومش بتفتح أصلًا…
قالتها بأسى شديد، لكنه فطن أنها لم تعرف بشأن رغده فقال:
-خير يا ريم كله خير إن شاء الله متجهديش نفسك في التفكير… وإن شاء الله ربنا هيحلها يا حبيبتي.
أومأت بأسى، وصمتت هنيهة ثم قالت:
-أنا مش عارفه الفيسبوك مش شغال معايا ليه؟ أبقى شوفه كده…
تلعثم وهو يحاوط كتفيها بذراعه قائلًا:
-هـ… هبقا أشوفه يا مسكر بس يلا دلوقتي إلبسي عشان نخرج….
-حاضر.
قالتها بابتسامة ذابلة ودلفت لغرفتها، فزفر رامي بارتياح لأنها لم تعرف بشأن رغدة وما أصابها! ورغم إشفاقه على رغده إلا أنه لم ينسى ما رآها تفعله بيوم زفافهما ويحاول جاهدًا أن يغفر لها فعلتها تلك…
”رجوع بالوقت”
ضمه يونس وأخذه في ركن منعزل ثم وضع في يده برشام أبيض اللون وغمز قائلًا:
-دا بقا هديه مني ليك!
-مـ ـخـ ـدرات يا يونس؟!!
قالها رامي بصدمة ونبرة ارتفعت بعض الشيء، التفت يونس حوله بتوجس وردد بهمس:
-مـ ـخـ ـدرات إيه!! هتودينا في داهيه! دي دماغ مش أكتر! يعني لو زهقان تفرفشك لو تعبان تنعنشك…
-دماغ!! امسك يا يونس…
قالها رامي بتهكم وهو يضع البرشام في يد يونس مرة أخرى، فوضعها يونس في جيب رامي وقبل أن يبدى رامي أي رد فعل خطى يونس بعيدًا عنه وهو يطلق عدة ضحكات مرددًا:
-مبروك يا عريس…
وضع رامي يده في جيبه يتحسس الحبوب ويتذكر نظرات ريم ومحمد ثم أغلق عينيه وجز على أسنانه بغضب، وقبل أن يعود لريم جذب انتباهه رغدة التي تلتفت حولها بتوجس قبل أن تضع شيئًا ما بقنينة المياه وتخرج من المطبخ، فتمتم:
-يا بنت الـ…. الـ إيه بس أبوكي راجل محترم!
نفخ بضجر ودلف للمطبخ ثم ألقى بقنينة المياه في سلة القمامة، تجول بعينيه في المطبخ عازمًا أن يسكب كل قنينة مياه به وأخيرًا خرج ووقف جوار ريم وأخذ عمه يوصيه بها خيرًا…
مرت عدة أيام على زفافهما…
كان يسمع ريم تتحدث خلسة عبر الهاتف مع محمد وفي هذا اليوم سمعها تقول:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبي.
تملك منه الغضب، واشتعلت النيـ ـران بقلبه، وأخذت الذكريات والأفكار تلفح رأسه بعنـ ـف، فاندفع نحو البرشام الذي أعطاه له يونس وأخذ واحدة تبعها بأخرى، ثم سقطت من بين أهدابه دمعة متألمة، وبعد دقيقة واحدة دوى جرس الباب وظهر وجه يونس المبتسم، استقبله رامي وجلس معه لفترة ثم شعر بثقل رأسه وجاهد لفتح عينه وقد جرى تأثير البرشام في دمه حتى غطى عقله، فاستأذن يونس للرحيل بعدما رمقه بخبث زاعمًا أنه أخذ من الحبوب التي أعطاه إياها…
”عودة”
جفف رامي الدموع التي انهمرت على وجنتيه ومسح أنفه وهو يقول:
-سامحني يارب…
تنهد بألم، فباغته صوتها:
-أنا جاهزه…
قالتها ريم مبتسمة فاتسعت ابتسامته وأقبل نحوها، قبل رأسها وقال:
-يلا بينا يا مسكر…
طالعت عينيه اللتان ظهر بهما أثر البكاء وسألته بلهفة:
-إنت كويس يا حبيبي؟
-أيوه يا حبيبتي بس فيه رمش كان دخل في عيني…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
تعجب يحيى من نفسه، ومن تملك الصمت منه فهو طليق اللسان فصيح القول أُعقد لسانه الآن! ظل مطرق الرأس يفرك لحيته بأصابعه مراتٍ ومرات، رفع بصره قليلًا فأبصر يديها اللتان تفركهما بتوتر بالغ، فرفع بصره لوجهها الذي احتقن بالد**ماء، أطال النظر إليها حتى رمقته بطرف خفي فأشاح بصره عنها وأسقطت هي بصرها مجددًا وهي تبتلع ريقها في ارتباك، حاول قطع الصمت المبالغ فيه بقوله:
-إزيك يا وئام؟
-الحمد لله…
قالتها بخفوت، فأضاف:
-وعامله إيه؟
-الحمد لله…
أومأ رأسه وصمت مجددًا، تعجبت وئام لكونها المرة الثالثة التي يدور بينهما نفس الحوار، ابتسمت وفطن لما تبسمت لأجله، فلاح على شفتيه ابتسامة عذبة، وقال:
-الحقيقه مش عارف هما بيقولوا إيه في المواقف دي!
-بـ… بيتكلموا عن نفسهم…
قالتها بتلعثم ولجلجة، فحمحم وقال:
-طيب هو أنا… أنا اسمي يحيى…
ران بينهما الصمت هنيهة، فأطلقت وئام لسانها قائلة بسخرية لطيفة ودون أن ترفع ناظرها:
-بصراحه حضرتك فاجئتني وقولتلي معلومه مكنتش أعرفها خالص.
أطلق عدة ضحكات وشاركته ثم أضافت بمرح:
-طيب حيث كده بقا أنا اسمي وئام…
-معلومة مفيدة جدًا…
قالها كابحًا ضحكته، عاد الصمت يقتات عليهما مجددًا، وأخذ يحيى يفرك عينيه بأصابعه قبل أن يقطع الصمت بقوله للمرة الرابعة على التوالي:
-إزيك يا وئام؟
فانفجـ ـرت وئام ضاحكة، وضحك هو الأخر، دلف رائد للغرفة وبدل نظره بينهما رافعًا إحدى حاجبيه ثم جلس جوار أخته وقال مداعبًا:
-أنا سامع صوت الضحك من بدري ممكن أعرف السبب؟
وفور انتهاء رائد من سؤاله دلفت شيرين بصحبة والدة يحيى للغرفة وتبعهما دياب…
وبعد فترة غادر يحيى دون أن يتحدث مع وئام وعند تشيعهما مال يحيى على أذن رائد وقال:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-أنا متكلمتش من أختك كلمتين على بعض… ابقى كلمها عني ينوبك ثواب…
-متقلقش خالص أنا في ظهرك يبني…
ضحك يحيى وعانق رائد فقد شقت السعادة قلبه عندما أحس بقبول مبدأي من ناحية وئام وأهلها كذلك…
★★★★★
انتظرت نداء عصر اليوم بفارغ الصبر، كانت السعادة تتجول بين غرفات قلبها، أخذت تساعد والدتها في تنظيف البيت وتحضير الطعام وأيضًا إعداد حالها نفسيًا قبل ظاهريًا…
مر الوقت وارتفع أذان العصر، فدخل والدها للبيت ومعه الفواكه وزجاجات العصير، خاطب نداء بتعجب:
-إنتِ لسه ملبستيش؟ الجماعه في الطريق!
سألته دينا:
-هو من اللي جاي معاه يا رشدي؟
-العريس وباباه…
قالها غامزًا بعينيه لنداء التي تبسمت بحياء، فطالعتها دينا وقالت:
-طيب ادخلي البسي يا نداء متضيعيش وقت…
مال رشدي نحو نداء وقال:
-مش ناويه تغيري رأيك وتلبسي الفستان الأحمر…
طالعته نداء بنظرة جانبية فاستطرد:
-طيب خلاص يا ستي إنتِ حره… إنتِ الخسرانه.
قطعت دينا حوارهما هادرة بنداء أن تتجهز، فأومأت نداء ودخلت غرفتها، وحين سمعت صوت بوق السيارة نظرت خلسة من خلف ستار النافذة فأبصرته يرتجل من السيارة ثم يدنو من والدها ويصافحه، رفع بصره وطالع نافذتها وكأنه قد شعر بوجودها فاستدارت ووضعت يدها على قلبها المنتفض.
خرجت نداء من غرفتها للمطبخ وسألت والدتها:
-هما قعدوا في المحل تحت ولا إيه؟!
-باين كده!!
لوت نداء فمها لأسفل بتعجب وعادت لغرفتها، وبعد فترة دلف رشدي للبيت متجهم الوجه، وقف لبرهة صامت والحيرة تُطل من عينيه وكأنه يشاور نفسه أيقول الآن أم ينتظر، فسألته دينا:
-مالك؟!
-هـ… هبقا أقولك بس اعملي شاي وهاتيه تحت…
قالها وانصرف على الفور دون انتظار تعليقها مما أثار قلقها…
انتظرت نداء أن يناديها والديها ولكن طالت المدة فوقفت تُطالع الطريق عبر النافذة فأثار انتباهها دخول علي مع أخيه الأكبر للمحل، ابتسمت وسألت حالها هل هما عريسان في نفس الوقت!!
اتسعت ابتسامتها ولكن سُرعان ما تلاشت حين رأت دياب ورائد يغادران ثم دلف والدها للبيت بصحبة علي وأخيه…
وقفت مشدوهة طالعت رائد وهو يغادر بأعين متسعة ذهولًا وصدمةً، تتسائل لمَ انصرف قبل أن يقابلها! ألم يأتي لطلبها للزواج؟! تُرى ماذا حدث؟ تشوش تفكيرها وصفع القلق قلبها صفعة أسقطته بأخمص قدميها ومما أثار حدة الأمر والدتها_ التي دخلت الغرفة للتو_ وخاطبتها بنبرة يتجلى بها الشجن:
-طلع جاي عشان حاجه تانيه خالص… يعني فرحتنا كانت على الفاضي…
تسرب الحزن إلى قلبها ليطرد ذرات السعادة منه شيئًا فشيء حتى أظلم، فلم يكن إلا سرابًا وبمجرد وصولها إليه لم تجده؟!
شعرت بعاصفة قـ ـوية هزت غرفات قلبها، ودكت آمالها، ادلهمت نظراتها وتناثرت أحلامها ذاهبة مهب الرياح…
-بس فيه عريس تاني اتقدملك وقاعد مع بابا بره… يلا عشان تقابليه…
جذبها من خضم أفكارها تلك العبارة التي ألقتها والدتها، فتظاهرت نداء بالإبتسامة لتواري حرجها، قائلة:
-أنا فرحانه أوي إنه مطلعش جاي يتقدملي وإلا كان هيبقا فيها إحراج لأني كنت هرفضه… أ… أ… أنا مبفكرش في الجواز دلوقتي… أ… أنا لسه صغيره على الكلام ده… ومش عايزه أقابل حد تاني…
قالت نداء أخر جملة وهي تهز عنقها بالنفي، فقالت والدتها:
-بس باباكي قالي خلي نداء تجيب العصير وتيجي متحرجهوش مع الناس…
ابتلعت نداء الغصة التي تتلوى بحلقها وقالت بإماءة خفيفة وبنبرة تجلى بها خيبة الأمل:
-حاضر…
استرسلت بمرح زائف:
-بس كويس إن رائد مطلعش العريس… أصله طويل أوي يا ماما وأنا مبوصلش لحد كتفه… يعني أنا وهو مننفعش لبعض بأي شكل… غير إنه د**مه تقيل وأنا ما برتاحلهوش أصلًا…
-اسكتي يا بت إنتِ متعرفيش حاجه دا كتر خيره كان جاي يفرحنا بخبر تاني… بيقول إن الحكومة وافقت تعمل عملية نادر على نفقة الدولة… وهنسافر كمان كام يوم….
لم تعقب نداء ومع أنه خبر مُفرح إلا أن الخذلان احتـ ـل قلبها وأوصد الباب، فلم تستطع السعادة الولوج مرة اخرى بأي صورة.
-يلا تعالي ورايا عشان تدخلي بالعصير…
قالتها دينا وهي تنصرف وتبعتها نداء بخطوات ثقيلة، والحزن يتمشى بين ملامحها رغم محاولتها الفـ ـاشلة في رسم الإبتسامة على مُحياها…
دلفت للغرفة وبيدها العصير ألقت السلام ووضعته ثم همت أن تنصرف فناداها رشدي:
-تعالي اقعدي يا نداء…
جلست قبالة علي مطأطأة الرأس تفكر فيما آلت إليه الأمور! لو علمت أنها ستقابل علي لارتدت الفستان الأحمر! فستان المتسولين كما أطلقت عليه…
لم تنتبه إلا على خروج والدها للشرفة برفقة أخو علي وتركها بمفردها معه علي الذي أخذ يسألها عن أحوالها وهي تجيبه باقتضاب حتى قال:
-نداء أنا بحبك عشان كده كنت بكلم دعاء تلين دماغك من ناحيتي لكنها كانت طول الوقت بتقنعني إنك مرتبطه وماشيه مع ولاد…
أطلقت نداء ضحكة كالزفرة وقالت:
-إنت جاي ليه؟! سبق وعرضت عليا الجواز وأنا رفضت!… أنا وافقت أقابلك عشان محرجش بابا لكن….
تنهدت واستطردت:
-لسه بدري أوي عشان أفكر في موضوع الجواز…
-أنا مستعد أستناكي.
نهضت واقفة وقالت:
-أنا آسفه… ربنا يرزقك ببنت الحلال…
نهض هو الأخر وحاول استمالتها لكنها انصرفت دون تعقيب وغادر هو الأخر يجر أذيال الخيبة…
***********
من ناحية أخرى وصل رائد لبيته ودخل غرفته بوجه عابس، فمنذ سمع علي يطلب نداء للزواج وهو يشتـ ـعل غضبًا لأنه سبقه إليها، خشى أن توافق عليه وتضيع منه فحمل هاتفه وأبّ لطلبها لكنه تراجع لن يخطئ ككل مرة! وإن كان له نصيب فيها سيخبئها الله له، تركها لله وتوكل عليه، ورغم لوعة فؤاده وغيرته إلا أنه تحكم بمشاعره، وأغلق جفونه لينام عله يفر من تلك الهواجس والأفكار التي تتجول بخاطره…
*********
وبعد يومين قضتهما نداء في حزن مطبق، وصمت عارم ورفض قاطع لـ علي، استيقظت صباحًا أثر نقرات العصفورة نافذة غرفتها ارتدت ثيابها بعدما خلعت رداء الوهم وقررت التعافى من تلك الصفعة التي أعطتها لنفسها، فلم يخطئ إلاها، وهي المذنب الأول بما حدث لقلبها…
دلفت للمركز والقت السلام على أمنية التي قالت بحـ ـماس:
-دودو… مش عايزه تشتغلي في جمعية خيريه؟
-هلم تبرعات ولا ايه!
قالتها بابتسامة فاترة، فشرحت أمنية:
-لأ دي جمعيه للمكفوفين ممكن تكوني رفيق لحد في الامتحانات أو بتساعدي إننا نحول كتب معينه على طريقة برايل…
زمت نداء جفونها متسائلة:
-حلو أوي… وفين الجمعية دي؟
أعطتها أمنية العنوان وأردفت:
-إحنا كمان شغالين دلوقتي إن يكون فيه أبلكيشن على الموبايل هنساعد فيه الصم والبكم وهنقرا فيه كتب عن طريق لغة الإشارة… بصي هنوسع مجالنا جدًا الفترة الجايه ورئيس الجمعية دماغه شغاله… ربنا يوفقه.
صمتت نداء تفكر بإعجاب في تلك الجمعية وعزمت على الإلتحاق بها علها تشغل جُل وقتها فكما قال عمرو ابن الخطاب:
«إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة»
وحين طال صمتها سألتها أمنية:
-إيه رأيك؟
-موافقه طبعًا…
-خلاص تمام هاخدك معايا النهارده… بعد الشغل عندنا إجتماع…
-متحـ ـمسة جدًا للإنضمام…
وحين دلف رائد للمركز تحاشت النظر إليه أما هو ألقى عليها السلام وسألها عن أحوالها فأجابته باقتضاب، وقف أمامها لبرهة وقد ترددت الكلمات في صدره لكن لم يقوى على قولها، كان يود سؤالها عن العريس لكن قاوم رغبته المُلحة وصرف نفسه عن مراده بابتلاع كلماته.
مر الوقت وانقضت ساعات العمل، سارت نداء جوار أمنيه التي أخذت تُحدثها بإستفاضة عن تلك الجمعية وازداد حـ ـمـ ـاس نداء للإلتحاق بها، سألتها:
-بس الجمعية دي بنات بس ولا بنات وولاد؟
-مختلطة بس الشباب اللي معانا محترمين متقلقيش ومش بيتكلموا إلا في الشغل والمفيد وبس… مفيش هزار…
أومأت نداء، وران بينهما الصمت حتى قطع طريق نداء فتاة، ألقت السلام فوقفت أمنيه تبدل نظرها بين نداء ودعاء التي قالت:
-مش بتردي عليا ليه؟ عايزه أتكلم معاكي يا نداء!
حمحمت نداء وقالت بجفاء:
-هنتكلم في إيه؟
صمتت دعاء لبرهة وبررت ما فعلت بقولها:
-نداء أنا كنت بحميكِ منه…
ضحكت نداء وقالت بتهكم:
-لا كتر ألف خيرك…
أضافت دعاء دون اكتراث لتهكمها:
-يا نداء علي شخص مش كويس…
-قولتيلي الكلام ده كتير…. وكفايه يا دعاء لو سمحتِ… علي اتقدملي امبارح وانا رفضته ولو هو آخر شخص في الدنيا مش هوافق عليه.
دعاء بصدمة:
-اتقدملك ازاي!!!!
تجاهلت دعاء جملتها السابقة ومسكت ذراع نداء بحنو مصطنع مردفةً بلجلجة:
-طيب هو إحنا هنفضل متخاصمين كده! الدراسه قربت تبدأ وإحنا….
قاطعتها نداء التي أفلتت ذراعها منها وقالت بجمود:
-دعاء أنا مش مخاصماكِ لكن إنتِ نزلتِ من الدور الثالث للدور الأول.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
جزت دعاء على أسنانها وهي تسأل:
-يعني إيه؟!
-افهميها بقا… وبعد إذنك عشان عندي شغل…
مسكت نداء يد أمنيه وهمت أن تغادر، فخاطبتها دعاء بنبرة مختنقة:
-نداء أنا محتاجالك…
-معلش يا دعاء مش فاضيه والله….
-مكنتش أعرف إن قلبك إسود كده؟!
حدجتها نداء بنظرة مبهمة وقالت بجمود:
-معلش أديكِ عرفتي… بعد إذنك…
انصرفت نداء، لم تندم على ما فعلت فلو لمس قلبها صدق كلام دعاء لكانت عانقتها وانتهى الأمر، لكنها رأت الخبث يتجول بين عينيها…
كان الفضول يطل من عيني أمنيه التي حاولت كبحه بعدم سؤالها عما حدث معها، لاح على شفتي نداء شبح ابتسامة وقالت:
-اسألي عادي…
إنطلقت أمنية قائلة:
-هي عملت إيه؟!
قصت عليها نداء بإيجاز فسألت أمنية:
-وكنتِ بتحبي علي ده؟
-ولا عمري فكرت فيه! بس كنت بحبها هي واتوجعت لما عرفت إنها بالخبث ده… شايفه إني ظلمتها؟
-مش عارفه… يلا وصلنا.
قالتها أمنيه وأشارت لحديقة عامة يتجمع بها خمس شباب وفتاتين، ألقت أمنيه السلام وعرفتهم بنداء قبل أن تجلس، فقال أحد الفتية مخاطبًا الأخر:
-كل مره الأستاذ المدير بيجي متأخر…
ضحك الشباب ولم يشارك الفتيات بأي كلمة سوى إبتسامة صغيرة شقت طريقها، هتف شاب أخر:
-أهو وصل… وجايب القرود معاه…
وقبل أن تلتفت نداء تحـ ـرشت رائحته بأنفها فأغلقت عينها، عرفته قبل أن تسمع صوت عمرو وعامر، قالت وهي مغمضة العينين:
-رائد!!!
-أيوه…
قالتها أمنيه بعدما سمعت سؤالها، فمالت نداء نحوها وقالت بلوم:
-ما قولتليش ليه؟
قاطعها جلوس رائد بعد إلقاءه السلام واعتذاره عن التأخير، وحين أبصر نداء ابتسم وقال:
-أنا شايف ناس جديده انضمت لينا…
وجه الفتيات نظرهن نحو نداء فأطرقت بخجل، سُرعان ما أخذ حديثهم منحنى الجد، وتابعت نداء في صمت، لم يأخذ ذلك الاجتماع أكثر من دقيقتين وقطع عمرو الحديث قائلًا:
-إيه رأيكم نطلب بيتزا الأول وبعدين تكملوا كلام…
رد شاب:
-انا جعان فعلًا بس بقول فطير أحسن…
قال شاب أخر:
-لا لا نطلب شاورما…
رائد ساخرًا:
-بيتزا وفطير وشاورما!!! إنتوا عارفين خطورة الحاجات دي على الصحة ولا لأ!
قال شاب:
-وهو إيه حوالينا أصلًا مبقاش خطير؟
ردت الفتاة الأخرى وكانت أخت الشاب:
-اعتقد الهواء اللي بنتنفسه بقا فيه خطوره على صحتنا!
قال رائد:
-وأعتقد برده إن فيه فرق لما واحد يجيب إزازة سم ويشربها وواحد تاني حد يجبره يشرب!….
قال شاب:
نعم هناك فرق فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«رُفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»
رد شاب أخر:
-قصدك إن إحنا بننتحر!!! دا كلام كبير يا رائد! الانتحار حرام لكن الأكل مش حرام!
تدخلت نداء قائلة:
-الأكل شهوة وغريزة موجودة جوانا وطلما شهوة يبقا لازم نتحكم فيها…
أضاف رائد:
-وطالما العقل السليم في الجسم السليم يبقا لازم نحافظ على جسمنا عشان عقلنا يفضل سليم… والحاجات دي غلط جدًا على صحتنا وجسمنا واحنا عارفين كده كويس…
ضحك الشاب وقال:
-يا إستاذ ربنا هو خير حافظ…
علقت نداء دون أن ترفع بصرها:
-وربنا برده قال: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة…﴾
لم يعلق أحد على عبارتها فأضافت أمنية وكانت أكبرهم سنًا:
-وربنا سبحانه زي ما خلق الداء خلق الدواء طيب هقولكم معلومه عرفتها بالصدفه… تعرفوا إن الحاجات المحمره بتجيب سـ ـرطان لكن لو أكلت معاها سلطه بتمنع السلطة تكون الخلايا السـ ـرطانية.
قال عامر:
-يبقا نطلب شاورما ومعاها سلطه.
انفـ ـجر الجميع بالضحك، عدا رائد الذي قال بجدية:
-هدوء يا جماعه مينفعش كده إحنا انحرفنا عن منحنى الموضوع… يلا يا عمرو إنت وعامر العبوا بعيد على ما أخلص…
كانت نداء تبدل نظرها بينهم، وبعد عشر دقائق من الحديث الجاد قال رائد:
-الإجتماع انتهى تقدرو تتفضلوا… واتمنى تشوفوا متطوعين للعمل معانا عشان الشغل هيزيد…
انصرف رائد كان معه سيارة والده، وعمرو وعامر يركبان بالمقعد الأمامي ويتشاحنان كالعادة…
ظل رائد واقفًا أمام سيارته منتظرًا خروج نداء، وحين رآها أقبل نحوها وقال:
-تعالي أوصلك للموقف في طريقنا…
أشارت أمنية خلفها وقالت لنداء:
-أنا جوزي مستني هناك… روحي معاهم إنتِ.
أومأت نداء وركبت بالمقعد الخلفي فلا تريد التأخر وقد أوشكت السماء أن تشيع الشمس وتستقبل القمر…
مر الطريق في صمت تخلله بعض الحديث العابر بين رائد وأخويه حتى وصلت لموقف السيارات وارتجلت من السيارة.
وقف رائد يتابعها وهي تتوجه صوب سيارة الأجرة، فجذب انتباهه رؤية علي يقبل نحو نفس السيارة ومعه فتاة عرفها من النظرة الأولى فهي نفسها صديقة نداء ووئام وهيام التي تدعى دعاء!
حين أبصرتهما نداء تسمرت مكانها وكأنها صُدمت، أصر رائد على أسنانه وطفق يتابع بترقب شديد ودعاء تدنو من نداء، نظر رائد للطفلان وقال:
-متنزلوش من العربيه أنا جاي حالًا…
وحين رنى منهم تناهى لسمعه صوت دعاء ونبرتها المغلفة بالسخرية:
-أنا وعلي هنتخطب مش هتباركيلنا يا نداء…
أطلقت نداء ضحكة كالزفرة وهزت رأسها باستهانة مرددة:
-فرحتلكوا أوي لايقين على بعض…
قالتها نداء تزامنًا مع حمحمة رائد فانتبهت نداء لوجوده، قال رائد بابتسامة مغلفة بالإستهزاء:
-مبروك الخطوبه يا… يا علي مبتضيعش وقت إنت براڤو عليك…
وقبل أن يعقب أحدهما استطرد رائد:
-أنا كمان قررت مضيعش وقت… باركولنا إحنا كمان خطوبتنا قريب إن شاء الله…
نظر كل من عمرو وعامر لبعضهما بأعين متسعة وعادا للسيارة مهرولين قبل أن يكتشف رائد وجودهما…
صُدم الجميع من جملته وأولهم نداء التي قالت بللامبالاة قبل أن تصعد سيارة الأجرة:
-عن إذنكم.
وضع رائد يده على أذنه وقال:
-ابقي كلميني لما تروحي يا نداء.
لم تدلي نداء بأي رد فعل فقد استغربت فعلته تلك! تسائلت ماذا يقصد أفعل ذلك ردًا لكرامتها أم أنها حقيقة! هل سيخطبها؟! لا لن تتعشم مجددًا، فإن القلب لا يتألم ولا يُطعن إلا إذا وثق وأحسن الظن فخُذل، فالثقة بغير الله تُهلك القلب.
انصرف رائد في حين نظر كل من علي ودعاء لبعضهما وأخذ الغيظ يتمشى بين قسمات وجههما.
وفي السيارة تعجب رائد فقد ركب عمرو وعامر بالمقعد الخلفي على غير العادة، كان رائد يتابع تهامسهما عبر المرآة، همس عمرو:
-هنعمل ايه؟
-هنقول لماما طبعًا…
قالها الأخر هامسًا، وغفل رائد عن متابعتهما حين أضاء هاتفه برقم محمد فأجاب على الفور….
بقلم آيه شاكر
★★★★★
غيرت هيام الصورة الشخصية للواتساب لصورة لنفسها قد التقطتها مؤخرًا كانت متعمدة ليراها محمد، ففي خلال اليومين السابقين طلبها كثيرًا ولم تجب عليه، متظاهرة بعدم اكتراثها له!
وبعد دقيقة أرسل لها عبر الواتساب:
-أنا هنا…
وثبت هيام واقفة وهي تخاطب نفسها:
-هنا فين؟
خرجت من غرفتها فوجدت والدتها تتحدث عبر الهاتف ووئام تقف بالشرفة شاردة، ووالدها لم يأت بعد، فأرسلت له:
-هنا فين؟
أرسل على الفور:
-زعلان منك عشان مبترديش عليا.
-معلش كنت مشغولة…
-شيلي الصوره الشخصيه دي…
-ليه؟
لم تصله الرساله، لا تدري أحظرها أم أغلق النت…
دلف رائد للبيت مندفعًا كان الإضطراب قابعًا بين عينيه، خاطب والدته بلهفة:
-بابا فين يا ماما برن عليه مش بيرد؟
قالت بلامبالاة:
-لسه في المحل…
سألته هيام:
-فيه إيه؟
قال:
-وصلوا لقاتل رغده… ولازم نروح القسم حالًا…
قالت هيام وهي تصر على أسنانها:
-طلع مين ابن الـ…..؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-مش عارف مقالوش هما استدعونا للقسم… أنا هروح لبابا المحل.
قالها وفتح باب الشقة وغادر، في حين دخلت وئام من الشرفة عندما سمعت حديث رائد، وأنهت شيرين المكالمة حيث كانت تُحدث أخيها عبر الهاتف، بدلت هيام نظرها بين شيرين ووئام ثم حملقت بالفراغ أمامها والتساؤلات تدور بخلدها؛ تُرى من يكون القـ ـاتل، وهل أتى محمد لأجل هذا؟! استفاقت من أفكارها على صوت وئام التي قالت بعد تنهيدة:
-ربنا يسترها.
شيرين وهيام: يارب.
ومن ناحية أخرى بعد مشاورات عدة بين عمرو وعامر، أقبل أحدهما نحو والدته وخاطبها بابتسامة عابثة:
-ماما كنا عايزين نقولك حاجه؟
شعرت شيرين من نظراتهما العابثة أنه بالطبع موضوع تافه وبلا فائدة كالمعتاد منهما، فقالت بنفاذ صبر:
-مش وقته يا عمرو.
ثم نهضت واتجهت صوب غرفتها، فهرول الطفل خلفها مرددًا بسأم:
-أنا مش عمرو أنا عامر.
توقفت شيرين واستدارت ترمقه بسخط، هادرةً وهي تحرك يديها بضجر:
-لا مش وقت سماجه وكلام سخيف خالص… الواحد فيه اللي مكفيه.
تجاهلت وئام حوارهما وهتفت وهي تزم جفونها:
-تفتكري يكون مين القـ ـاتل يا ماما… يونس؟ ولا ريناد وصالح؟ ولا الثلاثه مشتركين مع بعض؟ ولا….
قاطعتها شيرين قائلة بامتعاض:
-يونس مستحيل يقـ ـتل… وبعدين أنا لسه قافله مع خالك وقالي إنه نايم أكيد مش هو.
-شويه وهنعرف كل حاجه.
قالتها هيام وهي تومئ رأسها ثم توجهت للشرفة وتبعتها وئام….
اشرئبت هيام برأسها حين رأت محمد وضياء يستقلان سيارة والدها وتلقائيًا افتر ثغرها عن ابتسامة حاولت اخفائها فليس وقتها إطلاقًا، وحين نظرت لوئام وجدتها عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتُطالعها بمكر قائلة:
-دا باين محمد هنا أهوه…
تظاهرت هيام بللامبالاة وأومأت رأسها قائلة:
-أ… أكيد استدعوه هو كمان…
ومن ناحية أخرى همت شيرين أن تدخل غرفتها فجذب الطفل الأخر «عمرو» ملابسها مرددًا:
-يا ماما عايزينك في موضوع…
قالت بنبرة مرتفعة وبنفاذ صبر:
-عايزين إيه؟
قال عامر بعد غمزه بعينه:
-تدفعي كام ونقولك سر عن رائد؟
غضنت جبينها وهي تهز رأسها باستفهام مرددة:
-سر إيه؟
قال عمرو بابتسامة ماكرة:
-سر خطيـــــــــر…
قال عامر مفصحًا:
-رائد بيحب…
عقب عمرو:
-ابنك مرتبط يا ماما… ها تدفعي كام ونقولك هي مين؟
قالها عمرو ثم جلس على الأريكة وجاوره عامر الذي غمز له بعينه…
حدقت شيرين بالفراغ لبرهة ثم اتجهت نحوهما والفضول يُطل من عينيها، جلست قبالتهما وقالت وهي توقع كلماتها:
-احكوا… وهديكوا اللي إنتوا عايزينه.
بسط عامر يده وقال:
-الفلوس الأول عشان عايز أيس كريم…
-هديلك تجيب بس قول الأول…
أخذ الطفلان يحكيان ما حدث بالتفصيل وكيف رفع رائد نبرته وهو يطلب منها أن تُحدثه عبر الهاتف، وانتهى عمرو بقوله:
-أصلًا بيبصوا لبعض من تحت لتحت من زمان… ولما كنا في المصيف السنه اللي فاتت شوفتهم لما قفلنا الباب عـ…
جحظت عيني عامر وأطبق يده على فم عمرو ليقطع إفصاحه عما فعلاه منذ عام وسُتِر، همس جوار أذنه وهو يضغط على كل كلمة بغيظ:
-اسكت معدتش تتكلم خالص…
بدلت شيرين نظرها بينهما وزمت جفونها قائلة:
-كملوا إيه اللي حصل في المصيف؟!
عامر متلعثم:
-مـ… محصلش حاجه…
اومأ عمرو برأسه مرددًا بعفوية:
-مـ… مقفلناش عليهم الباب هو اللي اتقفل لوحده…
صك عامر وجهه من حماقة أخيه وأب لمغادرة المكان مما نبأ شيرين بأن هناك أمر جلل فدومًا عندما يشعر عامر باقتراب الخطر يهم بالإنسحاب لذا جذبته من ملابسه وأجلسته قبالتها مجددًا وهي تقول:
-رايح فين؟ أقعد بقا احكيلي حوار الباب ده من الأول عايزه أسمعه منك…
رفع سبابته قائلًا بتبرير:
-والله العظيم عمرو اللي قفله وهو صاحب الخطه… وأنا مش عمرو أنا عامر…
ركض عمرو لإحدى الغرف ثم أوصد الباب وقال من خلفه بانفعال:
-أنا مليش دعوه يا ماما دا كداب…
طالع عامر نظرات والدته الحادة وتذكر جملة آدم التي تنقذه من كل المصاعب، فقال باستعطاف:
-أستحلفك بالله ما تتعصبي ولا تزعلي نفسك… وأنا هحكيلك اللي حصل من طق طق…
قالها وهو يطرق بقبضته على كتفها ومردفًا وهو يشير بالسلام بنبرة مرتعشة:
-من طق طق لسلام عليكم.
حكى لها كيف كانوا يحاولون مضايقة رائد أولًا بإغلاق باب المرحاض عليه انتقامًا منه حين أخذ الصـ ـواريخ منهما وثانيًا باب غرفته لأنه كان دائم الغضب منهما وعليهما، ووضح الطفل:
-بس والله ما كنا نعرف إن نداء في الحمام أو في الأوضه والله… والله!
سلط الطفل بصره متفرسًا ملامح والدته التي أرخت قبضتها على ذراعه وهي تفكر في كلام طفلها ولم تنبس ببنت شفه، فقال:
-مش هتديني فلوس أجيب أيس كريم؟
قذفته بنظرة جانبية متبرمه، فنهض وأخذ يسير بظهره مبتعدًا عنها وهو يقول:
-أ… أ… أنا أصلًا مش عايز…
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★
-إيه يا مسكر قاعده لوحدك ليه؟
قالها رامي بابتسامة، وحين لاحظ شرود ريم وتجهمها جلس قبالتها وسألها بلهفة:
-مالك يا ريم؟
أطلقت تنهيدة متألمة ثم قالت بنبرة تخنقها العبرات المكتومة:
-قلبي مقبوض… وماما وحشتني ورغده وبابا… أنا ساعات بندم إني سافرت معاك…
لم يعقب رامي وظل يُطالعها مغضنًا حاجبيه، فأطلقت لدموعها العنان وقالت بحشرجة:
-أنا عايزه أكلم ماما يا رامي…
ربت رامي على ساعدها وقال بابتسامة فاترة:
-حاضر هتصرف وأخليكِ تكلميها بس عشان خاطري إهدي…
زفرت بقـ ـوة ثم قالت:
-هو مينفعش أرجع أنا مصر؟
-وأهون عليكِ تسيبيني لوحدي؟!
-أنا مخنوقه أوي يا رامي… حاسه إن فيه حاجه… أكيد فيه حاجه…
شهقت باكية وكأن قلبها يشعر بالمخفي عنها، فضمها وهو يقول:
-وحدي الله يا ريمو وقومي بس اتوضي وصلي اطردي الشيطان ده… صدقيني مفيش حاجه وإن شاء الله عمي ومامتك يتصالحوا والأمور تتحل…
تركها رامي تفرغ طاقتها السلبية في البكاء وأخذ يربت على ظهرها ويستعيذ بالله من الشيطان ويرتل آيات من القرآن حتى إنزلقت الدموع من عينه هو الأخر وتحشرج صوته حين تخيل رد فعلها بعدما تعرف ما حدث مع أختها، فرفعت بصرها إليه وقالت بلهفة:
-إيه يا رامي؟!
جفف دموعه في سرعة وقال بابتسامة باهتة:
-مفيش يا مسكر أنا بس أهلي وحشوني أنا كمان… الغربه وحشه أوي يا ريم…
ضمته وأخذت تردد آيات تحفظها من القرآن الكريم ثم جذبته من يده ليستعظا لتصلي ويكون هو إمامها…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين.
بقلم آيه شاكر
★★★★★
-تمالك أعصابك يا عمي…
قالها رائد فبينما كان يقود السيارة إذ سمع صوت نحيب عمه الذي يجلس بالمقعد الخلفي جوار محمد، فربت محمد على يد والده وقال:
-أرجوك يا بابا إهدى عشان خاطري…
ارتشف ضياء دموعه مرددًا:
-يارب الصبر يارب…
رمقه رائد ونفث الهواء من فمه بينما اكتسى وجهه بالحزن، وقف قبالة محل والده ليركب معهم ثم انطلقوا صوب قسم الشرطة.
استقبلهم ضابط الشرطة مشيرًا للمقاعد وهو يقول:
-اتفضلوا اقعدوا…
ساد الصمت قليلًا بينما كان الضابط يتحدث عبر هاتفه وحين انتهى وضع أربعة هواتف صوب أعينهم وقال:
-دي الموبايلات اللي كانت مسروقة منكم؟
تفحص رائد الهواتف وأخرج هاتفه من بينهم وهو يقول:
-أيوه يا فندم دا موبايلي فعلًا…
حمحم ضياء وقال:
-حضرتك قولتلنا لقيتوا القـ ـاتل مش الموبايلات؟
اومأ الضابط وصمت هنيهة ثم رفع بصره مخاطبًا رائد:
-تقدر تتعرف على اللي سرقوا منكم الموبايلات يا أستاذ رائد.
بدل رائد نظراته بينهم وقال:
-أأ… أيوه طبعًا… كانوا تلاته…
أومأ الضابط مرة أخرى ورفع صوته مخاطبًا العسكري:
-دخلهم يا بني.
توجهت الأنظار نحو باب الغرفة الذي دلف منه ثلاثة أفراد تتذبذب نظراتهم وتختلج قلوبهم، نهض رائد واقفًا وتفحص وجوههم قائلًا وهو يصر على أسنانه بغيظ:
-أيوه يا باشا هما دول.
-إإ… إحنا مظلومين يا بيه…
قالها أحدهم بارتباك، بينما قال أخر باستعطاف:
-يا باشا أنا اللي شايل أمي وأخواتي… بالله عليك يا باشا أ…
قاطعهما صوت الضابط الحاد:
-بس إنت وهو ولا كلمة…
ثم أشار للعسكري مردفًا:
-خدهم.
اختلطت أصواتهم المضطربة بقول الأول:
-أنا معملتش حاجه…
والثاني:
-أنا مظلـ ـوم هما السبب…
والثالث:
-أنا مقتـ ـلتش حد…
وبعد انصرافهم توجهت النظرات المتسائلة نحو الضابط الذي قال دون أن يرفع ناظره:
-أنا هفرجكوا على فيديو دلوقتي بس أهم حاجه تمسكوا أعصابكوا…
”رجوع للماضي”
همى الدمع من عيني رغده وهي تسير في طريق لم تألفه يخلو من أي بشر، بعدما تركها يونس وغادر، وكانت تلك فرصة مناسبة لتجتر ذكرياتها منذ الطفولة وحتى وقتها هذا! تذكرت أخر عريس رأته يدخل بيت هيام وهي وكيف أنها لم يطرق بابها شخص واحد حتى الآن مع أنها أكبرهم سنًا، وبينما هي على ذلك إذ حاوطها أربعة شباب يبتسمون بخبث، اختلج قلبها فزعًا وأخذت تلتفت حولها بتوجس، هتف أحدهم بصوت يبدو فيه الخـ ـدر:
-القمر ماشي لوحده ليه؟
-إ…أ… محدش يقرب مني…
قالتها بذعر، وبنبرة مرتعشة تنم على تواثب دقات قلبها الذي كاد يفر من بين أضلعها، ضحك الأربعة بصخب فأشارت لأحدهما مستطردة بتلعثم:
-أ.. أنا عارفاك شوفتك قبل كده… شـ… شوفتك وإنت داخل بيت عمو دياب…
ابتلعت ريقها باضطراب وقالت:
-أ… أيوه… إ… إنت أخر عريس اتقدم لهيام…
نظر اللصوص لبعضهم، بينما تجولت نظراتها بالمكان قبل أن تركض ويتبعونها حتى أمسك بها أحدهم، فصرخت قبل أن يطبق يده على فمها، كان تأثير المـ ـخدر واضحًا على صوتهما قبل نظراتهما، وقف الشاب الأخر قبالتها ومقلتيها تدور هلعًا وأنفاسها تتسارع رهبة وريبة، قال عريس هيام السابق بخـ ـدر:
-متخافيش مش هنعملك حاجه… إحنا هنوصلك…
حاولوا سحبها للسيارة فدفعتهم بكامل عزمها وركضت مجددًا حتى قاطع الشاب طريقها وقال بضحك هستيري:
-هتروحي فين تاني؟!
ارتفع نشيجها وأخذت تتوسلهم ليتركونها، وفجأة أمسكها أحدهم من الخلف وأخذ يجرها من حجابها فاضطرت لنزعه وقبل أن تأب للركض باغتها أحدهم بأن جذبها من شعرها للخلف وذبـ ـحـها أخر على حين غفلة.
كان هناك شاب من الأربعة يصور ما يحدث ضاحكًا وما أن رأى ذلك المشهد حتى صرخ وهدر في الفاعل وعمت الفوضى بينهم فركضوا تاركين جسد رغده يرتجف ويترنح قبل أن تسقط والزبد الأحمر يتدفق من حولها…
”عودة”
-يعني ابن صاحبي هو اللي عمل كده!!! وهو اللي سرق موبايلي أنا ورشدي لما روحنا عنده…
-وجرجرني أنا وماما للمكان المقطوع ده عشان يسرقنا!
قالها رائد وهو يُصر على أسنانه وقد اكفهر وجهه من شدة الغضب، فقال الضابط:
-وواضح جدًا إنهم بيتعاطوا مخـ ـدرات… حظهم الإسود إن واحد منهم صور اللي حصل بموبايلك يا أستاذ رائد والناصح حذف الفديو وراح باع الموبايل لكن الفديو كان محفوظ في الملفات المحذوفه وشافه صاحب محل الموبايلات وهو اللي بلغنا…
لم يعقب أي منهم وألقى الصمت رداءه على المكان للحظات…
-دخل المتهم يابني…
قالها الضابط آمرًا، فنظر الجميع نحو باب الذي دلف منه شاب منكس الرأس، أقبل ضياء نحوه وسأله في جمود:
-إنت! إنت اللي قتـ ـلت بنتي! ليه يابني حرام عليك… ليــــه…
أطرق الشاب رأسه، وعلى حين غرة انقض عليه ضياء أطبق يديه على عنقه وهو يردد بهستيرية:
-مش هسيبه… همـ ـوته بإيدي زي ما عمل في بنتي…
أخذ الشاب يجاهد لإلتقاط ذرات الهواء وشحب وجهه وشعر كأن روحه تتصعد في السماء، حتى استطاع الشرطي سحب المتهم من يديه فسقط أرضًا وطفق يسعل ويتنفس الهواء دفعة واحدة، هدر الشرطي بضياء:
-اهدى يا حج ضياء الواد كان هيمـ ـوت في إيدك…
-اهدى يا بابا…
قالها محمد لأبيه الذي يلهث ويزأر كوحش هائج، قال بغضب وهو يلتقط أنفاسه:
-عايزيني أهدى ازاي دا دبـ ـح بنتي…
قالها ثم أجهش بالبكاء وهو يردد اسم رغدة بلوعة وحسرة قبل أن يهوى جالسًا على أقرب مقعد فاقترب منه دياب يواسيه ويعضده بينما ربت رائد على كتف محمد الذي يبدل نظره بينهم بمزيج من الحيرة والحزن…
خرجوا من قسم الشرطة وأطبق الصمت عليهم طوال الطريق، وأمام البيت ارتجل ضياء من السيارة وتبعهزدياب الذي أخذ يهدئه ويربت على كتفه، ونادى رائد محمد يوصيه على عمه، فقال محمد:
-متقلقش أنا قاعد هنا على طول… خلاص مش هرجع مرسى مطروح تاني…
-وهتشتغل إيه هنا يا محمد؟
-قدمت ورقي في فندق هنا وهشتغل فيه مؤقتًا…
-أتمنى يكون قرار صح!
-إن شاء الله خير…
قالها محمد بابتسامة باهتة فربت رائد على كتفه، قال محمد:
-عايزين أنا وإنتِ نحاول نصالح بابا ومراته…
-يومين تلاته كده وإن شاء الله هنعمل كده…
قال محمد بعد تنهيدة:
-وعشان ريم كل لما أكلمها تتحايل عليا أحاول أصلح بينهم…
قال رائد بابتسامة وتؤده:
-حاضر يا محمد ان شاء الله أنا معاك…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★★★
وبعد مرور يومين وفي ظهيرة اليوم حزمت نداء حقائبها لتنتقل لبيت خالتها فسيسافر والديها لأجل عمـ ـلية نادر، فقد خيرتها والدتها لتذهب لبيت خالتها أو لبيت دياب فاختارت خالتها رغم أنها لا تطيق بناتها، لكنها تخشى اللقاء به منذ أخر مرة! حتى أنها لم تعد تذهب للعمل! وأخبرت أمنية أنها تحتاج للراحه لفترة من الوقت، نادتها والدتها فخرجت من غرفتها مسرعة، ليقابلها رشدي بقوله:
-إجهزي عشان هتروحي تقعدي عند عمك دياب…
قالت بتوتر:
-بس أنا مش عايزه أروح عند عمو دياب…
دينا بنفاذ صبر:
-متجادليش يا نداء خالتك أصلًا في اسكندريه مع بناتها وجوزها…
تسارعت دقات قلبها قائلة:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-خلاص هخليني هنا في البيت…
زفر والدها بضجر وقال:
-متخليناش نشيل همك وإحنا مش هنا… ويلا عشان أوصلك…
وبعد مجادلة قصيرة انتهى بها الحال في بيت دياب ومن حولها وئام وهيام اللتان ترحبان بها بحرارة وحبور، وعمرو وعامر اللذان يرمقونها بابتسامة ماكرة لم تفهم مغزاها، قالت هيام:
-تحبي تقعدي في أوضتي ولا في أوضة وئام؟ ولا تحبي يكون ليكِ أوضه لوحدك؟
-لـ… لأ مش عايزه أوضه لوحدي…
قالت وئام:
-خلاص نامي معايا في الأوضه أنا مش بشخر ولا بتحرك وأنا نايمه زي ناس كده…
قالتها وهي تشير لهيام التي ضحكت قائلة:
-لا مش هتعرفي تنامي جنبي أنا نومي وحش أوي…
نهضت وئام وهي تقول:
-تعالي بقا ندخل أوضتنا…
أما نداء فرغم ردعها لنفسها عن التفكير به إلا أن نظراتها كانت تتجول بالبيت بحثًا عنه، لاحظت هيام فحمحمت قائلة:
-اللي بتدوري عليه مش هنا!
ابتلعت نداء ريقها باضطراب وسألتها:
-هـ… هو إيه ده؟
قالت هيام بابتسامة متخابثة:
-ماما… هو مش إنت بتدوري على ماما برده!
قالت وئام دون أن تفهم:
-ماما بتشتري حاجات للبيت هي ورائد وزمانها جايه…
دخلن للغرفة وأشارت وئام للفراش قائلة:
-دا سريرنا هننام جنب بعض…
حمحمت نداء وقالت بتحرج:
-أنا أصلًا مبعرفش أنام إلا في سريري… ربنا يعدي الكام يوم دول على خير…
-هيعدوا إن شاء الله وهيبقوا أجمل كام يوم قضتيهم في حياتك…
استلقت نداء على الفراش بملابسها وقالت:
-بقولكم إيه طفولي النور عايزه أريح شويه… وأهو يعني أجرب السرير…
ضحكتا وئام وهيام وخرجتا من الغرفة تاركين نداء التي غطت في سباتٍ عميق…
وقبيل المغرب، سأل رائد:
-أومال نداء راحت فين؟
-دي نايمه من الصبح أنا قلقت عليها…
قالتها وئام وهي تأكل من البطاطس المقلية التي أعدتها والدتها، فقالت شيرين من المطبخ:
-ادخلي صحيها يا وئام عشان تتعشى معانا…
-حاضر…
دلفت وئام لغرفتها بينما جلست هيام جوار رائد وأخذت ترمقه بطرف خفي تريد أن تسأله عن محمد فلم يُحدثها منذ يومين، تنحنحت لتجذب انتباهه وحين التفت إليها قالت:
-هو… هو محمد ابن عمك رجع مطروح؟!
رمقها بنظرة جانبية وقال:
-رجع ولا مرجعش إنتِ مهتمة ليه؟
-عادي ابن عمي وبسأل عليه… وبعدين ما إنت مهتم بنداء حد كان قالك حاجه…
قذف رائد الوساده بوجهها وقال:
-قومي من جنبي…
نهضت من جواره واتجهت صوب المطبخ وهي تُطلق ضحكات مستفزة فهتف بنبرة مرتفعة:
-ماشي يا هيام…
من ناحية أخرى وبمجرد أن أضاءت وئام سراج الغرفة، كرمشت نداء وجهها وقالت بنزق:
-تؤ تؤ تؤ…. طفي النور ده…
-قومي بقا يابنتي عشان تتعشي…
هدرت بها نداء:
-أنا عايزه أنام مش عايزه أكل…
-يا بنتي المغرب هيأذن….
-يووووه… اطلعي بره.
قالتها نداء بحدة، فقالت وئام وهي تبتعد عنها:
-حاضر.
وقبل أن تخرج من الغرفة أخذت هاتف نداء الذي أضاءت شاشته برقم غير مُسجل، ثم خرجت وئام من الغرفة تقلب كفيها جلست جوار اخوتها وقالت بضحك:
-قال مبتعرفش تنام إلا في سريرها! دي غيبوبه…
ضحك الجميع وقالت شيرين:
-سيبيها نايمه يمكن ارتاحت في سريرك.
وبعد فترة قضتها وئام تُطالع هاتف نداء الصامت والذي لم يتوقف عن الرنين قالت:
-مش عارفه رقم مين اللي بيرن عليها ده!! دا رن فوق العشر مرات…
بسط رائد يده وقال:
-هاتي وأنا أرد عليه…
فتح رائد المكالمة وخرج للشرفة وضع الهاتف على أذنه للحظات ليسمع صوته:
-نداء أنا علي… أنا مخطبتش دعاء ولا عمري هخطبها هي كانت بتغيظك مش أكتر…
أردف بعد تنهيدة:
-أنا محبتش ولا هحب غيرك…
أخذ ينادي اسمها ثم قال:
-أنا عارف إنك سمعاني… وهقولك تاني أنا بحبك.
قال أخر كلمتين وهو يضغط على حروفهما فأصر رائد على أسنانه بغيظ واحتقن وجهه غضبًا ثم هدر بحدة وهو يوقع كلماته:
-اسمع يا حبيبي إنت تشيل نداء من دماغك خالص… ماشي يا… علي؟
أغلق علي المكالمة وقلب عينيه بضجر فهو يعرف صوت رائد حق المعرفة ويعرف أن والديها سافرا مع نادر، فقرر أن يحاول لأخر مرة عله جذبها إليه لكن وكلما اقترب وقف له رائد كالحصن المنيع، أشعل سيجارته ونفث الدخان بحنق مرددًا:
-تعبتيني يا نداء…
من ناحية أخرى أخذ رائد يعبث بهاتف نداء لفترة ووضع ذلك الرقم في قائمة الحظر ثم عاد لمجلس أخوته وأعطى الهاتف لوئام قائلًا:
-دا رقم غلط…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
لم تستيقظ نداء إلا في الثلث الأخير من الليل الساج حيث عم السكون إلا من أصوات الديكة المنبعث بين حين وأخر، انتهت نداء من الصلاة، نظرت خلفها تُطالع هيام المستلقية على الأرض، فمن الواضح أنهما حاولا معها كثيرًا لتستيقظ ولا حياة لمن ينادوا! وقع بصرها على وئام التي استوت جالسة على الفراش كانت تُطالعها بابتسامة، سألتها بصوت ناعس:
-كنتِ بتصلي القيام صح؟
شعرت نداء بالحرج فهي تحب أن تكون علاقتها مع ربها خفية لا يعلم بها أحد، وكانت ستنكر لكنها أومأت بابتسامة صغيرة، فقالت وئام:
-ربنا يثبتك يارب… سامعه صوت الديوك؟
قالتها وئام وهي تشير للخارج، ثم استرسلت:
-ادعيلي يا نداء… النبي ﷺ قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا»
-دعيتلك… قومي إنتِ كمان صلي وادعي لنفسك…
وثبت وئام من فراشها، نظرت لهيام المستلقية على الأرض ومن الواضح أنها تغط في النوم ثم جلست جوار نداء على سجادة الصلاة وقالت بهمس:
-عايزه أحكيلك عن حاجه مضيقاتي ومطيره النوم من عيني…
-احكي…
-يحيى من يوم ما اتقدملي ولا جه ولا اتكلم تاني… تفتكري يكون رجع في رأيه؟! أنا خايفه أوي… والمشكلة إني محرجه أسأل عن السبب وعماله نفسي مش واخده بالي و….
قاطعها صوت هيام الناعس:
-أنا سألت ماما النهارده قالت إنهم بلغوه يجي كمان مره وهو لسه مقالش ميعاد يجي فيه يمكن سايبك تفكري كويس…
طالعت وئام هيام بنظرة جانبية، فقد كانت تستمع لحوارهما وتتحدث وهي مغلقة العينين، فدنت منها نداء وحملقت بوجهها وهي تسأل بضحك:
-إنتِ صاحيه ولا بتتكلمي وإنتِ نايمه ولا حكايتك إيه؟!
فتحت هيام جفونها وقالت وهي تستوي جالسة وبصوت ناعس:
-صاحيه وشوفتك وإنتِ بتصلي وحاولت أنام تاني معرفتش فقررت أطرد الكسل وأقوم أصلي…
نهضت هيام وهي تتثائب فاستلقت نداء مكانها على الأرض وقالت:
-وأنا هغمض عيني نص ساعه وابقوا صحوني أصلي الفجر…
لم تكن تريد النوم هي تريد أن تُكمل ليلها تذكر الله لكنها تضمر ذلك ولا تريد البوح به.
تخص ت وئام وخاطبتها بسخرية:
-هو إنتِ مشبعتيش نوم دا إنت نايمه من امبارح الصبح…
قالت نداء بكذب:
-يا بنتي لا أنا صاحيه طول الليل أصلًا… وكلمت ماما وبابا اطمنت عليهم و…
قاطعته هيام:
-وأكلتِ ولا لسه؟
ورغم أنها كانت جوعى إلا انها رددت بحرج:
-مـ… مش جعانه…
نظرتا هيام ووئام لبعضهما وهتفت وئام:
-على فكره رائد عملنا ستاره على السلم وكلهم نايمين تحت… يعني تقدري تخرجي من الأوضه براحتك محدش هيقرب من هنا وعندك بره الأوضه دي تلاجه فيها أكل وفاكهه ومايه يعني عيشي حياتك و…..
قاطعتها نداء:
-مش وقت الكلام ده سيبوني أنام شويه قبل الفجر وروحوا صلوا…
هزت وئام عنقها مستنكرة، وربتت هيام على كتف وئام قائلة بمكر:
-احب أفكرك إن أنا أختك يعني تقدري تحكيلي اللي جواكِ واللي مطير النوم من عينك…
ازدردت وئام لعابها وهي تُطالع عيني أختها، أشاحت بصرها وصمتت هنيهة ثم رفعت بصرها مجددًا فظنت هيام أنها ستتحدث عما يؤرقها لكنها قالت بهدوء:
-أنا داخله أتوضى…
دلفت للمرحاض ووقفت هيام تحك رأسها لبرهة قبل أن تفتح الباب وتخرج قاصدة مرحاض غرفتها لتتوضأ، في حين فتحت نداء جفونها وأخذت تتأمل سقف الغرفة وحين حضرت صورة رائد إلى مخيلتها طردت الأفكار من رأسها سريعًا وأخذت تذكر الله فقد عزمت ألا تفكر به مطلقًا.
★★★★
وقبيل العصر طرق عامر باب غرفة وئام وحين فتحت قال بابتسامة:
-الشيخ يحيى تحت مع أبيه وماما بتقولك تعالي…
-بجد…
تواثبت دقات قلبها بسعادة حين أومأ عامر مؤكدًا فقبلته من رأسه وخرجت من الغرفة متلهفة همت أن تنزل الدرج فنادتها نداء:
-رايحه فين يا بنتي بالمنظر ده؟
طالعت وئام بيجامتها وعادت أدراجها وهي تضحك…
وبعد فترة دخلت للغرفة بصنية العصير والتي كانت تهتز منها بسبب رعشة يديها وارتباكها فسبق يحيى رائد ونهض يقابلها ويأخذ الصنية من يدها، في حين أشار لها رائد لتجلس جواره وقبض على يدها ثم مال على أذنها وقال:
-هسيبك معاه شويه صغيرين ومتخافيش دا واد طيب وابن حلال…
اتسعت ابتسامة وئام وحين رأها يحيى ابتسم تزامنًا مع وقوف رائد وحمله كوب العصير من فوق الطاولة وهو يقول:
-طيب يا يحيى هطلع أشرب كوباية العصير دي بره وأرجع…
-ماشي يا حبيبي…
خرج رائد وكانت وئام تجلس قبالة يحيى ظلت تطالع قدميه لفترة حتى قال:
-عامله إيه؟
رمقته في سرعة خاطفة وعادت تنظر لقدمه مرددة:
-الحمد لله.
-تحبي تسأليني عن حاجه؟
هزت عنقها نافية فأردف:
-بس أنا عايز أسألك عن حاجه…
-إتفضل.
-ليه توافقي عليا؟ قصدي على واحد في ظروفي… على فكره أنا ممكن أبان ظاهريًا شخص ملتزم لكن أنا أقل من أي حد…
وبعدما سأل هذا السؤال استدرك غباء السؤال، هل ينتظر أن تخبره بأنها تحبه مثلًا! استطرد على الفور:
-إنتِ مش مضطره تجاوبي… أ… أنا سحبت السؤال.
قالها وتنحنح بخجل وساد الصمت بينهما، ظلت تفرك يدها بارتباك بالغ، أخذ هو يمرر نظره عليها من أعلى لأسفل ثم أشاح بصره وابتسم فقد ارتضاها زوجته والآن ينتظر رأيها، قال بارتباك:
-بصيلي… يعني شوفيني عاجبك ولا لأ عشان خلاص إنتِ عجباني و…
توقف عن الكلام حين لاحظ مدى الغباء في عبارته تلك، فتنحنح بحرج وغطى وجهه ضاحكًا ومرددًا بخفوت سمعته:
-إيه اللي أنا بقوله ده!
رفع بصره مصححًا ما تفوه به:
-قصدي يعني إ… إنتِ ما شاء الله حلوه وتعجبي أي حد و…
ابتلع ريقه وأخذ يفرك لحيته وهو يتحدث بخفوت وبضحك:
-يا نهار أبيض إيه العك إللي بعكه ده…
ابتسمت بحرج فحاول يحيى التصحيح بقوله:
-مـ… مـ… متفهمنيش غلط أنا أقصد… هو أنا… أنا يعني أنا عاجبك ولا…
تنحنح وقال:
-لأ متجاوبيش على السؤال ده عشان جه بالغلط… قصدي سألته بالغلط…
همست لنفسها:
-هي رسالة بعتتها بالغلط!
تنفس يحيى بعمق وشعر بارتفاع مفاجئ لحرارة الجو، مما دفعه لحممل كوب العصير أخذ منه رشفة، وفي الثانية شربه دفعة واحدة، خيم عليهما الصمت لفترة أطرق خلالها بصره لفترة ثم رفعه وقال بابتسامة:
-إزيك يا وئام؟
ضحك، فانفـ ـجرت ضاحكة هي الأخرى فقد كانت تتابعه وحركاته كابحة ضحكاتها، لا تدري متى ارتبك هكذا وكأن التوتر تسرب منها إليه…
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده 🌹
★★★★★★
كان رائد يتابع نداء التي تقف قبالته مع هيام بالمطبخ، حتى قالت هيام:
-أنا هنزل أشتري كابتشينو من تحت وأجي…
-ماشي بس متغيبيش…
-دقيقتين وأكون هنا…
وحين خرجت هيام من المطبخ التفت رائد حوله فلم يكن في الجوار غير عمرو وعامر لذا دلف للمطبخ وحين أبصره عامر شهق وغمز أخيه وركضا الإثنان يبحثان عن والدتهما، أخذ رائد قنينة المياه من جوارها، وحين رأته نداء توترت وابتلعت ريقها باضطراب وهمت أن تخرج من المطبخ، فأوقفها سؤاله:
-إنتِ مبقتيش تيجي المركز ليه؟
-شـ… شويه وهرجع تاني…
-تمام… طيب أنا كنت عايز أكلمك في موضوع مهم…
وقبل أن يتحدث بالمزيد رأى والدته تقبل نحوهما فقال بجدية مصطنعة:
-مـ… موضوع بخصوص الشغل طبعًا.
بدلت شيرين نظرها بينهما وزمت جفونها قائلة بمكر:
-شغل! أه منكوا إنتوا الإتنين…
رائد بابتسامة مضطربة:
-إيه يا ماما!!
قلدته ساخرة:
-إيه يا ماما! مش عارف إيه يا ماما!
على الصعيد الأخر همت هيام أن تنزل الدرج وهي تدندن فرأت محمد يهم بالصعود ابتسمت ورفعت ذقنها وقبل أن تنزل درجة أخرى تعثرت وتدحرجت ككرة صغيرة بين درجات السلم، وحين وصلت لنهاية الدرج نهضت مسرعة وأخذت تُهندم ثيابها فسألها ببلاهة:
-إنتِ وقعتِ؟
أجابته بسخرية وهي تمسك ظهرها مبدلة التأوه بضحكات متهدجة:
-لا أبدًا… أنا كنت مستعجله فقولت أخد السلم فر هو أنا لسه هنزل درجه درجه…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
اهداء❤️
*إلى تلك المحـ ـاربة الشجاعة التي تقرأ عليها صديقتها هذه الكلمات.
✨✨✨✨✨✨
انتبه محمد لغباء سؤاله فاتسعت ابتسامته وهو يحك جبهته وقال رافعًا حاجبيه بتسائل:
-فعلًا؟!
رمقته بنظرةٍ خاطفة ثم سألته وهي تنفض التراب عن ملابسها:
-إنت… بتعمل إيه هنا؟ و… ومرجعتش مطروح ليه؟!
قال بعد تنهيدة خفيفة:
-عشان يا ستي نقلت شغلي هنا…
-هنا؟! بجد؟!
قالتها بسرور أطل من عينيها وهي تنتصب واقفة وتطالعه بابتسامة أظهرت فرحتها، فأومأ وقال ببسمة:
-بجد.
وحين تلاقت نظراتها مع نظراته، ارتبكت وتجاوزته لتخرج من بوابة البيت، هاتفةً وهي تتحاشى النظر إليه:
-أ… أنا هشتري كابتشينو وأجي… اطلع إنت رائد فوق.
-طيب اعملي حسابي…
قالها بنبرة مرتفعة رافعًا يده كأنه يشير إليها لكنها لم تلتفت فقط اكتفت برفع إبهامها عاليًا ليراه، تأمل مكانها الفارغ هنيهة ثم تنفس الصعداء وصعد الدرج ببطئ وحوارهما يدور بعقله والإبتسامة العذبة عالقة على محياه سُرعان ما تحولت ابتسامته لضحكات خافته حتى وقف أمام الباب، تنحنح متظاهرًا بالجدية قبل أن يطرقه ثم يرن الجرس في هدوء وتؤدة.
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
-يعني الهمس اللي بينكم ده عشان الشغل؟!
قالتها شيرين بنبرة ساخرة، زاغت نظرات نداء وعادت للخلف خطوتين، نظرت في كل اتجاه إلا نحو رائد الواقف جوارها، فقد كانت شيرين تبدل نظرها بينهما وتخاطبهما بغمزات متهكمة، وسخرية واضحة في نبرة صوتها.
اضطرب رائد هو الأخر وأخذ يرد على كلماتها الساخرة ببسمة خفيفة مضطربة، يكرر ويكرر أن حوارهما لأجل العمل وتقابله شيرين بسخريتها اللطيفة، دار بينهما حوار لم تسمع منه نداء شيء كانت تفكر كيف أن شيرين أساءت فهمهما! تجهمت وغضبت من رائد الذي وضعهما موضع شبهة، ورفعت بصرها حين سمعته يقول بضحك:
-هو في إيه يا ماما؟!
سلطت شيرين بصرها على نداء مرددة بنفاذ صبر:
-برده هيسألني فيه إيه!!
أطرقت نداء مرة أخرى بحرج، بينما تناهى لسمعهم صوت عمرو الذي قال بنبرة مرتفعة وبضحكات ساخرة:
-هيكون فيه إيه!! فيه نظرات من تحت لتحت وريحة الحب بتهفهف في البيت كله…
جحظت عيني رائد غضبًا حين فهم ما يرمي إليه أخوه، قال بحدة وبنبرة مرتفعة:
-خد تعالى…. واد يا عمرو… خد يا عامر تعالى…
أجفل الطفلان وركضا فارين لحيث يجلس يحيى مع وئام، فزم رائد شفتيه وحاول أن يواري ارتباكه خلف صوته الحاد وهو ينادي باسم عمرو وعامر في تهديد ووعيد، وحين طالع والدته وجدها تحدجه بنظرات ثاقبة متفهمة، وهي ترفع حاجبيها عاقدةً ذراعيها أمام صدرها وجوارها نداء الصامته التي أطرقت في خجل مشوب الغضب، فرك رائد عنقه بتوتر ثم هرول رائد لخارج المطبخ وهو ينادي أخويه، في حين رن جرس الباب فهرعت نداء وهمت أن تهرب هي الأخرى وهي تردد:
-دي… أكيد هيام… هـ… هروح أفتحلها.
نظرت شيرين لأثرهما للحظات قبل أن تتسع ابتسامتها وتلهج بالدعاء لهما ولسائر أبنائها…
لا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة♥️
★★★★
وبعد ما تفوه به يحيى من حماقات قرر التزام الصمت، فلا داعي للمزيد من الهرتقات التي يندم عليها فور نطقها، ظل يفرك في مجلسه ينظر صوب الباب كل ثانية ينتظر أن يظهر أحد لكنه لم يسمع سوى أصوات ضحكاتهم وكلامهم…
وبعد فترة من الصمت المطبق، حاولت وئام جذبه للكلام، فقالت بحياء:
-ممكن أقولك حاجه لسه محكيتهاش لحد؟
انتبه لها وقال مبتسمًا:
-طبعًا… اتفضلي يا وئام.
قالت:
-أ… أنا امبارح صليت استخاره و… ولما نمت حلمت إن إنت اشتريتلي فستان حلو أوي…
-دا أكيد فستان الخطوبة!
قالها مازحًا وابتسمت فأضاف:
-أنا كمان شوفت رؤية مبشرة… وأتمنى يا وئام أكون الزوج اللي يقدر يسعدك.
-وأنا كمان أتمنى كده…
أردفت بنبرة مرتعشة:
-قصدي اتمنى أكون الزوجه اللي تسعدك…
وأضافت مسرعة وكأنها أدركت فداحة مجمل حديثها:
-دا… دا… لو حصل نصيب…
قال بابتسامة:
-إن شاء الله.
قاطعها اندفاع عمرو وعامر لداخل الغرفة، وقول عامر اللاهث:
-أستحلفك بالله يا شيخ تنقذنا من أبيه…
-عملتوا إيه؟!
أشار له عامر ليقترب إليه فهمس في أذنه:
-تدفع كام وأقولك سر عن رائد…
قال يحيى بنفس الهمس:
-سر تاني يا عمرو؟
-أنا مش عمرو أنا عامر.
قالها عامر بهمس، أخذ يحيى يشاكس عمرو وعامر بابتسامة، وكانت السعادة تُطل من عينيه بعدما ارتاح من قرار وئام، وتأكد من موافقتها عليه.
وكانت وئام تمعن النظر إليه وهو يضحك مع أخويها، تراه بعينها وعقلها يدور في حلقة أخرى مسربًا القلق إلى روحها وهي تسترجع ما قالته وما قاله يحيى، طفقت تأنب نفسها لمَ قالت له عما رأته في منامها الآن! ألم تجد أي كلمات تفتح بها الكلام معه إلا تلك! فماذا سيحدث لو لم يكن من نصيبها! بالطبع سيعتقد أنها كاذبة، أو ربما لم تكن تلك رؤيا كما ظنت وكانت مجرد أضغاث أحلام من عقلها الباطن حين نامت وهي تفكر به!
دلف رائد للغرفة في حين استأذنتهم وئام وخرجت، وهي تمسح وجهها متضجرة من انفلات لسانها بتلك الطريقة! فما قالته كان بمثابة إشارة واضحة لموافقتها عليه، عضت شفتها بحسرة تتمنى لو لم تفعل ليتها صمتت! أخرجها من خضم أفكارها صوت محمد الذي يقف على الباب قبالة نداء، قال:
-هو… رائد موجود؟
أفسحت نداء له الطريق قائلة بتوتر:
-أ… أيوه اتفضل…
توجهت ناحية المطبخ وهي تنادي باضطراب:
-يا… يا… يا طنط…
خرجت شيرين من المطبخ وحين رأت محمد قابلته بالترحاب وأخذته لمجلس رائد ويحيى…
فأشارت وئام لنداء التي أقبلت إليها مبتسمة، وكان وجه وئام يكتسي بالقلق ويتجلى عليه الحيرة بل أن العبوس غشي خلجات وجهها، مسدت نداء على كتفها وقالت:
-إيه اللي حصل؟!
-أنا لونت الدنيا إسود.
جذبتها نداء من يدها صوب غرفتها وهي تسأل:
-تعالي احكيلي حصل إيه وعملتِ إيه؟
وبعد فترة، قضتها وئام تحكي كل ما حدث لنداء التي طفقت تضحك وتسخر منها مما أثار غضب وئام فقالت بحنق:
-تصدقي أنا غلطانه عشان حكيتلك!
توقفت نداء عن الضحك حين أعلن هاتفها الصغير عن اتصال من والدها فاستأذنت وئام وخرجت للشرفة تجيبهما بلهفة وشوق، وبعدما اطمئنت عليهم أوصتها والدتها ألا تشرب الأعشاب كي لا ينقص وزنها زيادة، وأن تتصرف بلباقة وأدب، فكانت تومأ رأسها وترد بالموافقة، وقبل أن تودعها والدتها تناهى اسمعها صوت والدها مخاطبًا والدتها:
-قولتلها تلبس كويس عشان تعجب الواد؟
-اسكت يا رشدي.
قالتها دينا وهي تصر على أسنانها، ثم ودعت نداء وأخذت تجادل زوجها أن يتوقف عن ذلك، وبمجرد انتهاء المكالمة أزاحت نداء الهاتف عن أذنها وأخذت تفكر ألتلك الدرجة يريد والدها تزوجيها من رائد؟! فهي تُجاهد لتصرف نفسها عنه، ووالدها يجاهد ليجذبه إليها!
عزمت أمرها فعندما يأتي والديها ستُبعد نفسها عن كل تلك الشبهات وتسد تلك الفوهة للأبد، ستترك العمل وتبحث عن أخر وتترك الجمعية فذلك الأمر مُنتهي، بل ستقطع علاقتها مع وئام وهيام إن لزم الأمر، فكما تتحكم بشهوتها للطعام ستتحكم بتلك الشهوة والغريزة التي تتلوى داخلها، فلديها إرادة قـ ـوية بشهادة الجميع ولن يتغلب عليها هوى نفسها.
جذب انتباهها خروج رائد من البيت برفقة يحيى ومحمد، كادت أن تدلف للغرفة لولا أن لاحظت رائد الذي يُحاول فتح البوابة التي أغلقها عامر خلفهم، فهدر رائد:
-ماشي يا عمرو والله لأربيك…
رفع رائد رأسه لأعلى فرأى نداء خاطبها:
-معلش خلي حد يجيبلي المفاتيح والموبايل.
-حاضر.
قالتها ودخلت للغرفة، فدنا يحيى من رائد وقال:
-مش شايف إنك مأخدتش خطوه في موضوعك لحد دلوقتي؟
أطلق رائد تنهيدة متألمة وقال:
-أعمل إيه يا يحيى ما إنت شايف الظروف.
-لا يا رائد ملهاش علاقة بالظروف… حاسس إنك متعمد أو…
قطع محمد حوارهما بقوله:
-شاركوني معاكم بتتكلموا في إيه؟
ربت يحيى على كتف محمد وقال:
-رائد يا سيدي معجب ببنت وبشجعه يخطبها…
محمد بحمـ ـاس:
-ريمان صح؟
هز رائد عنقه مستنكرًا وهو يقول:
-ريمان مين! لأ طبعًا.
بتر حديثهم نداء التي فتحت البوابة وهي تصر على أسنانها بغيظ من وئام وهيام اللتان رفضتا النزول بحاجيات رائد، دنا منها رائد وأخذهم من يدها وشكرها، في حين خاطب محمد يحيى:
-هي دي صح؟
أومأ يحيى مؤيدًا ووضع سبابته على فمه مشيرًا له أن يكتم الأمر، فابتسم محمد وأومأ متفهمًا…
وفي السيارة كان يحيى يجلس بالمقعد الأمامي في حين جلس محمد بالمقعد الخلفي متوجهين لبيت فاطمة زوجة ضياء، تنحنح محمد وخاطب رائد:
-هي… هي البنت اللي عندكم دي يا رائد اسمها إيه؟
عدل رائد المرآة ونظر لمحمد عبرها وهو يقول ببعض الحدة:
-أي بنت؟!
تمادى محمد ولكن بنبرة مرتعشة وكأنه يخشى رد فعل رائد، قال:
-مش عارف اسمها… بس الحقيقة إني معجب بشخصيتها.
التفت يحى وطالع محمد الذي غمز له، فاعتدل يحيى كابحًا ابتسامته، لم يعقب رائد فأكمل محمد:
-بنت محترمه و… لطيفه و… وجدعه و… حلوه و… وحاسس إنها معجبه بيا…
-وحسيت إزاي بقا؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قالها رائد وهو يصر على أسنانه بغيظ فأكمل محمد متخابثًا:
-بتبقى واضحه يا رائد… أصل الراجل مننا بيعرف البنت اللي معجبه بيه… وبيحس بأم عياله من النظرة الاولى…
ابتسم محمد وهو يتذكر هيام وحركاتها وقال بابتسامة وانفعال لطيف:
-مشاعر حلوه بتحس بطعمها لما تشوفها ولما تبعد عنها تحس إن المشاعر دي وقعت منك وغـ ـصب عنك راحتلها… وتبقى عامل زي اللي ضايع منه حاجه وطول الوقت عايز تشوفها عشان تاخد اللي وقع منك… وكأنها بقيت بتكملك…
انتبه من انفعاله وقال بمكر:
-نصك التاني… وبتشم ريحه حلوه كده… ريحة الـ…
صمت محمد يفكر في كلمة يضيفها، فضحك يحيى قائلًا:
-دي أكيد ريحة الحب.
حين سمع محمد لفظ الحب، عاد إليه انفعاله وقال بابتسامة:
-بالظبط… باعتبار ما سيكون فممكن نقول بذرة الحب اتزرعت… مفيش حاجه اسمها حب من أول نظرة… لكن فيه راحه وقبول وإعجاب من أول نظرة… والراحه أهم بكتيـــــر من الحب لأن الراحه هي التربة الخصبة اللي بينمو فيها الحب والرحمة والمودة هي الميه اللي بترويه عشان يكبر.
أومأ رائد وزم شفتيه وهو يقول بحنق حاول اخفاؤه:
-اممممم… كويس.
أكمل محمد متخابثًا:
-أنا بفكر أتقدملها… تفتكر هتوافق عليا يا رائد؟
زم رائد شفتيه وهو يغمغم متهكمًا:
-اممممم… مش بتقول حاسس إنها معجبه بيك؟
مال محمد بجسده نحو رائد وهو يقول بلهفة مصطنعة:
-فعلًا… يعني إنت ممكن تساعدني في الخطوة دي؟
صمت رائد لبرهة ثم التفت وطالع عيني محمد وهو يصر على أسنانه قائلًا:
-امممم… ومالو….
اعتدل محمد في جلسته وقال بابتسامة سخيفة:
-طيب إن شاء الله لما أجي أتقدملها في أقرب وقت يعني هتيجي معايا طبعًا؟
-إن شاء الله.
كان يحيى يبدل نظراته بين محمد ورائد في صمت، اعتقد أن رائد سيُظهر الغيرة أو يزجر محمد أو يبوح له بإعجابه بنداء، لكنه آثر الصمت وادلهمت ملامحه، وهو يقود السيارة في هدوء وسكون، فالتفت يحيى يُطالع محمد الذى لوى فمه متعجبًا من رد فعل رائد الذي لم يتوقعه على الإطلاق!
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★★
كانت نداء ترى محاولات «دعاء» الكثيرة لطلبها، أكثر من خمسة عشر مكالمة فائتة في دقائق معدودة تجاهلتها تمامًا، انتبهت لقول وئام:
-هيام… دعاء بترن عليكِ.
قالتها وئام بينما علامات السخط والضجر والبغض تتمشى بين ملامحها العابسة فقالت هيام:
-هاتي لما أشوفها عايزه إيه؟
خرجت هيام للشرفة وتبعتها وئام، سمعت جملة هيام:
-أيوه نداء قاعده عندنا.
وحين سمعت نداء تلك الجملة، رمقت هيام بنظرة استعادتها سريعًا فلم تحكي لهما عما فعلته دعاء
انخرطت نداء في أفكارها ولم تكترث لتلك المكالمة إطلاقًا فلا يهمها دعاء ولا علي ولا أي شيء في هذه الدنيا سوى نادر الذي تتلهف اللقاء به وتتخيل أنه عاد ويسمعها ويحدثها، كانت تلهج بالدعاء له ولوالديها فهم ثلاث نجوم تزين وتضيء سماء دنياها…
وبعد فترة بعدما أنهت هيام المكالمة وأخذت وئام تُحدثها بعيدًا عن نداء التي تعجبت من ذلك السلوك الغريب لكنها عادت لأفكارها ولعالمها الخاص حيث فتحت دفترها لتكتب بعض الخواطر التي دارت بخلدها، فجذب انتباهها أخر مشهد كتبته في رواياتها تلك الرواية المستمرة إلى ما لا نهاية تقريبًا! وأخيرًا رتبت أفكارها لتكتب عن نفسها وحياتها وتفرغ ما بجعبتها حول رائد وتلك المشاعر الفارغة التي يسميها المراهقات بالحب! كم تمقت تلك المشاعر وتتمنى لو كانت حجرًا ولا تشعر بتلك السخافات، نعم سخافات وستتخلص منها عاجلًا غير آجلًا.
انتشلها من عالمها صوت وئام:
-نداء هو إنتِ… إنتِ تعرفي حد اسمه علي؟
شعرت أن دعاء قصت عليهما قشور الموضوع، فقالت بعد تنهيدة:
-أيوه واحد شغال مع بابا في الورشة… بتسألي ليه؟
-أصل… دعاء كانت بتكلم هيام دلوقتي وبتقولها إنها كانت بتحبه وإنتِ أخدتيه منها وبتقولك إنها مش مسمحاكِ.
أطلقت نداء ضحكة كالزفرة وقالت ساخرة:
-سيبك منها…
أجبق عليهم الصمت ونداء تبدل بصرها بين هيام ووئام اللتان تُطالعنها والفضول يطل من أعينهما وكأنهما تنتظران أن تحكي لهما نداء، فركت نداء عينيها بأصابع يدها ثم زمجرت بغيظ قبل أن تبدأ في سرد ما حدث بالتفصيل…
وعندما انتهت قالت هيام:
-سيبك منها دي تعبانه في دماغها…
قالت وئام باستغراب:
-طيب إنتِ ليه رافضه علي لما بتقولي شاب وسيم وبيحبك؟
-عشان بيشرب سجاير ومعروف عنه في البلد إنه بتاع بنات يعني ماشي مع بنات البلد كلهم… وأنا عايزه زوج متدين وخلوق مش لمجرد إنه بيحبني.
اومأ الإثنتان وخيم عليهن الصمت للحظات، وأرادن نداء تبديل دفة الحوار فقالت وهي تُلوح بدفترها:
-تعرفوا إن أنا بكتب رواية!
أخذت وئام الدفتر من يد نداء وأخذت تقرأ ما به ثم رفعت رأسها عنه وقالت بابتسامة:
-رامي ورائد مهتمين بالكتابه برده… بس دائمًا يقرؤا كتب كتير عشان يعرفوا يكتبوا… وإنتِ محتاجه تقرئي برده عشان تزودي حصيلة اللغة عندك…
قالت هيام:
-فعلًا لأن من يكتب يقرأ مرتين يا دودو…
قالت نداء:
-ما أنا بقرأ بس الحقيقة مش كتير!
صمتن لبرهة قبل أن تقول هيـ ـام بحمـ ـاس:
-طيب إحنا ممكن ندخل أوضة رائد وتختاري كتاب وكل ما تخلصي واحد نرجعه مكانه ونجيب غيره… بس مش دلوقتي عشان هو قافلها…
وبالفعل في اليوم التالي تربصن ودخلن لغرفة رائد، وبمجرد أن فُتح الباب قابلتها رائحة عطره المميز، فأخذت تستنشق منه بانتعاش، وسرعان ما اختارت رواية من بين كتبه، وعادت للغرفة لتقرأ وتقرأ حتى جُذبت وغاصت في بحور تلك الأحرف والكلمات…
مرت الأيام ونداء ببيت رائد ولا جديد سوى أنها تتحاشى رؤيته طوتدعو الله أن يطرده من قلبها، لا تدري لمَ لم تدعو به وتُلح في طلبه وكأن لسانها يُعقد كلما حاولت!
وها قد حل مساء اليوم الأخير الذي ستقضيه ببيت دياب قبل أن تعود لبيتها صباح اليوم التالي.
أنهت الرواية وأغلقت غلافها ثم عادت وفتحتها مجددًا بابتسامة واسعة وهي ترى أنه وكلما قابلها لفظ نداء كان محاطًا بقلب رُسم بحبر أزرق تارة وأحمر تارة أخرى.
تلاشت ابتسامتها حين سمعت صوت رائد الهادر:
-أنا عايز أعرف مين اللي لعب في كتبي… وبعدين الروايه اللي مش لاقيها دي بالذات مش بتاعتي بتاعت محمد ودلوقتي هو عايزها…
رفعت وئام يدها وهي تردد بنبرة مرتعشة:
-أ.. أ.. أنا معرفش… مبقرأش روايات أصلًا…
وفعلت هيام مثلها قائلة:
-ولا أنا! اسأل بقا عمرو وعامر…
وجه رائد نظره لعمرو وعامر تزامنًا مع خروج نداء وبيدها الرواية، لم يراها رائد وأخذ يخاطب إخوته الأربع بغضب عارم والأربعه ينكرون، اتسعت حدقتي هيام حين رأت نداء والكتاب بيدها وأخذت تشير لها لتبتعد ولكن التفت رائد فرآها، صكت هيام وجهها وتبعتها وئام حين أبصر رائد الرواية بيد نداء.
عادت نداء للخلف بخوف ثم مدت يدها بالرواية وهي تقول:
-أ… أسفه.
أخذ رائد الرواية من يدها وهو يُصر على أسنانه بغيظ، ودون أن ينبث بكلمة توجه صوب غرفته وهو يهملج بخطى غاضبة…
نهضت هيام واقفة وأخذت تشير بيدها كما كانت تفعل مرددة بضحك:
-أنا عماله أعملك كده… كده عشان تمشي وإنتِ واقفه زي اللطخ.
ضحك الأربعة حتى نداء شاركتهم الضحكات، فهي سعيدة منذ علمها بنجاح عمـ ـلية أخيها ولا تريد أن تعكر مزاجها بأي شيء…
قال عامر:
-يا بختك هترجعي بيتك وتخلصي من الإنسان العصبي ده…
قال عمرو بضجر:
-مش عارف هو مبيسافرش ليه بدل رامي…
زجرته وئام وهيام كذلك، وتركت نداء متابعة ذلك السجال حين أجابت على هاتفها الذي أضاءت شاشته برقم غير مدون ظانة أنه ربما أحد والديها.
انتظرت لتسمع صوت المتصل فكانت صوت أنثوي ألقى عليها السلام ونادت باسمها أكثر من مرة فأجابت نداء لتتفاجئ بعدها بصوت «علي»:
-بالله عليكِ متقفليش واسمعيني لأخر مرة.
أشارت لوئام وهيام وركضن للغرفة لتفتح مكبر الصوت ويبدأ الحوار:
-مـ… مين معايا؟
-أنا علي… آسف إني خليت أختي الكبيرة ترد عليكِ… بس كنت عايز أطمن إنك هتردي…
نظرت نداء لوئام وهيام وصمتت فأردف:
-نداء أنا هطلب منك لأخر مره تديني فرصه… حتى لو هستناكِ عمري كله أنا موافق وراضي.
-يا علي إنت شاب كويس لكن أنا عند رأيي أنا آسفه متتعبش نفسك وتتعبني معاك في جدال ملهوش لزمة…
قال بنبرة حزينة:
-أفهم من كده إن مفيش أمل تفكري ومفيش أي أمل تحسي بيا وبقلبي…
صمتت وهي تبدل نظرها بين وئام وهيام اللتان شعرتا بالأسى لحالته تلك، قال بحشرجة:
-قوليها يا نداء قوليلي إن عمرك ما هتكوني ليا قوليها يمكن لما أسمعها المره دي تكوي جـ ـرحي وأتعافى منك.
أخذ يحثها أن تنطقها فاستجمعت شجاعتها وقالت:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-انا مش هكون ليك… أنا وإنت مش لبعض… ربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تسعدك.
صمت هنيهة ثم قال:
-الوداع يا نداء… أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وأتمنى تكوني أسعد واحده في الدنيا ومع الإنسان اللي يستاهل قلبك الرقيق…
ألقى السلام عليها لأخر مرة وأجابته، همت أن تغلق المكالمة فسمعت صوت أخته التي خاطبته:
-هات يا علي… مش هسيبك تشرب سجاير تاني دي خامس واحده…
أطلق ضحكة كالزفرة وقال:
-عادي مش عايزها يعني هتكون أغلى عندي من نداء!
أنهت نداء المكالمة في سرعة، وزفرت بحنق، فقالت هيام:
-والله العظيم صعبان عليا…
-أنا عايزه أنام.
قالتها نداء، فقالت وئام:
-يحيى لسه هيجي عشان نتفق على ميعاد الخطوبة خليكِ صاحيه شويه.
دلفت نداء للغرفة واستلقت على الفراش وهي تقول بنعاس زائف:
-لأ أنا بجد عايزه أنام… تصبحوا على خير.
تركتها وئام وهيام وظلت نداء تُطالع سقف الغرفة وهي تفكر في علي، كم شعرت بالشفقة عليه لدرجة أنها وفي لحظة ضعف فكرت أن تهاتفه وتخبره بموافقتها عليه لكنها لم تفعل، فكرت في رائد وكيف أن تلك الرواية التي قرأتها كانت تخص محمد! فهل محمد هو الأخر معجب بها؟! هل هي جميلة لدرجة أن يقع الرجال في غرامها!!! ظلت التساؤلات تمور برأسها حتى غلبها النعاس في النهاية….
رأت في منامها أن «علي» يقف يسارها ورائد يقف بمينها وكلاهما مبتسمًا بسط «علي» يده لها وظلت تُطالعها للحظات ثم تجاهلته وولته ظهرها وبسطت يدها لرائد فسحبه شيء أبعده عنها، عادت تنظر نحو علي وهمت أن تمد يدها إليه فقد ظل باسطًا يده بابتسامة وإذ بغتة تظهر سيدة من الخلف وتردد:
-أنا أمك يا علي… تعالى يا حبيبي هي مش ليك…
وفجأة تجذبه بطن تلك السيدة وتتسع حدقتي علي دهشة مما يحدث! ثم يلوح لنداء قبل أن تبتلعه بطن السيدة بالكامل ويختفي من أمامها.
التفت نداء حولها وطفقت بطن تلك السيدة تجذبها هي الأخرى فصرخت، قاومتها وجاهدت، حتى ظهر رائد من العدم وجذبها إليه بعيدًا عن تلك السيدة، ووقفت السيدة تُطالعهما مرددة:
-لسه دوركم مجاش… روحو العبوا وتكاثروا تفاخروا بس اعرفوا إن مصيركم هنا…
وأشارت لبطنها، فبكت نداء وشددت من قبضتها على ذراع رائد، قبل أن يدوي صوت قارئ بقول الله تعالى:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ……﴾
فتحت نداء جفونها وجبينها يتفصد عرقًا وصدرها يعلو ويهبط من شدة الأنفعال بينما قرآن ما قبل أذان الفجر يدوي بالخارج، بالآية التي سمعتها في منامها، كانت وئام مستلقية جوارها وغارقة في النوم، فنهضت نداء متسللة على أطراف أصابعها كي لا توقظها.
ففي ظلام الليل وسكونه قلوب غشيها النعاس وأخرى فزعت من نومها وفرت إلى الله متلهفة للقاء ومشتاقة للدعاء.
وبعد فترة كانت نداء بالشرفة حيث إضاءة القمر الخافتة تغطي الأرض وتحنو على جدران البيوت بلمسات ضوءه الخافت، جلست نداء على سجادة الصلاة رافعةً يديها لأعلى وهي تُلح بالدعاء، كتمت نشيجها كي لا توقظ وئام، فتلك الرؤية قذفت الرعب إلى قلبها، ولا تعلم لمَ خافت على «علي»، أخذت تُحدث ربها:
-أنا مسمحاه يارب… يارب اهديه… يارب هو معمليش حاجه… هو بس قلبه فُتن بيا زي ما قلوبنا كلنا مفتونه بالدنيا… يارب اغفرله واغفرلي… وإن كنت أنا اللي فتنته فاغفرلي يارب…
صمتت قليلًا حين تذكرت الرؤيا ثم دعت لـ علي:
-اللهم أحييه ما دامت الحياة خيرًا له…
شهقت باكية ونطقت عبارة خشيت التفوه، ارتعشت شفتيها وهي تقول:
-وتوفه مادامت الوفاة خيرًا له.
انسابت الدموع على صفحة وجهها، ثم استغفرت وذكرت الله في نفسها حتى هدأت دموعها واختفت رعشة شفتيها، ظلت تقف بالشرفة تتأمل السماء الصافية وتسبح الله في خشوع حتى تناهى لسمعها صوت بوابة البيت يُفتح، فعادت للخلف خطوتين ثم عادت ترى هوية الخارج، فأبصرت دياب الذي يهرول نحو المسجد ليرفع أذان الفجر، وما أن دوى صوت الآذان حتى خرج رائد من البيت، طالعته وهو يتجه نحو المسجد ثم أشاحت بصرها ورددت بابتسامة:
-وشابٌ نشأ في طاعة الله… اللهم بارك.
تنهدت وطالعت السماء داعية راجية:
-اللهم ارزقني زوج صالح وذرية صالحة تشهد لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وتنشر رسالة الإسلام وتذكرك في السر قبل العلن.
-اللهم آمين…
التفتت نداء أثر صوت وئام وابتسمت، اشرئبت وئام برأسها فرأت رائد يهرول للمسجد، عادت تنظر بعيني نداء التي تذبذبت نظراتها في اضطراب، ولم تُعلق وئام على هذا بل قالت بحمـ ـاس:
-يلا نصلي الفجر جماعه… هدخل أصحي هيام…
أومأت نداء بابتسامة خفيفة، في حين دلفت وئام للغرفة…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين.
-اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم نصر عزيز مقتدر.
★★★★★★★
أمهلته فاطمة عدة أيام ليخرج من حياتهم للأبد، لا تريد رؤيته بأي مكان ولو صدفة، معللة أنه يُذكرها بخيانة زوجها لها، كانت قد تحدثت معه على انفراد وأخبرته أن يظل ذلك الحديث سر بينهما حتى لو لم ينفذه وفي المقابل ستعود هي لبيتها وتعيش حياتها كما كانت فوافق محمد دون تفكير.
أضناه الندم لأنه ترك عمله بمرسى مطروح، تمنى لو يستطيع العوده تحدث مع زملائه ثم مع مديره الذي رفض في البداية ثم أخبره أن يأتي…
قدّم محمد استقالته من العمل الجديد وحزم أمتعته ليعود لمسقط رأسه بعد أن تحدث مع والده وأقنعه بعودته لعمله…
في صباح ينضح بالأمل للبعض ويحمل بين طياته ألمًا لأخرين خرج محمد من بيت والده، أمعن النظر للبيت من أعلى لأسفل وكأنه يودعه ولن يراه مجددًا وهم أن يغادر لولا أنه رأى هيام التي خرجت من بيتها للتو وأشارت إليه ليتوقف، فترك حقيبته وانتظر وصولها…
قالت بلهفة:
-إنت رايح فين؟
تحاشى النظر إليها وحك أنفه وهو يقول بنبرة مرتعشة:
-المدير كلمني ومحتاجني في مطروح.
قالت بحزن وهي تمرر بصرها على حقائبه:
-هتيجي تاني إمته؟
-مـ… مش عارف.
-إنت فيك حاجه أنا ملاحظه إن من لما فاطمه رجعت وإنت متغير… احكيلي زعلتك صح؟ إنت مقدرتش تقعد معاها ما هي ست صعبه هي وعيالها الصبيان وكلنا عارفين ده.
غير محمد دفة الحوار بقوله:
-إنتِ رايحه فين بدري كده؟
-أنا رايحه أشتري فطار… احكيلي الاول مالك؟
لاح على شفتيه شبح ابتسامة صغيرة وقال:
-أنا كده هتأخر يا هيام.
ودون استئذان حملت حقيبة ظهره حيث كان قد وضعها على الأرض وهي تقول:
-يلا هوصلك وتحكيلي في الطريق.
أبت للسير فقال بضجر:
-خدي يا بنتي توصلي مين؟ هو إنتِ ليه محسساني إنك هتوصلي سوسن بنت خالتك! يا ماما الناس هتقول عليك إيه لما يشوفونا مع بعض؟
-ناس مين!!! هو إحنا ماشين في حته مغلقه ولا مؤاخذه؟! بقولك إيه يا محمد لو مش عايز تتأخر يا بابا وعايز شنطتك اللي معايا يبقا الحقني واحكيلي إنما لو عايز تتأخر فأنت حر.
قالتها وأطلقت ساقيها وهي تشد حقيبته على ظهرها، فاضطر أن يتبعها هو الأخر مرددًا بابتسامة:
-مجنـ ـونه والله…
ورغم أنه يعلم بمدى خطأ أن تسير معه مع تلك المشاعر التي يُكنها لها إلا أنه راق له أن ترافقه، عله يسمع حروف اسمه تخرج من بين شفتيها مرة أخرى، وإن تنازل وترك والده، فلن يتنازل عنها سيرتب أموره ويعود ليطلبها من عمه…
سارت جواره وهي تحافظ على مسافة فاصلة بينهما سألته بنزق:
-انطق بقا في ايه؟!
-مفيش يا هيام.
-طيب والله العظيم فيه… هو إنت مش واخد بالك وشك عامل إزاي!!!
-عامل ازاي؟!
توقفت عن السير وأطرقت وهي تقول:
-باين عليك الزعل… احكيلي وأنا والله ما هقول لحد.
-طيب يا ستي هحكيلك…
قالها بعد تنهيدة حارة وأكمل سيره فتبعته، أخذ يحكي ما قالته له فاطمة وكيف قبّل به كي لا يفسد حياة والده فقالت هيام بضجر وانفعال:
-طيب والله كنت حاسه… يا عم سيبك من الست دي! هو إنت فاكرها أصلًا هتتطلق بجد!! يا حبيبي عمرها…
عضت شفتيها حين انتبهت لما نطقت به بعفوية، التفت محمد إليها ثم عاد يطالع الطريق أمامه وقد أدرك أنها ربما ذلة لسان منها، خيم الصمت عليهما إلا من أصوات أبواق السيارات التي تمر جوارهما، داعبت رائحة الطعمية أنفهما فسألته هيام:
-إنت أكيد مفطرتش؟
-أكيد.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-استناني بقا أجيبلك فطار معايا…
سارت خطوتين نحو المطعم فتبعها ومال عليها قائلًا بخفوت:
-إنتِ ليه مصممه تحسسيني إنك ماشيه مع سوسن بنت خالتك…
كتمت ضحكتها وقالت وهي تمد يدها بالنقود:
-طيب خد وهقولك تشتريلنا ايه…
رفع حاجبيه وهو يقول:
-معايا فلوس والله وكفايه بقا…
ضحكت وأخبرته بما تريد فاشتراه وحاولت جاهدة أن تعطيه النقود مبررة أن والدتها ستغضب إن علمت، فقال محمد مبتسمًا:
-اعتبري الفلوس دي مني ليكِ عشان تشتري كابتشينو…
-اقنعتني.
قالتها وهي تضع النقود في جيبها، لاح لهما موقف السيارات من بعيد فخلعت حقيبته وسلمتها له وهي تُطالع عينيه وتقول:
-ابقى طمني عليك لما توصل بالسلامة.
أشاح بصره عنها مرددًا:
-حاضر.
حمل الحقيبة ورمقها بنظرة أخيرة قبل مغادرته فنطقت هيام:
-لا إله إلا الله.
التفت لها وقال:
-محمد رسول الله.
ثم لوح لها وغادر مبتسمًا، وفي طريقها للعودة للبيت شعرت بوخزات الدموع داخل مقلتيها، فلم تكتمها وشهقت باكية ثم جففت دموعها قبل أن تصل لشارعهم.
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
دلفت هيام للبيت بوجه متجهم وكلما قابلها أحد وسألها عما بها أخبرته لا شيء.
استعدت نداء للرحيل وهي بقمـ ـة الحماس فاليوم سترى أحبتها وستعود حياتها لروتينها السابق الذي تتوق إليه، كانت تتجهز بينما تخبرها وئام أنه تم تحديد خطبتها بعد أسبوع وأن يحيى يريد كتب كتابهما وهي تخشى أن تتسرع في ذلك فهي وإن كان قلبها يميل إليه إلا أن الزواج حياة أخرى ولازالت لا تعرفه وتخشاه، كما أنها لا تعلم هل لديها تلك القـ ـوة التي تمكنها من الزواج الآن أم أنها صغيرة على تلك الخطوة!
أخبرتها نداء أن تُصلي استخارة وتطلب العون من الله، وأخذت تُطمئنها فأومأت وئام وطالعت هيام المتجهمة تسألها عما أصابها؟! فقد كانت شاردة ولا تشاركهما الحوار، فنهضت هيام وتركت الغرفة وهي تقول للمرة التي لا حصر لها أنه لا شيء…
وبعد فترة وصلت نداء لبلدتها، تنفست بارتياح حين رأت بيتها، ارتجل الجميع من السيارة وتبعهم رائد الذي كان يقود السيارة، أخذ الفتيات ينظفن البيت بينما أخذت شيرين تُعد الطعام، ووقف رائد بشرفة المنزل يتحدث عبر هاتفه، قال ممازحًا:
-يا عم هتقدملها النهارده… أنا كلمت بابا وماما وقضي الأمر… أكيد مش هستنى لما الواد محمد يسبقني…
رد يحيى بضحك:
-ربنا يتمملك بخير يارب يا غالي… بس على فكره محمد كان بيهزر بينكشك يعني.
-طيب ما أنا عارف… دا الأستاذ إداني رواية وكل ما يلاقي اسمها يحطلي عليه قلب إبن الإيه ده… عشان أغيير وكده…
-عسل محمد ده…
قالها يحيى ضاحكًا…..
وبعد فترة من الضحك والمزاح الذي لم ينقطع بين رائد ويحيى وبين الفتيات بالداخل تناهى لسمعهم صوت يصدر من المسجد القريب:
«إنا لله وإنا إليه راجعون توفى إلى رحمة الله تعالى المرحوم بإذن الله علي محمود عبد الغفور…»
كذبت نداء سمعها وأقنعت نفسها أنه ربما تشابه أسماء خرجت للشرفة حيث يقف رائد فرمقها بنظرة استعادها سريعًا، استندت نداء على سور شرفتها وأرهفت السمع لينقر نفس الإسم طبلة أذنها، اشرئبت برأسها لترى جارتها كبيرة السن تبكي وتصيح باسمه وهي تقول:
-يا حبيبي يا علي يا حبيبي… مين اللي هيسأل عليا ويجيبلي حاجه حلوه كل يوم يا علي… طيب مين هيديني وردة كل ما يلاقيني زعلانه…
شعرت نداء بأن الأرض تهتز من تحتها، أتحققت رؤيتها؟! إذًا فبطن السيدة هي الأرض كما فسرتها وخافت من تفسيرها! قد قال لها بالأمس الوداع! فهل كان يشعر! أكان يقصد الوداع حقًا!!!
سمعت النساء يحدثن بعضن:
-بيقولك صلي الفجر ودخل نام وحاولوا يصحوه من النوم مقامش…
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
-كلنا لـ آدم وآدم من تراب… إنا لله وإنا إليه راجعون.
وضعت نداء يدها على قلبها الصريع، وأغلقت جفونها بألم…
فسألها رائد:
-نداء… في إيه إنتِ تعرفيه؟
التفتت نداء وطالعته وهي تردد بانهـ ـيار وشدوه وصورة علي لا تفارق مخيلتها:
-علي مات يا رائد… امبارح ودعني والنهارده مات…
رائد بصدمة:
-علي مين!؟ تقصدي اللي كان شغال هنا؟
لم تجبه وأخذت تردد بحشرجة:
-مات بسببي… كلامي كوى جرحه زي ما كان عايز بس معرفش يعافى فـ… مـ ـات.
أشارت لنفسها والدموع تهطل من مقلتيها هاتفةً بانفعال:
-علي مات بسببي أنا… أنا السبب…
حاول رائد تهدئتها بقوله:
-اهدي يا نداء محدش بيمـ ـوت بسبب حد! دا أجل ومكتوب.
هزت رأسها في استهانة وهي تردد بحشرجة وحسرة:
-مـ ـات بسببي… بسببي أنا عارفه…
قالتها وقد غمرها الحزن وأخذت الدموع تهطل من عينيها بغزارة، نادى رائد والدته ووئام وبصره مسلط على نداء، فقد.كان مكتوف الأيدي يتابع انهيارها ولا يقوى على الاقتراب.
شعرت نداء وكأن الأرض تميد بها فأغلقت جفونها وتىنح جسدها للخلف قبل أن تهوى أرضًا، فزغ رائد وقبل أن يصطدم رأسها بالطاولة الخشبية، وضع يده أسفله في سرعة مناديًا بأعلى صوته:
-يا وئـــــام…. يا مـــــامــــا.
تزامنًا مع وقوف السيارة أمام البيت وخروج رشدي منها مع دينا حاملًا ابنه الصغير بسعادة كبيرة…
★★★★
فتحت نداء جفونها فأبصرت والدتها ووالدها ونادر ووئام ورائد وشيرين ودياب وعلي! رأته بينهم الجميع يحاوطونها، فتسائلت بفرحة:
-عـ… علي عايش؟ طلع تشابه أسماء صح؟
وعندما اعتدلت جالسة وبدلت نظرها بين الوجوه لم يكن علي بينهم! فشهقت باكية وأخذ الجميع يهدئها، حتى أن والدها شعر أنها كانت تحبه! لفرط انهـ ـيارها!
همس رائد لوالدته ألا تتحدث بخصوص خطبته من نداء كما فعل مع والده…
★★★★★
وبعد هذا اليوم توالى مرور الأيام تقدم رائد لخطبة نداء فرفضته دون أن تجلس معه وكرر المحاولة عدة مرات على مدار عام وهي تصر على رفضها وكأنها تريد تذوق ما فعلته مع علي، وكأنها تعاقب قلبها على انجذابه لرائد وبغضه لـ علي، معلله لوالديها أنها لا تريد الزواج الآن! كانت تنتظر أن يتزوج رائد من أخرى لتتذوق كـ ـسـ ـرة الفؤاد التي أذاقتها لعلي، لعل ضميرها يرتاح ولو قليل…
خُطبت وئام ليحيى وأجلت كتب الكتاب ليوم الزفاف كان حفل الخطبة هادئًا بحضور العائلة فقط ودون تكلف ولم تحضره نداء التي أصبح تعاملها معهما سطحيًا ودائمًا منزوية على حالها تذهب للجامعة لحالها وتعود لحالها حتى دعاء لم تقترب منها…
لم يُحدث محمد هيام منذ أخر لقاء وكانت تعرف أخباره بالصدفة من رائد أو والدها وأخر شيء وصل إليها أنه سافر لأخته ورامي ليعمل بإيطاليا، كما أوشكت ريم أن تضع مولودها الأول وستعود قريبًا مع رامي للوطن…
أما نداء فقد انتكست أصبحت تصلي فروضها فقط وبثقل شديد، وعلى مدار عام كانت تأكل خلاله أي طعام بلا فائدة؛ مشروبات غازية، حلوى، ووجبات سريعة مما جعل وزنها يزيد بشكل ملحوظ لكنه ظل في النطاق المثالي وزادها ذلك جاذبية.
في البداية لم تكن تأكل حُبًا بالطعام لكن مع توالي الأيام ازداد نهمها وشغفها للأكل وكأنها تعاقب حالها أو تلهي نفسها علها تنسى «علي» لكنه ظل شوكة حياتها، يقتحم مخيلتها دائمًا، وكلما وقفت في شرفتها شعرت أنه ربما يختلس النظر إليها الآن! تتذكره حين أعطاها وردة، وحين تقدم لخطبتها وما يُهشم فؤادها هو نبرته المهزومة، في أخر مكالمةوكلما تذكرت حوارهما ذاك لاح طيفه أمام بصرها وهو يقول: «الوداع» فتبكي.
وفي هذا اليوم كانت تأكل رقائق البطاطس المقلية باستمتاع وتستعذب سماع الأغاني التي تحكي مأساة الحياة، فدخلت والدتها للغرفة وقالت:
-رائد بره… والمره دي هتقابليه غصـ ـب عنك مش برضاكِ.
-يا ماما لو سمحتِ أنا مش….
بتر عبارتها والدها الذي ظهر خلف والدتها وقال:
-من غير اعتراض يا نداء… البسي عشان تقابليه….
تركها والديها فوثبت من فراشها وأكلت البطاطس دفعة واحدة ثم خرجت للمرحاض لتفرغ ما بمعدتها كانت قد اعتادت على ذلك الفعل منذ شهرين فبعدما لاحظت زيادة وزنها أنبها ضميرها، فأصبحت تأكل كثيرًا ثم تدخل للمرحاض وتضع اصبعها بفمها لتتقيء كل ما أكلته قبل هضمه…
★★★★
وفي غرفة الضيافة
قال دياب:
-إن شاء الله كتب كتاب وئام يوم الخميس هتنورونا طبعًا…
-أكيد إحنا مش محتاجين عزومه يا عقيد.
قالها رشدي مربتًا على فخذ دياب تزامنًا مع دخول نداء للغرفة مع والدتها…
سلمت نداء عليهم جميعًا عدا رائد الذي لم تنظر نحوه، تركوهم بمفردهم فتحدث رائد بسخرية لطيفة:
-ازيك يا طنط ويا عمو ومفيش إزيك يا رائد للدرجه دي متضايقه مني؟
رمقته بنظرة سريعة كانت كفيلة أن تعرف أن مظهره تغير لا تدري ما الذي تغير به لكنه تغير عن أخر لقاء بينهما، ران بينهما صمت خفيف قطعه رائد بقوله:
-ممكن أعرف سبب رفضك ليه؟
تنهدت بعمق وقالت دون أن تنظر نحوه:
-لأننا مش مناسبين لبعض… مفيش كفاءه… إنت طويل وأنا….
قاطعها ضحكاته وهو يقول:
-هو ده السبب؟!
ظلت ملامحها جامدة مما دفعه لكبح ضحكاته، كان يجلس مقابله ولكن المسافة بعيدة فاقترب قليلًا ثم قال بجدية:
-ارفعي عينك يا نداء بصي في عيني وقولي إنك رفضاني…
أطلق ضحكة كالزفرة مرددًا:
-متقلقيش مش حرام لأننا في رؤيه شرعية…
لم تبدي أي رد فعل فتنهد بعمق واستطرد:
-بصي في عيني وقوليلي إنك رفضاني وأوعدك إني هنسحب من حياتك بهدوء.
كان يُحدق بملامحها المدلهمة، فلم تحرك ساكنًا لكنه كان هدوء ظاهري بينما قلبها يرتعد خلف أضلعها، فلو نظرت لعينيه لثانية واحدة ستخبره بكل ما يدور بجعبتها، ستخبره أنها تنتقم من نفسها، ستبوح بكل شيء! أغلقت عينيها بألم، فحثها رائد على رفع عينيها بقوله:
-نداء أنا مستني…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
ران بينهما صمتٌ طفيف وهي مطأطأة الرأس، ولم تبدي أي رد فعل فأضاف:
-هستنى كتير يا نداء؟ لو سمحتِ ارفعي عينك وبصيلي…
قالها بنبرة هادئة لكنها لمست بها بعض الحدة، فرفعت بصرها ببطئ وما أن التقت عينها بنظراته المتفحصة لملامحها ورأت ابتسامته أطرقت مرة أخرى فقال بانفعال:
-ارفعي عينك وقوليها… قوليها ومش هتشوفيني تاني…
ازدردت لعابها ولاذت بالصمت فقال بانفعال أشد:
-ارفعي عينك وقوليلي إنك مش عاوزاني… وأنا والله همشي بلا رجعه.
استجمعت شجاعتها ونظرت في عينيه لتنطق بما يريد وما أن تشابكت نظراتهما ودار بينهما حوار صامت وكأن عينيه تتوسلها ألا تفعل وألا تنطق وألا تبتعد، حينها تذكرت «علي» وخشيت على رائد نفس المصير، فإن كان قلبها يتألم لمـ ـوت «علي» فإن مـ ـات «رائد» سيتفتت قلبها وتُزهق روحها، لم تستطع تخيل أن مكروه قد يُصيبه ألا يكفيها ما حدث لعلي! فهي تلوم نفسها في كل حين، لكن ما ذنبها وما ذنب أي أنثى أراد شاب ما الإرتباط بها ورفضت فلم يتركها وشأنها معللًا أنه يحبها؟ أي حب! وأي مشاعر تلك التي تدفع أي شخص بأن يُلقي بحياته في التهلكة!!!
أغلقت نداء جفونها وهي تردد بأنفاس متسارعة:
-لا… لأ… مش هقدر…
بتـ ـر حديثهما دخول والدها للغرفة قائلًا ببهجة:
-ها اتفقتوا يا ولاد؟ المأذون وصل.
-مأذون؟!!
قالتها نداء بصدمة ودهشة وهي تُطالع والدها المبتهج…
قال رائد في هدوء وتؤدة:
-دقيقة واحده يا عمي رشدي بعد إذنك… خليه يظبط الأوراق على ما أتكلم مع نداء كلمتين لو سمحت…
وافقه رشدي وخرج، فنظرت نداء لرائد وقالت بتهكم:
-هو إنتوا بتعملوا إيه؟! هتجوزوني غصب عني مثلًا!!!
أطلقت ضحكة كالزفرة وهزت عنقها في استهانة مستطردة:
-إنت شكلك بتقرأ روايات كتير باين!!
نهض رائد واقفًا وقال بجدية شديدة:
-قدامك دقيقتين تيجي تبصي في عيني قدامهم كلهم وتقوليلي إنك مش موافقه ساعتها بس همشي… هودعك ومش هرجع تاني…
سار خطوتين ثم عاد واسترسل رافعًا سبابته:
-بس بسرعه عشان لو أنا نطقت كلمة “قبلت الزواج” بعدها مش هيفرقنا إلا حاجه واحده…. المـ ـوت.
قالها وهو يضغط على أحرف كلمته الأخيرة ثم خرج من الغرفة ودخلت بعده شيرين ودينا والفرحة والبسمه تتجلى على قسمات وجههما، لم تسمع نداء من حديثهما شيء ولم ترى سوى حركات شفتيهما دون أن تفقه ما تقولان، كانت تتخبط في ذكرياتها وأفكارها وآهات فؤادها التي لا يسمعها إلاها.
تناهى لسمعها صوت والدها الذي ردد خلف المأذون:
-زوجتك ابنتي نداء رشدي العميد البكر الرشيد….
تسارعت أنفاسها ووثبت من جلستها، سارت عدة خطوات صوب باب الغرفة كانت تُهملج في عصبية وعندما همت أن تخرج من الغرفة لتُنهي تلك المهزلة توقفت فجأة وأخذت كلمات علي تمور برأسها لكن بصوت رائد:
-الوداع يا نداء… أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه…
همى الدمع من مقلتيها اعتصر قلبها ألمًا، تردد في جعبتها صوت:
-رائد هيمـ ـوت لو سيبتيه… لو سيبتيه هيمـ ـوت…
ظلت تلك العبارة تتردد داخل رأسها مراتٍ عدة، ومشاعرها تتأرجح بين رغبة ورهبة، وبين شفقة على رائد وقسوة على قلبها.
شهقت باكية وحين رأت شيرين حالتها تلك والحيرة التي تُطل من مقلتيها، أقبلت إليها وضمتها وأخذت تربت على ظهرها وتُحدثها عن صفات رائد الحميدة وعن مدى حبه لها، لا تعلم أن نداء لا تسمع سوى هسهسات نفسها.
استكانت نداء في أحضانها كانت معهم بجسدها بينما عقلها يبحر في عالم أخر؛ عالم من الهواجس التي غشيت فؤادها فأظلمته، انتشلها من خضم أفكارها صوت رائد:
-وأنا قبلت زواج ابنتك…
إذًا فقد قُضي الأمر، خرجت من حضن شيرين وجففت دموعها في سرعة، كان قلبها يختلج حتى أن رجفته فاضت فظهرت على يديها حيث كانت تنتفض.
أمسكت دينا ذراعها وربتت عليه بحنو، بينما ضمت شيرين كف يدها الأخرى بعطف بالغ، وحثتها دينا لتسير معهما لتمضي على أوراق زواجها…
رفعت نداء بصرها وتأملت رائد وملامحه المبهمة، ثم بدلت نظرها بين وجوههم جميعًا حتى توقف بصرها على رائد مرة أخرى ودوى بداخلها صوت يدفعها أن توافق لأجل قلبه فقط لا من أجل قلبها ولأجل أن يعيش هو لا من أجل عيشها، خاطبت نفسها بأن هيّا لتُكمل تلك الزيجة من أجلهم وليس من أجلها، فأمسكت القلم بيدها المرتجفة وكتبت اسمها بخط مهزوز وبعد فترة انتهى الامر بزغاريد شيرين ودينا ثم معانقة الجميع للعروسين في بهجة وفرحة.
شعرت نداء وكأنها في حلم لكنه جميل جدًا فقد أصبح رائد لها وهي له وفي الحلال، ارتعشت شفتيها بابتسامة خفيفة حين طالعت وجوههم مرة أخرى فالجميع سُعداء! أقنعت نفسها بأن ما فعلت لأجل فرحتهم جميعًا لا من أجل فرحتها!
وأخيرًا فتحت شيرين علبة تحتوي على قطع من الذهب وأقبل رائد نحو نداء التي من فرط توترها بسطت له راحة يُمناها المرتجفة، فضمت شيرين يدها اليمنى ورفعت ظهر اليد اليسرى ليضع رائد دبلته في إصبعها وتغاضى عن باقي الذهب حين رأى إنتفاضة يدها وشعر باختلاج قلبها، كاد أن يعانقها أمامهم لكن لحرجه وخجله تراجع واكتفى بأن يضم كلتا يديها بين كفوفه مرددًا بابتسامة:
-مبارك يا عروستي.
أصابت السعادة فؤادها؛ تلك السعادة التي لم تطرق بابها منذ عام كامل لكنها سرعان ما زجرت حالها! فكيف لها أن تفرح وهي المتسبب بمـ ـوت علي، تقلبت مقلتيها يمنة ويسرة في توتر وما أن نظرت بعينيه حتى انفـ ـجرت باكية وارتفع نشيجها وهي تردد بحشرجة ونبرة مرتعشة:
-أنا… أنا… أنا مستاهلش كده…
فلم يكترث لوجود من حوله، عانقها ليدفئ زمهرير قلبها، همس في أذنها:
-اهدي يا حبيبتي.
قالت بحشرجة:
-أنا تعبانه أوي… قلبي واجعني…
قال بنبرة حانية:
-سلامة قلبك…
نظر لهما الجميع بشفقة وتبددت سعادتهم حين رأوا حالتها تلك وأخذت والدتها تربت على ظهرها وقد علقت الدموع بأهداب جفونها، فجذبتها شيرين وضمتها ثم همست في أذنها:
-متقلقيش عليها.
من ناحية أخرى ربت دياب على كتف رشدي وقال:
-مش قولتلك هيتجوزوا…
ارتعشت شفتي رشدي بابتسامة خفيفة وضم دياب….
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
-أنا مش عايزه أولد هنا يا رامي… بالله عليك عاوزين ننزل مصر قبل ما أولد.
قالتها ريم بينما كانت تجلس قبالة محمد وجوار رامي وتملس على بطنها المنتفخة أمامها، فقال رامي ببسمة:
-امسكي نفسك الكام يوم دول يا مسكر.
قالت بقلق:
-ربنا يعديهم على خير.
أضافت بلوعة:
-أهلي وحشوني أوي ماما وبابا ورغدة مع إني زعلانه منها عشان مسألتش عليا بس وحشتني أوي.
نظر كل من رامي ومحمد لبعضهما وأطرقا، فلم تعلم ريم بمـ ـوت أختها حتى الآن! لم يستطع رامي أن يخبرها ومرت الأيام وحملت في طفلها فحذر الجميع من إخبارها، وكلما سألت على رغدة يخبرونها بأنها منشغلة في عملها ومنهمكة في حياتها، وكانت تصدقهم فلم تكترث رغدة لوجودها يومًا وذلك الفعل متوقع منها.
غيّر رامي دفة الحوار مخاطبًا محمد:
-مـ… مش ناوي تغير رأيك وتنزل معانا يا محمد؟
قال محمد:
-لأ… مـ… مش عارف ممكن أحصلكم…
قالت ريم وهي تشير لبطنها:
-حاول تيجي يا محمد مش عايز تشوف ابن أختك ولا إيه؟
-هو انتوا مش هتقعدوا شويه وترجعوا… ولا ناوين تطولوا في مصر؟
قالها محمد فأجاب رامي:
-لأ… تلت شهور وهنرجع علطول…
استأذنتهم ريم لتدخل للمرحاض، فطالعها رامي حتى اطمئن لابتعادها واقترب من محمد ليقول له بنبرة هامسة:
-محتاجك معانا يا محمد أنا لحد دلوقتي مش قادر أتخيل شكل ريم لما تعرف إن رغده…
لم يكمل جملته أطرق وزفر بأسى، فقال محمد بنفس الهمس:
-أهو ده تحديدًا اللي مخليني مش عاوز أنزل مصر.
صمت رامي لبرهة وهو يتفرس ملامح محمد وسأله بابتسامة عابثة:
-ده ولا حماتي وشرطها عليك؟!
تذكر محمد فاطمة فهز رأسه باستنكار بينما لاحت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يردد:
-سيبتلها مصر كلها عشان هددتني تقول لريم على مـ ـوت رغده لو بابا جالي مرسى مطروح أو أنا رجعت عنده…
اعتدل في جلسته وأردف:
-دلوقتي لما ريم ترجع مصر هتعرف بموضوع رغده يعني مش مرات أبويا هي السبب إني مرجعش.
-الست دي أنا بكرهها من وأنا صغير… ست صعبه جدًا…
قالها رامي فأطلق محمد تنهيدة طويلة وهو يردد:
-ربنا يهديها… يلا أنا هقوم امشي…
ثم نهض محمد واقفًا، فنهض رامي وهو يقول:
-خليك يا بني بات معانا…
محمد بمرح:
-لأ… متشكر يا سيدي مش عايز جمايل من حد شقتي بعد خطوتين من هنا…
وقبل أن يحرك محمد قدميه، خرجت ريم مره أخرى وهي تمد يدها بالهاتف مرددة ببسمة صغيرة:
-رامي… خد كلم هيام بتقولك رائد كتب كتابه على نداء النهارده…
وحين نقر اسم هيام طبلة أذن محمد شعر بغصة تتلوى في حلقه، عبست ملامحه واختنق فؤاده، في حين ضحك رامي أخذ الهاتف ليجيبها:
-طيب ما احنا عارفين من سنه إن رائد اتقدم لنداء ومتابعين كويس وعارفين إن عمك رشدي كان موافق ومستني نداء تخلص امتحانات وكنا مستنين كتب كتاب مفاجئ برده.
خـ ـطفت ريم الهاتف من رامي وفتحت مكبر الصوت لتقول:
-على فكره إحنا كمان عندنا عريس هنا.
تحدث رامي بنبرة مرتفعة:
-محمد ابن عمك اتقدم لـ أحلام بنت خالك امبارح ومستنين رد العروسه علينا.
وقعت تلك العبارة كلطمة قوية على ظهرها، بل دكت قلبها دكًا فخشيت أن يسمع أحد صوت تهشم قلبها، حاولت التظاهر باللامبالاة وهي تردد:
-فـ… فعلًا! تـ… تمام… ربنا يسعدهم… خد كلم وئام معاك اهيه.
أخذت وئام الهاتف منها لتُحدث أخيها في حين توجهت هيام لغرفتها وأوصدت الباب، كم تمنت لو تُفرغ آهاتها بالبكاء، لكن رفضت دموعها الخروج، فقد بكت كثيرًا منذ علمت بتلك الرواية التي أكد لها رائد أنها تخص محمد، وأقسم أنه لم يقرأها حتى الآن فأيقنت أن محمد هو من حاوط اسم نداء بحبر على هيئة قلب، توارد لذهنها أنه كان معجب بنداء وحين علم بإعجاب رائد بها انسحب وترك البلدة والآن وجد فتاة أخرى أما هي فمن الواضح أنها لم تخطر بباله قط، هي التي كانت تُعلق أمالًا وأحلامًا واهية وخيالات لا وجود لها! كانت تنتظر أن يتقدم لخطبتها لكنه خذلها للمرة الثانية تسائلت كثيرًا هل ما أصابها نتيجة خطئها غير المقصود ألأنها تصرفت معه بتلقائية ولم تضع أي حدود؟ فعاقبها الله بأن تحرم منه! هل طبق عليها جملة “من استعجل شيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”؟
طردته من تفكيرها فقد أصبح الآن مِلكًا لفتاة أخرى ولاسيما أن تلك الفتاة هي أحلام ابنة خالها التي كانت تحبها تذكرت كيف كانت تغبطها دائمًا على جمالها وفتنتها، كانت تتواصل معها كل فترة عبر الانترنت، كيف لم تلحظ أنها أخبرتها باعجابها بشاب مصري حين وصل محمد هناك! حدثت نفسها أنها بالطبع كانت تقصد محمد وأن الأمر سيتم لذا يجب أن تغسل قلبها منه…
أخذت نفسًا عميقًا وفتحت مصحفها فمنذ أن أخبرتها وئام أنه القرآن خير رفيق وخير دليل ونعم شافي لجرح الفؤاد بإذن الله، وهي لم تترك وردها وفي كل يوم تتدبر معنى آياته فيخشع قلبها وتهدأ روحها….
على جانب أخر حين سمع محمد صوتها المتلعثم المختنق استأذن وغادر، فرغم ما يُكنه لها من مشاعر إلا أنه لا يريدها أن تتذوق ما ذاقته أخته، لا يريد أن يبعدها عن أهلها ويأخذها لبلد بعيد! فتتألم وتشتاق وتتوق لعائلتها وتعيش معه بقلب معلق بين السماء والأرض، لا يريدها أن ترسم البسمة على وجهها وقلبها فارغ، كان يخشى عليها من نفسه وحظه العسير تمنى لها حظًا وفير مع شخص أخر يسعدها.
ومع مرور الأيام عرض عليه خال رامي أن يتزوج ابنته «أحلام» رفض محمد معللًا عدم استعداده لخطوة الزواج، وخلال عام عرض عليه رامي الأمر مرات عدة بناء على رغبة خاله الذي كان يُلمح بالأمر، كما حاولت معه ريم وفي كل جلسة لابد وأن تفتح ذلك الحوار، لذا وافق خجلًا وحياء من خال رامي، وها هو ينتظر الغد ليقابلها ويتحدث معها علها تروق له ويتم الأمر.
سبحان الله وبحمده ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد انتهاء مكالمة رامي تابع عمرو وعامر ما تفعله وئام التي جهزت قناع طبيعي لبشرتها من المطبخ ووضعته على وجهها وهي تدندن.
وبعد فترة من اللعب وانشغال وئام بالتحدث مع يحيى، أخبر عامر عمرو أنه معجب بفتاة نقلت في شارعهم من فترة قريبة، وسأله بوله:
-هو أنا أتحب يا عمرو يعني شكلي حلو؟
حدق عمرو في وجه عامر زامًا جفونه وهو يلمس وجهه بأصابعه وقال:
-اممم… مش بطال.
وطرأت له فكرة فأردف:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-إنت محتاج شويه تعديلات… قوم معايا…
وثب الطفلان وطفق عمرو يجهز خليط من مسحوق بالمطبخ كما فعلت وئام، أخذ يُقلب المعجون وهو يخاطب أخيه:
-دا بقا هيخليك قشطه يا عامر.
اتسعت ابتسامة عامر وقال:
-إنت متأكد؟!
-طبعًا متأكد…. أنا لسه شايف وئام بتحط منه… هنضيف معاه كمان شوية خل وشوية زيت بس كده…
طفق عمرو يضع القناع على وجه أخيه وقال:
-اقعد بقا ربع ساعه وبعدين اغسله.
-حاضر.
استلقى عامر على أرضية المطبخ وأغلق جفونه راسمًا بابتسامة غذبة على شفتيه، وينتظر مرور الوقت، في حين طالعه عمرو بابتسامة واسعة معتزًا بنفسه ثم هم أن يضع لنفسه من القناع لكنه تفاجأ بأن الخليط ترك أثر أسود على يده فقد كان مسحوق لحنة سوداء! وضعتها والدته في علبة القهوة، جحظت عينيه وطالع وجه عامر لبرهة ثم همس لنفسه:
-يا ليلة سوده!
سمعه عامر فخاطبه بنزق:
-غلط… غلط تقول كده الشيخ يحيى قال ممنوع تقولوا كده لأن…
بتر عمرو هادرًا بقلق:
-مش وقته الكلام ده… قوم… قوم اغسل وشك بسرعه…
اعتدل عامر جالسًا وقال:
-هو مر ربع ساعه؟
صك عمرو وجهه وقال بخوف:
-دا لو مر ربع ساعه إنت هتتحول…
وقف عامر فاغرًا فاه فجذبه عمرو من ذراعه وهو يردد:
-قدامي على الحوض قبل ما وئام تشوفك…
غسل له وجهه ثم شهق واتسعت حدقتيه حين رأى وجه أخيه، فقال عامر بابتسامة:
-إيه اتحولت لقشطة؟!
تناهى لسمعهما صوت وئام التي تقترب من المطبخ وهي تخاطب يحيى:
-خليك معايا دقيقه هغسل وشي وأرجعلك…
وقف عمرو أمام عامر باسطًا ذراعيه ليواريه عن وئام، التي قالت:
-إنتوا بتعملوا ايه هنا؟!
أطل عامر المبتسم برأسه من خلف عمرو فصرخت وئام وقالت:
-إنت عامل في وشك إيه؟!
غمز عامر بعينيه مرددًا:
-قشطه صح؟
أطبقت وئام يدها على فمها وقالت بصدمة:
-قشطة إيه!!!
لمست وجه أخيها الملطخ بالأسود وقالت:
-إنت مورنش وشك ولا إيه ده؟!
-محنيه…
قالها عمرو من خلف ضحكاته بينما صرخت وئام، فقال يحيى بقلق عبر الهاتف:
-في إيه يا وئام؟
-كارثه يا يحيى كارثه بكل المقاييس الواد حط حنه على وشه.
ضحك يحيى في حين ركض عامر وطالع وجهه بالمرآة ثم أخذ منديلًا ورقيًا وأخذ يمسح وجهه فلم يتغير شيء لذا انفـ ـجر باكيًا.
أقبلت وئام وطفقت تحاول مسح وجهه بالليمون، ثم هدرت بهما:
-هو إنتوا يعني مش عارفين إن دي حنه!! هنعمل إيه دلوقتي؟
قال عامر من خلف بكاءه:
-هو أنا كده بقا عندي عاهه مستدينه؟!
ضحكت وئام رغم قلقها فكتب كتابها بعد أربعة أيام كيف سيحضر أخيها بهذا المظهر العجيب!
حين سمعوا صوت سيارة والدهم ركض عمرو إلى إحدى الغرف واختبأ خلف بابها خوفًا من وئام ووالديه وقبلهم جميعًا رائد.
وبعد فترة من الغضب والعصبية والمحاولات الكثيرة لإستعادة وجه عامر رونقه الطبيعي، طالع الجميع وجه عامر وانفـ ـجروا بالضحك بينما كان عامر يردد ببكاء:
-عمرو عملي عاهه مستدينه… قالي هتبقا قشطه وعملي عاهه مستدينه…
ضحك رائد وردد:
-مستدينه!!
قام دياب من مجلسه واتجه صوب غرفته وهو يضحك مرددًا:
-والله العظيم مسرحيه أنا عايش جوه مسرحيه…
نهض رائد هو الأخر مرددًا بتبرم زائف:
-ضيعتوا فرحتي بكتب كتابي ياخي… بقا كده محدش يباركلي!!
قالها ناظرًا صوب وئام وهيام اللتان أقبلتا إليه وعانقتانه، وهو يبتسم ببهجة وفرحة.
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي فجر اليوم التالي استيقظت ريم من نومها أثر ألم مباغت في ظهرها، صرخت فاستيقظ رامي مفزوعًا وحين رأى حالتها علم ساعة وضع مولودهما قد أزفت، هرع بها للمستشفى بصحبة خاله ومحمد، واضطر لتأجيل رحلة سفره عدة أسابيع أخري لحين استعادتها عافيتها…
مرت الأيام وتم كتب كتاب يحيى ووئام.
وفي اليوم الذي يسبق حفل الزفاف وصلت بهم الطائرة إلى أرض الوطن؛ مصر، غمرت السعادة قلب ريم أما رامي فاختلطت مشاعره بين فرح وهم لأن ريم ستعرف بمـ ـوت رغدة ولا سبيل للتأجيل! رافقهما خاله وزوجته وابنتهما أحلام، ومحمد الذي كان يسبقهم حاملًا الصغير بين يديه…
وفي بيت دياب وبينما انشغل الجميع بالترحاب بالكبار سلطت هيام بصرها على الصغير القابع بين يدي محمد، طالعته بحب ثم حملته من يد محمد الذي كان يتابع نظراتها نحو الصغير بابتسامة واسعة، لم تخاطب محمد سوى بجملة:
-حمد الله على السلامة.
نطقتها بجدية شديدة متحاشة النظر إليه…
فرد محمد بحنين جارف:
-الله يسلمك يا هيام…
من ناحية أخرى كانت ريناد تجلس جوار زوجها صالح الذي حضر لاستقبال أخته بناء على رغبة والده.
كان وجه ريناد شاحب وملامحها ذابلة ويتجلى الهم على قسمات وجهها، سألتها ريم لمَ يظهر عليها الإرهاق، فأجابت ريناد بصوت خفيض ومرهق وبابتسامة فاترة:
-أصل أنا حامل جديد…
جحظت عيني ريم وسألتها:
-إنتِ اتجوزتِ؟!
وجهت ريناد بصرها نحو صالح وأومأت، فنظرت ريم محل نظر ريناد التي قالت:
-اتجوزت صالح من أربع شهور…
تفاجئت ريم ومن هول المفاجأة لم تنطق ولم تبارك لها، فأضافت ريناد بجمود:
-أنا همشي بقا يا ريم… حمد الله على السلامة مره تانيه… هبقى اجيلك تاني…
-الله يسلمك.
حدجت ريناد رامي بنظرة أخيرة ثم تنهدت بعمق قبل أن تغادر، في حين طالعت ريم أخيها صالح وملامحه التي لم تزدها الأيام إلا جفاء! سلم عليها صالح بجفاف وحين أبصر ريناد تخرج من البيت تبعها في صمت حتى وصلوا للبيت، وبمجرد أن أُغلق باب الشقة عليهما، قال بنبرة حادة:
-اعمليلي فطار.
-مش قادره أعمل حاجه اعمل لنفسك.
قالتها ببرود شديد فجذبها من يدها بقـ ـسوة وقال بانفعال:
-إنتِ هنا خدامه عندي يعني تسمعي كلامي لحد ما أطلقك وتغوري في داهيه.
سحبت يدها منه وهي تتأوه وهدرت به بصوت مبحوح:
-طلقني دلوقتي أنا أصلًا مش طيقاك… مش كفاية معيشني معاك غصب عني… إنت مريض أنا مش مصدقه إن انا حبيتك في يوم من الأيام…
أطلق صالح ضحكة كالزفرة وقال بنبرة جليدية:
-مش هطلقك يا ريناد…
اقترب منها وأخذ يمرر لمسات يده على ذراعها بحنو مصطنع ناطقًا بسخرية:
-هتفضلي مراتي لحد ما يجلي مزاج إني أسيبك…
سالت دموعها وقالت:
-أنا مش عايزاك… ولا عايزه الطفل اللي في بطني منك… أنا بكرهك… بكرهك يا صالح.
ضحك صالح بصخب وقال:
-قال يعني أنا اللي ميـ ـت في دباديبك… يلا يا بت روحي حضريلي الفطار… ولا وحشتك علقة كل إسبوع…
-حرام عليك ياخي أنا حامل خلي عندك رحمة…
-رحمة!! حلو اسم رحمة ابقي فكريني أسمي بنتي بالإسم ده.
قالها وهو يسلط نظره على بطنها ضاحكًا بسخرية ثم توجه صوب غرفته، فدخلت هي للغرفة الأخرى وانخرطت في بكاء مرير وهي تلعن حظها، وتمقت حياتها وخاصةً حين رأت رامي وريم والسعادة تُطل من أعينهما…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
بقلم آيه شاكر
★★★★★
توجهت دينا مع زوجها ونادر لبيت دياب بينما رفضت نداء أن ترافقهم معللة أن رائد سيأتي ليأخذها في مساء اليوم.
نحف جسدها بسبب كثرة التمارين الرياضيه وتناولها الدائم للملينات كما أنها كانت تتعمد القيء بعد تناول الطعام! وتلك حالة نفسية عصيبة تعرف طبيًا بمسمى القهم العصبي (Anorexia nervosa).
لم تكن تعلم بمدى خطورة ما تفعله على صحتها وأعضائها وها قد أصابها بداية أعراض الجفاف ولم تعلم به، تجلى أثره على وجهها الشاحب الذبل الذي غابت منه الحيوية والحياة، رن جرس الباب فقامت لتفتح وهي تسأل عن هوية الطارق الذي لم يجب، وما أن أبصرت دعاء خلفه تفاجئت، ثم تجهم وجهها، فسألتها دعاء بتهكم:
-عامله إيه يا نداء وحشتيني؟
أشاحت نداء بصرها عنها ونفخت بضجر وهي تقول:
-عايزه ايه يا دعاء؟
-عرفت بكتب كتابك فجيب أبارك وأهني.
قالتها دعاء بسخرية ثم أضافت بألم:
-إنتِ السبب في موت علي… مات عشان كان بيحبك…
تحولت ملامح نداء من الحدة للحزن، وهمى الدمع من عيني دعاء مستطردة بصوت متحشرج:
-أنا حياتي وقفت من بعده وإنت أهوه عيشتي واتجوزتِ… كنت بحـ ـارب وأحاول عشان يشوفني ويحبني…
ارتشفت دعاء دموعها وأكملت:
-أخته قالتلي إنه كان هيتقدملي عشان ينساكِ بيا… وعشان ما أحسش بالوجع اللي هو حس بيه لما إنتِ سيبتيه لكن ملحقش وتاني يوم مـ ـات وسابني…
-أنا مليش ذنب.
هدرت بها نداء بانفعال ومن خلف دموعها المنهمرة على صفحة وجهها، فقالت دعاء بانفعال أشد:
-إنتِ السبب… أنا مش عارفه أكمل حياتي بسببك… أنا بكرهك يا نداء… بكرهك ومش قادره أشوفك سعيده وعايشه حياتك وأنا وعلي حياته اتـ ـد**مـ رت بسببك…
هزت نداء عنقها نافية ورددت بانفعال:
-وأنا ذنبي إيه… هو أنا قلتله يحبني!!
حدجتها دعاء بنظرة مشمئزة وقالت بحدة:
-ربنا ينتقم منك…
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
قالتها وغادرت، فصكت نداء الباب خلفها بغضب وأخذت تبكي وتشهق لفترة ثم خففت دموعها وأحضرت أصناف كثيرة من الطعام وأخذت تأكل وتاكل بنهم شديد وما أن انتهت ولجت للمرحاض لتتقيء ما أكلته عمدًا، وخرجت وهي تتأوه أثر ما فعلت بحالها!
انتشلها من دوامة الغم رنين هاتفها برقم رائد ليخبرها أن تستعد فسيأتي لاصطحابها معللًا أنه يريد التحدث معها بشأن الجمعية الخيرية ولا مجال للهرب كالأيام السابقة ولم يكن ذلك سوى سببًا للقاء بها كي لا تتهرب منه فقد أكملت نداء عملها في الجمعية الخيرية لكنها لم تكن تحضر الإجتماعات الشهرية كي لا ترى رائد…
اضطرت للموافقة وجلست قليلًا لتهدأ أثر التقيء ثم نهضت لترتدي ثيابها وهي تشعر بوهنٍ وتعب….
★★★★
وبعدما أنهى رائد المكالمة وجه بصره لدينا التي كانت تجلس قبالته بعدما أخبرته بقلقها على نداء وكيف أنها تابعتها ووجدتها تأكل كثيرًا ثم تتقأ عمدًا، كما أنها دائمًا شاردة ولا تتحدث إلا بالقليل، وأحيانًا تستيقظ من نومها صارخة باسمه ومرددة:
-ما تسيبنيش يا رائد.
أثارت دينا قلقه أكثر فهو كان على علمٍ بأنها تعاني كما أخبرتاه وئام وهيام عن مكالمة علي الأخيرة، وكانتا تتابعنها من بعيد طوال العام السابق ودائمًا تخبرانه عن حالها وانزوائها على نفسها ومدى قلقهما عليها، خاطب دينا قائلًا:
-متقلقيش يا أمي أنا هتصرف في الموضوع ده.
أطلقت دينا تنهيدة طويلة ثم قالت بقلق:
-نداء طول عمرها مهتمه بالاكل وبوزنها بس كده الموضوع اتطور معاها أنا همـ ـوت من القلق عليها.
ربت رائد على ظهر يدها وقال:
-والله هتصرف… أنا مش هسيبها كده… ومش عايزك تقلقي…
أومأت دينا وبعد.دقيقة انصرف رائد وقبل أن يستقل سيارته نادته ريمان، ابتلعت ريقها ثم قالت:
-هو إنت فعلًا كتبت كتابك على نداء؟!
-أيوه… عقبالك يا ريمان.
قالت بنبرة مرتعشة:
-زعلت منك عشان معزمتنيش..
-معلش والله كان على الضيق كده بس ملحوقه في الفرح إن شاء الله.
قالت بنبرة حزينة مرتجفة:
-إن شاء الله… مـ… مبروك.
-الله يبارك فيكِ… عقبالك.
قالها بجدية ثم ركب السيارة وانطلق في سرعة، ووقفت ريمان تُطالع أثره في شجن وأسى هزت عنقها باستنكار هامسةً:
-وما كل من تهواه يهواك قلبه… لكن أنا مش زي ريناد وأتمنالك كل السعادة.
تنهدت بأسى ثم رفعت رأسها فوجدت محمد يقف بالشرفة أخفضت بصرها في سرعة واستدارت لتدخل البيت متجهة إليه.
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كان البيت ممتلئ بأفراد العائلة وكانت هيام تتهرب من التقاء أحلام منذ الصباح، وما أن أبصرتها أحلام حتى نادتها ولوحت لها فاضطرت هيام أن تجاملها ببسمة رسمتها على محياها وهي تقبل إليها.
عانقتها أحلام بحرارة وحبور، وعاتبتها لأنها لم تتحدث معها منذ فترة طويلة فبررت هيام أنها أغلقت حسابها على الفيسبوك منذ فترة، وبعد فترة من الترحيب والعتاب والضحك المصطنع قالت هيام بنبرة مرتعشة:
-مبارك الخطوبه ولو إنها متأخرة.
ضحكت أحلام وقالت:
-دا متاخره أوي أنا اتجوزت.
-اتجوزتوا؟!
قالتها هيام بصدمة وهي ترمي محمد الذي يقف بالشرفة بنظرة وتستعيدها سريعًا لتنظر لأحلام التي أومأت، فقالت هيام وهي توجه نظرات خاطفة لمحمد:
-محمد محترم أوي و… ربنا… ربنا يسعدكم يارب.
-محمد مين؟ أنا جوزي اسمه مراد… هيجي بكره الفرح وهعرفكم عليه.
-مراد!!! هو… هو مش محمد ابن عمي ضياء اتقدملك و…
قالتها هيام بتلعثم وتفَكُر وصدمة وهي تشير نحو محمد، فقاطعتها أحلام:
-ورفضته لأني كنت معجبه بمراد اللي أول ما عرف إن بابا عاوز يجوزني محمد قام اتقدملي بسرعه واتجوزنا بسرعه برده.
رمقت أحلام محمد الذي كان يقف بالشرفة يحمل الرضيع بين يديه ثم مالت نحو هيام وقالت بهمس:
-هقولك سر محمد مش بيحبني لكن بابا كان بيضغط عليه عشان يتجوزني وهو رفضني في الأول لكن مع إصرار بابا اضطر يوافق… قومت أنا رفضته بقا…
قالت أخر جملة بضحك، بينما طالعتها هيام بشدوه للحظات ورمقت محمد بنظرة أخرى تقتر فضولًا وتسائل، ثم شقت الابتسامة العذبة شفتيها وقالت ببهجة:
-إنتِ وحشتيني أوي يا أحلام…. وحشتيني اوي… ربنا يسعدك إنت و… إنت ومراد.
قالت أخر جملة بابتسامة وعادت تعانق أحلام مرة تلو الأخرى، وقلبها يرقص فرحًا فمازال هناك شعاع أمل يدور بالأفق…
وحين رأت ريمان تجلس قبالة محمد على الطاولة بالشرفة وتتحدث معه، ولفرط سعادتها أخذت تتحرك باضطراب فباغتها مرور دينا بأكواب العصير حين استدارت فجأة، فصرختا وانسكب العصير على ملابسها، توترت هيام وتذبذبت نظراتها، رمقت محمد فوجدته ينظر نحوها، قالت لدينا:
-أ… أسفه جدًا يا طنط.
ثم دلفت غرفتها لتغير ملابسها…
من ناحية أخرى خاطبت ريمان محمد بابتسامة:
-هيام دي غريبه جدًا!
-غريبة إزاي؟!
قالت بسخرية:
-تحس إنها عيله صغيره بجسم بنت كبيره… وبيني وبينك أنا وهي مش بنرتاح لبعض…
رفع حاجبيه عاقدًا جبينه وهو يردد:
-فعلًا؟!! بس أنا بقا شايف إن هيام دي أحلى بنت في الدنيا أصلًا.
أطلقت ريمان ضحكة كالزفرة وهي تسأله بسخرية:
-فعلًا!!؟
أومأ رأسه في صمت، فغيرت ريمان دفة الحوار حين سلطت نظرها على الصغير الكامن على فخذ محمد وقالت:
-على فكره كده غلط وهيتعود على الشيل… المفروض تحطه على السرير.
-وإيه المشكله يتعود وأنا أشيله.
قالها محمد بابتسامة دون أن ينظر إليها وكأنه يطلب منها ألا تتدخل فيما لا يُعنيها، أخذ يلمس خد الصغير الناعم بظهر يده فقد كان يشبهه كثيرًا.
ظلت ريمان تتحدث معه وهو يجيبها مرة باقتضاب ويصمت مرة، أب للمغادرة ولكن أوقفه صوت هيام:
-لو نام تعالى دخله على السرير.
طالع هيام وابتسم ثم قال:
-لا خليه يا هيام ما أنا قاعد أهوه بدل ما يصحى ويزهق ريم.
نهضت ريمان ودخلت من الشرفة بعد أن بدلت نظرها بينهما للحظات وأدركت أنه لا داعي لأن تحاول جذب انتباه محمد فمن الواضح جليًا أن قلبه مع أخرى!
طالعت هيام أثرها ثم وقفت تأملت وجه الصغير للحظات وهي مبتسمة، بينما ظل محمد يلمس وجهه بحب، وحين رفع بصره نحوها اتربكت وكادت أن تغادر لولا أن أشاح محمد بصره مرة أخرى وهو يقول:
-مصر وحشتني أوي… واكتر حاجه وحشاني الكابتشينو اللي كنت بشربه من إيدك.
قالت بابتسامة:
-تحب أعملك؟
مط فمه لأسفل وزم شفتيه مردد:
-أممم… ياريت.
ورغم سعادة هيام إلا أنها وحين تذكرت أنه كان معجب بنداء تجهمت مجددًا، وقررت أن تعامله بجدية ولا تفتح باب قلبها مجددًا، لكنها لم تدرك أن باب قلبها مغلق بالفعل؟ لكنه أُغلق وهو بداخله.
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وصل رائد أمام بيت نداء وطلب هاتفها كثيرًا فلم تجب، فارتجل من السيارة وصعد درجات السلم وأخذ يطرق الباب ويرن الجرس ثم أخرج المفتاح الذي أعتطه له دينا من جيبه فمن الواضح أنها كانت تشعر بما حدث مع ابنتها!
فتح الباب ودخل يناديها ولم تجب فاضطر للبحث بداخل الغرف واحدة تلو الأخرى ولم يجد لها أثر، طلب رقمها فسمع رنة الهاتف بغرفتها، لم يتبقى أمامه سوى المرحاض وقف قبالته لبرهة وطرق الباب عدة مرات وهو يناديها وقلبه ينتفض رعبًا وصدره يعلو ويهبط بانفعال خاصةً حين سمع صوت خرير المياه صادرًا منه.
فتح الباب بترقب شديد ووقع قلبه بأخمص قدميه حين وجدها مستلقية أمامه على أرضه ووجهها شاحب، كانت ترتدي فستانها الأزرق وبلا حجاب، انحنى إليها مسرعًا وأخذ يلطم وجهها بخفة ويهزها وهو يردد بلهفة:
-نداء… قومي يا حبيبتي… ردي عليا يا ماما… نداء…
بلل يديه بالماء وأخذ يمسح وجهها فلم تستجب، وضع رأسه يسمع دقات قلبها وفي نفس اللحظه يتفحص تنفسها، ثم تركها مكانها وطفق يبحث عن إبرة أو عطر نفاذ إلى أن وجدهما الإثنان ركض إليها مرة أخرى ووخزها بالإبرة فلم تستجب وضع عطرًا أمام أنفها ولم يبدر منها أي رد فعل! ركض بأرجاء البيت باضطراب بحثًا عن حجابها ليضعه على رأسها ثم حملها وركض للسيارة وهو يردد بنبرة متحشرجة:
-بالله عليكِ يا نداء… قومي… قومي يا نداء…
قطع الطريق في سرعة عارمة وهو يُطالعها بين وهلة وأخرى حتى وصل للمستشفى، حملها لغرفة استقبال المرضى مستغيثًا بالأطباء وهو يلهث بذعر…
وبعد فترة كان يجلس على الفراش واضعًا رأسها على فخذه بينما المحلول المغذي متصل بوريدها، وقف الطبيب قبالته يفحصها فسأله رائد:
-هي هتفوق امته يا دكتور؟
-هتفوق دلوقتي متقلقش…
نظر الطبيب بورقة التحاليل الطبية الخاصة بها وقال:
-عندها نقص أملاح ومعادن رهيب… وأنميا و… هي ازاي عايشه كده أصلًا؟!
-حضرتك قلقتني هي حالتها صعبه ولا ايه؟!
-خير متقلقش… هي كده عندها جفاف هتمشي على العلاج وهتبقى كويسه ان شاء الله.
قال رائد:
-هي… هي كانت بتاكل وبعدين تتعمد إنها تتقيأ فممكن دا السبب!
-طبعًا هو ده السبب وإنت ازاي سايبها تعمل كده؟! دا ممكن يعملها التهابات في المرئ ومشاكل في الجهاز الهضمي كله…
طالعها رائد بشفقة ولم يجب فربت الطبيب على كتفه قائلًا:
-الف سلامه عليها ربنا يعافيها ان شاء الله…
-يارب.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
أطلق رائد تنهيدة طويلة وأخذ يستغفر الله وهو يمسح على وجهها الشاحب ثم يدعو لها راجيًا أن تستعيد عافيتها…
مرت دقائق أخرى قبل أن تسمع نداء تأوهات المرضى من حولها ففتحت جفونها وقلبت بصرها بالمكان حتى وقعت نظراتها على وجهه، انتبه رائد لها حين قالت بوهن:
-إنت جيت؟
-إيه يا حبيبتي… حاسه بإيه؟
قالها بلهفة، فقالت بنبرة منخفضة:
-كنت حاسه إن روحي بتطلع وخلاص همـ ـوت.
-الف بعيد الشر عليكِ ربنا يبارك في عمرك يارب يا حبيبتي.
قالها وهو يمسد على رأسها بحنو، وأخذ يردد أيات من القرآن بصوت هامس تسمعه هي فقط…
وبعد فترة استعادت جزء من عافيتها عدلت حجابها ثم طالعت الكانيولا بيدها وسالته:
-هنخفي دي ازاي بقا؟!
سحب كم فستانها ليواريها ثم قال:
-إيه رأيك كده؟
اومأت رأسها وخرجت معه من المستشفى متجهين لبيته لحضور الحفل.
وفي السيارة قالت:
-هو أنا لازم أخد الحقن والمحاليل دي؟
-طبعًا لازم مفهاش نقاش…
نفخت في ضجر وطالعت الطريق أمامها، وكان هو يرمقها بين وهلة وأخرى حتى نظرت إليه وسألته:
-هو إنت… هتقول لماما وبابا؟
-أيوه لازم أقولهم يا نداء.
أومأت في صمت دام هنيهة ثم قالت:
-أنا… أنا عايزه أروح لدكتور نفسي…
ابتسم وصمت لبرهة وما أن وقف أمام البيت سألها:
-مينفعش أكون أنا دكتورك النفسي؟
ابتسمت بسخرية ولم تعقب ثم ارتجلت من السيارة تسير بجواره فحثها أن تتأبط ذراعه لتستند عليه دون أن يلاحظ أحد.
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي مساء اليوم كان الاربعة أطفال «عمرو وعامر وآدم ونادر» يحملون شموع كبيرة الحجم فرحين بها وكل واحد يُحدث الأخر أنه سيرتدي بالغد حلة أنيقة ويحمل تلك الشمعة ويقف جوار العروسين…
تنوعت النظرات فهناك نظرات فرحة ومبتهجة وأخرى مضطربة وهي نداء وريم ايضًا التي تسأل عن رغدة منذ الصباح والجميع يتهرب من الإجابه أو يعطونها جواب غير مقنع بالمرة!
ونظرات مترقبة وهي هيام التي تترقب نظرات محمد نحو نداء علها تكرهه! لكنه لم يرفع بصره نحوها مطلقًا بل تلاقت نظراتها مع نظراته وهو يرمقها بين لحظة وأخرى بطرف خفي مما أربكها أنها لاحظته يصورها بهاتفه.
وظل رائد بالقرب من نداء، وإن ابتعد تابعها بنظراته ليطمئن عليها.
وهناك نوع أخر لنظرات سقيمة حاقدة وساخطة، تلك فاطمة التي تجلس على أحد المقاعد جوار ريناد التي تحدج ريم بحقد، ورامي بحسرة وصالح بغل وبغض.
بقلم آيه شاكر
*******
وفي يوم جديد كانت سماؤه صافية تُحلق بها أسراب من الطيور الحرة مصدرة أصوات متناغمة.
في التاسعة صباحًا وبينما تجتمع العائلة ويتبادلون أطراف الحديث، كان محمد يحمل الصغير بين يديه بينما يجلس رائد قبالته ورامي جواره، سألتهم ريم:
-أنا عايزه أعرف رغده فين مشوفتهاش من امبارح! هي متخانقه مع وئام ولا فيه ايه؟!
حك رامي رقبته بتوتر بينما طالع محمد الصغير وصمت أما رائد فقال بتلعثم:
-أ… أيوه… هي متخانقه مع وئام عشان كده قعدت عند واحده صاحبتها يومين وهتيجي.
هزت ريم رأسها باستهانه وقالت بامتعاض:
-لا حول ولا قوة الا بالله… رغده دي عمرها ما هتتغير…
وحين تركت ريم المكان قال رامي:
-هنفضل مخبين عليها لإمته؟!
أطلق رائد تنهيدة حارة وقال:
-نعدي بس الفرح النهارده وبكره بقا نشوف هنقولها ازاي…
********
وفي المساء أمام بيت يحيى كان حفل الزفاف هادئًا تزينه الأضواء وتحفه أصوات الزغاريد والتصفيقات ونقرات الدفوف جلست وئام جوار يحيى تتابط ذراعه وتسدل على وجهها ستار طفيف لتخفي زينتها عن أعين الجميع.
كان آدم يقف خلفهما يرتدي حلته الأنيقة وبيده شمعة وعمرو أيضًا يقف جوار وئام حاملًا شمعة وعامر جوار يحيى ونادر بالأمام بينما تحلق الفتيات الصغيرات بالمكان مرتدين فساتين بيضاء أنيقة.
مال يحيى على أذن وئام وقال:
-كفاية كده ولا عايزه تقعدي شويه كمان.
-خـ… خلينا شـ… شويه.
أومأ يحيى وكلما حياه أحد بإشارة كان يرفع يده ثم يربت على صدره بابتسامة…
وقفت نداء جوار هيام، وقالت:
-مش قديم شويه حوار الشمع ده!
قالت هيام:
-عمرو وعامر أصروا على كده وآدم طبعًا زيهم وإنت عارفه إن رائد بيحب نادر فجابله واحده.
-أنا خايفه بس يقلبوا الفرح أصل أنا عارفه مصايبهم.
ضحكتا وانتبهت نداء لـ رائد الذي يُطالعها بإعجاب فابتسمت وحين تذكرت ما يؤرق نفسها أطرقت رأسها بعبوس.
اقتنصت هيام نظرة نحو محمد الذي كان يقف بمفرده حاملًا بيده الطفل الصغير، أشار لها لتأتي إليه فهرولت إليه ظانةً أنه سيعطيها الصغير! لكنه قال:
-كنت عايز أخد رأيك في حاجه.
-اتفضل.
حمحم وقال كابحًا ابتسامة تجلت في نظراته التي تقترب حبًا:
-فيه بنت أنا معجب بيها من أول ما شوفتها وكنت عايز أديها الورقه دي ممكن تساعديني؟
طالعت هيام الورقه بيده وقالت بانفعال دون أن تأخذها:
-على فكره عيب أوي كده… يعني احترم أنها متجوزه دلوقتي.
كانت تقصد نداء، ولم يكن يعلم مقصدها فضحك وقال بأمر:
-امسكي بس الورقه من إيدي كده أنا مستأذن من باباها…
سحبت الورقه بعنـ ـف من يده وهي تشتعل غضبًا وقالت:
-ماشي… هوصلهالها…
ظنت أنه ربما يود توديع نداء، وكادت أن تنصرف لكنه ناداها مغضنًا حاحبيه وسألها:
-استني هنا! إنتِ هتوصليها لمين؟
وقبل أن ترد عليه تناهى لسمعهم صوت أحد أطفال الجيران مرددًا بصوت اللمبي:
-نوسه بتولع يامه.
فعندما مرت فتاة صغيرة بجوار نادر سقطت الشمعة على فستانها، فاشتعل…
شرد آدم وهو يتابعهم يُطفئون الفستان المشتعل، فأمسكت النار بمقعد وئام دون أن ينتبه وأخذت ترتفع شيئًا فشيء حتى مسكت بطرف فستانها، وحينها أبصرها الجميع عمت الفوضى وأخذت وئام تنفض فستانها وهي تُطلق صرخات مكتومة كما أمسكت النار بفستان طفلة أخرى وطفق الجيران يسكبون المياه من شرفاتهم وهناك من أفرغ طفاية الحـ ـريق بالمكان ورغم أن الموقف مخيف إلا أن أصوات الضحكات كانت تغطي أصوات الصرخات، وسرعان ما هدأت النار، قال يحيى وهو يمسح أثر المياه عن وجهه:
-الشمع ده كان شوره بيــــــضه… هو لسه فيه حد بيشيل سمع يا رائد… فين رائد؟
أخذ يلتفت حوله بحثًا عن رائد نظر للمعازيم المبتلين بالمياة ثم لوئام التي تحول وجهها للأسود حيث سالت مساحيق التجميل التي وضعتها على بشرتها، وابتل فستانها بالمياه، فصفق يحيى مرددًا بضحك:
-يا ستير استر من دخول الحته…
وأخذ الجميع يرددون خلفه وتعالت الضحكات…
من ناحية أخرى اقتربت ريناد من ريم التي تقف بعيد وتضحك، حدجتها بنظرات حاقدة ثم قالت بخبث وبحزن زائف:
-بيضحكوا وفرحانين ونسيوا رغده الله يرحمها… فعلًا من مات فات.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وحين لاحظت ريناد عدم انتباه ريم لما قالت واستمرارها بمتابعة ما يجري أمامها، أضافت بحسرة زائفة:
-منهم لله اللي قتـ ـلوا رغدة.
إلتفتت لها ريم في سرعة وسألتها في ذهول:
-إنتِ قُلتِ إيه!!!؟
شهقت ريناد متظاهرة بالصدمة وكأنها تذكرت للتو أن ريم لا تعلم بمقـ ـتل أختها! أطبقت يدها على فمها لتكتم شهقتها، ثم أكملت ما بدأته قائلة بندم مصطنع ممزوج بالخبث:
-إيه اللي أنا قولته ده! نسيت خالص إنهم مخبين عليكِ…
-مين اللي مخبين عليا؟! وإيه؟ مالها رغده؟
قالتها ريم وهي تحرك عنقها بتسائل، توارد لذهنها أنه ربما كانت رغده معجبة بيحيى! أو ربما مقصد ريناد من قـ ـتـ ـل رغده أن فتيات العائلة الأصغر منها تزوجن ومازالت هي تُعاني من عدم تقدم أحد لخطبتها حتى الآن.
حين طال صمت ريناد سألت ريم بقلق:
-وضحي تقصدي إيه!! وإيه اللي مخبينه عليا؟!
حدقت ريم بريناد تتفرس ملامحها وتنتظرها أن تنطق بإجابة تساؤلاتها.
أطرقت ريناد في صمت ثم رفعت رأسها وأطلقت تنهيدة طويلة ونطقت بتلعثم زائف وبخبث:
-رغده… رغده الله يرحمها… اتقـ ـتـ ـلت.
قبضت ريم على ذراعها وهدرت بها:
-إنتِ بتخرفي تقولي إيه؟!
-اه… سيبي إيدي يا ريم…
تركت ريم يدها وسألتها بقلق:
-رغده أختي فين؟ مش هي زعلانه من وئام وقاعده عند صاحبتها؟
قالت ريناد دفعة واحدة:
-صاحبتها مين؟ رغده مـ ـاتت يا ريم… اتقـ ـتـ ـلت… دبـ ـحوها.
ظلت ريم محدقة بريناد بينما كلماتها تدور في عقلها، لا تستوعب ما سمعته بأذنها للتو! عقبت ريناد وهي تربت على ذراع ريم في هدوء وبحنو مصطنع:
-بصي هو الموضوع ده بقاله أكتر من سنه يعني خلاص الحزن انتهى والكل فرحان زي ما إنتِ شايفه فمتبوظيش فرحتهم… حاولي تتماسكي وتهدي وبعدين كده كده إنتِ ورغده مكنتوش بتحبوا بعض.
لم تسمع ريم مواساتها تلك، وعادت تسألها بشدوه وبنبرة مرتعشة:
-رغده فين؟
-روقي كده وإن شاء الله نروح أنا وإنتِ نزور قبرها ونقرالها الفاتحه.
زلزلت كلمة ”قبرها” قلب ريم فشخص بصرها وترنح جسدها، عادت للخلف خطوتين حتى استشعرت مقعد خلفها فهوت جالسة عليه لتستوعب تلك الصاعقة التي وقعت على قلبها على حين غرة.
رمقتها ريناد بنظرة سريعة من أعلاها لأسفلها واستدارت وهي تبتسم بخبث ثم تنهدت براحة قبل أن تتوجه نحو صالح وتخاطبه ببرود:
-هنرجع البيت امته أنا عايزه أنام؟
أجابها بغلظة:
-الهي تنامي ما تقومي وأرتاح منك يا شيخه.
قالت وهي تصر على أسنانها:
-إلهي إنت اللهم آمين.
تظاهر صالح بالإبتسامة وباغتها بقبضته على يدها ثم التفت يمنة ويسرة ليتأكد من عدم انتباه أحد لهما وعصر يدها الصغيرة بين كفه، فصرخت متأوهة بينما جذبها هو بعنـ ـف لتقف جواره ومال على أذنها قائلًا وهو يصر على أسنانه:
-حسابنا لسه في البيت.
حاولت نزع يدها منه لكنه شدد من قبضته أكثر وأكثر فكادت أن تبكي! لولا أنه أرخى قبضته بعدما أوشك على كـ ـسر عظام يدها، لم يفلت يدها فحدجته بنظرة غاضبة وبادلها هو بنظرة حادة مشوبة بالسخرية.
وقفت ريناد جواره دون مقاومة فقد حاولت مقاومته سابقًا ولم تقدر عليه فقررت الإستسلام والتسليم له لقلة حيلتها، عادت تنظر نحو ريم التي لم تبرح مكانها، كانت ريم تُطالع الأفق بوجه متجهم مصدوم بعدما ذبحتها هي بكلماتها التي استعذبت إطلاقها من فمها وكأنها كانت تستمتع بأنين قلب تلك المسكينه وحين رأت الهم يتجول بين خلجات وجهها تدفقت مياه السرور لقلبها الذي يسكن في الدرك الأسفل من الحقد.
*****
كان محمد يحمل الصغير بين يديه ويبحث عن هيام التي اختفت منذ أن سمعت صراخ أختها وبعدما أخذت الورقه من يده وأخبرته أنها ستوصلها حيث يريد، لا يعلم أفهمت أنها لها أم لمن ستعطيها تلك الفتاة؟ لذا أخذ يتجول بنظراته في المكان بحثًا عنها حتى أبصر ريم التي شخُص بصرها تجلس بمفردها على المقعد وتحدق أمامها في سكون فدنا منها ليعطيها طفلها.
لم تلحظ ريم جلوس محمد جوارها ولا نداءه عليها إلا عندما هزها بلطف، فالتفتت تُطالعه وهو يقول بابتسامة:
-سرحانه في إيه يا مسكر؟ خدي العسل ده على ما أجي.
فتحت ذراعيها وحملت ابنها دون أن تنبس ببنت شفه، ونهض محمد ليكمل بحثه عن هيام فنادته ريم، التفت لها وما أن أبصر نظراتها الحزينة، جلس جوارها مجددًا وسألها بلهفة وهو يلمس كتفها بحنان:
-مالك يا ريمو؟
ابتلعت لعابها ثم ضغطت مقلتيها بجفونها وهي تسأله بنبرة مختنقة:
-هي رغده… رغده فين؟!
ضغط محمد شفتيه معًا وحاول التظاهر بالتبسم قائلًا بتلعثم:
-ما هي… هي… رغده عند صاحبتـ….
بتر حديثه تحشرج صوتها وهي تردد بعد استيعاب:
-رغده ماتت! رغده أختنا مـ ـاتت يا محمد؟!! ماتت وإنتوا مخبين عليا صح؟
قالتها ثم انفجـ ـرت باكية، وعلى الفور حمل محمد الرضيع من يدها بذراع بينما حاوطها وضمها لصدره بالذراع الأخر وأخذ يواسيها ويعضدها ويسألها أن تتصبر ويذكرها بأن جميعنا لله وكلنا إليه راجعون.
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
انتهي ذلك الحفل العجيب، ودخلت وئام لشقتها عانقت أختها بقـ ـوة وظلتا هكذا لفترة فحاول رامي أن يسحب هيام بلطف وهما تبكيان وتتشبثان ببعضهما.
نظرت هيام ليحيى وقالت من خلف دموعها وبصوت مبحوح:
-إنت أخدت حته من قلبي… بالله عليك ما تزعلها عشان أنا هحس بيها حتى لو هي ما قالتش…
بدل يحيى نظراته بين شيرين ويحيى وهيام وعمرو وعامر فقد كانت الدموع تُغرق وجوههم، قال:
-بالله عليكوا كفاية عياط دا احنا بينا شارع واحد يعني مش هاخدها وأسافر يا جماعه.
أخذ رائد يوصيه بأخته كثيرًا ويحذره أن يُحزن فؤادها، ويحيى يطمئنهم ويُطالع وئام بشفقة فقد كانت دموعها تسيل في صمت وهي تبدل نظراتها بين وجوه أفراد أسرتها بضياع.
ودع الجميع العروسين، حمل رائد عامر الباكي بينما حمل رامي عمرو وانصرفوا، وغادر والدي يحيى أيضًا الشقة ليمكثا ببيت عم يحيى لعدة أيام.
وبعدما أغلق يحيى باب الشقة دنا من وئام التي ارتفع نشيجها بعد رحيل الجميع، طالعها لبرهة وكأنه يصورها بعينيه كي لا ينسى حالتها تلك أبدًا، ثم دنا منها ومسح دموعها بأطراف أنامله وهو يقول بنبرة حانية:
-لو حصل وزعلتك في يوم من الأيام حتى لو أنا غلطان فكريني بالدموع دي… فكريني إن أنا أخدتك من وسط أهلك لبيتي اللي أكيد غريب عنك…
أضاف بابتسامة عذبة:
-دا لو زعلتك لأن عمري ما هعملها يا وئام…
لاح على شفتيها ابتسامة صغيرة شقت طريقها من خلف دموعها، فهي الآن مع حبيبها الذي أرادته وتمنته، أكمل يحيى بحـ ـماس:
-وئام احنا محتاجين نعمل تلت حاجات أولًا نغير الهدوم دي عشان منبهدلش الشقه… ثانيًا نصلي ركعتين…
وكأن حماسه تسرب إليها فغادرها الحزن، تنحنحت لتجلي حلقها وسألته:
-وثالثًا؟!
زفر متنهدًا وقال بمرح وهو يفرك كفيه معًا بحمـ ـاس:
-ثالثًا بقا محتاج أقولك كلام كتير وأعترفلك بحاجات كتير… حاجات كنت عايزه أقولهالك يوم كتب الكتاب ولم تسنح لي فرصة.
-حـ… حاجات إيه؟
قالتها بتوتر، فأجاب بمكر:
-حاجات زي… إنك لفتِ نظري من أول مره كنتِ بتقولي لرائد يقفلك سوستة الفستان مثلًا…
غضنت جبينها وتظاهرت بالجهل، سألته:
-امته الكلام ده؟!
غضن يحيى حاجبيه مجيبًا:
-يا شيخه بقا مش عارفه إمته؟
كبحت ابتسامة التي كادت أن تفضحها أمامه، لم تكن تعلم أن عمرو وعامر أخبروه بكل شيء وقد فهم ما تبقى بفطنته.
جذبها من يدها وهو يقول:
-يلا يا حياتي نغير ونصلي وبعدين نتكلم ونحكي ونقول للصبح…
وسارت جواره مبتسمة، وهي تحمد الله في سريرة نفسها أنها قد رُزقت به في الحلال…
بقلم آيه شاكر
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
استقل أهل العروس سياراتهم للإنصراف….
في إحدى السيارات حيث كان قائدها رامي تجاوره والدته التي تواري دموعها المنهمرة عن عيونهم، لا تدري أتلك دموع الفرح أم لفراقها فلذة كبدها فقد انتقلت لتستظل بسقف بيت أخر ولكنف رجل أخر بعدما كانت في رعايتها وحمايتها وتحت ظلها هي ووالدها.
كانت ريم تجلس بالمقعد الخلفي بالمنتصف بين هيام ومحمد الذي ظل يحمل رضيعها ويحاوطها بذراعه وهي تحاول التماسك كما اوصاها محمد لحين وصولها للبيت فاضطرت أن تكبح عبراتها وتكتم آهات قلبها.
ألقى الصمت عباءته عليهم ولم يكن يظهر سوى صوت استنشاق هيام لدموعها بين فترة وأخرى، قال عمرو الذي يجلس على فخذ والدته بنبرة متحشرجة:
-إنتوا سيبتوا وئام هناك ليه!! هتقعد إزاي لوحدها مع راجل غريب.
-مبقاش غريب يا عمرو خلاص بقا جوزها…
قالها رامي، في حين قال عامر ببكاء:
-أنا عايز وئام.
قالها مخاطبًا هيام حيث كان يجلس جوارها، فشهقت هيام باكية ورددت وهي تمسد على ذراعه:
-هنروح لها الصبح يا عامر.
رماها محمد بنظرة استعادها سريعًا وانشغل مع ريم متناسيًا أمر الورقة التي أعطاها لها تمامًا.
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وفي سيارةٍ أخرى حيث كان رائد قائدها وجواره رشدي بينما نداء في المنتصف بين والدتها ونادر الذي ظل يُطالع الطريق عبر النافذة وينطق باسم الأشياء ورائد يشجعه ويشاركه حديثه.
تسائلت نداء كيف تناست أخيها؟! ألم تكن تكرس حياتها وجهودها لأجله! وكأنها أفاقت للتو من غيبوبتها الطويلة، عام كامل مضى وهي بعيدة عن كل من حولها وكأن الأيام كانت تمضي وهي واقفة مكانها، أو أنها كانت تتحرك كثيرًا وتبذل الكثير من الجهد لكنها لم تكن تفعل شيئا!
ظلت الأفكار تلفح رأسها يمنة ويسرة ابتسمت لأنها تذكرت كيف علمت بعد كتب كتابها أن رائد قد تولى أمر نادر لعامٍ كامل كان يعلمه الكلام ومفهوم الأشياء حتى نطق نادر وبدأت حياته تسير بصورة طبيعية.
-علي… استنى يا علي…
جذب انتباهها تلك العبارة التي نطقتها سيدة قد تجاوزتها السيارة للتو وكانت تركض خلف ابنها الصغير وتناديه، ظلت نداء تُطالع الطفل عبر زجاج السيارة الخلفي حتى اختفى عن مرمى بصرها فاعتدلت في جلستها وأطلقت تنهيدة متألمة.
لمَ كل شيء يذكرها به؛ «علي» الذي تعـ ـاقب قلبها المكظوم لأجله زاعمةً بأن قلبها يستحق بعدما خذل قلبه! فكلما ذُكر اسمه أو حضرت صورته لمخيلتها شعرت وكأن هناك من غرس نصل حاد بمنتصف قلبها، وأحست بألم مباغت في صدرها، وضعت راحة يدها على صدرها وأخذت تتنفس الصعداء وتزفر بهدوء علها ترتاح، كان التعب والإرهاق واضحًا على خلجات وجهها، بل على مظهر جسدها ومشيتها وكل حركاتها…
انتبهت أثر جملة والدتها التي تخاطب رائد:
-شايف أصلًا مش قادره تاخد نفسها ازاي؟!
طالع رائد انعكاس صورتها بالمرآة وهو يقول بابتسامة:
-إن شاء الله هتبقى زي الفل… أهم حاجه تاخد علاجها بانتظام.
قالت دينا:
-انا متابعه معاها المواعيد بالدقيقة…
كانت تنطق حرف العين هاء، فابتسمت نداء…
وحين مروا أسفل عمود للضوء استطاعت التقاط عينيه اللتان تسترقان النظر إليها عبر المرآة، فأشاحت بصرها وعادت تبحر في عالمها المظلم وهم يتطرقون لموضوعات عدة حتى انتبهت مجددًا حين وقفت السيارة قبالة منزلها وارتجلوا مودعين رائد الذي ظل يُطالعها وهي تدخل بيتها بخطواتٍ بطيئة توحي بمدى إرهاقها، استبد به القلق فكلما نظر إليها أدرك حجم معاناتها وآلام نفسها وجسدها وأدرك أنها تحاول جاهدةً أن تتماسك وتخفي تعبها، لكنه كان يراها ويشعر بروحها المنهكة، عزم أن ينقذها من تخبطها، وقرر أن يأخذ بيدها لتستعيد كامل عافيتها وتعود لسابق عهدها؛ تضحك، تكتب، تأكل، تعمل وتعيش…
★★★★
وعلى سجادة الصلاة وبعد التسليم التفت يحيى وطالع وئام بابتسامة ثم وضع يده على رأسها ودعى بصوت مسموع:
«اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليها، اللهم بارك لي في زوجتي واجعلني قرة عينها واجعلها قرة عيني وإن كتبت علينا الفراق فاقبضني إليك قبلها»
نظر لها بابتسامة وصمتٍ دام ثوان قبل أن يبسط يده ويقول:
-خلينا نتعاهد يا وئام إن أسرارنا متخرجش بره الأوضه دي…
مدت يدها ببطئ ووضعتها فوق راحة يده مرددة:
-أوعدك.
ضم يدها وقبلها، طالعها بحب وهو مبتسم كاد أن يغرقها بكلمات الحب لولا أن جحظت عينيها فجأة وظهر عليها الذعر فسألها عما أصابها، أشارت خلفه بيد مرتعشة فالتفت يُطالع الفراغ خلفه ثم عاد ينظر إليها قائلًا:
-فيه إيه يا بنتي؟ مفيش حاجه ورايا.
أشارت على الأرض وهي تقول برجفة:
-بـ… بُص عـ… على السجاده…
وحين طالع يحيى الأرض أصابه الشدوه للحظات، وأخذ يبدل نظره بين وئام المصدومة التي لم تحرك ساكنًا وبين الثعبان القابع على بُعد خطوات منه، ثم قال:
-هي ليلة باينه من أولها.
وحين تحرك الثعبان صرخت وئام ووثبت فوق الطاولة، ووثب هو لأعلى الفراش أخذ يصك وجهه هادرًا بالثعبان بهلع:
-إنت إيه اللي جابك هنا!! دخلت منين… دخلت منين؟!
أضاف يحيى بنبرة مرتعشة:
-أستحلفك بالله ألا تظهر لنا ولا تؤذينا.
أخذ يلوح بيده في اضطراب مرددًا:
-انصرف… انصرف.
وحين دخل الثعبان أسفل الطاولة التي تقف عليها وئام صرخت مرددة:
-انصرف إيه يا يحيى!! دا هيطلعلي!
قال بتوتر بالغ:
-طيب اعمل ايه دلوقتي؟!
-إنت لسه هتسأل اضـ ـربه يا يحيى…
وثب يحيى من فوق الفراش وهرع يبحث عن أي شيء ليجهز عليه، ووئام تصرخ باسمه وتستغيث، وسرعان قـ ـتـ ـله يحيى بأن هشم فوقه خشبة ثم ألقاه خارج البيت وعاد لوئام التي ظلت أعلى الطاولة فقال يحيى:
-خلاص انزلي بقا.
-أنزل فين! أنا لا يمكن أقعد في البيت ده لحظه واحده.
-تصدقي بالله نفس إحساسي! بس خلينا نفكر بالعقل هو احنا يعني ضامنين لو روحنا بيت تاني مش هيكون فيه زي ده ومستخبي.
مدت ذراعيها الإثنين أمامها مستفهمة بخوف:
-يعني ايه؟!
-يعني يلا نطلع نقعد على السرير للصبح…
ظل يراودها حتى قالت بحياء ممزوج الخوف:
-طيب أنا ممكن أقعد على السرير معنديش مشكلة بس شيلني حطني هناك…
ضحك يحيى ثم دنا منها وحملها عن الطاولة متجهًا صوب الفراش وهو يردد بمرح:
-تصدقي طلعتِ تقيله يا بت يا وئام.
وضعها فوق الفراش بهدوء، فاعتدلت جالسة وقالت بحنق:
-تقيله!! قول بقا إن إنتِ اللي مش قادر تشيلني.
أضاء يحيى جميع مصابيح الغرفة ثم عاد وجلس جوارها على الفراش عاقدًا ساقيه، فالتلفت حولها بتوجس، وظل هو يرمقها بين حين وأخر في صمت تام، قطعه ليطمئنها:
-متقلقيش يا حبيبتي أنا جنبك والنور قايد يعني لو فيه اي حاجه تانيه هنشوفها.
وما لبث أن أنهى جملته حتى انقطع التيار الكهربائي، فتشبثت به في هلع، قال بذعر حاول اخفاؤه:
-وبعدين في الليله البيضه دي يا وئام…
-يحيى أنا عايزه ماما…
قالتها بنبرةٍ مروعه فقال:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل أكيد مامتي ومامتك نايمين دلوقتي فاحنا إيه… نصبر للصبح وكل واحد فينا يروح لأمه… والحمد لله معانا كشاف الموبايل…
وما أن انتهى من جملته حتى فصل شحن بطارية الهاتف، فقال يحيى:
-مش بقولك ليلة باينه من أولها.
-طيب قوم شوفلنا كشاف.
قالتها باضطراب، فقال بنبرة مهزوزة:
-قصدك أقوم أنزل من على السرير وأشوف كشاف؟!
-أ… أيوه…
حاوط كتفيها بذراعه وجذبها إليه مرددًا بخوف:
-طبعًا هعمل كده بس خلينا نفكر بالعقل لو نزلت أشوف كشاف هسيبك لوحدك وإنتِ هتخافي فاحنا ايه… ننام… ننام بقا للصبح والشمس هتطلع والدنيا هتنور لوحدها.
حثها أن تستلقي جواره وكانت تتشبث به بذعر، قالت بنبرة متحشرجة:
-يحيى أنا خايفه.
قال بنبرة مضطربة:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل النايم ده في حفظ الله فاحنا ايه… نتوكل على الله ونقول أذكار النوم وننام… يلا رددي ورايا…
ابتلع ريقه ثم ردد:
-أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله…
سألته بتوجس:
-هي دي أذكار النوم؟!
-لا دي الشهاده تحسُبًا يعني.
قالت بحسرة:
-ياريتني ما اتجوزت.
قال:
-نفس إحساسي والله بس خلينا نفكر بالعقل….
قاطعته بنبرة مرتفعة:
-اسكت يا يحيى… اسكت مش عايزه أسمع صوتك لو سمحت.
-نفس إحساسي والله بس لو فكرنا بالعقل…
قاطعته بلكزتها لذراعه ثم قالت:
-عقل إيه! إذا حضر الخوف غاب المنطق… وإنت خايف اكتر مني يا يحيى.
قال بانفعال مصطنع:
-لا أنا مش خايف….
قالها تزامنًا مع لمسحها لقدمه بأصابع قدمها فصرخ وهو يسحب قدمه، ضحكت مرددة:
-مش خايف هااه!!!!
قال ببكاء مصطنع:
-أنا مش خايف أنا مرعوب يا وئام… أصل أنا مش بخاف الا منهم…
ضحكا وتحدثا كثيرًا حتى غلبهما النعاس…
بقلم آيه شاكر
استغفروا❤️
★★★★
منذ أن دخلت ريم لشقتها بعدما علمت بحقيقة موت أختها وملامحها تتشنج ألمًا لأجل أختها وتلحزن يتمشى بين عينيها، بكت كثيرًا علها تخفف حزنها، خاصة بعدما أصرت أن تعلم كيف قُـ ـتـ ـلت أختها واضطر محمد أن يخبرها كيف ذُ.بـ ـحت بلا رحمة، كي يكون الألم في آن واحد ويمضي، لا يدري أنه بذلك ضاعف ألمها فبدلًا من أن تكون طعنتها واحدة أصبحت طعنات كثيرة في وقت واحد، ظلت تأنبهما لعدم اخبارها بما حدث لرغده وهي تبكي، وهما يحاولان مواساتها.
لم تنم ريم طول الليل تولى رامي أمرها بينما تولى محمد أمر الرضيع ورفض قطعًا أن يعطيها إياه خشية أن تسكب حليبها الممزوج بسم الحزن لقلبه الصغير، وتولى هو إعداد الحليب الصناعي له طول الليل…
انتبه محمد في الصباح أثر صوت بكاء الطفل فنهض على الفور وحين أبّ لتجهيز اللبن وجد وعاء الماء قد فرغ، فخرج من غرفته يحمل الرضيع بين يديه وهو يغلق عينًا ويفتح أخرى، فقابله رامي الذي دنا منه وأخذ الطفل من يده وهو يقول:
-هات يا غالي إحنا تعبناك الليلة اللي فاتت أخر تعب.
رد محمد بصوت ناعس:
-عيب متقولش كده يا رامي…
وحين بكى الصغير قال محمد:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-هزه شويه على ما أحضرله الرضعه.
أخذ رامي يهدهده ليهدأ في حين أعد محمد الحليب وهو يقاوم ليفتح عينيه ثم أخذ يعلم أبيه كيف يطعمه ثم هم ليدخل الغرفة ينام فسعل الطفل أثر شرقة، ركض محمد عائدًا إليه أخذ الطفل من يده مجددًا مرددًا بضجر:
-اوعى يا عم سيب الواد.
أسرع محمد بالطفل نحو الغرفة وتبعه رامي يشير بيده وهو يناديه:
-استنى يا عم أنا أبوه والله.
لوح محمد يده بضجر دون أن يلتفت له وصك باب الغرفة بوجهه تزامنًا مع خروج ريم من غرفتها فاتجه رامي صوبها، وهو يسألها بابتسامة:
-إيه يا مسكر عامله إيه؟
تجاهلت سؤاله وسألته بجمود:
-فين أيان؟!
-مع محمد متقلقيش عليه…
أومأت في صمت وحين عانقها رامي بكت مجددًا بين ذراعيه فربت على ظهرها قائلًا:
-عشان خاطري روقي… بلاش عشان خاطري أنا يا ستي عشان خاطر أيان لأنه محتاجلك.
ارتشفت دموعها وقالت:
-كنت بلوم رغده وظنيت فيها السوء يا رامي… افتكرتها غيرانه من وئام… ومني عشان اتجوزت قبلها وعشان كده مكانتش بتسأل عليا… أنا ظلمتها يا رامي…
خرجت من بين ذراعيه وأضافت بنبرة متحشرجة:
-يوم ما كنا مسافرين حضنتني جامد وطلبت مني أسامحها… ساعتها حسيت إنها بتفكر في مؤامرة عليا وقلت لنفسي مش معقول تتغير بين ليلة وضحاها… لكنها زي ما تكون كانت حاسه إنها هتـ ـموت…
شهقت باكية ثم أشارت لقلبها مرددةً:
-انا قلبي واجعني أوي يا رامي.
ضم وجهها بين كفيه وقال:
-سامحيها يا ريم… سامحيها وادعيليها يا حبيبتي… هي محتاجه دعواتنا كلنا.
لم يخبرها رامي أو محمد عما فعلته رغده بالإتفاق مع ريناد، ظل يربت على ظهرها ويواسيها حتى هدأت أو تظاهرت بالهدوء بينما جرح قلبها ينزف ألمًا، ألمٌ ضمادته الصبر ودواءه مرور الوقت ليذبل ويطيب.
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم🌹
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
ارتدى رائد ثيابه في عجالة وأخذ يضع عطره في سرعة ليخرج من البيت فرأته هيام، خاطبته:
-رايح فين من الصبح كده؟
قال وهو يربط حذائه:
-كنت برن على نداء فعمي رشدي رد عليا وقالي إنها تعبانه شويه… هروحلها وبعدين أعدي على وئام وأنا راجع.
-طيب خدني معاك أنا أصلًا عايزه نداء في موضوع.
-هتأخريني يا هيام!
هرولت من أمامه وهي تردد:
-والله دقيقه واحده وهكون جاهزه عد لحد ٦٠ هكون عندك… أنا بلبس بسرعة أصلًا.
انتهى رايد.من ربط حذاءه ثم نهض تنفس الصعداء ثم قال:
-هستناكِ في العربيه يا هيام.
صاحت وهي تهندم حجابها:
-ماشي نص دقيقه وهكون عندك.
ركب رائد السيارة التي استأجراها محمد ورامي وانتظرها لتخرج…
تأكدت هيام أن الورقه التي أعطاها لها محمد بحقيبتها، فهي تجاهد نفسها منذ الأمس أن تفتحها وتقرأ ما بها، وقررت أن تتخلص منها وتسلمها لنداء، تناهى لسمعها أبواق السيارة، كان رائد يستعجلها للخروج فأغلقت حقيبتها ثم هرولت للخارج وهي تخبر والدتها أنها مغادرة برفقة أخيها…
★★★★
لم تستيقظ نداء في موعدها فقد كانت الحمى تسكن جسدها وتأبى تركها الليل بطوله، وظلت تنتفض وتهذي بكلماتٍ منها المفهوم هو اسم رائد ومنها الغير مفهوم.
ورغم تحسن حالتها وزوال الحمى إلا أنها لم تسمع نقرات العصفورة المتواصلة لنافذة غرفتها وظلت تغط في نومها حتى اقترب وقت الظهيرة.
ومن ناحية أخرى كانت ردهة البيت تعبق بتلاوة عطره من إذاعة القرآن الكريم بالراديو، تخلله صوت جرس الباب فخرجت دينا من المطبخ تسأل عن هوية الطارق! وما أن فتحت تتفاجئت برائد وهيام استقبلتهما ورحبت بهما وجلسوا بغرفة الضيافة، سألتها هيام عن نداء، فشرحت دينا ما أصابها بإيجاز وأضافت:
-وطول الليل تردد اسمك يا رائد وهي تحت تأثير السخونية.
ابتسم رائد ابتسامة باهتة مجاملة فقد كانت حالة نداء تؤرقه ويقلقه مرضها.
قالت دينا:
-طيب قومي يا هيام ادخلي صحيها.
قال رائد:
-لا يا أمي سيبيها ترتاح.
قالت دينا:
-لا دي لازم تصحى عشان ليها علاج… وكويس انك جيت عشان تساعدني وتأكلها لأنها تعبتني… وأنا هقوم أجهز الفطار على ما تصحوها.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنهض فتبعتها هيام التي غمزت لرائد ثم خاطبت دينا:
-أنا هاجي معاكي نجهز لها الفطار ورائد يدخل يصحيها…
حمحم رائد وقال بحرج:
-لا لا ميصحش…
شهقت دينا وقالت بدهشة:
-ميصحش! الله!! قوم يابني صحيها هو إنت غريب! دا إنت جوزها.
كبح رائد ابتسامته، فكلما تذكر أنه زوجها وأنها خاصته تراقص قلبه فرحًا وسرور، نهض وهو يقول:
-طيب ماشي…
دلف رائد لغرفتها التي كانت إضائتها خافتة، وكانت هي غارقة في نومها، وقف قبالتها للحظات بتأمل وجهها الباهت ثم قلب بصره بأرجاء الغرفة، فأبصر مكتبها المكتظ بالأوراق، أخذ يفتش أدراجه حيث كانت الفوضى تعمه، إلى أن صادف ورقة كُتب عليها:
“رائد؛ الراء روضتي والألف استثنائي أنت، والهمزة أُنسي والدال دفئي…”
اتسعت ابتسامة رائد وقلب بين الأوراق حتى أبصر دفتر أسفلهم فتحه فكان بخط يدها، التفت حوله كاللص قبل أن يضعه أسفل قميصه ويطمئن أنه لن يظهر لأحد حتى يغادر.
اتجه نحوها ووضع ظهر يده على جبينها ليتأكد من تحسن حرارتها ثم مسك يدها قائلًا بنبرة خافتة هادئة:
-دودو… اصحي بقا يا قلبي عشان تاخدي علاجك…
فتحت جفونها أثر صوته الذي ظنته حلم وما أن أبصرته أمامها، انتفضت وسحبت الغطاء عليها، قالت بصوت ناعس:
-إنت دخلت هنا ازاي؟!
-من الباب والله.
قالها بابتسامة وهو يشير نحو الباب فقالت بجمود وهي تعتدل جالسة:
-لو سمحت اخرج بره.
-ولو مخرجتش؟!
قالها رافعًا حاجبيه، فنفخت متضجرة من والدتها ووالدها اللذان سمحا له باختراق خصوصياتها بتلك الطريقة، قالت وهي توقع كلماتها:
-اطلع بره…
ضغط على كلماته مرددًا:
-مش هطلع…
همت أن تنزل من فراشها وهي تقول:
-ماشي خليك هطلع أنا.
جلس على المقعد وقال بابتسامة استفزتها:
-اتفضلي يا حياتي الباب مفتوح.
رمقته بغيظ وخرجت من الغرفة تنادي والدتها وهو يتابعها بابتسامة واسعة ويتحسس بطنه محل ما أخفى الدفتر ليطمئن أنه بموضعه.
ظل رائد يتابع نداء التي اضطرت لتناول فطورها رغمًا عنها بسببه كي تتهرب من الجدال معه، وكي لا تخوض والدتها سجال موضوع التغذية أمامه.
وبعد فترة أبصر رائد وشوشات هيام ونداء فأرهف السمع عل أذنه تلتقط ما تتجادلان بشأنه، لم يرى سوى مظروف أصفر اللون وضعته هيام بيد نداء التي كانت تأبى أن تأخذه، هدرت بها نداء:
-إنتِ أكيد تعبانه في دماغك.
-بصي أنا مليش دعوه ولعي فيه بس بعيد عني.
-يعني هو قالك ده لـ نداء؟!
قالتها نداء لتتأكد من حماقة ما يجري معها، فتذكرت هيام حديثها مع محمد بالأمس لم يذكر اسم نداء مطلقًا لكنها فهمت بفطنتها وذكاء سريرتها أنه يخص نداء، قالت بحماقة:
-أ… أيوه.
مطت نداء فمها، تسائلت هل محمد هو الأخر معجب بها!؟ اختلج قلبها وظلت تفكر هل هذا قلب ثالث وُضع بين يديها؟!
تركتها هيام وعادت لرائد قائلة:
-مش يلا بقا يا رائد عشان لسه هنروح لوئام.
نهض رائد واقفًا وعينيه على يد نداء التي تقبض بها على تلك الورقة، قال:
-أيوه يلا… عشان نسيب نداء تريح شويه.
دنا من نداء فعادت هي للخلف بتوجس، ظانةً أنه سيعانقها أو ما شابه! وما أن وقف قبالتها باغتها بسحب الورقة من بين يديها وهو يقول:
-إيه الورقه دي!
شهقت هيام واتسعت حدقتي نداء بصدمة بينما فتح رائد المظروف، رماه أرضًا بعدما أخرج الورقة من داخله، همت نداء أن تسحب الورقة من يديه وهيام أيضًا لكنه سحب يده بعيدًا وعاد للخلف ليفتح الورقة ويقرأ ما كُتب على سطحها، قبل أن يصر على أسنانه بغيظ ناطقًا:
-محمد!
سأل نداء:
-ممكن أفهم إيه ده؟!
ابتلعت نداء ريقها ووضحت باندفاع:
-أنا معرفش حاجه ابن عمك اللي بعتهولي مع هيام…
حدج رائد أخته بنظرات حارقة، ثم هز الورقة نصب عينها هادرًاوبانفعال:
-قالك تعطيه لنداء يا هيام؟!
خافت هيام من نظرات أخيها فقالت برهبة:
-أنا مليش دعوه هو اللي قالي أوصله ليها!!
قبض رائد يديه بعصبيه قم خرج من البيت يهملج بعصبية وتبعته هيام تناديه، فتوقف ونظربعينيها قائلًا وهو يصر على أسنانه:
-مش عايز ولا كلمه…. يلا….
رفعت هيام رأسها تُطالع نداء المضطربة التي تتابعهما من الشرفة بقلق، ثم ركبت هيام جواره قبل أن ينطلق بالسيارة.
وقفت نداء أمام المرآة تتحسس وجهها الشاحب وملامحها الباهتة وهي تخاطب حالها بأنها ليست جميلة لتفتن عقول هؤلاء الشباب!!!
بقلم آيه شاكر
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
استغفروا❤️
★★★★★
-المشكله إن اللي طلع معايا في الوقت ده إني أقوله انصرف… انصرف…
قالها يحيى ضاحكًا بعدما حكى لوالديه ما حدث ليلة البارحة، فقال والده وهو يقلب كفيه:
-دخل منين ده! لا حول ولا قوة الا بالله.
وقالت والدته:
-متقلقيش أنا هتصرف… هحط شيح في كل ركن في البيت مفيش حاجه هتقرب من هنا.
-طيب يا أمي ارجعوا بقا البيت بعد إذنكم وبعدين أنا وئام هنروح إسكندريه كمان يومين.
قال والدة:
-ربنا يسعدكم يا حبيبي… احنا قاعدين مع عمك فوق متقلقش علينا يومين وهنرجع…
من ناحية أخرى مطت وئام ذراعيها أثر النوم وما أن فتحت جفونها واستعادت ذاكرتها ما حدث بالأمس صرخت:
-يحيـــــــى.
سرعان ما فتح يحيى باب الغرفة بلهفة جلس قبالتها مرددًا:
-في إيه تاني؟!
هدرت به بنبرة مرتفعة:
-إنت إزاي تسيبني نايمه لوحدي وتخرج من الأوضه… مصحتنيش ليه؟!
وضع سبابته على فمه قائلًا:
-هووووش… متعليش صوتك بابا وماما بره.
أطرقت في صمت فاستطرد:
-أنا حكيت لرائد واقترح إننا نروح اسكندريه اسبوع إيه رأيك؟
قالت بعدم حمـ ـاس ودون أن ترفع بصرها:
-ماشي يا يحيى.
-ماشي يا يحيى؟!
قاطعه عن إكمال حديثه جرس الباب، فقال:
-يلا قومي كده وروقي عشان أكيد دول أهلك…
تركها وخرج من الغرفة وطالعته حتى أغلق الباب خلف ظهره، تسرب الندم لقلبها لأنها تزوجت بتلك الطريقة وفي بيت مشترك مع والديه، فمذ البارحة وهي تتعرض لما لم تتوقع بحياتها أن تراه! قالت في ندم:
-إيه اللي عملته في نفسي ده! حب ايه اللي يخليني أضحى تضحيه زي دي!!!
هزت رأسها بعنـ ـف لتنفض منها هواجس نفسها ووساوس الشيطان فقد تزوجت وانتهى الأمر، استعاذت بالله من الشيطان ودعت الله أن يبارك لها في حياتها وزوجها وأن يعينها على طاعته، فلم تشك أن تلك هي رهبة البداية التي تصيب قلوب الفتيات في بداية زواجهن.
تفحصت أرضية الغرفة بتوجس قبل أن تنزل من فراشها، وفتحت باب المرحاض وقلبت بصرها بأرجائه قبل أن تخطوه بشمالها…
★★★★★
وبعدما خرج دياب مع زوجته وبرفقة عمرو وعامر متوجهين لبيت وئام، دخلت بعدهما سيارة يونس للشارع تزامنًا مع خروج ريم من البيت حاملة طفلها بين ذراعيها وقاصدة بيت والدها، أوقفها صوت يونس:
-مدام ريم بعد إذنك!
التفتت إليه فارتجل من سيارته وقال:
-اولًا حمد الله السلامه.
قالت باقتضاب:
-الله يسلمك.
-ثانيًا بورك لكما في الموهوب وشكرتم الواهب.
قالها وهو يُطالع الصغير القابع بين يديها فقالت بابتسامة صغيرة:
-الله يبارك فيك.
كانت قد رمقته في سرعة ولاحظت التغير الذي طرأ عليه للأفضل، كان الصلاح يتمشى بين قسمات وجهه، وقد أطلق لحيته وقص شاربه، غض بصره عنها وهو يقول بتلعثم:
-أ… أنا كنت جاي عشان… كنت عايز أقول لحضرتك حاجه بخصوص رغده الله يرحمها.
-حـ… حاجة إيه؟!
-كنت عايز أقولك إنها لما اتفقت مع ريناد يفرقوكي إنتِ ورامي ندمت وحاولت تصلح غلطتها بس مـ….
قاطعته مرددة بجمود:
-رغده أختي؟! رغده كانت عايزه تفرقني أنا ورامي؟!
لم تتعجب كثيرًا فقد كانت تتوقع من رغده أي شيء، زفرت بألم وقررت ألا تستمع للمزيد، وها قد غادرت رغده الدنيت فلا يجوز في حقها سوى الدعاء بالرحمة والمغفرة، وقد انتهى الأمر وولى، ولا داعي للمزيد من الصدمات! والجهل ببعض الأمور عادة يكون أفضل من العلم بها، بل وإخفاء الله ما في نفوسنا نعمة تستحق الحمد ليلًا ونهارًا، أضافت على الفور:
-أرجوك أنا مش عايزه اتكلم في اللي فات… الله يرحمها ويغفر لها…
-أنا مش جاي أتكلم في اللي فات أنا جاي أقولك إني شوفت رغده امبارح في منامي وكانت بتعيط وبتترجاكِ تسامحيها لأنها بتتعذب… قد تكون أضغاث أحلام وقد تكون رؤية لأني بدعيلها في كل سجدة يمكن أسامح نفسي عشان كنت سبب إنها تكون في المكان اللي ماتت فيه… ربنا يصبر قلوبكم…
ظل كلامه يمور برأسها وهي تتجه نحو بيت والدها، وقد استقل يونس سيارته وغادر…
وبمجرد أن فتحت بوابة البيت انتشلها من فِكرها صوت شجار ريناد وصالح ومحاولة والديها ومؤمن الإصلاح بينهما، فعادت أدراجها واستدارت لتفتح البوابة مجددًا لتعود لبيتها تزامنًا مع وقوف رائد بسيارته وخروجه منها مهرولًا وهيام تتبعه وتناديه وتسأله أن يهدأ ولا يتصرف وهو غاضب.
طفقت هيام تأنب حالها فاثناء الطريق سألها رائد هل أخبرها محمد أن توصل تلك الرسالة لنداء فأومأت رأسها وقبل أن تشرح له أنها فهمت ذلك لأن محمد كان يحاوط اسم نداء في الرواية بقلوب حمراء وزرقاء، هدر بها ألا تتفوه بحرف أخر، كانت الأفكار تجذبه يمنة ويسرة والد**ماء تغلي بأوردته وهو يقود السيارة في سرعة وعجلة ليصل لمحمد ليفهم منه…
هرولت ريم خلفهما وسألت هيام ما الذي يجرى فقد كان رائد يطرق باب شقها بعـ ـنـ ـف، سأل رائد ريم وهو يلهث:
-فين محمد؟
وقبل أن تجيب ريم فتح محمد باب الشقة وهو يتثاءب فقد استيقظ من نومه أثر طرقات رائد، سأل محمد وهو يفرك جفونه:
-فيه ايه؟!
ود رائد أن يتحدث معه بهدوء لكن لم يستطع كلح يده عن تسديد لكمة لوجهه أفقدته توازنه للحظات وما لبث محمد أن انتبه هدر برائد بنبرة مرتفعة:
-ايه يا رائد؟!
قذف رائد الورقه بوجه محمد بغضب وهو يقول:
-ممكن تفهمني إيه ده؟!
عرف محمد الورقة من ظهرها فحك رقبته بارتباك وطالع هيام قائلًا بعتاب:
-بتديهاله ليه؟!
أطرقت هيام في حين أخذت ريم الورقة التي سقطت على الطاولة وقرأت ما بها بصوت مسموع:
-خبروها بأني قد تزوجت فظلت تكاتم الغيظ سرًا… اطمني لأن قلبي مستحيل يقبل بواحده غيرك ومهما طال الزمن والصعوبات أنتِ لي… ممكن تقبلي نكون سوا العمر كله؟… محمد.
طالعت ريم وجه محمد وسألته:
-ايه ده يا محمد؟ إنت اللي كاتب ده؟! ولمين؟!
طالع محمد رائد وقال:
-إنتِ بتضربني ليه يا عم أنا مستأذن من عمي دياب! وطلبتها رسمي منه.
أخذ محمد يتحسس وجهه ويتاوه، واستدار رائد للإتجاه الأخر ممعنًا التفكير، ثم بدل نظره بين هيام ومحمد وقد تدارك الخطأ الذي حدث فقد أعماه الغضب وافقده عقله، خاطب رائد هيام بنبرة مرتفعة وغضب:
-هو محمد كان قالهالك صريحه… إديها لنداء؟!
-نداء!!! نداء مين؟!
قالها محمد بدهشة، وطفقت هيام تشرح كيف فهمت من كلام محمد أنها لنداء وموضوع الروايه التي كان محمد يحاوط اسم نداء بها، قال محمد:
-رواية إيه دي!! أنا مش فاكر حاجه زي كده؟
قالت هيام بخفوت:
-الروايه اللي كنت مديها لرائد من سنه و….
قاطعها رائد الذي أشار لرأسها هادرًا بحدة:
-هو فيه هنا مخ ولا فردة جزمة؟! محمد كان عمل كده عشان يدفعني أخد خطوه في موضوعي أنا ونداء… وحتى لو محمد ندل تروحي توصلي لمراتي ورقه منه؟!
جلس محمد على المقعد وانفـ ـجر ضاحكًا، فقال رائد:
-إنت بتضحك!! دا أنا كنت ناوي أفرمك… وبعدين اختي مبتفهمش كده قولها لها صريحه…
-إنت أصلًا طلعت غبي يا رائد!! متخيل إن أنا ممكن ابعت لمراتك رسايل حب!!!
قالها محمد قبل أن يطلق عدة ضحكات ساخرة، فقالت هيام باضطراب مخاطبة محمد:
-يـ… يعني إنت كان قصدك واحده تانيه؟!
نهض محمد واقفًا وقال:
-تخيلي!… واحده استأذنت من عمي دياب عشان أديها الورقه دي!
فهمت مقصده لكنها خشيت أن تكون قد أخطات الفهم فتتشبث بحبل الأمل لتصعد للثريا ثم ينقطع الحبل وهي بمنتصف المسافة فتسقط وتتحطم روحها، قالت بلجلجة:
-تـ… تقصد ريمان؟!
ضحك الثلاثة _ريم ورائد ومحمد_ عاد محمد ليجلس وقال من خلف ضحكاته:
-الظاهر مفيش أمل… أنا مضطر أراجع نفسي يا رائد.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
بدلت هيام نظرها بينهم وهي تبتسم في صمت وما أن التقت نظراتها مع محمد حتى نهض واقفًا فأسقطت بصرها في حياء، وقف محمد قبالتها وقال بابتسامة:
-خليني أقولهالك صريحه… تقبلي تتجوزيني يا هيام؟
شعرت ببرودة عذبة تلفح جسدها، أطرقت بصرها بحياء فحاوط رائد كتفيها وقال:
-لا مش كده إنت تغسل وشك وتبقى تيجي تشرب شاي مع بابا عشان نرفضك رفضه جماعية تعجبك.
ضحكوا جميعًا ونظرت ريم لأخيها بحب ناطقة:
-أنا أخويا ميترفضش أصلًا.
قال رائد بمرح:
-طيب نشرب الشاي ونفكر في الموضوع عشان خاطر ريم نعمل ايه بقا!!
قال محمد بمرح:
-شاي ايه!! لأ أنا مبحبش الشاي… أنا هشرب كابتشينو.
ضحكوا مجددًا ورمت ريم رائد بنظرة استعادتها في سرعة ثم أغلقت جفونها لبرهة تتخيل صورة زوجها «رامي» الذي أيقنت أنها لم تحب غيره وأن مشاعرها نحو رائد لم تكن سوى وهمًا أقحمت قلبها به، لأن رامي سافر وتركها على حين فجأة.
******
«نداء»
أحيانًا نفر إلى الخيال علنا نخفف من أوجاعنا فكما تُنفث أحلام النوم من حرارة واقعنا دون إدراك منا يخفف الخيال من حدة حياتنا بإدراك ووعي منا، فنكون أشبه بمن يصنع تمثالًا من الشمع تُسر المقل بالنظر إليه ولكنه يبقى صورة بلا روح مهما طال الأمد….
ضغطتُ زر حرف الدال ثم زر أخر لعدة نقط متجاورة والإبتسامة لا تفارق شفتاي، فكلما قرأت تلك الكلمات شعرت بفرحة وغمرتني السعادة لأنها تنتشلني من عالمي ومن واقعي المُقيت إلى عالم من الخيال رسمته بأناملي لأدخله كلما أردت.
والآن وبعد مُضي أعوام انغمست خلالها في عالم الكتب أتجول بين أحرف الكُتاب لأزود ثقافني كما نصحتاني وئام وهيام، كما أتجول بين أحرفي وفي عالمي الخاص الدافئ الذي رسمته، تخرجت من الجامعة العام الماضي واستلمت عملي بمركز التخاطب…
واليوم وفي عطلة أول أيام عيد الفطر المبارك قررت أن أنقل أحرف روايتي لجهاز الحاسوب الذي اشتراه لي والدي كهدية بعد تخرجي.
معظم ما كتبتُ بتلك الرواية قد حدث بالفعل، والبعض والذي كان يخصني لم يكن سوى جزء من أمنياتي التي لم تتحقق وأحلام يقظتي التي عشت بها أيام بل سنوات، ففي الواقع قد تقدم رائد لخطبتي مرتين ورفضته بحزم وإصرار، ودون أن أقابله فلم يحاول معي مرة ثالثة بل ابتعد واحترم رغبتي.
وفي تلك الفترة كنتُ منهكة نفسيًا وجسديًا أثر موت «علي» كنت أسمع أمي تلهج بالدعاء وترجو لي الهدية وأن أخرج من تلك الظلمة التي أحاطتني وطغت عليّ والتي استمرت لعامٍ كامل، لا أعلم لمَ كنت بتلك الهشاشة! هل هو ضعف الإيمان؟ أعتقد ذلك فقد كنت ضعيفة لم أتجلد ولم أتحمل صفعة الحياة المباغتة، وقد يكون بسبب جهلي لتيارات الحياة! فكان يجدر بي توقع تقلب تيارات الحياة بين الحرارة الشديدة والبرودة القاسية، كنت أظن أن الحياة ينبغي وأن تسير على وتيرة واحده دافئة وروتينية ثابتة لا تتغير.
وبعد عام كامل ابتعدتُ خلاله عن طاعة الله ولجأت لسماع الموسيقى وقراءة الروايات للهروب من الواقع، على الرغم أن ما أصابني كان ليقربني من الله لكنني ابتعدت وابتعدت حتى أُحيط قلبي بهالة من الضلال؛ مما جعلني أطرح على نفسي سؤالًا كيف أرجو استقامة حياتي مع اعوجاج روحي وصلابة قلبي وقسوته وبعدي عن ملاذي وملجأي؟! أين صلاتي؟ بل أين أنا؟!
لم أحضر حفل زفاف وئام ولم أتزوج من رائد بل لم أقابله منذ يوم معرفتي بموت علي وغيابي عن وعيي، لأستيقظ بعدها وأرمي بنفسي بين غياهب الليل! لم أكترث لعودة نادر بعدما أجرى عملية زراعة القوقعة وبات يسمع الأصوات من حوله.
عام وشهرين من المعاناة النفسية والجسدية وتشخيصي بحالة القهم العصبي، وتنقلي بين الطبيب الباطني والطبيب النفسي، إلى أن قررت أن أستيقظ من غيبوبتي، وبكامل عزمي أقبلت إلى خالقي.
ها قد مر أربعة أعوام إلا بضعة أشهر بعد يوم وفاة «علي» ورغم تحسن حالتي إلا أنني لازلت أعيش في عالم من الخيال أكتب ما تمنيت أن يحدث كما نصحتني الطبيبة النفسية، كم تمنيت لو تمسك بي رائد! تمنت لو لم يبتعد عني! تمنت لو تزوجني رُغمًا عني كما يحدث بالروايات! تمنت لو يعود الزمن فأوافق عليه ولكن يبقى الواقع واقع والخيال خيال! فقد سافر رائد وتخلى عني حتى أنني شعرت بأنه لم يحبني يومًا ولا يكترث لغيابي من حضوري.
عدت بذاكرتي للوراء ثلاثة أعوام بعدما انتابتني الحمى في ليلة وروحت أهذي باسمه وأرجوه ألا يتركني فسمعني والدي اللذان نظرا لبعضهما وهز والدي عنقه في يأس مستنكرًا مني رفضي لرائد رغم أنني أردته! وفي الصباح زارتني هيام وكان رائد ينتظرها أسفل البناية بسيارته.
وفي ذلك اليوم سلمتني هيام الورقة التي كتبها محمد فقرأتها ثم عصرتها بين يدي وألقيت بها من النافذة! وأنا أخاطب نفسي أنني لست بهذا الجمال لأفتن الشباب! رمقت رائد بنظرة أخيرة قبل أن أعود غرفتي وأبكي قهرًا، وحين رأتني والداتي قالت:
-ولما إنتِ بتحبيه رفضتيه ليه من الأول؟!
جففت دموعي وسألتها بتلعثم:
-قـ… قصدك مين!؟
-قصدي رائد!! أهو خلاص هيسافر ومش هتشوفيه تاني! للأسف إنتِ خسرتيه يا نداء…
رمتني أمي بسهام كلماتها الحادة وخرجت من الغرفة.
علمت بعدها من هيام أن الورقة سقطت على رأسها قبل أن تصل لسيارة أخيها ففتحتها وقرأتها ولم تشعر بوجود رائد قبالتها إلا حين سحبها من يدها وسألها عدة أسئلة ليعرف لمن تلك الورقة وما أن أجابته حتى انطلق بالسيارة قاصدًا بيت محمد وقد بلغ غضبه ذروته، غضب من محمد لأنه كان يعلم أن رائد معجب بي وقد تقدم لخطبتي وطلب منه أبي الانتظار عله يقنعني…
ومضت الأيام….
ظلت هيام تُحدثني كل يوم وتحكي لي ما حدث معها ومع وئام وريم وفسرت لي سوء التفاهم ومن كان يقصده محمد بتلك الورقة، كما علمتُ منها بسفر رائد مع رامي ومحمد لأيطاليا سافر ولم يعد حتى الآن!
أطلقت تنهيدة طويلة ثم أغلقت جهاز الحاسوب، وأخذت أفكر كيف أنهي تلك الرواية! وهل أبدل أسماء الشخصيات الحقيقية بأسماء أخرى وأطبعها ورقيًا أم أنشرها إلكترونيًا، أم أتركها لي أنا فقط لأغوص بين أحرفها كلما جرف بي الحنين للماضي؟
-نداء عرفتِ إن النهارده فرح دعاء؟!
انتشلني من أفكاري وتساؤلاتي صوت نادر الذي بِتُ أسمعه كثيرًا، فهو يقتحم عُزلتي ويتطفل علي دائمًا، ابتسمت له وقلت:
-لا يا سيدي مكنتش اعرف… هتتجوز مين؟
-هتتجوز سعيد اللي بيشتغل مع بابا… وصاحب علي الله يرحمه.
قلت:
-الله يرحمه… و….
كدت أن أدعو لها بالتيسير والسعادة فلم أرها منذ أخر مرة أخبرتني بها أنها تكرهني!
بتر حديثنا دخول والدي الذي قال بحزم:
-اعملي حسابك هتيجي معانا سبوع بنت هيام النهارده ومفيش هروب يعني مفيش عذر.
سألته باستغراب:
-هيام!!! هما رجعوا من السفر؟!
-أيوه… رجعوا من يومين.
-كـ…. كلهم؟!
أومأ أبي مؤكدًا، سألته وأنا أقصد رائد، وأعلم أنه يعرف مقصدي! لكنه لم يبل حلقي بما أريد! تمنيت أن أعلم شيء عن أحواله فقد انقطعت أخباره منذ سافرت هيام مع زوجها محمد قبل عامين، وكان أخر شيء أخبرتني به أن عمتها طلبت منه أن يتزوج من ريمان! ووافق والديه! ولم أعلم بعدها هل تم الأمر وتزوجها أم لازال ينتظرني، فأنا أعيش على أمل التقاءه وأن يكون لي! أحيانًا يخبرني عقلي أنه لو كان راغبًا بي كما أزعم لما سكت عني كل تلك السنوات ولتقدم لخطبتي مرة ثالثة، وأنه ينبغي علي أن أنسلخ من عالم الخيال وأعيش واقعي، وأن أقبل بأي عريس يناسبني فقد تقدم لخطبتي الكثيرون خلال تلك الأعوام ولم أقابل أحد قط، فقلبي يؤكد لي أنه يحبني وسيكون لي في نهاية المطاف، قلبي يجبرني أن أنتظر…
جذبني من أفكاري أبي الذي مال نحوي وغمز بعينيه قائلًا بمرح:
-إيه رأيك بقا تلبسي النهارده الفستان الأحمر بتاع ماما عشان نتشرف بيكِ.
نهضت من مكاني قائلة بضجر:
-يوووووه يا بابا.
-طيب عشان خاطر أبوكي يا قلب أبوكي أنا عايز أتشرف بيكِ.
قلت بضحك:
-يا بابا يا حبيبي الفستان المهترء ده هيجيبلك العار مش هيشرفك.
أقبلت والدتي نحو الغرفة تحمل الفستان أمامها وتواري وجهها خلفه وهي تغني:
-لاي لا لا لا تيرا ارارار…
انفـ ـجرنا بالضحك وقال نادر من خلف ضحكاته:
-متتعبوش نفسكوا هي أصلًا منتقبه… إزاي بقا هتلبس أحمر؟!
قبلتُ نادر من إحدى وجنتيه وقلت:
-بالظبط كده يا حبيب قلب أختك… أنا بيليق عليا الأسود والمحلي ولما أحب ألون بلبس بني..
فقد ارتديت النقاب قبل ثلاث أعوام فمنذ خروج هيام من بيتي وأخذت قرارًا أنه يجب أن أستتر عن الأعين، لا أريد لأي شاب أن يراني فأفتنه رُغم أني أزعم أنني لست جميلة! أنا فتاة عادية! ومنذ ذلك اليوم وأنا أفقت من غيبوبتي…
قالت أمي بنزق:
-إنتِ هره “حره” هو إهنا “احنا” هنتهايل “هنتحايل” عليكِ.
اومأت برأسي مرددة بابتسامة:
-بالظبط كده أنا هُره…
-شوف البنت بتتريق عليا ازاي يا رشدي!!
قالتها أمي بضجر، فخرجت من غرفتي وأنا أسمع حوارهما ومحاولة أبي لاسترضاء أمي، ابتسمت حين تذكرت أول مره رآني بها رائد أمام عطارة والده والمرة الثانية حين كنت أرتدي فستان سندريلا وانفرطت من رائد حبات البرتقال وصولًا لأسفل قدمي وكأنها تدله علي! والثالثة حين ارتديت الطقم الأسود “تيير أمي” ووقعت الجيب وأمسكتا بها وئام وهيام، ضحكت على أوقات مضت وبقى أثرها محفور في قلبي، تناهى لسمعي صوت أبي الذي خاطب أمي بخفوت:
-يا خساره كان نفسي رائد يكون من نصيبها.
أطلقت أمي تنهيدة حارة وقالت في حزن:
-متفكرنيش دا أنا بتحسر عليه…
-يلا خير ربنا يسعده في حياته ويرزقها بابن الحلال اللي يسعدها.
كان حوارهم لا يبشر بخير أخذت أقرض أظافري في اضطراب! خشيت أن يكون قد تزوج من أخرى وأنا أعيش على ذكراه!! أنا أنتظره!
انتبهت أثر رنين هاتفي، أصبحت الآن أمتلك هاتف يفوق حجمه كف يدي ابتسمت وأجبت أمنية التي ألقت السلام وهنأتني بمناسبة العيد ثم قالت:
-عندنا اجتماع طارئ في الجمعيه ومينفعش متجيش يعني مفيش عذر.
ابتسمت وأنا أقول:
-انتوا ايه حكايتكم حتى بابا لسه قايلي مفيش عذر!… حاضر يا ست الكل هلبس وأجي…
انهيت المكالمة معها واستأذنت والداي ثم ارتديت ملابسي؛ ثوبي كحلي اللون وحجابي ونقابي من بنفس اللون، ولم أنسى أن ارتدي عويناتي التي اضطررت لها منذ عام، وغادرت بعدما أكد علي والداي أن انتظرهم في مكان ما لنذهب سويًا لبيت عمي دياب…
وصلت لمكان تجمع أفراد الجمعية المعهود في إحدى الحدائق العامة ألقيت السلام عليهم وجلست أرضًا في الدائرة، كنا نفس الأشخاص ولكن زاد عدد المساهمين كثيرًا فكل منا كان يمثل مجموعة تضم عشرات من الأشخاص، ولكن نحن فقط من نجتمع معًا للتخطيط وتوزيع المهام على باقي الفرق، لم يحضر رائد الإجتماعات لثلاث أعوام وكان يتابع مجريات الأمور بتواصله مع أحد الشباب، فهو مؤسس تلك الجمعية وصاحب فكرتها.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
وُضع أمامي كارت صغير مخطوط عليه «جمعية سدفة لمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة» ورقم هاتف، حملقت به لفترة وغمرتني السعادة، فقد توسع مجالانا كثيرًا فلولا انشغالي بالعمل في الجمعية والمركز لقتـ ـلتني أحلام يقظتي..
وحين طالت الهمهمات الجانبية، سألت أمنية بخفوت:
-هو إنتوا مستنين حد؟!
-أيوه…
لم تلبث أن أنهت كلمتها حتى استنشقت رائحة عطره النفاذ، لا اعلم كيف تسلل ودخل أسفل نقابي! أغلقت عيني وأنا أهمس باسمه تزامنًا مع قول أحد الشباب:
-البوص الكبير وصل.
تواثبت دقات قلبي فوضعت يدي على صدري وأنا أُطمئن نفسي بأنه لن يعرفني فأنا أرتدي النقاب فضلًا عن نظارتي الطبية…
وبعدما سلم عليه الشباب جلس وألقى السلام على البقية لم أستطع رفع عيني للنظر في وجهه، وكلما سمعت صوته أحسست برجفة أعصابي.
كان الجميع يدلي بدلوه إلا أنا فقد كنت في عالم أخر، كدت أن أنهض وأنصرف ولكن قبل أن أفعل باغتني بقوله:
-وإنتِ إيه رأيك يا أستاذه أميره؟!
طالعني الجميع بابتسامة فارتبكت _أميرة فتاة بالفريق تزوجت قبل عام ولم تحضر بعدها، أخبروني أنني أشبهها كثيرًا بالنقاب، ومن الواضح أنه ظن أنني هي!_ قلت بلجلجة:
-أ… أ….
وقبل أن أتفوه بالمزيد قاطعني اقتـ ـحام كرة صغيرة للدائرة وقول الطفل:
-ممكن الكره يا عمو؟
قذفها رائد للأطفال مرة أخرى وأكمل حديثه دون أن ينظر نحوي، وظلت جملته تدور بعقلي فقد ظن أنني أميره!! وأما أنا فأعرفه من رائحته! تبًا!!
انتبهت لانتهاء الإجتماع وتناهى لسمعي مخاطبة شاب لرائد:
-يا ترى بقا هتسافر امته تاني؟!
قال رائد بابتسامة:
-لا خلاص أنا قاعد على قلبكم مش مسافر تاني…
حاولت أن أرفع مقلتي وأطالعه فلم أستطع، انصرفت مع أمنيه وقلبي يختلج، وعقلي يضج بالتساؤلات، فواضح جليًا أنه تنساني! تُراه تزوج؟
-مالك؟! نداء… نداء….
جذبني من أفكاري صوت أمنية التي سحبتني بعيدًا عن سيارة كادت تصدمني، قلت بعدم تركيز:
-هه… إيه بتقولي حاجه؟!
-لا دا إنتِ مش طبيعية خالص!!! أنا بنادي عليكِ من بدري وإنتِ مش هنا! خلي بالك من العربيات…
اومأت رأسي بصمت، وقاطعنا رنين هاتفي برقم والدي يخبرني أنهم انتظروني كثيرًا أمام شارع عمي دياب واضطروا للدخول للبيت وحثني على التوجه إلى هناك فالجميع ينتظر قدومي…
استأذنت من أمنية وانصرف كل منا بطريقه، سرتُ شاردة الذهن أحاول قدر إمكاني صرف نفسي عن التفكير به.
زفرت بحنق، وأنا أسأل نفسي لمَ إصرار أبي أن أذهب معهم رغم أنه في زيارات سابقة _في الأعياد_ ما كان يصر علي؟ حتى أمي لم تعد تذهب لهناك بعدما رفضت رائد! قلت في نفسي بأنه ربما أرادني أبي أن أرى رائد علني أستيقظ من أوهامي وأدرك أن كل شيء نصيب وكل رزق مقسوم وربما لم يكن هو رزقي بل كان مجرد عابر سبيل مر بحياتي وعاد لبيته.
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
وقفتُ أمام الشارع ابتلع لعابي باضطراب، شعرت برجفة تسري بأوصالي ما أن دعست أول خطوة ولوجًا إليه، شعرتُ به حين مر من جواري لم أره لكنني سمعت صوته وهو يتحدث عبر هاتفه، أدركت الآن حجم الخطأ الذي وقعت به ليت قلمي لم يتحدث عنه، ليتني لم أقرأ اليوم ما كتبته بيدي فقد أثر بقلبي وأثار مشاعري نحوه، أخذت قرار حاسم فعندما أعود لبيتي سأحذف ما كتبته عنه بالكامل…
جذب انتباهي صالح الذي يقف جوار ريناد ومعهما طفلتان وعمرهما بالتقريب ثلاثة أعوام…
دنا رائد منهما وحمل أحدهما وخاطبها:
-إيه الحلاوه والطعامه دي يا روما… مين جايبلك الهدوم الحلوه دي؟!
قالت ببراءة:
-ماما جابتوني “جابتهولي”.
رد صالح بابتسامة مشوبة بالسخرية:
-ماما! هي ماما بتقبض أصلًا يا رحمه… بابا اللي جايبه يا بت.
رمقته ريناد شذرًا وقالت بغلظه:
-إنت دفعت الفلوس وبس لكن أنا اللي جبته على ذوقي…
لكزها صالح في ذراعها وقال بفظاظة:
-إنتِ ما بتصدقي عايزه خناقه وتشبعي فيها لطم! اهمدي بقا يا شيخه شويه.
ابتسمت ريناد وقالت بسخرية:
-وعلى فكره اسمها جنازه وتشبعي فيها لطم مش خناقه!
تفاجئتُ فقد ظننتهما انفصلا عن بعضهما رمقتهما بطرف خفي وأنا أمر عليهما، فتناهى لسمعي قول رائد:
-بطلوا خناق شويه… ومش قدام البنات حرام عليكم هتجيبولهم حاله نفسيه.
بدل صالح نظره بين ابنتيه التوأم «رغده ورحمه» الذي تعايش مع ريناد لأجلهما فقط، ابتسم بتصنع وجذب ريناد من يدها وهو يقول:
-يلا قدامي يا عقابي…
ابتسمت له ريناد بتهكم وسارت جواره في صمت قاصدين بيت دياب وتبعهما رائد الذي أخذ يلاعب الصغيرة.
تجاوزت بيت عمي دياب كي لا أجذب انتباه رائد وأنا أفكر بكلمة “عقابي” التي أطلقتها عليه سابقًا، فهو عقابي بالفعل! فقد كنت أحلم به في نومي ويقظتي، فسُمَّ قلبي! فالخيال كالدواء قد يتحول إلى سمٍ قاتل إذ لم نضبط جرعته ونتأكد من عدم حساسية الجسم تجاهه! وأنا لم أضبط خيالي بل أطلقت العنان لمخيلتي دون رقابة…
طلبت رقم والدي فلم يجب كررت المحاولة ثم طلبت رقم والدتي فلم تجب أيضًا، عُدت أمام البيت وقررت صعود السلم ومع كل دعسة قدم لداخل البيت ومع كل درجة أخطوها كنت أتذكر شيء من الماضي، ريم ورامي وقصتهما، وئام ويحيى وحبهما، محمد وهيام وحماقتها، عمرو وعامر ومقالبهما، أمي وأبي عمي دياب وزوجته، رغدة وقتلها، علي وموته، ريمان وحبها لرائد وأخيرًا أنا!
وما أن وصلت قبالة باب الشقة رأيت نادر وهو يخاطب آدم الذي يمسك يد الجميلة رحمه:
-على فين يا معلم؟
-هنزل أشتريلها حاجه وجاي.
حملها نادر وقال وهو يصر على أسنانه:
-لأ هشتريلها أنا يا باشا…
دخل آدم للبيت يزمجر بغضب، بينما تذكرت كلمة «باشا» التي كان رائد يناديني بها من قبل وابتسمت، فذكرياته تحاوطني في كل مكان! ليتني لم آتي لهنا! أشعر بأن قلبي سيتهشم اليوم، وأعود لبيتي بأشلاءه! تبًا لتطيري!! أفقت من شرودي حين رأيت نادر يداعب الصغيرة وهي تضحك، قلت بابتسامة:
-إنت رايح فين بالقطه دي؟!
-ههرب بيها…
قالها نادر بضحك، فقلت بابتسامة:
-طيب روح الأول قول لماما إن أنا جيت وناديها تاخدني عشان مكسوفه.
أعطاني الطفلة وأصاني بها، فحملتها بين يدي وقبلتها كانت تشبه رغده وريم أيضًا، سألتها بحنان:
-إسمك إيه؟… اسمك إيه يا سكر إنتِ؟
-حمه “رحمه”.
أخرجت من حقيبتي حبة من الحلوى وأعطيتها لها تزامنًا مع إقبال والدة رائد «شيرين» وهي تهتف:
-والله زمان يا نداء… إيه يا بنتي دا مكنش عيش وملح…
عانقتها بشوق لم استطع التبرير فصمتت وابتسمت، وبعد الترحيب قالت وهي تشير للأعلى:
-البنات فوق في شقة ريم… اطلعيلهم… ولا تحبي أجي معاكِ؟!
-لا يا طنط أنا عارفه الطريق.
قلتها بابتسامة فأخذت هي رحمه من يدي قبل أن اتجه لأعلى، فتحت ريم الباب ووقفت مبتسمه للحظات ونظراتها تسال من أنا؟! فنطقت:
-نداء يا ريم… أنا نداء.
صرخت ريم صرخة مكتومه وضمتني بحرارة وحبور وهي تقول:
-يا نهار أبيض يا نداء… إيه يا بنتي الغيبه دي والله وحشتيني أوي أوي…
-والله وانتوا وحشتوني أوي أوي…
اخرجتني من بين ذراعيها وقالت:
-تعالي… تعالي ادخلي البنات جوه هيفرحوا أوي لما يشوفوكي…
دخلت للشقة والشوق يتموج بين طيات قلبي.
وضعت ريم بين يدي طفلة رضيعة تلعق أصابع يدها الصغيرة وقالت:
-دي بقا عروسة النهاردة… بنت هيام.
-اللهم بارك… يا خلاثي يا ناس كيوته أوي…
قلتها بحب، فابتسمت ريم وقالت:
-هيام في الحمام… والباقين هنا…
قالتها وهي تشير لغرفة، تم طرقت بابها وفتحت وهي تشير نحوي قائلة:
-مش هتصدقوا مين دي؟!
كانت وئام تجلس جوار ريمان وتقابلهم ريناد، ابتلعت ريقي وهن يحدقن بي، تفحصتني وئام من أعلى لأسفل ثم وثبت وه تقول:
-نداء!!!!
أومأت راسي وقد شعرت بحنين للماضي، فتسللت مني دمعتين، في حين أخذت ريم الطفلة من يدي وضمتني وئام بحبور وهي تقول بضحك ومرح:
-عرفتها من طولها…
ضحكت من خلف عبراتي مرددة:
-قصدك من قصري.
ضحكن جميعًا…
وبعدما سلمت عليهن، جلست وكنت أرمق ريمان وبطنها المنتفخ أمامها، كانت تتحدث عن صعوبة الحمل وصعوبة الحياة، قالت:
-انا لو أعرف إن الجواز كده مكنتش اتجوزت.
-لا وكنتِ مستعجله أوي كمان.
قالتها وئام ساخرة، فردت ريمان ظهرها وتحسيت بطنها بتاوه مصطنع ثم سألتني:
-وإنتِ اتجوزتي ولا لسه يا نداء؟!
تنحنحت وقلت:
-لا لسه…
قالت بضحك:
-طيب نصيحة مني بقا متستعجليش خالص…
ابتسمت ورمقتها بطرف خفي، لازالت ريمان جميلة وجذابة رغم زيادة وزنها، تسائلت هل تزوجت من رائد؟! وهل تحمل طفله بين أحشائها؟ وددت لو أسأل ذلك السؤال ولكني امتنعت لسبب ما!
قالت ريناد بغلظة مغلفة بالغيرة:
-احمدي ربنا على الأقل جوزك راجل محترم وبيتمنالك الرضا أما أنا باخد فوق دماغي ومضطره أحط جزمه في بوقي واسكت… كلكم محظوظين إلا أنا حظي نحس.
مالت وئام علي وقالت:
-بقولك ايه تعالي نسلم على هيام ونتكلم شويه بره أصل دي ممكن ترشقك عين تجيبك الأرض.
ابتسمت وخرجت معها وحين رأيت هيام تعانقنا باشتياق وقالت:
-أنا آسفه والله اتشغلت عنك الفتره اللي فاتت…
قلت:
-ولا يهمك يا حبيبتي المهم حمد الله على سلامتك.
مر الوقت سريعًا وأسدل الليل ستارة وامتلأ البيت بأفراد العائلة، كنت أتجنب الجميع وأجلس بمفردي بإحدى الغرف تناهى إلى سمعي صوت يحيى المرح:
-لا لا بلاش شمع أنا عندي فوبيا من الشمع!
ضحك الجميع وضحكت حين تذكرت حفل زفافه على وئام، وقال رائد بضحك:
-إن شاء الله هنعالجلك الفوبيا دي النهارده.
-لا شكرًا أنا هعالج نفسي ركز إنت مع نفسك يا عم ملكش دعوه بيا.
دخلت هيام علي الغرفة وقالت:
-إنتِ قاعده لوحدك ليه يا بنتي! تعالي بره اتصوري معانا…
قلت بتلعثم:
-لـ… لأ خليني هنا… هـ… هعمل مكالمه وأبقى أخرج.
تظاهرت أنني أطلب رقم أحدهم فجلست هيام قبالتي ووضعت ملابس تخص طفلتها أمامي وسألتني:
-إيه رأيك في دول؟!
وضعت هاتفي جانبًا وأخذت أتفقد الملابس فقد سحرني جمال تصميمها، قلت:
-تحفه يا هيام… جيباهم منين؟
عدلت هيام من ملابسها وقالت بزهو:
-تصميمي وتفصيلي… بجد حلوين؟
-والله روعه… إنتِ موهوبه يا بنتي… تصدقي تنفعي مصممة أزياء.
قالت هيام ببهجة:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-الخطه الجايه ان شاء الله.
جذبتني هيام من يدي وهي تقول بحمـ ـاس:
-طيب يلا تعالي بره.
سحبت يدي منها بلطف وقلت بتلعثم:
-خـ… خليني هنا.
طالعتني هيام بابتسامة فاترة ثم قالت بمكر:
-فهمت! إنتِ مكسوفه من رائد صح؟!
ابتلعت ريقي باضطراب وأطرقت في صمت، أنقذني من إجابة سؤالها دخول وئام للغرفة، قالت:
-ما تيجي نقف في البلكونه نتكلم شويه يا نداء…
خرجت معها لأهرب من نظرات هيام العابثة، فقالت هيام:
-ماشي هروح أشوف جوزي وأجيلكم…
أطبق علينا الصمت وكانت ترمقني بين لحظة وأخرى بابتسامة، فسألتها عن أخبارها وما الذي جرى معها بعد حوار الثعبان، تنهدت بعمق وقالت:
-سافرنا اسكندريه وقضينا أجمل أسبوع في حياتي وبعدين رجعنا… عايزه أقولك قابلنا مشاكل كتير… لكن كله بيعدي الحمد لله.
قالتها وئام وضحكت، فقلت بعد تنهيدة:
-كنت متأكده إنك هتعاني يا وئام… الست مهما كانت بتحب جوزها بتتمنى يكون ليها خصوصيه وبيت مستقل هي الملكه فيه ومحدش شريكها، صح؟
أومأت وئام رأسها وقالت وهي تقلد حركات يحيى:
-صح ودا كان سبب مشاكلنا كنت كل ما أتنفس يقولي هوووش ماما وبابا بره!
تنهدت وئام بعمق وأكملت:
-يحيى كان ممكن يأجرلنا شقه لكن هو اللي مكنش عايز يسيب أهله…
نظرت بعيني واسترسلت:
-يحيى بار بأهله لأقصى درجه ومش بيطلب مني أعملهم أي حاجه هو اللي بيعملهم كل حاجه… تعرفي بسمع حماتي تدعيلي ربنا يرزقني بابن زي يحيى وزوجة ابن زيي فبتكسف من نفسي لأني ببقا مضايقه أحيانًا من حياتي معاهم… وبعدين خلاص بقا اتعودت على حياتي كده.
قالتها بابتسامة، فابتسمت وقلت:
-ربنا يسعدك يا وئام.
ربتت على كتفي وقالت:
-يارب… احكيلي إنتِ بقا حياتك عامله إزاي؟
خشيت أن تسألني لمَ رفضت رائد لكنها لم تفعل ولم تذكره مطلقًا تحاورنا كثيرًا حول حياتها وحياتي وكدت أن أسألها عن رائد ولكن تناهى لمسامعي صوته يناديها من أسفل البناية، لم أنظر نحوه ولم أره بل سمعت صوته:
-نادي لـ ريمان.
أدخلت وئام رأسها من باب الشرفة وصاحت:
-ريمان كلمي جوزك.
دكت جملتها قلبي دكًا، دارت رأسي وتبددت آمالي! وتناثرت أحلامي! هل كنت أظن أنني داخل رواية ما وسينتظرني البطل ليكون لي! حاولت التظاهر بلامبالاة، سمعت صوت ريمان:
-هو فين أنا بدور عليه أصلًا…
-انزلي هو تحت…
قالتها وئام وسمعت صوت رائد مرة أخرى:
-وانزلي يا وئام كلمي يحيى عشان عايز يمشي.
قالت:
-يمشي!!! لسه بدري!
استأذنتني وئام وغادرت، بينما وقفت أشيع خيالاتي وأمنياتي وأحلامي التي عشت بين سطورها لسنوات، أما هو فقد تزوج هو من ريمان وهي الآن تحمل طفله! ترقرقت الدموع بمقلتي، تشنج فمي ثم توغلت لداخل الشرفة بعيد عن بابها كي أكون في منأى عن الأنظار وانفجـ ـرت باكية، خاطبت نفسي بنبرة قاسية:
-تستاهلي… تستاهلي كسرة قلبك دي… روحي بقا عيش في خيالاتك وأحلامك اللي مش هتحصل أبدًا.
حاوطت صدري بذراعي وكأنني أحتضن نفسي وأخذت أربت عليهما وأنا أرتشف دموعي مرددة:
-اهدي… اهدي… قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا… ولو ده عقابي عشان فكرت في حد مش حلالي فأنا راضيه.
باغتني صوت فتى:
-تعرفي إن إنتِ وحشتيني…
التفتت إليه فإذا به عمرو، جففت دموعي في سرعة وتظاهرت بالإبتسامة ناطقة:
-عامر؟!
غمز لي قائلًا:
-أنا مش عامر أنا عمرو.
لاح على شفتي ابتسامة وقلت:
-كبرت يا عمرو اللهم بارك…
-أمممم… وبقا عندي ١٢ سنه.
-المهم تدفعي كام وأقولك سر…
ضحكت متظاهرة بالمرح وأنا أردد:
-مهما طال الزمن ودار هتفضل طول عمرك مادي جشع…
قهقه ضاحكًا وران بيننا الصمت فسألني:
-هو أنا مش هشوف وشك تاني بعدما لبستِ النقاب؟
قلت بمرح:
-تدفع كام؟
-دا أنا أدفع عمري كله وأشوفك… متعرفيش أنا بحبك أد إيه… إنتِ زي وئام وهيام بالضبط.
اتسعت ابتسامتي، وقلت مغيرة دفة الحوار:
-أومال فين عامر مش معاك ليه؟!
تجهمت ملامحه فجأة ووضع كلتا يديه بجيبي بنطاله وقال في شجن:
-هو إنت متعرفيش إن عامر فقد بصره؟!
اتسعت حدقتاي دهشة وقلت:
-فقد بصره؟! إزاي؟
أطلق تنهيدة طويلة وقال:
-من حوالي شهر صحي من النوم مش بيشوف… ماما بتقول إن رائد حصله كده زمان ولفوا بيه كتير… وبعدين والد أبيه يحيى قرأله قرآن وبعد فتره صحي من النوم لقى نفسه بيشوف تاني لوحده كده…
-معقوله!!
قلتها بخفوت ودهشه وأنا أنظر أمامي، ثم سألته:
-طيب هو فين؟ عايزه أشوفه.
استعاد مرحه قائلًا:
-تدفعي كام؟!
لكزته بذراعه فقال بضحك:
-خلاص خلاص المره دي مجانًا… بصي هناك.
نظرت محل ما أشار بسبابته أمام البيت كان عامر جالسًا جوار فتاة من نفس عمره أو أصغر بقليل، فتاة جميلة بشعر قصير مشذب بعناية، وملامحها جميلة، سألت عمرو:
-مين دي يا عمرو؟
-دي بقا «تقى»… مش بتسيب عامر إلا ساعة النوم بتقعد تقرأله كتب وروايات وحكايات… وواضح إن بينهم قصة حب…
استنشق عمرو الهواء وقال:
-إنتِ مش شامه الريحه؟
رفعت نقابي قليلًا لأستنشق رائحة الهواء، سألته:
-ريحة إيه؟
-ريحة الحب بتهفهف في المكان…
قهقه ضاحكًا فضحكت، قال من خلف ضحكاته:
-استنيني هنا لحظه هجيب حاجه وأرجعلك.
نظرت لأسفل حين تناهى لسمعي صوت شجار صالح وريناد، وكان اخي نادر يحمل رحمه ويربت على ظهرها لأنها تبكي من نزاع والديها، وآدم انحنى لمستوى رغدة الصغيرة وضمها وهو يربت على ظهرها…
والبقية يحاولون فك الشجار! فيوميًا ينشب بينهما شجار! وبعد فترة غادر صالح معها ومع ابنتيه….
وتنهد الجميع في ارتياح…
وقفت وئام جوار يحيى وخاطبته بنزق:
-مش هنمشي دلوقتي يا يحيى لسه بدري!
غمز لها قائلًا بمرح:
-قلب يحيى من جوه… زعلانه ليه؟ إوعي تزعلي نفسك احنا هنبات هنا الليله دي…
قال رائد بمرح:
-تباتوا فين؟! يلا يا بت خدي بنتك وامشي مع جوزك…
خرجت هيام للشارع وسألت محمد أن يعطيها طفلتها لكنه رفض أن يتركها، وأخذ يقبل الرضيعة، ضربته بخفة على ذراعه هادرةً:
-قولنا بلاش بوس عشان الهربس.
قال بضجر:
-إنتِ هتمنعيني أبوس بنتي يا هيام!!!
جذبت الرضيعة من يده وهي تقول:
-إوعي كده هات البنت خليني أدخل…
أخذتها وهرولت للداخل ودلف هو خلفها يتوعدها بمرح…
من ناحية أخرى رأت ريم رامي الذي يقبل نحوها حاملًا ابنهما «أيان»، شهقت بصدمه وهدرت به:
-إنت جبتله أيس كريم تاني يا رامي!!!
-ايه يا مسكر مزعله نفسك ليه؟ سيبي الواد يتدلع ما احنا يامه ادلعنا…
ثم حاوط كتفها وأخذ يهمس لها وهي تبتسم…
دوى صوت شيرين من داخل البيت:
-انتوا واقفين في الشارع ليه؟! تعالوا يا ولاد جوه.
تجولت عيني بين الجميع بحثًا عن رائد وريمان، فالتقط بصري ريمان التي كانت تقف جوار يونس! وتمسك يده ثم ركبت السيارة ولوحت للجميع قبل أن يغادرا! مما أثار تعجبي؟! وتسائلت ورائد أين؟ هل تزوجت ريمان من يونس!
وأخيرًا رأيت نادر وآدم وعمرو يتهامسون، وعمرو يشير نحو شرفتي قبل أن يلجوا للبيت مما أثار قلقي وأنا أتسائل على ماذا يتفق هؤلاء الفتيه؟!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
-مش تقوليلي إنك مش أميره!
انتفضت أثر صوته، فوضعت يدي على قلبي، قال بابتسامة:
-أسف… أسف… اتخضيتي؟
-أ… أ… هـ… هو بابا وماما فين؟!
-إيه ده مفيش ازيك يا رائد عامل ايه ولا أخبارك ايه؟!
أطرقت بحياء فقال:
-على العموم مبارك النقاب… فرحت جدًا لما شوفتك بيه…
استند على سطح سور الشرفة واستطرد:
-تعرفي إن أنا كنت دائمًا بدعي ربنا إن زوجتي تكون منتقبه!
طالعني وملابسي لبرهة ثم قال بدون مقدمات:
-نداء! أنا طلبت ايدك من عمي رشدي… تقبلي تتجوزيني؟
صمتت هنيهة ثم رفعت بصري لأطالع وجهه تأملت ملامحه للحظات، ونظرت بعينيه كما تخيلت في روايتي، ولم أشعر بالدموع التي انحدرت من مقلتي، فأغرقت نقابي لا ادري أمن فرحتي أم من شوقي إليه؟! أطرقت وخلعت نظارتي، سألته بحشرجة:
-كنت فين ٣سنين؟!
أخرج منديلًا ورقيًا من جيبه وأعطاه لي ثم قال:
-لما رفضتيني مره واثنين حسيت إنها اشاره من ربنا… وإنها فرصة تانيه عشان أسافر وأشتغل وعشان أقدر أتحمل مسؤولية الجواز… استودعتك عند ربنا وقولت لو لينا نصيب هرجع ألاقيكِ مستنياني.
ران بيننا الصمت، قطعته حين قلت:
-مش أنا قولتلك زمان إن إنت عقابي!
قال بابتسامة:
-وأنا قولتلك إن أنا عمري ما كنت ولا هكون عقابك…
ابتسم فابتسمت وباغتنا صوت إغلاق باب الشرفة علينا، قال رائد بذهول:
-إيه ده!!!
رنى من الباب وقال وهو يحاول فتحه:
-دا أكيد عمرو… افتح يا واد يا عمرو…
حاول رائد سحب الباب حتى فتحه أحد من الخارج، غمز لي عمرو وبدلت نظري بين الجميع، فقال والدي بمرح:
-حيث كده بقا ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب…
تعالت ضحكات الجميع فنظر لي رائد بابتسامة أطرقت بحياء، فقال:
-نسيب العروسه تصلي استخاره الأول يا جماعه… وبعدين نصلح غلطتنا… واللي اتكسر يتصلح إن شاء الله…
كان يقصد خطئنا بداية من كلامنا عبر الهاتف ونظراتنا لبعضنا، وخطئي أنا حين أطلقت العنان لخيالي…
★★★★
وصل يحيى للبيت ودخل غرفته بعدما اطمئن أن والديه في سبات عميق.
تنحنح يحيى بخفوت وهو يجلس جوار وئام ثم مال على أذنها وقال بهمس:
-إحنا محتاجين نعمل تلت حاجات…
التفتت له وئام فأضاف:
-أولًا ننيم مريم وثانيا نصلي القيام و…
رفعت وئام سبابتها قائلة بحزم:
-متقولهاش عشان ثالثًا دي غالبًا بيجي بعدها كارثه…
لكزها في ذراعها وقال:
-بطلي تشاؤم… وبعدين إنتِ فهمتيني غلط أنا أقصد ثالثًا بقا ننام لأني مرهق…
قالت بتعجب مشوب بالسخرية:
-مرهق!!!
جذب يحيى ابنته صاحبة العام من أعلى الفراش وقال بمكر:
-اه مرهق…
ثم خاطب ابنته بحب:
-يا مريم… يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين…
اتسعت ابتسامة وئام وقالت بحب:
-هو أنا قولتلك قبل كده إني بحبك؟!
-ياه كتيـــــر… وأنا رديت عليكِ وقلت إني بحبك أكتر بكتير بحبك بعدد النجوم في السماء.
قالت بنزق مصطنع:
-لا بقا أنا اللي بحبك أكتر…
-أد إيه؟
غمزت له قائلة:
-أد البحر وسمكاته.
ابتسم يحيى وقال:
-بس لو فكرنا بالعقل هنلاقي إن أنا بحبك أكتر… وممكن أعمل اي حاجه في الدنيا عشان أسعدك.
قلبت وئام مقلتيها وقالت بمكر:
-أي حاجه أي حاجه؟!
أومأ يحيى قائلًا وهو يوقع كلماته:
-اي حاجه!
حمحمت وئام وقالت متخابثة:
-طيب لو قولتلك تغير لمريم عشان عامله بيبي؟!
-لو ده هيثبتلك إني….
صمت لبرهة وكأنه يفكر، فسألته:
-إنك إيه؟!
وثب يحيى وهو يحمل الطفله متجهًا بها نحو المرحاض، والتفت لوئام بحركة درامية وهو ينزع حفاضة الصغيرة قائلًا بهمس قوي:
-بحبــــــــك.
انفـ ـجرت وئام ضاحكة وهي تردد:
-مجنون…
★★★★★★
جذبها ضياء من يدها ووقفا في ركن بعيد عن الأنظار ليهدر بها:
-أنا مش هسمحلك تدمري حياة عامر! وإن مفكتيش السحر ده هروح أحكي لأخوكِ على كل حاجه…
-طيب ما إنت عملت لرائد ومفكتهوش…
-بس توبته يا داليا والحمد لله رائد اتفك بقدرة ربنا.
قالت داليا بحقد:
-ليه دياب يكون سعيد وأنا لأ… ليه عياله يكونوا أحسن من عيالي… ليه يخلف هو ولاد وأنا مخلفش إلا بنات!! ليه أنا جوزي يموت وهو عايش مع مراته.
أكملت بضيق:
-نسيت يا ضياء إن أخوك ده ضحك علينا وكل ورثنا وحقنا…
هدر بها ضياء بحزم:
-يا بت نضفي قلبك إحنا كبرنا يا داليا بقت رجلينا والقبر!.. دياب مأكلش حقنا! دياب أعطانا حقنا وزياده… دياب أخونا الكبير وطول عمره واقف في ظهرنا احنا اللي غلط…
أطلق ضياء ضحكة كالزفرة وقال:
-إنتِ بتعاقبيه في عياله وكل مره يصبر ويرضى… بصي عليه شوفيه رغم حالة عامر بيضحك ومتعايش وراضي…
ربت على كتف أخته وقال:
-فوقي يا داليا ومتكرريش غلطتنا زمان….
لم ترد عليه فغادر ضياء بعدما قال:
-فوقي بدل ما ربنا يعاقبك في بناتك… فوقي قبل ما يحصلنا حاجه تانيه… كفايه موت رغده… وكفايه اللي عملوه صالح وريناد فينا…
نظرت داليا لعامر الذي يجلس جوار تقى التي تروي له الحكايات وهو يبتسم، ثم نفخت بضجر….
عاد ضياء لبيته ليجد فاطمة زوجته تجلس أمام التلفاز، قالت باستخفاف:
-السبوع خلص؟
-أيوه… قولتلك تعالي معايا بس مبقتيش تسمعي كلامي…
-أجي فين أنا أصلًا مش طايقه شيرين ولا عيالها…
-نضفي قلبك بقا يا فاطمه وبطلي غل…
-غل!! الله يسامحك يا ضياء…
لوح ضياء بقبضته في الهواء بضجر ودخل لغرفته في حين نظرت فاطمة أمامها فهي تكره شيرين وتغار من حياتها؛ زوجها واحترامه لها واولادها وطاعتهم لها وبناتها وحظهم من الزواج، كم تمقت حياتها فقد تزوج عليها زوجها دون اخبارها، واضطرت أن تعود للعيش معه فلا تمتلك مكان أخر! وأولادها يعاملونها بجفاء، وزوجاتهما يملأ الخبث قلوبهما، حتى ابنتها ريم سرقتها شيرين منها، وابنتها التي كانت حبيبة قلبها مـ ـاتت! انهمرت الدموع على صفحة وجهها وأخذت تدعو لرغده بالرحمة، وترتشف دموعها ولازالت بمفردها محدثة نفسها بأنه كتب عليها الوحده…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
كان محمد قد اشترى شقة قبل زواجه من هيام تبتعد عن بيت والده مسافة عشر دقائق بالسيارة.
وبعد مرور إسبوع كامل…
كانت هيام تجلس على مكتبها ترسم تصميمًا جديد للبس الأطفال وهي تغني بصوتها الذي لا يستلذ وتصرخ بين حين وأخر كلما اندمجت بالأنشودة، ركض إليها محمد وقال وهو يصر على أسنانه بغيظ:
-بالله عليكِ يا ست أم كلثوم توطي صوتك البنت نامت! وأنا كمان نفسي أنام….
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
رمقته هيام شذرًا وقالت بدلع وهي تبرم خصلات شعرها:
-متقلقش بنتي متعوده تنام على صوتي… وهي أكتر حد بيشجع موهبتي أصلًا… كل لما أغنيلها تنام ودا دليل على جمال صوتي الرنان….
قال بخفوت وهو يحك عنقه:
-الله يكون في عونها والله…
رفعت ذقنها لأعلى وقالت ساخرة:
-خليك إنت كده مش مقدر قيمة الجوهره اللي معاك..
قبل محمد رأسها وقال بابتسامة:
-أحلى جوهره في الكون كله… أنا بس يا حياتي محتاج منك توطي صوتك شويه صغننين وتمارسي موهبتك براحتك.
-طيب اسمع كده الكوبليه ده…
وقفت هيام وأخذت تلوح يدها باندماج وهي تغني:
-حبيبي يا عمري أنا كلي جراح لو كنت حبيبك وديني عند أمي أرتاح…
زم محمد فمه وقال:
-أمممم قولي بقا إنك عايزه تروحي عند ماما وبتزهقي فينا بصوتك ده عشان نطلق سراحك… لكن انسي…
-تمام وانسى بقا إني أسكت…
جلست هيام مجددًا وأخذت تصرخ مغنية:
-جبـــــــــــــــار….
أطبق يده على فمها وقال بنفاذ صبر:
-بكره الصبح هوديكِ ومتجيش إلا بعد فرح رائد..
ابتسمت هيام وأزاحت خصلات شعرها عن وجهها وهي تقول بنصر:
-خلاص ماشي يا حياتي… روح نام بقا ومش هتسمع نفسي.
جذبها محمد من يدها وقال:
-رجلي على رجلك عشان أطمن إني مش هصحى تاني على جبار جبار…
ضحكت هيام وسارت معه لغرفتهم وهو يضحك بخفوت ويهز عنقه مستنكرًا منها ومن تصرفاتها تلك…
★★★★★★
«نداء»
مرت الأيام وتطايرت تطاير الدخان…
وفي ذلك اليوم السعيد استيقظت من نومي أثر نقرات العصافير زجاج نافذتي وأصوات شقشقاتهم تتناغم وتداعب أذني، إنها نفس العصفورة التي كنت أضع لها الطعام.كل يوم، واليوم تأتيني هي وزوجها وابنتها أو هي وابنتيها لا أدري! وكأنها تُعرفني على عائلتها، ابتسمت وأنا أطالعها بكثير من الحب، طالعت فستان زفافي المعلق على مخدع ملابسي، وقد انعكس ضوء الشمس على أكمامه المرصعة بالفضة وصدرة الامع، وكان جواره حجابي ونقابي وأسفله يقبع حذائي الذي سأرتيه اليوم.
يوم زفافي على من اختاره قلبي، ومن عوقبت به لأعوام وحلمت به ليالي وأيام…
انتبهت أثر فتح أمي لباب الغرفة واندفاعها للداخل، قالت:
-كويس انك صاحيه يا نداء قومي يلا خالتك وخالك على وصول…
-حاضر يا ماما…
خرجت والدتي في حين نظرت نحو النافذة للعصفورة التي تحلق أمامها، سأفتقدها! تجولت عيني بغرفتي سأفتقد كل شيء هنا، فراشي ومكتبي وأوراقي وجميع ذكرياتي…
سأنبه على نادر أن يضع الطعام للعصافير بشكل يومي، جذبني من موجة أفكاري صوت والدتي:
-يا نــــــداء.
وثبت من فوق الفراش وأنا أردد:
-حاضر… حاضر يا ماما.
*****
مرت الساعات المتبقية وها أنا أقف في غرفتي أسمع صوت خطواته وهو يدنو منها ليأخذني لبيتي الجديد وعالمي الواقعي الذي سنصنعه سويًا…
دخل للغرفة كنت أشعر بدقات قلبه المتواثبة، كنت أرى الإضطراب يُطل من عينيه، تفحصني بعينيه وطالع عيني اللتان لا يظهر سواهما ثم أسدل طبقة رقيقة من القماش ليخفي عيني وانحني نحوي هامسًا:
-مش عايز حد يشوف جمال العيون اللي فتنتني دي غيري.
ارتعش فمي معلنًا عن ابتسامة اختفت خلف نقابي، تأبطت ذراعه وسرنا معًا لنقطع دروب الحياة سويًا.
وصلنا أمام بيته اقصد بيتنا، كنت أسمع أصوات الزغاريد ونقرات الدفوف بينما أطالع فرحته من خلف الستار وابتسم فرحًا..
مر الوقت ودخلت شقتي وأغلق بابنا، لتبدأ حياتنا ولينتشلني من سدفة الخيال إلى ضوء الواقع حيث أنا وهو فقط لأنهل من حبه وينهل من حبي…
وقبل أن يتنفس الصباح فتحت جفوني، نظرت جواري فإذا به يُطالعني بحب، وحين تلاقت نظراتنا ظننته سيتغزل بي لكنه قال بابتسامة:
-قومي نصلي الفجر قبل ما الشمس تطلع.
وبعدما صلينا الفجر سمعت أصوات زغاريد فقلت بضحك:
-رائد هما بيزغردوا من الفجر ليه؟
ضحك وقال:
-مش عارف استني ارن عليهم…
طلب رائد رقم والدته وما أن سألها وأجابته قال بفرحة:
-الحمد لله… اللهم لك الحمد والشكر…
ثم خر ساجدًا لله، وأطال السجدة، وحين رفع من سجوده مسح وجهه ودموعه فسألته بفضول:
-ايه اللي حصل؟
قال لاهثًا بفرحة:
-عامر رجعله بصره… وعمتي داليا من فرحتها عماله تزرغد.
وثبت مكاني وقلت بحمـ ـاس:
-دا أنا اللي هزرغد دلوقتي… الحمد لله ربنا استجاب دعواتي…
ضمني رائد بسعادة وردد:
-الحمد لله كده بقت فرحتي فرحتين…
جذبني من يدي ووقفنا نطالع الأفق عبر النافذة حيث قبل الإسفار وحيثت يختلط الظلمة والضوء معًا، وقبل أن تشق الشمس الأفق حاوط خصري بذراعه وقال بابتسامة:
-يا لها من سدفة رائعة…
سندت رأسي على كتفه وابتسمت والسعادة تغمر فؤادي، رددت بخفوت:
-حقًا إنها سدفة نهار رائعة…
لن أقول النهاية فالنهايات ما هي إلا بدايات جديدة لأحداث أخرى…
★★★★★★
مشهد أخير لبداية جديدة
وبعد عشرة أعوام
-يارب أنا مش عارفه أروح ولا لأ… يارب اديني إشاره وأنا هفهم…
قالتها فتاة نحيفة القوام، لم تبلغ سن العشرين، بعدما خرجت من بيتها مهرولة لتلحق موعدها، لم تلبث أن أنهت جملتها حتى سكبت إحدى الجيران المياه على رأسها وغرقت ملابسها بالكامل، صرخت، ونظرت لأعلى ملوحة يدها بضجر وهي تقول:
-مش تفتحي يا….
وبمجرد أن رأت شيرين ابتلعت باقي كلامها وصمتت، في حين شهقت شيرين وقالت:
-لا مؤاخذه يا سراب والله ما شوفتك يا بنتي…
أطل عمرو من الشرفة وقال بضحك وسخرية:
-هتشوفيها إزاي يا ماما وهي أصلًا سراب!
رمقته سراب شزرًا وكادت أن ترد عليه لولا ظهور نداء التي نادتها:
-سراب…
انتبهت لها سراب فقالت نداء:
-سمعت من تقى إنك بتشربي سنامكي ومش بتاكلي كويس عشان تخسي!
-بصي يا أبله نداء نتكلم بعدين لأني متأخره أوي.
أومأت نداء وتركتها على وعد باللقاء والحديث مرة أخرى، فهرولت سراب لداخل البيت وهي تدبدب بقدميها في الأرض وتردد بهمس:
-ماشي يا تقي… بتشتكيني للجيران!!
سرعان ما بدلت سراب ملابسها وخرجت مرة أخرى في عجاله وهي تردد:
-يارب اديني اشاره لو المشوار ده مش خير وأنا هرجع فورًا…
لم تلبث أن أنهت جملتها وقطع نعل حذائها بالكامل، فعادت للبيت مرة أخرى وسرعان ما ارتدت حذاء أخر وخرجت تهرول لتلحق بموعدها وهي تردد:
-أكيد صدفه طبعًا… يارب أعطيني إشارة واضحه يارب أنا بدأت أقلق.
وبمجرد أن أنهث جملتها سمعت صوت يهدر من خلفها:
-متروحيش يا حماره… يالي مبتفهميش متروحيش…
التفتت وطالعت الرجل الذي نطق بذلك ولوحت يدها بوجهه في ضجر هادرة به:
-إنت بتشتم ليه يا عم إنت!!
قال الرجل بعصبيه:
-وأنا هشتمك ليه هو أنا كنت أعرفك… أنا بكلم بنتي على التلفون…
نظرت للهاتف بيده ثم استدارت أمامها وحاولت تهدئة نفسها، ناطقة في اضطراب:
-أكيد صدفه… صح! هي صدفه.
تجاهلت كل الإشارات وتنفست الصعداء ثم أطلقت ساقيها لتذهب حيث تنتظرها مفاجأة لم تتوقعها، قالت وهي ترنو إلى حتفها:
-يلا توكلت على الله يارب يسر لي أمري…

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا