رواية ومضة الفصل السابع عشر 17 بقلم ميرنا ناصر
رواية ومضة الفصل السابع عشر 17 هى رواية من كتابة ميرنا ناصر رواية ومضة الفصل السابع عشر 17 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ومضة الفصل السابع عشر 17 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ومضة الفصل السابع عشر 17
رواية ومضة الفصل السابع عشر 17
كان ممتاز يهدي من روع صادق الذي لأول مره ومن خلال الحديث يقوم بالقـ ـتل... ورجعت سمعت الحديث بينهم...
ممتاز: يابرودك يا أخي.. ولا كأنك قا تل لك تلاته قاعد ومكمل تأمل الله يقوي من إيمانك.
منتصر بقهقه ايه ياممتاز المنظر بذمتك مش مموتك من منبهر!.. لا هو منظر صادق مموتني من الضحك.
صادق بخوف: " أنا أهرب أوزع منشورات، أهرب من البُعده دول لكن اقـ ـتل يا منتصر لا.. أنا هتحاسب من ربنا. "
منتصر بغضب يمسكه من ياقه قمصيه: "ياد انت متخلف؟ ولا عبيط ولا ايه حكايتك انت عارف احنا بنقتل مين؟! بنـ ــقتل الانجليز اللي محتلينك بلد وواكلين خيرها وسارقين ارضك، ومغتصبين عرضك وبياخدوا عرقك ... وفي الأخر يحبـ ـسوك ويهنوك؟! هو ربنا هيرضى بده؟! ولما أنت مش عارف ولا هتستحمل وتبقى فد ائي أومال بتوزع منشورات تسخن وتحمس الناس على المقا ومة ليه؟ ولا هو اي كلام علشان نبقى أبطال وخلاص؟."
ممتاز يمسك منتصر وينقذ صادق من قبضته : "هيمـ ـوت في ايدك كفايه... اللي مو تهم."
صادق بغضب: "سيبه علشان..هو واخد كل حاجه بدراعه...تقدر تقولي إن شاء الله جثـ ـث الكلاب دول هنحطهم فين."
اخرج منتصر من جيبه سجائر كانت شكلها غريب عن وقتنا الحالى وقام بالتنفيس بيها... ثم نظر إليهم وتحدث بذكاء وهدوء: هنجيب أي جثـ ـث ندفنها في المكان السري ده..
صادق وصوته عالٍ: "انت بتفكر إزاي بجد!! ..انت مجنون...احنا عارفين احنا فين؟!."
ممتاز بهدوء: " يا صادق اهدى احنا في مكان غريب وصوتك بيعلى... خلينا نفهم منتصر عايز يقول ايه."
منتصر بهدوء: "نقـ ـتل ونجيب الجثـ ـث هنا علشان ميكونش في دليل علينا هناك."
صادق بغضب: "برضو هيقولي هنا.. احنا عارفين احنا فين... احنا قتـ ـلنا ست جنود من الانجليز انت فاهم في ست جنود موجودين في المكتبه اللي أبوك زمانه مقبوض عليه ومعد وم في ميدان عام."
ممتاز: "منتصر..احنا فعلا احنا منعرفش احنا فين...اللي حصل ولا السيما..تخيل إحنا مدخلين الجثـ ـث المخزن وفجأه بنحاول نشوف حل وصادق لمس اللوحه وهو بيحسس لأنه مش شايف ندخل في ممر وصوت غريب وندخل هنا."
منتصر: "عفريت أزرق أيًا كان دا سحر ولا مكان تاني ولا عالم سڤلي زي ماكنا بنسمع حواديت ستي وستك...دا رزق نقـ ـتل ونجيب هنا."
.
صادق: "برضو هيقولي نقـ ـتل.."
منتصر بغضب: "انت ايه ياض مبتفهمش!! احنا اللي قتـ ــلناهم سته..هنقـ تل سبعين ياسيدي ألف
..في ٤٠ ألف دخلوا بيهم القناة وبلدك
احنا بُعاد قوي يا صادق بُعاد.."
صادق: "ولما احنا بُعاد..يبقى نقـ ـتل ليه!.."
ممتاز يفصل بينهم : "بنخوفهم.. بنزرع في قلوبهم الخوف.. واإنا بنـ ـقاوم بكل ما فينا.."
منتصر : "وعندك بقى لما ميلاقوش جثـ ـثـهم خالص...ساعتها الجنود هتترجم عادي جدًا انهم رجعوا لمخروبتهم."
شعرت وكأن الزمن توقف، ودارت الأسئلة في رأسي بسرعة البرق...مقا ومون... أبطال؟! كان جدي بطل يقا وم ويدافع عن وطنه.
رأيت صادق يجلس على الأرض، يائسًا ومضطربًا، بينما يحاول ممتاز تهدئته بكلمات هادئة، وبرغم ذلك كنت أرى الحزن والخوف في عينيه. منتصر، بملامحه الصارمة ولكنها مليئة بالعزم، كان يحاول أن يبين لصادق أن ما يفعلونه هو من أجل قضية أكبر.
صادق (بصوت منخفض): "مش قادر أفهم... إحنا بنحارب عشان نحرر بلدنا، بس... القـ ـتل؟ مش هو الحل. أنا مش عارف أعيش مع ده."
ممتاز (يجلس بجانبه بهدوء): "صادق، الحـ ـرب عمرها ما كانت سهلة. كلنا بنتغير فيها، وكلنا بنعمل حاجات ما كناش نتخيل إننا نعملها. بس لازم نفكر في الصورة الكبيرة. إحنا مش بنـقـ ـتل عشان ننتقم، إحنا بنـقـ ـتل عشان نحمي اللي بنحبهم."
منتصر (بصوت هادئ لكنه حازم): "صادق، أنا مش هقولك إن اللي بنعمله سهل أو إنه ما بيأثرش فينا. كل واحد فينا شايل جرحه، وكل واحد فينا هيعيش مع اللي عمله. بس لو ما وقفناش، مين هيوقف؟ لو ما حار بناش، مين هيحـــ ـارب؟
صادق: "بس... أنا خايف. خايف من اللي ممكن يحصل. خايف من اللي ممكن نبقى عليه."
منتصر (يضع يده على كتف صادق): "الخوف طبيعي، يا صادق. كلنا خايفين. بس الشجاعة مش إنك ما تخافش، الشجاعة إنك تواجه خوفك وتكمل."
ممتاز (بابتسامة خفيفة)"وأنا معاك، يا صادق. مش هسيبك تعدي ده لوحدك."
في تلك اللحظة، شعرت أن هناك رابطًا قويًا يجمع هؤلاء الثلاثة. رغم اختلافاتهم وصراعاتهم، كانوا متحدين بهدف واحد. لكنني لم أستطع تجاهل الشعور بأن هناك شيئًا أكبر ينتظرهم، شيئًا سيختبر قوتهم ووحدتهم...علمت أن هذه البداية عندما كان جدي صادق خائفًا وتحسس الجدار واللوحه سحبتهم إلى المملكة...ومن هنا أتت فكر دفن
الجثـ ـث..
أخذت نفسًا عميقًا وأخرجت الخاتم من جيبي، نظرت إليه وهو يلمع بضوء غامض يكاد يعكس كل المشاعر المضطربة داخلي. بدأت بلمسه ثلاث مرات، ومع كل لمسة كان الخاتم ينبض وكأن له حياة خاصة. شعرت بطاقة غريبة تسري من أطراف أصابعي إلى داخلي.
فجأة، بدأ الخاتم في التضخم، حجمه يزداد بسرعة، وكأنه يتنفس ويتحول إلى بوابة عملاقة أمامي. اندفعت قوة هائلة جذبتني نحوه دون أدنى مقاومة. شعرت وكأنني أُبتلع داخل دوامة مضيئة، مليئة بألوان متداخلة كأنها تنبض بالحياة.
كنت أتحرك بسرعة داخل ممرات مهيبة، جدرانها تهتز وتتماوج كأنها تنبض بالأسرار. كانت الأصوات المرعبة والهمسات الغريبة تملأ الأجواء، وكأنها تحاول أن تحطم شجاعتي. رأيت ظلالًا متحركة تظهر وتختفي بسرعة، أحاول أن أتمسك بثباتي وسط كل هذه الفوضى.
فجأة، شعرت باندفاع قوي، وكأنني أُقذف عبر الفضاء. بدأت الألوان تتلاشى تدريجيًا، ووجدت نفسي في الممر الأصلي مرة أخرى. حاولت استيعاب ما حدث، وصوت أنفاسي المتسارع كان الشيء الوحيد الذي يُذكرني أنني ما زلت حية.
وإذ بي أسمع صوتًا خافتًا، فرفعت بصري لأرى الخاتم. لقد وقع أمامي على الأرض، وبدأ في الحركة تدريجيًا نحو الأعلى، وكأنه يُمد يده ليطلب مني الإمساك به. مدت يدي بحذر وقطرة من الدهشة، وأمسكت بالخاتم الذي عاد لي بحجمه الطبيعي، وكأنه يخبرني أن هذه الرحلة قد انتهت ولكن هناك المزيد ينتظر.
شعرت بطاقة جديدة تسري في داخلي، وكأنني قد عبرت اختبارًا جديدًا جعلني أكثر قوة وإصرارًا على مواجهة القادم.
مشيت خطوات مترددة داخل الأنبوبة، وأصوات الهمسات تزداد حولي، كأنها تحاول توجيهي. اخترت مكانًا عشوائيًا وتوقفت، ثم خبطت بقدمي على الأرض ثلاث مرات، محاكية الحركة التي قامت بها من قبل. فجأة، انفتحت الدوامة أمامي مرة أخرى، وأصبحت الأضواء المتراقصة والأصوات المرعبة تلتف حولي.
شعرت بقوة مجهولة تجذبني إلى الداخل، وكأنني أغوص في بحر من الألوان والأصوات المتشابكة. الأضواء كانت تتراقص كأشباح حولي، والأصوات تهمس بأشياء غير مفهومة في أذني.
بينما كنت أعبر الدوامة، شعرت بأنفاسي تتسارع، وقلبي ينبض بعنف. كانت الجدران تتحرك وكأنها تحاول الاحتفاظ بي في هذا العالم المرعب. أحسست بضغط نفسي وجسدي يزداد كلما توغلت أعمق.
عندما خرجت من الدوامة وعدت إلى الممر الأصلي، شعرت بإرهاق شديد. كنت منهكة إلى أبعد حد، كأن كل طاقتي قد استنزفت في تلك اللحظات القليلة. أخذت نفسًا عميقًا وجلست للحظات لاستعادة نفسي، ووجدت أنني ما زلت متمسكة بالخاتم الذي عاد لي بحجمه الطبيعي.
وهنا كانت أرض كريستافيل، في وقت حرب وجدي هو الملك. وما زلت لا أفهم أين صادق؟!
كان ممتاز يجري بجانبه، يحكي في خوف ولكن يتكلمون بتلك اللغة الغريبة... نعم، باللغة الكريستاليانية!! أين أتقنوها؟! ومتى حدث هذا؟!
حاولت أن أفهم، لكن الشعب كله كان يجري، وأنا لا أستطيع الجري خلفهم لربما يراني أحد. قررت أن أهدأ وأستعيد الخاتم لأعود إلى الممر الأصلي.
أخذت نفسًا عميقًا، وبدأت بلمس الخاتم ثلاث مرات كما فعلت من قبل. فجأة، بدأ الخاتم في التضخم مرة أخرى. شعرت بتلك القوة الغامضة تجذبني، وابتلعني الخاتم. وجدت نفسي مرة أخرى في تلك الدوامة من الألوان والأصوات المرعبة، الممرات الملتوية والأضواء المتراقصة.
كلما عبرت تلك الممرات، شعرت بالإرهاق يزداد. كانت التجربة مرعبة، وأحسست بنفسي منهكة للغاية، وكأن كل طاقتي قد استنزفت.
أخيرًا، قذفني الخاتم في الممر الأصلي، ووجدت نفسي جالسة على الأرض، أنفاسي متسارعة وقلب يلهث. نظرت إلى الخاتم، الذي ارتفع نحو الأعلى ببطء وكأنه يطلب مني الإمساك به مرة أخرى.
جربت جوالي مرارًا، ست مرات، وفي كل مرة كنت أشعر بخيبة أمل أكبر. كنت أُحاول بجهد مستميت، لكن النتيجة كانت واحدة: فشل. في مرة ظهر لي مشهد حرب، أبواق وصراخ وصرير الأسلحة، ومرة أخرى احتفاليات ومهرجانات يملأها السحر والعجائب. ثم وجدت نفسي أراقب جدي وممتاز، يتشاجران بعصبية بلغة غريبة، اللغة الكريستاليانية، التي بدت لي وكأنها نُسجت من خيوط الزمن.
لم أستطع فهم أي شيء. كيف تعلموا هذه اللغة؟ متى حدث ذلك؟ أين اختفى صادق؟ كنت أشعر أنني أقترب من انهيار كامل، ولكن رغم ذلك، لم يكن لدي خيار سوى المحاولة.
حاولت الوقوف، لكن بلا جدوى. قدماي كانتا ثقيلتين، وكأن جذورًا نبتت من باطن الأرض وقيدتني في مكاني. ثم تذكرت كلمات إيمانويل، كأنها وميض خاطف يضيء عقلي المتعب:
_"صحيح، تعيشين على الأكسجين، لكنكِ الآن تعيشين أيضًا على وحدات الطاقة السحرية. منذ دخولكِ هنا، أضيفت لكِ وحدات من الطاقة السحرية، وبكل محاولة للعودة، ستفقدين جزءًا من تلك الوحدات."
كلماته كانت أشبه برصاصة تخترق تفكيري. هل هذا ما يحدث؟ هل محاولاتي المستميتة للعودة تستنزفني؟! حاولت أن أمد يدي للخاتم بكل ما تبقى من طاقتي، لكنه كان يبعد عني كما لو أنه يُظهر لي مدى عجز جسدي المنهك.
شعرت بالغثيان والخدر يسيطران على جسدي، وعيناي بدأت تغلقان رغمًا عني. الصداع كان يضرب رأسي بقوة، وقلبي ينبض بوتيرة مرعبة. كانت النهاية تقترب.
رفعت رأسي، وحاولت الصراخ بآخر ما تبقى من قوة:
_"إيـــــــمانويـــــــــــــــــــــــــــــــل! أنا بـــــــــــــــــــــموت.. أيـــــــــــــمانويـــــــــل!"_
كان صوتي يتردد في الممر بشكل مرعب، ينعكس كالصرخات داخل الهاوية. الصدى كان يلفني، وكأن الممر نفسه يصرخ معي. كانت الجدران من حولي ترتجف، والأصوات الغريبة تزداد قوة، وكأن الممر قد أصبح حيًا يستجيب لألمي.
ثم فجأة، ظهر نور خافت من بعيد. كنت في حالة ما بين الوعي والإغماء، لكنني شعرت بوجود شخص يقترب. إنها وعد. نعم أنا ، كانت وعد، خطاها تقترب مني بهدوء لكنه حذر، عيناها تحملان خليطًا من الحيرة والقلق. نظرتها كانت تُخفي الكثير من الغضب والأسئلة.
اقتربت مني ببطء، وجلست بجانبي، لمست وجهي برفق وقالت بهمس يكاد يُسمع:
_"هدي نفسك... أنا هنا. كل شيء هيكون بخير."_
كانت كلماتها أشبه بنسيم منعش وسط عاصفة عنيفة، لكنها لم تُصلح ما بداخلي من انكسار. أردت أن أصرخ مجددًا، أردت أن أخبرها أنني أستنزف، أنني على وشك الانتهاء. لكن صوتي خذلني، ولم يبق لي إلا دموعي التي تساقطت بصمت.
نظرت إلى الخاتم، الذي بدا وكأنه يتحدى الزمن، وهنا، رفعت وعد يدي بلطف نحو الخاتم، وكأنه كان يعرف أن اللحظة قد حانت. تحرك الخاتم ببطء نحو الأعلى، مُضيئًا بنور باهت. أمسكته يدها وساعدتني على الإمساك به. شعرت بطاقة غريبة تسري في داخلي، وكأن الخاتم استجاب لاستغاثتي، وكأن لحظات الموت التي اقتربت مني قد تراجعت قليلاً.
لكن في أعماقي، كنت أعلم أن الوقت ينفد، وأن هذه الطاقة ليست أبدية. أدركت أن العودة ليست خيارًا الآن، ولكن مواجهة هذا المكان... بكل ظلامه وأسراره، هي مصيري المحتوم.
لم أهتم لما رأيته، بل حاولت أن أتركه وراء ظهري... لأن التفكير فيه سيقودني إلى الجنون. ولكن افكر دون أن أشعر كيف يمكن لعقلي أن يستوعب ما حدث؟ أن أرى نفسي، أن أرى نسخة مني وكأنها موجودة بالفعل، تتحرك، تلمسني بيدها، تنظر في عيني، بل وتمد يدها لتلامس وجهي بحنان يشبه الحلم؟
كانت تلك النسخة مني تقف بجانبي، لا تكتفي بالمشاهدة، بل تمد يد العون، تساندني في أضعف لحظاتي. شعرت وكأنني في مرآة من نوع آخر، لكنها مرآة تنبض بالحياة. لم أستطع التمييز؛ هل هي أنا، أم مجرد خيال؟ كيف لهذا الأمر أن يكون واقعيًا؟ وما الرسالة التي يحملها لي هذا المشهد؟
في لحظة اختلطت فيها الأحاسيس، بدأت الأصوات تهمس حولي، همسات خافتة لكنها واضحة. كلمات غريبة بلغة لا أفهمها، لكنها تحمل في طياتها قوة خفية. كانت الجدران تقترب مني، وكأنها تُطبق عليّ ببطء، تزيد من إحساسي بالرهبة والخوف.
نظرت إلى النسخة التي تقف بجانبي، وكانت تنظر إلي بعينين عميقتين كأنهما بوابتان لعالم آخر. شعرت وكأنني غارقة في بحر من التساؤلات اللامتناهية. ما هذا المكان؟ وما الغرض منه؟ هل أنا في حلم؟ أم أنني فعلاً في عالم آخر يتحدى كل قوانين الواقع؟
بدأت الأفكار تتشابك في عقلي، تساؤلات فلسفية عن الحياة والموت، عن الوجود والمعنى. هل نحن مجرد نسخ تتنقل بين العوالم، نعيش ونموت في دورات لا نهائية؟ أم أن هناك هدفًا أعمق لوجودنا؟
شعرت بأنفاسي تتسارع، وقلبي ينبض بقوة. كان الخوف يتغلغل في أعماقي، ولكن في نفس الوقت، كانت هناك رغبة قوية في الفهم، في الوصول إلى الحقيقة. كان هذا الممر المرعب يحمل في طياته أسرارًا لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبها بسهولة.
في تلك اللحظة، شعرت بلمسة دافئة على يدي، نظرت إلى النسخة التي تمسكني برفق، وكأنها تقول لي "لا تخافي، سنعبر هذا معًا." كانت تلك اللحظة هي الأكثر رعبًا وجمالًا في نفس الوقت.
التساؤلات لم تنتهِ، بل ازدادت عمقًا، لكني كنت مصممة على المضي قدمًا. مهما كانت الحقيقة مخيفة، فإن مواجهتها هي السبيل الوحيد لفهم هذا العالم الغريب.
كانت تمشي أمامي بخطوات واثقة، وأنا أتباعها كأنني تحت تأثير قوة خفية لا أستطيع مقاومتها. كل خطوة تخطوها كانت تبدو محسوبة، كأنها تعرف الطريق عن ظهر قلب، بينما أنا كنت أتعثر أحيانًا، أتابعها وقد امتلأ رأسي بالأسئلة التي لا إجابة لها. صدى خطواتها كان يتردد في الممر الضيق والمظلم، مخترقًا الصمت الثقيل الذي يحيط بنا.
بين الحين والآخر، كانت تلتفت إلي بنظرة مُطمئِنة، ولم تكن بحاجة للكلام؛ عيناها كانت تقول كل شيء. وعندما وصلت إلى نقطة معينة، توقفت فجأة وأشارت إلى بقعة على الأرض، وقالت بصوتٍ هادئ ولكنه مشبع بالثقة: "يلا اضغطي هنا... المكان المرادي صح، متخفيش."
ترددت، وشعرت للحظة بالخوف يتغلغل في أعماقي، لكنني استجمعت كل ما تبقى لي من شجاعة وضربت بقدمي الأرض ثلاث مرات، تمامًا كما قالت. وفورًا، بدأت الأرض تحت قدمي تهتز، ودوامة مخيفة فتحت أبوابها لتبتلعني مرة أخرى. لكن المختلف هذه المرة أنها كانت بجانبي، "وعد" بجانبي، ولم أكن وحدي.
بينما كنا نُسحب داخل الدوامة، كانت الأضواء المتراقصة تُحاوطنا، الجدران تتحرك بأصوات غريبة كأنها تهمس بتحذيرات غير مفهومة. كانت كل لحظة داخل هذه الدوامة أشبه بكابوس حي، أصوات مختلطة وألوان متداخلة، وأطياف تتحرك في الظل، وكأنها تطاردنا أو ترصدنا. وبرغم ذلك، كنت أشعر بشيء من الأمان لأن وعد كانت بجانبي.
لكن، عند وصولنا إلى المملكة، شعرت بصدمة كبيرة. في اللحظة التي لامست فيها قدماي أرض كريستافيل، اختفت "وعد" فجأة. اختفت كأنها لم تكن هنا أبدًا. كان وجودها وغيابها بنفس المفاجأة. كأن دوامة الغياب قد ابتلعتها دون أن تترك أثرًا.
بدأت أنظر حولي كالمجنونة، أبحث عنها، يمينًا وشمالًا، أناديها لكن لا أحد يجيب.
شعرت بوحدة خانقة، وكأن العالم قد ابتلعها وتركني هنا وحيدة في وسط الظلام.
في تلك اللحظة، لمحته... جدي منتصر قادمًا من بعيد، بخطواته الثقيلة وصوته القوي. ارتبكت، جسدي يتجمد للحظة ثم يستجيب للفزع الذي اجتاحني. كان علي أن أهرب... أن أجري بكل ما أوتيت من قوة. فركضت، قدماي تصطدمان بالأرض بإيقاع سريع، والهواء البارد يصفع وجهي. لم ألتفت، ولم أسمح لعقلي بالتفكير. كل ما كان يشغلني هو الهروب من هذا المكان ومن المواجهة التي قد لا أحتملها. كنت أركض وكأن الحياة كلها تعتمد على ذلك الركض.