رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10 هى رواية من كتابة مريم محمد رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10

رواية هيبة نديم وليلي بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل العاشر 10

_ هذا قيدكِ _ :
في ساعة لاحقة من المساء ..
أفاقت "ليلى" على صوت خافت يهمس باسمها، فتحت عينيها ببطء، لترى "نديم" جالسًا على طرف السرير، نظراته تلتهم ملامحها بشوقٍ لا تخطئه العين ..
ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة وهو يهمس أمام شفتيها دافعًا إيّاها للنهوض:
-لو ماقومتيش دلوقتي حالًا مش هاضمن لك تخرجي من هنا الليلة دي.. قدامك 5 ثواني تقومي من السرير!
لم يلبث العد لثاني ثانية إلا وقفزت "ليلى" من الفراش ضاحكة، دلفت إلى الحمام واغتسلت بسرعة، عادت إلى الغرفة لتجده جاهزًا وقد ارتدى قميصًا من الكتّان الأبيض تفصيله دقيق، يبرز عرض كتفيه وعضلات صدره وذراعيه، مع سروال شينو بلون خردلي أنيق، وحذاء رياضي مريح، وساعة فاخرة تلمه على معصمه ..
ارتدت "ليلى" تحت أنظاره فستانًا طويلًا بلون رملي ناعم، بكتفٍ واحد، ينحت تفاصيل جسدها بدقة، ما دفعه أن يناولها وشاح ساتر لتضعه حول كتفيها، فعلت ما أراد، ثم صففت شعرها تاركة إيّاه ينسدل بحرية على ظهرها، تتلألأ خصلاته الذهبية بلمعةٍ خفيفة، ارتدت زوجيّ حذائها المكشوف وهي جالسة، بينما أحضر لها "نديم" حقيبتها الصغيرة وأمسك بيدها لتقوم معه ..
خرج الاثنان من الجناح بخطى متوازنة، أنوار الممر الطويل انعكست على الأرضية الرخامية مبرزة ظلالهما، كل شيء من حولهما بدا صامتًا كأن الفندق بأكمله يحبس أنفاسه لرؤيتهما معًا، إذ بديا أكثر من مثاليان لبعضهما البعض ..
دفعها "نديم" برفق داخل المصعد وتبعها، كانا وحيدان ولفّ ذراعه حول خصرها يجذبها إليه برقة، ثم قال بصوت منخفض قرب أذنها:
-نمتي وسبتيني إنهاردة.. مع إني قلت لك خليكي زي ما أنتي.
احمرت وجنتاها، ونكست عينيها وهي ترد بخجل:
-انت اتأخرت عليا… ومش عارفة إزاي نعست!
ضحك بخفوت ونبرته تحمل مكرًا رقيقًا وهو يمرر أطراف أصابعه على بشرتها العارية من عند الكتف:
-المهم تعرفي إن دي تاني مرة ما تظبطش معانا.. بس التالتة تبتة يا لولّا.
أوعدك لو مصر كلها وقفت على باب الأوضة.. الليلة هاندخل يعني هاندخل.
لم تستطع الرد، شعرت بالكلمات تحترق على لسانها من شدة الخجل فلم تنطق، بينما التمعت عيناه بمرح، ومال مقبّلًا خدّها بعمق، ثم همس بحب عند حافة فمها:
-بحبك.. بموت فيكي يا ليلى.
انفتح باب المصعد في هذه اللحظة ..
وتعلّقت عيناها بعينيه الخضراوين ذات البريق اللامع، وقالت بنبرة عاشقة:
-وأنا بعشقك يا نديم.
خرجا متشابكي الأيدي.. خطواتهما تسير بتناغمٍ واحد ..
في ردهة الفندق الرئيسية شاهدا "عمر البدري" وشقيقته بانتظارهما في زاوية قريبة من حائط الرخام ..
لكن صوت "عمر" كان مرتفعًا بنفاد صبر، ويده ترتفع وتنخفض بعصبية وهو يوجه الحديث لأخته التي وقفت أمامه كطفلةٍ تتلّقى توبيخًا قاسيًا من والدها ..
توقفت خطوات "نديم" و"ليلى" للحظة، نظرة سريعة مرّت بينهما، ثم تابعا السير نحوهما ...
-إيه ده يا عمر؟ في إيه؟ مالك بتزعق لريهام كده ليه؟.. قالها "نديم" وهو يقف حائلًا بين "عمر" وأخته، وقد جاء صوته هادئًا بنبرة فيها جديّة كافية لتهدئة ابن خالته المنفعل بوضوح
أدار "عمر" وجهه بانزعاج، نظراته مشتعلة، وأصابعه تضغط على جانب رأسه كأن الصداع يداهمه للتو ..
أشار برأسه ناحية "ريهام" دون أن ينظر إليها وقال بعصبية مكتومة:
-الهانم.. مطلعة عيني كالعادة. وبالذات الفترة دي… مابقتش بتسمع الكلام نهائي.
كانت "ريهام" واقفة على بعد خطوات قليلة، ذراعاها معقودتان بقوة، وفمها مشدود كأنها تحبس الدموع بأسنانها، حاجباها معقودان بطفولية غاضبة، وعيناها تحومان بين الثلاثة بحدة طفلة تشعر بالظلم، طفلة في جسد فتاة شابّة أوشكت على بلوغ العشرين من عمرها ..
نظر "نديم" إليها للحظة، ثم عاد ببصره إلى "عمر" وقال بلطف متماسك:
-طيب بالراحة بس.. حصل إيه؟
أشار "عمر" بإصبعه نحو بوابة الفندق الزجاجية، حيث كانت أسرة صغيرة تخرج الآن، وصبي صغير ينزلق بحذاء تزلج على الرخام اللامع، ضاحكًا لا يدري عن الفتنة التي أشعلها على الجانب الآخر ...
-أول ما شافت الولد إللي هناك ده بيلعب بالـskates.. شبطانة! جريت ناحيته عايزة تلعب معاه. وأنا قولتلها لأ. كسرت كلامي وجريت بردو ناحيته. لولا بس مسكتها على آخر لحظة!
وما كاد يُنهي جملته حتى انفجرت "ريهام" بصوت طفولي مليء بالانفعال:
-قلت لك عايزة واحدة ومش جبتلي زيها!
ارتفع صوتها إلى حد جذب أنظار رواد المكان ..
فرفع "عمر" سبابته بسرعة يحذّرها وصوته قد ازداد خشونة مخيفة:
-ريــهام! صوتك ده مايعلاش انتي فاهمة؟.. و اسمعي بقى لما أقولك. قسماً بالله إن ما سمعتيش الكلام لأكون حابسك في أوضتك أسبوع. ولا هاديكي تاب أو موبايل. ولا هاسيب معاكي ميمي!!
وهنا زمجرت الكلبة "الجولدن" الرابضة أسفل قدميّ شقيقته وكأنها فهمت تهديده ..
بينما ظهر القهر في عينيّ "ريهام" وبدأت تهتز في مكانها، ليتدخل "نديم" بسرعة، هذه المرة نبرته صلبة وقاطعة فيها حسم لا يحتمل جدالًا:
-الله! ما قلت لك بالراحة يا عمر.. ريري شاطرة وبتسمع الكلام. مالكش دعوة بيها لو سمحت.
ثم غمز له بطرف عينه محاولًا خفض التوتر، قبل أن يلتفت إلى "ريهام" وهو يقول بابتسامة واسعة مرحة:
-إيه يا ريري.. انتي مش شايفاني ولا إيه؟ أنا ماوحشتكيش؟ أومال فين تعالي يا نديم.. نفسي أشوفك انت وليلى يا نديم.. أهو. أهو جيت وجبت لك ليلى معايا!
وأشار بيده نحو "ليلى" التي ابتسمت بمحبة حقيقية، وانحنت قليلًا نحو ريهام:
-ريري حبيبتي.. وحشتيني أوي يا روحي. عاملة إيه؟
لكن "ريهام" ظلّت صامتة، شفتاها مزمومتان ووجهها متيبّس بشدة .. 
زفر "عمر" بضيق وهو يشيح بوجهه بعيدًا، أما "نديم" فاخترق الجمود وتقدم نحوها خطوة، طوّق كتفيها بذراعه في حنو، وقال برقة فيها كثير من الأبوة:
-طيب يا حبيبتي. ما تزعليش.. انتي مضايقة يعني عشان عمر ماجبلكيش سكيت؟
ولا يهمك ياستي. بكرة الصبح يكون عندك. ولا تزعلي نفسك.
شهقت "ريهام" بقوة غير مصدقة، نظرت له بعينين واسعتين وهي تسأله:
-صحيح يا نديم؟؟
ابتسم وهو يهز رأسه بإيجاب قائلًا:
-صحيح يا روح نديم.. أنا عمري وعدتك بحاجة وخلفتها؟
قفزت عليه فورًا، ضحكة صاخبة خرجت منها ممزوجة بصراخها المرح، أحتضنه بقوة وهي تقبّله في خده، بينما هو يضمّها بين أحضانه الدافئة، يمسح على شعرها بحنان وكأنه يحضن الطفولة ذاتها، النقاء الحقيقي ..
ثم تركها ومررها ناحية "ليلى"، ابتسمت لها هذه المرة لأول مرة وقالت بصوت أنعم:
-إزيك يا ليلى.. انتي وحشتيني أوي.
ضحكت "ليلى" وهي تصافحها، ثم جذبتها لحضنها قائلة:
-انتي وحشتيني أكتر يا قلبي.. إيه القمر ده؟ بقيتي قمر يا ريري!
ضحكت "ريهام" بخجلٍ طفولي، وانخرطت في حديث عشوائي مع "ليلى". تثرثر بكلمات غير مرتبة، تحكي وتعيد التفاصيل بينما "ليلى" تسمعها وتردّ بصبر ومحبة كأخت أكبر ..
سار "نديم" للأمام ممسكًا بيد "ليلى" التي أمسكت يد "ريهام" بدورها، بينما "عمر" يسير إلى جوارهم، وجهه لا يزال محتقنًا بالعصبية ..
خاطبه "نديم" بصوت منخفض، لكن نبرته لم تخلُ من العتاب:
-إيه يا بني الأسلوب ده؟ بالراحة على أختك شوية.. أومال إيه أنا ما بحبش أزعلها!
تنهد "عمر" وهو يرد بنبرة مُتعَبة:
-بقت عنيدة أوي يا نديم.. بمعنى أصح رزلة. وأنا ما بقاش عندي طولة بال زي زمان.. مش عارف أعمل معاها إيه أكتر من إللي بعمله!!
رمقه "نديم" بغضب وقال بحدة:
-هاتعمل إيه يعني؟ هاترميها؟ مالك يا عمر بجد. لو مابقتش مستحملها سيبهالي. هاخدها تعيش معايا وأوفر لها كل احتياجاتها كمان.
أدار "عمر" رأسه نحو ابن خالته، حدجه بنظرة مستنكرة وهو يقول بغلظة:
-أسيب مين يا نديم؟ ريهام دي أختي. لا مش بس أختي. دي بنتي أنا اللي ربيتها.. ومش بقول إني مابقتش مستحملها. أنا بس تعبت..  وزعلان عليها.. هو وضعها ده يعجب حد؟ يعجبك انت يا نديم؟
ساد صمت قصير، تبادل فيه الرجلان النظرات، ثم قال "نديم" بصوت أهدأ، وعيناه تلمعان بالتعاطف:
-أنا فاهم يا عمر.. أنا حاسس بيك.
هزّ "عمر" كتفه قائلًا في تعب حقيقي:
-لأ انت مش حاسس بيا. ومحدش هايحس بيا.. أنا بكبر. وهي لسا صغيرة.. خايف عليها لو جرالي حاجة في أي وقت هاتعمل إيه منغيري؟ هاتعيش إزاي ومين هاياخد باله منها!!
ربت "نديم" على كتفه بلطف وقال بلهجة لوم صلبة:
-طيب روّق… روّق وماتشلش هم حاجة.. وأنا مش هاحسبك على الكلام إللي قولته ده.. ولا هافكرك إن انت وريهام ليكوا ضهر في الدنيا دي. ومن دمكوا. زي ما انتوا ضهري ومن دمي ..
ثم تنهد بعمق وهو ينظر حوله وقد خرجوا من بواية الفندق، عاود النظر إلى "عمر" ثانيةً وقال:
-احنا جايين نتبسط كام يوم معاكم.. فك كده يلا. شوف هاتودينا فين الليلة دي.. وبكرة الصبح لينا كلام تاني وكل حاجة هاتتحل.. ماتقلقش.
_______________________________________
في فيلا عائلة "الراعي" ..
الجو مزيجًا من السكون الفخم وأصوات فناجين الشاي على الطاولات المصقولة، في "الترّاس" الخارجي المطل على الحديقة، جلس "مهران الراعي" متصدرًا المجلس، تحيط به أسرته، زوجته "مشيرة" بجوارها "ليث" الابن الأوسط، وعلى الطرف الآخر جلس "حازم مدكور" رجل الأعمال الشاب، شريك المستقبل في العائلة وخطيب الابنة الكبرى "لُقى الراعي" ..
تجلس "لُقى" بجواره، تهتم به عى أكمل وجه، تضع في طبقه بعض أصناف الحلوى، بينما يتنصت الأخير باهتمامٍ إلى "مهران":
-الخطوبة ماطوّلتش ولا حاجة يا زوما.. بس معلش نديم حدد معاد يناسب الكل. انت عارف انه اكتر واحد حريص على مصلحة العيلة دي مش بيأخرها رخامة يعني.
يبتسم "حازم" قائلًا بدماثة:
-لا يا عمي ومقدرش أقول عليه كده.. أنا فاهم طبعًا ومحترم تصرفات نديم. لكن معلش بقى.. أعذر حماس الشاب إللي جوايا ما أنا مش بزنس مان طول الوقت.
ضج المجلس بالضحك، لتواري "لُقى" وجهها بكفّها بخجل، بينما تقول "مشيرة" بسعادة:
-ربنا يسعدكوا يا حازم يا حبيبي.. ماتقلقش لما يرجع نديم من الغردقة مش هاسيبه إلا لما نحدد معاد الفرح في أسرع وقت. وانت يا مهران نفسك معايا بردو.
ابتسم "مهران" لها واضعًا فنجانه جانبًا، وقبل أن يرد، اقترب منهم أحد الخدم هاتفًا بلهجة مهذبة:
-مهران بيه.. في ظابط برا طالب يقابل حضرتك!
توقف الحديث فجأة، كأن الهواء انسحب من "الترّاس". النظرات إلتفتت كلها نحو "مهران" الذي ظل للحظة صامتًا، قبل أن يدير رأسه نحو الخادم قائلًا:
-دخله وخليه يستناني في أوضة المكتب… أنا جاي حالًا.
انحنى احترامًا الخادم وابتعد، بينما العيون لم تفارق "مهران". خاصة "ليث" الذي عقد حاجبيه وسأل بصوت فيه نبرة استغراب:
-مين الظابط ده يا بابا؟
أجاب "مهران" بابتسامة مراوغة ضاعت وسط قلق ظهر للحظة في عينيه:
-ماعرفش يابني… أديني هقوم أشوف مين!
تدخل "حازم" بكياسة:
-تحب أجي معاك يا عمي؟
بوّح له "مهران" بكفه  وهو يقول هازًا رأسه ببرود مصطنع:
-لا لا خليك زي ما انت يا حازم.. أنا هشوف بس إيه الحكاية. وإن شاء الله مش هطوّل.. راجع علطول.
ثم اتجه إلى الداخل، خطواته بطيئة، وظهره المتصلّب يشي بتوتره المكتوم، فتح باب غرفة المكتب، فوجد فيها رجلاً شابًا واقفًا ينتظره وقد أولاه ظهره ..
استدار ناحيته ما إن فتح الباب، ليراه "مهران" جيدًا، بالتأكد هو.. هو لا غيره ..
"زين نصر الدين" ..
بدا شابًا في أواسط العشرينات، بنيته ضخمة، أكتافه عريضة وصدره مفرود، بشرته قمحية، عيناه ضيقتان لكن حادتان كأنهما تلتهمان المكان في ثوانٍ بحدة نظر صقر ...
-مساء الخير يا مهران بيه!.. ألقى "زين" التحيّة بلطف
رد "مهران" بحذر وهو يغلق الباب خلفه:
-أهلاً وسهلاً.. اتفضل يا حضرة الظابط.
وأشار له ليجلس في إحدى كرسيّ المكتب، ثم جلس هو أمامه، تنهد "زين" وهو يجلس بهدو، أستلّ محفظته ومدّ له بطاقته الرسمية قائلًا:
-زين نصر الدين.. رائد في وزارة الداخلية.
تناول "مهران" البطاقة، قرأها بسرعة وأعادها، ثم جلس خلف المكتب بتأني من جديد وقال:
-خير؟
أومأ "زين" مرةً واحدة وقال، نبرته واثقة لكنها خالية من الاستعراض:
-خير يا مهران بيه.. أكيد خير طالما أنا جيت بصفة غير رسمية. بس أظن الأول إنك عارف أنا مين… وجاي ليه.. صح؟
مال "مهران" بجسده قليلًا، وصوته صار أكثر جفافًا وهو يقول:
-مش متأكد.. بس قول اللي عندك. طلباتك؟
ابتسم "زين" ابتسامة دقيقة، وخفض صوته وهو يرد عليه بهدوء:
-أنا جاي بشكل ودّي. وبالذوق.. عشان نحل الموضوع إللي بينا منغير ما نوصل لنقطة مانحبش نوصل لها.
زم "مهران" فمه وقال:
-أمم.. والموضوع ده هايتحل إزاي في رأيك يا حضرة الظابط؟
-ببساطة.. ليلى لازم تعرف مين أهلها الحقيقيين.. ولازم ترجع. ترجع لعيلتها. ودي مش دعوة أو طلب.. دي خطوة جاية جاية سواء حصل تفاهم ودّي أو ماحصلش.
رمش "مهران" بعينيه، كأن الكلمة خدشته، فرد بجفاف حاد:
-بس أنا شايف إن ده كلام مالوش أي لزوم ونبش على الفاضي هايقلق الكل.. ليلى دلوقتي بخير ومرتاحة. وليها بيت وعيلة فعلًا.. ليه نهد كل حاجة فوق دماغها ونصدمها؟ هل ده في مصلحتها؟
رد زين بنظرة صلبة ونبرته قد بدأت تنفد منها المجاملة:
-مصلحتها مش انت إللي تقررها. أيًّا كان دورك في حياة ليلى زمان أو دلوقتي ده مش هايديك سلطة عليها بمجرد ما أهلها يقولوا هاترجع. حضرتك نسيت هي مين؟ لو نسيت افكرك. ليلى حفيدة رياض نصر الدين. حفيدة راجل عمره ما اتنازل عن حقه. ومش هايتنازل المرة دي بردو جدي كان عندكوا امبارح. وأنا جيت إنهارده بقول نفس كلامه.. عشان نختصر وقت مش أكتر.. وإلا ماوعدكش إن إللي جاي هايكون بسيط.
نظر "مهران" له طويلًا، ثم تراجع في مقعده قليلًا ويده تمسك بحافة المكتب، وقال باقتضاب:
-يعني بتهددني؟
زين بحزم: أنا بوصف لك إللي هايحصل لو الموضوع اتكتم عليه أكتر من كده.. انت راجل فاهم وعارف كويس إننا مش جايين نساوم ولا نلعب في الضلمة. ليلى لازم ترجع لأهلها.. ونديم ده كمان لازم يفهم إن اللي بيعمله ده مش في مصلحتها. لما ياخدها ويسافر ويفكر إنه ممكن يخبّيها.. فهمه إني لو عوزت أجيبها هاجيبها. وإني ساكت كل ده عشانها هي.. عشان ماتتصدمش زي ما حضرتك قلت.. ف لو قلبك عليها فعلًا فكر إزاي ممكن تفتح معاها الموضوع. عشان لما أشوفها المرة الجاية هاتكون هي المرة إللي هاخدها من إيدها وأوصلها بيت جدها وأكون أدّيت واجبي ناحيتها وناحية عيلتي كلها.
سكت لحظة، ثم أضاف للمرة الخيرة بصوت به لهجة حادة:
-وصدقني يا مهران بيه لو حاولتوا تبعدوها أو تخفوها. أنا هاخد موقف محدش فيكم هايعرف يتخيله.
نهض "مهران" من كرسيه ببطء، نبرة صوته الآن جامدة، لكنها متماسكة:
-كلامك واضح ورسالتك وصلتني.. هارد عليك قريب يا حضرة الظابط.
ابتسم "زين" برصانة ووقف بهدوء قائلًا:
-وأنا واثق إنك هاتتصرف صح.. لأنك راجل عاقل. وفاهم... عن إذنك!
ثم غادر الغرفة، تاركًا خلفه هواءً مشبعًا بالتهديد ووقع كلمات لم يحمل "مهران" مثل ثقلها بحياته قط!!
______________________
في المطعم المكشوف الذي يطل على البحر مباشرةً ..
الأمسية هادئة، الهواء مشبعًا برائحة الملح والنسيم، والمكان مضاء بفوانيس صغيرة المعلّقة في كل الزوايا ..
جلس كلٌ من "نديم" و"ليلى" متجاورين، قبالتهما "عمر" و"ريهام". جميعهم حول طاولة دائرية أنيقة، على مقاعد واطئة من الخيزران، يتبادلون الضحكات، وأصواتهم تتناغم مع خرير البحر في الخلفية ..
كانت "ليلى" تميل برأسها قليلًا نحو "ريهام". تتابع حديثها العبثي بانتباه ووجهها يتوهّج بابتسامة حانية ..
بينما "نديم" قد انشغل بحديث جانبي مع "عمر". أصواتهما بدأت تنخفض تدريجيًا حتى صارت أكثر جدية ..
-بص يا نديم.. إللي حصل ده مينفعش بكل المقاييس.
لم يتبدّل تعبير "نديم" الفاتر وهو يرد عليه:
-أنا ماعملتش حاجة غلط.. أنا بحبها يا عمر. وهي كمان بتحبني. انت متخيّل إني أقدر أقنعها بكل ده لو ماكنتش بتحبني؟
هزّ عمر رأسه قائلًا:
-أنا مصدقك.. وعارف إنك بتحبها على فكرة ومن زمان. كان باين عليك… بس المهم دلوقتي. خليني أسألك بصراحة. قربت منها؟ يعني… حصل حاجة بينكوا؟
زفر "نديم" وهو يقول بضيق:
-لأ.. لسا ماقربتلهاش.
رفع "عمر" عينيه للسماء في لحظة راحة، ثم مدّ يده إلى كتف "نديم" قائلًا برجاء:
-طيب بالله عليك اصبر… ماتعملش كده. استنى شوية لما تحل الموضوع.
رمقه "نديم" بنظرة حانقة وقال بصوت مكتوم:
-الموضوع ده مش هايتحل إلا كده. انا فكرت له كتير وماوصلتش لحل غير ده.
-إزاي بس يا نديم.. أكيد في حل تاني.
-بقولك جدها جالي. وفي نفس اللحظة إللي كان عندي فيها كان باعت لها حفيده الجامعة. شوفت بنفسك بيحاولوا يرجعوها إزاي وبيلوا دراعي.. هي نفسها… أنا مش ضامن هاتفكر إزاي لو عرفت الحقيقة.. ممكن كل حاجة تتغيّر في لحظة.. وأنا ماعنديش أيّ نيّة أسيبها تشرد من دايرتي.
-مش هايحصل حاجة صدقني. انت مكبّر الموضوع. ويمكن لو عرفت ماتحبش تروح لأهلها أصلًا.. بس لو حصل وعملت إللي في دماغك وبعدين عرفت هاتكون انت السبب في وجعها. بلاش تبوّظ الدنيا. سيبها زي ما هي. اصبر لحد ما تحل العقد دي كلها..  لحد ما تتجوزها رسمي. صدقني يا نديم هو ده الصح… وأنت عارف إن ده الصح!
سكت "نديم" للحظات مطوّلة، اتكأ في مكانه، بصره سارح ناحية البحر، بينما كلمات "عمر" بدأت ترن في أذنيه، جزء منه يقاوم صحتها، وجزء آخر يدرك أنه لابد أن ينفذ خطته إن أراد حقًا ضمان "ليلى" إلى الأبد ..
وقبل أن يحسم أمره إلى أيّ الجهتين سيميل، اهتز هاتفه على الطاولة، نظر للشاشة، فإذا باسم عمّه يضيئها ..
ضيّق "نديم" عينيه وقام بهدوء قائلًا:
-ثواني وراجع!
ابتعد قليلاً، وفتح الخط:
-أيوه يا عمي!
أتى صوت "مهران" على الطرف الآخر جاد ومضغوط بشدة:
-زين نصر الدين لسا ماشي من عندي. كان جاي يهددني يا نديم تخيّل؟ قال لو ليلى ماظهرتش خلال يومين هايتصرف تصرف مايعجبناش!
شدّ "نديم" قبضته، صوت أنفاسه علا فجأة وهو يقول من بين أسنانه:
-وماله… يخبط دماغه في الحيط.. هو وأهله نفر نفر. محدش هايقرب من ليلى. ولا حد يقدر يلمسها طول ما أنا عايش.
-الواد ده مش سهل يا نديم ومركزه مقوّيه. انت ماشوفتش كان بيكلمني إزاي.. لو مش أدها ماكنش جده صدّره بالذات في وجود سليمان العمدة وطاهر.
اخشوشنت لهجة "نديم" وقد تحوّلت تعابير وجهه إلى علائم وحشية صِرف:
-خلّيه يجرب.. وعزة الله ما هايلحق يعمل حاجة.. أنا هاخلّيه هو وجدّه إللي يبوسوا إيدي عشان أخلّي ليلى عندي وعايشة تحت سقف بيتي طول عمرها.. ماتقلقش يا عمي. روح نام وأطمن.. ليلى مش هاتخرج من بيتنا!
وأنهى المكالمة، ورجع للطاولة، لكنه لم يجلس ..
وقف وراء "ليلى" هانفًا بلهجة آمرة:
-يلا يا ليلى!
رفعت عينيها بدهشة نحوه، وابتسمت بخفة قائلة:
-على فين؟ العشا لسا ماجاش!
تدخل "عمر" مستغربًا:
-إيه يا نديم؟ مستعجل على إيه؟
أجاب "نديم" بصرامة وعينيه لم تترك "ليلى" لحظة:
-هانتعشّى في الجناح.. جاتلي مكالمة شغل مهمة ولازم أتابعها دلوقتي.
مدّ لها يدًا ثابتة وملحّة، نظرت "ليلى" ليده، ثم لعينيه، وفي صمت مدت يدها بخفة لتستقر براحته، فشدّها بقوة محسوبة، حرص ألا تتعثر، لكنه لم يتح لها التراجع ..
سحبها من المكان بهدوء ومشوا في ممرات الفندق بخطى متسارعة، لم يتحدث، خطواته سريعة، مشدودة، وكفه قابض على يدها كأنما يخشى أن تتبدّد ..
تتبعه "ليلى" في صمت، أنفاسها متقطعة، ونبضها يطرق أذنها بصخب، لم تنطق، لم تسأله أيّ شيء ..
حتى وصلا إلى الجناح ..
فتح الباب بقوة، ثم أدخلها قبله وأغلقه خلفهما بإحكام، سكن كل شيء، حتى الهواء بدا ساكنًا، متوتّرًا كوتر مشدود على وشك أن ينفجر ..
استدارت "ليلى" نحوه، وفتحت فمها لتسأله، لكن نظراته سبقتها ..
وفجأة رفع يديه ممسكًا وجهها بين كفيه، نظر في عينيها نظرة طويلة، لا تُفهم، لا تُفسّر، ثم همس بصوت أجش، خفيض، مخنوق:
-ماينفعش أستنى أكتر من كده!
ثم دنى بلحظة، واجتاح فمها بقبلة جائعة، بشغف انفجر بعد كبح طويل ..
وما كان ليقطع قبلته لولا أن شعر بحاجتها للتنفس، شهقت "ليلى" باضطرابٍ شديد، تراجعت خطوة، وهي تلهث متمتمة:
-نديم… في إيه؟”\
جاوبها وقد تغيرت نبرته، صارت أكثر خشونة، أكثر رغبة وهو يقول:
-في إني عايزك… عايز مراتي.. خلاص زهقت وأنا شايفك كل يوم قدامي ومش قادر أطولك.. الليلة دي هاحسم القصة دي يا ليلى.. مافيش حاجة ممكن تبعدك عني.
اقترب منها من جديد، دون أن يترك لها فرصة للتراجع أو التفكير، لف يده على خصرها وسحبها إليه ..
لم تهرب ولم تحاول، كانت تريده كما يريدها، لكن قلبها كان يخبط كطبل صغير في صدرها، هناك أمر غريب، لم يكن هو "نديم" الذي تعرفه!
همس قرب أذنها، وشفتاه تمرّان على عنقها بقبلات رطبة:
-أنا مش بخوفك.. بس أنا صبري نفد.. سيبي لي نفسك يا ليلى.
لم تكن تعرف ما الذي يخيفها!
هو؟
نفسها؟
اللحظة؟
التيه؟
حاولت التراجع، همست وهي تضع يدها المرتجفة على صدره:
-طيب استنى… دقيقة واحدة.. أنا.. أصبر بس ...
لكنه لم ينصت، ولم تخف قبضته عليها ولو قليلًا، قبّلها من جديد ويداه تزيحان عنها ملابسها قطعة قطعة، وكأنه لا يريد أن يترك بينها وبين جسده حائلًا ..
ثم رفعها بين ذراعيه، ومشى بها نحو الفراش، أنزلها بحذر، لكن سرعته كانت تخونه، لم يكن متزنًا كعادته، كان كمن يحاول الإمساك بشيء يتسرّب من بين أصابعه ..
تجرّد من ثيابه وتسلل فوقها يحدّق في عينيها، ثم قال بهمس غليظ:
-اثبتي وخليكي هادية.. الموضوع بسيط. اسمعي الكلام.. انا مش هآذيكي.. أنا عارف بعمل إيه.
شهقت "ليلى" حين شعرت بجسده يثقل فوقها، يقيّدها ..
حاولت أن تتنفس، لكن أنفاسها تعثرت، فهمست بتلعثمٍ:
-نديم.. ده.. انت.. 
لكن الكلمات خرجت بلا صوت تقريبًا ..
لحظة ..
فلحظة أخرى ..
ثم شعرت بالألم ..
ألم اخترقها كالسيف ..
كتمت صرخة حادة وهي تعضّ شفتها السفلى بقوة، ودمعة ساخنة انسلت من زاوية عينها، بينما الألم في تواصل، مستمر ..
أمسكت بذراعه بقوة، كأنها تستنجد بثباته، تناشده أن يتوقف ..
لكن "نديم" لم يتوقف، همس لها من بين أنفاسه:
-أنا آسف… استحملي.. أنا معاكي... أنا بحبك يا ليلى.. بحبك!
كان صوته يهمس، وشفاهه تمر على جبينها، وعنقها، يحاول أن يهدّئها ..
لكن الألم كان أقوى من كلماته، وكانت تبكي في صمت، تصدر منها أنات قصيرة، متقطعة، لا تُشبه تلك التي انتزعها منها برضا وانتشاء نهار اليوم وليلة الأمس ..
ماذا حدث؟
لماذا؟
وبعد وقت خالته دهرًا ..
رفع رأسه، نظر في وجهها، كانت عيناها مفتوحتين، لكنها لا تنظران إليه ..
همس لها من جديد:
-ليلى!
نظرت إليه الآن، عيناها ملؤهما الدموع، لم تُجبه، فقط نشيجها علا بصدرها دون بكاء ..
زفر "نديم" مطوّلًا وتمدد بجانبها، ضمّها إلى صدره بحنان، جسدها باردًا رغم دفء حضنه ..
وارتعشت وهي تسمعه يقول بخفوتٍ:
-بحبك… ماكنتش عايز أوجعك… أنا آسف!
همسها الوحيد، جاء بعد دقائق طويلة:
-أنا كمان بحبك! ............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا