رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4 هى رواية من كتابة مريم محمد رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4

رواية هيبة نديم وليلي بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الرابع 4

_ رائحة الأمس _ :
غرفة المكتب يغمرها الهدوء التام.. بعد أن شدد "نديم" على ألا يقاطع أحد اجتماعه الخاص بعمّه ..
الضوء الأصفر الدافئ تنعكس إضاءته على سطح المكتب الزجاجي. "مهران" يجلس على الأريكة الجلدية المواجهة للمكتب على بُعد أمتار قليلة، جسده مسترخٍ لكن عيناه تحملان ثقل الماضي. "نديم" يجلس خلف مكتبه، يراقبه في صمت، كأنه ينتظر أن يستكمل حديثه من حيث توقف ..
إلا إن "مهران" لا يزال صامتًا، في عينيه شرود، كأنما يُعيد مشاهدة شريط قديم لم يُمحَ رغم مرور السنين. التفت برأسه قليلًا، لا يريد أن يلتقي بعينيّ "نديم" مباشرةً، كأن الحكي بصيغة الماضي لا يكفي ليجعله أقل ألمًا ...
-بيت العمدة! .. ردد "مهران" بصوت هادئ متعب، وأردف:
-أهلها كانوا جيراننا قبل ما نسيب البلد من زمان ونيجي نعيش في القاهرة.. دهب. أصغر بنات رياض نصر الدين. أحلاهم. أقربهم لقلبه.. أو كانت أقربهم لقلبه!!
بتر جملته متنهدًا بعمقٍ، وأكمل:
-كنت أشطر طالب في البلد. والأهالي كانوا بيحبوني أوي. عشان كده لما كانوا بيجوا يطلبوا من ابويا أساعد عيالهم في المذاكرة ماكنتش بمانع وبقنعه كمان.. لحد ما دخلت بيت رياض.. كان العمدة وقتها.. دهب مادخلتش مدارس. على أيامها كان ممنوع بنت في بيت رياض نصر الدين تخرج من بيتها وتروح المدرسة.. كان واثق مني ومن أخلاقي زيه زي كل أهل البلد. فسمح لي أدرس لها.. أعلّمها تقرأ وتكتب.. كانت بتستجيب.. كانت شاطرة.. كانت جميلة ورقيقة أوي.. واحدة واحدة لاقيتني بحبها… حب مش طبيعي… حب خلّاني أعمل حاجات عمري ما فكرت إني أعملها عشانها.. زي إني أتنازلت عن حلم دخولي الجامعة وأختارت أقعد جنب ابويا أدير شغله وأراعي مصالحنا في البلد ..
يلتقط "نديم" سيجارة من العلبة الفضيّة بجواره، يشعلها ببطء دون أن يقطع عليه الحديث. لم يكن في حاجة لسؤاله، فالرجل أمامه غارق في الذكرى، ولن يتوقف حتى يصل للنهاية ..
يهز "مهران" رأسه مسترجعًا:
-لما طلبت من ابويا يجي معايا عشان أخطبها مارفضش.. ولما روحنا رياض رحب جدًا.. وفعلًا. اتخطبنا.. بس بعد فترة قصيرة صدمتني بحاجة ماتوقعتهاش!
لم يحتاج "نديم" لتفسيرٍ لما هو واضحٌ أمامه وضوح الشمس، وقال برتابة لكنه مهتم: 
-كانت بتحب حد تاني.
يبتسم "مهران" بسخرية باهتة وقال:
-أيوة… واحد مش من مستواهم على حد قول أبوها… ده إللي قالته لما واجهتني بالحقيقة. أنا إللي كنت ابن عيلة كبيرة وابن أصول. لكن قلبي كان صغير قدامها.. يومها عيّطت. اتوسلِت لي أسيبها لأنها وعدت حبيبها ماتكنش لحد غيره. قالت لي إن أبوها طول عمره عنيف وشديد. وإن مهما كانت غلاوة أي حد عنده لا بيسمعها ولا بيسمع لحد. إللي في راسه بيعمله.
فجأة ينهض "مهران" من مكانه، يتقدم ببطء ناحية النافذة، يرفع الستار قليلًا وينظر إلى المدينة الممتدة أمامه، كأنما يبحث في أنوارها عن شيء من ماضيه. ويستطرد بصوت منخفض كأنه يحدث نفسه:
-وافقت تيجي من ناحيتي… حبها كان ضارب بجدوره في قلبي وماكنش سهل أنزعه. بس خدت القرار وانسحبت. روحت لرياض وطلبت فسخ الخطوبة منغير ما أشرح أسباب.
يميل "نديم" للأمام قليلًا، أنامله تتلاعب بالسيجارة بينهما، يراقب عمه كأنه يراه للمرة الأولى.يحدق فيه بقوة متحفزًا لمعرفة أهم جزء بالحكاية:
-وبعدين؟
رد "مهران" بمرارة، وصوته يثقل أكثر:
-مشيت… سيبت البلد كلها ونزلت القاهرة لوحدي. وبعد فترة قصيرة سمعت إنها اتجوزت ابن عمها… وأنا. أنا اتجوزت مشيرة جواز تقليدي جدًا.
يميل بجسده للخلف، يتنهد وكأنه يطرد حملًا ثقيلًا من صدره، لكنه لا يزال يشعر به جاثمًا ..
يتابع بصوت أكثر هدوءًا، لكنه يضغط على كل حرف كأنه يحفره في ذاكرة ابن أخيه بدوره لكي لا ينسى مثله تمامًا:
-بعد سنتين… في يوم ماكنتش متوقعه أبدًا… دخلت دهب عليا المكتب… كانت حامل… وبتعيّط.. كانت منهارة.
يرفع "نديم" نظره ببطء، هذه المرة ملامحه مشدودة، حواسه متيقظة، عيناه تتشرّبان انفعالات عمّه كما لو أنه يعايش الوضع ذاته من خلاله، بينما "مهران" يسكت، عيناه تغيم للحظة، يشيح بوجهه مجددًا وهو يقول بصوتٍ متحشرج:
-استنجدت بيا.. قالت لي إني الشخص الوحيد إللي فكرت تلجأ له في المصيبة دي.. ولما سألتها إيه هي المصيبة.. قالتي إنها هربانة من بيت أبوها من يوم كتب كتابها  على ابن عمها.. راحت تعيش مع حبيبها بعيد.. حملت منه.. لكن مع الوقت حياتها معاه بقت مستحيلة.. اكتشفت إنه صايع.. حرامي.. بتاع ستات.. وكان بيمد إيده عليها ويعايرها إنها وسخت نفسها وحطت راس أبوها في التراب لما وافقت تهرب معاه وتعيش في الحرام.. هربت منه هو كمان.. وجت لي أنا.. أنا كنت قاعد بسمع منها ومش بنطق.. لحد ما سكتت.. لاقيت نفسي بقولها إني مش هاخذلها.. وإنها في أمان طالما لجأت لي.. أجرت لها شقة مفروشة واهتميت بيها طول الشهور إللي بقيت من حملها.. وقبل الولادة بكام يوم قررت أروح لرياض وأحكيله إللي حصل.. لما فكرت المدة دي كلها لاقيت إني لسا بحبها.. رغم كل إللي حصل.. رغم إللي عملته.. والطفل إللي شايلاه في بطنها ده.. كنت مقرر إنه يتكتب بأسمي.. عشان كده ماترددتش.. نزلت البلد.. روحت لرياض وحكيت له كل حاجة.. زي ما توقعت ثار عليا وهددني لو ماقولتلوش على مكان دهب هايدمر ويحرق في عيلتي وأملاكنا في ابلد وكل حاجة.. بس أنا ماتهزّتش.. قلت له إني مش بس هقوله على مكانها.. أنا هاخده من إيده ونروح لها.. بشرط يطلّقها من ابن اخوه ويجوزهالي.. بصراحة كنت فاكره هايوافق.. وما هايصدق عشان يستر على بنته إللي حتى ابن عمها عمره ما كان هايوافق ينسب طفل مش من صلبه لأسمه.. بس اتفاجئت إنه رفض.. وسحب سلاحه وأقسم لي إنه أول بس ما هايلمحها هايقتلها ويغسل عاره بإيده.. حتى حفيده إللي منها.. مش هايشفق عليه وهايقتله هو كمان.. مشيت من عنده وكنت عارف إني متراقب.. عشان كده ماحاولتش أرجع لدهب.. كلّمتها بس في التليفون وطمنتها إني هاجيلها في أسرع وقت.. ماعدّاش يومين وكلّمتني وهي بتصرخ.. كانت بتولد وأضطريت أجري عليها.. شيلتها على إيديا للمستشفى.. وهناك ولدت بنتها.. ساعة واحدة بعد الولادة ودخلت في غيبوبة بسبب نزيف حصل لها وهي بتولد.. وماتت في نفس اليوم.. ماتت في اللحظة إللي رياض وصل فيها المستشفى هو وسليمان ابن أخوه.. عمري ما هانسى نظرة القسوة إللي شوفتها في عينه لبنته وهو شايفها ميتة.. زي عمري ما هانسى لما سلم سلاحه لسليمان وأمره يخلص على البنت.. ساعتها أنا إللي وقفت له.. قلبت المستشفى.. طلبت البوليس وخدت عليهم تعهّد بعدم التعرّض لعيلتي كلها.. بعدها شلت البنت على إيديا وروحت لمشيرة.. والباقي انت عارفه.
أدار "مهران" رأسه ناظرًا نحو "نديم". رآه يجلس كما هو، لا يزال متكئًا بجسده للأمام، شرايين يده أكثر بروزًا، فكّه مشدود، عيناه تضيقان كما لو أنه لم يعد يستمع إلى حديث عمّه ..
رغم أنه قد سمعه كله، هذه الفتاة التي اختتم بها عمّه قصته، إنما هي "ليلى". "ليلى" صغيرته، الفتاة التي تسللت إلى قلبه لا يعرف متى وكيف، حتى جعلته مجنونًا بها وإن لم يفصح بذلك، مجرد فكرة أن يودّ أحدهم إيذائها تجعله يكاد يفقد السيطرة على عقلانيته، لقد حماها "مهران" في طفولتها، وتسلّم هو مسؤوليتها منذ مجيئهم للعيش ببيته قبل سنوات ..
إنها ليست من دمه، لا تقربه بصلة، لكنها ملكه هو، لن يأخذها أحد، لن يسمح بهذا حتى لو اضطر لمواجهة الشيطان بنفسه.. "ليلى" له هو.. لطالما كانت.. وستكون للأبد ...
يدق هاتفه الآن منتزعًا إيّاه من أفكاره، إلتقطه بخفة من أمامه، مرر عيناه على اسمها وصورتها التي تصدّرت الشاشة المضاءة، فتح الخط وحاول أن يرد بصوتٍ حياديّ:
-آلو!
أتاه صوتها الموسيقي مرددًا برقة محببة:
-ممكن أزعج نديم باشا دقيقتين.. لو عنده وقت أكلمه!؟
لم يقاوم طيف الابتسامة التي لاحت على ثغره الدقيق، رد عليها بهدوئه المعهود:
-أكيد.. انتي بالذات إللي بتقدري تزعجيه في أي وقت ومش بيضايق بالمناسبة.. انتي فين كده الأول؟ إيه الدوشة دي؟
-أنا بكلمك من قلب الحدث. من أول يوم جامعة ليا.. وكنت عايزة أخد أذن ساعتين بس.
-خير عشان إيه؟
-هاروح عند نوران شوية.. مش هتأخر.
انتباه انزعاجًا طفيف وهو يقول:
-ليلى.. انتي عارفة رأيي في المواضيع دي.. أنا مابحبكيش تروحي بيوت حد.
ردت باستجداءٍ: دي مش حد.. دي نوران انت تعرفها من سنين وتعرف أهلها.
-ولو بردو.. هاتيها وتعالي على بيتنا واقعدوا براحتكوا. لو عايزة تجيبي صحباتك كلهم ينوروا لكن مرواح ليكي عند أي حد لأ.
بدا الحزن في صوتها وهي تقول لأخر مرة:
-عشان خاطري يا نديم.. هما ساعتين بس.. عشان خاطري!!
كان على وشك أن يقول لا بصرامة حاسمًا الأمر، لكن صدى صوتها الحزين طرق بقوة على وتره الحسّاس، الشيطانة، تعرف جيدًا كيف تؤثر عليه ..
تنهد "نديم" بحرارةٍ وقال على مضضٍ:
-ماشي يا ليلى.. روحي.
ابتسم بلطفٍ وهو يستمع لصياحها المرح، ثم صوتها وهي تقول بامتنانٍ شديد:
-انت أحلى نديم في الدنيا.. شكرًا بجد.. وماتقلقش والله مش هتأخر وهاكلم فضل السواق يجي ياخدني.
حذرها قائلًا: أهم حاجة موبايلك يفضل في إيدك. لما أكلمك تردي فورًا.. ومش هأكد عليكي إللي انت عارفاه. مافيش سلام وكلام مع أي راجل. لا بابا صاحبتي ولا أخوها سامعة؟
-يا نديم بابا نوران مسافر أصلًا. وأخوها عنده 10 سنين!
-إن شالله يكون عنده سنة.. اسمعي الكلام ونفذيه بس.
-حاضر.. أنا يعمل إللي بتقول عليه كده كده.. ماتخافش انت مربي راجل ..
وضحكت بانطلاقٍ مكملة:
-صحيح نسيت أقولك ده انت هاتتبسط أوي.
-قولي!
-إنهاردة جالي واحد ظريف كده وقال إيه ظابط وحاول يكلمني بس صديته طبعًا.. قبل ما يمشي قال على فكرة احنا قرايب. شكله عبيط ده عيلتنا مافيهاش دكتور حتى. احنا عيلتنا صغيرة أوي يا نديم!
تغيّرت تعبيرات وجهه لسماع كلماتها، وانتبه "مهران" لذلك، فاقترب وهو يصوّب نحوه نظرة متسائلة، بينما يخاطبها "نديم" مباشرةً بلهجةٍ صلدة:
-انتي لسا في الجامعة؟
ردت بأريحية: أيوة بتمشى مع نوران وصاحبتنا الجديدة رنا.
ينهض "نديم" ساحبًا سترته من فوق المشجب قائلًا بصوتٍ آمر:
-خليكي عندك ماتتحرّكيش.. اوعي تخرجي من بوابة الجامعة.. أنا جاي لك.
سألته بقلقٍ: في إيه يا نديم؟
كرر بصوتٍ أكثر حدة:
-قلت خليكي عندك.. سامعة؟ أنا مسافة السكة وهاتلاقيني قصادك.
وأغلق معها ملتفتًا إلى عمّه الذي تساءل من فوره:
-حصل إيه؟؟
يرتدي "نديم" سترته على عجالة جامعًا متعلّقاته الشخصية وهو يقول من بين أسنانه:
-لسا ماحصلش.. بس رياض ده مش ناويها خير معايا.. أنا رايح أجيب ليلى.. أسبقني على البيت!
وتركه مغادرًا مبنى شركاته.. متجهًا رأسًا إلى وجهته المحددة.. إليها !......................................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا