رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7 بقلم سعاد محمد سلامة
رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7 هى رواية من كتابة سعاد محمد سلامة رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7
رواية طوفان الدرة طوفان ودرة الفصل السابع 7
بمنزل حاتم بدران
أثناء دخوله الى المنزل وصل الى أذناه آنين بُكاء والدته التي تهذي بوجع...
شعر بانقباض في صدره وتسارُع في دقات قلبه، وكأن عبئًا ثقيلًا يجثم على صدره هرول نحو الغرفة التي تنبعث منها أنَّات والدته، عيناه تبحثان بقلق يعلم مصدر الألم الذي جعلعقلها يهذي بذاك الوجع،نظر الى ملامحها الشاحبة، عينيها المغرورقتان بالدموع، وشفتيها اللتان ترتجفان بكلمات مفهومة... اقترب منها، أمسك بيدها المرتجفة، وحاول تهدئتها... لكنها شهقت و بحرقة، فارتعش جفناه، وشعر بوخز الضمير ينهش صدره... لم يكن بحاجة إلى مزيد من التذكير بأنه، رغم حنكته القانونية، لم يتمكن من حماية من يحب...
تفوه بصوت خافت مليء بالقلق يحاول مواساتها:
ماما... أرجوكِ هدي نفسك... كده هتتعبي.
نظرت له تُلقي
كافة اللوم على :
من يوم "طوفان مهران" ما سلم الجاتل للشُرطة وأنا جلبي كان حاسس إن غرضه يضيع الحق، كان باين عليه إنه بيوالس عشان كان بيغير من حسام أخوك.
اشتدت رعشة يدها وهي تضغط على أصابعه بقوة، وكأنها تتشبث بيقين غائب... تابع بنظراته دموعها المنهمرة، شعر بثقل الحزن الذي يعصف بقلبها، لكنه لم يعرف كيف يطمئنها، خاصةً وهو نفسه تائه بين الشكوك... لكن لم يفهم قولها الأخير فتسأل بإستفسار:
وطوفان كان بيغير من حسام ليه، اللى أعرفه كان بينهم وِد قديم.
توترت والدته بإرتباك قائلة بتفسير:
مش جصدي، غيرة بمعني " غيرة" جصدي
إنك عارف إن حسام كان معارض خالك إنه يبيع الأرض له، بس هو أقنع خالك وأشتراها منه... الأرض دي كِنز، قريبة من الماية، ريها سهل وأرضها خِصبة جوي.
تنهد حاتم بفهم قائلًا:
بس اللى أعرفه إن الأرض كان عليها خِلاف كبير بين عيلة "غُنيم" وعيلة"بدران" وكان ممكن يوصل لنزاع،ويجيب مشاكل كبيرة وخالي أكيد فكر أن بيبعها كده الخِلاف إنتهى، أرجوكِ يا ماما بلاش تعذبي نفسك أنا وبابا محتاحينك معانا، كمان حُسام مش هيبقي مرتاح فى قبره وإنتِ في العذاب ده.. هو كان دايماً بيقول إنه نفسه يشوفنا عايشين في سلام، مش شايلين هم حاجة... إحنا محتاجينك، يا ماما.. أنا وبابا مش هنعرف نكمل لوحدنا، وإنتِ أكتر واحدة عارفة ده.
أخدت نفس عميق وهي بتحاول تكتم دموعها، رغم صوتها المُرتعش وأومأت بأسي قائله:.
عارفة بس غصب عني مش قادرة.. مش قادرة أنسى اللي حصل، مش قادرة أتصور إن كل ده حصل فى غمضة عين،حسام راح مننا كده بسهولة...قبل فرحه بأيام.
شعر بغصة قويه تكاد تفتك بقلبه لكن تماسك وهو يمسك يديها بحنان، قائلًا بحزم ممزوج بالرجاء:
عارف وجع قلبك يا ماما بس حسام أكيد مكنش هيتمني إنك تعيشي في حزن وآسي، ولا إحنا كمان نقدر نتحمل نشوفك كده... خلينا نحاول نضغط على قلوبنا، يمكن ربنا يهون علينا قسوة فُراق حسام.
تنهدت بوجع وهي تومئ برأسها تُربت على كتف حاتم الذي إرتمي بحضنها، يتنفس بسخونة... لكن رفع رأسه عن صدرها، ينظر لها بإندهاش بعدما قالت له بنبرة رجاء:.
لو عاوز نار جلبي تبرد إتجوز دُرة.
نظر لها بصدمة قائلًا:
تاني يا ماما بتقولى نفس الكلام، سبق وقولتلك، أنا ودُرة عمرنا ما كنا قريبين من بعض حتى زي إخوات، كمان حتى لو أنا وافقت مش إحتمال هي ترفض.
زفرت نفسها بأسي قائله:
أهو قولت احتمال... هي لسه صغيرة عشان خاطري وافق ولو هي رفضت أنا مش هطلب منك الطلب ده تاني.
إبتلع ريقه بقلة حيلة قائلًا بمهاودة:
حاضر يا ماما هفكر و...
قاطعته بمحايله:
هتفكر فى إيه؟.
أجابها بتوضيح:
ماما أنا مش بفكر فى الجواز أصلًا الفترة دي،ارجوكِ بلاش تضغطي عليا أكتر ما أنا مضغوط،بس الفترة دي وأوعدك أول ما أخد القرار هقول لحضرتك،بس دلوقتي خليني أركز في شغلي وافهم حياتي رايحة فين .
نظرت إليه نظرة طويلة قبل أن تومئ برأسها باستسلام ظاهري، لكن عينيها لمعتا بتصميم خفي وهي تقول بنبرة تحمل مزيجًا من الحنان والإصرار:
خلاص يا حبيبي، مش هضغط عليك، بس أنا واثقة إنك هتعرف إن انسب واحدة ليك هي دُرة.
هز رأسه متنهدا، وهو يعلم جيدًا أن والدته لا تستسلم بسهولة، لكنه في الوقت الحالي غير مستعد لهذا النقاش مجددًا.
بعد قليل
خرج من الحمام، القي تلك المنشفه التي كان يُجفف بها خصلات شعره على الفرش ثم تمدد عليه هاري الصدر،ينظر الى تلك اللمبة المتوهجة، صوئها عكس ما يشعر به من عتمة، تنهد ليس بندم لاول مرة منذ أن إلتحق بالشرطة يأخذ إنذار...
بداخله نطق إسم "طوفان" أيقن عقله
هو كان لديه خِبرة بالقانون وثغراته لذلك لجأ الى ذلك،
لكن رغم إلمامه بتلك الثغرات، لم يكن بوسعه سدّ فجوة الألم التي تسربت إلى قلبه .. وهو يطن برأسه نحيب والدته الذي يفر من شفتيها.. ظل مستلقيًا ، عيناه معلّقتان بالسقف، فيما تدور في رأسه دوامةٌ من الأفكار المتضاربة...
"طوفان نوح مهران"
هكذا نطق الإسم ثم إنتفض حين تذكر تلك البطاقة البنكية، نهض نحو خزانة ثيابه... فتح أحد الادراج بحث بين محتوياته حتى وجد تلك البطاقة، تأكد من تطابُق الإسم... زفر نفسه وهو يُفكر، ثم إهتدى عقله إلى حقيقة لم يتوقعها... كيف لم ينتبه من قبل.. كيف غفل عن هذا التفصيل الذي أمامه .. قبض على البطاقة بإحكام، وشعر بقشعريرة تجتاح جسده، ...عقلهُ يُرشده نحو خيط قد يكون بداية الحق.
❈-❈-❈
بذلك المكان
إقترب طوفان وجثي على ساقيه امامها بإستعطاف يمد يده قائلًا:
مش هدافع عن نفسي يا دُرة، لأني مُتأگد مهما قولت إنتِ مش هتصدقيني.
رفعت رأسها نظرت نحو يده المُمدوة سُرعان ما إستهزأت وسخرت من ذلك قائلة بنبرة باردة:
عشان إنت عارف إنك خاين وكداب.
ضحكة قصيرة، بلا روح، خرجت من بين شفتيه.. حاول لمس يدها، لكنها نفضت ذلك سحبت يدها بعيدًا، وكأن لمسة يده قد تحرقها...
ظل جاثيًا، عينيه تلمعان برجاء صامت، لكن دُرة لم تكن مستعدة لرؤية ذلك الرجاء، لم تكن مستعدة للاستسلام .. تنهد بأسف لكنه يحمل داخله عاصفة من المشاعر المكبوتة... قائلًا بصوت هادئ:
أنا مش بطلب منك تصدقيني، بس بطلب منك تسمعيني.
زحفت درة بظهرها للوراء، تشابكت ذراعيها أمام صدرها، وعيناها تحدق فيه بسخرية واضحة..مُستهزأة:
أسمعك؟ ليه؟ عشان تقولي كلام كله كدب .. إنت جبان يا طوفان.
ليست دموعها فقط هي ما تفتك بقلبه، بل كلماتها الهادرة لقلبه، لوهلة أغمض عيناه.. وأخذ نفسًا عميقًا، كأنه يحاول أن يلملم شتات روحه التي بعثرتها كلماتها... كآن وقعها عليه أشد من طعنات خنجر مُسمم مغروس في صدره، وكل حرف نطقته كان يضرب وريدًا نابضًا في قلبه... لحظة، تساءل إن كان الألم في صدره سببه كلماتها أم دموعها التي تنهمر كالسيل الجارف، تُعري وجعها أمامه بلا حجاب... ومع ذلك، لم يستطيع النُطق، فقط أغمض عينيه، يود أن يهرب من الحقيقة، لوهلة إنخفضت يده التى تحمل الهاتف، فتسلط الضوء على يدها، بنفس اللحظة فتح عينيه على صوت شهقاتها المتقطعة، وبينما خفض يده التي تحمل الهاتف، تسلط الضوء على يدها، المغروسة في الرمل الأسود... في تلك اللحظة، عاد ببصره إليها، متأهبًا، حين بدأ السعال ينهش صدرها... لم يتردد، لم يهتم لاعتراضها أو رفضها، فقط اندفع نحوها، مدّ يديه وأطبق برفقٍ على عضديها، يجذبها للنهوض رغم مقاومتها، صوته جاء حاسمًا، متوسلًا:
دُرة، قومي معايا بلاش عناد.
قاومته بكل ما أوتيت من ضعف، ما زالت تسعل بين شهقاتها، وصوتها المخنوق بالدموع خرج متحشرجًا بنهجان:
إبعد عني مالكش دعوة بيا، سيبني أنا عاوزه أفضل هنا جنب قبر بابا، عاوزه أموت جنبهُ.
لم يستسلم، تشبث بها أكثر، وحين أدرك عنادها، دس يده في جيبه، أخرج علبة الدواء، قربها من شفتيها المرتجفتين. لكنها أطبقت فمها بإصرار، رافضة الاستسلام، بينما نظر إليها برجاء، وكأن حياته كلها مُعلقة على تلك اللحظة.
ضاقت عيناه بألم مكتوم وهو يراها تعاند حتى آخر رمق، ترفض الدواء وكأنها ترفض الحياة ذاتها... زم شفتيه بقوة، يحاول كبح غضبه، لكنه لم يتمالك نفسه أكثر، فقبض على ذقنها برفق لكنه بحزم، محاولًا إجبارها على فتح فمها قائلًا بضغط منه:
دُرة ما تعانديش أكتر.
لكنها أدارَت وجهها بعناد، ودموعها تهطل بغزارة، تهز رأسها نفيًا وهي تهمس بيأس بين شهقاتها:
سيبني… مافيش حاجة فاضلة ليا في الدنيا دي بعد بابا وحسام.
انتفض قلبه بوجع، شعر بتمزق روحها يتغلغل في صدره، أراد أن يصرخ، أن يهزها بقوة حتى تدرك أن الحياة لم تنتهِ، لكنه بدلاً من ذلك، تنهد بعمق، أرخى يده عن وجهها، لكنه لم يبتعد... بل مال نحوها، حتى صار وجهه قريبًا جدًا منها، عينيه الغارقة بالحزن تلتقي بعينيها الممتلئتين بالدموع.
تفوه بحسم:
وإنتِ فاكرة إنك لو موتي هتلاقي عمي مختار او حسام فى انتظارك... فكرى يا دُرة باباكِ كان هيكون مبسوط وهو شايفك ضعيفة كده... عمره ما كان هيرضى يشوفك بتموتي بالحسرة، ولا أنا كمان.
ارتجفت شفتاها، ترددت للحظة، كأن كلماته بدأت تتسلل عبر جدار حزنها الصلب، لكن الألم ما زال يسكن ملامحها... رأى ذلك، ولم ينتظر منها ردًا.
بهدوء، رفع يده مجددًا، مسح بابهامه دموعها المتساقطة على وجنتيها، ثم قرب العلبة من فمها من جديد، هذه المرة بصبرٍ ممزوج برجاء:
أرجوكِ، دُرة… أفتحي شفايفك، خدي الدوا.
ترددت… أغمضت عينيها للحظة، ثم، أخيرًا، استسلمت تحت وطأة الإلحاح الممتزج بالرجاء في صوته....وفتحت شفتيها تستقبل ذلك الرذاذ...ظل يراقبها بقلق وهي تعود تسنتشق الهواء، وهدأ سُعالها قليلًا
زفر براحة خفيفة، لكن قلقه لم يتبدد تمامًا... ما زالت عيناها غارقتين في ظلام اليأس، ما زال جسدها يرتجف رغم حرارة الليل الخانقة.. . لم يحتمل رؤيتها بهذا الضعف، فحسم قراره دون تردد.... بهدوء حزم ألامر... أحاط كتفيها بذراعيه وسحبها إليه، حتى وقفت بلا وعي ضمها لصدره بقوة، وكأنه يحاول أن ينقل إليها بعضًا من قوته، .... قاومته للحظة، كأنها لا تزال عالقة في براثن الألم، ثم استسلمت، سمحت لجسدها الواهن أن يستند إليه، لدموعها أن تنهمر بلا مقاومة... برفق، يهمس في أذنها بصوت خفيض:
مش هسيبك أبدا، فاهمة.
تشنجت أصابعها فوق قميصه، وكأنها تتشبث به خشية أن تقع، ثم همست بصوت مبحوح كأنها بلا وعي:
ما تسبنيش، مالكش حق تسبني زيهم.
توقف قلبه للحظة على وقع كلماتها، شعر بجرحها عاريًا أمامه، بلا أقنعة، بلا كبرياء... شدد من احتضانها، ثم أجابها بصوت ثابت، لا يقبل الشك:
عمري ما هسيبك، دُرة… عمري ما هسمحلك تضيعِي مني تاني.
سارت تشعر كأنها بلا وعي،تشعر بهوةٍ تسحبها نحو الظلام... لم تُقاوم كثيرًا، سرعان ما ارتخى جسدها... لاحظ طوفان ذلك على الفور، فلم يتردد في حملها بين يديه والخروج بها من ذلك المكان المظلم... توجه سريعًا نحو سيارته، وأسند جسدها بينه وبين هيكل السيارة حتى فتح الباب... وضعها بعناية داخل السيارة، ثم اقترب بكفه من أنفها، متحسسًا انتظام أنفاسها، شعر بالراحة عندما تأكد أن أنفاسها شبة منتظمة،مازالت ضعيفة.... ألقى نظرة سريعة على ملامحها الشاحبة تحت ضوء المصابيح الخافت، ثم زفر بضيق وأغلق الباب بلطف... استدار نحو المقود شغل المحرك، مال بجذعه نحوها وضع يديه حول وجهها يحاول إفقاتها،بالفعل حاولت فتح عينيها بغشاوة هامسة بإرهاق كأنها تقاوم ذلك النُعاس:.
مش عاوزه أنام.
تنهد بإرتياح ثم وانطلق بالسيارة مبتعدًا عن المكان.... خلال الطريق، ظل يرمقها بطرف عينيه بين الحين والآخر. كانت مغمضة العينين، لكن وجهها لم يكن هادئًا تمامًا، وكأنها تحارب شيئًا داخلها.
حين إقترب من منزل والدها، أخرج هاتفه ولم يتردد فى الإتصال على الهاتف الأرضي
لقلق كريمان رفعت السماعة بيد مُرتعشة وقلب يخفق بضراوة، إزداد القلق حين سمعت:.
أنا طوفان مهران.
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تسمعه يستطرد قوله:
دُرة معايا قدامي دقيقة بالكتير وأبقى قدام البيت...
لم تنتظر بقية حديثه، باقدام مُرتعشة وقلب يخفق بشدة، ذهبت نحو باب المنزل، بنفس اللحظة كان طوفان يصف السيارة توجهت نحوهم سريعًا فتحت باب السيارة نظرت سريعًا داخلها، فوجدت دُرة جالسة في المقعد المجاور له شاحبة الوجه... وكأنها عادت من معركة صامتة لا يعلم أحد تفاصيلها. شهقت كريمان بخوف وهرعت نحو ابنتها، احتضنتها بقوة بينما راحت تتفحص وجهها بقلق، وكأنها تحاول التأكد من أنها سليمة،لاحظت ثيابها الملوثة بالرمل.. هتفت برعشة قلب:
دُرة مالها، إيه جرالها... حصل لها إيه.
وقف طوفان بجوار السيارة، يراقب المشهد بصمت، ثم قال بصوت خافت لكنه حازم:
دُرة نايمه.
حاولت كريمان جذبها من السيارة، لكن فشلت، تنحنح طوفان قائلًا بحياء:
فين باسل.
أجابته:
باسل نايم،ثواني هطلع أصحيه.
أومأ لها،ربما اراد أن يحملها هو لكن لا يصح ذلك فبأي صفة يفعل ذلك، حقًا فعله سابقًا لكن كان مُضطرًا، لحظات وعادت كريمان ومعها باسل الذي هرع بقلق نحو السيارة، نظر نحو دُرة بألم، ثم لم ينتظر وحملها من السيارة توجه بها الى الداخل، بينما نظرت كريمان لـ طوفان التى عيناه تُتابع دُرة سائلة بإستفسار:
هي كانت فين، وإزاي إتقابلتوا وهدومها...
جاوبها سريعًا:
كانت فى المقابر.
تلك الكلمات الموجزة كفيله بالرد على كل الأسئله، شعرت كاريمان بالأسي،
ثم رفعت عينيها إليه، امتلأت نظرتها بمزيج من الامتنان والرهبة... لم تعرف كيف تجيبه، فقط هزّت رأسها بتفهُم ثم تفوهت بشُكر:
شكرًا يا طوفان.
أومأ لها برأسه ثم توجه نحو سيارته غادر بشعور قاسي يعتريه، وكأن يشعر بفيضان يسيل بين دماؤه،... بينما ظلت كريمان تتابعه بنظرات قلقة حتى اختفى في الظلام، ثم التفتت إلى الداخل،ذهبت نحو غرفة درة باسل قد وضع دُرة على الفراش وغطّاها بدثار خفيف.
وقفت عند الباب للحظة، تتأمل المشهد، تتساءل في صمت عمّا جرى... كانت دُرة شاحبة، وملامحها هادئة كأنها مستسلمة لوهنٍ دفين، لكن أثر الدموع الجافة على خديها كان كافيًا ليحكي عن الألم الذي سبق هذه اللحظة.
اقترب باسل منها، تمعن في وجهها بحنانٍ، قبل أن يهمس لكريمان:
إيه اللى وصلها لـ طوفان هي كانت فين.
أجابته كريمان:
بعدين يا باسل لما تفوق تبقي تحكي ليا الأهم دلوقتي إنها تبقي بخير.
تنهد باسل قائلًا بإستيعاب:
دُرة محتاجة ترتاح... هتحتاج وقت عشان تستوعب اللي حصل فى المحاكمة.
أومأت كريمان بصمت، ثم تنهدت، وعقلها يعجّ بالأسئلة التي لم تجد لها إجابة. لكن الأهم الآن أن دُرة بأمان.
❈-❈-❈
بمنزل طوفان
خلع ثيابهُ ثم اندفع تحت المياة الباردة، علهُ يطفئ بالمياة نيران الشعور الذي يشتعل داخله... تدفقت القطرات على جسده ، لكن حتى تلك البرودة لم تكن كافية لوأد ما يشعر به في صدره.... أغمض عينيه، تاركًا الماء ينهمر فوقه كأنه يحاول غسل روحه قبل جسده... توترت عضلاته تحت وطأة البرد، لكن الألم الدافئ في صدره ظل عصيًّا على الذوبان... زفر أنفاسه الثقيلة، مختلطًا بين الحنين والوجع، وبينما تساقطت القطرات على وجهه، لم يكن واثقًا إن كان ما يشعر به ماءً أم شيئًا آخر أشد مرارة.
❈-❈-❈
بعد مرور أكثر ثلاث اسابيع
ابتسم وهو ينهض من خلف مكتبه، يمد يده مُصافحًا بحرارة، قائلًا بترحيب:
المنيا نورت يا شاهر.
ضحك شاهر بمجاملة خفيفة، مردفًا:
المنيا منورة بأهلها.. إيه بقالك حوالي شهر منزلتش القاهرة، الآية اتعكست ولا إيه، كنت معظم وقتك هناك، ولا خلاص اللي كانت السبب بقت هنا جنبك.
جلس على أحد المقاعد في الغرفة، وأسند ظهره إليه، ثم زفر بعمق كمن يحمل في صدره نارًا، قبل أن يرد بلوعة:
للأسف... رغم إنها زي ما بتقول جنبي، لكنها بعيدة جدًا.
نظر إليه شاهر مليًا، يتأمل ملامحه التي طغى عليها الإرهاق، ثم قال بنبرة مزاح خفيف امتزج بفضول حقيقي:
برضوا لسه معاندة، راحت فين الهيبة...ياعم أنا فاكر كان نص بنات الجامعة يتمنوا بس بسمة من وِلد عيلة "مهران".
مرر يده على وجهه كأنه يزيح أفكارًا أثقل من أن تُقال، ثم تنهد مجددًا قائلًا:
الموضوع مش بالبساطة اللي أنت متخيلها.. وكمان الحكم على وليد زود الفجوة.
تأمل شاهر صديقه للحظات بآسف قبل أن يميل للأمام، مستندًا بمرفقيه على ركبتيه، ثم قال بجدية:
طيب، أنت هتفضل ساكت.
ابتسم بسخرية مرة وهو يهز رأسه ببطء:
للآسف بحاول، بس بلاقي صد... مفيش فى إيدي حاجه أعملها غير إنى أفضل أحاول لحد إمتى معرفش.
ارتفع حاجبا شاهر بدهشة قبل أن يقول:
طب والإستئناف، المُدة خلاص قربت تنتهي، حتى لو دُرة مقدمتش إستئناف، مش المفروض النيابة تقدم إستئناف عالحُكم... ليه
النيابة ساكتة لغاية دلوقت، تفتكر منتظرة تقدمه في آخر الوقت.
أشعل سيجارة ونفث دخانها وأجابه:
معتقدش النيابة هتقدم إستئناف.
بدهشة سأله شاهر:
طب ليه؟.
أجابه بتفسير:
إنت عارف إن أخو مرات خالي عضو مجلس شعب وأكيد مرات خالي إتمحلست له وتلافيها دخلت له من ناحية المصلحة، إن وليد لما القضية تتقفل طبعًا مش هيمسه أي سوء من ناحيتها ان إبن أخته قاتل، هيزعزع هيبته،طبعًا قفل القضية من مصلحته وممكن يكون إستخدم نفوذه فى وقف القضية.
تفهم شاهر ذلك لكن عاود سؤال طوفان قائلًا:
عندك حق وفى حاجه كمان إنت ممكن تكون السبب فيها بشكل غير مباشر.
بإستفسار نظر له طوفان سائلًا:
إيه الحاجه دي؟.
أجابه شاهر:
ممكن يكون عاملين زي مُجاملات وإستثناءات بسببك منصبك السابق إنك كنت زميل لهم ناسي إنك كنت "وكيل نيابة".
نفث طوفان دخان السيجارة،ثم تفوه بآسف:
للآسف وكيل نيابة سابق، لو كنت لسه فى منصبي كنت قدمت الإستئناف من تاني يوم صدر فيه الحُكم
كده يبقى الإعتماد على إستئناف صاحب الحق
اللى هما أهل اللى أتقتلوا.
تنهد طوفان بآسف قائلًا:
واللي منهم دُرة طبعًا،وأنا مش عارف فى دماغها إيه،بس عندي يقين إنها مش هتقدم إستئناف،لانها شافت عدالة القانون ومش هتغامر تاني وتلجأ للقانون.
-والحل؟
هكذا تسائل شاهر، أجابه طوفان بالصمت للحظات ثم تحدث بزفر:
للآسف مش عارف، خايف من رد فعل طايش من دُرة، أو من حاتم أخو حسام، إنت مشفتوش فى المحكمة حاول يقتل وليد، بصراحة يستحق، لو بإيدي كنت حكمت عليه بالاعدام من أول جلسة، بس للآسف زي ما قولنا قبل كده المحكمة لها الادله والبراهين وشهادة الشهود،وخلاص وليد هيخرج من الأحداث،والقضية إنتهت قانونيًا،خايف من ردود الأفعال الجاية.
تنهد شاهر بآسف قائلًا:
أكيد خوفك الكبير على دُرة لا تتهور،وعشان كده إنت قاعد هنا عشان تبقي قريب منها،بس هتفضل كده لحد إمتي.
أشعل سيجارة ونفث دخانها ينظر له بحِيرة قائلًا:
معرفش الحل الوحيد إن انا ودُرة نتجوز،وقتها هعرف أسيطر على ردود أفعالها.
نظر له شاهر قائلًا:
فى حاجه إنت مش واخد بالك منها...
نظر له طوفان بإستفسار،فإستطرد شاهر بتوضيح:
وليد...
إبن خالك،وأكيد دُرة مش هتقدر تتقبل بس تشوفه فى مكان هي موجودة فيه،وجوده هيفكرها دايمًا بمقتل والدها وحسام.
نفث دخان السيجارة بآسف قائلًا:
سهل أمنع وليد من دخول أي مكان يُخصني.
تنهد شاهر بآسف قائلًا:
الحكاية محتاجة مُعجزة.
تنهد طوفان قائلًا:
لاء محتاجة صبر أكتر.
❈-❈-❈
بمنزل درة
تبسمت لتلك التى تفتح لها يديها تقول بعتاب:
حفيدتي الكبيرة اللى بقالها أكتر من شهر مسألتش عني، جيت مخصوص عشان أشوفك وحشتيني قد الدنيا كلها.
ضمتها دُرة قائلة:
تيتا قسمت وحشتيني والله.
ضمتها "قسمت" بعتاب قائلة:
بجد،لو صحيح كنتِ حتى سألتي بالموبايل،لكن إنت من يوم ما رجعتي لهنا نسيتني عالآخر.
إبتسمت دُرة قائلة بآسف:
مشاغل يا تيتا حقك عليا.
ضمتها قسمت بحنان قائلة:.
تعالي نقعد انا ست كبيرة ورجليا شايلني بالعافية.
إبتسمت دُرة قائلة:
ربنا يديكِ الصحة يا تيتا وتجوزي أحفادك كلهم كمان خالي مجاش معاكِ ليه.
أجابتها:
عنده شُغل كتير، وبيتحجج زيك كده.
تبسمت دُرة قائلة:
والله انا عندي شغل كتير فعلًا، لدرجة إنى مُرهقة ومحتاجه اخد شاور وأمدد جسمي عالسرير وأنام مش أقل من إتناشر ساعة.
إبتسمت لها بحنان قائلة:
كُل ده إجهاد وكسل،يلا إطلعي خدي شاور وأنا باقيه هنا كام يوم.
قبلت دُرة وجنتها قائلة:
المنيا نورت بيكِ يا تيتا.
غادرت دُرة، بينما جلست كاريمان بجوار والدتها، تتنهد بأسى، وقسمت تشاركها الشعور ذاته ثم تفوهت كاريمان بغصة:
لما كنتِ بتكلميني في التليفون وتقوليلي إن دُرة اتغيرت، كنت بقول إنها مسألة وقت… لكن مع مرور الوقت، دُرة بعدت أكتر، بقيت تحس إنها مش هي… كأنها شخص تاني، غريبة عننا، عن نفسها حتى... مش عارفة إيه اللي جواها، واضح إن اللي كانت بتحاول تخفي ألم أكبر من اللي كنا متخيلينه… كأنها بقت جدار، مفيش طريق نوصل بيه ليها، كل ما بحاول أقرب، بحسها بتبعد وبتميل للعُزلة، تبتسم قدامنا لكن عينيها… عينيها فاضية،
توقفت للحظات ثم إستطردت حديثها:
دُرة اللى كانت بتخاف تمشي من قدام شارع المقابر، تروح المقابر آخر الليل فى عز الضلمة.
سادت لحظة صمت ثقيلة، قبل أن تتنهد كوثر قائلة بصوت خافت:
أنا خايفة عليها، خايفة تكون الحسرة اتوغلت من قلبها،هحاول أقنعها تجي معايا القاهرة تاني،وجودها هنا بيهلك نفسيتها.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
منزل عزمي مهران
الفرحة اليوم إثنان
الأولى نجاح الولد الصغير بالثانوية العامة... والثانية والأهم، خروج وليد من السجن
تهليلات وزغاريد تملأ الأجواء، صيحات فرح تمتزج بالضحكات، الأحضان تتوالى، والجيران والأهالي يتوافدون لتقديم التهاني.
أمام المنزل
سامية تشعر بسعادة بالغه لا تصدق أن ابنها عاد أخيرًا، تضمه بقوة وكأنها تخشى أن يضيع منها مرة أخرى.
عزمي ينظر إليه بعينين يغمرهما الفخر المُزيف...
بينما ريان بطل الثانوية العامة، فيقف متحمسًا وسط هذا المشهد، يلمع في عينيه المستقبل الواعد للتحرُر، لكنه أدرك أن هذه الليلة تخص وليد أكثر منه... ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه وهو يرى أخاه الكبير بين أحضان والدتهما
الشارع الرئيسي للبلدة يهتز بالزغاريد،وبعض النساء يوزعون الحلوى، وأخريات يطلقن الزغاريد، ورائحة المال تتصاعد وهي تُنثر في الهواء احتفالًا بعودة الكبير الغائب ونجاح الصغير.
بنفس الوقت
كان يمُر حاتم بسيارته ورأي ذلك شعر بسفح فى قلبه، وهو يرا القاتل يُستقبل بالتهليلات، دون عقاب، وضع يده فوق خصره وكاد يجذب سلاحه وينهي ذلك الإحتفال بقتل ذلك المجرم لكن تردد لوهلة، وأدرك أن تصرفًا متهورًا كهذا لن يُحقق العدالة التي يسعى إليها، بل سيُحوّله إلى مُطارد مثل القاتل نفسه... قبض على مقبض سلاحه بقوة، متحسسًا برودته تحت أنامله، ثم زفر ببطء محاولًا كبح جماح غضبه...مقتنعًا... لا، ليس الآن… ليس بهذه الطريقة...
راقب الحشود التي تهتف بحماس، واحتدم الغضب في صدره أكثر كيف يمكن للقاتل أن يسير بينهم مرفوع الرأس... كيف يُنسى الدم الذي أهدره... شدّ قبضته ثم حررها، واتخذ قرارًا… لا بد أن يجد طريقة أخرى، أذكى، ليحقق العدالة التي يستحقها هذا القاتل.
بينما طوفان حين وصل إليه ما فعله خاله وزوجته، أدرك أنهم لا يفعلون ذلك رياءً فحسب، بل ربما كان ردًّا على شماتة الآخرين بهم... كانوا يبتسمون أمام الناس، يتظاهرون بالقوة، لكنّه رأى ما وراء تلك الأقنعة... خلف بريق أعينهم المتصنّع، إحساس سابق بالهزيمة يحاولون إخفاءه وراء ستار الكبرياء والتصنُع.
لكن لماذا الآن... لماذا اختاروا هذه الطريقة تحديدًا...علم أنها مجرد محاولة لاستعادة كرامة فقدوها، شعر بغضب عارم من ذلك، لديه يقين أنهم يفعلون ذلك لإثارة ليس فقط غضب تلك العائلتين،بل غضبه هو الآخر من ذلك التحدي الواضح
يتبعون أساليب سطحية، استعراض لا يعكس إلا دمارًا قادم... يعلم أنهم اختاروا هذه الطريقة بالتحديد لأنها الطريقة الوحيدة التي يظنون أنها ستكسبهم شيئًا من احترامٍ زائف، أو على الأقل، تُمكنهم من التظاهر بأنهم ما زالوا في موقع القوة... وكلما فكر في ذلك، ازداد شعوره بالاحتقار لهم، وعز عليه أنهم لا يستطيعون إدراك حقيقة أنفسهم، بل يسعون خلف صورة مشوهة...
ترجل سريعًا من السيارة، حاسمً الامر سيُنهي تلك السخافة، لكن لسوء الحظ
بنفس الوقت أيضًا
توقفت سيارة أخري وفُتح بابها وترجلت منها دُرة قطعت ذلك الزحام حتى وصلت الى مكان وقوف وليد وبلحظة أشهرت السلاح نحوه وصمتت التهاليل وإرتفع صوت الرصاص.
«يتبع»