رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8 بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8 هى رواية من كتابة مريم محمد رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8

رواية هيبة نديم وليلي بقلم مريم محمد

رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن 8

_ لأكون معك _ :
للمرة الثانية على التوالي. يزور "زين نصر الدين" الجامعة التي تلتحق بها ابنة عمته، الهواء دافئ لكنه يحمل شيئًا من توتر المدن، كأن المدينة نفسها تحبس أنفاسها لما يحدث يوميًا بين ساكنيها، لم يكن "زين" معتادًا على هذا النوع من الأماكن، لا طلاب ولا محاضرات ولا هذه الوجوه المتناثرة من دون هدف، لقد إلتحق بكلية الشرطة وتعامله منذ سنوات مع رجال فقط، وقبل ذلك تلقى تربية صارمة للغاية صنعت منه رجلًا صلبًا مجرّد من أيّ عواطف ..
لكنه جاء، جاء اليوم أيضًا بحثًا عنها، "ليلى" اسم صار ينطقه كصيرًا بالأونة الأخيرة، وفي الليلة الماضية ظل صوت جده يرن في رأسه بإلحاحٍ لا يرحم:
"عاوزك تروحلها تاني. كلمها وفهمها.. قولها الحقيقة.. كفاية غُربة." ..
كان "زين" يرفض فكرة المواجهة. يرفض أن يصدمها بماضي أمها دفعة واحدة، أن يخلّ بتوازنها ويخبرها بأن تلك العائلة التي شبّت وكبرت معهم ليسوا بعائلتها، وأن لها عائلة أخرى بمكانٍ آخر ..
لكن… جدّه، ذلك الجبل الذي لا يهتز، لأول مرة يراه بهذا الضعف والهوان، وكأن يخوض آخر وأهم معارك حياته إن خسرها فسيموت حسرةً ..
لقد طلب منه جدّه أن يتولّى الأمر، طلب منه أن يأتي له بحفيدته، وهو لا يستطيع رفض أيّ طلب له، فكيف وهو يشعر وكأن هذه آخر رغباته بالحياة؟!
خطى "زين" في ممرات الكلية المزدحمة، يبحث عنها كمن يبحث عن ظلٍ في زحام. سأل، تفحّص، تجوّل بين القاعات، لكنه لم يجدها ..
أخيرًا هداه تفكيره إلى الكافيتيريا، لقد أوشك موعد استراحة الطلبة، ربما تأتي مثل البارحة ..
جلس في ركنٍ بعيد، عيناه تمسحان المكان بدقة الصقر. مرّت دقائق… ثم دخلتا القاعة فتاتان هما نفسهما من رآهما معها اليوم السابق ..
ضحكتاهما سبقتهما إلى الداخل، الحديث بينهما خفيف، مشرق، لا يوحي بأن شيئًا يعكر صفوهما. لكن "ليلى".. لم تكن معهما ..
اعتدل "زين" في جلسته. ثم وقف واتجه نحوهما، خطواته محسوبة، اقترب منهما، ورفع صوته بلطفٍ:
-لو سمحتي يا آنسة!
رفعت الفتاتان رأسيهما في وقتٍ واحد، لكنه لم ينظر إلا إلى واحدة. "نوران" ..
وجهٌ مألوف، بدت الأكثر قربًا "ليلى" بالأمس، ركّز عينيه عليها وسأل بنبرة رسمية:
-ممكن أسألك عن ليلى الراعي؟ انتي صاحبتها مش كده؟
نظرت إليه "نوران" طويلًا، ولم تمر ثوان حتى تذكرته، هذا هو الشخص الذي حاول مطاردة صديقتها البارحة، لكنها صدّته ..
ارتفع حاجبها باستغرابٍ ساخر وقالت ببرود:
-أفندم؟ حضرتك جاي تسألني على ليلى بعد ما تقريبا هزأتك امبارح؟ أكيد مش هقولك!
ابتسم "زين" بهدوء، لم يغضب، كان يعلم بأنها كانت على مقربة بينما أمعنت "ليلى" باحتقاره، لعلها سمعت، وربما أيضًا حكت "ليلى" لصديقتاها عنه مبدية انطباعها السيئ عنه ..
ورغم ذلك قال "زين" بدماثة:
-يا آنسة أنا مش بعاكس والله.. ولو حبيت أعاكس مش فاضي صدقيني. أنا جاي لحد هنا مخصوص عشان أتكلم مع ليلى في موضوع مهم. بس مش لاقيها.. ف ياريت تساعديني.
اكتفت بهز رأسها وقالت بنبرة حادة:
-آسفة جدًا.. صاحبتي كان موقفها واضح منك. مش هقدر أفيدك بحاجة ولا أكون مرسال.
الكلمة ضايقته بشدة، كما لو أنها طعنت كبرياؤه، عبس وجهه، وتغيّرت نبرة صوته مكتسبة خشونة خفيفة وهو يقول:
-مرسال؟!
يا آنسة أنا بقولك عايزها في موضوع مهم… أنتي شايفاني مراهق قدامك؟
أنا زين نصر الدين. أنا رائد في الداخلية. وأدي الكارنيه بتاعي ..
أخرج محفظته الجلدية الفاخرة بهدوء، فتحها أمام وجهها لتقع عيناها على بطاقته الرسمية ..
شخصت عينا "نوران" ورفعت نظرة مرتبكة نحو "زين". تبادلت نظرة خاطفة مع "رنا" ثم قالت بنبرة أقل حدة:
-طيب حضرتك عاوزها في إيه؟ هي ليلى ممكن تكون عملت إيه عشان ظابط يمشي دور عليها كده؟
ضيّق "زين" عينيه قليلًا، كأنّه يقاتل كي لا ينفجر وقال:
-انتي حقيقي مفكراني واحد فاضي. معلش.. بصي. الموضوع شخصي جدًا ومايتحملش تأخير.. من فضلك قوليلي ألاقيها فين؟
صمتت "نوران" للحظة، وكأنها تزن الأمور، ثم قالت على مضضٍ:
– ليلى ماجتش الكلية النهاردة… ومش هاتيجي غير أول الأسبوع.
انعقد حاجباه، قلبه خفق فجأة وهو يسألها:
-ليه؟ خير حصل لها حاجة؟
ردّت "نوران" باقتضاب، وهي تتجنّب النظر في عينيه الحادتين:
– مافيهاش حاجة. بس سافرت مع ابن عمها.
مرّت ثانية ..
ثم أخرى ..
والجملة: "سافرت مع ابن عمها".. ظلّت تتردد في ذهنه كالرصاص ...
-سافرت مع ابن عمها؟ لوحدها؟ سافرت فين؟
زفرت "نوران" بقوة وقالت بحدة:
-ماعرفش.. وكفاية أسئلة بقى أنا مش في تحقيق على فكرة.. عن إذنك. يلا يا رنا.
وغادرتا الكافيتيريا.. تتركان خلفهما صمتًا كثيفًا لا يُحتمل ..
بينما "زين" ظل واقفًا مكانه. لم يتحرك، فقط نظرته تغيّرت، احتدّت، اتسعت حدقتاه وهو يتنفس ببطء. ليس غضبًا، بل شيء أعمق، أقوى، شيء يشبه الحريق ..
هذا الرجل حتمًا هو من حكى له "رياض" عنه، حتمًا هو.. "نديم الراعي" ..
أيعجل الآن بالتصرف؟ أيظن بأنه قادرٌ على إخفائها؟
بل إنه سوف يجدها حتى ولو ذهب بها إلى أقصى الأرض، سيعثر عليها ويعيدها إلى جدّه، سيوفي بوعده هذا مهما كلّف الأمر ...
_________________________________
كانت الطائرة الخاصة تُعد للإقلاع. الجو بالخارج صافٍ، والسماء مائلة إلى زرقة هادئة. الداخل أنيق للغاية، المقاعد الجلدية بلون رمادي فاخر، أضواء ناعمة تسقط على الخشب اللامع للمقصورة، صوت المكيف بالكاد يُسمع ..
دخل "نديم" أولًا يجرّ حقيبته الجلدية السوداء بإحدى يديه، بينما الأخرى تمسك بحقيبة "ليلى". خطواته واثقة كالمعتاد، متزنة، كأن الأرض تمهد له الطريق أينما ذهب ..
فتح باب خزانة الأمتعة بأعلى المقصورة ووضع الحقائب بعناية. أدارت "ليلى" عينيها في المكان، كان فخمًا، مريحًا، لكنه لم يُشعرها بالطمأنينة، هناك شيء يخنق أنفاسها، لعله خوفها من الطيران، فهذه هي أولى تجاربها!
أشار لها "نديم" بلطف:
-أقعدي هنا يا لولّا.
كانت نبرته دافئة، لكن عقلها كان مشوّشًا، جلست على أحد المقاعد القريبة من النافذة، خفضت رأسها قليلًا، تقلب أفكارها كما لو كانت تتوقع شيئًا مفاجئًا ..
بينما هو قد اتجه إلى مقدمة الطائرة. فتح باب المقصورة، دخل يسلّم على الكابتن، ومن بعيد سمعته يضحك.. ضحكته القصيرة المشهيرة.. ابتسمت بمجرد سماعها وأخذت تراقبه عبر الباب الموارب ...
كان الحديث يبدو وديًا، واضحٌ أنهما يعرفان بعض جيدًا، أصدقاء على ما يبدو ..
وفجأة حركت "ليلى" رأسها بحذر عندما لاحظت شيئًا غريبًا، رأته يقف الآن بجوار المضيفة، أو الأحرى أنها هي من جاءت لتقف أمامه ..
كانت شابة، جذابة، بتنورة قصيرة وضيّقة جدًا تكشف عن ساقين طويلتين، وسترة أنيقة تبرز مفاتنها ..
اقتربت منه بابتسامة متلاعبة، تكلمت بثقة، وضحكت بصوتٍ ناعم، كانت تنظر إليه كأنها تحاول خطف انتباهه ..
إلا إن "نديم" لم يُبدِ انفعالًا، فقط ابتسامة هادئة وثابتة على وجهه، ذلك الوقار الذي لا يتخلّى عنه، بل الهيبة التي يخطئها أيّ من ينظر إليه  ..
ظل واقفًا معها… ثوانٍ طويلة بما يكفي لتتسلل الغيرة إلى صدر "ليلى" ..
ثم تحرّك، تجاوزها، واتجه مباشرة عائدًا نحوها ..
جلس بجانبها، مالت الطائرة قليلًا استعدادًا للتحرك، نظر إليها بابتسامة خفيفة وسأل:
-لولّا.. إيه الأخبار؟ متحمسة ولا خايفة؟
تنهدت "ليلى" ببطء، تحاول تمالك انزعاجها، وقالت بلهجة خافتة:
-تمام.. أنا كويسة.
لم يقتنع، عبس قليلًا، ومال برأسه ناحيتها قائلًا:
-مالك يا ليلى؟ انتي كويسة؟
نظرت له طويلًا… كان صامتًا، ينتظر جوابها ..
فقالت بجديّة ناعمة تحمل تحتها نبرة مُحبطة:
-ممكن لو سمحت… ما تبقاش تدي فرصة لأي بنت تقرب منك؟
ولا حتى تضحك لك؟ ولا تهزر معاك؟
ارتفع حاجبه قليلًا، وفهم على الفور مشكلتها، ابتسم في هدوء، وأشار بإبهامه ناحيّة مقصورة القيادة حيث دخلت المضيفة منذ لحظات وقال:
-انتي قصدك يعني لما وقفت 10 ثواني مع البنت دي؟
تنهد بخفة، ثم أردف بروية:
-ليلى… أنا عايز أفهمك إن غيرتك عليّا بتفرحني أكيد.. بس في نفس الوقت عشان تكوني مرتاحة الغيرة دي ملهاش أي مبرر. لأني مش شايف غيرك. أيوه دي بنت.. وحلوة.. والدنيا مليانة بنات حلوين. بس أنا… أنا مش عايز غير بنت واحدة بس. أنتي. لا مراتي. ولا أي ست خلقها ربنا تيجي جنبك حاجة في نظري.. اطمني يا حبيبتي.
مد يده بهدوء ليمسك بيدها الصغيرة، رفعها لفمه وقبّل باطن كفها ببطءٍ.. بعمقٍ… كأن كل مشاعره انسكبت في هذه القبلة ..
شعرت "ليلى" بأنفاسها تثقل، كلماته اخترقتها، لكنها لم تكن كافية لتمحو ما في قلبها، فقالت له بتحذيرٍ ضمني:
-بردو تعمل اللي بقولك عليه. أنا كفاية عليا عشت سنة وأكتر وأنا شايفاك مع راندا.. رايح  جاي معاها. جنبها. بيتقفل عليكوا باب واحد… أنا كنت بنام معيّطة كل يوم وأنا بفكر نفسي مجنونة.. بغير عليك من مراتك.. بغير على راجل عمره ما قالّي حتى إنه بيفكر فيّا.. لما انت بتحبني يا نديم ازاي اتجوزتها؟ ليه عملت فيّا كده؟
لمعت الدموع بعيناها، لكنها تمالكت نفسها حتى لا تنهار، بينما يشد "نديم" على يدها، كانت عينه تلمع بانفعال مكبوت هو الآخر وهو يقول:
-راندا ماكنتش اختياري يا ليلى. راندا اتفرضت عليا لأسباب كتير. لكن أهم سبب… كان أنتي.
ليلى بدهشة: أنا؟!
أومأ رأسه ببطء، وقال:
-أيوة.. انتي. فاكرة ليلة ما رجعت متأخر… وانتي جيتي عندي الأوضة؟
أجفلت… قلبها هوى فجأة!
تلك الليلة.. أيعقل أنه يشير إليها؟ هل يذكر؟ هل ظنّت طوال هذا الوقت بأنه ما كان يعي ما حدث وما الذي فعله حينها؟
لم ترد، لكن عينيها ضاعتا بين الخوف والارتباك، فاستطرد:
-أنا بوستك… وأنا سكران.. تعرفي إن عمري ما دوقت الخمرة؟ بس كنت قاصد أشرب ليلتها. كنت عارف إنك كل يوم بتستني رجوعي… في الفترة دي كنت بفكر فيكي وعايزك… عايزك أوي ومش عارف إزاي أوصل لك. كنتي بعيدة أوي… مهما عملت.. مش قادر ألمس حتى شعرة منك..ف قررت إن ده مش هايحصل غير وأنا مش في وعيي.. أو أنتي تبقي فاكرة إني مش في وعيي ...
نظر لها للحظة، ثم أكمل:
-زي ما حسبتها بالظبط… جيتي.. وما صدقت لاقيتك قريبة.. بوستك.. وكنت ناوي على أكتر من كده.. لولا القلم إللي نزل على وشي من إيدك.. فوقتيني.. وجريتي على أوضتك. وأنا… ما نمتش طول الليل.. كنت بفكر.. وقلت لازم أحط حد لنفسي لأني لو فضلت كده هادمر كل حاجة بيني وبينك.. ماكنش في حل.. غير إني أتجوز وأجيب واحدة تكون دايمًا جنبي.. تحوشني عنك.. تحرسك مني بس لما اتجوزتها اكتشفت ان ظنّي غلط تمامًا إللي أنا عايزه بعمله يا ليلى ومحدش يقدر يمنعني.. وأنا عايزك. لا راندا ولا غيرها يقدروا يمنعوني عنك!
سكت ..
و بقيت "ليلى" صامتة لثوانٍ، كأن صوت "نديم" وكلماته أعادت ترتيب كل ما فسد بداخلها طوال عامًا وأكثر بسبب زواجه ..
ربما كلماته ثقيلة، لكنها مشبعة بالمشاعر، لم تعتد أن تسمع منه شيئًا بهذه الجرأة والوضوح ..
نظرت له بدهشة، مزيج من الذهول والوجع وهي تقول بعتابٍ:
-طيب كنت مخبي عني كل ده ليه؟ كان ليه من الأول يا نديم؟ كنا ممكن نكون مع بعض!
كادت تقول شيئًا آخر، فرفع إصبعه ووضعه برقة على شفتيها، أسكتها وقال فقط بخفوتٍ:
-ششش.. خلاص. كفاية.. أوعدك غني هافهمك كل حاجة. بس مش وقته.. انتي دلوقتي معايا… وده أهم شيء بالنسبة لي.. بقيتي مراتي كمان.. ماتخافيش يا ليلى.. وخليكي واثقة إن إللي جاي لينا مش هايكون في غير الفرح.. والسعادة.
نظرت له "ليلى" بثقة لم تهتز، كأنها نسيت كل شيء إلا وجوده، ابتسمت وقد كانت نظرتها هادئة مطمئنة، وابتسامتها خجولة، لكنها حقيقية، حين قبّل جبهتها بحب، أغمضت عينيها وصدقت على حديثه بكل ذرة فيها ..
كيف لا تفعل؟ لطالما كان "نديم" صادقًا، لم يقل في حياته رأيًا إلا وكان الصواب، حتى في صمته يكون حكيمًا ..
كان مرشدها… ودليلها… وحبيبها ...
وهي تصدقه.. بالتأكيد تصدقه ...
جاءت المضيفة الآن، بابتسامة خفيفة على وجهها، وقفت أمامهما متنحنحة:
-من فضلك يا فندم.. ياريت تربطوا أحزمة الأمان الطيّارة هاتتحرك بعد دقايق.
قبل أن يُجيبها، كانت "ليلى" قد وجهت لها نظرة حادة وسريعة، صريحة في معناها:"ابتعدي."!
تفاجأت المضيفة وتراجعت بسرعة، بينما ضحك "نديم". لم يُعلّق.. فقط مد يده وربط لها الحزام بنفسه، ثم ربط حزامه ..
وبعدها مرّر ذراعه حول كتفها وجذبها ناحيته بهدوء، حتى استقرت في حضنه ...
-أنا عارف إن دي أول مرة تركبي طيارة.. بس ماتخافيش.. أنا جنبك.
نظرت له بابتسامة خفيفة على شفتيها، ثم قالت:
-أنا مش خايفة.
لكنها كانت كاذبة وتعلم ..
في داخلها، كانت خائفة جدًا من الارتفاع، من الطيران، ومن كل شيء إلا هو ..
شدّت نفسها عليه، عانقته كأنها تبحث عن أمانها بين ضلوعه، ضمّها "نديم" أكثر وقال بصوته العميق:
-ساعة واحدة وهانكون في الغردقة. كده أحسن من العربية. كنا هنقعد 6 ساعات في الطريق.
وفي هذه اللحظة اهتزت الطائرة اهتزازها الخفيف الأول. ثم سارت ببطء نحو السرعة وارتفعت.. تدريجيًا ...
شهقت "ليلى" بصوت مكتوم، شدّت أصابعها على قميصه، نظر لها "نديم" دون أن تفارق ابتسامته ملامحه وقال:
-خلاص.. اللحظة الصعبة عدّت.. ماتخافيش يا حبيبتي. لو عاوزة تنامي شوية أفرد لك الكرسي وأجبلك بطانية!
هزّت رأسها ببطء، عينيها نصف مغمضة وتمتمت:
-لو نمت.. هانام كده.. في حضنك.
ضمّها إليه أكثر، وصمت بعد ذلك، لكنه يشعر بها، ويحميها من كل شيء ..
تثقل أجفان "ليلى" بالكامل بمرور الوقت، قلبها يهدأ لأول مرة منذ شهور ولا شيء في الخارج يهم، ما دام هو معاها، كل شيء بخير، وهي بخير ...
مرّت الساعة كأنها لحظة، وصوت نديم كان أول ما تسلل إلى وعيها:
-ليلى.. اصحي يا حبيبتي. وصلنا.
فتحت عينيها ببطء، وعلى الفور التقت نظرتها بعينيه القريبتين، الدافئتين ..
ابتسم لها، وساعدها تفك حزام الأمان بلطف، أومأت له بخجل، وجمعت حقيبتها الصغيرة بجوارها، بينما هو أخرج حقيبتيهما الكبيرتان من الرف العلوي بسهولة، ونزلا معًا من الطائرة ..
خارج المطار كانت سيارة فاخرة في انتظارهما، بسائق خمسيني استقبلهما مبتسمًا بترحيبٍ مهذب، فتح لهما الباب الخلفي، ركبا بهدوء، وانطلقت السيارة وسط شوارع المدينة الساحلية الهادئة، والشمس تلامس واجهات البيوت بألق ذهبي ناعم ..
التزمت "ليلى" الصمت، تنظر من النافذة تارة، وتسرق نظرة له تارةً أخرى ..
أما هو، فكان بجانبها، مسترخٍ وهادئ كعادته ..
خمسة عشر دقيقة وصارا عند بوابة المنتجع السياحي الفخم، توقفت السيارة أسفل لوحة أنيقة "AL BADRY GARDENS" ..
ترجل "نديم" أولًا، مد يده لها لتخرج، فأمسكتها بقوة كأنها لم تعد تثق في الأرض تحت قدميها دونها ..
دخلا بهو الفندق، وكان هادئًا أنيقًا، تفوح منه رائحة الزهور والمكيّفات الباردة، رُخام لامع، ونخيل صناعي، وعمال بهندام مميز، هذا هو "عمر البدري". رمز الدقة والتميّز ..
حرّك عامل الاستقبال عربة الحقائب خلفهما بصمت ..
جلسا في اللوبي، بينما "نديم" يخرج هاتفه ويجري اتصالًا، صوته مرتفع وواضح:
-أيوة يا عمر. أنا وصلت.. مع ليلى.. مستنيك.
خمس دقائق فقط.. ثم ظهر "عمر البدري" ..
كان رجلاً في أواخر الثلاثينات، يمتاز بجاذبية طاغية، بشرته سمراء، حُفّت بها تجاعيد دقيقة تعكس حياته المشبّعة بالشمس والبحر. شعره أسود، قصير، ومصفف بعناية، لكنه لا يخلو من لمسة فوضوية تدل على طبيعة شخصيته المندفعة، طوله يفوق المتوسط، وجسمه الرياضي يوحي بمجهود متواصل في صالة الرياضة، قميصه الكتّان الأبيض محلول الأزرار، وسرواله الجينز باهت قليلًا، أناقته غير المتكلفة تزيده جاذبية، كما عيناه، نظراته تحمل شحنة من الثقة التي يصعب تجاهلها، ابتسامته كانت صادقة، أشرقت على وجهه فور رؤية ابن خالته، تُظهر التواصل الحميم بينهما ..
وقف "نديم" ما إن رآه وابتسم له بنفس الاتساع، تلاقيا في عناقٍ أخوي صاخب، بينما "عمر" يهتف:
-أهلاً أهلاً بابن خالتي الواطي.. إللي بقالي سنة بشحت منه الزيارة.. ما كنت وفّرتها يا عم جاي على نفسك ليه!
ضحك "نديم" وهو يبعده عنه بعفوية:
-ياض صعبت عليا.. وعامل حساب إنك يتيم وأمك موصيانى عليك. كان لازم أجي بقى معلش.
شدّ "عمر" على كتفه بخشونة متكلّفة وهو يقول:
-انت بتعايرني ولا إيه؟ ما أنت كمان يتيم من الناحيتين. أنا أبويا لسه عايش ..
رد "نديم" ساخرًا:
-عايش ومش عايش! آخر مرة سأل فيك امتى يالا؟
تنحنح "عمر" بحرج وهو يقول:
-من 3 سنين!
فانفجر "نديم" ضاحكًا ..
قال "عمر" بغيظ مصطنع:
-اضحك اضحك…انت إيه إللي جابك؟ أنا مني لله إني قلت لك تعالى!
لم يتوقف "نديم" عن الضحك، فقلب "عمر" عيناه بضجر، ثم نظر لليسار حين لمح "ليلى" تنهض بهدوء، مد لها يده للمصافحة قائلًا:
-أهلًا إزيك يا ليلى؟ نوّرتي القرية والله!
صافحته وهي تقول برقة:
-إزيك انت يا عمر… عامل إيه؟ وريري. إزيها دلوقتي؟
-ريري الفرحة مش سايعها من الصبح من ساعة ما قلت لها إنك جاية!
-طيب هي فين؟ دي وحشتني أوي.
-يا ستي راحت مع الدادة بتاعتها تغيّر هدومها… أصلها وقعت البول وهي بتلعب مع الكلبة بتاعتها. 
عبس "نديم" وهو يقول فجأة بصوتٍ حاد:
-إزاي سايبها من غير رقابة يا عمر؟ إزاي سايبها تلعب أصلاً؟ دي كبرت خلاص!
مرّت نظرة حزينة على وجه "عمر" وقال بهدوء:
-مابحبش أزعلها. وبعدين هي معاها الدادة طول الوقت… أنا مش سايبها.
رد "نديم" بحزم صريح:
– ولو.. أختك عندها ظروف خاصة. وكبرت. ومش وحشة خالص.. يعني أي عيّل ابن حرام ممكن يصطادها وهي مش عارفة حاجة!
شدّ "عمر" على فكه، وقال ونبرته قد تحوّلت لقسوة نادرة:
-ماتوصلش لكده يا نديم. محدش يقدر يقربلها. أنا موصي الكل عليها…
وكل اللي شغالين هنا عارفينها وبياخدوا بالهم منها.
ثم غيّر الموضوع سريعًا:
-عملت تشيك إن؟ ولا لسا؟ أنا محضرلكوا أوضتين جنب بعض.
-لأ أوضتين إيه.. أنا عايز جناح.
رفع "عمر" حاجبه بدهشة:
-جناح؟ ليه؟
أمسكه "نديم" من ذراعه وسحبه بهدوء ناحيّة الريسبشن وهو يخاطب "ليلى":
-خليكي هنا شوية يا ليلى… راجعلك.
عند الريسبشن، قال "عمر" بصوتٍ منخفض:
-جناح إيه اللي عايزه؟ هي ليلى مش قاعدة معاك؟ ولا أنت مش ناوي تقعد أصلاً؟ مش فاهمك!
رد "نديم" بحسم:
-أنا وهي قاعدين أسبوع زي ما قلت لك. بس هاناخد جناح واحد. أنا وهي.
تجمّد "عمر" للحظة، ثم نظر له قائلًا بحدة:
-ازاي يعني؟ هاتناموا في مكان واحد؟!
أومأ له "نديم" بثبات وقال بثقة:
-أيوة. إيه مشكلتك؟
-المشكلة إن في رولز.. ما ينفعش أي اتنين ياخدوا جناح أو حتى أوضة منغير ما يكون في ارتباط رسمي. يعني قرابة من الدرجة الأولى… أو قسيمة جواز. انت مصمم ليه تقعد معاها في جناح لوحدكوا؟
زفر "نديم" بنفاذ صبر قائلًا:
-هاتصدعني ليه يا عمر؟ قلت لك عايز جناح مش أوضتين. لو متمسك بالرولز أوي. خلاص هاخد ليلى ونشوف مكان تاني نقعد فيه!
رفع "عمر" يده كأنه يهدئه وقال بمرونة:
-إيه يا نديم بالراحة.. ما قلتش حاجة. أنا عايز راحتكوا بس يا سيدي… إن شالله تاخد الفندق كله. خلاص.. هاعملك اللي أنت عايزه ...
ثم سأله بهدوء:
-بس سؤال أخير.. هي ليلى عارفة كده؟ يعني مرتاحة؟
أحسن تفكر إن أنا اللي عامل الحركة دي!
رد "نديم" بضيق:
-لأ يا سيدي.. أطمن.. عارفة. انجز بقى… خلقي بدأ يضيق.
أومأ "عمر" بيأس، وطلب من موظفة الاستقبال مفتاح أحد أجنحة الـ VIP وسلّمه لـ "نديم" ..
التفت "نديم" فورًا مناديًا على "ليلى" بالإشارة ..
جاءت له، فأمسك بيدها وفي يده الأخرى مفتاح الجناح، قال عمر وهو يلوّح لهما:
-الشنط هاتطلع وراكوا حالًا.. وماتنسوش… الليلة دي هانتعشى سوا!
غادرا اللوبي سويًا ..
بينما ظل "عمر" واقفًا ينظر في إثرهما مشغول البال، حاجبه مرفوع، ونظرة غريبة في عينيه ..
ثمة ما يجري بين "نديم" وابنة عمّه.. هناك أمر مريب.. وسيعلمه... إنه بطريقةٍ ما يعلم.. لكنه لن يصدق حتى يتأكد! ............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا