رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17 بقلم مريم محمد
رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17 هى رواية من كتابة مريم محمد رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17
رواية هيبة نديم وليلي الفصل السابع عشر 17
_ طوعًا إلى الهاوية _ :
فتح "نديم" باب الشقة بهدوء، أفسح الطريق أمام "ليلى" لتمر أولًا متمتمًا بإيماءة خفيفة من رأسه:
-ادخلي يا لولّا!
انصاعت له ودخلت بخطوات فيها من التردد، تبعها وهو يحمل حقيبتيهما في يديه، ثم أغلق الباب خلفه بهدوء ..
وقفت "ليلى" في منتصف الردهة، عيناها تجولان المكان دون تركيز، فقد رأته من قبل فعلًا، كتفاها مشدودان، لكن في عينيها ظلّ راحةٍ طفيف… راحة لوجوده معها فقط لا غير ..
وضع "نديم" الحقيبتين بجانب الجدار، ثم اقترب منها بخطى بطيئة، متأنية، كأنه يراعي كل اضطراباتها الظاهرة والباطنة ..
التفتت إليه مبتسمة ..
فقال بهدوء وهو يقرأ تعبها كأنه مسطرٌ في عينيها الآسرتان:
-إيه يا أميرتي.. لسا نعسانة ولا إيه؟ انتي نمتي ساعتين في الطريق.
أجفلت "ليلى" بينما يقف قبالتها، مد ذراعه محاوطًا كتفيها، وبيده الأخرى يمسك بيدها بلطفٍ ...
-مش نعسانة. بس مش عارفة ليه حاسة ان قلبي.. مقبوض!
رد بصوته الهادئ، عينيه على عينيها وهو يضم يدها في قبضته باحتواءٍ مدروس:
-مش قلت لك ممنوع تخافي يا ليلى؟ قلبك مقبوض وأنا معاكي معناها إني مش قادر أحميكي. معناها إني ماليش لازمة.
ليلى بصوتٍ مهزوز:
-أنا ماقصدتش كده يا نديم.. أكيد مطمنة طول ما انت جنبي. بس.. أنا خايفة لو بابا عرف.. حاسة إننا عملنا حاجة غلط!!
وأخفضت عيناها للأرض ..
تشكلت عقدة عميقة على جبين "نديم".. رفع يده بهدوء ولمس ذقنها دافعًا إيّاها للنظر له وقال بجدية:
-بُصيلي.. انتي دلوقتي مراتي يا ليلى.. فاهمة يعني إيه مراتي؟ محدش له سلطة عليكي غيري أنا. ولا حتى عمي.. هافترض معاكي لو عرف قبل ما أفاتحه رسمي هايزعل ويثور علينا شوية.. لكن في الآخر أنا واثق إنه هايبارك الجواز ده. لأنه عارف ومتأكد إني أكتر واحد هكون أمين عليكي.. وإني بحبك من قلبي ولآخر يوم في عمري.
رفعت عينيها إليه، لمعة خفيفة من الدموع تحتبس عند الحواف، ابتسمت ابتسامة صغيرة، فيها شكر وخوف، حب وضعف، كلها في لحظةٍ واحدة، ثم قالت:
-أنا مش ندمانة على أي حاجة عملتها معاك.. واثقة فيك يا نديم.. بس مش قادرة أمنع احساسي بالخوف. خابفة بابا يفهمني غلط!
هزّ راسه بتفهم وقال بهدوء:
-فاهمك ومقدر يا حبيبتي.. وبوعدك ان كل إللي انتي خايفة منه مش هايحصل.. أو على الأقل مش هاخليكي تواجهيه. إللي هايحصل هو إننا هانكون لبعض.. وقدام الدنيا كلها.
سكت لحظة يسكّن قلقها بابتسامة لطيفة، وأستطرد:
-تعالي نقعد شوية.. تشربي حاجة؟
أومأت له قائلة بصوتٍ به رجفة:
-آه… لو ينفع حاجة سخنة!
-طبعًا.. تعالي يا روحي.
أخذها نحو المطبخ المفتوح وأجلسها هناك بالقرب منه، تحرّك ناحية الموقد الكهربائي، خطواته تقطع الصمت، بينما هي تجلس بمكانها، تراقبه فقط، وتجد في ذلك متعة لا وصف لها ...
_______________________________________
باب الغرفة مواربًا، ما من صوت ينبئ بوجود أحدٍ من ورائه، لكنه يعرف أنها بالداخل ..
مد "عمر" يده دافعًا الباب ببطء حتى إنفتح عن آخره، وقف على العتبة لحظة مطوّلة، عيناه تجولان أرجاء الغرفة ..
كل شيء كان مبهجًا أكثر من اللازم، جدران بلون وردي فاتح يميل إلى لون حلوى القطن، مرسومٌ عليها أشكال متناثرة لغيوم صغيرة وطيور كرتونية بألون زاهية، ستائر شيفون بيضاء تحرّكها نسمات المكيّف لا الهواء الطبيعي، فالنافذة محكمة الإغلاق كما يرى ومجللة بسياجٍ حديدي كما لو أنها مسجونة!
السقف مزيّن بلصقات فسفورية على شكل نجوم وقمر فضّي، لا تُضيء إلا ليلًا حين يُطفأ الضوء كنوع من الطمأنة، الأرضية مفروشة بسجادة سميكة بلون أزرق سماوي، السرير في منتصف الغرفة، مغلف بمفارش ورديّة منقوشة بقلوب صغيرة، وفوقه دمية شقراء ترتدي فستانًا بنفسجيًا وتبتسم بجمود ..
ركنٌ في أقصى الغرفة وُضعت فيه مكتبة صغيرة متخمة بالكتب الخاصة بالأطفال وأقلام التلوين، بالإضافة إلى أرجوحة تتدلّى من السقف، تتهادى بهدوء رغم إن أحد لا يقربها ..
الغرفة كلها تفيض بالبهجة، نعم، لكنها بهجة مصطنعة، كأن شخصًا ما يحاول أن يصرخ من خلال الديكور، الألوان، كل شيء.. والأمر لا يحتاج تفكيرًا عميقًا ليدرك "عمر" بأن هذا الشخص ليس إلا والده!
هو "عاصم البدري".. لا غيره ...
-الأنسة هنا!
انتبه "عمر" لصوت الخادمة ..
إلتفت نحوها، ليراها تشير له صوب ستار النافذة، حيث اختبأت شقيقته هناك ..
ندت عنه تنهيدة عميقة وهو يطلب من الأخيرة الذهاب بإشارة من رأسه، أطاعت الخادمة أمره الصامت وخرجت من الغرفة مغلقة الباب خلفها، بينما يخطو "عمر" ببطء تجاه الستار المسدل ..
يمد يده ويسحبه على مهلٍ، لتظهر له "ريهام" كما عهدها في ظروفٍ مشابهة، رآها تجلس القرفصاء، تحتضن ساقيها، ودنوعها تسيل في صمتٍ ..
تقلّص وجه "عمر" من شدة الألم الذي تدفق بصدره، ضغط على نفسه كثيرًا ليخمده مؤقتًا لأجلها فقط، نزل لمستواها راكعًا على إحدى ركبتيه أمامها ..
رفع "عمر" كفّه ملامسًا وجهها، كفكف لها دموعها وهو يقول بصوتٍ خافت يكفي لتسمعه:
-إيه يا ريري! قاعدة كده ليه؟ مستخبية من مين؟
لم ترد فورًا، نطقت بصعوبة عبر تقويسة فمها المتشنّج:
-انت هاتسيبني وتمشي.. هاتسيبني معاه يا عمر!!
هز رأسه وهو يحتوي وجهها بين كفّيه الآن، ويرفعه لكي تنظر إليه، تألم لمرآى حزنها ودموعها المنهمرة بشدة، وقال بتأثرٍ بالغ:
-أنا عمري ما أقدر أسيبك يا ريهام.. وانتي عارفة. مستحيل. أنا بس ممكن أغيب شوية. لكن هارجع لك تاني.. يا حبيبتي انتي مش هاتكوني لوحدك.. وبابا وعدني إنه هاياخد باله منك. ومش هايزعلك أبدًا.
علّقت بصوتٍ يمزّقه النحيب:
-يعني صح.. انت ماشي وسايبني هنا.
وانفجرت في البكاء ..
أفلتت منه آهة عندما عجز لوهلةٍ على تحمّل آلامها، جلس بجوارها، ملاصقًا لها، ضمّها إلى صدره بقوة قائلًا:
-ريهام.. إهدي يا حبيبتي.. عشان خاطري. عشان خاطر عمر.. بطلي عياط.. والله ما هاسيبك. أنا عمري ما كدبت عليكي. كام يوم بس وراجع لك. ماتعملييش كده لو سمحتي. انتي كبيرة. انتي شاطرة.. ريهام!
ردت بصعوبة: أنا بخاف منه.. بيزعق فيا.
أخذ يدلّك فروة رأسها بأصابعه وهو يقول بلطفٍ:
-قبل كده ماكنش يقصد وأنا فهمتك صح؟ قلت لك إنه كان بيمر بفترة صعبة قبل ما يسافر ويسبنا.. لكن هو دلوقتي إتغيّر. بابا بيحبك يا ريري. وهو وعدني إنه مش ممكن هايزعلك أبدًا.. وهايعملك كل إللي انتي عايزاه. لو ماعملش كده قوليلي أول ما أرجع لك. وأوعدك. لأ أقسم لك إني مش هاخلّيه يشوفك طول عمره.. بس ممكن تصدقيني المرة دي؟ ممكن نديله فرصة أخيرة؟ عشان خاطري يا ريري!
كم كره الكذب عليها ..
كم كره استخدام كلمات والده نفسها.. أن يمنحه الفرصة الأخيرة التي يرجوها ..
على حساب من؟ شقيقته!
لا، لم تكن مجرد شقيقة بالنسبة له، إنها ابنته، هو الذي ربّاها وأحبّها، ولم يتأفف يومًا أو يملّ من مسؤوليتها ...
-هاترجع امتى؟.. سألته بلهجة مرتعشة
جاوبها بهدوء: يومين تلاتة بالكتير. هارجع الغردقة أظبط الشغل وهارجع لك يا روحي.. صدقيني. أنا مقدرش أبعد عنك كتير. ده أنا روحي فيكي يا ريري.
كان يخاطبها بصدقٍ عرف أنها لن تستوعبه، لكنه أفضى بما في صدره على أيّة حال، لتستقر اضطرابات "ريهام" مستجيبة لمحاولاته ..
مدفوعة بثقتها الفطرية به، ابتعدت عنه بعفوية وتطلّعت إليه عبر دموعها، كانت قد توقفت عن البكاء ورمقته بنظراتٍ متسعة قائلة:
-طيب هاتلي كاندي وشوكلاتة قبل ما تمشي.. ده شرطي عشان أقعد!
ابتسم "عمر" من قلبه وقال:
-عنيا ليكي يا حبيبتي.. بس هاتاكلي حاجة واحدة منهم الليلة دي. وبكرة الحاجة التانية.. عشان ماينفعش دكتور الأسنان يزعل مننا لو أكلنا كل ده مرة واحدة.. إتفقنا؟
أومأت له قائلة بابتسامة بسيطة:
-إتفقنا!
______________________________________
في صمتٍ ناعم كالبخار المتصاعد من فنجان الشاي ذي نكهة الخوخ، جلس "نديم" إلى جوارها من جديد، الآن الشقة نصف غارقة في الظل، وأضواء المدينة تتسلل من النوافذ مثل نسماتٍ خافتة، كانت "ليلى" ما تزال شاردة في أفكارها، وجهها شاحب والعتمة ترسم تحت عينيها خيوطًا لم تكن هناك بالأمس القريب ..
ناولها "نديم" الفنجان. لم تتكلم، بل اكتفت بأن تمسكه كأنما تتشبّث به لا لتشرب وتهدأ، بل لتتوازن، ارتشفت منه قليلاً، ثم إلتفتت إليه ببسمة واهية ..
بادلها "نديم" الابتسامة قائلًا بصوتٍ حنون:
-أهو.. وشك بدأ يروّق شوية.. الحمدلله.
ليلى بصوتٍ شبه هامس:
-تعرف إن عمري ما حبيت الشاي ولا فكرت أشربه.. بس طلع حلو أوي!
هز رأسه وهو يقول بتفاخرٍ ينم عن غرور:
-أنا إللي عملته.. لازم يبقى حلو طبعًا.
-دي ثقة ولا غرور؟
-غرور طبعًا!
ضحك كلاهما، ضحكة قصيرة، لكنها حقيقية ..
الزمن لوهلة بدا مجروحًا ،لكنه ساكنًا رغم ذلك، لم ينبسا بكلمةٍ حتى أنهت "ليلى" فنجانها تقريبًا ..
ليتنحنح "نديم" قليلًا، ثم ينظر في ساعته وهو يهمّ بالقيام قائلًا:
-أوكي يا لولّا.. أنا لازم أمشي دلوقتي!
تنتفض "ليلى" فجأة هاتفة بعينين واسعتين:
-هاتروح فين وتسيبني هنا لوحدي؟!
عاد للجلوس، ومسح برفقٍ على شعرها، كأنما يهدئ نوبة خوفٍ طفولي كثيرًا ما تداهمها ..
جاوبها مبتسمًا بلطفٍ:
-مش هاسيبك كتير يا حبيبتي. بس لازم أروح البيت وأشوف الدنيا هناك فيها إيه.. بعدين هارجعلك واخدك.
وضعت الفنجان على الطاولة بسرعة، ثم انحنت نحوه فجأة، تعلّقت به كالغريق وهي تقول بلهجةٍ متوترة:
-لأ… مش هاتمشي وتسيبني.. يا تفضل معايا يا تاخدني معاك!
نديم ضاحكًا وهو يمسك بوجهها برفقٍ شديد:
-إيه شغل العيال ده بس يا لولّا؟ انتي كبرتي على كده خلاص. قلت لك هاسيبك شوية بس.. بكرة الصبح هابقى عندك. هقول لعمي إني سيبتك تروحي مع ريهام عند باباها عشان خايفة تروح له لوحدها. دي حجة مقبولة أبرر بيها غيابك في حالة لو راندا ما قالتلوش حاجة.. إنما لو قالت ف هكون مطمن عليكي هنا. الدنيا هاتبقى تحت السيطرة.
هزّت ليلى رأسها بعنادٍ ناعم، عينيها تنزفان خوفًا وإصرارًا معًا، تمسّكت بيده، كأنها تمسك بحياتها، وقالت بتصميمٍ:
-قلت لأ. لأااااااا.. مستحيل أسمحلك تسيبني. مش هاسيبك تمشي.
عبس "نديم" وهو يرمقها بنظرة مطوّلة، ثم قال بجدية:
-انتي خايفة بجد يا ليلى؟
أومأت له بصمت ..
رفع يده ممررًا ظهر أنامله على خدّها وتمتم:
-مش قلت لك ممنوع الخوف؟ طول ما انا جنبك ممنوع تخافي.
تقو!س فمها بتلقائية طفولية وهي ترد عليه:
-ما انت مش هاتبقى جنبي دلوقتي.. انت عايز تمشي وتسبني!
سكنت اللحظة بينهما الآن، كأن الزمن انعطف في صمتٍ متآمر ..
يواصل "نديم" النظر إليها وابتسامة خفيفة مائلة تعرج على زاوية فمه، عينيه اكتسبتا لمعة لم تكن هناك منذ لحظة، نظرة تجمع بين العبث والرغبة انبلجت من بين جفونه الكثّة، وكأن الموقف برمّته انقلب ..
قال بصوتٍ خافت وعيونه تلصص على ملامحها:
-أنا ممكن أغيّر رأيي وأفضل معاكي الليلة دي.. بس لو العرض مغري. قوليلي.. ممكن تقدميلي إيه عشان أفضّل هنا يا ليلى؟
رفعت ليلى حاجبيها في ضيقٍ، وقلبت عينيها بتأفف خفيف، قبل أن تعبس وتقول بصوتٍ كالأنين:
-هاعملك إللي انت عايزه يا نديم.. بس خليك معايا. أنا بجد مش هاعرف أنام هنا لوحدي… أرجوك ما تسبنيش!
ساد صمت قصير، ثم تلاشى العبث من وجهه شيئًا فشيئًا، ليحل مكانه اهتمام حقيقي ..
اعتدل في جلسته قليلًا، وحدّق فيها بعينين أقل مزاحًا وأكثر جدية وهو يقول:
-أنا عمري في حياتي ما كنت عايز حاجة من الدنيا غيرك يا ليلى.. Once إنك بقيتي ملكي.. خلاص مش عايز غيرك.
ملأت البسمة وجهها عقب كلماته مباشرةًا، تنفّست الصعداء، وكأنها تحررت من سلاسل غير مرئية للتو، هذا بالضبط ما كانت تحتاجه طوال اليوم، منذ تم ضبطهما معًا في الفراش أمام "راندا".. كلامه هذا هو المسكن لجميع آلامها ...
ألقت برأسها على كتفه، تستند إليه وكأنها تلتمس الحياة في موضع صدره، ضمّها برفقٍ بين ذراعيه، وكأنها كنز هشّ لا غيره هو المؤتمن عليه، ثم مال برأسه إليها وتمتم قرب أذنها بصوت خفيض يحمل نصف ابتسامة ..
-بس على فكرة كده انتي دبّستي نفسك خلاص… مش هتعرفي تنامي كويس طول الليل!
ضحكت بخفة وراحت تضربه على صدره بكفها الضعيف، كأنها ترد المزاح بمزاح، ثم همست وهي تغمض عينيها بإطمئنانٍ:
-انت قليل الأدب.
ضحك بخفوتٍ، ثم قال وهو ينهض على مهلٍ ويسحبها معه من كفها:
-طيب تعالي.. انتي ماشوفتيش أوضة النوم.. تعالي أوريهالك ..
قامت معه طواعية، ليقودها في هدوءٍ عبر ممر الغرف، حتى وصلا إلى الغرفة الرئيسية بآخر الرواق ..
دفع الباب ودخلا معًا، لترى "ليلى" ما إن دخلت غرفة الأحلام، طلائها كريمي، والأثاث من الخشب الزان الصقيل، والأرض من الباركيه اللامع، في الوسط صالون صغير مكوّن من أريكة ومقعدين، وفي صدر الغرفة سرير ضخم بأعمدة تتدلّى منها ناموسية شفّافة بالكاد تُرى، على شمالها غرفة الملابس مواربة، وعلى يمينها منضدة زينة تراصت فوقها أغراض تخصّه، قنينتيّ عطر وفرشاة شعر علبة ومنفضة سجائر كرستالية ..
أهو مدخن!
تلك معلومة تكتشفها لأول مرة.. لم ترى أبدًا "نديم" يُدخن!!
أفاقت "ليلى" من تأملاتها مأخوذة بقبلة فجائية من "نديم" ..
طوّقتها ذراعاه وهو يسندها إلى إحدى أعمدة الفراش ولا تعلم كيف سارت معه إلى هذه النقطة ..
همس لها من بين قبلاته بصوته ذي البحة المميزة:
-أنا عارف إنك تعبانة.. وكنت بهزّر برا. أكيد هاسيبك ترتاحي طول الليل ..
ثم رفع رأسه ونظر في عينيها، وبابتسامة صغيرة فيها شيء من الاعتراف أردف:
-بس ده مايمنعش إني أحبك شوية.. وأحاول أشبع منك… على قد ما أقدر!
احمرّ وجهها كأن اللهب مسّه، وأجفانها انخفضت، تهرب من نظراته لكنها لا تبتعد ..
ليلى بصوت مرتجف خجول، وهي تنظر إليه من تحت رمشيها:
-يعني انت تقدر تشبع مني أصلًا؟
هزّ رأسه نافيًا وجاوبها بصوتٍ خافت:
-عمري.. أنا مدمنك!!
ثم انحنى من جديد، وقبّلها مرة أخرى قبلة عميقة، جائعة ..
أنفاسه تختلط بأنفاسها، وشفتيه تمتصّان منها كل تردد، كل شك، كل خوف كان يسكنها ..
تجاوبت معه ببطء، ثم بشغف، كما لو أنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتذوب فيها ..
ذراعاها التفّتا حول عنقه، وكأنها لا تملك وطنًا غير هذا الجسد الذي يحتضنها، كان "نديم" يقبّلها بوعي عاشق لا يريد فقط أن يلمس جسدها ليطفئ شهوة، بل أن يُطمئن، أن يقول لها دون كلام أنه معها، ولن يتركها مهما حدث، وكانت "ليلى" تقبّله كأنها تود أن تذوب في جلده، تختبئ بين ضلوعه، وأن تُغرق كيانها كله فيه ...
-بتحبيني أوي كده يا ليلى؟ .. سألها "نديم" من بين قبلاته
أفلت شفتيها ليتسنّى لها أن تجيبه، فقالت بصوتٍ مرتعش:
-بحبك.. بحبك أوي. وانت عارف.. بحبك يا نديم!
علت زاوية فمه بابتسامةٍ مزهوّة، مفعمة بالنصر وهو يقول:
-أنا عارف.. عارف يا حبيبتي.
وسحبها لا تدري كيف حتى وجدت نفسها تستلقي فوق الفراش ذي الشراشف الناعمة، وما لبثت أن أحسّت بجسده يغطّيها بخفةٍ لا تخلو من الإثارة ..
كان السكون في الغرفة قد تحوّل إلى نَفَس مشترك، كل شيء يهمس بوجودهما وحدهما، الضوء الخافت ينسكب على وجهيهما يتيح لكلاهما رؤية الآخر بالقدر الكافي ..
أنفاس "ليلى" ساخنة، متلاحقة، تتصاعد وكأنها تحاول اللحاق بقلبها الذي يضرب صدرها بعنفٍ لم تختبره من قبل إلا معه فقط ..
لم تكن خائفة، لكنها مأخوذة. مأخوذة بتلك النظرة التي لا تكفّ عن حرقها، بتلك اللمسات التي تمر على جسدها وكأنها ترسُمها من جديد ..
مداعباته صارت أكثر حسّية بمرور الثوانِ، لم تستطع مجاراة خبرته، كل أطرافها بدأت ترتجف في صمت، حتى لم تعد تحتمل ...
أغمضت عينيها بشدة وارتفع صدرها بأنينٍ مكتوم، فالتفتت إليه، تشبثت بكَتِفَيه، ورفعت نفسها نحوه كمن يركض نحو مأواه الأخير ..
اقتربت من أذنه، وهمست بشفاهٍ تكاد لا تنطق، كلماتٍ تحترق خجلًا لم تجرؤ على إعلانها بصوتٍ عالٍ ..
ابتسم "نديم".. عينيه تلمعان بمزيجٍٍٍ من الحنان والمكر ..
ثم نظر إليها نظرةً طويلة، مسح على شعرها برفقٍٍ، ومال برأسه قليلًا وهو يهمس لها:
-متأكدة؟ عايزة كده بجد؟
نظرت إليه وقد برزت الدموع في عينيها وهي تقول بلهاثٍ متقطّع:
-انت بتسألني فعلًا؟
راوغها قليلًا متلذذًا برؤية الرغبة فيه بعينيها بهذا الإلحاح لأول مرة:
-عايز اتأكد إنك كويسة مش أكتر!
زفرت بضيقٍ حقيقي متمتمة:
-نديم!!
ابتسم بحب وقال بجدية لا تخلو من الرفق بها:
-مش هاتعيّطي طيب؟
هزت رأسها نفيًا ..
في تلك اللحظة، لم يبقَ شيء يُقال!
ضمّها إليه من جديد، هذه المرّة بشوقٍ لم يعُد يطيق المراوغة. قبّلها بشفاهٍ اشتاقت، بشغفٍ لم يعُد خفيًّا. لم يكن يقبّلها فقط، بل كان يعبّر بكل طريقه يجيدها عن حبّه، عن احتياجه، عن تمسّكه بها، حتى في ذروة الاحتراق ..
شفتيها تورّدتا، توّرمتا من ضراوة قبلاته، شهقتها اختلطت بأنفاسه، وذراعاها التفّتا حوله، كأنها تخشى أن يتبدّد من بين يديها ..
بيديه نزع عنها كل ما يفصلها عن هذا الحضن، لا بعنف، بل بحنانٍ ثابت، فيه ثقة من يعرف بأنها تنتمي له ..
كانت تستجيب له كأنها خلقت لتكون بين يديه، وكل لمسة منه كانت تُحيي فيها جزءًا خافتًا من أنوثتها، تلك التي ظنّت يومًا أنها لم تكن موجودة على هذه الشاكلة ..
تأوهت حين تماسّا أخيرًا، بينما يقبض على خصلات شعرها فأمال بها رأسها إلى الوراء، فبرز عنقها في دعوةٍ لا تحتاج إلى جواب، وانسكب همسه الحار فوقه قبل أن تغطيه شفاهه:
-ليلى.. انتي خلتيني أحب.. خلتيني عشقت.. عشقتك انتي.. انتي بس يا ليلى.. أنا بحبك.. أنا عايز ولادي منك.. عايزك تكوني أمهم.. عايزك في حضني طول عمري.. لآخر يوم في حياتي ...
السرير المتين بدأ يئنّ تحتهما، الأصوات ارتفعت، لم تكن أصوات فوضوية، بل تلك التي تخرج من قلب المحبة إذا لامستها الشهوة ..
كانت "ليلى" تحتضنه بقوة، تُمرّر أصابعها على ظهره، على صدره، على وجهه، كأنها تريد أن تحفظه بلمساتها ..
وكان هو يردّ على كل لمسة بلمسة، وعلى كل شهقة بهمسة، وعلى كل مقاومة غريزية من حينٍ لآخر بوعدٍ جديد يطمئنها ويردّها إليه طائعة ..
ولكنها لم تكن تعلم، بينما هي في ذروة العشق والنشوة، بأنها تسير نحوه طوعًا إلى الهاوية، ولعله هو أيضًا لا يعلم!
__________________________________________
وقف "رياض نصر الدين" خلف مكتبه العريض، وعيناه تشتعلان كأنما انطفأت فيهما الحكمة وحلّ مكانها الجمر وهو يصيح بصوتٍ جهوري:
-إنت بتجول إيه يا زين؟ شوفتها معاه كيف؟ وحدهم؟؟؟؟؟؟؟
جاوبه "زين" بصوتٍ هادئ لكنه لا يقل عنه غضبًا مطلقًا:
-شوفتها بعنيا معاه في الفندق. وقبل ما أمشي سألت وعرفت إنهم نازلين في نفس الأوضة مع بعض يا جدي.
ينفجر صوت "رياض" وهو يضرب بكفه على المكتب بعنفٍ:
-يعني إيــــــــــه؟؟؟؟؟ شرفنا اتداس تانـي يا زيـن؟؟؟؟؟؟؟؟
يقترب "زين" منه خطوة، نبرة صوته تنخفض لكن عيونه تلمع بنذر الانتقام:
-أنا هارجّعها يا جدي… غصبٍ عن الكل. ولو حصل إيه هاترجع.. ومش هاسيب إللي اسمه نديم ده لو إللي في دماغي طلع صح. أقسم بالله ما لا ترجع يا جدي ولو على رقبتي.. بكرة هكون واصل لها.
تمتم "رياض" بصوتٍ يغلي ويختنق من شدة الحنق:
-البت ضاعت كيف أمها يعني؟ جولّي يا ولدي.. جول حاجة برّد لي جلبي يا زين!!!
زين بصرامة: كل إللي هقوله إني مسؤول أرجع لك حفيدتك يا جدي.. ولحظة ما ترجع لك.. أوعدك إن كل شيء هايتغيّر!
سكت "رياض" الآن ..
لم يعد لديه ما يُقال، كأنما أعياه الغضب واستنزفه الخذلان. حدّق في "زين" طويلًا، ورأى فيه صدى سنواته الأولى، حين كان الدم يغلي قبل أن يبرده العمر ..
في الخارج، الليل يهبط على القصر كستارة حداد.. لا أحد يعلم بعد.. أن هناك عاصفة قادمة.. لن تُبقي ولن تذر!........................................................................................................................................................................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا