رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18

رواية ليلة في منزل طير جارح بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثامن عشر 18

"يستمر الفأر بالركوض خلف قطعة الجُبن المسموم؛ ظنًا منه إنها النجاة من ألم الجوع؛ لكنه يُصادف ألم الإصطياد دون أن يعلم إنه الأعتى."
_____________________________________
كان المنزل ساكنًا للغاية حينما عاد، ذلك الهدوء المغلف بالسكينة المريحة وهو يتحسس بحواسهِ رائحة معطر الجو التي تمسكت بالمكان، وقد بدا نظيفًا مرتبًا نزيهًا بشكل مريح للعين. صعد "هاشم" لغرفة صغيرتهِ أولًا كي يطمئن عليها؛ فوجدها فارغة منها تمامًا، ظن إنها لدى "رحيل"، فكانت خطواته التالية لغرفة زوجتهِ، ليراها متكومة على الأريكة وكأنها غفت هناك بدون وعي. أغلق الباب ودنى منها ليوقظها بصوت هادئ نسبيًا:
- رحيل!.. رحـيل.
هزها برفق ففتحت عيناها فجأة كي تراه، كانت حمراء بعض الشئ، وعليها آثار السهر واضحة، فجلس قبالتها حينما كانت تعتدل في جلستها ببطئٍ متألم :
- انتي نايمة هنا ليه؟!.
تحسست كتفها المتيبس وهي تجيبه :
- كنت مستنياك وراحت عليا نومه غصب عني.
صدح صوت المؤذن بالآذان من الجامع القريب منهم، فنظرت تلقائيًا لساعة الحائط وهي تسأل بذهول:
- إيه ده ؟؟ دي صلاة الفجر؟.
- آه.. هي فين ليلى؟.
نهضت "رحيل" ببوادر يأس من مكانها وهي تجيبه :
- نامت عند ماما وهي بتحكي ليها حدوتة، فصعبت عليها تنقلها من مكانها لأحسن تصحى تاني.
رفعت صينية الطعام عن الطاولة بينما استوقفها هو بدورهِ :
- سيبيها أنا هنادي على حد يشيلها.
استصعبت "رحيل" ذلك، حيث إنها الخامسة صباحًا والجميع يغوصون في نومٍ عميق :
- كلهم نايمين، حرام نصحي حد فيهم دلوقتي!.
تأفف "هاشم" لمعارضتها، واضطر مبادرًا أنا يحمل عنها الصينية - الكبيرة إلى حد ما - :
- طب هاتي.. روحي انتي نامي.
تركتها له وهي تجيب :
- هصلي الفجر وأنام.. وانت مش هتنام؟.
- آه هنام.
غادر الغرفة مضجرًا، وهو ينظر للصينية التي يحملها بين يديه في نصف الليل وينزل بها حيث المطبخ، لأن السيدة رفضت إيقاظ أحد العاملين لينوب عنهم. نفخ "هاشم" وهو يصدم الصينية بالسطح الرخامي، ثم همس بغمغمة غير مسموعة :
- أهو ده اللي كان ناقص!.
دفعهُ الفضول لرؤية الأطعمة التي أعدتها من أجلهِ، فرفع الأغطية لتتخلل رائحة الطعام أنفهِ مصيبة إياه بشراهه مفاجئة. أصناف الدجاج والمشاوي مع الأرز المبهر و السلطة الخضراء وقليل من المخلل بجانب المقبلات الصغيرة؛ تلك اللوحة ذلك الرائحة الذكية فتحت معدتهِ عن آخرها، فمدّ يدهِ وبدأ يتناول الطعام بدون أن يحس ببرودتهِ، فمذاقهِ الجيد غطى على أي شئ آخر. دقائق معدودة وكانت "رحيل" تدلف للمطبخ مرتدية إسدال الصلاة، وإذ بها ترى ذلك المشهد الذي أوسع مبسمها بإبتسامة راضية، فتقدمت منه لتسكب الماء البارد وهي تعاتبه بلطافة :
- طب كنت قولتلي أسخنلك بدل ما تأكله بارد.
ابتلع الطعام ومازال منشغلًا به، ليجيب بدون أن ينظر إليها :
- مش مستاهله، أنا بس حبيت أدوق.
فتحت المبرد واخرجت منه زجاجة المياة الغازية، ثم سكبت له في كأس أنيق وهي تقول :
- طب أشرب حاجه ساقعة عشان الأكل ميقعدش على قلبك.
تناول المياة الغازية وهو ينظر إليها متعجبًا، ثم أردف بـ :
- أنا فعلًا كنت هدور عليها.
رآها واقفة هكذا تتأمله، فدعاها للجلوس كي يتخلص من حصار نظراتها التي تصيبه بشعورٍ لم يعرفه :
- أقعدي يارحيل.. واقفة ليه؟.
جلست قبالته على (مقعد البار)، وعلى لسانها سؤالًا ظنت إنه لن يعجبه، بينما هو يعلم جيدًا إنها تموت من فرط الفضول، فسحب مناديل ورقية مسح بها يدهِ وفمهِ قبل أن يتحدث :
- طبعًا عايزة تسألي كنت فين لحد الفجر!؟.
أطرقت رأسها وعلى وجهها ابتسامة صغيرة مجاملة:
- محبتش أضايقك زي الصبح.
- أممم.. كويس إنك بتفهميني بسرعة.
لا تدري لماذا رأت ذلك التحول الجذري في عيناه، وقد أظلمت نظراته فجأة وهو يتحدث، كأنه إنسان آخر تبدل خلال لحظتين فقط، جعلها تقشعرّ فجأة وهي تنتظر كلماتهِ التالية ببعض القلق :
- أنا كنت بوقف إبن عمك عن حده، لأني مش بحب التمادي، ومتعودتش أسكت لحد فكر يتعدى حدوده معايا.
ازدردت "رحيل" ريقها بصعوبة، وتمسكت بطرف ثوبها المحتشم وهي تسأله بفضول أكبر :
- مش فاهمه!.. هو إيه اللي حصل؟.
انفعل دون أن يشعر، وهو يجيب بعبارة واحدة أوجزت ما حدث أثناء الليل كله :
- راح أرضك ومعاه عمال عايز يخربها عشان محدش يرضى بيها.. وانا مش هسمحله يمس مراتي أو حاجه من ممتلكاتها تحت أي ظرف.
زفرت "رحيل" بعدما علمت بفعل "حسين" الجرئ، ثم فركت وجهها لتغزوهُ الحمرة الطبيعية وهي تقول :
- طيب أهدى.. متزعلش نفسك.
كظم عصبيتهِ التي انفرطت منه گحبات الرمان فجأة، ثم تحاشى النظر صوبها وهو يرد :
- محدش يقدر يزعلني يا رحيل.. أديه جرب وخد اللي فيه النصيب.
ترددت كثيرًا قبل أن تسأله ما المصير الذي أوقعه فيه؛ لكنها أصرت الصمت لئلا تنخر في إنفعاله فـ ينشط من جديد، حتى أفصح هو بدون أن ينتظر سؤالها :
- المحامي قالي هياخد فيها ٦ شهور أقل تقدير غير الغرامة.
رفع بصره نحوها يسألها مترقبًا الجواب، وكأنه الفخ من جديد :
- طبعًا انتي مش هتفكري تتنازلي ؟!.
أومأت رأسها بالإيجاب بدون أي تفكير :
- أكيد لأ.. يعني بعد كل اللي بتعمله عشاني وواقف في وشهم هرجع انا أتنازل!.
تجرع آخر ما في كأسه من المياة الغازية، وقبيل أن ينهض من مكانه كانت تقول :
- أنا حضرتلك طقم في الحمام، عقبال ما تاخد دش أكون خلصت صلاة.
مشى بإتجاه باب الخروج وهو يقول :
- تقبل الله.
- منّا ومنكم.
حتى اختفى من أمامها ظلت عيناها على ظهرهِ، إنه الحماية التي افتقدتها طوال سنين عمرها، ومع كل موقف جديد تحس إنها بالفعل مطمئنة لوجودهِ، وإنها أبدًا لن تضيع بين عائلتها التي أرادت اغتصاب حقها الشرعي أكثر من مرتين. تنهدت وهي تنظر للفراغ، لقد كانت الليالي الماضية ثقيلة جدًا، ولم تتعافى بعد من تأثيرها الجسيم عليها، روحها وعقلها، ساقها التي أصيبت بندبة لن تختفي بسهولة، أشياء كثيرة ستترك علامتها المؤثرة فيها، والتي لن تنتهي بسهولة أبدًا، ناهيك عن زيجتها المفاجئة التي لم تفهم بعد طبيعتها!.. كل ذلك أخذ من تفكيرها أشواطًا كبيرة، ولم يرتح عقلها ولو لحظة عن العمل. 
***************************************
كانت نوبة شديدة القوة، حوّلت الصغير لجسم خالي من الروح ينتفض بشدة وهو يعاني ويلات الألم، وهي عاجزة عن فعل أي شئ، فقد ذهبت به ذات مرة للطوارئ ولم يستطع أي منهم مساعدتها، خاصة مع اعترافها لهم بإنه مريض صرع وتلك فترة العلاج التي يمر بها، فتخاذل أطباء الطوارئ عن مساعدتها ظنًا بأن النوبات تأتي وتمر وينتهي الأمر. إلى من تلجأ في تلك الساعة الصباحية المبكرة وقد داهمتهُ إحدى النوبات التي شلّت حركتهُ وجمّدتهُ مع ارتعاش سائر بدنهِ!. 
لم تقوَ "ندى" على منع دموعها من الإنهمار، وأمسكت هاتفها تنظر إلى أسم طليقها بتردد.. هل تستجدي مساعدتهِ أم تواجه الأزمة وحدها؟، لقد تركها وصغيرها في منتصف الطريق غير راضي عن وضع طفلهِ المريض، معترضًا على مشيئة القدر الذي اصطفاهم لذلك الإبتلاء الصعب، رافضًا حتى مدّ العون للخروج بالصغير من أزمته الصحية التي قد تلازمه سنوات طويلة، لقد كان بأس الأب والزوج.
بدأ "موسى" يهدأ نسبيًا، رويدًا رويدًا، وذلك السائل الثخين ينسال من جانب فمه، فلحقت به "ندى" كي تمسحه بالمنديل الورقي، وهي تمسد على رأسه برفق شديد، أثناء همسها بـ :
- ألف سلامة عليك يا روح ماما، ربنا يشفيك ياحبيبي يارب.
أغمض الصغير عيناه غير قادر على مواجهة العالم بعدما أصيب بآلام متفرقة في أنحاء جسده، فـ ظل ثابتًا هكذا بدون حِراك، فقط يفتح عيناه ويغلقها ببطء، إلى أن استقر جفناه بالإنغلاق، فنهضت من جواره بحركة حسيسة لكي لا توقظه، ودثرته جيدًا وهي تحبس الدموع في عينيها، غير قادرة على مواجهة شعور الحسرة الذي يغرق بواطنها.
انتشلها من تلك الحالة صوت الباب، فخرجت لترى عبر الشاشة الصغيرة من بالخارج، لتجد عامل توصيل وفي يدهِ طرد. فتحت له الباب وهي تنظر إليه بترقبٍ وفضول :
- أيوة!.
- حضرتك مدام ندى أبو العينين؟.
- آه أنا.
ناولها الطرد وهو يقول :
- الأوردر ده لحضرتك ومدفوع تمنه.
ذلك الشعار الموجود على الطرد تعرفه جيدًا، إنه أحد أشهر الأماكن التي تقدم حلوى الملفوف بالقرفة والسكر (سينابون) بجانب مشروب الشيكولاتة الغني بالكاكاو المحلى. طفت ابتسامة باهتة على محياها وهي تشكره :
- شكرًا.
أغلقت الباب وقد خمنت هوية الراسل، فوضعت الطرد على الطاولة وفتحته لتجد الحلوى المفضلة إليها بالأطعمة المختلفة وغارقة في المكسرات، مع مشروبين من الشيكولاتة الساخنة، وبطاقة صغيرة تناولتها لتقرأ محتواها :
"أنا معرفش موسي بيحب طعم إيه بس أكيد طالع زؤه زيك، بألف هنا عليكوا.. صباح الخير يا ندى."
دسّت البطاقة في جيبها وهي تنظر للحلوى، هي بالفعل تحتاج لهذا المذاق وتلك الرائحة الآن تحديدًا، فلم تتردد في تذوق قطعة بطعم الكراميل قبل أن تحتسي رشفة من الشيكولاتة المنصهرة بداخل الكوب، فأحست بأطرافها لم تعد تتحمل سخونة الكوب، تركته وجلست أمام الطاولة وهي تنظر للطرد بنظرات مطولة، ما الذي يحدث؟ ولماذا عاد "مراد" ليدخل حياتها من جديد في غفلة من الزمن وبدون أدنى ترتيب، وبدون أن تخطط لرؤيته؟. أطرقت رأسها وهي تحس مزيد من الحزن، فأي مشاعر بالشفقة من الغير تجعل الأمر شديد الصعوبة عليها، وهي رأت ذلك في عينيهِ بلقائهم الأخير، لم ترى الحب في نظراته كما رأت كم أشفق على حال طفلها بدون أن يستمع للتفاصيل، الأمر الذي جعلها تتهرب من مكالماتهِ بالأيام الماضية وترفض سبل التواصل بينها وبينه، فلم يعد لديها عزيزًا بعد "موسى"، ولم يحصل أحد على نفس المكانة أبدًا، ووجودهِ الآن لم ترى له معنى سوى إنه مجرد حنين دفعهُ ليتفقد ماضيهِ الذي صادفهُ أمام الأجزخانة في إحدى الليالي، وحتمًا ستكون النهاية هروب مفاجئ من واقعها الأليم الذي بات مصيرها حاضرًا ومستقبلًا. 
**************************************
أنهى السيد "سليم العتاقي" استشاري العظام الكشف الدوري على ذراع "هاشم"، بعدما أتاه بشكوى من بعض الألم أثناء التحرك، فدفعه ذلك للكشف على الذراع كله ليطمئن على حالتهِ.
عاد "سليم" يجلس خلف مكتبه العريض وهو يبتسم ببشاشةٍ ليقول :
- متقلقش ياهاشم مفيش أي حاجه خالص، تلاقيك كنت مسلط التكييف على جسمك وانت نايم ولا حاجه.
ارتدى "هاشم" سترتهِ قبل أن يترك سرير الكشف ثم جلس قبالته وهو يردف بكلمات ذات مغزى :
- ويمكن يكون سبب نفسي!.. أو توتر وسهر.. ولا إيه رأيك يادكتور ؟.
بدأ "سليم" يكتب وصفتهِ الطبية وهو يقول :
- ممكن.. بس التوتر والسهر بيتعب الدماغ أكتر من العضم، عمومًا لو عايز تتطمن أكتر أنا هطلب منك آشعة وفحوصات تعملهم في المركز بتاعنا وتجيبهالي.
طرق "هاشم" بأطراف أنامله على سطح المكتب وهو يقول :
- مش محتاج ولا آشعة ولا فحوصات يادكتور سليم.. أنا عارف علّتي فين وهقدر أحلها.. أنا بس جيتلك تدلني على أول الطريق.
قطب "سليم" ما بين حاجبيه وهو يسأله بدون فهم :
- يعني إيه ؟
لم يراوغه "هاشم" ونطق بها صراحة:
- أكيد سمعت اللي حصل مع كاميليا.. أخبارها مغرقة الـ Social Media كلها.
ترك "سليم" قلمه ونزع نظارتهِ الطبية وهو يقول بنبرة متأسفة :
- للأسف سمعت، الموضوع وصل للصحافة والإعلام كمان والناس مش بتسيب حد في حاله.
مطّ "سليم" شفتيه مستنكرًا قبل أن يتابع :
- بس مكنتش أعرف إنك هتتأثر أوي كده بالموضوع.. أنا عارف إنكوا أتطلقتوا من فترة!.
كانت عينيه قد تحولت الآن لعينين شابهت الصقر، مع أول نظرة لفريستهِ التي حان وقت الإنقضاض عليها، وقد حان الوقت لذلك :
- كاميليا مش فارقه معايا.. خالص يا أونكل سليم، اللي فارقلي كرامتي.
بدت كلماته گالألغاز، لم يفهم منها "سليم" شيئًا، فضاق ذرعًا من محاولاته البائسة في فهم "هاشم"؛ لكنه أدرك أن الأمر أكثر تطورًا مما فهمه، لذلك سأله مباشرة :
- انت عايز تقول إيه يا هاشم؟.. قول بصراحة يا بني أنا في مقام رضوان الله يرحمه وهفهمك كويس.. لكن بلاش ألغاز لأني فاشل فيها.
فكانت كلمة واحدة هي الرد القاسم عليه :
- ابنك يا أونكل.. خرب بيتي ودخل بيني وبين مراتي.
اتقدت عينا "سليم" على حين غرة، ولم يفهم ما علاقة ولده بما يجري، وماذا وراء زيارة "هاشم" التي لم تبدو أبدًا زيارة مريض أو زيارة شفافة جاءت عن طريق الصدفة. نهض "سليم" عن مقعده الجلدي والتفت حول المكتب وهو يسأل بشئ من الإنفعال :
- بتقول إيه يا هاشم؟.. ابني أنا ماله ومال مراتك! رمزي ميعرفش كاميليا ولا آ.....
قاطعه "هاشم" بعدما فقد كل ما حمله من بقايا صبر اختزنه داخله بصعوبة بالغة :
- وانا كمان معرفش ابنك وصل لمراتي إزاي.. ولا كنت أعرف إنه إبنك من أصله، ياريتني كنت خدت روحه قبل ما أعرف إنك أبوه .. على الأقل مكنتش هعمل حساب ليك وللعشرة اللي بينك وبين أبويا الله يرحمه.
تجمد "سليم" في مكانه لوهله، فهو يعلم - إلى حد ما - طباع "هاشم"، بحكم علاقتهِ السابقة بوالده المرحوم منذ سنين طويلة، ويعلم إلى أي مدى قد يصل تماديه أيضًا، فلم يجد من الكلمات ما يفي لتغطية ذلك الموقف السئ، وبقى على حالة الصمت تلك إلى أن استطرد "هاشم" حديثهِ قائلًا :
- أبعد رمزي عن كاميليا ياأونكل، أنا جايلك النهاردة بصفتي هاشم ابن صديقك المرحوم الله يرحمه.. المرة الجاية مش هجيلك برجلي، الست دي أم بنتي وانا مش موافق على أي صلة تجمعها براجل تاني.
دنى منه "هاشم" ووضع يدهِ على كتفهِ متابعًا :
- حتى لو كانت مش على ذمتي فالموضوع ده يخصني برضو.
أزاح "سليم" يدهِ برفق وقد بزغ رأيه الحازم بشأن ذلك الأمر :
- ابني مش هياخد بواقي حد يا هاشم.. أطمن، الموضوع ده منتـهي.
ابتسم "هاشم" برضا وبدأ يعدّ نفسه للخروج :
- يبقى أتفقنا.. هسيبلك الموضوع يادكتور وأتمنى ألاقي حل لمشكلتي عندك.
ثم سحب هاتفهِ عن الطاولة مستعدًا للخروج :
- عن أذنك...
خرج "هاشم" ومن خلفه هاله ضبابية كبيرة، تركها لتحوم حول "سليم" الذي فقد القدرة على ضبط أعصابهِ، مع سماع تلك الأخبار المريبة التي عكرت صفوهِ. انتقل نحو الهاتف الداخلي وبدأ يتصل من خلاله، وبصوت لم يبدو بخير أبدًا كان يصيح :
- أبعتيلي دكتور رمزي حالًا.. في العمليات؟! أول ما يخلص بلغيه يجيلي مكتبي.
وصفق الهاتف وهو يغمغم بغيظ لم يعد مكتومًا :
- بقى هي دي أخرتها يارمزي!!.. ست مطلقة وكمان طليقها هاشم!.. ليه يابني.. لـيه!!.
***************************************
كان "حمدي" يرتدي عبائته وهو يركض بقدر المستطاع، كي يلحق بالأخبار الكارثية التي تهطل عليه منذ يومين ولم تتوقف، بينما من خلفه "سعاد" ولم تقف عن النحيب والعويل، فـ التفت إليها "حمدي" ليصيح فيها هادرًا :
- ياولـية انكتمي بـقى.. لما أروح أشوف المصايب اللي نازله ترفّ عليا من امبارح دي.
كان بكاءها مزعجًا لحدّ الغيظ، يثير الأعصاب بسهولة :
- أنا عايزة ابني.. ابني ليه يومين في الحجز يا حج شوفلك صرفة أحبّ على إيدك.
صاح "حمدي" في ابنته "تيسير" لكي تسحبها جانبًا :
- خدي امك بعيد عني الساعة دي يابت.. مش عايز.. شوف مخلوق دلوقت.
وخرج ليلتقي أحد رجاله الذي كان عينًا له ينقل إليه الأخبار، وسأله بتلهفٍ متحسر :
- إنت متأكد من اللي بتقوله ده يا عبد القوي؟؟.. شوفت بعينك؟.
كان "عبد القوي" مفزوعًا وهو ينقل إليه الخبر التعيس :
- زي ما بقولك يابا الحج.. البطن حد فتحها وسرق اللي فيها، مصيبة يا حج حمدي مـصيبـة.
انقبض قلب "حمدي" حتى ظن أن مكروهًا سيصيبه، ومن بين أنفاسهِ الغير منضبطة كان يقول :
- يبقى مفيش غيره الملعون.. كان عارف اللي فيها من الأول وغفلنا كلنا، نصبلنا الفخ وخد حسين من وسطينا عشان يحلاله الجو وهو يعمل اللي على كيفه!.. بس ده بعده، وحياة ابني اللي راح واللي محلفش بيه كذب أبدًا لأكون محسره، هو اللي بدأ ونفخ في النار، يبقى يستحمل الحريق!.
***************************************
كان شئ يشبه المتحف المصغرّ، يخطف الأنظار من براعة تصميمهِ وجماله، والأهتمام بأصغر التفاصيل فيه. الصناديق الزجاجية والأرفف الكريستالية اللامعة، التحف الأثرية النادرة والنفيسة، والتي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، كل شئ هنا يخطف الأنفاس من روعتهِ.
أزال "هاشم" الأتربة والغبار العالق بقطعتهِ الأثرية الجديدة، ونظفها بنفسهِ حتى تأكد إنها عادت وكأنها مصنوعة للتو، محتفظة بألوانها ولمعانها. ثم اختار لها مكان جيد الرؤية، تستطيع عيناك أن تلتقطها فيه بسهولة، ووضعها فيه وهو يرسم ابتسامة النصر على محياه، مستمتعًا بجولة أخرى يجتازها وبأقل مجهود.
**************************************

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا