رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33

رواية فوق جبال الهوان بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثالث والثلاثون 33

الفصل الثالث والثلاثون
عمَّ الصمت المُمزوج بموجاتٍ من الخجل الأجواء رغم محاولات "رجائي" استطالة الحديث مع ضيوفه لكسر ذلك الحاجز الوهمي وإشعارهم بالراحة، إلا أنهم مالوا للسكوت تجنبًا للشعور بالحرج من زيارتهم الفجائية لمنزله. استأذن بالذهاب للداخل، لتستغل "عيشة" الفرصة وتميل على ابنتها الصغرى هامسة في أذنها:
-كويس إننا جبنا معانا كام غيار احتياطي، بدل ما كان يبقى حالنا أصعب من كده.
ردت عليها بنفس الصوت الخفيض:
-الدنيا اتكركبت فوق دماغنا فجأة.
تحولت نظرات والدتها نحو ابنتها البكرية، وقالت في شيء من الأسى:
-الله يكون في عون أختك، شوفي مسهمة إزاي؟
رغمًا عنها تفاقمت مشاعر الغضب بداخلها، وهسهست من بين أسنانها في حنقٍ:
-الكلب الخاين غدر بيها، وهي اللي كانت مستحملة كتير علشان ماتزعلوش.
أخبرتها أمها وهي ترفع عينيها للأعلى كأنما تضرع للسماء:
-ربنا ينتقم منه.
لتضيف "دليلة" في جديةٍ:
-احنا مش هنسيب حقها، هنكلم أي محامي ونشوف إيه اللي المفروض يتعمل.
أيدتها في اقتراحها على الفور:
-أيوه، نفوق بس من الهم ده وناخد حقنا منه.
توقفت كلتاهما عن الثرثرة الجانبية حينما عادت "سميحة" ومن ورائها ابنها الذي حمل عنها صينية المشروبات والحلوى. ابتسمت في وداعةٍ وعاودت الترحيب بهم بلباقةٍ:
-منورين يا جماعة.
ركزت "عيشة" ناظريها عليها، وردت في تحرجٍ واضح:
-شكرًا ليكي يا حاجة، ومتأخذيناش، جينا من غير ميعاد.
قالت في استعتابٍ لطيف:
-ما تقوليش كده، ده البيت بيتكم.
تولت مهمة توزيع كؤوس المشروبات، بجانب أطباق الحلوى الصغيرة على كل فردٍ تباعًا وهي لا تزال تتحدث في وديةٍ:
-اتفضلوا حاجة بسيطة.
فيما لاحظ "عادل" جمود "إيمان"، وشرودها المبرر، فدنا منها قائلًا بنبرة شبه مهتمة:
-اشربي يا مدام "إيمان".
رفعت عينيها الحزينتين تجاهه، وقالت بصوتٍ متحشرج قليلًا:
-ماليش نفس.
جلس على مقربةٍ منها، وحادثها في نبرة توحي بالإصرار:
-معلش، إنتي ماخدتيش حاجة من الصبح، وممكن يجيلك هبوط.
وافقته "عيش" في تصميمه، ونصحتها بالاستجابة لمطلبه:
-اسمعي الكلام يا بنتي، بدل ما تقعي مننا.
لم تملك أدنى طاقة للجدال، فأومأت برأسها في طاعة:
-حاضر.
ثم مدت يدها وأمسكت بالكأس لترتشف قدرًا محدودًا مما احتواه، قبل أن تعيده إلى موضعه الأول، وتلوذ بالصمت المرير.
لتهتف "سميحة" في أدبٍ وهي تلصق بثغرها هذه الابتسامة العذبة:
-عن إذنكم شوية.
بادلتها "عيشة" الابتسام المهذب حينما ردت:
-اتفضلي يا حاجة.
ليقوم "فارس" من موضعه موجهًا حديثه إلى "عادل" في جديةٍ، وعلى وجهه أمارات الضيق:
-بقولك إيه يا كابتن، عايزك في كلمتين على جمب.
لحق به الأخير ليقفا في ركنٍ من الصالة بعيدًا عن البقية، واستطرد متسائلًا بقليلٍ من الاهتمام:
-خير؟
دون تمهيدٍ انتقل إلى صلب الموضوع مباشرةً مشيرًا بيده:
-بص علشان أجيبلك كده من الآخر، أعدة الجماعة عندكم مش هتكون كده مجاني، أه، احنا منحبش نكون مديونين لحد.
انزوت المسافة ما بين حاجبي "عادل"، واحتج على ذلك قائلًا:
-عيب الكلام ده يا حضرت.
ألح عليه بتصميمٍ:
-الحق مافيهوش عيب.
ليجد "عادل" يخبره بعنادٍ يفوقه:
-أنا هعتبر نفسي ما سمعتش اللي قولته.
وهمَّ بالتحرك إلا أن الأخير استوقفه بالإمساك به من ذراعه مرددًا:
-استنى يا جدع إنت، أنا مخلصتش كلامي.
نفض قبضته عنه، ورمقه بنظرة غير راضية عن تصرفه، كاد أن ينطق بشيءٍ لولا أن سمع والدته تناديه بصوتٍ كان مسموعًا إليه:
-"عــادل"، عايزاك شوية.
لم يحد بناظريه عن "فارس" وخاطبه في تجهمٍ:
-هروح أشوف أمي.
شيعه الأخير بنظرة متعجبة مدمدمًا مع نفسه في استنكارٍ:
-هو إيه اللي عيب وما يصحش؟ ما طبيعي أدفع في المطرح اللي هنقعد فيه! قولت كلام عجيب مثلًا!!
....................................
بمجرد أن ولج إلى غرفة النوم، تفاجأ "عادل" بإعداد والدته لكومة صغيرة من الثياب المرتبة، نظر إليها بتحيرٍ، وتساءل:
-أيوه يا ماما، في إيه؟
أشارت إلى تلك الرصة المنمقة، وأخبرته في استفاضةٍ:
-بص أنا جهزت كام حاجة جديدة للجماعة، بحيث يلبسوها، أنا خدت بالي إن مش معاهم حاجة...
أدهشه تصرفها المراعي، وتدلى فكه للأسفل كتعبيرٍ عن ذلك، لتظن أنه على وشك الاعتراض عليها، فأوضحت له بجديةٍ: 
-والله ما اتلبسوا، دول كانوا جاينلي هدايا من حبايبنا.
سرعان ما احتلت ابتسامة ممتنة شفتيه، وقال في حبورٍ وهو يمد كفيه ليمسك بيدي والدته:
-كتر خيرك يا ماما، والله ما عارف أقولك إيه.
سحبت بهدوء يديها من بين راحتيه، وأخبرته وهي تربت على كتفه:
-اللي بيعمل خير يكمله للآخر، ولا إيه؟
هز رأسه مؤيدًا:
-معاكي حق.
تابعت وصيتها إليه في شيءٍ من التشديد:
-ناولهم الحاجة لما يطلعوا الشقة، قول للست الحاجة مامتهم على جمب، علشان الإحراج وكده.
دون أن تخبو ابتسامته الصافية أبدى طاعته الكاملة لها:
-حاضر.
ربتت مرة ثانية على كتفه، وخاطبته باسمة:
-ويالا نروح عندهم علشان ما يحسوش بحاجة.
ظل محافظًا على ثبات بسمته وهو يرد مقتضبًا:
-ماشي.
كان في قرارة نفسه ممتنًا لكون والدته تنتمي لهذا النوع الحاني من النساء اللاتي قلما ندر وجودهم في هذا الزمان العصيب.
.......................................
بذهنٍ مملوءٍ بعشرات الأمور، تطلع هذا الشاب إلى العنوان المدون على الورقة التي بحوزته، وبين شفتيه تتدلى سيجارة انقضى نصفها بسبب احتـــراقها، كان جالسًا على دراجته النـــارية، وعلى ظهره علق تلك الحقيبة المغلقة، تلفت حوله باحثًا عن رقمٍ يستدل به على مكان البناية المذكور، غمغم دون أن يسقط السيجارة من فمه:
-دي المنطقة، بس العمارة فين؟
فكر في مهاتفة صاحب الطلب الذي استدعاه لتوصيله إليه ليستعلم عن مقر إقامته بالتفصيل، إلا أنه وجد ضالته في الجهة المقابلة، ما لبث أن طوى الورقة في راحة يده، وانتشل السيجارة شبه المنتهية من بين شفتيه بعدما سحب منها نفسًا أخيرًا، ليلقي بعقبها في إهمال خلفه.
قبل أن يتحرك بالدراجة، دوى انفجـــــار هائل من ورائه، حيث عصف بالمكان برمته، مما دفعه بماكينته لمسافة عدة أمتار للأمام، قبل أن يهوي أرضًا، ومن فوقه دراجته، ليدرك الجميع أن البناية الكائن بها منزل "توحيدة" قد أُطيح بها في طرفة عين، وأصبحت بمن كان متواجدًا فيها كأتونٍ مستعر من الجحـــيم، تتصاعد ألسنة اللهب من كل زاوية فيها.
ارتفعت الصرخات والصيحات المنددة، وامتزجت بالنداءات المتكررة:
-حد يطلب المطافي أوام، الحتة كلها هتــــولع!!!!
لينهض أحد أتباع "الهجام" من بعيد في توجسٍ، وقد أبصر ما جرى كالبقية، وشاهد كيف تحول المكان إلى بقعة فوضوية تحيط بها النيران من كل جانب، ناهيك عن الضحايا والمصابين الذين نالهم جانبًا من الضرر بسبب تبعات الانفــــجار العاصف. ركض مبتعدًا وهو يحادث نفسه:
-لازمًا أدي خبر للريس "عباس" باللي حصل.
.............................................
حينما ولجوا جميعًا إلى منزله، كانت ثمة أشياءٍ لا تزال مغلفة بأوراقها المفضضة مثلما أتت من معرض الأثاث. تحرجت "عيشة" للغاية من المكوث في بيته وهو على هذه الحالة الجديدة، فإذ من المحتمل أنه أعده ليستقبل زوجته في وقتٍ قريب، لذا تساءلت بترددٍ وهي تقدم قدمًا وتؤخر الأخرى:
-هو احنا هنقعد هنا يا ابني؟
أكد لها بهدوءٍ بعدما أسند الكيس البلاستيكي الذي وضع به الثياب الجديدة على المنضدة المجاورة لباب المنزل:
-أيوه يا حاجة.
على ما يبدو لم تنبه لما كان يحمل فيه يده، حيث استبد بها الخوف، واسترسلت تخبره في توجسٍ، وكأنها تخشى أن تتسبب في مشكلة من لا شيء:
-بس دي الحاجة جديدة، لسه بورقها، يعني خطيبتك هتزعل لما تعرف إننا بهدلنا البيت وإنتو لسه مقعدتوش فيه.
صحح لها معلومتها الخاطئة بابتسامةٍ مرسومة بعناية:
-أنا مش خاطب...
نظرت له بتشككٍ، فواصل التوضيح بنفس الوتيرة الهادئة:
-قصدي يعني كنت خاطب، ومحصلش نصيب قبل الفرح بكام يوم، والعفش فضل على حالته دي، وقفلت الشقة ومافتحتهاش من ساعتها.
شعرت بالأسف ناحيته بعدما عرفت قصته بإيجازٍ، ورددت:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يعوضك خير يا ابني.
رد بإيجازٍ:
-شكرًا.
من تلقاء نفسها قالت "دليلة" وهي تشير بيدها:
-أنا رأيي نشوف مكان تاني، حرام نبوظ العفش وهو جديد.
نظر تجاهها معترضًا:
-وإيه يعني؟ فداكم أي حاجة.
فيما تدخل "فارس" هاتفًا بنبرة عازمة:
-احنا مش هنطول أصلًا، هما يومين بالكتير أكون ظبطت مطرح لينا.
اتجه ببصره ناحيته ليعقب عليه بهدوءٍ:
-براحتكم خالص، ده بقى مكانكم دلوقت، وأنا الضيف هنا.
استدارت "عيشة" مخاطبة ابنتها وهي تدنو منها:
-إيه رأيك يا "إيمان"؟
وكأنها لا ترى أو تسمع ما يدور من حولها، أحست لوهلة أنها غير قادرة على الوقوف على قدميها، خاصة مع ذلك الدوار الذي غلف رأسها فجأة، فترنحت في وقفتها، فأسرعت "دليلة" ناحيتها لتسندها هاتفة في جزعٍ:
-"إيمان"!!
اتكأت عليها، وألقت بمعظم ثقل جسدها ناحيتها، لتمسك بها "عيشة" هي الأخرى وتسألها في خوفٍ:
-مالك يا ضنايا؟ فيكي إيه؟
أجابتها بوهنٍ، وهي بالكاد تحاول التماسك:
-دايخة شوية.
بخوفٍ نابع من أعماقه تساءل "عادل" في اهتمامٍ مبالغ فيه:
-تحبي أجيبلك دكتور هنا؟
لم تتمكن "إيمان" من رفع رأسها والنظر ناحيته؛ لكنها أخبرته في صوتٍ خافت:
-مافيش داعي.
فيما رددت "عيشة" بنبرة متحسرة، وهي تشملها بنظرة إشفاقٍ:
-يا حبة عيني ماستحملتش اللي جراها، هو اللي شافته قليل.
ودَّ "عادل" لو مد لها يد العون، وحملها قبل أن تفقد الوعي، إلا أنه أثر عدم التجاوز حتى لا يسيء أحدهم الظن به، وقال من فوره بتعجلٍ:
-خلوها ترتاح أحسن جوا...
ثم أشار بيده نحو الردهة الصغيرة الممتدة بين غرف المنزل:
-اتفضلوا من هنا.
سارت "إيمان" على مهلٍ متأبطة ذراعي والدتها وشقيقتها حتى وصلت إلى غرفة النوم الرئيسية، وهناك أزاح "عادل" الغطاء من على الفراش لتتمكن من التمدد عليه، ليتراجع بعدها للخلف تاركًا المساحة لأمها لتدثرها فيه. انسحب بهدوءٍ من الحجرة؛ لكنه وقف بالخارج وأرهف السمع إلى صوت "عيشة" وهي تسألها بلهفةٍ:
-حاسة بإيه يا حبيبتي.
وصلته نبرتها المليئة بالشجن وهي تخبرها صراحةً:
-عايزة أنام، مش عايزة أفوق تاني.
انقبض قلبه بشدة وغامت تعابيره بوضوحٍ، ليسمع صوت أمها يهتف:
-بعد الشر عنك، ماتقوليش كده.
تشتت انتباهه عن متابعة ما يخصها عندما وجد "فارس" يقول بقلقٍ:
-أنا خايف يجرالها زي ما جرى لأختها، احنا مصدقنا الأولى فاقت، تقوم التانية تقع مننا.
وكأنه يشاركه مخاوفه، فقال مؤكدًا:
-إن شاء الله ما يحصلش حاجة، وبعدين أنا موجود...
استرعت كلمته الأخيرة حفيظة "فارس"، فما كان من "عادل" إلا أن صحح له:
-قصدي احنا كلنا موجودين معاهم، مش هنسيبهم.
أومأت برأسه بهزة صغيرة، وصاح متوعدًا:
-وعزة جلال الله لأخد بحقهم من اللي أذاهم!
دعمه في ذلك هاتفًا:
-هيحصل إن شاءالله.
 .................................
كان كالداهية، تفكيره جهنمي، يصعب تخمين ما يدور في ثنايا عقله، حتى أنه فاق الشياطين في خداع الغير وتلاعبه بمصائرهم. وقف "زهير" يتطلع من وراء الواجهة الزجاجية الخاصة بالمطعم الذي امتلكه مع شقيقه الراحل للطريق المزدحم بالسيارات والمارة، بنظرات ميــتة، خالية من الحياة، فقد كان مكلفًا بحل عشرات المسائل المعقدة في آن واحد.
استغرق في تفكير طويل وممتد ليعيد ترتيب الأمور ووضعها في نصابها الصحيح وفق ما يخدم مصالحه، فقد أصبح رسميًا المسئول عن إدارة شئون جماعته، وعليه ألا يبدو بمظهر الضعف وإلا لافتــرسه أعدائه حيًا. ظل على وضعيته الجامدة تلك، واضعًا يده في جيبي بنطاله القماشي الأسود، لا يُحادث أحدًا، ولا يجرؤ أحدهم على مقاطعته، إلى أن جاء إليه "عباس"، فحادثه بصوتٍ لاهث:
-يا كبيرنا، بيت "توحيدة" راح كله، اتبخر، بقى كومة فحم.
لم ينبس بكلمةٍ، فظن أنه لم يسمعه، وكرر عليه:
-النــار مسكت في كل حتة فيه وآ...
قاطعه قبل أن نهي كلامه قائلًا بنبرة جافة:
-كويس...
ليغدو صوته أكثر قتامة وهو يضيف فيما يشبه الوعد:
-لسه الباقي دورهم جاي.
أجلى صوته الذي أصابته بحة خفيفة متسائلًا بعدها دون أن ينظر تجاهه:
-عرفت مين اللي بلغ عن أخويا وإداهم معلومات عنه؟
بحذرٍ واضح أجابه، وكأنما يخشى البوح بالحقيقة الصادمة:
-أيوه.
أدار "زهير" رأسه ناحيته، وركز بصره عليه، ليتكلم "عباس" مجددًا بعدما ابتلع ريقه:
-البت "سمارة".
مضى "زهير" ينظر إليه نظرة غامضة، مخيفة، تبعث في النفس القشعريرة، ليردف بهدوءٍ أكثر إفزاعًا عن صمته:
-كنت متوقع ده.
فرك "عباس" جبينه متسائلًا في حيرة:
-هنعمل إيه يا كبيرنا معاها؟
عاود النظر إلى الفراغ قبل أن يتحدث بنبرة ثابتة لا توحي بشيء بعينه:
-تجيبهالي هنا.
اكتفى بإظهار طاعته له دون أن يتحرى أكثر عن نواياه تجاهها:
-عُلم.
صمت "زهير" للحظاتٍ قبل أن يسأله:
-خلصت تقرير الطبيب الشرعي؟
أجابه مستفيضًا في الشرح:
-أيوه، كله اتعمل زي ما أمرت، اتبدلت كل حاجة، وهيطلع إن المرحوم مات والدبابير بتطارده.
بلا أدنى تغيير في ملامح وجهه الجامدة همهم:
-حلو..
ثم ألقى نظرة على ساعة يده ليقول بعدها وقد تحرك بعيدًا عن الواجهة الزجاجية:
-فاضل على الجنازة نص ساعة، بينا.
تبعه مرددًا في امتثالٍ تام:
-ماشي يا كبيرنا.
....................................
لم يكن لينقطع يومًا عن مكالمتها هاتفيًا لإعطائها موجزًا عن آخر المستجدات معه مهما كان في قمة انشغاله، ليتفاجأ بخبر قدوم زوجته السابقة ومعرفتها بالحقيقة التي جاهد لإخفائها عنها. ارتعش صوت "راغب" حينما سأل والدته مستفهمًا:
-وبعدين حصل إيه؟
أجابته "نجاح" وهي تلتقط حبة من عنقود العنب لتدسها في جوفها:
-خدوا بعض وغاروا في داهية، أومال مفكر إيه؟!!
أفصح لها عما يجوس في نفسه بتوترٍ:
-مكونتش حابب يكون في مشاكل وأنا لسه ببتدي شغلي الجديد.
ردت مؤكدة له باطمئنانٍ عجيب، وكأنها لم تسلب حق أحدهم ظلمًا وزورًا:
-اطمن يا حبيبي محدش فيهم يقدر يعملك حاجة...
ليزداد جحودها وضوحًا عندما أكملت بيقينٍ أعجب:
-وبعدين حتى لو المحروسة راحت لمحامي يرفعلها قضية، شوف هتاخد كام سنة في المحاكم لحد ما توصل لحاجة، هنكون وقتها أنا وأبوك عزلنا، وما بقاش معروف لينا سِكة.
استطاعت أن تسمع تنهيدته قبل أن يتابع فيما يشبه التوصية:
-ربنا يسهل، حاولي بس يا ماما ماتحتكيش بيهم، طنشيهم، لحد ما الفترة دي تعدي.
استرخت أكثر في جلستها، ورفعت ساقها على الطاولة المجاورة لأريكتها، لتخبره مبتسمة بسرور:
-متقلقش عليا، ركز إنت في شغلك يا حبيبي.
جاء تعليقه موجزًا ومودعًا في نفس التوقيت:
-طيب، سلام.
وضعت الهاتف المحمول إلى جوارها، وأمسكت بالطبق بيدها لتضعه في حجرها مرددة بشيءٍ من الاستياء:
-أنا عارفة عامل لشوية الرعاع دول قيمة على إيه!
أكملت تناول حبات العنب باشتهاءٍ وهي تعاود التحديق في شاشة التلفاز دون أن تشعر للحظةٍ بذرةٍ من تأنيب الضمير.
.........................................
عند قدميه، ركع ثلاثتهم أمامه مكبلين من أياديهم وراء ظهورهم، ورؤوسهم مغطاة بأقمشة سوداء تحجب الرؤية عنهم، ناهيك عن وضع خرق في أفواههم لمنعهم من الصراخ، ليتم انتزاع أول عُصبة عنها على وجه الخصوص، تلفتت "مروة" حولها بذعرٍ لتجد "زهير" قبالتها يرمقها بنظراتٍ لا تبشر بأي خيرٍ، ارتجف كل ما فيها رهبةً منه، كان آخر ما تذكره قبل أن تُختطف، أنها كانت تسير عائدة إلى منزلها وهي تحمل احتياجات البيت من السوق، لينقض عليها عدة أشخاصٍ، ويتم إجبارها على استقلال حافلة صغيرة بعدما ضربها أحدهم على رأسها بقوة، فأظلم كل شيءٍ وغابت عن الوعي، لتستفيق وهي على تلك الحالة المقيدة.
نظرت إلى جانبها فوجدت اثنين مطروحان أرضًا، لا يتحركان، فازداد إحساسها بالرعب، لينخلع قلبها بشدة عندما نهض "زهير" من موضع جلوسه، وتقدم ناحيتها. سحب ما يسد جوفها من قماشٍ بالٍ، فسعلت سعالًا خفيفًا، لتتجرأ على رفع رأسها والنظر إليه بخوفٍ لا يمكن إنكاره. بلعت ريقًا غير موجودٍ في حلقها وسألته بصوتٍ مرتجف:
-إنت.. خاطفني وجايبني هنا ليه؟
أجابها بنبرة هازئة:
-هيكون ليه؟ مش علشان أقوم معاكي بالواجب....
لتتبدل نبرته في التو واللحظة إلى أخرى أصابتها بدفقة قوية من الخوف العظيم عندما أتم جملته:
-زي ما قومتي ما سيدك بالواجب.
هربت الدماء من وجهها، وباتت شاحبة للغاية وهي تعقب محاولة الهروب بعينيها من نظرته المسمومة التي تجردها:
-أنا مش فاهمة حاجة.
انفلتت منها صرخة محملة بتأوهات الألم عندما جذبها من شعرها بغتةً قاصدًا اقتلاعه من جذوره وهو يتهمها مباشرةً:
-بتبلغي عنه يا بنت الـ.......؟!!!
لم تعبأ بإهانته الفجة لشخصها، وواصلت الصراخ وهي تستجديه:
-آآآه، حرام عليك، أنا معملتش حاجة. 
انهال عليها بعدة صفــعـــات متتالية على وجنتيها وهو يصيح بجنونٍ غاضب:
-صح، معملتيش، وأنا راجل مفتري، وبخلص تاري من اللي فكر يأذي أخويا.
بكت بحـــرقة من شدة الألم، ليفرقع بعدها بإصبعيه ليتقدم أتباعه على الفور ناحيته، ليأمرهم:
-اكشفوا وشهم.
نفذوا ما فاه به في الحال، لتنصدم "مروة" برؤية زوجها وشقيقها مضرجان في دمائهما، لحظتها صرخت في هيـــاج:
-عملت فيهم إيه يا مفتري؟!!
استل "زهير" ســــلاحــه الناري من ظهره، وقال ببرودٍ قاسٍ وهو يصوب فوهته تجاه شقيقها أولًا:
-شوفي هتقري الفاتحة على مين الأول.
ليضغط بعدها –دون ترددٍ- على الزنــاد ويصيبه في مقـــتل، فصرخت باهتياجٍ أكبر، لتحل عليها صدمة أشد عندما وجه الفوهة نحو زوجها، وزهق روحه هو الآخر بنفس الجمود المُميت. 
كان المشهد دامـــي لأقصى الحدود، لم تصدق ما فعل في لمح البصر، وراحت تصرخ، وتصرخ، وتصرخ، ومع ذلك لم تهتز منه شعرة واحدة، بل كان جامدًا كجلمود الصخر، ألقى بمســدسه لأحدهم، وتناول منه مديته، ليدنو منها بثباتٍ، ثم أخبرها بغير رأفة:
-ودلوقت جه دورك.
لتتفاجأ به ينقض على فكها بيدٍ، وباليد الأخرى غــــرز طرف المدية المدبب في لسانها متعمدًا قطعه، فتفجرت الدماء منه كالنافورة المتدفقة، ليتبع ذلك وضعه لإصبعيه في عينيها ليفقعهما بلا ندمٍ، وهي تكاد لا تستوعب ما تتعرض له من تعــــذيــــب شـــرس.
ما إن فرغ منها حتى جفف دمائها الملطخة ليديه في بنطاله، وقال في نشوة مريضة:
-ارموها جمب أي مقلب زبـــالة، ولو مكتوبلها تعيش يبقى حظها، لو لأ، تبقى حصلت الكلاب اللي راحوا ............................... !!!

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا