رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ايه العربي
رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37 هى رواية من كتابة ايه العربي رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37
رواية بحر ثائر الفصل السابع والثلاثون 37
أنا آسف...
ليست كل الجروح تقال...
ليست كل الأماني تُنال..
ليست كل الآلام تُزال...
هو الخوف يخنق قلبي..
هو الشوق يسكن قلبي ولا يسكنُ....
هي الظروف قيدتني...
هو يأسي هو بأسي....
فكوني لي برغم كل شيئ
كوني لي الأمل....
قد يكون صمتي آلمَ قلبك...
جمعنا الحب وجمعتنا الكلمات....
لطالما كانت الكلمات دائي
ولطالما كانت دوائك...
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
الرجال العاطفيون يسعون للبحث عن حلول
لا يرحبون بالخلافات ولا الاختلافات
دومًا يقدمون الحب على طبقٍ من راحة ويمدون كفوفهم للسلام ويسعون في الأرض إصلاحًا، لذا يجب التعامل معهم بتقدير لعاطفتهم ولا تمس كرامتهم بسوءٍ لأن حينها ستكون خسارتك فادحة .
بعد أن عاد من عمله الذي لم يدِره بشكلٍ جيدٍ نسبةً لانشغال عقله بها ، أراد أن يصعد إلى شقته ليرى آخر المستجدات ، مازال هناك بعض التشطيبات ، يريدها أن تليق بها ، يريد بيتًا دافئًا ممتلئًا بالحب ، يحبها ويتقبل كل ما تفعله لأنه يعلم نواياها برغم أن احتواءه لها يميل إلى التملك وهذا ما يخشاه ، يريد أن يحجم هذا الشعور حتى لا يفسد حياتهما سويًا .
كاد أن يتجاوز منزلهم ولكن طرأ على عقله فكرة اصطحابها لشقتهما ، لذا طرق الباب وتمنى أن تفتح له بنفسها وحالفه الحظ حينما فعلت .
فتحت تطالعه بعينين عاشقتين خاصةً وأنها تدرك جيدًا أن تصرفها اليوم لم يرُق له ولكنها أيضًا تدرك أنها لم تخطئ ، يعلم جيدًا لماذا تفعل هذا لذا عليه أن يقدم القليل من القبول ، وفي نهاية المطاف كلاهما يريدان أخذ خطوة نحو التفاهم .
ابتسمت له تفسح المجال قائلة بنبرة هادئة :
- حمدالله ع السلامة .
ملامحها وانشراح تقاسيمها أكدا له أن ليلته سعيدة لذا بادلها الابتسامة وتساءل بترقب :
- كنت طالع أشوف الشقة ، ماتيجي معايا ؟
طالعته للحظات ثم التفتت تنظر للداخل لترى منال منشغلة مع حفيديها ودينا في غرفتها لذا زفرت وعادت إليه تومىء مبتسمة وتحركت للخارج بعدما ارتدت خُفها ، تغلق الباب خلفها قائلة بتروٍ :
- يالا !
مد لها ذراعه لتتكتفه فعلت وهي مبتسمة بهدوء لتجده يظهر سعادته ببذخ على عكسها فهي تمتاز بالثقل والتأني حتى في إظهار مشاعرها بينما هو لم يخجل حينما بدأ يركض على درجات السلم ويسحبها معه من فرط حماسه وكأن الليلة هي ليلته .
وصلا إلى شقتهما ودس يده يلتقط المفتاح ثم فتح الباب ودلفا ليجدا المكان مبعثرًا قليلًا من أثر العمل .
تحرك بحذر لأجلها ونطق يشرح لها بيده وهما يسيران في الصالة المتفرع منها الغرف :
- شوفي يا ستي لو فيه حاجة عايزة تغيريها أو تعدليها قولي ، كل اللي اتفقنا عليه بيتعمل بس بردو ده الوضع ع الطبيعة أهو ، لو أي حاجة مش عجباكي نغيرها فورًا .
التفتت تلقي نظرة على العمل لتجد أن كل شيء كما اتفقا عليه لذا عادت إليه تبتسم وتردف بتعقل :
- لا بالعكس كل حاجة جميلة جدًا .
ابتسم بسعادة وتضخم قلبه الذي ينبض بصخب لذا تحرك بها نحو المطبخ يردف موضحًا بجرأة خبيثة من فرط مشاعره :
- هنا بقى يا ستي المطبخ ، ماحبتش أعمله أمريكي والكلام ده ، مابحبش أنا يكون عندنا ضيوف ويشوفوا مراتي وهي واقفة فيه ، وبعدين افرضي نفسي هفتني على حاجة كدة ولا كدة وحد هنا ، يشوفني مثلًا ؟ لاء طبعًا .
ابتسمت عليه وتحررت منه تشير بيديها قائلة باستنكار :
- حبكت يعني ؟ وبعدين عادي أنا كمان مش بفضل المطبخ الأمريكي .
مال عليها يغمز متسائلًا بشك :
- أيوة ليه بقى ؟
أفعاله طبعت عليها القليل من الشغف والمرح لذا وجدت نفسها تتجرد من هدوئها وتميل عليه غامزة له تجيبه بابتسامة ماكرة :
- في الصباحية هقولك .
صفق بيديه بحماسٍ مضاعف ونطق بصخب وسعادة :
- اللهم صلِّ على النبي ، ده ابتدت تندع يا هندسة .
قهقهت عليه وهزت رأسها بقلة حيلة من أفعاله العبثية ولكنها تركض باتجاه قلبها ومشاعرها ، هو حنون ومرح وخلوق ويعطى ببذخ ويحاول ليبدو متفهمًا ولهذا فإنها ستعمل جاهدة كي تصبح علاقتهما مثالية .
عاد يتمسك بكفها ويسحبها معه نحو الغرفة الرئيسية الخاصة بهما ، دلفا ولكنها تفاجأت به يحاصرها عند الحائط ويقابلها محدقًا بها بشغفٍ يقفز من مقلتيه ثم نطق بنبرة تحمل مشاعر جياشة :
- دي أوضتنا يا بسوم ، المكان اللي هيجمعنا ويشهد على حبنا .
توغلها التوتر فحاولت التحرر من حصاره لتردف بحذر :
- داغر الأحسن ننزل حالًا .
هز رأسه رفضًا ونطق برغبة بعدما سافرت عيناه عند شفتيها :
- حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة .
هزت رأسها تعترض ونطقت بضعفٍ وتشتت بعدما سيطرت عليها مشاعره :
- داغر عيب كدة بجد ، اصبر لما نبقى في شقتنا .
ابتسم من بين مشاعره ونطق بهيمنة بعدما بات قريبًا حد الأنفس :
- أومال إحنا فين دلوقتي ؟
كاد أن يقطف ثمرتها ووقفت مستسلمة برغم تحذيرات عقلها ليتفاجآ بصوت دينا التي تساءلت بترقب :
- داغــــــــــر !
انتفض يسقط على أرضٍ صلبة وتبعثر كليًا وهو يبتعد عن بسمة التي توردت خجلًا ليجيب بتحشرج وانزعاج جاهد ليخفيه :
- أحم ، أيوا يا دينا ؟
وصلت إليهما تطالعهما بثقب لتجد بسمة تداري نظراتها منها وتدعي انشغالها برؤية المكان بينما وقف داغر يطالعها بغيظ متسائلًا :
- خير ؟
بادلته النظرات المتوعدة وتساءلت باستفزاز :
- بتعملوا إيه هنا ؟
- وانتِ مالك ، واحد ومراته بيتفرجوا على شقتهم .
كان هذا جوابه الذي نطقه بحدة وضيق من تدخلها لتباغته بنظرة غاضبة غيورة لثوانٍ ثم نطقت بتجهم :
- العشا جهز من بدري وماما والولاد مستنيينكوا ، مايصحش كدة .
التفتت بسمة تطالعه بنظرة معاتبة ثم نطقت بجدية غلفت توترها :
- أحنا فعلًا جهزنا العشا أنا وخالتو منال وكنا بنستناك وبنستنى دينا تخرج من أوضتها ، يالا علشان الولاد .
قالتها وتحركت تغادر قبلهما ووقف يطالع شقيقته بغضب ليجدها تتراجع عن تسلطتها وتتساءل بتوتر :
- هي زعلت ولا إيه ؟
نطق بجدية وغيظ من إحباط محاولته في الحصول على مبتغاه :
- أنا اللي زعلت منك أوي ، ماينفعش تصرفاتك دي ، بسمة واحدة مننا يا دينا واللي يزعلها يزعلني .
أسدلت كتفيها بإحباط ولم تنطق لتجده يتحرك ويردف بنبرة آمرة :
- يالا انزلي .
تبعته ونزلا إلى منزلهما ليجدا بسمة اتجهت تساعد منال في وضع الأطباق على المائدة لذا حدج شقيقته بنظرة أكثر غضبًا لتسرع الخطى نحوهما وتساعدهما لتواري فعلتها ، لا تنكر أنها تشعر بالغيرة الشديدة على شقيقها برغم أنها تعلم أنها مخطئة ولكن ماذا تفعل ؟
❈-❈-❈
موجات تضرب عقلها بلا هوادة وهي تفتح عينيها بثقل وتنظر حولها لتجد أنها في المشفى ويعلو رأسها وجهه الذي يتملكه الخوف والندم .
جاهدت لتنتصر على صداع رأسها فعادت تعتصر جفنيها وتبصر مجددًا لتجد يده تملس على جبينها ويردف وهو يرنو منها :
- حمدالله على السلامة .
لم تجبه بل أبعدت عينيها عنه ، مستاءة منه للدرجة التي تجعلها لا تود أن تسمعه الآن لذا زفر يتجه نحو الطبيب الذي يقرأ نتيجة التحليل .
تحدث معه عنها والذي بدوره أخبره أنها تعاني من ضغط نفسي مصاحب لنقص الجلوكوز في الجسم .
دوّن لها وصفة طبية وأخبره أن يغادرا بعد انتهاء المحلول المعلق في وريدها .
رن هاتفه فرفعه يجيب وعينيه معلقةً عليها :
- أيوة يا بابا ؟
كان أمجد يقف في الخارج عند السيارة بعدما اطمأن عليها ليتساءل بترقب :
- هتخرجوا امتى يا ثائر ، علياء قلقت وطمنتها على ديما بس هي مفكرة إني مخبي عنها حاجة .
ازدرد ريقه ونطق وعينيه تتفحص المحلول المعلق :
- روّح إنت يا بابا وانا هجيب وديما واحصلك لما تخلص .
لم يطعه أمجد بل أردف بجدية :
- خلصوا يا ثائر وانا مستنيكم .
زفر وأغلق معه وعاد يطالعها فوجدها صامتة مرهقة لذا زفر بقوة واتجه يغلق باب غرفة الفحص عليهما ثم التفت يعود إليها وسحب مقعده يجلس مجاورًا لها ويسافر عبر ملامحها لثوانٍ قبل أن يستقر عند عينيها ينظر لهما بتفحص ويتساءل :
- ليه عملتِ كدة ؟
توترت نظرتها وحاولت التململ والهرب ولكنه ثبتها بهدوء فتساءلت بضعفٍ :
- عملت إيه ؟
مسح على وجهه ثم عاد يتفحصها ويردف بترقب :
- أهملتي أكلك وشاغلة نفسك بأسئلة كتير ومدية فرصة للأفكار السلبية تأثر عليكي ، معقول شيفاني وحش للدرجة دي ؟
زمت شفتيها بحزن وإرهاق ثم خطرت على بالها فكرة ، أتستغل ما حدث معها في الضغط عليه ؟
في فرنسا اعترف لها بسره حينما شعر أنها على شفا أزمة صحية ، ربما إن استخدمت حالتها الصحية في التأثير عليه أباح لها ما يخفيه لذا رفعت كفيها تضغط على رأسها وتئن وتبالغ في حالتها قائلة :
- راسي وجعاني أوي ، مش عارفة إيه اللي حصل لي فجأة ده .
فاشلة في التمثيل مهما كانت درجة حبها في قلبه ، فهي أمام رجل مخابرات ماهر ومتفوق على غيره لذا قرر مجاراتها فنهض يمد يديه ويدلك رأسها بدلًا عنها وجسده يقترب منها قائلًا بخبث :
- خليها عليا ، عندي طريقة ممتازة تضيع أي وجع .
ظل يدلك لها رأسها بهدوء وتمهل ووجهه في مقابل وجهها وعينيه تستقر في مقلتيها مما جعلها تتوتر وتحاول إبعاده قائلة بضعف :
- خلاص يا ثائر ابعد إحنا في المستشفى .
زفر وعاد يجلس ويرنو منها متسائلًا :
- بتجيبي لنفسك وجع الراس ليه بس يا دومتي .
توترت أسفل نظراته لتقرر الاستسلام بعدما تأكدت أنه لن يفلح معه هذا الادعاء وقررت أن تتعامل بطبيعتها فتعلقت نظراتها به وأردفت بنبرة حزينة صادقة :
- أنا فعلًا مش مرتاحة يا ثائر ، عايزة أفهم إيه المبرر اللي بسببه ممكن اتقبل فكرة إنك تبعدني عن ولادي ؟ الموضوع ده تاعبني جدًا ، جوازك اللي لسة مستمر من مارتينا تاعبني جدًا ومخليني مش عارفة أنام .
زفر بقوة ونطق بصدق :
- أنا ببعدك عن أولادك يا ديما ؟ فكري كدة كويس ؟
أومأت واستطردت تصارحه :
- أيوا ، مالك النهاردة قالي إني عايزة ابعد عنهم زي ما باباهم عمل ، وسألني ليه أنا قاعدة معاك ومع معاذ وسيباهم ، ومعاه حق .
شعر بالضيق يعتصر أنفاسه ولم يعلم كيف يطمئنها ولكنه أردف متعهدًا :
- طيب كل اللي اقدر اقوله إن وعد مني في أقرب وقت هنجتمع كلنا في بيت واحد أنا وانتي والأولاد .
نظرت في مقلتيه تستشف الصدق ولكنها أجابته بتشتت :
- وأخرة الوعود إيه يا ثائر ، وعدتني في فرنسا إنك هتصارحني بكل حاجة لما ترجع مصر ، أنا مابقتش قادرة أحدد إيه اللي في كلامك صح وايه غلط ، حتى لما سألتك عن إعلان جوازنا ماريحتنيش ، أنا مابقتش قادرة أصدق حاجات كتير وأولهم إنك مالمستش مارتينا وغصب عني فيه أفكار سيئة مسيطرة عليا .
مسح على وجهه يعاني من كلماتها التي أثقلت كاهله ، سيفقد ثقتها إن استمر على هذا المنوال ولكن ماذا يفعل ؟ هل يخبرها ؟ هل يريحها أم أنها ستعاني مثله إن علمت ؟
عاد يبصر ويطالعها لثوانٍ يفكر ثم قرر ألا يفعل ، لن يورطها في هذا الأمر مهما كانت النتائج سيجد حلًا سريعًا ويبعدها عن أعدائه لذا نهض وأردف بنبرة جادة :
- ما دام مش مصدقة كلامي يبقى أنا هقول إيه يا ديما ! مش هقدر أقولك غير اصبري وهتشوفي بنفسك ، ويالا المحلول خلص .
قالها وهو يشير على المحلول المعلق ثم اتجه يغلق المجرى وبدون استعانة أو مساعدة تناول كفها ينزع عنه الإبرة بهدوء ثم أسرع يغطيها بلاصق طبي مجاور تحت أنظارها المتعجبة من سرعة بديهته .
تمسك بها لتنهض ثم تساءل باهتمام وعبوس :
- هتقدري تمشي ؟
أومأت له لتجده يزفر ويحيط ذراعها ليخطو بها ولكن ما إن نهضت حتى ترنحت وهجم عليها الدوار مجددًا لذا أسرع يثبتها ومال يلتقطها بين ذراعيه ويحملها فشهقت وتعلقت برقبته ولكنها أردفت بخجل وتعب :
- نزلني يا ثائر دي دوخة مؤقتة علشان قومت فجأة .
لم يجِبها بل تحرك بها نحو الباب وأشار برأسه عليه لتفتحه ففعلت وخطا بها في الردهة بملامح منزعجة من كلماتها لتتعجب من أمره ، يفترض أن تنزعج وتعبس هي وليس هو ، هل يقلب الأدوار ؟ أينتظر منها أن تراضيه ؟
ظل يسير بها حتى دلف المصعد فأردفت بخجل :
- نزلني بقى .
كأنها شفافة حيث ظل ثابتًا يحملها بين ذراعيه حتى وصلا إلى الأسفل واتجه بها نحو الخارج أمام الجميع لذا أخفت وجهها في صدره بعدما تفشت في ملامحها حُمرة الخجل من نظرات من حولهم .
رآه أمجد فأسرع يفتح له باب السيارة الخلفي فأجلسها في الخلف وأغلق واتجه يستقل المقعد المجاور لوالده الذي بدوره صعد وبدأ يقود .
مالت تستريح برأسها على المقعد وعينيها عليه وهو يتطلع أمامه ثم استل هاتفه وهاتف والدته يردف :
- أيوا يا ماما ، جايين في الطريق أهو ـــــــــــ أيوة كويسة بس لو سمحتِ اعمللها أكل مناسب لحد مانوصل .
أغلق الهاتف ودسه في جيبه ورفع رأسه يستند على المقعد ويغلق عينيه تاركًا إياها تفكر في أمره وماذا ستفعل معه .
وسامحًا لعقله أن يهدأ فلا سبيل أمامه سوى الهدوء وترتيب أفكاره ليحل العُقد المترابطة واحدة تلو الأخرى .
❈-❈-❈
في تلك الأثناء دلفت مارتينا مبنى منزل أمجد تجر حقيبتها وتستقل المصعد تنوي تنفيذ خطتها بملامح أفعوانية وابتسامة تحمل من المكر ما يزن برج إيفل .
وصلت للطابق واتجهت تقف على أعتاب المنزل ومدت يدها تطرق الباب وانتظرت ثوانٍ حتى رأتها علياء من خلال شاشة المراقبة فزفرت بضيق وفتحت تطالعها متكتفة وتتساءل :
- ماذا تريدين ؟
ابتسمت لها بخبثٍ ونطقت بهدوء :
- هكذا تستقبلين زوجة ابنكِ وأم حفيدكِ سيدة علياء ؟ سمعت عن كرم المصريين ولم أره بعد .
نزلت علياء بنظرها نحو الحقيبة وتعجبت تعود إليها مردفة باستفهام :
- هل تظنين أنني سأسمح لكِ بالمكوث هنا ؟!
هزت مارتينا كتفيها واسترسلت ببراءة مزيفة :
- ولمَ لا ؟ سمحتِ لغيري فلماذا أنا ؟ ثم أنني أعد ضيْفة وليس لي أحد هنا على عكس زوجة ابنك الثانية ، لمَ تتعاملين معي بهذه الطريقة ؟ هل رأيتِ مني أذى؟
نطقت علياء بتجهم حيث لم تصدق حيلها الخبيثة :
- ما سمعته من ابني وحفيدي يكفي لأراكِ أفعى ، هيا خذي حقيبتكِ وغادري من هنا .
ابتسمت مارتينا فهي تدرك أن ذلك ما سيحدث لذا تخلت عن حقيبتها واندفعت تزيح علياء من طريقها وتدلف قائلة بتبجح :
- لن أغادر ، أتيت إلى منزل زوجي ، أنا مازلت زوجته ، أين هو أريد أن أراه .
غضبت علياء من بجاحتها ووقفت متجمدة تستوعب لتصيح الأخرى منادية :
- ثـــــــــائر ، تعال أريد أن أراك وأتحدث معك .
وعت علياء واتجهت تقبض على رسغها وتوبخها بغلظة قائلة :
- ما هذا الأسلوب الرخيص ! ابني ليس هنا غادري الآن .
نزعت يدها بعنف وتحولت ملامحها الباردة إلى مشتعلة بشرٍ صريح وكشرت عن أنيابها مردفة بخفوت :
- لا تلمسيني ، يبدو أنكِ لم تعرفينني جيدًا ، أو أن ابنك لم يخبرك بشكلٍ كافٍ عني ، أنا لا أتركه أبدًا ، هو لي وسيظل لي ومن سيعترض طريقي سأزيحه .
برغم أنها شعرت بالتوتر إلا أنها لم تخَفها بل وقفت تواجهها ثم ابتسمت وتحدثت باستفزاز :
- تثقين في نفسكِ كثيرًا ، ابني وحفيدي وزوجته خطوطًا حمراء ، لن تحصلي على ما تريدينه هنا ، وإن أردتِ البقاء حسنًا ، ابقي لنرى ماذا سيفعل ثائر حينما يراكِ .
كلمات علياء أحرقتها ولكنها ابتسمت برغم النيران المشتعلة في نظرتها ونطقت بإيماءة :
- هذا ما أريده ، سأجلس هنا وانتظره إلى أن يأتِ .
تحركت بعدها نحو الخارج تسحب حقيبتها وتدخلها عنوةً ثم أغلقت الباب والتفتت تجرها نحو ركنٍ ما .
اتجهت ترتد على الأريكة واضعةً ساقًا فوق الأخرى ودست يدها في حقيبتها الخاصة تخرج منها علبة سجائرها وقداحتها ، فتحتها واستلت واحدة وأشعلتها تسحب منها تبغها بعمق لثوانٍ ثم زفرته للأعلى وفردت ظهرها على الأريكة تبتسم لعلياء التي تقف تطالعها بصدمة وذهول ، برغم أنها كانت تنوي التصدي لها بكل ما أوتيت من عزيمة ولكنها تكتشف للتو تسلط مارتينا وشرها الحقيقي .
❈-❈-❈
أخبرها أنه سيأتي الليلة لذا قررت استقباله استقبالًا حافلًا برغم أنها قررت أيضًا أن تضع شرطها على قائمة الطعام .
أعدت كل شيءٍ بشكل مرتب وزينت صغيرها ومنزلها لاستقباله ، ليته ينفذ شرطها ويعيش معها هنا ، تجزم أنها ستصبح أسعد الناس وستلقن يسرا درسًا في الاستفزاز كما تفعل هي معها ، حتى ذلك الدياب ستلقنه درسًا وتثبت له كم هي مرغوبة ، يكفيها أن ينفذ شرطها ومن المؤكد سيقبل بعد رؤية صغيره .
رن جرس الباب فتهاوى قلبها ونظرت لصغيرها الجالس في مقعده تنطق بحماسٍ مضاعف :
- بابي جه يا قصي ، بابي جه .
تحركت مسرعة تنظر لهيأتها في المرآة لتبتسم بتباهٍ وتتجه لتفتح له ، فتحت لتجده أمامها بهيأته التي دومًا ما سحرتها .
يرتدي حلة زرقاء أنيقة وقميصًا أبيضًا دون ربطة عنق ، يضع عطره الذي تعشقه ويطالعها بملامحه التي يستغلها في التأثير عليها ، خاصةً مع ابتسامته الماكرة .
بادلته الابتسامة ونطقت بالفرنسية بسعادة لحظية :
- مرحبًا توماس ، تفضل .
تفاجأت حينما مال يقبل وجنتها ودلف وتركها تقف مصدومة ثم عادت تدعي الثبات وقررت داخلها ألا تضعف وإلا خسرت الكثير ، يجب أن تثبت لنفسها وللجميع أنه يحبها وأنها تستحق الحب .
أغلقت الباب وتبعته لتجده يقف يطالع طفله بنظرات مطولة وكأن دار بينهما حديثًا سريًا لتقطعه متسائلة :
- ألن تحمله ؟
انتبه لذا مد يده يلتقط صغيره ويحدق به لثوانٍ ثم سأله باستفهام مبهم :
- هل ستصبح مثلي يا ولد ؟ هل ستشبهني في الصفات كما تشبهني في الشكل ؟
ابتسمت رحمة وأجابته بخبثٍ مراوغ :
- ربما سيشبهني أنا لأنه لن يراك كثيرًا .
ابتسم على سذاجتها ثم عاد يضع الصغير مكانه ويناوله الألعاب الملونة التي انشغل بها ثم عاد ينظر إليها بعمق ليفتح ذراعيه لها ويردف بتلاعب :
- فلتعانقيني إذًا .
تفاجأ حينما وجدها تتخذ خطوة للخلف مبتعدة عنه ، ظنها ستركض نحوه كما تفعل دومًا ولكنه أعجب بنظرات التحدي التي تجلت في عينيها ليردف وهو يتكتف بإحباط :
- أوه ، هل خاب ظني يا ترى ؟
أشارت له نحو المائدة التي جهزتها ونطقت بترقب :
- دعنا تناول العشاء أولًا ثم سنتحدث .
نظر لها بخبث ثم تحرك بالفعل يجلس وينظر للمائدة المعدة بعناية وللأصناف التي أعدتها وتساءل مشيرًا على أحد الأطباق :
- ما هذا ؟
ابتسمت تجيبه بتفاخر كأنها لم تبتاعه وأشارت موضحة :
- هذا يدعى ورق عنب ، وهذه ملوخية ، وهذا حمام بخلطة سرية مصرية ، وهذا حساء مصري أيضًا ، وهذا أرز بالخلطة ، وهذا لحمة بالبصل ، جهزت لك طاولة مأكولات مصرية ستعجبك كثيرًا .
اندهش والتقط المنديل يعلقه في ياقة قميصه ثم تناول الشوكة وقرر التقاط إحدى ورقات العنب ليتذوقها ، ثواني مرت يستطعمها حتى ظهرت على ملامحه علامات الإعجاب لذا أومأ يردف بحماس :
- أوه ، لذيذ جدًا ، إذًا من المؤكد أنك لم تحضريه .
قصف جبهتها فزفرت بإحباط وتكتفت تجيبه :
- يكفي أنني اشتريته من أجلك .
عاد يطالعها مستغلًا نظراته في السيطرة عليها ويردف بمغزى :
- نعم بالفعل ، لذا دعيني أقبل يمينكِ .
مد يده يلتقط كفها ويلثمه بتهمل ثم عاد يحدق بها بنظرات مبهمة وترها لذا أسرعت تسحب كفها وتتكتف لتدعي الثبات وقررت أن تخبره بشروطها لذا قالت مباشرةً :
- توماس يجب أن تسمعني ، أنا أعلم جيدًا أنك تمنيت أن يكون لديك طفلًا صغيرًا .
طالعها بتعجب لحظي ، فهو بالفعل تمنى هذا ولم تتحق أمنيته على مر السنوات إلا معها ، ربما لأنها الوحيدة التي أحبته ولم تحذر منه بل وثقت فيه .
زفر بتهمل وعاد يتناول طعامه لتستطرد بابتسامة حينما لاحظت تجاوبه معها :
- لا تجعل صغيرك يتربى بدونك توماس ، هو ابني وسيظل معي وأنت هنا في بلدي وستسير حسب قوانيني لذا ــــــــــ .
صمتت قليلًا تستشف ردة فعله وحينما وجدته يتوقف عن طعامه ويطالعها لتكمل حديثها ففعلت وتابعت :
- دعنا نتزوج مجددًا ، ولكن أولًا يجب أن تعلن إسلامك .
حدق بها للحظات ثم ابتسم ولف وجهه يحدق بصغيره وشرد يفكر قليلًا ، بقاءه في مصر ومراقبته لثائر وإيقاعه لزوجته وحصوله على المعلومات التي يريدها وتحقيق النصر ، كل هذا ربما أصبح سهلًا إن قبل بشرطها وأوهمها بالرضوخ لها لذا عاد يطالعها ويردف بمراوغة ظاهرية :
- ولما لا نتزوج كما فعلنا من قبل ؟ لا داعي لتغيير ديانتي .
هزت رأسها تجيبه برفض :
- زواجنا كان خطأ توماس ، أنا لا يجوز لي الزواج برجلٍ غير مسلم ، كنت مخطئة وأريد أن أصحح خطأي ، افعلها لأجلي ولأجل صغيرك .
حدق بها لثوانٍ ثم تابع تناول طعامه وتساءل بجرأة وتبجح :
- هذا يعني أنني لن أمارس معكِ الحب الليلة ؟
توترت ولكنها ادعت الثبات الذي لا يراه ونطقت برفضٍ :
- لن يحدث هذا مطلقًا قبل الزواج .
قهقه عاليًا باستفزاز ثم نطق بهيمنة ونظرة مخيفة أرعبتها :
- إن أردت شيئًا أحصل عليه لذا لا تكوني واثقة كثيرًا ، يمكنني بسهولة أخذ ما أريده منك حتى طفلي وأنتِ لن تقفي أمامي .
تحولت نظرته المرعبة إلى أخرى وديعة ونطق بنبرة هادئة جعلتها تتعجب :
- ولكني لن أفعلها رحمة ، بل سأنفذ ما تريدينه ، لأني أحبك .
أصيب بالصدمة ، هي نفسها لا تصدق ما قاله لذا جلست تحدق به وهو يلوك طعامه مستمتعًا لتعود تتساءل بشك :
- هل حقًا ستفعل ؟ ستعلن إسلامك ونتزوج ؟
- نعم ، وغدًا سأفعلها .
نطقها بجدية مطلقة ليتضاعف تعجبها ولكنها ابتسمت وتجلت السعادة على ملامحها من فرط دهشتها ، هل يحبها بصدق ؟ هل بات هناك رجلًا يحبها ؟ وسيفعل المستحيل لأجلها ؟
❈-❈-❈
توقف أمجد أمام البناية التي يقطنون بها وترجل هو وثائر الذي فتح الباب الخلفي فترجلت ديما على مهلٍ وهو يتفحصها بعينيه ويضع يديه حول خصرها خوفًا من ترنحها وحينما وجدها بخير تنفس بارتياح وشبك ذراعها في ذراعه دون أن ينبس ببنت شفة .
تحركوا نحو الداخل ومنه للمصعد لتمر ثوانٍ فقط حتى أصبحوا أمام باب المنزل لذا اتجه أمجد يطرق الباب فهمّت علياء بفتحه تطالعه باستنجاد ولكنه لم يلحظه بل ألقى السلام وتحرك يدلف وخلفه ثائر الذي يسند ديما ولكن عيناه التقطت النجدة في مقلتي والدته فتعجب ليزال تعجبه حينما نطق أمجد باستهجان :
- إنتِ ؟
دلف ثائر وديما ووقفا يطالعانها بصدمة ليتساءل ثائر بهدوء حذر :
- لمَ أتيتِ مجددًا ؟
قالها واشتدت قبضة يده على خصر ديما الذي خشى أن تنهار مجددًا لتجيبه الأخرى بمكرٍ ولم تتزحزح من مقعدها :
- ماذا بك ثائر ؟ لمَ الجميع يسأل عن شيءٍ بديهي ؟ أنا زوجتك وأم ابنك ومن الطبيعي أن أمكث معك هنا خاصةً وأنني جئت من بلدٍ بعيد ، هل سأظل في فندق بمفردي مثلًا ؟
باغتها بنظرة استحقار وتوعد ثم تجاهلها وتحرك يدفع ديما التي حاولت ألا تتحرك ولكنه نطق بصرامة :
- امشي معايا .
كانت تريد مواجهتها ولكنه لن يقبل بذلك خاصةً وهي في هذه الحالة لذا أطاعته وتحركت معه نحو غرفتهما .
دلف معها واتجه يريحها على الفراش ويسندها بوسادة خلف ظهرها فابتلعت لعابها وحينما نهض تمسكت بيده فتعلق في مقلتيها التي تسلطت عليه وتساءلت بخوفٍ يحاول التسلل عبر جدران ثقتها المشروخة :
- هي هتفضل هنا فعلًا ؟
تفحص نظرتها الخائفة ورق قلبه لذا مال يقبل جبينها وابتعد يردف بثبات وثقة :
- لاء ، ولو فضلت هنا هنمشي أنا وانتِ .
التقطت نفسًا طويلًا تهديء به داخلها ، تتماسك بالثقة به مهما بلغت أسئلتها ، تحاول أن تتبع إحساسها تجاهه برغم كل الغموض الذي يحيطه لذا أومأت وحلت قيدها عنه تردف بإرهاق :
- تمام .
زفر بالقليل من الراحة ، القليل جدًا ، وتابع وهو يفرد الغطاء عليها :
- ارتاحي وماتطلعيش خالص ، شوية وهرجعلك .
أومأت له فتحرك عائدًا يغلق الباب خلفه لتتجلى على ملامحه نظرة متوعدة لا تبشر بخيرٍ على الإطلاق .
وصل إليهم حيث يجلس والديه في حالة تأهب أمامها وهي لا تبالي إلا حينما نطق بحدة :
- انهضي .
نهضت بتمهل استفزازي ووقفت أمامه تطالعه فأشار لها نحو غرفة جانبية يردف :
- دعينا نتحدث .
- بكل سرور .
قالتها وهي ترفع حاجبيها منتصرة ومبتسمة ثم انحنت تطفيء سيجارتها واعتدلت تخطو أمامه نحو الغرفة المذكورة التي فتحها فدلفت وتبعها وأغلق الباب خلفه .
زفرت علياء بضيق تردف من خلفهما :
- استغفر الله العظيم وأتوب إليه ، بني أدمة مستفزة ، نسيتني أعمل الأكل لديما .
امتدت يد أمجد تربت على كفها وأردف بهدوء :
- سيبك منها وقومي إنتِ اعملي الأكل وثائر هيعرف يتصرف .
تنهدت بعمق وأومأت تنهض وتتجه نحو المطبخ لتحضر الطعام وتحمد ربها أن حفيدها نائمٌ لم يشعر بكل ما حدث .
❈-❈-❈
جلست باستعلاء وجلس أمامها بهيبة يطالعها بنظراتٍ تجردها من أفكارها لذا تساءل مباشرةً :
- ماذا تريدين ؟
طُرقها ملتوية لذا ابتسمت وانحنت نحوه تجيبه بنبرة متملكة :
- أريدك ، هذا كل شيء .
مال جانب فمه بابتسامة استهانة ونطق :
- هل تركتِ توماس في الفندق وجئتي لتقولي هذا ؟
توقعت ألا يعلم ولكن معرفته أثارت شكوكها وخطر على عقلها كلمات والدها عنه لذا ابتعدت تحدق به وتساءلت :
- من أين علمت ؟
نطق بثباتٍ وثقة وهو يضع ساقه فوق أخرى :
- احذري ، لنقل مثلًا أنني أراقب تحركاتك بعدما غادرتي من هنا .
أقنعتها إجابته نسبةً لثباته ليستطرد :
- أتدركين أمرًا ، لو تأكدت أنكِ أتيتِ خلفي لتراضيني بعد فعلتكِ لربما فكرت في الأمر ، ولكنكِ كل مرة تثبتين لي كم أنتِ امرأة حقيرة مستغلة ، أتيتِ مع عشيقكِ وبكل تبجح تجلسين أمامي قائلة ( أريدك )
نطقت بحدة وانتفاضة بعدما استفزتها كلماته المتعمدة :
- أنا لا يهمني توماس ، هو مجرد وسيلة كي أصل إلى غايتي ، يمكنني بسهولة إزالته من طريقي ، فعلتها من قبل وأنت تعلم ، حاولت قتله ولكنه لم يمت ، أنت الوحيد الذي لم أستطع إلحاق أي أذى به ثائر ، لأنني أحبك .
ابتسم بسخرية وأومأ يتساءل بترقب وخبث :
- كيف يمكنكِ التخلص منه ؟ هيا أخبريني .
ضحكت وعادت تقرب وجهها منه ونطقت بخفوت :
- إن تخلصت أنت من تلك المصرية سوف أفعلها ، أعدك بذلك ، دعنا نتخلص منهما ونعود سويًا إلى فرنسا .
رأت في عينيه نظرة جعلتها تتلوى وتتقلب فوق براكين الحقد والغيرة والغضب لذا استطردت بهجوم وهي تقبض على جانبي المقعد :
- أتعلم ، أنت لن تتخلص منها ، أنت تحبها أيها الحقير ، أنت فقط استغليتني كي لا ينهار اسمك الذي بنيته أنا .
بهدوء يصيبها بالجنون أكثر أجابها مؤكدًا بثقة واستفزاز متعمد :
- نعم مارتينا أنا أحبها ، هي الوحيدة التي تسيطر على مشاعري وقلبي وعقلي الآن .
كمن يتلو آياتٍ على شيطان استحوذ على جسد امرأة، باتت مشتعلة فأردفت بنبرة يقطر منها الشر :
- نعم أعلم ، منذ تلك الليلة التي كنت فيها متبلد المشاعر معي برغم كل محاولاتي، وحينما اتخذت من مكالمة توماس ذريعة كي تبتعد ، حينئذ علمت أنك تحبها ، لهذا أعدك ثائر سأجعلك تحزن عليها وتأتي عند قدمي تطالبني أن أرحمها ، ولن أفعل بل سأستمتع بكل صرخة عذاب تصدر منها قبل أن أقتلها .
انتزع نفسه في لمح البصر وقبض على عنقها بشكلٍ مفاجئ يوقفها من خلال قبضته التي أحكمها عليها فجعلها تتلوى بين يديه وتحاول الخلاص منه ولم تستطع لدرجة أنها باتت تقف على أطراف أقدامها وتنتفض ولم يبالِ بل بات متصلبًا قاسيًا بوجهٍ شرس لم ترَه من قبل ونطق :
- يمكنني قتلك الآن بكل سهولة ولكني لن أفعلها مارتينا ، هل تعلمين لماذا ؟ كي أرى ما باستطاعتك فعله ، أريني ما لديكِ .
نطقها وألقاها بقوة لترتد على المقعد تشهق كأنها كانت تغرق وتدلك رقبتها وهي تطالعه بجحوظ لا تصدق أنها استحضرت شبحًا يسكن داخله وظلت تتنفس باستغاثة وتدلك رقبتها لتجده يصرخ بها يجفلها :
- غادري الآااااااااااان
أسرعت تنهض وتركض خارج الغرفة ومنها إلى باب المنزل تفتحه وتغادر متناسية أمر حقيبتها ولكن أمجد لحق بها يناولها إياها قائلًا بتشفي :
- هذه لكِ .
تركها وأغلق الباب ووقفت تطالع أثرهم بتوعد ثم سحبت حقيبتها لتغادر من حيث أتت بخيبة أملٍ تفشت داخلها وجعلتها أشد رغبةً في الانتقام .
أما هو فتناول هاتفه واتجه يقف عند النافذة يتطلع للخارج ويهاتف صقر الذي أجابه بترقب فتحدث ثائر بثبات وهو يراها تغادر وتجر حقيبتها :
- ركزوا كويس النهاردة ، مارتينا وتوماس أكيد هيتواصلوا مع إرتوا ، يمكن نعرف نوصل للمكالمة اللي مستنيينها .
أغلق ووقف يتطلع عليها حتى استقلت سيارة أجرة وغادرت ، لقد تعمد إشعالها وألقى بحجارته داخل بركة وعرة وعسرة عله يصطاد منها ما يريده قبل حدوث الحرب الآتية لا محال .
❈-❈-❈
جلست في السيارة تتلوى بنيران سَعِرة وتعبث بهاتفها لتهاتف توماس وتخبره بما حدث معها ليضعا خطة انتقامية محكمة ولكنه لم يجِبها .
حاولت مجددًا دون جدوى حيث قرر ألا يقع في الفخ المعد له والذي تجهله هي لذا سبته بسبابٍ لاذع وحاولت الاتصال على والدها لتخبره ولكنه أيضًا لم يجبها ، كلاهما يدركان أن جنونها سيودي بهم إلى حافة الهاوية لذا تركاها تصرخ وتقبض على الهاتف بغلٍ ليتعجب السائق ويطالعها في المرآة متسائلًا :
- فيه حاجة يا هانم ؟
لم تفهمه ولكنها نزعت الكارت المدون عليه عنوان الفندق من حقيبتها وناولته إياه تطالعه بنظرات مشتعلة كأنه من تسبب في حالتها ، ودت لو باستطاعتها قتله حتى تهدأ ولكن هذا الفعل سيأزم الأوضاع أكثر خاصةً وأنها الآن هنا ، في بلده ، لذا عليها أن تهدأ بأي وسيلة .
❈-❈-❈
دلف الغرفة يحمل الصينية التي ناولتها له والدته والتي تحتوي على طبق حساء الدجاج والخضراوات .
وجدها تسجد وتصلي ، تأملها وهو يخطو ويضع الصينية على الكومود ثم جلس على الفراش ينتظرها ويحدق بها يحاول مشاركتها في السلام النفسي الذي ينبعث منها وحولها .
أطالت السجود ، يبدو أنها تتحدث مع ربها عنه ، هل تشتكي له منه أم تدعي له ؟ يتمنى بكل ذرة فيه أن تفعل الثانية وتدعو له فهو ممتلئ بالأعباء ودعوتها ستخفف عنه كثيرًا .
مرت دقيقة أخرى ثم نهضت تختم صلاتها وسلمت ورفعت يدها تكمل دعواتها الصامتة ثم نهضت تلتفت لتراه يتطلع عليها ويشير نحو الطعام مردفًا بهدوء :
- يالا علشان تاكلي .
- مشيت ؟
تساءلت بها بقلبٍ ينبض قلقًا كطبلٍ صغير ليريحها قائلًا بابتسامة لحظية :
- ولا كإنها جت أصلًا ، ولا تشغلي بالك .
تنهدت ورفعت يدها لتتخلى عن إسدالها وتظهر بمنامتها التي تغلف جسدها بانسيابية وخصلاتها المبتلة بعض الشيء ليتساءل بخبثٍ استحضره من هيأتها بعدما انتزع أفكاره وألقاها في الشرفة حتى الصباح :
- إنتِ أخدتي شاور ؟
ابتسمت توميء له وهي تتحرك نحوه ليستطرد بنظرة حبٍ وتوعد مفترسة وهو يحل ربطة عنقه التي تخنقه كأنه ينزع من ذاكرته مجيء مارتينا :
- كنتِ استنيتي شوية .
أرادت ألا تظهر فهمها لمغزاه ولكنها فعلت لتنفض عنها حالة الإعياء والتعب ، اتجهت نحو مرآتها تلتقط عطرها وتضع منه القليل ثم وضعت أحمر الشفاه على شفتيها الذابلتين فتنهد ونهض يتحرك نحوها ويلتقط الفرشاة وبدأ يمشط خصلاتها بتروٍ لتطالعه عبر المرآة فتجده منغمسًا في تمشيطها لذا أردفت بترقب :
- أنا عايزة أروح بكرة أقضي اليوم مع أولادي ، ومش هبات هناك .
قالتها حتى لا يرفض لأنها لن تتقبل رفضه ليزفر بقوة ويشرد لدقائق ، لن يرفض طلبها ولكن سيكون يوم الغد صعبًا جدًا عليه في تأمينها، يدعو أن يثمر ما فعله بمارتينا عن أخبار تريحه وهذا ما سيخبره به اللواء رشدي في الصباح لذا أومأ يجيبها بقبول :
- تمام ، هوصلك الصبح إن شاء الله قبل ما أروح المجلة بس ماتطلعيش برا البيت .
أومأت فتنهد ووضع الفرشاة مكانها ثم مد يده لتنهض معه ففعلت فنظر لتفاصيل وجهها ، يعشقها ولكنه يحزن حينما يلاحظ ذبولها خاصةً وأنه تعهد بألا يحزنها ، تنهد بضيق وسحبها معه يريحها على الفراش ففعلت تجيبه بترجٍ :
- ثائر لو سمحت ماتعاملنيش على إني مريضة ، كانو شوية هبوط وراحو لحالهم خلاص ، أنا كويسة جدًا .
تناول الصينية واعتدل مقتربًا منها ينوي إطعامها متجاهلًا حديثها لتردف بخجل وتوتر :
- خليك يا ثائر أنا هاكل بنفسي .
لم يطِعها بل ملأ الملعقة بالحساء ورفعها نحوها يحثها على تناولها ففعلت بحرجٍ وتناولتها تلوكها فتساءل بترقب :
- حلوة ؟
- حلوة جدًا ، دوقها هتعجبك .
هذا ما كان ينتظره فهو يشتهي مشاركتها في كل شيء حتى الملعقة لذا غمرها بالحساء ورفعها لفمه يتذوقه ويهمهم باستمتاع مغمضًا عينيه .
استطاع أن يجعلها تبتسم وتتناسى ما بها ، تحب أفعاله ، هذا الماثل أمامها الآن هو ثائر الحقيقي الذي رأت دواخله والذي غمرها بمحبته وانتشلها من أثر علاقة نرجسية سامة ، هذا ثائر ابن والديه المحبان والذي نشأ وتربى بسلام .
عاد يطعمها مرة أخرى فعادت تخجل فلم تعتد أن تُعامل كطفلة برغم أنها تتمنى ذلك لذا أردف موضحًا حينما شعر بتوترها :
- ماتتحرجيش مني ، بأي شكل من الأشكال ، اطلبي اللي إنتِ عايزاه واسألي عن اللي إنتِ عايزاه وادلعي عليا زي مانتِ عايزة .
تعلقت في نظرته ونبرته التي تحتويها وتضمد جراحها فمال يترك قبلة على وجنتها واستطرد مشاكسًا :
- أنا عايزك تكوني الزوجة اللي جوزها أفسدها من كتر الدلال .
ابتسمت ونطقت بسعادة طرقت أبواب مدينتها الساكنة :
- مش للدرجة دي يا ثائر ، وبعدين اسأل إيه بس وأنا مهما سألت مش بتجاوب أصلًا .
ترك الصينية جانبًا وأسرع نحوها قبل أن تتحول دفة الحوار إلى مسارٍ مغلق ومظلم كالعادة ، احتواها بذراعه الذي حاوط به ظهرها وقربها منه يتمسك بكفها ويلثمه مسترسلًا بتعمق أكثر حتى ينسيها ما تفكر به وحتى يراضيها بالقدر المستطاع :
- سيبك من الأسئلة ، أنا عايزك تتعاملي معايا باللي إنتِ شيفاه مني وبس ومالكيش دعوة باللي مش شيفاه ، أنا بحبك جدًا ومافيش في قلبي وعقلي غيرك ، ونفسي نستقر في مكان واحد أنا وانتِ والاولاد في أقرب وقت وصدقيني بحاول أعمل ده .
هذا الحديث تقدره كثيرًا ولكنها مرت بالذي يجعلها تبحث عن ضمانات وإثباتات على أرض الواقع ، لا تريد أن تمشي خلف مشاعرها وتنسى صغيريها ، نقطة ضعفها وقوتها ، استثمارها العظيم وهي على استعداد لفعل أي شيء لأجلهما ؟ ولماذا يمنعها من ممارسة أمومتها معهما بالشكل الذي تتمناه خاصةً وأنها هنا وليست بعيدة عنهما ؟
زفرت بقوة وأردفت بالقليل من الخوف والضيق الذي تسعى لتزيحهما عنها خاصةً وهي تجده يحتويها ويسعى لإرضاءها :
- تمام ، مصدقاك .
لم ترِحه إجابتها لذا زفر بقوة وتمنى أن يتحقق مبتغاه ويحصل صقر وخالد على أي دليل يدين ذلك التوماس وتلك الأفعى كي يستريح ويهدأ ، دليلًا واحدًا فقط وسينتهى الأمر ويصارحها بكل شيء بعدها ولكنه لن يسمح بتجنيدها لاستقطاب توماس ، هذه الفكرة تدمر عقله كلما تخيلها .
ملست كفه لتنبهه حينما لاحظت شروده فانتبه لها والتفت يطالعها مجددًا ليتنفس بعمق ثم استرسل بمغزى عميق :
- ديما أنا عايزك تبقي أقوى من كدة ، ماتظهريش نقطة ضعفك لأي حد حتى أنا ، ماتثقيش في أي حد غير نفسك بعد ربنا ، دوري على اللي يريحك انتِ بس واعمليه وبطلي تريحي اللي حواليكي على حساب نفسك ، إنتِ استثنائية ماتخليش أي حاجة تكسرك مهما كنتِ بتحبيها ، بس خليكي متأكدة إن ثائر ذو الفقار بيحب ديما الصابر لأبعد حد .
كلماته ذكرتها بكتبه التي لم تعد تقرأها كالسابق وأدركت أنها بالفعل بدأت تنجرف خلف صراعات أدخلتها في متاهة لذا نظرت له نظرة عميقة علها تكتشف بها أسباب معاناته .
بادلها ذات النظرة وحينما كادت نظراته تفضحه وظن أنها ستقرأ مخاوفه أسرع ينزل بنظره عند شفتيها المصبوغتان بالحُمرة التي لم ترُق له لذا أسرع في احتلالهما قبل أن تحتله الأفكار ، كان احتلالًا بدى هجوميًا لزيح به هذا اللون ثم تحول إلى عشق جعلها تحيط عنقه وتتلاعب في خصلاته مستمتعة فابتسم من بين قبلاته وأدرك أنها رويدًا رويدًا تتخلى عن خجلها منه وهذا يوطد علاقتهما أكثر ، يجزم أنه سيعلمها في الحب أمورًا لم تكن تدركها يومًا وسينزع من ذاكرتها أي ذكرى سيئة مرت عليها .
يتبع ....