رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل التاسع والاربعون 49
في مواطنِ الظلمِ تنشأ الظلمات... لا ظلامَ الليلِ، بل ظلامُ القلوبِ حين تُطفأ أنوارُ الرحمةِ فيها.
هناك، حيث الحقدُ يُزرعُ في صدورٍ أرهقها الوجع، تنبتُ الشظايا وتتمدد، تخترقُ النبضَ وتفتكُ بما تبقّى من إنسانية.
العشقُ؟!
ذاك الطيفُ الذي تسلّل ذات ضعف، تشبّثَ بروحٍ مكسورة، وظنَّ أن بوسعهِ أن يُرمّم ما انكسر...
لكنه احترق.
لم يصمدْ أمام وهجِ الخيانة، ولا أمام سكاكينِ الغدرِ التي غُرِزتْ بابتسامةٍ خادعة.
تلطّخ الحبُّ بالدم، وارتدى الغلُّ ثوبَ العشق، فصارَ المشهدُ جريمةً مكتملةَ الأركان.
فمن يربحُ هذه الحرب؟
هل تُجدي مشاعرُ القلبِ في معركةٍ تقودها الخيانات؟
أم أنّ الحبَّ حين يُطعَن، يُدفَن دون شواهد؟
توقَّفت رانيا أمام القاضي في قاعةِ المحكمة، وتعالت الهمهماتُ بين الحضور، فاضطرَ القاضي إلى الطرقِ على منصةِ المحكمةِ بقوة:
– هدوء..ممنوع الكلام.
ثمَّ اتَّجهَ بنظرهِ الحازمِ نحو رانيا متسائلًا:
– اسمِك وسنِّك، وعلاقتك بالجاني؟
صاح راجح فجأةً من مكانه:
– دي شريكتهم ياسيدي القاضي.. اشتراها ابنِ السيوفي.
قاطعهُ القاضي بنبرةٍ صارمة:
– لو اتكلِّمت تاني ياراجح، هزوِّد عقوبتك.
استعادت رانيا بعضًا من تماسكها، ثمَّ همست بصوتٍ مرتجف:
– سيدي القاضي...ثم دارت بعينيها في قاعةِ المحكمة، فتوقَّفت نظراتها عند فريدة الجالسة بين إلياس ومصطفى، ويجاورهم إسحاق وأرسلان..ارتجفَ جسدها حين التقت عيناها بنظراتِ إلياس، أمَّا ياسين فقد آثرَ الابتعاد، جالسًا في الطرفِ الآخرِ من القاعة.
– اسمك وسنِّك؟
– أعاد القاضي سؤاله..
– رانيا حسن الرفاعي، 59 سنة، سيدة أعمال.
– علاقتك بالجاني والمجني عليه؟
– مرات راجح الشافعي.
– قولي: "والله العظيم هقول الحق".
صمتت للحظات ومقابلةِ ميرال ويزن إليها بالأمس يشعرها بأنَّها لا تريدُ سوى الموت...ظلَّت لحظات وكأنَّها لا تشعرُ بما يدورُ حولها..
ليردِّد القاضي مجدَّدًا:
– قولي يارانيا: "والله العظيم هقول الحق".
ردَّت وهي تجهشُ بالبكاء، محاولةً حبسَ دموعها:
"واللهِ العظيم، أقول الحقّ..."
ساد الصمت فجأة، كأنّ أنفاس الحضور قد احتُجزت، وتعلّقت العيون بتلك المرأة التي وقفت كأنها تُخرِج الحقيقة
تخترق صدر فريدة
بدأت رانيا تسرد، وعيونها تغلي بالدموع، ويداها ترتجفان بين الحروف.
حكت كل شيء... بلا مواربة، بلا اخفاء، فتعالت الهمسات في أرجاء القاعة، توقف راكان عن التدوين، يرمقها بنظرات صارمة، ثم فاجأها بعدة أسئلة سريعة.
أجابته...
أجابت كما لو كانت تتطهّر من خطيئة مافعلته
لكن فجأة، ارتفع صوت فريدة كعاصفة شتوية، وصاحت:
– الست اللي قدامكم دي هي السبب في خطف ولادي!..على أساس ايه تشهد
اوقفها القاضي
انت مين وازاي تتكلمي بدون إذن
انا ام اتغدر بيها وخطفوا ولادها، بنت عمي اللي المفروض لحمي الست اللي واقفة قدام عدالتكم
أشارت بحدة إلى القفص الذي يقف فيه راجح، ورشقته بكلمات انفجرت من فمها كأنها رصاصة:
– والنص راجل دا هو اللي قتل أخوه! هو اللي حرمني من ولادي تلاتين سنة!
تلاتين سنة وانا عايشة ومش عايشة!
تلاتين سنة وانا بدوّر في وشوش الناس على ملامحهم!
تلاتين سنة محرومة من حضنهم... من كلمة "ماما"!
جوزي اتقتل غدر من واحد لا يعرف لا أخوّة ولا رجولة، غير في الإسم بس!
ارتفعت شهقتها كطعنة، وواصلت، والصوت من حولها بدأ يضيع وسط دموعها:
– تلاتين سنة يا ناس!
تلاتين سنة مانمتش ليلة مرتاحة وانا بدعي ربنا اشوفهم في الحلم
تلاتين سنة وأنا بنده ربنا يرجّعلي ضنايا، وهم بيعيشوا ويتبسطوا على وجعي!
مدّ مصطفى يده ليمسك كفّها المرتجف، وحاول تهدئتها، لكنها انتفضت، وصرخت:
- وفي الاخر عذاب وتهديد، لا والست السبب جاية تشهد دي... تشهد على ايه هي المتهمة الأولى يا حضرة القاضي!
بأي حق واقفة هنا تتكلم؟!
دي مكانها جوّه القفص، جنب اللي شاركته في الجريمة!
دي لازم تتحاكم معاه!
تعالت الأصوات الجانبية، وبدأ الهرج، فنهض إلياس سريعًا، واتّجه إليها محاولًا تهدئتها:
– ماما... اهدّي لو سمحتي!
نظرت إليه، ودموعها تقطر بغزارة، ثم قالت بصوت متهدّج:
– قاللي ماما... سمعتوه؟
قال ماما اللي اتحرمت منها تلاتين سنة! محدش حاسس بالي بحسه لما بسمع حد فيهم بيقولي ماما ..
ليه؟ علشان ناس قلبها حجر!
ناس بتخطف، وتهدّد، وتقتل، ولسه مش شبعانين وجع! ناس عايش للأذية
ابني... ذنبه إيه يعيش بين الحياة والموت؟
مراته... ذنبها إيه يخطفوها ويشقّوا بطنها وهي حامل؟
علشان ينتقموا مني؟ علشان يفرّغوا حقدهم؟!
صرخت فجأة كأن صبرها انكسر مرة واحدة:
– فين العدل؟!
كام سنة سجن تشفي اللي حصل؟!
أنا اتسرق عمري...
اتدفنت وأنا حيّة...
وسنين حياتهم ما تسواش لحظة من وجعي!
فين حقهم بهوية غير هويتهم، فين حقهم وابني الكبير عايش معايا تلاتين سنة وانا معرفوش ..فين حق وجعي وانا بين اتنين اموات بين الحيا والموت واقول يارب نجي لي واحد منهم مش عايزة الاتنين ...انا وقفت ادعي ربنا واحد يفضل في حضني ولا لاني افقدهم الاتنين بعد تلاتين سنة وجع فراق ..قولي سيدي القاضي احنا فين ..وزمن ايه اللي الاخ يقتل اخوه ويشرد ولاده، احنا فين لما نكون في بلد قانون والمفروض الراجل اللي كان رجل قانون يعمل في اخوه ومراته كدا
ليه ..كل دا ليه ..حقد.. حسد ..مرض ..طيب الناس اللي بتتأذي دي ذنبها ايه
صمت القاضي، وصمتت القاعة بأكملها، ولم يبقَ سوى صوت شهقاتها المكتومة.
اقترب منها إلياس من جهة، وارسَلان من جهة أخرى، يحيطانها بذراعيهما كأنهما يحاولان أن يُعيدوا إليها شيئًا من تماسكها المنهار..
-كدا ياماما ..ينفع انهيارك دا ..طافت بنظراتها بين وجوههم ثم التفتت نحو راجح، ونظراتها نار مشتعلة:
- ولادي اهمّ دول يا راجح،
شفتهم؟ شفت بيحبوني ازاي؟
عشتوا يومين مبسوطين فوق دمار سنيني!
شوفوا فريدة فين... وانتوا فين!
ثم التفتت إلى إلياس، وصوتها خفض، لكنه مغروس كخنجر:
– الست دي برا السجن بتعمل إيه؟
مش قولتلي إنك هتسجنها؟
أخفض إلياس عينيه، وقال بحزن:
-ماما كفاية اقعدي لو سمحتي بينما ارتفع صوت القاضي
- خلاص يا فريدة... مش قولتي كل حاجة ؟!
وعارفة إن العدل أساس الملك...
يبقى استني الحكم اللي خلاكي تستني تلاتين سنة هيخليكي تستني كام يوم
-مستعدة استنى الباقي من عمري، بس يبعد عن ولادي
-وانت يارانيا ايه ردك على كلام فريدة
صمتت رانيا ولم ترد
ولكن المحامي الموكَّل من قِبل إلياس وأرسلان قاطعَ القاضي بلطف:
– عفوًا، سيدي القاضي...
اقتربَ المحامي بخطا واثقة، ووضع مجموعةً من الملفاتِ أمام هيئةِ المحكمة قائلاً بنبرةٍ حاسمة:
– بين أيدي عدالتكم مستندات وأدلة تثبت تورُّط المدعوة رانيا الشافعي في جرائم متعدَّدة، أخطرها..خطفُ طفلين قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
ثمَّ تراجع بهدوءٍ إلى مكانه، لتعمَّ القاعة لحظةُ صمتٍ ثقيل، بينما راح القاضي يقلِّبُ الأوراقَ بعناية، قبل أن يرفعَ عينيهِ قائلاً بصرامة:
– إذًا، لسنا أمام شاهدة فقط…بل أمام متَّهمة بالخطف والمشاركة في القتل؟
ردَّ المحامي دون تردُّد:
– أجل، سيدي القاضي..وبناءً على الشكوى المقدَّمة من السيدين إلياس مصطفى السيوفي وأرسلان فاروق الجارحي، واللذينِ تبيَّن بعد تحرِّياتٍ دقيقة أنَّهما الطفلانِ المخطوفانِ اللذان تم تبنِّيهما ونسبهما إلى عائلتينِ مختلفتين، يتَّضحُ أنَّ المدعوة رانيا كانت على علمٍ تامٍّ بجريمتي الخطف والقتل، بل وشاركت بهما..
وقد ثبت بالدلائلِ القاطعة أنَّهما ابنا المجني عليه جمال الشافعي، وأنَّ ما تمَّ طمسهِ لسنواتٍ بدأ يتكشَّفُ أمام عدالتكم الآن.
أعاد النظرُ إلى الأوراق كأنَّه يبحثُ بين السطورِ عن ذرَّة شك..لكن الحقيقة كانت صارخة..طرق بمطرقتهِ بقوَّة على المنصة:
– المحكمة تأمر فورًا بالتحفُّظ على المدعوة رانيا الشافعي لحين استكمال التحقيقات، ويُحال ملفُّ القضية إلى النيابةِ العامة بتهمةِ الخطف، المشاركة في القتل..
ثمَّ التفت إلى راكان :
– وكيل النيابة راكان البنداري... أطالبكم بفتحِ تحقيقٍ موسَّعٍ في كلِّ الأطراف المرتبطة بهذه القضية، خاصَّةً كلَّ من ساعد أو تستَّرَ أو شارك في خطفِ الطفلين وقتل المجني عليه
تصاعد الهمسُ في أرجاءِ القاعة، بينما علت وجوهُ الحاضرينَ علاماتِ الصدمة، وبعضها دموعًا خرساء لم تجد لسانًا ينطقُ بها..فالعدالة بدأت تحرِّكُ مياهًا راكدة منذ ثلاثةِ عقود...
خرج الجميعُ من قاعةِ المحكمة بعد قرارِ التأجيلِ لكشفِ بقيَّةِ أركانِ القضية.
تحرّّك إلياس بخطا حثيثة، وعيناهُ لا تفارقُ إسحاق الذي وقف بجوارِ سيارته، يحاول التخلُّصَ من الصحفيين الذين أحاطوا به كالسيل.
اقترب منه بعدما تحرَّر منهم هو الآخر، وتوقّّف خلفه..استدار إسحاق نحوهِ ببطء، وعيناهُ تخفيانِ خليطًا من الألمِ والخذلان.
تحدَّث إلياس بنبرةٍ ثابتة، لكنَّها تشي بما يثقلُ في صدره:
– سيادةِ العقيد…عارف إنِّ حضرتك زعلان منِّي، وحقَّك..بس حطِّ نفسك مكاني.
كنت هثبت إزاي إن أبويا مات مقتول؟ أوَّل سؤال اتسألته وأنا بقدِّم القضية: "إنتَ صفتك إيه تفتح قضية اتقفلت من سنين؟"
كان لازم آخد حقُّه..
وزي ما قلت لحضرتك قبلِ كده..إحنا هنفضل زي ماإحنا.
ووعد منِّي، أرسلان هيفضل زي ماهوَّ عندكم…مش طفل، وأكيد عارف وفاهم.
رفع إسحاق نظرهِ إليه، وعيناهُ امتلأت بظلالِ الماضي:
– أنا كنت عارف ومتأكِّد إنِّ اليوم ده جاي، وعشان كده عملت حاجات ماكنتش راضي عنها ياإلياس،
بس قولِّي..تفتكر هتفضل إلياس السيوفي؟ وهوَّ هيفضل أرسلان الجارحي؟
مينفعشِ نكمِّل كأن الِّلي حصل ما حصلش.
صمت إلياس، ولم يجد ردًا..
في تلك اللحظة، اقترب أرسلان منهما بخطا متردِّدة، بينما تابعَ إسحاق حديثه:
– دلوقتي…هتُنسبوا لجمال الشافعي قبل أيِّ حاجة.
وبعد كده، حاجات كتير هتتغيَّر…أوَّلها شغلكم..يلا، الله المستعان..
اقتربَ خطوة، وربتَ على كتفِ إلياس:
– أنا آسف، بجد..
بس كنت بأدِّي شغلي، والنهاردة بأكِّدلك..حقَّك وحقِّ أخوك لازم يرجع، وأنا معاكم..حتى لو ده هيخلِّيني أسيب منصبي.
بس أهمِّ حاجة دلوقتي…لازم نعرف مين كان بيصرف على راجح؟
علشان نوقف تسريب مخطَّطاتنا ليهم… فهمت قصدي؟.
وصل إسحاق بعد قليلِ إلى فيلا الجارحي، ترجَّل من سيارتهِ بخطا مثقلة، كأنَّ الأرضَ تسحبهُ لا قدميه، وصدرهِ يعلو ويهبطُ كمن يختنقُ بالهواء لا يستنشقه..دلف إلى الداخل، فوجد طفلهِ يلهو مع مربيَّته، وماإن وقعت عيناهُ عليه حتى هرولَ إليه:
– بابي…
قالها الصغيرُ وهو يرفع ذراعيهِ نحوهِ برجاءٍ طفولي، فانحنى إسحاق يحمله، يغرسُ قبلةً فوق جبينه، وضمَّهُ بقوَّةٍ كأنَّ بين ذراعيهِ طوقَ نجاة..حضنهِ كان دواءً لروحه، بلسماً لوجعٍ لا يُقال.
اقتربت منه دينا بخطًا هادئة، كانت تعلمُ جيداً ما يعتملُ بداخله..لم تتكلَّم كثيراً، فقط أشارت للمربية:
– خدي حمزة، جهِّزيه، عنده تدريب سباحة بعد نصِّ ساعة.
– حاضر يامدام، قالتها ومدَّت كفَّيها إلى حمزة.
– يلَّا يابطل علشان نستعدّ للِّيسون.
قبَّل حمزة وجنةِ والدهِ وقال بصوتهِ الطفولي البريء:
– هتلعب مع حمزة بعد الليسون؟
ابتسمَ إسحاق، مداعبًا عنقه، حتى ارتفعت ضحكاتُ الصغير وردَّ عليه:
– هلعب مع حمزة كتييييير أوي.
وأشار بذراعيهِ الصغيرتينِ كأنَّه يرسمُ عدد ألعابهِ في الهواء، ثمَّ هرول إلى المربيةِ مردِّدًا بحماسة:
– أوكييييه…بابي.
جلس إسحاق على المقعد، وهوى بجسدهِ كأنَّ ساقيهِ لم تعد تحملانه.. دنت دينا منه، جلست بجواره، ومدَّت يدها تمسحُ على صدرهِ بحنان، فتحت أوَّل زرٍّ من قميصهِ وهمست:
– خُد نفس، وسيب كلِّ حاجة على ربِّنا…إن شاء الله هيكرمك من عنده.
مسح على وجههِ بقسوةٍ كأنَّما يحاولُ طردَ ما تراكم عليهِ من ألم، وزفر بشدَّة، ثمَّ تمتمَ بصوتٍ مختنق:
– لو قلت لك عايز أقوم أكسَّر كلِّ اللي حواليا علشان أحسِّ إنِّي مرتاح، مش هرتاح..
في حاجة بتخنقني، ورغم كده…كنت متأكِّد إنِّنا هنوصل للنقطة دي.
أخذت كفَّيهِ بين يديها، تملِّس عليها كما لو كانت تداوي ندبة، وهمست كنسمةِ ربيعٍ هاربةٍ من حرِّ القيظ:
– حبيبي..الحقوق لازم ترجع لأصحابها..
عارفة قدِّ إيه هوَّ غالي عليك…بس افتكر ابننا..
يعني لو ابنك مكان أرسلان، وحصل له كده، هترضى يعيش بهوية مش هوِّيته؟
شهق، كأنَّ جرحًا انفتحَ في صدره، ودمعت عيناه، مسحها بعنفٍ وقال من بين أنفاسٍ محروقة:
– ما هو ابني يادينا!
وأشار إلى يديهِ المرتجفتينِ وأضاف:
– كان صغير أوي أوَّل ماشلته..حضنه كان حلو، فرَّحني، حسَّسني إنِّي أب…
رغم إنِّي عمري ما جرَّبت الشعور ده، ولا حتى حلمت بيه…
أنا عشت معاه أكتر ما عشت مع فاروق..ومعاكي..
دا ابني…ومش قادر أصدَّق إنِّ مفيش حاجة دلوقتي بتربطني بيه...
خرج فاروق بعدما علمَ بوصوله، توقَّف أمامهِ ولسانِ حالهِ يهمسُ بعجز:
- إيه الِّلي بيحصل؟ وإيه كمِّ الصحفيين اللي برَّه دول؟
تساءلَ بها لحظةِ دخولِ أرسلان، يجرُّ قدميهِ بصعوبة، مختنقًا من مواجهةٍ كادت أن تزهقَ روحه.
رفع إسحاق عينيه، والتقت النظراتُ في ألمٍ لا يوصف، شعورًا ممزَّقًا بينهم، وحدهما يدركانه.
ابتلع ريقهِ بصعوبة، وكأنَّ شوكًا مدبَّبًا يغصُّ به، ثمَّ همسَ بصوتٍ متهدِّج:
- آسف يابابا...سامحني، حاولت بس مقدرتش.
حقِّ أبويا لازم يرجع...بس مش معناه إنِّي هبعد عنكم، واللهِ دي مجرَّد أوراق روتينية بس.
استدار فاروق ببطء، يتطلَّعُ إليه بعينينِ تائهتين، غير مستوعبٍ ما يقوله.
- أنا مش فاهم حاجة..ورق إيه وحقِّ إيه؟
نهض إسحاق من مكانه، اقتربَ منه وربتَ على كتفهِ بحنان:
- ولا يهمَّك ياعمُّو، أنا كنت عامل حسابي لليوم ده.
حقَّك ياحبيبي، منقدرش نقف قدَّامه، وزي ما قولت لإلياس..أنا هفضل معاكم.
هوَّ أنا عندي أغلى منكم؟
ولأوَّل مرَّة، لم يقوَ على كبحِ عبراته... لتنهمرَ على وجنتيه، كأنَّه طفلٌ فقد مأمنه.
رغم أنَّه يعلم بأنَّ اسحاق يتصنَّعُ التفهُّم، إلَّا أنَّه أكثرُ من يشعرُ به.
طاف فاروق بنظراتهِ بينهما، مرتبكًا:
- أنا مش فاهم حاجة...
حاوطهُ إسحاق بذراعه، وأشار إلى أرسلان بابتسامةٍ هزيلة:
- أرسلان كسب قضية النسب..وبقى دلوقتي في الدولة: أرسلان جمال الشافعي.
هل شعر أحدكم بذبحٍ بسكينٍ بارد؟
كأنَّ سهمًا مسمومًا اخترقَ صدره... تمتمَ فاروق بتقطُّع:
- إنتَ بتقول إيه؟!
اقترب ارسلان يتطلَّعُ إليه بوجههِ يظهرُ به مزيجًا من الاعتذارِ والتمزُّق، والأسى..يصرخُ خلف كلِّ دمعةٍ تسيل..
-آسف يابابا، لو سمحت سامحني.
انتقلت عيناهُ إلى اسحاق الذي تكوَّرت الدموعُ بعينيهِ يطبقُ جفنيهِ ويهزُّ رأسهِ بالأسى، ليدركَ فاروق حديثَ أرسلان.
هنا... سُحِبت الحياةُ من وجهِ فاروق..
وتراجع بجسدهِ منتفضًا، غير معترفٍ بما لفظهُ أرسلان، كأنَّ سهمًا غُرزَ في قلبهِ دون رحمة، ونطقَ بصوتٍ مبحوح، ممزَّق، مكسورَ النبرة:
- يعني إيه؟!
تساءلَ بها في اللحظةِ التي وصلت فيها صفية، تتطلَّعُ إليه بعينينِ كزخَّاتِ المطرِ لاتحتاجُ لكلمات، كانت عيناها وحدهما تتكلَّم...
تطلَّعت إليه بعينينِ طافحةً بالخذلان، والألمِ المتراكم، والرجاءِ المُهدَر، وتمتمت:
ـ يعني كده خلاص؟!..سنين عمري كلَّها ضاعت!!
ابتسم إسحاق ومازال محاوطًا أرسلان يمسحُ على ظهره:
-إيه الِّلي بتقوليه دا ياصفية، مالواد بيقولِّك مجرَّد روتين، ولسة زي ماهوَّ، مش كدا يالا، أوعى تفكَّر إنَّك كدا خلاص، لا دا أنا إسحاق الجارحي، عمَّك وغصب عنَّك وعن أيِّ حد..سمعتني ولَّا لأ..قالها ودفعهُ بعيدًا متراجعًا بجسدهِ يشيرُ إلى دينا بعدما خطا بخطواتهِ التي تشبهُ النيرانَ التي تأكلُ كلَّ مايقابلها:
-دينا أنا فوق لحدِّ ماحمزة يخلَّص تدريبه، هنرجع بيتنا النهاردة.
بمنزلِ يزن..
دلفَ يزن إلى الداخلِ بخطواتٍ متثاقلة، بينما توقَّف كريم عند عتبةِ الباب، مستندًا إلى الجدار، ثمَّ سأل بصوتٍ خفيضٍ مشوبٍ بالحيرة:
– إيه الِّلي المفروض يحصل دلوقتي؟
هوى يزن بجسدهِ المُرهق فوق المقعد، متجاهلًا سؤاله..
في تلك اللحظة، خرجت إيمان من المطبخ، وعيناها تتفحَّصُ الملامحَ المشدودة:
– فيه إيه؟ إيه اللي حصل؟ وفين معاذ؟
أزاح يزن جسدهِ للخلف قليلًا، ثمَّ تمتمَ دون أن يرفعَ نظره:
– اعمليلي قهوة ياإيمي، بس في كوباية.
رفعت عينيها إلى كريم الذي اقترب، وأشار إليها بعينيهِ أن تمضي دون أسئلة..أومأت بخفَّة، وتراجعت إلى الداخل، تحاولُ كبحَ قلقها المتصاعد.. أمَّا كريم، فاقتربَ وجلس إلى جوارِ يزن، يربتُ على ساقيهِ بمحبَّة:
– وبعدهالك يايزن، لازم تفوق شوية، هتفضل كده لحدِّ إمتى؟
اعتدلَ يزن قليلًا، أخرج علبةَ سجائره، أشعل واحدة، ونفثَ دخانها في الهواءِ بصمتٍ ثقيل، وكأنَّ التبغَ وحدهِ يحملُ عنهُ عبءَ التفكير.
نهضَ كريم بهدوء، وتوجَّهَ إلى الداخل، يبحث عنها...عن قلبهِ المتأرجحِ خلف نظراتها..وجدها تقفُ بالمطبخ، شاردةً أمام إناءِ القهوة، كأنَّ عقلها يحترقُ مع الغليان.
اقتربَ منها بهدوء، ثمَّ طوَّقَ جسدها بذراعيه، لتجدَ نفسها فجأةً بين أحضانه..انتفضت بذعر، ولامست يدها إناءَ القهوة، فسقطَ فوق الغاز.. وضعت كفَّيها على صدرها، تنهج:
– بسم الله الرحمن الرحيم! ينفع كده؟ خضِّتني، طيب قول "إحم" على الأقل!
اقتربَ منها أكثر، وانحنى يهمسُ بجوارِ أذنها بصوتٍ دافئ:
– ألف سلامة عليكي من الخضَّة..
ياقلب كريم.
تورَّدت وجنتاها بخجل، وابتعدت عن مرمى نظرهِ الذي يخترقُ أعماقها، وهمست بتلعثم:
– كريم...عيب كده، اطلع بره، أبيه يزن يقول إيه دلوقتي لو شافنا؟
لكنَّهُ لم يبال، بل حاصرها بينهِ وبين طاولةِ المطبخ، يحتضنها بعينِ عاشق، وهمسَ بثبات:
– هيقول إيه؟ غير إنِّي بموت في أخته وعايز أخطفها على بيتي دلوقتي.
ضحكت بخفَّةٍ ممزوجةٍ بالخجل، ثمَّ دفعتهُ بعنفٍ حين سمعت صوتَ يزن يعلو من الخارج، فابتلعت ريقها، وبدأت تتحدَّثُ بتلعثم:
– أنا كنت بعمل...أصل هوَّ يعني...
لكن يزن قاطعها، صوتهِ جاف:
– جهِّزي الغدا، خلاص...مش عايز قهوة.
رمقَ كريم بنظرةٍ ذاتَ مغزى، ثمَّ أضافَ بجدية:
– تعالَ ياحبيب، قولِّي عملت إيه في الِّلي طلبته منك؟
خطا للتحرُّكِ للخارجِ إلَّا أنَّه توقَّفَ فجأةً ليسرقَ قبلةً سريعةً فوق وجنتيها:
-أخوكي دا مفتري وهيروح النار.
انتفضَ قلبها بدقَّاتهِ على مافعله، شعرت بتوهُّجِ خدَّيها ليشعَّ بالحرارةِ والاحمرار، ممَّا جعلها تضعُ كفَّيها فوقهِ مرَّةً وتلوِّحُ بكفَّيها فوقهِ لما شعرت بحرارته..جلست على المقعدِ تحاولُ أخذَ أنفاسها بعدما شعرت بانسحابها تردِّدُ لنفسها:
-يالهوي عليك ياكريم، قليل أدب.
بالخارج..
جلسَ بجوارهِ وعيونِ التحدِّي سيدةُ الموقف، سادَ صمتٌ سوى من نظراتهما إلى أن قطعهُ يزن:
-تدخل لأختي وانا قاعد يالا، مفيش احترام خالص..
جذبَ سجائرهِ ونفثها مثلهِ ثمَّ رفع حاجبهِ وردَّ ممتعضًا:
-أختك ومراتي.
تهكَّمَ يزن وتراجعَ يضعُ ساقًا فوق الأخرى يضربُ عليها ثمَّ رفعَ نظرهِ إليه:
-لا ياأمور، أنا ممكن أطلَّقها فاتلم بدل مانفِّذ تهديدي.
-ولا تقدر تعمل حاجة.
هكذا نطقها كريم..
بطَّل هزار واسمعني كويس:
-عايزك تروح تزور رحيل، وتدِّيها كلِّ أوراق الشركة، خلِّيها ترجع بيتها، وتمسك أملاكها، أنا خلاص أخدت الِّلي عايزه.
- تمام بس هيَّ هتوافق؟..يعني حتى مرجعتشِ بيتها.
تنهَّدَ متالِّمًا وأردف:
-حاول معاها ياكريم ..
بفيلا السيوفي...
دلفت فريدة بجسدٍ منهكٍ وقلبٍ يئنُّ بالألم..ساندها مصطفى إلى أن صعدت غرفتها، وما إن تمدَّدت على فراشها حتى بدت كمن يهربُ من واقعه.
لم تمضِ دقائق حتى وصلت ميرال إلى الفيلا، صعدت مسرعةً تلهث، ودقَّاتُ قلبها تعلو وهي تتلفَّتُ حولها بذعر:
عمُّو مصطفى..فين إلياس؟!
توقَّف مصطفى، مستديرًا إليها بعينٍ متسائلة:
مالك ياحبيبتي بتنهجي كده ليه؟
اقتربت، محاولةً كبحَ دموعها:
إلياس فين؟ ليه مارجعشِ معاكم؟!
اقتربَ مصطفى من ميرال يطمئنها:
تلاقيه شوية وييجي، كان واقف مع إسحاق..زمانه على وصول.
هزَّت رأسها، وأبت عيناها أن تخذلها..فانهمرت دموعها:
الأخبار انتشرت في كلِّ مكان، وسائل الإعلام مارحمتناش، وكلام كتير بيتقال علينا...
كلِّمه، شوفه فين، مش عايزاه يشوف حاجة من اللي بيتقال..
ده صحابي اتَّصلوا بيّّا وبيسألوني عن الِّلي حصل...وأنا معرفتش أرد!
احتضنَ مصطفى وجهها بين يديه، بنبرةٍ حازمةٍ ومليئةٍ بالحنان:
ميرال، ممكن تهدي وتبطَّلي عياط؟
عارف إنِّ الوقت ده صعب علينا كلِّنا... بس محتاجك قوية، لازم تواجهي بشجاعة..
أوعي حد يقلِّل من ميرال مرات الياس...سمعاني؟
ضيَّقت عينيها، وتراجعت خطوةً للوراء، تسألهُ بنظراتٍ مرتجفة:
حضرتك تقصد إيه بكلامك ده؟
التفتَ مصطفى إلى فريدة الساكنة كأنَّها تمثال، ثمَّ أعادَ بصرهِ إليها وقال بهدوء:
الجلسة الجاية...هتكوني موجودة باسمِ ميرال راجح الشافعي.
يعني الكل..لازم يرجع لأصله.
هزَّةٌ عنيفةٌ اجتاحت كيانها، كأنَّ قبضةً من حديد اعتصرت قلبها، وانحبست أنفاسها حتى شعرت كأنَّ الروحَ تُسحبُ منها ببطء...
ناظرتهُ بنظراتٍ تحملُ ذهولًا صامتًا، كأنَّما ارتطمَ جسدها بصاعقة، فخرج صوتها مبحوحًا، متردِّدًا، يحملُ ما تبقى من عقلها المصدوم:
– حضرتك تقصد إيه؟ مش..مش فاهمة.
قالتها والصدمةُ تنخرُ في كيانها، وشعرت بشيءٍ ثقيلٍ يجثمُ على صدرها، تلفَّتت بعينينِ مرتجفتين،
وتمتمت بشفاهٍ مرتعشة:
– يعني أنا دلوقتي..هتنسب لراجح؟!
أومأ مصطفى بصمت، دون أن ينبسَّ ببنتِ شفة.
اتَّسعت عيناها في ذهول، ثمَّ هزَّت رأسها ببطء، ترفضُ قدرًا فُرضَ عليها عنوة..تراجعت خطوةً إلى الخلف، كمن يشعرُ بضيقِ المكان، اتَّجهت بنظراتها تستنجدُ بفريدة، وكأنَّها نجدتها الوحيدة وأردفت بتقطُّع:
– إنتي هتسبيهم يعملوا فيَّا كدا؟!
قالتها بصوتٍ مخنوق، وكأنَّه نصلًا جارحًا:
– أتنسب لمجرم؟! بعد السنين دي كلَّها أكون بنتِ الراجل والستِّ المجرمين دول؟!
شهقت بقهرٍ تهزُّ رأسها:
– لااا...لأ...لأاااااا!
اندفعت كالمجنونة، ودموعها تسبقُ خطواتها، وهي تفرُّ من المكانِ كما لو كانت تفرُّ من عدوٍّ متربِّص..
اعتدلت فريدة فجأة، وقد تجلَّت على وجهها ملامحَ الذعر، شهقاتها تتعالى، وهي تشيرُ لمصطفى باستغاثةٍ دامعة:
– الحقها يامصطفى! البنت ممكن تعمل في نفسها حاجة! آه يابنتي..
دخلت رؤى في تلك اللحظة، بجسدٍ منهكٍ يترنَّح، وملامحها شاحبةً تتساءلُ بخفوتٍ مرهق:
– ماما فريدة، في إيه؟! ومالها ميرال بتجري كدا ليه؟!
أجابتها فريدة بصوتٍ متهدِّج:
– كلِّمي إلياس بسرعة يارؤى، خلِّيه يسيب كلِّ حاجة وييجي حالًا.
في الخارج، اندفعت ميرال إلى سيارتها، قادتها بجنون، لا ترى أمامها.. كأنَّها بنفقٍ مظلمٍ من الألم، رغم صياحِ مصطفى خلفها ومحاولاتهِ المتكرِّرة للاتصالِ بها، لكنَّها لم ترد.
ضغطَ مصطفى على هاتفهِ مجددًا، يحاولُ الوصولَ لإلياس، ولكنَّ الهاتفَ كان مشغولًا..
زفر بقهر، وصرخ في رجالهِ وهو يشيرُ إلى البوابة:
– ورا مدام ميرال بسرعة.
في سيارتها، كانت تنتحبُ بحرقة، شهقاتها تعلو حتى شعرت بأنَّها تختنقُ من شدَّةِ البكاء.
كيف تُسلبُ هوِّيتها بهذه القسوة؟
هل ستظلُّ طوال حياتها تحملُ اسمَ رجلٍ لم تكره أحدًا كما كرهته؟
هل كُتبَ عليها أن تُمحى لتُكتبَ من جديدٍ تحت سطرٍ ملطَّخٍ بالدمِ والخطيئة؟
كانت تقاومُ الحقيقةَ بأسنانِ قلبها، ودموعها لا تنضب، حتى غامت الرؤيةُ أمام عينيها، ففقدت طريقها..
توقَّفت السيارةُ فجأةً بعنفٍ كاد يقلبها على جانبها، وارتجّّ جسدها كلُّه.
صرخت...صرخت بكلِّ الألمِ المكبوتِ في أعماقها، وضربت بكفَّيها على عجلةِ القيادةِ كمن ينهارُ تحت وطأةِ الألم:
– مستحيييييييل!!
قالتها بصوتٍ تزلزلت له السيارة، ممَّا جعلها تشعرُ بمرارةِ القهر.
على الجانبِ الآخر..
جلس بمكتبهِ وسحبَ قلمًا وقام بكتابةِ استقالتهِ مع كلمةِ اعتذارٍ لم توحي سوى بمعنى المرارِ والقهرِ والظلمِ الذي تعرَّض له، دلف إليه شريف وجلس بمقابلتهِ بصمت، ساد صمتٌ ثقيلٌ مشحونًا بغبارِ سجائرهِ الذي اختفى خلفها:
-ناوي على إيه؟..إحنا مش مرتِّبين للخطوة دي دلوقتي.
رفع عينيهِ إليه وأجابهُ بنبرةٍ مثقلةٍ بكمِّ الألمِ الذي يحرقهُ داخليًا:
-أنا كنت مرتِّب لدا كلُّه ياشريف، أومال ليه القضية اتقبلت، وليه سعيت إنِّ راكان البنداري هوَّ اللي يمسكها.
تفاجأ شريف بحديثهِ ثم تساءل:
-طيب ليه ماكشفتش ورقك قبل المحكمة بدل ماراجح يفضح كدا؟!.
تراجعَ بجسدهِ للخلفِ ونفث تبغهِ بهدوءْ مميت ثمَّ قال:
-مين قالَّك مش أنا اللي وصَّلته لكدا، أنا كنت عايزه هوَّ اللي يقول قدَّام العالم كلُّه، يعني هقدِّم قضية زي دي ومعرفشِ أبعادها!! فيه إيه ياشريف.
-معقول ياإلياس!..قاطعهُ رنينُ هاتفه.
.أيوه يارؤى...
استمعَ إلى أنينها، كأنَّها تبكي، ثمَّ أردفت بتقطُّعٍ مرتجف:
– ميرال...إلحق ميرال...
هبَّ من مكانه، وقد نسيَ تمامًا حالتها بعد أن علمَ بما سيؤولُ إليه الأمر.. جمع أشيائهِ على عجل، وهتف:
– طيب، أنا جاي..دقايق وأكون عندك.
– ميرال خرجت من البيت، ومش عارفة مالها...وماما فريدة قالت أبلَّغك.
خطا نحو الباب، وصوتُ شريف يلحقهُ بتساؤلٍ حائر:
– إلياس، فيه إيه؟ استنى...
لكنَّه لم يرد، فتح البابَ على عجل، ليجد أحدَ قادتهِ أمامه..
– إلياس..كويس إنِّي لحقتك، لازم نتكلِّم.
هنا تجمَّد جسدهِ للحظة، مصعوقًا بما قد يُقال، لكنَّهُ تمالكَ نفسه، وهتفَ بثباتٍ متكلِّف:
– أنا كنت جاي لحضرتك أصلاً، بس لازم أمشي حالًا...مسألة شخصية، وإن شاء الله أرجع لحضرتك.
رفع عينيهِ نحوَ مكتبه، وأشار إلى شريف:
– الورقة الِّلي عندك قدِّمها لسيادةِ العقيد ياشريف...آسف يافندم، لازم أتحرَّك دلوقتي.
قالها، وخطا إلى الخارجِ بخطواتٍ تبدو قويَّة، لكنَّها كانت تخونُ حقيقتها...
كان يترنَّحُ في داخله..
يترنَّحُ من الألم، من القدر، من حياةٍ أُجبرَ أن يحياها...والآن، يُجبرُ أن يتخلَّى عنها..
هل هذا عدل؟
مرَّرَ كفِّهِ على وجههِ المُثقل، وتمتمَ في وجوم:
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... اللهمَّ كن لي، ولا تكن علي.
أُنهكَ جسدها وتورَّمت عيناها بالبكاء، نزلت برأسها التي آلمتها بشدَّة على المقود وبدأت تبكي بصمت، تذكَّرت زيارتها بالأمسِ لرانيا.
قبل يومٍ واحد...
بعد أن علمت بما حدث لإيلين، أصرَّت ميرال على مقابلةِ رانيا..كانت متيقِّنة أنَّ جميعَ الأجوبة تقبعُ خلف صمتِ تلك المرأة، دلفت إلى مكتبهِ عقب خروجِ أرسلان، واتَّجهت إليه بخطا حاسمة:
– إلياس، هطلب منَّك طلب...وحياة أيِّ حاجة حلوة بينا، مترفضش.
ضيَّق عينيهِ متسائلًا، لم يفهم مقصدها من البداية، لكنَّها اقتربت أكثر، دفعت المكتبَ بهدوء، واستندت عليهِ بظهرها، تُحاصرهُ بنظراتٍ دامعة:
– عايزة أقابل رانيا..دا طلب من مراتك، مش من صحفية، والله ماهكتب عنها حرف، ومستحيل أعرَّض شُغلك للخطر، بس في أسئلة كتيرة، لازم أسمع جوابها منها.
– إنتي كنتي بتتصنَّتي عليَّا ياميرال؟ عرفتي منين موضوع رانيا؟
انحنت تحتضنُ وجههِ براحةِ يدها، وعيناها تلمعُ بطبقةٍ كريستاليةٍ مرهقة:
– إنتَ تصدَّق إنِّ ممكن أعمل كده؟ أنا سمعتك صدفة..من يوم مافوقت من العملية، كنت قلقانة عليك، ولمَّا رجعت واتكلِّمت مع الراجل دا، فهمت..فهمت كنت فين وليه.
سحب كفَّيها برفق، أجلسها فوق ساقيه، وضمَّها إلى صدرهِ قائلاً:
– مش عايز أوجع قلبك على حاجة متستاهلش، قوليلي..هتستفادي إيه لمَّا تقابليها؟
طبعت قبلةً سريعةً قرب خاصرته، وهمست بنبرةٍ مترجفة:
– لازم أقابلها..يمكن متفرقشِ معاك، بس تفرق معايا...أرجوك ياحبيبي.
ضمَّها بحنان، وربتَ على ظهرها برقَّة:
– تمام، هخلِّيكي تقابليها...هتِّصل بيزن يروح معاكي.
– وليه ماتروحشِ إنت؟ ليه يزن؟
رفع خصلاتِ شعرها وهو يبتسم:
– علشان إسحاق بيراقبني، وأخوكي الأهبل طليقته قريبة منها، فعادي يروح هناك بحكم إنُّه أخوكي، أمَّا أنا... هثير الشك، ولسَّه محتاج أخلِّيها في الصورة.
– أوعى تكون ناوي تقتلها؟
– خايفة عليها؟
هزَّت رأسها بدموعٍ تنسابُ على وجنتيها:
– أنا مااعرفهاش علشان أخاف عليها، أنا خايفة عليك...خايفة الشيطان يضحك عليك، وتبقى مجرم في نظر ربِّنا.
مرَّر أناملهِ على وجهها، وابتسامتهِ الحنونة لم تفارق ملامحه:
– ماتخافيش، حبيبتي...الحمدُ لله، عندي من الصبر والإيمان مايكفيني للتعامل مع رانيا وراجح..المهم إنتي... ما تضعفيش.
وضعت رأسها على صدره، ولفَّت ذراعيها حول خصره، هامسةً بخوف:
– أنا مش عايزة غيرك...إنتَ، وماما، ويوسف..عايزة ميرال جمال الدين اللي الكلِّ بيفتخر بيها، مش عايزة الناس دي في حياتنا، كفاية حرب...وربِّنا ينتقم منهم بكرة.
نهضَ من مكانه، يحملها بين ذراعيهِ ضاحكًا:
– هوَّ أنا قلتلك قدِّ إيه وحشتيني؟
دفنت رأسها بعنقه، وضربتهُ بخفَّةٍ على صدرهِ وهي تضحك..ثمَّ خرجت من شرودها على رنينِ هاتفها، لتجدَ اسمهِ يضيءُ شاشةَ هاتفها..
ترجَّلت من السيارة، تاركةً هاتفها خلفها، تمضي بخطا متعثِّرة ودموعها تسبقها..وصلت إلى مكانٍ مرتفعٍ بالمقطَّم، وجلست على حافته.. دموعها تنهمرُ بغزارة، أطبقت على جفنيها، تتمنَّى لو تحرقُ عينيها، تصمُّ أذنيها..لم تعد ترغب بشيء...سوى الموت.
لوت ثغرها بابتسامةٍ مؤلمةٍ وهي تتذكَّرُ لقاءها برانيا، قبل يومٍ واحدٍ فقط...
وصل يزن إلى منزلِ ميرال بعد أن هاتفهُ إلياس:
"هتاخد ميرال لرانيا، رجعت من يومين حي الألفي..ياسين موجود وهيطلَّع كلِّ حاجة صوت وصورة."
"مابلاش المواجهة دي ياإلياس..ممكن ميرال تتعب، ومش لازم تدخَّلها في شغلك."
"لأ، إلياس مالوش دعوة..أنا الِّلي عايزة أتكلِّم معاها، يمكن أطلع منها بحاجة."قالتها ميرال بإصرار
"ولو أذيتك؟" سأله يزن بقلق..
تطلَّع إليهِ إلياس ورد:
"ما تخافش، مش هتعمل حاجة.. وبعدين ياسين هناك، ولو ملقتوش، جاسر موجود..أكيد عاملين حسابهم.. وانتَ متبعدشِ عنها."
"حاضر...يا رب المشوار يجيب فايدة."
بعد فترة، وصلت ميرال إلى حيِّ الألفي، بعد اتِّصالِ إلياس بياسين..
دلفت إلى الداخل...وجدت رانيا مقيَّدةً بالأصفادِ الحديدية..
رفعت رانيا عينيها، متوقعةً أنَّ الداخلَ هو ياسين، لكنَّها اتَّسعت عيناها بدهشة:
"مروة!" قالتها بابتسامةٍ مشوَّشةٍ ودموعها تسيل..
جلست ميرال على مقعدٍ دون أن تُظهرَ أيِّ اهتمامٍ بردِّ الفعل، ثمَّ قالت بحزم:
"أنا هنا...ميرال السيوفي. هتتكلِّمي معايا، غير كده همشي."
"ماشي ياحبيبتي...إنتي ميرال السيوفي..عاملة إيه ياقلبي؟ وحشتيني..أنا طلبت من ابنِ فريدة أشوفك، بس الحيوان رفض!"
هبَّت ميرال من مكانها، وأشارت إليها بتحذير:
"لسانك هيطول على جوزي؟ صدَّقيني، ممكن أموِّتك عادي..فبلاش أسلوبك القذر دا..اللي بتتكلِّمي عنُّه دا جوزي...ومش بس جوزي، ده حياتي كلَّها."
ازدادت دموعُ رانيا، وهزَّت رأسها موافقة، ثمَّ همست:
"ربِّنا يسعدك يابنتي...واللهِ من وقت ما عرفت إنِّك بتحبيه، وأنا حاولت أبعدك عن أبوكي."
صرخت ميرال، والقهرُ ينهشُ صوتها:
"أنا ماليش أبهات عندك ياستِّ إنتي!"
اقتربت منها، وانحنت تحدِّقُ في عينيها، وصاحت بهمسةٍ غاضبة:
"نفسي تحترمي نفسك مرَّة واحدة... اعملي حاجة صح في حياتك..أنا عرفت كلِّ بلاويكي...وكلِّ يوم بكتشف إنِّك أنيل وأنيل..انتي إيه؟ شيطانة؟!"
شهقت رانيا وأغمضت عينيها:
"مكنتش أقصد...والله ماكنت أقصد كلِّ اللي حصل، بس جريمة جرِّت جرايم."
تنهَّدت ميرال وجلست من جديد.. لحظاتُ صمت، نظرت خلالها إليها باشمئزاز، ثمَّ سألتها:
"هوّّ أنا...بنتك فعلًا؟"
هزَّت رانيا رأسها وقالت:
"وحياة ربِّنا، إنتي بنتي."
"طيب...لو أنا بنتك زي مابتقولي، خلِّيني أحس إنِّك أم فعلًا."
"قولي، وأنا مستعدة أموِّت نفسي علشانك..نفسي أحضنك يامروة... كفاية هيثم، بلاش تحرميني."
"سؤال واحد، يا مدام رانيا، وعايزة إجابته وبس..."
نظرت إليها مباشرةً وسألت:
"نورا الرفاعي خلِّفت بنت اسمها إيلين...جوزك بيقول إنَّها بنت حرام.. مرَّة قال إنَّها بنتِ عمُّو جمال، ومرَّة تانية قال إنِّ أمَّها غلطت..ده صح؟ ولو مش صح...ليه بيقول كده؟"
تجمَّدت رانيا، وشحبَ وجهها..ثوانٍ مرَّت كأنَّها دهر...ثمَّ همست:
"هتسامحيني لو قلتلك؟"
"احكيلي كلِّ حاجة...من وقتِ ما مامافريدة ولدت إلياس، لحدِّ ماراجح رماكي في البحر."
"طيب...لو قلتلك، هتخلِّيني أحضنك؟"
"قولي الأوَّل، وبعد كده أقرَّر."
"طيب، ماتيجي أحضنك؟ نفسي أشمِّ ريحتك..حرام."
"آه، حرام..واتكلِّمي وأنا أقرَّر، مش يمكن تكوني مظلومة وأسامحكم.
انهمرت دموعها كأنَّها تغسلُ بها سنينَ الغدرِ والخيانة..نظرت إلى ميرال تلوكُ الكلمات، التي تخترقُ قلبها بحدَّةٍ وهي تقصُّ لها كلَّ ماسبقَ ثمَّ
قالت بصوتٍ متهدِّج:
"أنا حكيتلك كلِّ حاجة…
-أنا ماليش دعوة بجرايم راجح وتعاونه مع الجماعات الإرهابية، ومشاركته في قتلِ عمُّو مصطفى أو غيره، أنا عايزة أعرف ليه عملتوا كدا؟. إيه الِّلي حصل من عمِّو جمال وماما فريدة؟.
أزالت دموعها وطالعتها:
-أنا هقولِّك كلِّ حاجة مش علشان إنتي طلبتي دا، لا علشان راجح غدر بيَّا وكان هيموِّتني.
-وليه غدر بيكي وكان عايز يموِّتك؟.
صمتت للحظاتٍ ثمَّ ألقت كلماتها:
-علشان خونته، زي ماهوَّ خانِّي..
شهقت ميرال تضعُ كفَّيها على فمها، فلم ترحمها رانيا التي هزَّت رأسها وضحكت بهسترية:
-وجوزك مصوَّرني، وكان بيهدِّدني بصوري، هنا تذكَّرت ميرال تلك الصور..فأغمضت عينيها بقهر ، فتحتها على حديثِ رانيا:
-من ساعة مافريدة اتخطبت لجمال، وأنا قلبي بيتقطَّع..حاولت أفتنه، أغريه، لكن مااتحرَّكش، ولا حتى بصِّلي..يوم
ماطلبت منُّه أتجوِّزه، بوست إيده، وقولت له كلِّ الِّلي في قلبي...لكنُّه ضربني بالقلم، وقال لي:
مستحيل أكسر قلب فريدة…دي مراتي، دمعتها عندي بالدنيا، أدبحك وأرميكي في البحر ولا أقهرها علشانك!
من بعدها…كلِّ حاجة جوايا ماتت."
بلعت غصةً في حلقها، ومسحت دموعها بكمِّ قميصها، ثمَّ تابعت: "اضَّطريت أتجوز راجح لمَّا أبويا أصرّ إنِّي أتجوِّز حد من برَّة البلد، وراجح وقتها كان بيمثِّل الحبِّ على نورا علشان أبويا مادياً كويس..وأنا؟ أنا استغلِّيت النقطة دي..ضحكت عليه، خلِّيته يصدَّق إنِّي بحبُّه، واتجوزته.. سنتين وأنا شايفة حبِّ جمال لفريدة بيقطَّع فيَّا...غيرتي كانت نار في صدري بتزيد كلِّ يوم..
وفي يوم...جمال رجع مضروب بالنار.. دخل بيتنا ورفض يطلع لفريدة علشان ما يزعلهاش، طلب من راجح يقولَّها إنُّه كان بيدَّرب على السلاح والطلقة جت بالغلط...بس الحقيقة؟ الحقيقة إنُّه لقى شحنة مخدرات في عربيته هوَّ وراجع من البحر، كانوا عارفين إنِّ سمعته كويسة واختاروا عربيته الِّلي بتنقل سمك..
حكى كلِّ حاجة لمحمود..ووقتها… الفلوس لعبت في عين محمود، وقال له: نساومهم ونكسب، وفي نفسِ الوقت نساعد الحكومة..
جمال رفض، بس محمود جرِّ راجح وراه، وسرقوا المخدرات من عربية جمال...راجح كان ساكت، مابلغش… خلَّى محمود يكلِّم التجَّار بنفسه..
فعلاً، اتَّفقوا معاهم وسلَّموهم الشحنة بعد ماخدوا منهم فلوس.. بس جمال عرف وبلَّغ الشرطة، والشرطة قبضت على الكل...واحد منهم مات في السجن وهوَّ بيحاول يهرب، وأخوه…اتجنِّن، وبعت ناس قتلوا جمال وغرَّقوا مركبه علشان يبان إنُّه مات في حادث."
تغيَّرت نبرةُ صوتها، وصارت أكثرُ قتامة: "بعد فترة عرفوا إنِّ راجح ومحمود همَّا السبب..خطفوا مرات محمود، الِّلي كانت نورا، والبنتِ دي كانت بتحبِّ سمير دا من زمان..بس هوَّ انتقم منها...قال إنُّه اغتصبها، ونورا لمَّا عرفت إنَّها حامل، كانت في حالة يُرثى لها.
شهقت ميرال، وقالت بصوتٍ مرتجف: "يعني إيه؟ تقصدي إنِّ أيلين مش بنتِ محمود؟!"
رفعت رانيا عينيها المليئتين بالذنب وقالت: "بنت محمود... آه، بس…"
تردَّدت، ثمَّ أكملت وهي تتهرَّبُ من عيني ميرال: "أنا اللي فهِّمت محمود إنِّ ايلين مش بنته…رغم إنِّي عرفت إنُّه ما لمسهاش..هوَّ طلب منِّي أخلِّيه يكرهها…
خدَّرت نورا، وجبت سمير في سريرها، واتَّصلت بمحمود…وقلت له: مراتك بتخونك..وهيَّ فرحانة بيه… وهتطلَّقك."
صمتت لحظة، ثمَّ تابعت بصوتٍ مكسور: "محمود طلَّقها، بس رجعها لما عرف بحملها ودا كان وصية ابويا له، ورجعها فعلا بس اتجوز عليها بنت عم الراجل اللي كان بيحبها علشان يقهرها، وأبويا مات ساعتها…بس أنا ماندمتش، لأنِّ كلُّهم قهروني."
رفعت ميرال يدها المرتجفة إلى فمها، وهمست بضياع: "إنتي ورا كلِّ دا؟!"
صرخت رانيا وهي تضربُ الأرض: "علشان تستاهل..كانت دايمًا شايفة نفسها عليَّا، كلِّ شوية: فريدة ملاك… فريدة أنضف منِّك…ياريتك زيِّ فريدة…
جمال بيحبِّ فريدة…بيحميها…
حتى نورا خانتني، وهي عارفة أنا بحبُّه!
بس فريدة؟ فريدة كانت السبب في كلِّ حاجة…"
زحفت ميرال للخلف، تنظرُ إلى رانيا وكأنَّها ترى كابوسًا لا تريدُ تصديقه، فتابعت رانيا بصوتٍ أكثرُ وحشية: "آه، خطفت يوسف، وقولت لعطوة يقتله أو يبيعه برَّه…بس رماه قدَّام دار، والتاني؟ والتاني عذِّبني كلِّ لمَّا أبص في وشُّه، لأنُّه شبه جمال..
كان لازم أرميه، لازم أنتقم منها…"
صمتت لحظة، ثمَّ قالت بمرارة: "مش أنا السبب…جمال هوَّ السبب، لو كان إدَّاني فرصة، ماكنشِ دا حصل..
بس هوَّ فضَّل فريدة…وأنا قهرتها بعمره الِّلي ضاع...ضيَّعت شرفها الِّلي كانوا بيضربوا بيه المثل، خلِّيت راجح يغتص. بها كلِّ ليلة ومش بس كدا كنت بصوَّرها علشان أذلَّها..
وأضحك كل ما أفتكر كلام جمال أنُّه خايف على دموعها، أنا قهرتها خمس سنين، بعد ماحرمتها من ولادها،
صرخت مقهورةً تشيرُ على جسدها: -بسببه بقيت ستِّ كلِّ راجل بيحلم يلمس فيها أنوثة مش موجودة عند مراته، كنت بنتقم من نفسي علشان مافكرش في جمال، علشان أكره الرجالة كلَّها..علشان أنتقم من راجح الِّلي كلِّ ليلة راجع من حضنِ ست يدوَّر فيه على فريدة، حوَّلته لمسخ ينفِّذ كلامي..
إنتي مجرمة قذرة.
قهقهت رانيا بدموع:
-أنا فعلًا مجرمة، علشان أنا السبب في إنِّك عايشة في حضنِ ابنِ فريدة، المفروض تشكريني ياستِّ الأستاذة.. لولايَ مكنتيش موجودة دلوقتي،
أنا…أنا أمِّك، سمعتيني؟ ومتفكريش إنِّ اسمِ فريدة هينفعك.
هجيبك يابنتِ راجح…هجيبك غصبِ عنِّك..وهتعترفي إنِّي أمُّك، بالقوَّة لو لزم الأمر!"
هربت من أمامها مع صرخاتها:
-إنتي بنتِ راجح الِّلي شارك في قتلِ أخوه، تاجر المخدرات بتاع الكيف يابنتِ رانيا..
خرجت من شرودها تصرخ..لا، لم تكن صرخة بل كانت نزيفُ روح، كانت، موجوعة، مكسورة، ممزَّقة..انهمرت الدموعُ بلا توقُّف، تختلطُ بأنفاسها المختنقةِ وكأنَّ كل ذرَّةٍ في جسدها تريدُ موتها..جرَّت خطواتها بصعوبة وكأنَّها تتَّجهُ نحو حافَّةِ الموت، لا تمشي، بل تائهة بين الحياةِ والموت.
نظرت إلى قاعِ الجبل، كأنَّ الأرضَ تناديها أن تعودَ إليها، أن تتحرَّر من هذا القيدِ المسمَّى "حياة". وفي خضمِّ عتمتها، تردَّد صوتُ رانيا في أذنها...صوتًا أشبهُ بطعنة:
-"إنتي بنتِ راجح يابنتِ رانيا..."
ثمَّ جاءَ صوتُ مصطفى، بصوتٍ يشبهُ صوتُ القاضي وهو ينطقُ بالحكم:
- "حبيبتي...بعد القضية، كلِّ واحد لازم يرجع لأصله."
هنا، سقطت روحها من قبلِ أن يسقطَ جسدها...اختنقَ نبضها، وشعرت وكأنَّها تُدفنُ وهي على قيدِ الحياة.. الحياة؟ أيُّ حياةٍ تلك التي تُجبرها أن تنتمي لهؤلاء؟! فلتحترق، وليحترق كلَّ شيء..
صوتُ الفرامل شقَّ الصمت...لتتوقَّف سيارةُ إلياس..نزلَ منها كالمجنون، لا يرى شيئًا سوى ظلَّها المتهاوي على شفيرِ الموت..صرخَ باسمها، صرخةً لم تخرج من حلقهِ فقط، بل من قلبه، من أعمقِ نقطةٍ فيه:
- "مييييرااااال!!!"لكنَّها لا تستمعُ إليه
..صوتًا واحدًا فقط يتردَّدُ بأذنها..إنتي بنتِ راجح.
صرخت...وصرخت كأنَّما يُنتزعُ قلبها:
- "لأااااا...مستحيييييل!!!"قالتها متوقِّفةً تريدُ أن تسلبَ حياتها بيدها..
في لحظةٍ جرَّ قدميها نحو الهاوية، جذبها بقوَّة، وسحبها من على الحافةِ كمن ينقذُ قلبهِ من الانتحار..سقطت فوقه، لم يشعر بالألم، رغم ارتطامِ رأسهِ بالأرض والدمِ الذي سال، لكنَّه لا يهتم، لم يكن يسمع سوى شهقاتها، وبكاءها المرّ، الكاسرِ لقلبه، ليتحوَّلَ إلى شظايا..
- "سيبني أموت! إنتَ كذاب ياإلياس..كذبت عليَّا..وعدتني... وبعتني، ليه ياإلياس؟ ليه رميتني في النار؟!"
ضمها وكأنَّها قطعةً من روحهِ تتلاشى:
- "حبيبتي..بلاش، بالله عليكي اهدي، ميرال، وجعك بيقتلني، صوتك كدا بيخنقني..."
دفنت وجهها في صدره، لا تبكي فقط، بل تنزفُ عمرًا وأمانًا وخيبة:
همست بتقطُّع:
- "كنت مصدَّقاك...ليه عملت كدا؟ ليه خونتني؟!"
أبعدها برفق، قابضًا على وجهها بين كفَّيهِ المرتجفتين:
- "ميرال..كدا؟ أنا خونتك؟
هزّت رأسها، وتراجعت تمسحُ دموعها بعنف، وكأنَّها تريدُ محوَ كلَّ شيء:
- "رجَّعني البيت...ابني مستنيني..على الأقل هوَّ الحاجة الوحيدة الحقيقة"
نهضَ يتألَّم، ينزفُ من رأسه، لكنَّهُ قاومَ كلَّ شيء، واقتربَ منها بخطواتٍ ثقيلة:
-"يلَّا نرجع بيتنا...بس أرجوكي متعمليش كدا إنتي مش لوحدك."
تحرَّكت أمامه، صامتة، منهارة من الداخل..رفع يدهِ ليتحسَّسَ رأسهِ التي بلغت أصابعهُ منها الدم، فاتَّصل بوالدته:
- "ماما، أنا لقيت ميرال...هنبات في بيتنا، ابعتي يوسف مع النانا."
قالها ثمَّ أغلقَ الهاتف، وأسرعَ نحوها، ضمَّها تحتَ ذراعه، كأنَّهُ يريدُ أن يثبِّتها بجانبهِ إلى الأبد..أشار للرجال:
-"ارجعوا على الفيلا."
فتح بابَ السيارة، جلست بصمت، نظراتها تائهة، كأنَّها ترى العالمَ لأوَّلِ مرَّة..ركب بجانبها، شغَّل السيارة، لكن قبل أن تتحرَّكَ العجلات، جذبَ وجهها، وقبَّلها..قبلةً طويلة، عميقة، كأنَّها محاولةً يائسة لتضميدِ الجراح، لإعادةِ الروح...وهمسَ بصوتٍ مخنوقٍ بالعشق:
- "لمَّا نرجع، هنعاقب بعض...عشان موِّتيني وأنا حي وأنا وجعت قلبك..
رفعت نظرها إليه، بصوتٍ ممزوجٍ بالانكسار:
- "هيكتبوا في البطاقة..ميرال راجح؟ وهيقولوا ليوسف لمَّا يكبر إنِّ جدُّه إرهابي، وجدته...كانت بتبيع جسمها للرجال؟ وأنتَ؟ هتيجي في يوم وتعايرني؟"
وضعَ إصبعهِ على شفتيها المرتجفتين:
- "أنا عاذرك...ياوجعي، و نار قلبي دلوقتي، يا حبيبةِ إلياس."
اقترب، لامسَ ثغرها بنظراتهِ قبل أن يلمسهُ بشفتيه، وتنهيدةٌ موجعةٌ خرجت منهُ كأنَّها آخر زفير:
- "حبيبتي بترميني بالباطل؟ دا حكم إعدام، ومش مسموحلك...وعقابي؟ لا، مش زي كلِّ مرة..المرَّة دي...هنسِّيكي حتى اسمك إيه."وأنا قدَّامك عاقبيني براحتك، اعملي فيَّا مابدالك أهمِّ حاجة جوَّا حضني.
قالها ثم انطلقَ يقودُ السيارة بيد، ويضمَّها باليدِ الثانية...وقلبهِ كان بركانًا، يشتعلُ في صمت، ينتظرُ لحظةَ الانفجار...
وصل بعد فترة استدار يحملها، وجد ارسلان وغرام بانتظارهما، صعد بها دون النطق بحرف، دثرها بالفراش وطبع قبلة حنونة فوق جبينها
-ممكن تنامي وتنسي اي حاجة، أغمضت عيناها دون حديث..قام بفك حجابها الذي انزلق من فوق خصلاتها، وظل لدقائق إلى أن ذهبت بنومها، جلس على ركبتيه أمام فراشها يمسد على وجهها
-سامحيني..بس وعد محدش هيقرب منك وهتفضلي زي ماانت حتى لو كلفني كل حاجة..قبل وجنتها ونهض متجها إلى الاسفل ..اقتربت منه غرام متسائلة:
-هي عاملة ايه دلوقتي..
هوى على المقعد يمسح على وجهه بعنف ورفع نظره الى ارسلان
-كانت هتموت نفسها
شهقت غرام وانسابت دموعها قائلة
-حبيبتي كتير عليها اوي، لازم تشوف دكتور، المرحلة دي صعبة اوي
جلس ارسلان بجواره يربت على ساقيه
-الياس عارف الدنيا ملخبطة، بس مش قدامنا غير أننا ندعم بعض، هخلي غرام معاها ..
هز رأسه بالرفض ورد
-لا ..لا .. مينفعش ابعد عنها خالص، انا اصلا قدمت استقالتي، كدا كدا الدنيا مابقتش زي الاول ..ومتأكد من راكان هيسرع المحاكمة
-ربنا يسهل ..طيب احنا هنمشي علشان نطمن ماما، كانت قلقانة عليها، علشان كدا كلمتني
اومأ له ثم قال
-ابعت غادة واسلام، انا عارف الاتنين دول هيخرجوها، وانا هشوف دكتور بكرة إن شاءالله
بعد فترة صعد اليها وجدها مازالت غافية كالذي يتهرب من الحياة بنومه، جلس لبعض الوقت ..قاطع صمته رنين هاتفه
-أيوة ياادم
-الياس التحاليل ظهرت..ايلين بنت عمو محمود يعني التحاليل بتاعة زمان كانت مزوة
-عرفت ياادم ..المهم دلوقتي عرف الدكتورة .
-ربنا يسهل انا دلوقتي رايح اشوف بنت عمتي وهي هناك هكلمك بعدين
تمدد جوارها بثايبه ثم جذبها إلى أحضانه ليغمض عيناه ذاهبا بنوم عميق ..
صباح اليوم التالي ..استيقظ على صوت ضحكات ابنه بالخارج ..هب من نومه يبحث عنها كالمجنون ..هبط سريعا الى الاسفل يبحث عنها وجدها تجلس بأحضان فريدة يجوارها غادة واسلام ..اقترب منهما بهدوء بعدما تنهد براحة ..توقف اسلام يجيب على هاتفه ..فجلس مكانه ملقيا تحية الصباح وعيناه عليها
ردت فريدة التحية تهز رأسها بعدما شعرت به ..نظر إلى ما تحمله فرفعه ينظر إليه
-ايه دا ..
ابتسمت غادة وتمتمت:
-هدية لميرو، عيد ميلادها الاسبوع الجاي، فقولت اجبلها هدية علشان اكون سباقة
رفع حاجبه ساخرًا
-هو ليه بتحسسيني انك جايبة لخطيبك، دبدب احمر، هو فيه حد لسة بيعمل الهبل دا ..رمق تلك الصامتة واستطرد
-دي تجبلها بدلة رقص، اصلها بتموت في الهز
شهقت فريدة تلكمه بخفة
-ايه اللي بتقوله دا يابني
صفقت غادة وارتفعت ضحكاتها
-"اوووه اوووه ..أبيه إلياس بيقول بدلة رقص وهز، بركاتك ياميرو
انحنى يهمس لها:
-مش صح ولا بتبلى عليكي..طب بذمتك مش نفسك في بدلة رقص ..اقترب اكثر وهمس بخفوت مما لمست شفتيه أذنها
-والله لاجبها واقعد للصبح
احتضنها بعينيه ليرى ردة فعلها، اعتدلت تحتضن ذراعه
-الياس عايزة اروح اعمل عمرة، تفتكر ربنا غضبان عليا علشان كنت بلبس وحش وبخرج بشعري
رفع نظره لوالدته التي ربتت على ظهرها
-حبيبة ماما مش انتي دلوقتي غيرتي كل حاجة، ربنا غفور رحيم، ليه بتقولي كدا
لم ترد ولكن ظلت عيناها متعلقة به
توقف مستئذنّا من والدته
-بعد اذنك ياماما ..هخرج مع ميرال مشوار ساعة، خلي بالك من يوسف
بعد عدة أيام، وفي الموعد المقرر لمحاكمة راجح ورانيا، توافد الحضور إلى قاعة المحكمة التي اكتظت عن آخرها، وتوجه المتهمان إلى قفص الاتهام تحت حراسة مشددة. ارتفعت الهمسات بين المقاعد، قبل أن يسود الصمت التام مع دخول هيئة المحكمة.
وقف الجميع احترامًا، ودلف القضاة بزيّهم المهيب، وعلى وجوههم ملامح الجدية والحزم. جلس رئيس المحكمة في مقعده، وأعلن افتتاح الجلسة بصوته العميق:
– "بسم الله الرحمن الرحيم... نبدأ جلسة اليوم بمحاكمة المتهمين، مع ذكر اسمهما لسنة ٢٠٢٥ جنايات أمن دولة عليا."
بعد افتتاح الجلسة بكلمات القاضي الرصينة التي دوت في أرجاء القاعة، وقف الحضور في صمت مهيب، واختلطت أنفاسهم بالتوتر والترقّب. ارتفعت أعينهم نحو منصة العدالة، حيث اعتلى القاضي مقعده بنظرات حاسمة، قبل أن يلتفت نحو وكيل النيابة قائلاً:
"تفضل يا سعادة وكيل النيابة، قدّم مرافعتك."
تقدم راكان بثبات، يحمل ملف القضية بين يديه كأنه يحمل الحقيقة ذاتها، وبصوته القوي الرنان بدأ مرافعته النارية، قائلاً:
"سيدي الرئيس، حضرات السادة القضاة... أقف أمامكم اليوم لا لأستعرض جريمةً عابرة، بل لأكشف خيانة مزدوجة للإنسانية وللثقة التي منحتها هذه الدولة لكل من تسوّل له نفسه أن يعبث بأمنها، أو يسفك دماءها...
– سيِّدي القاضي...
سادةُ المحكمة...
نحن لا نحاكمُ امرأة ولا رجل فقط، بل نحاكمُ جريمةً عمرها أكثرُ من ثلاثين عامًا،...دعني اتحدث لكم عن الجريمة الثانية:
رانيا حسن الرفاعي...
اختطفت طفلين لا ذنبَ لهما، الأوَّلُ لم يُكمل عاميه، والثاني لم يُفطم بعد، شهرانِ فقط كان عمره..
طفلان من دمِ أخ زوجها..اختُطفا من حضنِ أمُّهما، وتبدَّلت حياتهما إلى الأبد.
هل تعرفونَ من اختطفت؟ طفلانِ يا سيدي القاضي!
الأوَّل..طفلٌ لا يتجاوز عمرهِ السنتين! والثاني...رضيع بالكاد أتمَّ شهرينِ من حياته!
طفلانِ بريئان، من لحمِ ودمِ أخ زوجها...
من دمِ عائلتها!
ارتفعت همساتٌ من مقاعدِ الحضور، وواصل راكان بصوتٍ أجش يملأهُ الغضب:
– أتعرف مامعنى أن تُنتزع روحُ أمٍّ من بين ضلوعها؟
أن تُسلَبَ ضحكاتِ طفلينِ كان من المفترض أن يكبرا بين أحضانِ ذويهم، لا أن يُلقوا في غياهبِ المجهول، بأوامرِ هذه المرأة!
وأشار بإصبعهِ نحو رانيا دون أن يرفَّ له جفن:
– هذه السيدة...لم تخطف فقط طفلين، بل اختطفت معها الرحمة والضمير..
وإن لم تكن يدُ الشرِّ الأقوى في هذه القضية، فمن تكون؟!
أدار وجههِ للحضور، ثمَّ عاد ينظرُ نحو القاضي:
– ولكن إرادةُ اللهِ لا تُقهر...
من ظنَّت أنَّهم ضاعوا إلى الأبد، كَبِروا...ونَشأوا...وعادوا..
عادوا لا كأطفالٍ مكسورين، بل كرجالٍ تَربَّت فيهم النخوةُ والعدل..
توقَّف لحظة، ثمَّ نطق كلماتهِ كالسهم:
– الأوَّل..اليوم هو ضابطٌ في أمنِ الدولة، عمرهِ اثنين وثلاثينَ عامًا..
والثاني..ثلاثون عامًا، ويشغلُ منصبًا حسَّاسًا في جهازِ المخابرات.
هنا دوى همسٌ صاعقٌ بين الحضور، بينما واصلَ راكان دون أن يتزعزعَ صوته:
– هذه ليست مصادفة، بل عدالةُ السماء..
من ظنَّت أنَّها ستمحي هوِّيتهم، أعادها الله إليهم بشرفٍ أعظم..
ومن تآمرت على اختطافهم...هاهي اليوم تقف، محاصَرةٌ بأدلَّتها، مجرَّدةٌ من أقنعتها..
أيَّها السادة...
لم نأتِ اليوم نحملُ ورقًا...بل نحملُ طعنة..
طعنةٌ لم تُغرس في صدر جسد، بل في صدر الرحم... في قلب الأخوّة، في ميثاق الدم، في ما توارثته الفطرة قبل أن تُسطّره الشرائع.
اليوم، لا نحاكمُ قاتلًا فحسب...بل نحاكمُ خائنًا لصلبِ أبيه، ناكرًا لملحِ أمِّه، غادرًا بمن وُلد معه في ذاتِ اللحظة وربَّما شاركهُ الصرخةَ الأولى..
قل لي، أيَّ قلبٍ تملكه، وأيَّ شيطانٍ قادك، لتقفَ ساكنًا بينما يُسفكُ دمُ أخيك؟!
أشاركت؟
سكت؟
غضضتَ الطرف؟
كلُّكم شركاء...فالسكوتُ في جريمةِ الدم جريمة لا تقلُّ دناءة عن الطعن..
أتدري ما معنى أن تُشاركَ في قتلِ أخيك؟
أن تفقأ عينَ أمَّك وهي حية..
أن تحرقَ السقفَ الذي جمعكما في طفولتكما..
أن تدفنَ اسمك بيدك في مقابرِ الخيانة..
إنَّ الأخ الذي يُصبح يدًا في جريمةٍ كهذه، هو ليس من البشر، بل مسخًا تخلَّى عن جلده، عن نسبه، عن صورتهِ في المرآة..
واليوم، لا طلبَ لي سوى العدالة...
لا شفقة لمن لوَّثَ الشرايين، ولا رحمة لمن خذلَ الدم،
وليعلمَ المتَّهم، أنَّ السجنَ أهونُ عليه من محكمةِ السماء...
ففيها، سيُنادى عليه باسمه، وباسمِ أخيهِ الذي غدره."
ثمَّ توجَّهَ بكلماتهِ الأخيرة إلى هيئةِ المحكمة:
– أطالب بأقصى العقوبة...ليس فقط لأنَّهما مجرمين، بل لأنَّها خانت الدم، والرحم، والأمانة..
خانَت كل مايُقدَّسُ في القلوب..
وإن لم تُحاسب اليوم...فلمن نردُّ العدل غدًا؟.
صفق الجميع بعد القاء كلمات راكان
لينقر القاضي على المنصة
-هدوء
-الدفاع يتفضل ...ولكن قطع صوتهم دخول أحدهم
-عفوا سيدي القاضي..فأنا جئت اليوم لأقتص حقي من هذان المتهمين
ارتفعت الهمهات مرة أخرى ينظرون لتلك التي اقتحمت قاعة المحكمة
.انتهى الفصل