رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50 بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50

رواية شظايا قلوب محترقة بقلم سيلا وليد

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الخمسون 50

ما أثقل الخيانة حين تأتي من أقرب الناس، وما أوجع الحقيقة حين تُكشف متأخرة، بعد أن يكون الخراب قد استقرّ في الروح والذاكرة...
اليوم، لا مجال للبكاء، ولا متّسع للتراجع...
اليوم، يُنتزع الصوت من الحلق المذبوح، لا ليستعطف، بل ليشهد، ليفضح، ويطالب بما سُلب عنوةً وتحت سطوة القربى.
هنا، لا تُقال الكلمات إلا لتُزلزل، ولا تُروى الحكايات إلا لتُدين.
هنا، تقف المقهورة لا كضحية، بل كندٍّ... تحمل في يدها ما يُسقط الذئب، ويُنصف الغائب، ويعيد لكلّ مظلوم اسمه وكرامته.
فهل يخذل العدل من اختار المواجهة؟
وهل تُطفأ نار الحق إذا اشتعلت في صدر لا يعرف الانكسار؟
دلفت رحيل إلى القاعة بخطا ثابتة، 
بجوارِ طارق، وتوقَّفت أمام منصَّةِ القاضي:
عذرًا، سيِّدي القاضي...
نظرَ القاضي نحوها باستغراب:
-"إنتي مين؟!.
رفعت رأسها بشموخ، وقالت بنبرةٍ يغلِّفها الألم:
رحيل مالك العمري...بنتِ المرحوم مالك العمري..أنا جاية أقدِّم لحضرتك دليل إدانة مهم للمتَّهمين..آسفة على الِّلي هقوله، بس واثقة في سعة صدركم وعدلكم..
مدَّت يدها بملفٍّ وضعتهُ أمام القاضي:
دا تقرير من المستشفى...بيثبت إنِّ والدي مالك العمري مات مقتول، مش بسبب المرض زي ماكنت متوقعة..
انا جاية اقدم بلاغ في قاتل بابا، عارفة أنه مش مكانه
ارتفعت الهمهماتُ في القاعة، ولكن رحيل لم تهتم..أرجو من عدالكتم أن يسعَ صدركم لحديثي ثمَّ تابعت:
أنا وحيدة والدي الله يرحمه..من تلات سنين حصل له حادث وهوَّ راجع البيت، وقتها كان كسب مناقصة كبيرة، وافتكرنا إنِّ حد من أعدائه حاول يئذيه، خاف حتى يروح مستشفى ولَّا يبلَّغ، فيه شخص شافهم وهمَّا بيضربوه وساعده وبابا طلب منُّه مايبلَّغش، ودا كلُّه وبابا مفكَّر أنُّهم أعداء الشغل، خاف عليَّا لأتورَّط مع الناس دي...بس بعد شهور، اكتشفنا الحقيقة، إنِّ الِّلي حاول يقتله كان جوز خالتي.
شهقات و ذهول وهمهمات عمَّت القاعة، فرفعَ القاضي مطرقتهِ صائحًا:
-هدوء لو سمحتم..ثمَّ أشار إلى رحيل:
ودا إيه علاقته بالقضية يابنتي؟. 
جالت رحيل بنظراتها حتى استقرَّت على جلوسِ يزن إلى جانبِ كريم وأرسلان، ثمَّ أجابته:
لأنِّ جوز خالتو بيكون راجح الشافعي، قالتها واستطردت:
بابا بعد الحادثة شكّ في تلاعب بالحسابات وتغيير في مواعيد استلام الشحنات..ولمَّا دقَّق وراجع ووظَّف ناس تراقبه، عرف إنِّ جوز خالتو هوَّ الِّلي ورا كلِّ حاجة،  
لأنُّه جه في وقت بابا كان تعبان والشركة تعرَّضت للإفلاس فهوَّ فرض عليه الشراكة، وبابا مكنشِ قدَّامه حل غير كدا، بعد مابيَّعه بعض أسهم الشركة...وفضل يكبَّر شراكته مع بابا لحدِّ ماسيطر على نصِّ أملاك بابا، ماكنَّاش نعرف إنُّه بيشتغل في حاجات ممنوعة...ولمَّا بابا عرف وواجهه، وقالُّه عايز أفض الشراكة، ونفصل الشغل، طبعًا هوَّ رفض، وحاول قتله
توقَّفت لثوانٍ تستجمعُ أنفاسها وتابعت:
في الوقت دا بابا تعب، واضَّطريت أدخَّله المستشفى...وقتها جوز خالتو بدأ يضغط عليَّا علشان أتجوِّز ابنه غصب عنِّي..وكان اتَّفق مع دكاترة وممرِّضين يسمِّموا دوا والدي..لحدِّ مافقد الحركة خالص وهوَّ بدأ يستولي على كلِّ حاجة..
ولمَّا عرف بابا نيِّتهم، كتب كلِّ حاجة باسمي قبل مايموت، في الوقت ده، طلب من الشخص الِّلي أنقذه يساعدني ويوقف جنبي، وقتها بابا شافه راجل ويُعتمد عليه...قرَّب منِّي، واستغلِّ خوفي وضعفي، ومدّ إيده وقالِّي: نتجوِّز علشان أقدر أحميكي، لمَّا خلاص جوز خالتي اتحكَّم في كلِّ حاجة، حتى أنا خوفت منُّه ونقلت بابا مستشفى خاصة متأمِّنة حفاظًا عليه، ولمَّا الشخص دا ظهرلي شوفت فيه الرجولة والحنيَّة، للأسف صدَّقته واتجوِّزته، ولمَّا بابا مات، واكتشفت إنِّ جوز خالتو حاول يقتلني كمان، فنقلت كلِّ أملاكي باسمِ جوزي...عمل إيه؟.. راح خطف أخته وهدَّده يايطلَّقني وأتنازل ياأمَّا يقتلها، وفعلًا هوَّ طلَّقني وقتها..لكن معرفتش أرجَّع مالي ومال أبويا، رغم إنِّ جوزي رجَّعني لعصمته تاني..أطبقت جفنيها والماضي يتدفَّقُ إلى عقلها كشريطٍ سينمائي لا يعرفُ التوقُّف...مشاهدَ متلاحقة تنهشُ قلبها...حاولت أن تصمدَ أمام العاصفة، لكنَّها كانت أضعفُ من أن تقاوم، فتسلَّلَ صوتها واهنًا، غاضبًا:
-وقتها اكتشفت إنِّ الراجل اللي إدِّتله ثقتي الكاملة، كان واخدني كوبري علشان ينتقم من راجح نفسه، يعني راجح أذاني وموِّت بابا في الأوَّل وطلَّيقي، دمَّرني بسببِ الانتقام، اتجهت إلى يزن ووقفت أمامه تشير إليه 
-الباشمهندس يزن السوهاجي، اللي كلنا عارفينه كدا، مش كدا ياباشمهندس 
قالتها وعيناها ترمقها بنظرات كالسهام المسمومة، تمتم بخفوت وهو ينظر إليها
-ايه اللي بتقوليه دا ..تراجعت بنظراتها للقاضي واستطردت
- عايزة أعرف ليه كلِّ الغلِّ والحقدِ دا..بابا ذنبه إيه يموت بالغدر، أنا ذنبي إيه أكون صراع بين راجل عديم الأخلاق وراجل عايز يجيب حقُّه على وجعي.. 
صمتت تسحبُ نفسًا ثمَّ أشارت على المستندات: 
الإثباتات اللي بين عدالتكم تثبت إنِّ راجح الشافعي هوَّ المتَّهم الأوَّل في قتلِ والدي وكمان فيه شاهد بيشهد بكدا...اتَّجهت بنظرها إلى طارق تشيرُ إليه..
-قصَّ طارق كلَّ مافعلهُ والدهِ منذ أن شبَّ على الدنيا.
اتَّجه القاضي بنظراتهِ إلى النيابة:
-هل لديكم شيئًا تريدونَ إضافته؟.
نهضَ راكان من مكانهِ ونظراتهِ مشتعلة، وهتفَ بصوتٍ جلجلَ القاعةِ كالسيفِ حين يُشهرُ للقصاص:
وهل هناك مايضافُ أبشعُ ممَّا قيل  سيَّدي القاضي؟!
هل هناك ما يُقالُ بعد هذا السردِ المؤلم؟!
هل هناك ما يُضافُ أوجعُ من أن تُغتالُ البراءةِ على يدِ أقربِ الناس؟
أن تُسلَب فتاة أمانها، وأبيها، وحتى كرامتها، تحت سطوةِ الطمع والخيانة؟!
هذه الفتاة..لم تُولد لتُحاصر بالخوف، ولا لتُجبَر على زواجٍ مفروض، ولا لتُشاهد والدها يُسقى السمَّ قطرةً قطرة، حتى يسقطَ صامتًا، مُقعدًا، ثمَّ ميتًا!
صمتَ للحظات وبأنفاسٍ مرتفعة أكمل بصوتهِ الغاضب، من يستمعُ إليه يشعرُ بأنَّهُ يريدُ أن يحرقَ راجح:
-هذه الفتاة لم تُخلق لتقفَ في مهبِّ العاصفة، يُهدِّدها ذوو القربى، ويستغلَّها مَن ظنَّت فيه الحماية..
أشار بيدهِ وقال: 
-لمن تلجأ إذن بعدما خانها المقربون؟!..
وغدرَ بها من كانت تظنُّهم أمانها.. 
لمن تلجأ إذن بعدما أصبحت وحيدة في دنيا لم يظهر منها سوى الطمع والحقد؟!.. 
سيٍّدي القاضي، السادة المستشارين: 
-إنَّنا لا نقفُ أمام جريمةٍ واحدة 
ياسيِّدي، بل أمام سلسلةٍ من الجرائمِ الممتدَّة:
ابتزاز، وتسميم، واستغلال، وخيانة وصاية، وقتلٍ مع سبقِ الإصرار والترصُّد.
لا نتحدَّث عن مجرمٍ عابر، بل عن ذئبٍ في ثوبِ قريب، عرف متى يغرسُ أنيابه، ومتى يَسحبُ يدَهِ مدَّعيًا البراءة..
سيِّدي القاضي...
هذه القضيةُ الأخرى ليست فقط عن مَن قتلَ الأب، بل عن مَن أرادَ اغتيالِ الابنةِ نفسيًا وجسديًا، مَن حوَّلها لرهينة، وجعلَ منها سلعةً تُساوَم، وزوجةٌ تُباعُ وتُطلَّقُ تحت فوهةِ التهديد...
وبناءً على ذلك فأنا هنا لكي أطالبكم باسمِ العدالة،
وباسمِ كلِّ فتاةٍ وجدت نفسها في موضعِ هذه الضحية،
أن يكون الحكمُ صرخةً في وجهِ كلِّ من تجرَّأ على أن يُراهنَ على صمتنا في القصاص، ولا شيء غير القصاص..
أولًا: قتلُ أخيه.
ثانيًا: خطفُ أبناءِ أخيهِ وتعذيبِ زوجةِ أخيه.
ثالثا: الشروعُ في القتلِ أو محاولةِ القتلِ المتعمَّدِ وهذا مانتأكَّدُ منه فيما بعد.. 
وأخيرًا، ليس آخرًا سيدي القاضي، فالمتَّهم له من كلِّ جريمةٍ نكراء توعية
تهديدُ وإرهابُ الأمنِ القومي والوطني للبلد وهذا ماسيحاسبهُ عليهِ المختصُّون.. 
شكرًا سيِّدي القاضي على سعةِ صدوركم. 
هنا توقَّف القاضي لحكمِ المداولةِ لدقائقَ معدودة.. 
وبدأ الحضورُ في ترقُّبٍ تام، وأصبحت  العيونُ مشدودةً نحو منصَّةِ القضاء، حتى دوى صوتُ الحاجبِ في أرجاءِ القاعةِ بصوتهِ الجهوري:
-"محكمة."
نهضَ الجميعُ ودخل القاضي بخطواتٍ ثابتة، يرافقهُ مستشاراه، يجلسونَ خلف منصَّةِ العدالة، ونطقَ القاضي بصوتٍ خرجَ هادئًا، في بادئِ الأمر، ورغم ذلك إلَّا أنَّه يحملُ رهبةَ القانون:
بعد الاطِّلاعِ على أوراقِ الدعوى،  وسماعِ أقوالِ الشهود، ومرافعةِ النيابةِ والدفاع، واستنادًا إلى المادة (...) من قانون العقوبات، وبرقمِ القضية (...)، حكمت المحكمة حضورياً بما يلي:
عمَّ الصمت، وأنفاسُ المذنبين تكادُ تُسمع..ليواصلَ القاضي بصوتٍ حازم، وعينا راكان على إلياس وإسحاق، فنطقَ القاضي أخيرًا قائلًا:
أولًا: بالنسبة لقضيةِ المجني عليه جمال علي الشافعي، فلقد حكمت المحكمة  على المتَّهم راجح علي الشافعي بتحويل أوراقهِ للمفتي..أي بإجماع الآراء بمعاقبتهِ بالإعدامِ شنقًا حتى الموت عمَّا أُسندَ إليه من جرائم. 
ثانيًا: الحكمُ على المتَّهمة رانيا إسماعيل الشافعي بالسجنِ المؤبد لمدَّةِ خمسٍ وعشرينَ عامًا.
ثالثًا: إلزامُ المتَّهمين بدفعِ كافَّةِ مصاريفِ الدعوى.
صمتًا ثقيلًا ثمَّ همهماتُ اعتراضٍ على الحكمِ إلى أن طرقَ القاضي بمطرقته:
وقال رُفعت الجلسة.
دوى صوت الطرق كالرعدِ في القاعة... تهاوت رانيا على المقعد، شهقتها تعلو، بينما تجمَّدت ملامحُ راجح في صدمةٍ لا يملكُ لها تفسيرًا...وحدهِ صوتُ الحاجب يعلنُ النهاية...
اتَّجه بنظرهِ الى فريدة التي حاوطها مصطفى بين ذراعيهِ بعدما ارتجفَ جسدها..أجلسها بهدوءٍ وأزال عبراتها: 
-فريدة ممكن تهدي..لكنَّها لم تستمع إليه، كلَّ ما تراهُ وتسمعهُ صوتُ زوجها الراحل الحنون بوداعها،
انسابت دموعها رغمًا عنها تهمهم: 
-حقِّي رجع، وحقِّ ولادي وجمال رجع يامصطفى، أحمدك يارب، وصلَ إليها أرسلان يتطلَّعُ إليها بألمٍ ثمَّ انحنى يساعدها على الوقوف: 
-ماما حبيبتي قومي يالَّه الكلِّ خرج، هتفضلي قاعدة كدا.. 
رفعت عينيها الباكية تهمسُ إليه:
-حقِّنا رجع ياأرسلان، حقِّ دموعي ووجعي عليكم وعلى والدك رجع، حقِّ قهرتي وأنا مش عارفة أزور قبر أبوك رجع، حقِّي رجع..لازم أفرح بس كأنِّ الدنيا مستكترة فيَّا الفرحة علشان ميرال، قولِّي هنعمل إيه، هسبها تضيع من إيدي..يعني مكتوب عليَّا دايمًا أختار بين وجعي وبين ولادي، بنتي بضيع في الوقت الِّلي حقِّي رجع ..أفرح إزاي؟!…
ساعدها مصطفى على الوقوف وحاوطَ جسدها يشيرُ إلى أرسلان بعينيه:
-مش عايزين صحافة ودوشة، شوفلنا طريق نمشي منُّه، التفتَ يبحثُ عن إلياس وتساءل:
-فين إلياس؟. 
أشار إلى الداخلِ وأردف:
-دخل مع عمُّو وراكان للقاضي علشان موضوع النسب وهوية ميرال. 
هنا توقَّفت فريدة تنظرُ إليه بتساؤل:
-مالها ميرال، إلياس ناوي على إيه؟. 
سحبها وتحرَّكَ متَّجهًا للخارجِ وقلبهِ ينتفضُ من الألمِ على مايحيطُ به ثمَّ قال:
-مفيش يافريدة، إنتي ناسية إنَّها دلوقتي مينفعشِ تتنسب باسمك وكمان إلياس باسمك.. 
توقَّفت ترمقهُ بجهلٍ قائلة:
-مصطفى، ميرال مثبَّتة باسمِ جمال الدين، وفريدة نور الدين..إيه المشكلة وكمان إلياس واخد اعترافات كاملة من راجح بالتنازل عنها..
تنهيدةٌ مؤلمةٌ حتى شعر بأنَّها تخترقُ داخله، فردَّ بنبرةٍ تحملُ مايكفي من آلامِ مايشعرُ به:
-دا كان في الأوَّل وهوَّ بيهدِّده بجرايمه، معرفشِ إيه الِّلي ناوي عليه. 
بالخارج توقَّف أمامها، يشعرُ بانهيارِ حياتهِ وهويَّته ، تقابلت النظراتُ بصمتٍ ممزوجٍ بعتابٍ مؤلمٍ إلى أن قطعهُ يزن:
-ارتحتي، أخدتي حقِّك منِّي؟.. 
عقدت ذراعيها فوق صدرها وهربت بأنظارها عن مرمى عينيهِ وتحدَّثت:
-حقِّي عندك كبير أوي ياباشمهندس، عادت تنظرُ إلى مقلتيه: 
-لو بتتكلِّم عن حقِّي النفسي فدا للأسف مش هتقدر ترجَّعه، هتقدر ترجَّع قلبي الِّلي كسرته، هتقدر ترجَّع ثقتي في الناس..هتقدر ترجَّع رحيل الِّلي إنتَ دفنتها بالحيا؟..
اقتربَ خطوةً منها وحدجها بنظرةٍ لا تعلمُ ماهيتها:
-جت لك ومدِّيت إيدي وقولت نمسح الماضي علشان بحبِّك، بس إنتي النهاردة طعنتيني قدام الناس كلَّها.. 
اقتربت هي الأخرى خطوةً ورفعت عينيها تغرزها بمقلتيه: 
-صدَّقني مش حاسة إنِّي أخدت حقِّي منَّك يايزن، لمَّا تحس بكسرةِ القلب والغدر وقتها بس هاخد حقِّي..
اقتربت خطوةً أخرى ولم يفصل بينهما سوى أنفاسهما:
-وعد من رحيل العامري يابنِ راجح الشافعي إنِّي لأقهرك وأغدر بيك..قالتها ودفعتهُ بعيدًا وتحرَّكت دون حديثٍ آخر.. 
ظلَّت عيناهُ عليها إلى أن اختفت من أمامه...اقتربَ كريم وعيناهُ على ذهابِ رحيل ..
-إيه الِّلي حصل بينكم، قالت لك إيه وإنتَ قولت لها إيه؟..
-ممكن نمشي من هنا..مش عايز أتكلِّم في حاجة.. 
بفيلا الجارحي..
جلست صفية على مُصلَّاها بعد أن أنهت فرضَ ربَّها، وبدأت تُسبِّحُ والدموعُ تنسابُ من عينيها..لم تكن ترى أو تسمعُ شيئًا سوى طيفِ فلذةِ كبدها، منذ أن حملتهُ رضيعًا وحتى هذا اليوم.
دلفت غرام إلى الغرفة برفقةِ ملك، تحملُ كوبًا من العصير، وضعتهُ بجوارِ والدتها، ثمَّ جلست تشيرُ إلى ملك قائلة:
ــ ملوكة، ممكن تقولي لمامي إنِّ بلال زعلان منها علشان ماسألتشِ عنُّه؟
توقَّفت صفية عن أذكارها، ومسحت دموعها قائلة:
ــ هوَّ فين؟ إنتوا جيتوا إمتى؟
استدارت غرام وجلست أمامها، وقالت بنبرةٍ عاتبة:
ــ ما هو لو حضرتك خرجتي من أوضتك، كنتي زمانك سمعتي صوت عياطه برَّه.
ابتسمت صفية من بين دموعها وقالت:
ــ استنِّيتكوا إمبارح ومجيتوش، فقلت خلاص مش هتيجوا النهاردة.
زمَّت غرام شفتيها بتدلُّل وقالت:
ــ لأ، أنا كده أزعل...أفهم من كده إنِّ حضرتك بتطرديني؟
ارتفعَ نبضُ قلبِ صفية بالحزن، فردَّت بنبرةٍ متقطِّعة:
ــ بس أنا مش لاقياكم زي الأوَّل 
يابنتي...
احتضنت غرام كفَّيها بين راحتيها وقالت:
ــ ماما، حبيبتي، ستِّ الكل...واللهِ 
ماعرفناش نيجي إمبارح علشان ميرال كانت تعبانة أوي..قافلة على نفسها ومقاطعة الكل، حتى ابنها مابقتشِ تهتمِّ بيه، إلياس كلَّم أرسلان علشان يخرَّجها من حالتها دي، خصوصًا بعد ما رفضت تشوف الدكاترة.
شعرت صفية بالحزن، فتمتمت:
ــ الله يكون في عونها...الموضوع مش سهل..كلِّ واحد فينا شال وجع فوق طاقته...
قاطعتهم ملك التي تشعرُ بالحزنِ والألمِ معًا على ماصار قائلة:
-ماما حبيبتي، هوَّ ليه حضرتك بتحسِّسيني إنِّ أبيه أرسلان اتبرأ منِّنا خلاص ومبقاش يجي؟. 
تاهت بنظراتها وعيناها تدفعُ الدمعَ بالدمعِ كلَّما تذكَّرت ماصار، ارتجفت شفتيها كحالِ جسدها من شهقاتها:
-مبقاش ابني ياملك، ضمَّتها ملك وبكت على بكائها:
-حضرتك غلطانة ياماما، علشان متأكدة إنِّ أبيه أرسلان مستحيل يتخلَّى عنِّنا، أه هوَّ ليه أهل تانيين بس إحنا الأصل.
شهقةٌ موجوعةٌ أخرجتها ملك واستأنفت حديثها:
-قوليلها ياغرام، هوَّ مش إحنا عرفنا من زمان أنُّه مش ابننا، فيه حاجة اتغيَّرت، يفرق إيه الجارحي من الشافعي، المهمِّ الشخص هيكون فين وبيحبِّ إيه..
ربتت غرام على ظهرها وردَّت بنبرةٍ توحي بصدقِ حديثها: 
-أيوة حبيبتي والله مستحيل أرسلان يبعد، بدليل رفض يغيَّر اسمه لجمال وقال مش هغيَّر الاسمِ الِّلي من خلاله عرفت يعني إيه حب وحنان وعيلة، هوَّ بس اضطَّر يعمل نسب علشان يعرف يرجَّع حقُّهم ..ينفع ياماما يعرف الحق فين وماياخدوش، حضرتك ربِّيتيه على كدا، ولَّا بابا فاروق ربَّاه على كدا؟.. ترضيها حضرتك لشخصية زيِّ أرسلان يعيش مقسوم بين ماضي وحاضر، أمَّا كدا خلاص كلِّ واحد أخد حقُّه، من فضلك متزعليش منُّه، هوَّ مضايق علشان حضرتك أوي.. 
استمعوا إلى طرقاتِ الخادمة:
-إسحاق باشا وفاروق باشا رجعوا ياهانم..
تساءلت بلهفة: 
-أرسلان رجع معاهم؟.. 
هزَّت الخادمة رأسها بالنفي، اتَّجهت بنظرها إلى غرام متسائلة:
-فين جوزك؟.. اتِّصلي بيه شوفيه فين.. 
-ماما ممكن تهدي، ممكن يكون يعني.. 
طالعتها بغضبٍ وأردفت بنبرةٍ متحشرجة:
-شوفتي أهو مجاش، هوَّ كدا خلاص.. 
قاطعهم رنينُ هاتفِ غرام التي تطلَّعت إليهِ مرَّة وإلى صفية مرَّة.. 
هزَّت صفية رأسها تشيرُ إلى الهاتف:
-ردِّي عليه، شوفيه هيقولِّك هاتي بلال وتعالي ولَّا ميعرفشِ أصلًا إنِّك هنا.
-ماما إيه الِّلي بتقوليه دا!.. 
قالتها ملك بامتعاضٍ على كلماتِ والدتها. 
ردَّت غرام وأعينِ صفية معلَّقةً بها:
-ألو ..أجابها على الطرفِ الآخر: 
-غرام ماترجعيش لمَّا آجي، هتأخَّر نصِّ ساعة كدا، فيه حاجة بعملها..
-إنتَ فين ياأرسلان؟..
ابتعدَ عن إلياس ورد: 
-مع المحامي، لسة في المحكمة نصِّ ساعة وراجع.
قالها وأغلقَ الهاتف، رفعت عينيها إلى صفية:
-في المحكمة، قالِّي نصِّ ساعة وراجع. 
بالأسفلِ عند إسحاق وفاروق: 
-يعني كدا أرسلان غيَّر أوراقه كلَّها؟..
تساءلَ بها فاروق...تراجعَ إسحاق بجسدهِ متَّكئًا برأسهِ على المقعدِ وأومأ بعينيه:
-أيوة، كان ناقص حكم النسب، ودا كان مضمون ميَّة في الميَّة.. 
زفرةٌ مختنقةٌ من جوفهِ قائلًا:
-طيب إنتَ عملت إيه؟..
اعتدلَ ينظرُ إليه: 
-مفيش حاجات روتينية هتتعمل، من مساءلات، أنا قدَّمت استقالتي واترفضت، وأرسلان كمان..بس هيوقف حاليًا عن العمل لمَّا يخلَّصوا التحقيقات الروتينية، بس طبعًا سيادةِ العميد قالِّي كلِّ حاجة تمام ومفيش حاجة هتختلف، ودا من خلال كفائتنا وأمانتنا..بس لازم طبعًا التحريَّات بدقَّة، دي مراكز حسَّاسة.. 
-الله المستعان حبيبي، كلِّ حاجة ترجع لأصلها ونقدر نوقَّف الزوبعة اللي حصلت..
ربتَ على ساقيهِ وأومأ برأسه:
-إن شاء الله مفيش حاجة هتتغيَّر، الولاد دول ولاد حلال يافاروق علشان كدا ربِّنا وقَّعهم في ناس زيِّنا، وصدَّقني كنت مستعد أتنازل عن وظيفتي علشان أقف معاهم، بعد كلام أمُّهم في المحكمة ماهزِّني، عيشت إحساس فقدِ الضنا قد إيه صعب ومؤلم أوي، أبوهم راجل طيب وطيبته قعدت لولاده، وزيِّ ماأرسلان قال، من حقِّ أبويا اسمه يفضل موجود. 
هزَّ رأسهِ مواقفًا على حديثه: 
- ربِّنا يحلَّها من عنده، المشكلة في صفية الِّلي مش قادرة تستوعب الِّلي حصل..بتر حديثهم حملِ المربية طفلُ أرسلان الذي ارتفعَ بكائه، فأشار أسحاق إليها:
-هاتيه...ثمَّ تلفَّت حولهِ متسائلًا: 
-فين مامته؟. 
-عند صفية هانم...حملهُ إسحاق يحتضنهُ ويداعبه: 
-زعلان ليه حبيب جدُّو، مين مزعَّلك، رفع نظرهِ للمربية: 
-لو له أكل هاتيه أنا ههتمِّ بيه. 
لكزهُ فاروق وهو يجذبهُ من بينِ ذراعيه:
-أنا الِّلي جدُّو يالا، نسيت نفسك ولَّا إيه؟..قوم روح لابنك ياخويا، سيب حبيب جدُّو لجدُّو..
قهقهَ إسحاق عليه، ثمَّ غمزَ بطرفِ عينه: 
- قول إنَّك خايف لأخطفه زي ماخطفت أبوه..اقتربَ يحدجهُ بنظرةٍ مرحة: 
-تنكر إنِّي خطفت منَّك أبوه؟.. 
ضربهُ فاروق بخفَّة على رأسه: 
-قوم روح لمراتك، إنتَ مالكش بيت؟!..
توقفوا عن الضحك مرة واحدة، وتطلع الإخوان لبعضهما ثم أردف فاروق: 
-تفتكر هتفضل علاقته بينا زي الاول، هيفضل يقولي يابابا، ولا خلاص كدا مبقتش موجود ولا هيعمل اعتبار الراجل اللي رباه
رغم تكور الدموع في أعين اسحاق إلا أنه رد بيقين:
-لسة قايلك أنه ابن حلال، احنا مكنش قصدنا الاذى وانت عارف انا كنت بتابع الاقسام في الوقت دا لو حد بلغ عن طفل 
بعد فترة بفيلا السيوفي..
جلسَ مصطفى بجوارها وحاوطَ أكتافها: 
-مبروك ياأم يوسف..رفعت عيناها الدامعة إليه وسحبت كفيه بين راحتيها:
-لا يامصطفى، إلياس هيفضل إلياس زي ماهو، وهيفضل ابنك، هو بس الورق اللي اتغير، بس انت ابوه، الاب اللي ربى، بس كان لازم اخد حقي وحق ولادي من راجح، وزي ماقولت ماكنش ينفع غير كدا 
ضمها لصدره يربط على ظهرها
-فريدة وانت فريدة فعلًا، انا اسعد راجل في الدنيا إن ربنا رزقني بست زيك 
ابتسمت بحنان ورفعت كفيه تقبله وتمتمت:
-ربنا يخليك ليا ياابو إلياس ..تذكرت شيئا ثم تسائلت
-بعد اللي حصل دا الولاد كدا هينفصلوا من وظايفهم ولا ايه 
اعتدل مستندًا على المقعد وقال:
-أنا سألت كذا حد، وقدمنا ورق للمحامي العام، وهنشوف هيقولوا ايه 
-يعني ايه ..!! تسائلت بها فريدة 
ربت على ظهرها
-سبيها لله ..المهم دلوقتي افرحي بالولاد وانسي اي حاجة 
-افرح ..!! قالتها بصوت مختنق، ثم قالت:
-ميرال..دي قطعة من قلبي، اكيد راجح مش هيسكت ولا رانيا، انا شوفت في عيونه نار ودمار، مستحيل يسيبها 
-تفتكري أنا ممكن أنسى حاجة زي دي يافريدة، أنا اتَّفقت مع إلياس هنقل هوية ميرال باسمي. 
توسَّعت عيونها بذهولٍ وتمتمت بتساؤل:
-يعني إيه مش فاهمة؟..وصل إلياس يبحثُ بعينيهِ عن زوجتهِ ثمَّ قال:
-ماما فين ميرال؟!
فوق في أوضتها، حاولت أنزِّلها رفضت..إيه الِّلي ابوك بيقوله دا؟.. 
نظرَ إليهما متسائلًا:
-قال إيه بابا؟!.
-هتنقل اسمِ مراتك على اسمِ مصطفى؟. 
صعدَ إلى الأعلى وهو يهتف:
-أطَّمن على ميرال الأوَّل..يبحث عنها ولكنها غير موجودة بالغرفة، هرول للخارج ونبضات قلبه تنهش صدره حتى شعر بآلامها، صاح باسم غادة
-غااادة..خرجت سريعًا وهو يبحث من غرفة للغرفة وتسائل بلهفة وخوفًا نطقته عيناه قبل لسانه 
-فين ميرال ؟!
هزت كتفها بجهل، ثم تذكرت شيئاً، فتحدثت
-اه من شوية قالت هتروح اوضتها القديمة تجيب حاجة..ركض إلى غرفتها وقلبه كاد أن يتوقف من الخوف عليها:
دلف للداخلِ، توقف بجسدٍ متنصم
وهو يراها متكوِّرة بوضعِ الجنين، مغلقة الجفنين ولكن دموعها تنساب بصمت .ظ..خطا إلى الفراش بخطواتٍ ثقيلة، وقلبهِ يبكي دمًا على حالتها..جلسَ على ركبتيه أمام السريرِ وملَّسَ على خصلاتها يرفعها من فوقِ وجهها.. 
فتحت عينيها الذابلة وسطَ غشاوة البكاء، وهمست بإرهاقٍ كأنَّ الكلماتَ تنزفُ من بين شفتيها:
– رجعت إمتى؟ وحكموا عليه بإيه؟
جلس إلى جوارها على حافَّةِ السرير، ثمَّ رفعها برفقٍ إلى صدره، وضمَّها بحنانٍ كأنَّها ستهربُ من بين ذراعيه، وطبعَ قبلةً دافئةً فوق رأسها، ثمَّ جمعَ خصلاتها المبعثرة على جانبِ وجهها وهمس:
– وحشتيني.
تمسَّحت بصدرهِ كما لو كانت تحتمي من بردِ العالم، واحتوت خصرهِ بذراعيها الهزيلتين، وهمهمت بصوتٍ خرج بصعوبة:
– لازم تتعوَّد على بعدي عنَّك...أنا مش هعيشلك العمر كلُّه.
سقط قلبهِ بين ضلوعهِ من وقعِ كلماتها الدامية، وعجزَ عن الرد، وعيناهُ تراقبُ تدهورها يومًا بعد يوم، وكأنَّها تذوبُ بين يديهِ ولا يملكُ لها خلاصًا.
نزعَ سترتهِ وتمدَّد إلى جوارها وجذبها إلى أحضانه، يحتوى جسدها المتعب، وضعَ رأسها فوق صدره، بينما أناملهِ بدأت تتسلَّل إلى خصلاتها بحنانٍ موجوع، ثمَّ قال:
– ليه كده ياميرال؟ هتفضلي كده لحدِّ إمتى؟ حالتك دي بتموِّتني..شوفي عايزة إيه، وأنا مستعد أعمله، بس ترجعي تضحكي تاني، تفرحي، تحسِّي إنِّك عايشة.
رفع وجهها بين راحتيه، واحتضنَ عينيها الحزينة وهمسَ بتقطُّعٍ صادق:
– قلبي بيوجعني عليكي، واللهِ بموت من الزعل..ينفع الاستسلام دا؟
أنا عارف إنِّك بتمرُّي بأصعب مرحلة، بس أنا وعدتك، وعدتك أكون سندك، ضهرك.. 
استمرَّ يحرِّكُ أصابعهِ بين خصلاتها بعشوائية، ونبرتهِ تزدادُ رجاءً:
– ميرال..بصِّي لي ياقلبي.
رفعت عينيها المنطفئةِ نحو عينيهِ الممتلئتينِ بالحزن، فابتلعَ ريقهِ وقال بتصميم:
– من بكرة...اسمك هيتغيَّر من ميرال جمال الدين، لميرال السيوفي..
وإنتي أصلاً ميرال السيوفي من زمان، بس دا روتين، وأنا مايهمِّنيش الورق، بس علشانك.
تنهَّد بمرارةٍ وأكمل:
– خلاص..راجح مبقاش موجود، اتحكم عليه بالإعدام، 
وإسحاق جابلنا الموافقة الرسمية إنِّ اسمك يتغيَّر لبابا مصطفى، ودا بسبب الضرر اللي كان ممكن يحصل لك..
أنا مش ساكت، ومستحيل أسيبك تتئذي...
لو ينفع تفضلي باسمِ جمال، بس المشكلة إنِّ ماما اسمها هيتغيَّر كمان..
إنتي ناسية؟ بابا كان مزوَّر اسم باباكي الحقيقي علشان راجح مايلاقيكيش.
ضمَّ وجهها بين كفَّيه، وطبع قبلةً بجوارِ ثغرها، يغرقُ بملامحها التي انطفأت بعينيهِ المُحبَّة:
– إنتي روحي...عارفة يعني إيه روحي؟
لو أقدر أخبِّيكي جوَّا قلبي، وأمسح كلِّ الوجع، وأخده عنك، والله ماهتأخَّر..
إنتي عمرك ما كنتي بنتِ الراجل دا...ولا اسمك هيرتبط بيه..
وهتفضلي ميرال جمال الدين في عيونِ الكل، بس على الورق بينا هيتغيَّر..علشان نرتاح من اللخبطة، ماهو ماينفعشِ نكون إخوات ومتجوِّزين...ومتخافيش راجح مش هيطلب حاجة ولا هيذكر اسمك، تعرفي أنا اتفقت مع مين يكلِّم رانيا، علشان دي الوحيدة اللي هتقدر تساعدنا.. 
ظلَّ يمسحُ على خصلاتها مرَّةً وعلى وجهها مرَّة، وهي تتابعه بصمت ثمَّ أكمل: 
-طارق..
-إيه؟!..قالتها بذهول ضعيف، هزَّ رأسهِ بابتسامة، واستطردَ قائلًا:
-من كام يوم رحيل مرات يزن كلِّمتني وقالت عايزة تقابلني في مسألة ضرورية، أنا فكَّرت إنَّها عايزاني علشان يزن، بس اتضحلي إنَّها عايزة أقابل طارق ويحاول يصلَّح العلاقة بينا، مخبيش عليكي أنا كنت بدوَّر عليه علشان أموِّته، بس هو حكى لي كام حاجة حسيت بالشفقة عليه، ودا ضحية زيِّنا كلِّنا، مشيت وراه وقولت أشوف آخره إيه..واتَّفق معايا أنُّه هيشهد بكلِّ الِّلي يعرفه، وكمان قال لرحيل حاجات إحنا مكناش نعرفها، والنهاردة جه مع رحيل وشهد بكلِّ حاجة..ودا ياحبيبي يخلِّيكي تتأكِّدي إنِّ الراجل دا مستحيل أربطك بيه، وطلبت من طارق يعمل محاولة مع رانيا، وزي ماتيجي..
همست بتشتُّت، وعيناها تبحثُ عن معنى حديثه:
– يعني إيه؟
سحبها إلى صدرهِ من جديد، بعدما شعر بضياعها، وهو يمسِّدُ على ظهرها كأنَّه يواسي طفلًا ضائعًا:
– يعني تنسي إنِّك في يوم قابلتي الراجل دا، سمعاني، أنا معرفشِ غير ميرال..بنتِ قلبي..
البنت الشقية الِّلي وقَّعت إلياس السيوفي على رقبته.
البنت الِّلي خلِّتني أعيش بجد... 
أخرجها من أحضانهِ وابتسم، رغم أن عيناهُ تدمعان:
– فهمتي ولَّا مفهمتيش...يا بنتِ مدام فريدة؟..انا قدامك اهو إلياس السيوفي، بحبه علشان حب ميرال، يوسف مش موجود، ولا عمري اغير إلياس، لأن ميرال حبت إلياس، مش كدا..
لمست وجنتيهِ المرتجفتين، وانسابت دموعها بحرارة:
– رغم إنِّي بكره راجح...بس إنتَ أحسن ابنِ عم في الدنيا.
لمعت عيناهُ بالسعادةِ الممزوجةِ بالحزن، واقتربَ منها يهمسُ بشوق:
– أنا مش ابنِ عمِّك يابنتِ مدام فريدة...
أنا جوزك، وحبيبك، وكلِّ دنيتك.
ومش هتنازل عن حرف من الِّلي قولته.
رفع ذقنها بيده، وتعلَّقت العيونُ ببعضها..عيونًا تتألَّمُ بصمت، وأخرى تمزِّقها الدموع...ثمَّ تساءلَ بصوتٍ مبحوح:
– أنا بكون إيه لميرال؟
لفَّت ذراعيها حول عنقه، وارتفعت شهقاتها ببكاءٍ حارق، وهي تهمسُ بين دموعها:
– يارب أموت ياإلياس...يارب أموت وماكونشِ عالة على حد..
أنا تعبانة...مش عايزة اسمي يتغيَّر، 
لا لعمُّو مصطفى ولا لأيِّ حد..
أنا ميرال وبس...قولُّهم عايزة أكون كده..
ضمَّها بقوَّةٍ حتى شعرت بتحطيمِ ضلوعها بين قبضته، وهمسَ بنبرةٍ متألمةٍ كانت تخرجُ من قلبهِ قبل لسانه: 
-بعد الشرِّ عليكي، حرام الِّلي بتعمليه فيَّا دا ياميرال، وكتير على قلبي. 
أبعدتهُ تنظرُ بمقلتيه: 
-هتعبك معايا ياالياس وإنتَ متستهلش، إحنا ليه من زمان ماأخدناش بالنا إنِّ ربِّنا مش عايز قربنا، ودليل الِّلي كان بيحصل معانا. 
جذبها من عنقها بعدما فاضَ به، ووضعَ جبينهِ فوق جبينها وأخرج زفرةً حارقةً وقال: 
-لو سمعتك بتقولي كدا تاني هزعَّلك، صدَّقيني هزعَّلك، لو إنتي عايزة تموتي علشان ترتاحي؛ فأنا بقولِّك حالتك دي بتقتلني من جوَّا لدرجة بقول ربِّنا يريَّحني أنا ولا أتعذِّب بعذاب آلامك كدا..
وضعت أناملها على شفتيهِ تهمسُ بخفوت:
-اسكت ياإلياس، اسكت أنا مش ناقصة، كفاية وجع فيَّا.
اعتدلَ وابتعدَ عنها بعدما خطر بذهنهِ شيئًا ما:
-لا ياميرال، حالتك دي ممكن تخلَّص عليَّا، إنتي عارفة وأنا راجع العربية كانت هتتقلب بيَّا، لولا ستر ربنا، ماهو أنا مبقتشِ مركِّز في حاجة غير إنِّي أخرَّجك من حالتك دي، بحاول أعمل كلِّ حاجة علشان ماترتبطيش بالمجرم دا، استخدمت كلِّ نفوذي وعلاقاتي.. وفي الآخر جاية تقولي يارب أموت!!
استدارَ ينظرُ إليها وقد ثار غضبهِ ولم يعد يستطيعُ التحكُّمَ به:
-مفكرتيش فيَّا أنا وابنك، إيه اليأس الِّلي إنتي فيه دا، عارف مرحلة صعبة بس الضعف دا بيخلَّص عليكي، فين وعودك ليا إنِّك هتحاولي علشان ابننا، وصل إليها وانحنى بجسدهِ يحاوطُ جسدها وغرزَ عينيهِ الغاضبة بمقلتيها الدامعة:
-أنا لو جبل كنت انهرت، ورغم كدا لسة واقف وبحارب، إنتي أكيد فاهمة يعني إيه ظابط أمن دولة يكون عمُّه مجرم وبيعاون الجماعات المتطرِّفة، رفع كفَّيهِ وعينيهِ امتلئت بالدموع ثمَّ استطرد:
-بإيدي دي كتبت استقالتي، ومش مجرَّد استقالة عمل..كأني بسحب حياتي وروحي وكلِّ ماأملك، شوفتي الأب الِّلي بيدفن ابنه وهوَّ حي، أنا حسِّيت الإحساس دا، ورغم كدا لسة واقف قدَّامك وبحاول أكون إلياس وبس، لا علاقة بالسيوفي ولا الشافعي، أنا عايز حياة لإلياس الِّلي فجأة طلع وهم وسراب..
اعتدل وبدأت أنفاسهِ بالارتفاعِ حتى ارتفعت نبضاتهِ بشكلٍ مبالغ وشعر بألمٍ بضلوعه، اتَّجه بعينيهِ إليها بعدما استمعَ إلى شهقاتها:
-عارف إنِّك أكتر واحدة متضرِّرة، بس دا يقوِّيكي ويخلِّيكي تبني نفسك لوحدك ومتربطيش نفسك بأيِّ حد مهما كان، ابني ميرال وبس، وزي ماقولتي من شوية، كوني ميرال وبس 
مش صعب، هتخبَّطي شوية بس النتيجة هطلَّعي شخصية قوية..
ارتفعت أنفاسهِ أكثر وأكثر حتى لاحظتها ميرال، أشارَ إليها: 
-إنَّما إنتي كدا بتموِّتيني بالبطيء، حالتك دي بتوجع قلبي..
هبَّت من مكانها، وألقت نفسها بأحضانه، تتمسَّحُ به كقطةٍ أليفةٍ تهمسُ بصوتٍ خافتٍ خرج من بين شفتيها كخروجِ الروح من الجسد:
-آسفة..خلاص آسفة متزعلشِ منِّي، عارفة بقيت حمل تقيل عليك، بس واللهِ غصب عنِّي.
رفع جسدها واتَّجه للخارجِ قائلًا:
-لمَّا أموت يبقى ارجعي الأوضة دي، الِّلي أعرفه والِّلي اتعلمناه من ديننا الستِّ بتكون مع جوزها في أوضة واحدة..إلَّا إذا..توقَّف يتعمَّقُ بالنظرِ إليها: 
-حضرتك زهقتي منِّي وعايزة حجَّة علشان تخلصي. 
شقَّت شفتيها ابتسامةً لأنَّها علمت أنُّه يتلاعبُ بمشاعرها فردَّت قائلة:
-زهقت أوي كمان عندك مانع؟..
أومأ برأسهِ ودلفَ لداخلِ جناحهِ يغلقُ الباب بقدمهِ ومازالت بين ذراعيه:
-هنعرف دلوقتي مين زهق من التاني يامدام.
بعد عدة أسابيع والوضع أصبح هادئًا إلى حد ما، ومحاولة الجميع بجانب ميرال وإخراجها ..
بمنزل السيوفي وخاصة بغرفة مكتبه، كان يحاول أن يشغل نفسه بشيئا، حتى لا يشعر بألمًا على شيئا لم يتعوض عليه ..جلس يشعر بالاختناق وكأن أحدهم يجلده بسياط من نيران 
دفع ارسلان الباب ملقيا السلام
-عامل ايه ياابو يوسف ..طالعه بصمت لبعض اللحظات ثم أردف:
-قاعد زي المريض اللي منتظر الدوا 
جلس بمقابلته ثم أخرج ورقة ووضعها أمامه
-طيب يامريض خد العلاج دا 
سحب الورقة ينظر إليها، ثم رفع عيناه إليه 
-من المحامي العام 
اومأ ارسلان بابتسامة وقال 
-وجاية مختومة، علشان تعرف أننا مش اي حد برضو .. بدأ يقرأ ما تحتويه الورقة 
لم يثبت تعمدهم التزوير أو العلم بهويتهم المزيفة أثناء التقديم للوظائف.
2. تم تصحيح هويتهم رسميًا بعد اكتشاف الحقيقة، من خلال النيابة والأحوال المدنية.
3. أثبتوا كفاءتهم المهنية والسلوكية، والجميع يعلم بتفوقهم الوظيفي
القانون هنا ينظر للآتي:
أصل الإنسان لا يُحاسَب عليه، بل سلوكه.
الأسر المتبنية الشريفة تشفع لهم اجتماعيًا وأخلاقيًا، وتدعم موقفهم أمام المؤسسات.
ولكن يحدث الآتي إداريًا:
يُفتح تحقيق إداري داخلي لتوثيق الوضع الجديد.
يتم رفع تقرير أمني لإثبات أنهم ليسوا خطرًا على الأمن القومي.
يتم تثبيتهم في وظائفهم بعد تعديل أوراقهم، خصوصًا لو كانت هناك توجيهات عليا بإنصافهم...وإلى أن يتم التحقق منه، فبناء على ذلك عودة كلًا من 
-إلياس جمال الشافعي، وارسلان جمال الشافعي إلى وظائفهم بعد التأكد من كافة ماطلب التحقق منه من الجهات الإدارية المحققة
تنهيدة حااارة أخرجها من جوفه، وكأنه كان يحتجز هوائه ليدفعه مرة واحدة 
-الحمد لله..انا كنت وصلت لمرحلة ميؤسة، رغم بحاول اقوي ميرال بس الوضع صعب وموجع اوي
هنا تذكر ارسلان حالة ميرال فتسائل:
-اه صحيح عملت ايه في موضوع رانيا، طارق قابلها ..قبل أن يرد عليه استمع الى رنين هاتفه
-أيوة يايزن 
-راجح هرب من السجن ياالياس، هب من مكانه وصرخ بالهاتف:
-يعني ايه؟!
توقف يزن بانفاسًا مرتفعة:
-أنا رحت أزوره من كام يوم، وقالي بالنص هيحرق قلوبنا كلنا واولهم ميرال، بس اللي رحمه مني العسكري اخده ومشي 
-يزن انت قولت له انك ابنه !!
ابتسم بألم ينظر حوله بتيه، وتذكر مقابلته ..
وصل راجح إلى جلوسه يدقق النظر فيه ثم لوى فمه بابتسامة ساخرة
-لما قالولي ابني، فكرته طارق، بس طلعت انت ياجوز المدام 
انحنى يزن وجذبه من ياقته بقوة يقبض عليها بعنف:
-إنت أقذر شخص في الدنيا ..حاول التملص منه حتى وصل إليه الشرطي وأبعده عنه ..أخرج يزن ورقة مطوية من جيبه وأشار إليه بنظرات مشمئزة:
-اتفضل ياراجح، عد ضحياك، اقترب وهو يبتعد عنه، رفع الورقة أمام عينيه 
بعدما قال الشرطي
-متخافش مش هموته، بس هجاوبه على اسئلته 
-اقرأ كدا ..شوف الاسم دا يمكن يفكرك بحقارتك .. رفرفت اهدابه يهمس اسم 
-عزة عبد العليم ..اصابه رجفة قوية فرفع نظره إليه
-يعني كان احساسي صح ..انت ابني 
وصل يزن إليه يجز على أسنانه ويهتف بغضب
-أنا يزن السوهاجي ابن عزة وإبراهيم السوهاجي، مستحيل اربط نفسي بدم قذر زيك، بس جيت اقهرك ياراجح، واقولك إن اللي عمل فيك كدا ولادك 
جحظت عيناه بغضب، فأشار إليه
-صدقني ياابن السوهاجي هندمك، وقول لابن فريدة هخنقه وهو عايش، هو خلف الوعد، وكدا فتح النار عليكوا، واولهم بنت رانيا ..خرج من شروده على صوت إلياس 
-مش بترد ليه، راجح عرف انك ابنه 
-كان عارف ياالياس، ورغم كدا كان عايز يقتلني ..انا رايح له النيابة، مش هو استخدم اللي شغال معاهم وابعدوا راكان ..قالها واغلق الهاتف ..
جمع إلياس اشياؤه، وأشار إلى ارسلان
-راجح هرب 
تحرك الياس إلى النيابة، وقام بمهاتفة راكان، الذي أجابه بسرعة وقلق بادٍ في صوته:
– أنا لسه عارف دلوقتي، وكلمت جاسر وهو هيعمل المطلوب... كنت في إسكندرية، وجاي على الطريق... 
– كلمت جاسر الألفي، وهو دلوقتي هناك بيتابع سير التحقيقات. .
هرب من المستشفى بعد عميلة غسيل معدة في مستشفى السجن.
أغلق إلياس الهاتف، وصدره يعلو ويهبط كأنه يشتعل من الداخل. لم يكن الغضب فقط ما يأكله... بل العجز، والخوف، اتجه بنظره الى أرسلان 
-راجح هرب..
توسعت عيناه بذهول :.
-ازاي.!! 
-معرفش ..المهم، مش عايز حد يعرف نهائي وخصوصا ماما وميرال 
عدة أيام أخرى واستنفار أمني بكل مكان بحثًا عن راجح 
يوما اخر ثقيل يشعر به الجميع، كانت فريدة حزينة على نجليها، ظنا أنهما يعانان من ترك وظائفهما
ولجت رؤى تحمل قهوته وجدته يحتضن رأسه، توقفت إلى أن رفع رأسه متسائلًا:
-فيه حاجة ؟!
-راجح هرب من السجن..تراجع بجسده وتابعها بعينيه 
-ميرال تعرف
هزت رأسها بالنفي، ثم اقتربت تضع قهوته وقالت:
-كنت بكلم يزن علشان ميعاد عملية نقل النخاع، طارق رد عليا وقالي أنه هرب بقاله اكتر من اسبوع ..اومأ وقال:
-مش عايز حد يعرف 
-تمام ..بس ميرال اتأخرت اوي هي وغادة، راحوا يشتروا فستان مع ايمان ولسة مرجعوش، رايحين من الساعة ستة، و بتصل بيهم مابيردوش 
نظر بساعة يده ثم قال:
-الساعة عشرة دلوقتي، ايه اللي آخرهم كدا، دا كله بيشتروا فستان 
-معرفش والله ياالياس، هي اصلًا مكنتش عايزة تخرج، بس ماما فريدة قالت تخرج تغير جو، انا كنت هخرج معاهم بس دوخت ومقدرتش 
امسك هاتفه وحاول مهاتفتهما ولكن الهاتف مغلق 
نهض من مكانه يهز رأسه واردف:
-لا كدا الموضوع ميطمنش، حتى الأمن مابيردش..قالها وهمّ بالمغادرة، ولكنه توقف مستديرًا إليها 
-مش عايز ماما فريدة تعرف حاجة عن هروب راجح 
اتجه إلى سيارته واستقلها مع رنين هاتفه 
-حبيبتي انت فين ..
-حبيبتك معايا يابن فريدة، عايزها ولا ابعتهالك جثة..اسمعني علشان شغل الثعلب مش مع راجح 
-هتروح النيابة وتطعن في القضية بأي وسيلة، معرفش ازاي، المهم تبرأني دا لو عايز مراتك وأخوتك الحلوة 
ارتجف جسده لعدة لحظات وشعر بانسحاب الهواء من رئتيه ..نظر للهاتف  بتشوش بعد إغلاقه، بعد فترة وهو جالس بالسيارة ينظر أمامه بتيه وعجز، شق السكون رنين هاتفه، نظر إليه وجد اسم راكان على شاشة الهاتف
-ايوة ..قالها بتقطع ولسان ثقيل 
-متقلقش، تليفونك كان متراقب علشان كنت متأكد هيوصلك، وجاسر قبض عليه.. 
-مراتي واختي ياسيادة المستشار
-مكنوش موجودين ياالياس بس هو اتقبض عليه، وانا رايح النيابة 
وصل إلى مقر النيابة العامة، يرافقه أرسلان... صعدا معًا إلى مكتب وكيل النيابة، وهناك وجد جاسر الألفي واقفًا، متحفظًا على الوضع ب
دخل إلياس... فتسمرت عيناه على المقعد حيث جلس راجح كالمنتصر
كان متكئًا في استعلاء، بعينين تمتلئان وقاحة، وابتسامة تحمل من السخرية ما يكفي لتحطيم الأعصاب... وما إن التقت نظراته بنظرة إلياس، تكلم بصوت متعمد الثبات والتهكم:
– أهلاً يا ابن فريدة... الأخبار الحلوة بتنتشر بسرعة... اتجه بنظره إلى يزن الذي دلف للتو، وقال 
-بس يا ترى، إنت اللي عرفت ابن عزة؟ ولا هو اللي عرفك؟
صمت لبرهة، قبل أن يتابع بنفس النبرة:
– وفين ابن سمية الخاين؟ منضمش ليكم ليه؟... أوووه، كلكم هنا علشان بنت رانيا ..
ضحك بصوتٍ مقيتٍ، ثم تابع:
– الصراحة، البت دي... معرفش جابت الحلاوة دي منين؟ من رانيا؟ ولا من فريدة؟ بس حاسس إنها من فريدة... أصل فريدة كانت حلوة قوي
ضرب بكفيه على ركبتيه وضحك ضحكة جوفاء، قبل أن ينهض قليلًا ويشير بإصبعه نحو إلياس:
– البت دي... لو كانت اشتغلت معايا، كان زمانها دلوقتي حمامة دهب، مش بيضة بس!
حلوة... وجميلة... والرجالة بتموت في النوعية الشرسة اللي زيها.
بس متخافش يا ابن فريدة... وعد من راجح الشافعي، لأخليها تحت رجلي!
واللي ماقدرتش أعمله في أمها... هعمله فيها!
اهتزت الأرض تحت قدمي إلياس، وتقلصت عضلات وجهه في لحظة، كأن ما سمعه طعنة لا تقتل... لكنها تبقيه حيًّا يتلوى... ود لو هجم عليه الآن، وكسر أسنانه واحدة تلو الأخرى، لكنه تراجع خطوة... محاولا الحفاظ على ثباته 
أشار إليه جاسر بسرعة وحزم:
– إلياس، خليك بره، مينفعش تكون هنا... راكان خلاص قرب يوصل، أرجوك.
هنا شعر بأن قلبه يغلي،  وعينيه تحترقان،  استدار في صمت، ولكن راجح لم يفوّت الفرصة ليسمّمه بكلماته القذرة:
– أيوه، اطلع بره... مش عايز أشوف وشك!
روح اسأل فريدة... خليها تحكي لك راجح كان بيعمل فيكي ايه...ثم اتجه بنظره إلى يزن 
-وبنت عزة فرسة حلوة نار، تلات بنات يخلوني ملك 
بدأ يهذي بكلمات ليست فقط مقززة... بل تمزق العقل قبل القلب.
اصبح صوته كالنار، يتطاير منها الشرر، وكل شرارة تصيب جرحًا جديدًا في روح إلياس ويزن ..أما ارسلان الذي خرج على رنين هاتفه 
-أيوة ياماما..!
-بتصل بإلياس ياارسلان، انتوا فين، صحيح راجح هرب من السجن..قالتها فريدة بصوت مرتفع 
بينما راجح الذي توقف واقترب من إلياس يحدجه بنظرات شماتة:
-كانت بتصرخ باسمك، غبية متعرفش انك السبب في اللي هعمله فيها، أخرج من هنا، مراتك وأختك يكونوا عندك 
بدل مااخليك عبرة لمن لا يعتبر، وهثبت انك اللي هربتني من المستشفى، عامل شغل حلو مع الدكاترة هناك ..ياعيني ياميرال بتفكرني بفريدة لما كانت بتصرخ كدا، اهي دلوقتي بتصرخ زي فريدة
انهار جسده ككل شيء بداخله، وتفكك ببطء مؤلم، بعدما استمع الى ماابكى قلبه نيران ودمًا، ليهز رأسه بعنف وبلحظة أخرج سلاحه.
يشعر بأن يده ثقيلة ، كأنها تحمل وزن كل الألم الذي تعرضت له والدته وزوجته، ناهيك عن معاناة يزن، كل الجبروت الذي فعله ذاك الشخص الذي وصفه بالشيطان لم يكن له ذرة من المسامحة، رفع السلاح يغرزه بصدره  بأنفاس متقطعة، ليس من الجري أو التعب، بل من ثقل الهواء، من الاحتراق الداخلي وهو يتخيل معاناة والدته وكلماتها التي شقته لنصفين
"كان بيغت صبني، انا مابعتكمش، هو كان جبروت، وصفعات القدر من بكاء زوجته وصراخها
-يارب اموت ولا يكون ليا اب زيه، انا مستحيل أكون بنت الراجل دا 
لوح جاسر بكفيه محاولا تهدئته والسيطرة على أفعاله رغم معاناته مما استمع إليه قائلًا:
-إلياس اسمعني، هتضيع نفسك علشان شخص ما يستهلش؟"
ضحك راجح مستخفًا به ثم أردف:
- ودا اللي انا عايزه، ماهو جمال مات وولاده لسة بيرفعوا من شأنه، انحنى بجسده يتعمق بالنظر إلى إلياس 
-ماكنش راجح الشافعي لو مخلتكش تسيب وظيفتك، زي ماابوك كان السبب في اني ابقى مجر. م ..انا سعيد يابن جمال، علشان الكل هيشاور عليك ويقولوا الخاين اهو اللي ساعد عمه في الهروب..ضرب بكفيه 
-ايه ياجاسر باشا، مش الخاين بيعدموه، انا بقى بقولك دا اللي هربني، ثم أشار إلى يزن 
-والواد دا شريكه..انت خاين يابن فريدة، وهتتقدم لمحاكمة عسكرية ودا وعد مني
مجرد كلمات، ولكنها  حبالًا التفت حول رقبته، تشدّه إلى الوراء،  تراجع خطوة، يشعر بأنه داخل ظلمات من القهر، كيف ينسب هذا الرجل ويكون عمه 
رفع رأسه إليه، بعينين متوهجتين كالجمرتين، ليس غضبًا فقط... بل الفقد، العجز، الإحساس بأن الحياة سلبت منه عنوة 
صرخ، بصوت كاد يهز الجدران، وهو يشعر بإهتزاز روحه:
- انا فعلا هكون خاين لو سبتك تعيش لحظة واحدة بعد كدا 
تصنم جسد جاسر، وهو يراه يضغط على الزناد، فصاح قائلًا:
-لو موته مش هنعرف مكان مراتك، هو عايز يوصل لكدا، ارجوك اهدى، قالها وهو يشير بيده أن ينزل سلاحه
-إلياس علشان خاطري، امسك اعصابك، راكان على وصول وهيحقق معاه، عارف أنه غصب عنك، بس هو بيعمل كدا علشان يوصلك لكدا 
"عايزني أعمل إيه بعد اللي عرفته؟!"
قالها ووجه عبارة عن لوحة الألم 
اقترب جاسر أكثر محاولًا الضغط عليه:
-هات المسدس لو سمحت ووعد مني حقك هيرجع لك
-حقي!! قالها مستنكرًا بأنفاس مشحونة بالكراهية والأسى، حتى صار صوته خنجرًا يريد أن يطعنه:
"إزاي قدرت تعمل فينا كدا، ازاي قدرت تعيش وإيدك ملوثة بدم أخوك ومراته، ودلوقتي بتخطف بنات مالهمش ذنب؟!"
ارتعشت أنفاسه، كأن روحه نفسها ترتجف من أثر ما يشعر به، فاردف بنبرة موجعة كحدّ السكين
"عملت لك ايه ميرال، علشان تعمل فيها كدا، انا بسأل مين اصلا هو انت مفكر نفسك أب، طيب ازاي وأنت عارف إن بنتك بتتربى في ملجأ، وابنك... راجل تاني بيربيه؟!"
حاصره جاسر اخيرا بخطف سلاحه، يجذبه بعيدًا عن راجح 
-اهدى كل حاجة انت عايزها هتحصل، بس مضيعش نفسك
وصل راجح إلى يزن 
-بقى انت يامعفن عايز تنتقم مني، جذبه من تلابيبه أمام جاسر الذي حاول السيطرة على الوضع
-ابعد عنه ياراجح، ولكن راجح تحول إلى شيطان ليقبض على عنقه
-إنت السبب في دا كله، بقى انت مفكر نفسك ذكي ..اقترب يهمس بجوار أذنه رغم محاولة جاسر بأبعاده بالسلاح ولكنه قال 
-أنا كدا كدا ميت ياباشا، ولازم اعاقبهم كلهم، طلقة من سلاح جاسر بقدمه ليبتعد عن يزن الذي سحب وجهه، 
-إنت مفكر نفسك ايه، انت متهم، صاح على العسكري 
-خدو الزبالة دا ارموه في السجن لما يوصل وكيل النيابة
وصل العسكري يسحبه من تلابيبه بقسوة ولم يكترث باصابته، فسحب السلاح من خصر العسكري ولكن 
بسرعة لم يستوعبها أحد، وبقرار لم يكن قرارًا بل كان غريزة، لحظة طيش، لحظة استسلام للظلام الذي ظل يهمس في أذنه لسنوات...
اختطف السلاح من فوق مكتب جاسر، بعد إلقائه بعيدا عن إلياس 
لتدوي الطلقة لتخترق ظهر راجح الممسك بسلاح العسكري ليصوبه باتجاه إلياس، ولكن كان يزن الاسرع لتصيبه الرصاصة،  لم يسقط على الفور، بل ظل واقفًا للحظة، كأنه لم يصدق أن نهايته على يد ابنه وهو ينظر بتشوش إلى يد يزن المتطلع إليه بألمًا كان حقيقًا.. بدأت روحه تنسحب منه كما ينسحب المدّ من على الشاطئ؛ ليهوى على ركبتيه بدخول راكان وصراخه 
-اسعاف بسرعة ...
اقترب يزن منه ينحني بجسده قائًلا:
-كان المفروض اعمل كدا من وقت ماطنط فريدة قالت حقيقتك القذرة، ومتخافش هدعيلك بجهنم وبئس المصير
دفعه راكان الذي أصابه الجنون من فعلته 
-الواد دا مجنون خدوه من قدامي ..


انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا