رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54 هى رواية من كتابة سيلا وليد رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54
رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الرابع والخمسون 54
الخاتمة الجزء الثاني
"لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب اليك "
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "
مقدمة "ختامها مسك"
يا من سكبتَ النورَ في أوردتي
وجعلتَ من وجدي نشيدَ مُقلتي
أنتَ الرجاءُ إذا تناثرَ حائرًا
وأنتَ سلوى القلبِ في أزمتهِ
ملكتَ عمري فاستقرَّ بحبّك
ما عادَ يسكنني سواكَ بديلًا
في حضرتكْ تنسابُ أنفاسي ندىً
وتفيضُ أشواقي حنينًا جليلا
ملكتَني... حتى غدوتُ كأنّني
ظلُّ امتدادِك، لا يزولُ بحالِ
ما كنتُ أعرفُ أنَّ حبّك قاتلي
حتى غدوتُ جثّةَ الانهيالِ
فكيف أنجو من هواكَ وقد غدا
في القلبِ موصولًا، وفي الروحِ مقيلا؟
قل لي، بربِّك، كيف أفلتُ من يدٍ
أقسمتَ أن تبقى، بكلِّ احتمالي؟
قبل عامٍ مضى..
بفيلا العامري، بعد اغماء رحيل
ضمَّ ابنهِ إلى صدرهِ كمن يحاولُ أن يقوى، وتحرَّك بخطواتٍ ثقيلةٍ نحو الباب، بينما ارتفعت صرخاتُ طفلهِ التي مزَّقت نياطَ قلبهِ وهو ينادي باسمِ والدته، حاول تهدئته، لكنَّه تلقَّى صفعةً صغيرةً من يدٍ واهنة، صفعةٌ زلزلت كيانه، تبعها بكاءًا متصاعدًا يشبهُ النحيب..توقَّف ينظرُ لطفله بعجز، ماذا عليهِ فعله، ذهب بذكرياته، هل خطفهُ والدهِ من والدتهِ عنوةً مثل مايريدُ فعله، ارتجفَ جسدُ الطفلِ من بكاءه وهو يتمتم:
-ماما..هنا شعر بأنَّ روحهِ تُسحبُ منه، ضمَّه بحنانٍ أبويٍّ يهمسُ لنفسه:
-اتجنِّنت يايزن، غضبك أعمى قلبك، اطلع من توب راجح، فرقت عنُّه إيه، مستحيل تكون بني آدم..استدار للتحرُّكِ للداخلِ مع خروجِ آدم، التفت إليه يزن، نظراتهِ دامعة حائرة...اقترب آدم حتى وقف أمامهِ مباشرة، وقال بصوتٍ موجوع:
- إنتَ كنت ناوي تاخد الولد فعلاً...
يايزن؟
شهق يزن بأنفاسٍ مكسورة، وهمس بصوتٍ متقطِّعٍ وكأنُّه يخرجُ من أعماقِ الروحِ لا من الحلق:
- إنتَ كنت عارف!! ثمَّ تابع: أنا جيت لك، وقلت لك أنا رجَّعت رحيل وسكت!
سكت وإنتَ أب زيي، ما فكرتش لحظة أنا حاسس بإيه؟
هزَّ آدم رأسهِ بيأس، وقال بصدقٍ موجوع:
- واللهِ ما كنت أعرف غير النهاردة... وبعد كمان مااتَّصلت ببابا..رحيل كانت مخبِّية على الكل..
لولا زيارات بابا ليها، ما كناش عرفنا حاجة..
ازداد بكاءُ الطفل، ليشعرَ بنغزةٍ بقلبهِ كخنجرٍ صغير، مدَّ آدم يدهِ بهدوء:
- هات الولد، يايزن...ارجع لمراتك، حلُّوا الِّلي بينكم...
ما ينفعشِ كده، علشان الولاد.
ضحك يزن بمرارة، وقال بصوتٍ متهدِّج:
- بنت عمِّتك...حرمتني من ابني سنة!!
سنة كاملة يادكتور!..
ثبَّت آدم عينيهِ فيه، وقال بحزمٍ ونبرةِ رجاء:
- وأنا بقولَّك، مش قدَّامكم غير إنُّكم تصفُّوا اللي بينكم علشان ولادكم..
ازدادت نظراتُ يزن اضطرابًا، وكأنَّ الزمنَ توقَّف من حوله، على كلماتِ آدم، ولادكم، تقدَّم آدم خطوة، وأخذ الطفلَ منهُ برفق، ثمَّ نظر إليهِ ونطقَ الحقيقة:
- يزن إنتَ عندك توأم...مش طفل واحد.
ارتجفَ جسدهِ كلِّه، كأنَّ صاعقةً مزَّقتهُ من الداخل، حاول سحبَ أنفاسهِ ولكنَّه كمن يختنق، فقال بصوتٍ بالكادِ خرج من بين شفتيه:
-ت...توأم؟!..
يعني...عندي ابنِ تاني؟!.
أومأ آدم، وربتَ على كتفه، ثمَّ أشار للداخلِ هامسًا:
- ادخل شوف بنتك..إنتَ عندك بنت وولد، يايزن.
لم يحتمل كلَّ هذا، ولم يشعر سوى
بساقيهِ تقودانهِ كأنَّهم لاتحملانِ جسدًا بل جبلًا من الألمِِ والاشتياقِ بآنٍ واحد.
دخل المنزل، ودموعهِ تنهمرُ بلا هوادة...
بات يفتِّشُ في كلِّ ركنٍ بالمنزل، وكلَّ جدارٍ ينظرُ إليه، بقلبٍ ينتفضُ من الخوفِ على ماسيراه، ثمَّ صاح باسمِ رحيل:
- رحيل أنا عندي بنت؟!..
صرخها من قلبه، خرجت زهرة وهي تحملُ طفلةً صغيرة، ووجهها يشرقُ بالبراءة..
وصل إليها بخطوةٍ واحدة، انتزع الطفلةَ من ذراعيها وضمَّها إليه، وانهار..
إلى أن ركعَ على الأرض، يحتضنها، وبدأ يبكي ويتمتم:
-بنتي، أنا عندي توأم ..قالها وهو يضحكُ ويبكي في آنٍ واحد، يقبِّلُ ملامحها، رفع رأسهِ إلى زهرة يردِّدُ كالمجنون:
دي بنتي!. عندي ولدين!..جالكم قلب، طيب أعمل فيكم إيه..
جلست زهرة بجوارهِ تربتُ على كتفه، ثمَّ أشارت إلى آدم:
-هات آسر من المربية ياآدم..اتَّجهت نحو يزن الذي يحاوطُ ابنتهِ يريدُ أن يخبِّئها داخل ضلوعه:
-بنتي، رفعت الصغيرةُ عينيها لوالدها تبتسمُ وتتلاعبُ بقميصه، عكس أخيها، ليضحكَ من بين بكائه:
-أنا بابا حبيبتي..رفعت كفَّها الصغيرَ على وجهه، ليضمُّهُ يقبِّله..وآاااه حارقة من قوَّةِ المشاعرِ التي يشعرُ بها، كانت متوقِّفةً لدى الباب تنظرُ إليه ببكاء، اليوم أدركت أنَّها ارتكبت جرمًا لا يستهانُ به..
-يزن..قالتها زهرة ليرفعَ نظرهِ إليها ومازال يحتضنُ الطفلة، ثمَّ تابعت:
-أنا مش هلومك يابني على الِّلي قولته والِّلي عملته، لأنُّه من حقَّك، أنا معرفشِ إيه اللي حصل بينك وبين بنتي..بس رحيل مكنتشِ تعرف إنَّك رجَّعتها، وأنا معرفتش غير بعد ماهيَّ ولدت، الغلط الأكبر عندك.
-أنا عايز ولادي..قالها وهو يرفعُ عينيهِ إليها..قاطعهُ زين:
-حقَّك يابني ومفيش حد يقدر يلومك، بس إنتَ عايز ولادك وهيَّ عايزة ولادها، مفكرتوش في العيال دي؟..
اتَّجه بنظرهِ إليها وهناك الكثير من النظراتِ الغاضبة الممزوجةِ بالعتاب،
توقَّف يزن وهو مازال يحملُ طفلتهِ واقتربَ منها:
-عايزة تطلَّقي، عادي أطلَّقك وبالتلاتة، بس ولادي يعيشوا معايا، وعلى فكرة هكسب القضية من أوَّل جلسة، متنسيش أنا ابنِ راجح يامدام، يعني هدوس عليكم كلُّكم، مش قدَّامك غير اختيار واحد وبس، عايزة ولادك تيجي تعيشي معاهم، وأنا بقولِّك قدام خالك وابنِ خالك ووالدتك، أنا مبقتش عايزك، ومستحيل أوافق إنِّ ولادي يتربُّوا بعيد عنِّي.
-وهيَّ موافقة يايزن..نطقت بها زهرة سريعًا ترمقُ ابنتها بنظرةٍ تحذيرية..
دنت زهرة منهُ إلى أن توقَّفت أمامه:
-رحيل موافقة ترجع لك علشان الولاد، أنا مش هقف أتفرَّج على الحرب الِّلي بينكم وفي ولاد في النص..
اقتربَ زين منهم وقال:
-لا..قالها وهو يحدج يزن بنظرةٍ تهديديَّةٍ وأكمل:
-وقفت تهدِّدها قدَّامنا كأنِّ مالهاش أهل، عرفنا إنَّها غلطت، بس إنَّك تهدِّدها يابنِ راجح فإنتَ نسيت اللي واقف قدَّامك دا بيكون زين الرفاعي..
أوعى تفكَّر سكوتي ضعف منِّي، أنا صبرت عليك من أوَّل مااتجوزتها، وصدمة ورا صدمة منَّك، وأقول مش مشكلة الواد شكله راجل، بس إنتَ دلوقتي عدِّيت الحدود يابنِ راجح، أوعى تفكَّر إنَّك تهدِّدنا تاني، التفتَ إلى رحيل وسألها:
-عندك ولدين وهوَّ بيقول رجَّعك، الِّلي فهمته منُّه ماثبَّتشِ الرَّجعة، يعني بالقانون إنتي مش مراته، من أوَّل جلسة زي ما بتقولي أطلَّقك منُّه، بس يكون في علمك هيتحكم لولادك، يعني يابنتِ العامري ، محكمة واسمِ رحيل العامري كلِّ يوم أوَّل صفحات الجرايد، ثمَّ التفتَ إلى يزن:
-متقدرشِ تاخد الولاد مهما عملت، لأنُّهم في حضانتها، اقترب خطوةً وغرز عينيهِ بمقلتيهِ قائلًا:
-إلَّا إذا عملت إنَّك ابنِ راجح فعلًا، وعادي هتكسب القضية بأساليبك القذرة، بس افتكر يابنِ السوهاجي، وأنا بقولَّك دلوقتي إنَّك ابنِ السوهاجي علشان التربية الطيِّبة الِّلي فيك، هتاخدهم على قدِّ ماتاخدهم من أمُّهم بس مصيرهم هينتقموا منَّك زي ماإنتَ عملت، يبقى كان من الأوَّل أبوك يفضل عايش ومعاه الحق..
تراجعَ زين وأشار إليهم:
-أنتوا متلزومنيش، العيال دي بس الِّلي مخلِّياني أتعامل معاكم بالعقل،
هتروحي مع جوزك ويثبِّت رجعوك، وتتصافوا متتصافوش أنتوا حُرِّين، بس أذى يصيب العيال دي، قسمًا عظمًا هدخَّلكم مستشفى المجانين وآخد أربِّي العيال وأنا معارفي زي الرز، تحبِّ أجرَّب يابنِ السوهاجي؟..
قاطعهم ضربُ الطفلةِ لوجهِ يزن وارتفاعِ ضحكاتها، لتتطلَّعَ إليها رحيل بدموعٍ وهو ينظر إليها ويبتسمُ ثمَّ قال:
-وانا علشان الضحكة دي موافق، بس بشروطي يازين باشا..ولادي يتربُّوا في بيتي، غير كدا اعمل اللي إنتَ عايزه ميهمِّنيش، وأنا هعمل الِّلي أنا عايزه..
-موافقة..قالتها رحيل وهي تحملُ طفلها وتصعدُ للأعلى تنادي على المربية:
-هاتي رولا..توقَّفت على الدرج ثمَّ نظرت إليه:
-بكرة يبقى هاجي لك.
-لأ..دلوقتي ومش هتحرَّك من هنا غير بولادي يامدام.
صعدت للأعلى وهو ظلَّ يجوبُ بالمكانِ ذهابًا وإيابًا وعلى وجههِ ابتسامةً يتمتم:
-بابا..بقيت بابا..كانت زهرة تتطلَّعُ إليه بحزنٍ ثمَّ همست إلى زين:
-تفتكر هيحلُّوا مشاكلهم؟.
-بنتك عايزة تنضرب يازهرة، خلِّيها تلمِّ الدور، بحث عن آدم فتساءل:
-فين آدم؟.
-أشارت إلى الخارج وقالت:
-برَّة جاله تليفون..بعد فترة هبطت بحقيبتها تجرُّها، ثمَّ دفعتها إليه:
-اتفضل حاجات ولادك..
نظر إلى المربية التي تهبطُ تحملُ الطفل، والخادمة الطفلة، ثمَّ اتَّجه بنظرهِ نحوها:
-شيلي إنتي الهدوم، أنا هشيل الولاد..قالها وهو يأخذُ الطفلَ من بين أيدي المربية، ثمَّ أخذ الأخرى بذراعهِ
وقال:
-عارفين أنا مين؟.
تحرَّكت رحيل بغضبٍ وتمتمت:
-إنتَ الجبروتَ ياباشمهندس.
بفيلا الجارحي..
دخل مصطفى بصحبةِ إسلام وإلياس وفريدة، وكان في استقبالهم جميعُ أفرادِ العائلة..
تقدَّم إسحاق بخطواتٍ واثقة، بوجههِ المشرقِ بابتسامةٍ ترحيبيةٍ صادقة:
— أهلاً، أهلاً مصطفى باشا، قصر الجارحي نوَّر بحضوركم.
ردَّ عليه مصطفى بودٍّ ممزوجٍ بالهيبة:
- القصر منوَّر بأهله، ياإسحاق بيه.
ثمَّ التفت نحو فاروق، الذي لم يقلَّ ترحيبًا عن إسحاق ليشارك بكلماتِ الترحيب..
جلس الجميعُ في صالةِ الاستقبال المكسوَّةِ بالفخامةِ والهدوء، ساد بينهم جوًّا من الودِّ والتقدير، امتزجت فيه الكلماتُ العامَّةُ ببعضِ الأحاديث الجانبية.
بعد قليل، وصلت صفية بصحبةِ دينا، بجوارها خادمتين، تحملانِ صينيةَ القهوة، فبادرت صفية بالكلام:
- أهلاً وسهلاً سيادةِ اللوا، نوَّرتوا بيتنا المتواضع، أهلًا مدام فريدة..
ابتسمَ مصطفى بلطف:
- شكرًا صفية هانم، البيت منوَّر بأصحابه.
أشارت صفية نحو الخادمة الواقفة بجوارها:
- قدِّمي القهوة للضيوف.
لكن دينا وضعت يدها برقَّةٍ على ذراعِ الخادمة، وقالت بابتسامةٍ دافئة:
- روحي إنتي، أنا هقدِّم القهوة.
ثمَّ انطلقت بخفَّةٍ وأناقة، تحملُ الفناجين، توزِّعها على الحاضرين بنظراتٍ ودودة...ثمَّ اتَّجهت وجلست بجوارِ صفية التي تتحدَّثُ مع فريدة..
مرَّ وقتًا على الجميعِ بين الودِّ والمحبة، إلى أن قطعَ الحديثَ مصطفى:
-بعد إذنك يافاروق باشا، طبعًا أنا هدخل في الموضوع على طول بما إنِّنا أهل، فإحنا جايين نطلب إيد كريمتكم الآنسة ملك لإسلام ابني على سنَّةِ الله ورسوله..
قالها بدخولِ أرسلان:
-مساء الخير.
التفتت فريدة تنظرُ إليهِ باشتياق:
-أهلًا حبيبي، رجعت إمتى؟..
انحنى وقبَّلَ رأسَ فريدة، ثمَّ اتَّجهَ إلى صفية وفعل مثلما فعلَ مع فريدة:
-لسة واصل، الجوّ في اسكندرية صعب أوي..
-عمُّو مصطفى منوَّرنا والله إنتَ وإسلام، بس الأخ الِّلي جنبك لأ..
لكزتهُ صفية بخفَّة، اتَّجه بنظرهِ إلى فاروق:
-وحشتني يافاروق باشا.
قاطعهُ إسحاق يشيرُ إلى الكرسي:
-طيب اقعد كنَّا مرتاحين، هيِّ دي الإجازة الشهر اللي قولت عليها، اتَّجه يجلسُ بجوارِ إسحاق:
-ماهو جيت لمَّا بابا قالِّي عمُّو مصطفى جاي النهاردة، وأنا على علم بالموضوع، فلازم أكون موجود، هوَّ أنا عندي كام أخت بس هيَّ أخت واحدة.
-ربِّنا يخلِّيكم لبعض ياحبيبي..هكذا نطقتها صفية..بينما فريدة كانت تنظرُ إليه بصمت، حمحمَ فاروق وهو يتطلَّعُ الى إسلام:
-إسلام ابني زي ماملك بنتي، وأنا مش هلاقي لبنتي راجل زي إسلام، واللهِ يامصطفى باشا أنا فخور بيه، وواثق أنُّه راجل وقدِّ المسؤولية، وجيِّتكم على راسي من فوق، بس برضو لازم ناخد رأي بنتنا..
أومأ مصطفى متفهِّمًا وأجاب:
-طبعًا حقَّها، وتاخد الوقت الِّلي نفسها فيه، إحنا كدا كدا أهل،حتى لو محصلشِ نصيب إن شاءالله المودَّة تبقى بينا.
لكزَ إسلام إلياس الصامت، ثمَّ همسَ إليه:
-إنتَ جاي علشان تسكت، ماتقول حاجة ياعم، كحَّ حتى
رفع حاجبهِ ينظرُ إليه بسخرية، قطعَ النظراتِ صوتُ أرسلان:
-العروسة عروستكم واللهِ ياعمُّو مصطفى، وإسلام زيُّه زي إلياس أكيد يشرَّفنا يكون جوز بنتنا الوحيدة..
نهض مصطفى يغلقُ حلَّتهُ ثمَّ قال:
-وإحنا منتظرين الرد، وأكيد هنكون سعداء لو حصل بين العيلتين نصيب..
-إن شاءالله، على خيرةِ الله ..
بمنزلِ طارق وخاصَّةً بالحديقة..
جلست بأحضانهِ تقصُّ له ماصارَ معها منذ طفولتها إلى هذا اليوم:
-تعرفي كنت بشوف إلياس معاكي وكنت مفكَّر فيه علاقة بينكم، أصلي كنت براقبه، وعرفت أنُّه بيساعد بنت فقيرة، ووقتها حاولت أعمل حاجة علشان أفضحه بيكي..
تنهيدةٌ مؤلمةٌ حتى شعر بالدموعِ تحت أهدابه:
-كنت سيئ أوي يارؤى، أوي..عملت حاجات كتير وحشة، سهر وقمار وبنات، نزلت دمعة غائرة على طرفِ خدِّهِ وأردفَ بنبرةٍ ثقيلةٍ وكأنَّ لسانهِ غير قادرٍ على التفوُّه:
-خطفت ميرال وكانوا متفقين معايا أغتص بها..شهقةً موجعةً أخرجها من حسراتِ مايشعرُ به:
-كنت هغتصب أختي..
آاااه مع الدموع التي شعر بأنَّها نيرانًا وليست مياهً تحرقُ جلده، واستطرد:
-كنت قذر، معرفشِ أوَّل ما شفتها وكأنِّ حاجة بتضربني بسكين في صدري ويقولِّي كفاية قرف بقى إنتَ انسان مقرف، حاولت أقنع رانيا بلاش اغت صبها واقتنعت بس بعد مرار..
بعدها بيومين عرفت إنِّ ميرال بنتها، كانت زي المجنونة، مش علشان أنا أخوها، لا علشان هيِّ اللي كانت هضيَّع بنتها بإيدها، طيب أنا فين من حسابكم، قرف ورا قرف لحدِّ مااتسجنت وكانت المرَّة الوحيدة الِّلي اتسجنت ظلم فيها، ودا كان بسبب إلياس بعد ماعرف الِّلي كنت هعمله في مراته..
احتضنت ذراعهِ وبكت على بكائه:
-حبيبي انسى، لازم نحاول نخرج من حياتنا القديمة، كويس إنَّك شغَّال مع رحيل، ابني لنفسك حاجة وانسى الماضي دا كلُّه..
اتَّجه إليها بعينينِ تقطرُ وجعًا:
-أنسى إنِّي ابنِ راجح، ولَّا أنسى إنِّي كنت قذر و طهمجرم يارؤى، أنا بدعي ربِّنا لو كنت مُت بدل راجح...اعتدلَ مستديرًا إليها:
-تعرفي بعد مادفنوا راجح أنا معيطش عليه، يعني شوفت يزن بيعيَّط بس معرفشِ هل عياطه دا حزن على الِّلي حصلُّه..ولَّا علشان هوَّ السبب في الِّلي وصلُّه راجح في الآخر، أنا محستش بحاجة خالص، ولا كره ولا حب..
أزالت دموعَ أخيها ثمَّ نهضت تمدُّ كفَّها:
-إيه رأيك نعمل كيك، ونروح ليزن نشوفه عمل إيه مع رحيل، أنا متأكدة هيطربقها على دماغها، أصله صعيدي يابني..
ابتسمَ ووقفَ يحاوطُ جسدها متَّجهًا للداخل..
بمنزلِ آدم..
جلس الجميعُ يتناولونَ الطعامَ ويستمعونَ إلى ماقالهُ زين إلى يزن..
تساءل أحمد ابنه:
-بس رحيل غلطانة يابابا، وأنا لو مكان يزن كنت عملت أكتر من كدا..
وافقهُ آدم الرأي وهو يلوكُ طعامه، هزَّ زين رأسهِ وقال:
-عارف إنَّها غلطانة، وهوُّ برضو غلط، كان لازم أهدِّد الاتنين..المهمِّ مش عايز حد يدخل بينهم، وعمِّتك إنتَ يوم وأخوك يوم تقضُّوه عندها، هيَّ رفضت تسيب بيت جوزها، وأنا مقدرتش أضغط عليها مش عايزين نسيبها لوحدها..اتَّجه بنظرهِ إلى إيلين التي تتلاعبُ بطعامها بصمت، فتساءل:
-مالك حبيبتي ساكتة ليه ومبتكليش؟.
رفعت رأسها إلى زين وقالت:
-بابا عمل لسهام قضية زنا، كنت تعرف ياخالو؟..
هزَّ رأسهِ بالنفي وقال:
-أبدًا يابنتي إيه الِّلي حصل؟.
همهمت مريم قائلة:
-الحيوانة كانت بتشتغل لحساب سمير الحيوان، وكانت على علاقة بيه، وطبعًا بابا راقبها وعرف إنَّها بتقابله، فضل يراقبها كذا مرَّة لحدِّ مابلَّغ وظبطوها ومسكوا الاتنين.
توقَّف زين عن الطعام وتساءل:
-يعني سمير اتقبض عليه؟..
هزَّت رأسها وقالت:
-كنت عند بابا النهاردة وحكى لي.
-ربِّنا يهدي..قالها زين وهو يكملُ طعامه:
نهضت إيلين تنظرُ إلى آدم:
-هطلع أنا ياآدم، تعبانة أوي وعايزة أنام، وإنتَ يبقى هات رائد لمَّا تخلص..
توقَّف مقتربًا منها:
-إيلين مالك حبيبتي فيه حاجة بتوجعك؟..
-لا لا..بس إرهاق الجامعة مع السهر، هروح أرتاح..صحة وهنا.
قالتها وانسحبت للأعلى دون إضافةِ شيء..
بفيلا السيوفي..
أنهت زينتها، تنظرُ لنفسها بالمرآة مبتسمة، استمعت إلى صوتِ إسلام بالخارجِ مع غادة، توقَّفت تنظرُ لقميصها، تريدُ أن تخرجَ تسألهُ عن ماحدث، ولكنَّها أقنعت نفسها بأنَّها ستعلمُ من زوجها، مرَّت أكثرُ من نصفِ ساعة ولكنَّه لم يصعد، سحبت هاتفها وقامت بمهاتفته، ردَّ عليها:
-أيوة ياميرال..قالها وهو يفحصُ الكاميرات بمكتبه..صمتت بعدما أيقنت أنَّه هناك، قطعَ صمتها متسائلًا:
-ميرال فيه حاجة؟.
-هتتأخَّر..أجابها بعدما دلفَ شريف:
-يالَّه..أه هبات في الشغل.
-تمام..قالتها وأغلقت الهاتف، ثمَّ ألقتهُ على طولِ ذراعيها:
-يعني مكنتش هعرف لولا اتَّصلت ياإلياس، أووف..اتَّجهت إلى فراشها، ثمَّ جلست عليه لبعضِ الدقائق تأكلُ بأظافرها من الغيظ، فتحت التلفاز وبدأت تقلِّبُ بقنواتهِ إلى أن ملَّت، ثمَّ نهضت تجذبُ روبها ترتديه، وتحرَّكت إلى غرفةِ طفلها، وجدت المربية تخرجُ من غرفته، فسألتها:
-هوَّ إسلام كان هنا في الدور؟.
أومأت لها وقالت:
-أيوة..أستاذة غادة كانت جايبة بيسكل ليوسف، وأصرت يطلَّعها أوضته.
-تمام روحي نامي في أوضتك، أنا هبات مع يوسف.
-حاضر يامدام.
دلفت إلى غرفةِ طفلها، وجدتهُ مستغرقًا بنومه، نظرت إلى الساعة وجدتها تخطَّت الثانية عشر..جلست بجوارهِ وبدأت تمسِّدُ على خصلاتهِ بابتسامة، يشبهُ والدهِ كثيرًا، كأنَّه قطعةً مصغَّرةً منه..نزعت روبها وتمدَّدت بجواره، متكئةً على مرفقيها، شعر الصغيرُ بها:
-ماما..حضرتك نايمة هنا ليه؟.
انحنت تقبِّلُ رأسه:
-بابا هيبات في الشغل، ممكن تستضيف مامي الليلة؟..أومأ بابتسامةٍ وذهب بنومهِ مرَّةً أخرى، ظلَّت كما هي إلى أن غفت بجواره
بعد عدَّةِ ساعاتٍ عاد إلى المنزلِ قبيلَ الفجر، كان يعمُّ الهدوء سوى من صوتِ فريدة بقراءتها القرآن..وصل إلى جلوسها:
-صباح الخير ياماما.
صدَّقت مغلقةً المصحف ورفعت عينيها إليه:
-صباح الخير حبيبي، إنتَ كنت مبيِّت برَّة؟..
جلس بجوارها يهزُّ رأسهِ بإرهاق:
-أه..كان عندي ضغط شغل، قاعدة في البردِ ليه؟.
-كنت بصلِّي القيام، نزلت شربت قهوة، وقولت أقرأ شوية في المصحف بعيد عن بابا علشان ماأقلقشِ منامه.
تراجع بجسدهِ وأغمضَ عينيهِ يفركُ جبينه:
-كويس..
ربتت على ساقيه:
-قوم ريَّح في أوضتك..
اعتدلَ يهزُّ رأسه:
-هطلع آخد شاور لحدِّ مالفجر يأذِّن، بعد إذنك..قالها وصعد، فتح باب غرفتهِ بهدوءٍ ظنًّا أنَّها تغفو، دلف للداخلِ وقعت عيناهُ على خلوِّ الفراش، اقتربَ منه وجدهُ باردًا، دلف إلى الحمَّامِ ولكنَّها غير موجودة، وجد هاتفها ملقيًا بإهمالٍ على الأرضية، سحبهُ وفتحهُ وجدهُ مغلقًا على مكالمته، تحرَّك للخارجِ متَّجهًا نحو غرفتها القديمة، وجد السرير مرتَّب، أدركَ أنَّها لم تأتِ إلى هنا ..
اتَّجه إلى غرفةِ طفله بخطا ثقيلة، خوفا من أن أصابها مكروه، فتح البابَ وصل إلى الفراشِ وجدها تغفو بجواره، تحتضنهُ وكأنَّ احدًا سيخطفهُ منها...
وقعت عيناهُ على روبها الملقى جوارَ الفراش، ثمَّ رفع الغطاءَ ليظهرَ جسدها أمامهِ باستفاضة، انحنى وحملها برفقٍ عكس مايعتملُ بداخله..شهقت حين شعرت به، ففتحت عينيها بارتباك:
– إلياس...
لم ينطق، وتحرَّك بها، دخل غرفتهم وأغلق البابَ بقدمه، متَّجهًا ناحيةَ السرير، وضعها عليهِ بحركةٍ خشنةٍ مقيتة، ثمَّ حاصر جسدها بين ذراعيه، يلتهمُ تفاصيلها بنظراتهِ الغاضبة، وعيناهُ تستقرُّ على فتحةِ قميصها، وحمالاتهِ التي انزلقت من دونِ وعيٍ منها.
– بصِّي لنفسك كدا...أنا لاقيكي بالمنظر ده، نايمة جنب ابنك!
قالها بنبرةٍ جليدية، ورغم ذلك إلَّا أنَّ كلماتهِ تحملُ نيرانًا تلسعُ كرامتها.
– تخيَّلي لو صحي وشافك كدا... هيرسمك إزاي في خياله؟! إنتي فاهمة إنتي عملتي إيه؟!
نظرت إلى قميصها بدهشة، ورفعت عينيها إليه بجرح:
– بس مكنشِ باين حاجة...دا إنتَ الِّلي شلتني ورميتني فظهر..
ضحكَ بمرارة، ونظراتهِ إليها كالصفعات:
– يعني إنتي حاسة بنفسك وإنتي نايمة؟ وواعية على حركاتك؟..
ظلَّت عيناهُ تخترقانها، حتى نطقت بصوتٍ ضعيف:
– إلياس دا ابني! مستحيل يفكَّر بعقلِ الكبير، دا لسه صغير...خمس سنين!
– ميرال...ليه دايمًا بتخلِّيني أرجع لإلياس السيوفي ؟ ليه بتطلَّعي أسوأ ما فيَّ؟
قالها بوجعٍ خفيّ، كأنَّه بيستنجدُ بيها إنَّها تفهمه...لكنَّها كانت غارقةً في وجعها هي الأخرى
– يمكن علشان زعلانة منك انك رفضت اروح معاكم، او علشان دايمًا حاسَّة إنِّي مجرد ظل في حياتك...حتى مكالمة تقول إنَّك مش راجع، مهنتش عليك.
اعتدلت، تشيرُ إلى نفسها كأنَّها تتعرَّى أمامهِ بكلِّ وجعها:
– ورغم كدا حبيت اعمل ليلة خاصة بيتا وجهَّزت نفسي وراسمة خيالات وقاعدة منتظرة جوزي بالساعات، بس هوَّ ولا هنا.. قالتها وتحركت لغرفة ملابسها
أغمضَ عينيه، وأنفاسهِ تتسارع...يحاولُ يمسكُ بتلابيبِ آخرِ ذرَّةٍ من عقله..
راقبها وهي تدخلُ الغرفةَ الأخرى، ثمَّ خرجت بعد دقائق، مرتديةً بيجامةً ثقيلة، تمسكُ بها كدرعٍ هش، وأشارت إلى نفسها بصوتٍ خافت:
– عندك حق..أنا غلطت، ولبسي كان مش لائق، بس أهو كدا حلو، كلِّ حاجة متغطية..آسفة..
عايز تعاقبني؟ براحتك بس خلِّيها لبكرة..أنا وعدت ابني إنِّي هبات جنبه... مش عايزة يصحى الصبح يزعل منِّي..
قالتها وتحرَّكت نحو الباب، عيناها تمتلئانِ بالدموع، لكنَّها توقَّفت عند صوتهِ الذي جعلها تتجمَّدُ بمكانها:
– لمَّا أموت ومابقاش موجود في الحياة، يبقى باتي في حضنِ ابنك.
قالها، ثم توجَّه إلى الحمَّام...وترك خلفهِ روحها التي انتفضت برعبٍ من كلماته..شعرت بالغضبِ من حديثهِ وكأنَّه وضع جمرةً ناريةً بصدرها، تحرَّكت خلفهِ إلى الحمَّام وجدتهُ نزعَ ملابسهِ ودخل إلى كابينةِ الاستحمام ورغم أنَّه يواليها بظهره، ولكنَّهُ تشنجَ جسدهِ الغاضبِ يصرخُ بوضوح، تحرَّكت للخارجِ وجلست لبعضِ الدقائقِ مع ارتفاعِ أذانِ الفجر، استغفرت ربَّها، ونهضت متَّجهةً إلى الحمَّامِ الآخر، دقائقَ وخرجت تفردُ مصلَّاها، وقامت بأداءِ فريضتها، أمَّا هو فخرجَ يبحثُ عنها، شعر بقبضةٍ تعتصرُ صدرهِ حينما ظنَّ أنَّها لم تكترث لحديثهِ وخرجت لطفلها، دلف إلى غرفةِ الملابسِ ولكنَّه توقَّف بعدما وجدها بمصلاَّها، ارتدى ملابسهِ وتحرَّك لأداءِ صلاةِ الفجر..
عاد بعد فترةٍ وجدها مازالت تجلسُ تقرأُ الأذكار، نزع كنزتهِ الشتويةِ وتمدَّدَ على الفراش..
نهضت من مكانها واتَّجهت إلى خزانتها ترتدي ثيابًا ملائمةً للنومِ بجواره، توجَّهت نحوه ِبصمتٍ واتَّجهت إلى الجهةِ الخاصةِ بها.. رفعت الغطاءَ وهي تراقبُ صمته، كان ينامُ على ظهرهِ يضعُ كفِّه فوق عينيهِ المغلقتين، وكأنَّه يشعرُ بالصداع..
دنت من نومهِ ودون حديث، وضعت رأسها على صدرهِ تحتضنُ جسده، بسط كفِّه وأغلقَ الإضاءةَ ثمَّ اتَّجهَ إليها معتدلًا بنومهِ ليسحبها لأحضانه، تدفنُ نفسها كأنَّها تختبىُ من العالم هنا..
قبلةٌ حانية، دافئة، استقرَّت فوق رأسها برفق…لم يكن بحاجةٍ لكلماتٍ حين همست بصوتٍ خافت:
– مش هسامحك على الِّلي قلته ليَّا..
ابتسم، ومرَّر أناملهِ بين خصلاتِ شعرها، كأنَّه يعتذرُ بلمستهِ قبل كلماته:
– آسف…عارف، انشغلت ونسيت أقولِّك، بس ده ماكانشِ أبدًا معناه إنِّك مهمَّشة في حياتي.
رفعت رأسها من بين أحضانه، ونظرت إليه بنظراتٍ كانت خليطًا من عتبٍ وحزن:
– كان نفسي نسهر مع بعض أوي النهاردة، استنيتك، علشان تحكيلي الِّلي حصل معاكم عند الجارحي.
فتح عينيهِ بصعوبة، وأردفَ بنبرةِ رجاءٍ محمَّلةٍ بوعد:
– بكرة أحكي لك كلِّ حاجة…دلوقتي نامي، مش قادر أفتح عيوني..
رفعت كفَّيها إلى وجهه، تمرِّرُ أناملها برقَّةٍ على ملامحهِ الرجولية، تريدُ أن تحفرها بقلبها، ثمَّ اقتربت، و طبعت قبلةً قربَ شفتيه، خفيفةً كنسمة، وعادت تندسُ بأحضانه، مطمئنة، وكأنَّ لا شيء في العالم سواه..تهمسُ بخفوت:
-ربِّنا مايحرمني منَّك..
مرَّت ساعاتٍ بنومهِ إلى أن أيقظهُ رنينُ هاتفه، مدَّ يدهِ إليه بكسل، وأجاب بصوتٍ خفيضٍ ممزوجٍ بالنوم، ليستمعَ إلى صوتِ أرسلان:
– إلياس..إنتَ فين؟ رُحت المكتب، مالقتكش…
– إجازة…قالها ببساطة، وأغلقَ الخط.
أعاد الهاتفَ مكانه، ثمَّ مالَ نحوها من بعد ماشعر بثقلِ رأسها على صدره..طالعها بعينٍ تفيضُ بالعشق، كانت تغفو بعمق، تلتفُّ بذراعها حول جسده، وخصلاتها متناثرة بعشوائية على صدره، ابتسمَ حينما تذكَّر كلماتها على نومها بهذا الشكل:
-اخلع...برقت عيناهُ مرَّة ثمَّ ارتفعت ضحكاته:
-دا انفلات رسمي ولَّا إيه..لكزتهُ في صدرهِ وقالت:
-لا ياحبيبي مش الِّلي في دماغك، أنا قصدي اخلع التيشيرت.
-ليه مش عاجبك؟.. عايز أنام ياميرال مش وقت هزار ..
لم تدعهُ يتمادى في حديثه، وزحفت فوق السريرِ على ركبتيها تهمهم:
-أنا ليه بطلب منَّك أصلًا، دا حقِّي، قالتها وهي ترفعُ كنزتهِ البيتية واكملت:
-مفيش راجل بينام كدا، إيه البرود دا..
نزع كنزتهِ وحاول منعَ ابتسامتهِ من عصبيَّتها المفرطة، ثمَّ قال:
-أكمِّل ولَّا كدا كويس؟..دفعتهُ على الفراشِ بقوَّةٍ وانحنت تغلقُ الإضاءة:
-نام ياحضرةِ الظابط، وسبني أنام زي أيِّ ست بتنام في حضنِ جوزها.
صمتَ يراقبها باستمتاع، اقتربت تضعُ رأسها فوق صدرهِ وأغلقت عينيها تتمتم:
-أوَّل مرَّة أحسِّ إنِّي متجوزة..
ارتفعت ضحكاتهِ بالغرفة، يسحبها لأحضانه، ثمَّ همس بجوارِ أذنها:
-طيب ماتيجي نعمل تجربة بعد النوم بطريقة النوم الجديدة..
-نام ياإلياس..
-طب واللهِ ماهيحصل، لازم أجرَّب، علشان احس بالاختلاف قبل جوازك وبعد جوازك
خرج من شرودهِ مع ابتسامةٍ أنارت وجهه، ثمَّ مدَّ يده، يمرِّرها على وجنتيها بهدوءٍ يخشى أن يوقظَ جمالها من سباته..ولكنَّها
فتحت عينيها على مهل، مع ابتسامتها كضوءِ الفجر، لتخترقَ روحهِ بلا استئذان..ثمَّ تعلَّقت عيناها بعينيه:
-صباح الخير...جذبتهُ تلك النظرة، ذلك الصوتُ الدافئ، اقتربَ بصمتٍ مجنون، ليغمرها بذراعيهِ يريدُ أن يغرقَ في جنَّته..
اقتربَ واقتربَ منها كالمأخوذ، يحتضنها بشغف، يستنشقُ عبيرها ليشعرَ أنَّه قديسًا يتعبَّد على شفتيها. لحظات، بل دقائقَ عاشاها في جنونٍ عشقيٍّ متبادل...
قبَّلها كما لو لم يقبِّلها من قبل، تنهيدةُ شوق، لهفةُ رجلٍ لا يرتوي، حاولت الحديث، ولكن قُطعَ همسها..لم يعد مسموعًا، بل صارَ أنفاسًا تختلطُ بأنفاسه.
فترة، لم تُقَس بالزمن بل بنبضٍ اشتعلَ بينهم، قبل أن يبتعدَ عنها أخيرًا، ببطء، كأنَّه ينتزعُ روحه..يقاوم جموحه، يخشى أن تفقدَ وعيها بين ذراعيه..
خجلت كثيرًا، بعد همهماتها ببعضِ الكلمات ،ولم تقوَ على النظرِ إليه، لتدفنَ رأسها بعنقهِ دون أن تنطقَ حرفًا..
صمتٌ دام لدقائقَ ورغم صمتهم إلَّا أنَّ أنفاسهم تملأُ الغرفة ضجيج، جمعَ خصلاتها على جنبٍ ورفعَ رأسها:
-لسة زعلانة منِّي؟..صدَّقيني انشغلت ونسيت أكلِّمك..
-خلاص..همست بها بتقطُّع، ثمَّ انحنت تجذبُ روبها:
-هقوم أجهز علشان أروح أحضَّر يوسف لحضانته، قالتها وهي تستديرُ لتنزلَ من فوقِ الفراش، إلَّا أنَّه منعها وهو يقبضُ على كفِّها:
-مش عايز الِّلي حصل مع يوسف يتكرَّر، الولد مبقاش صغير.
-عارفة، معرفشِ ممكن كنت مضايقة وماأخدتش بالي، ودي أوَّل مرَّة، أنا بعمل حساب لكلِّ حاجة، حقيقي معرفشِ إزاي فاتتني الحكاية دي..
احتضنَ وجهها وطبعَ قبلةً فوق جبينها:
-ربِّنا يخلِّيكي لينا، لو مش قادرة هكلِّم النانا تجهِّزه..
هزَّت رأسها بالرفض وقالت:
-لا..ابني أنا الِّلي أجهِّزه لحضانته، دا ابني مش ابنِ حدِّ تاني، مش عايزة أبعد عن أيِّ حاجة تخصُّه.
-ميرال مش ناوية ترجعي شغلك؟.
ارتدت روبها وأحكمت إغلاقه:
-اتكلِّمنا كتير ياإلياس في الموضوع دا، أنا قرَّرت وخلاص، وعلى فكرة أنا قرَّرت أجيب أخ أو أخت ليوسف..قالتها وتحرَّكت إلى الحمَّام..
بمنزل يزن..
قبل قليلٍ دلف للداخلِ يحملُ طفلهِ الذي لم يصمت عن البكاء، ويسحبُ حقيبةَ ملابسهم..
أشار إلى الداخل:
-هتناموا الليلة في أوضتي، مكنتش عامل حسابي، لحدِّ بكرة لمَّا أشوف هعمل إيه..
دلفت متَّجهةً إلى غرفةِ إيمان وقالت:
-هنام في أوضة إيمان، مش هدخل أوضتك..رفعت رأسها وتقابلت العيون قائلة:
-أذينا بعض كتير، أتمنَّى تحترم رغبتي وتخلِّيني على راحتي.
-اقتربَ منها وأردفَ بنبرةٍ ممزوجةٍ بالعتابِ والحزن:
-للأسف يارحيل الأذى مطلناش بس، طال ولادنا، بصِّي وشوفي ابنك خايف منِّي إزاي، عمري ماهسامحك على نظرات الولد دي..
قالها واتَّجه للداخل، وضعهُ على فراشِ إيمان ثمَّ قال وهو يواليها ظهره:
-الأوضة دي صغيرة عليكم، بس بدل إنتي مرتاحة مش هقدر أعارضك.
خرج ووقفَ عند عتبةِ الباب وقال:
-أيِّ حاجة محتاجاها للولاد عرَّفيني وهنزل أجبها في أيِّ وقت.
استمعَ إلى رنينِ هاتفهِ فخرج وهو يرفعهُ إلى أذنه:
-أيوة ياإلياس؟.
-عملت إيه؟..
سحب نفسًا وقال:
-كنت عارف إنِّ عندي أولاد مش كدا؟.
-ميخصنيش يايزن، المشاكل الخاصة دي ماليش أدخل فيها، حاول تهدى وتحلِّ مشاكلك علشان ولادك، لو احتاجت حاجة كلِّمني.
جلس على المقعدِ بالخارجِ ورجع بجسدهِ مستندًا على الجدارِ وأغمض عينيهِ مع بكاءِ الطفلِ بالداخلِ ومحاولاتِ رحيل في إلهائه..نهض من مكانه واتَّجه إليها وجدها تحملهُ وتربتُ بكفَّيها على طفلتهِ التي تحملُ الببرونة وتضعها بفمها، اقتربَ منهم وانحنى يحملُ الطفلة وقال:
-أنا ههتمِّ بيها، وإنتي خلِّي بالك من الولد..استدار وتحرَّك بعض الخطواتِ ثمَّ توقَّف مستديرًا وتساءلَ بلسانٍ ثقيل:
-الولد آسر، والبنتِ اسمها إيه؟.
شعرت وكأنَّ أحدهم يغرزُ خنجرًا بصدرها، من نبرةِ صوتهِ المتألِّمة، ضمَّت الطفلَ وقالت بخفوت:
-رولا...مسَّد على خصلاتِ الطفلةِ البنية، تشبهُ والدتها كثيرًا ثمَّ همسَ اسمها بعيونٍ محتجزةٍ بالدموعِ تحت أهدابها:
-رولا..
داعبتهُ الطفلةُ بابتسامةٍ فقرَّبها وقبَّل جبينها، إلى أن استمعَ الى صوتِ رحيل:
-آسر ورولا يزن إبراهيم السوهاجي.
أطبق على جفنيهِ وكم من آهاتٍ تخترقُ روحه، ولم يشعر بتلك الدموعِ التي تسلَّلت على وجنتيه، لا يعلمُ أهيَ دموعُ فرح أم دموعُ حزنٍ ومواساة..
خرج دون حديثٍ بينما هي ظلَّت بمكانها والألمُ يعصف بكيانها، تعلمُ أنَّها أخطأت، ولكن ماذا عن مافعله بها..
بعد فترةٍ غفا طفلها، وضعتهُ بالفراشِ ودثَّرتهُ جيدًا، ثمَّ خرجت تبحثُ عنه، خطت إلى غرفتهِ وجدتهُ غافيًا على فراشهِ يضعُ الطفلةَ فوق صدرهِ ويضمُّها بذراعيهِ كأنَّ أحدهم سيختطفها..اقتربت بهدوءٍ حتى لا توقظَ أيِّ أحدٍ منهم، ظلَّت متوقِّفة، تسبحُ بعينيها فوق ملامحهِ الرجولية ، هزَّةٌ عنيفةٌ أصابت جسدها وذكرياتٍ تمرُّ أمام عينيها من علاقتهما، قلبًا ينتفضُ بغضًا على مايحدثُ بينهما، وعقلًا يصفعُ دون رحمةٍ على كرامتها التي أُهدرت، وياأسفاه عن حربٍ بين القلبِ والعقلِ ليصفع العقلُ القلبَ ويجتازه، انحنت تحملُ الطفلةَ من بين ذراعيهِ بهدوء، فتحَ عينيه، اعتدل سريعًا بعدما وجدها
حملت الطفلةَ وخرجت دون أن تنطقَ شيئًا..
جلس على فراشهِ يمسحُ على وجههِ مستغفرًا ربَّه، ثمَّ نهضَ يجذبُ سجائرهِ وتحرَّك إلى الشرفة يتَّصل بإخوته:
-أيوة ياطارق معاذ ورؤى عاملين إيه؟.
كانت رؤى تقفُ تجهِّز الكيك فصاحت بالهاتف:
-بنعمل كيك يايزن، تعالَ علشان تدوق..
-تسلم إيدك حبيبتي، معاذ فين؟.
ردَّ طارق الذي يساعدُ رؤى بوضعِ محتويات الكيك:
-بيلعب بلاي استيشن.
-خلِّيه ينام بقى ياطارق عنده مدرسة الصبح هوَّ مبقاش صغير..
-حاضر...صوتك ماله، ولادك كويسين؟.
-أه الحمدُ لله، يبقى عدِّي عليَّا الصبح علشان ننزل نشوف بيت لينا كلِّنا، مينفعشِ كلِّ واحد منِّنا في مكان..
-حاضر.
استمعت إلى حديثه، فتنهَّدت بألمٍ يسكنُ أعماقها...يبدو أنَّ المعاناة كُتبت عليها قدرًا أزليًا..
صوتُ الرعدِ دوى في السماء، فاندفعت نحو النافذة، تحدِّقُ في زخَّاتِ المطرِ المنهمرة.
رفعت رأسها للسماءِ هامسةً برجاءٍ صادق:
"يارب، اكتب لي السعادة وراحةِ البال..."
ظلَّت تنظرُ في المطر، وابتسامةً هادئةً شقَّت وجهها، تهمسُ لنفسها:
"ياالله على نعمك الِّلي مش بتخلص."
شعرت بوجودهِ خلفها، تحدَّثَ بنبرةٍ بها بعضًا من الحدَّة:
– ادخلي، الجوِّ برد وهدومك خفيفة، تتعبي وتعدي الولاد..
لم تلتفت، ظلَّت تعطيهِ ظهرها، وعلى ثغرها تلك الابتسامة الصغيرة، فمرحبًا بمكرك أيها الزوجُ الذكي...
استدارت واقتربت منهُ بخطا ثابتة:
– متخافشِ على الولاد، أنا عندي مناعة من كلِّ حاجة...بدليل إنِّي قبلت وجودك تاني.
ابتسامةٌ ماكرةٌ علت وجهه، وهزَّ رأسهِ ساخرًا:
– عارف...البرود الِّلي فيكي ممكن يتصدَّر برَّا البلد.
ثمَّ اقترب وهمسَ بجوارِ أذنها:
– يارب تعدميه يازوجتي الصفرا.
قالها ومضى للداخل.
أمَّا هي...فتصلَّبت مكانها، كأنَّ الجليدَ قد أصابَ أطرافها..لا تدري إن كان التجمُّد من كلماتهِ القاسية أم من قربهِ الذي لا زال يربكها.
دخلت الغرفة، تطالعُ طفليها النائمينِ كملائكة، اقتربت منهما ببطء، تمدَّدت بجوارهما، واحتضنت صغيرتها فوق ذراعها.
لأوَّلِ مرَّة، غفت، وراحة غريبة تسلَّلت إلى قلبها.
مع صباحِ اليومِ التالي، استيقظت على ضرباتِ صغيرها على وجهها..
فتحتهما فزعة، تبحثُ بعينيها عن ابنتها...
خرجت مسرعة، لتجدهُ جالسًا، يحملُ الصغيرة ويُطعمها، وضحكاتهم تتعالى، وأنفهِ يلامسُ وجهها بمداعبةٍ حانية..
- حبيبة بابا...يلَّا يارولي.
- بابا..
صفَّقت الصغيرة بيديها، وهي تردِّدُ كلمتها الأولى.
رفعها عاليًا، وضحكةٌ دافئةٌ خرجت من عمقِ قلبه.
اقتربت منهما، تحدَّثت بلهجةٍ حادَّة:
– أنا كلِّمت المربية، جاية في الطريق.. مش هقدر على الولاد لوحدي.
لم يرد، واكتفى بإطعامِ الصغيرة وعيناهُ تلاحقُ خطواتها..
– شبعتي ياحبيبة بابا؟ يلَّا ننزل نتمشَّى شوية...
هزَّت الطفلة رأسها بسعادة، لا تفهم مايقوله، لكنَّها تشعرُ بالأمان..
- أنا بكلِّمك على فكرة، وبعدين إزاي تدخل عليَّا وأنا نايمة؟!
– الفطار في المطبخ، والقهوة والشاي...أكيد عارفة مكانهم.
ثمَّ أردفَ ببرود:
– أنا هنزل مشوار مع طارق، أتمنَّى لما أرجع، ما أدورش عليكي.
اقتربَ منها، يتعمَّقُ في عينيها:
- هجيبك...وساعتها همسح وجودك من حياةِ الولاد.
لم تصمت، صفعتهُ بكلماتها:
– على فكرة، أنا جاية برضايا، محدش غصبني..ولو عايزة أمشي، مفيش حد هيقدر يمنعني.
ثمَّ حدَّقت فيه:
– بس أنا بحاول أتحمِّلك، علشان الولاد وبس، وهات البنت، هتاخدها فين؟ الجو برد.
لم يرد..التفتَ وغادر قبل أن تنفجرَ بينهما المعركة.
بمكتبِ إسحاق:
أنهى عملهِ وجمع أشيائهِ وتحرَّك للخارجِ وهو يهاتفُ زوجته:
-دينا اجهزي قدَّامي نصِّ ساعة وهعدِّي عليكي، تكوني جاهزة إنتي وحمزة..
كانت تنظرُ للَّذي بيديها بسعادةٍ فنطقت والفرحة تغمرُ قلبها:
-مش هتأخَّر، وإنتَ كمان عندي لك خبر حلو.
-حاضر..قالها وصعدَ إلى سيارتهِ ليصلَ إلى وجهتهِ بعد دقائقَ معدودة، دلف إلى غرفتها وجدها منكمشةَ على المقعد، تنظرُ للخارجِ بشرود، لقد فقدت الكثير من الوزن، اقتربَ منها وسحبَ مقعدًا وجلس بمقابلتها:
-عاملة إيه ياأحلام هانم؟.
رفعت عينيها الذابلة ونظرت إليه بابتسامةٍ باهتة:
-ياااه يابنِ الجارحي لسة فاكر إنِّ ليك أم؟!.
مطَّ شفتيهِ ونظر للخارج:
-أم..همشي مع كلامك يامدام أحلام، فين الأمِّ دي، الِّلي اتجوِّزت بعد ماأبويا مات بشهور العدَّة، ولَّا الِّلي شاركت في قتلِ جوزها، ولَّا الِّلي قتلت حبيبة ابنها علشان مش قدِّ المقام..انحنى يغرز عينيهِ بعينيها..ولَّا الِّلي دمَّرت صفية وخلِّت الدكتورة تدلها علاج يدمَّر الرحم علشان متخلفش، ولَّا موِّتت مرات ابنها بسكتة قلبية بعد ماأجبرتها تفضح ضرِّتها، ولِّا الِّلي حاولت تقتل شاب بريء تهمته إنِّنا حبيناه واتعلَّقنا بيه، تعرفي من وقت ماأرسلان دخل البيت والنعيم كلُّه اتكتب للعيلة وإنتي وقتها قولتي..الواد دا وشُّه خير أوي يافاروق من وقت ماربِّنا رزقك بيه وكلِّ حاجة حلوة بتحصلِّنا، بس تسكتي لا.. تقعدي تحفري وتحفري لحدِّ ماعرفتي الحقيقة، تفكَّري زي أيِّ أم عاقلة وتواجهي ولادك وتحاولي ترضيهم، لا تجرِّي عليه ناس علشان يقتلوه، إزاي إنتي أم وعندك قلب معرفش، ابنك كان هيموت مرِّتين ورغم كدا متعظتيش، ليه يامدام أحلام، عايز أعرف ليه كلِّ الوجع الِّلي سببتيه للكل؟.
-علشان بكرهكم..قالتها صارخة وهي تدفعُ المقعدَ بعنفٍ واتَّجهت إليه كالمجنونة:
-كنت لسة صغيرة، وعايزة أكون زي أيِّ بنت تتحب وتحب، بس أبويا إزاي يقبل كدا، لا البنت لازم تجيب لأهلها العزّ والجاه، حرمني من حبيبي وجوِّزني أبوك بالغصب، دا كلُّه علشان العزِّ والفلوس..انحنت تنظر بمقلتيهِ بغضب:
-أقولَّك سر ياإسحاق، أنا كنت متجوزة عرفي قبل أبوك، وكنت حامل، بس أبويا سقَّطني علشان أتجوِّز أبوك، شوفت أنا حياتي ادمَّرت بسبب أبوك إزاي، روحتله عيطت وقولتله أنا بحبِّ واحد مش عايزة أتجوِّزك، ارفض الجواز إنتَ راجل، وقتها ضحك وقالِّي الجواز مصالح ياأحلام، ولازم العيلتين يكبروا، قولته أنا متجوزة ورغم كدا وافق أنُّه يخطف واحدة من جوزها..
اعتدلت وصفَّقت بيدها:
-الله الله، الباشا قدَّام الكلِّ ابنِ ناس محترمين، ومعايا الوشِّ التاني، طلب منِّي عايزة تطلَّقي عايز وريث، وهوَّ عنده حق إمبراطورية الجارحي لازم وريث، رضيت وجبت فاروق وهوَّ مكتفاش بكدا، كلِّ ليلة بيعاملني كالجارية، عارف ليه علشان روحت للمحامي ورفعت قضية طلاق عليه، إزاي حد من عيلةِ الجارحي يترفع عليه قضية طلاق، رغم أنُّه وعدني لمَّا أخلِّف هيطلَّقني، مقدرتش أعيش معاه وقلبي مع راجل تاني، بس كان جبروت..أبوك دا كان جبروت وإنتَ شبههُ، أنا بكرهك علشان شبه أبوك، أنتوا الاتنين شبه بعض، طردني في عزِّ البرد بقميص نومي علشان رفضت أخلِّف منُّه تاني، تطلَّعت إليهِ ببكاء:
"إيه، مصدوم؟
أه، أبوك الملاك طردني بقميص نوم علشان رفضت أجيب ولاد بعد فاروق،
ولمَّا رحت أشتكي لأبويا، ضربني ورجَّعني له تاني،
وبعدين اكتشفت إنِّي حامل فيك،
كنت كلِّ ليلة أدعي ربِّنا يخلَّصني منُّه،
أنا مقتلتوش، أنا طالبت بحقِّي
ياإسحاق باشا...
وهو مارعاش إنِّي مغصوبة على الجواز، أه، كنت بقابل الراجل الِّلي حبِّيته، وكان عارف ومكنشِ يقدر يتكلِّم، ما هو خلاص بقى عضو في البرلمان... لازم يبعد عن الفضايح،
وفي الآخر جاي تحاسبني؟
أنا عملت دا كلُّه علشان اتحرمت منُّه،
أه، أنا الِّلي بعتِّ ناس يقتلوا حبيبتك، علشان تدوق طعم الحرمان،
وأنا الِّلي خطفت دينا وابنك...
كنت بعاقب أبوك، كان عايز ولاد؟
يجي ياخد ولاده الِّلي ضيَّع شبابي وحياتي بسببهم!"
– "بااااااس! مش عايز أسمع حاجة... انتي مستحيل تكوني أم!"
– "وأنا مش عايزة أشوفك تاني،
يالَّه، اطلع من هنا، خليهم يزوِّدوا جلسات الكهربا،
متفكرشِ بالِّلي بتعمله هنسى عمايلك وعمايل أبوك...
أنا بكرهك ياإسحاق...بكرهك!"
تحرَّك بخطواتِ مترنِّحة، وكأنَّ الأرضَ ترفضُ احتواءه..كان حديثها صوتَ عويل، نافذًا كالصراخِ في قبر، يكادُ يصيبهُ بالصمم.
ومضت أمام عينيهِ مشاهدَ من الطفولة، ذكرياتٌ مشوَّهة محفورة في جدرانِ ذاكرته، كأنَّها أشواكٌ تُنبتُ ألمًا متجدِّدًا.
هزّ رأسهِ رافضًا حديثها الذي تسلَّل كسمِّ الثعبانِ يخترقُ الجسدَ ويحرقُ الدم.
وصل إلى سيارته، جسدهِ كتلةً نارية، لو لامست شيئًا لأحرقته.
جلس يلهث، أنفاسهِ تتلاحق، ووجههِ مسودَّا كأنَّه يختنق..
رفع أناملهِ ليدلِّكَ صدره، وأسندَ رأسهِ للخلف، ودمعةٌ شقَّت طريقها من جفنهِ بصمت..
ما الذي استمعَ إليه؟!.. قاد سيارته يكاد يرى الطريق بصعوبة، بسبب تشوش رؤيته
وصل بعد فترةٍ إلى منزله، ترجَّل من السيارةِ يشعرُ بالاختناق، فتح البابَ بهدوء، قابلهُ حمزة:
-بابي جه..رسم ابتسامةً أمام ابنهِ وقال بنبرةٍ حاول أن تخرجَ متَّزنة:
-أهلًا حبيب بابي، مامي فين؟.
استمعَ إلى خطواتها، رفع عينيهِ ينظرُ إلى طلَّتها، كانت كالقطرةِ الندية التي سقطت فوق قلبهِ لتروي عطشه، خطت إلى وقوفهِ بعدما شعرت بأنَّ به شيئًا، فأشارت إلى حمزة:
-حبيبي يالَّه قولُّهم ينزِّلوا الشنط..
-حاضر يامامي..اقتربت تحتضنُ ذراعه:
-إسحاق مالك؟..وشَّك عامل كدا ليه؟.
-ينفع نأجِّل السفر لبكرة مش قادر..
جذبتهُ وصعدت إلى غرفتهم، دخلت الغرفة بجوارهِ وساعدتهُ على تبديلِ ملابسه، ثمَّ جلست أمامه:
-انسى أيِّ حاجة، أنا مش فارق معايا السفر، المهمِّ احكي لي إيه الِّلي حصل؟.
عايز أنام، ممكن تسبيني أنام شوية؟.
هزَّت رأسها بالرفض واحتضنت وجهه:
-أوَّل مرَّة كنت بالحالة دي لمَّا أرسلان كان بين الحياة والموت، إيه الِّلي حصل معاك؟..علشان خاطري تحكي لي ..
-دينا أنا تعبان مش قادر أتكلِّم، لو سمحتي..أومأت بعدما وجدت إصرارهِ ودثَّرتهُ بالغطاء، ثمَّ نزلت لبعضِ الدقائق:
-حمزة اطلع أوضتك حبيبي مفيش سفر النهاردة، لو عايز تروح بيت عمُّو شوية خلِّي حد من البودي جارد يوصَّلك.
-بابي كويس يامامي؟..انحنت تقبِّلُ رأسه:
-أيوة حبيبي هوَّ بس عنده شغل النهاردة ومش هينفع يسافر، إيه رأيك نأجِّل السفر خالص لحدِّ ماتخلَّص امتحانات علشان نقعد كتير هناك؟.
-أوكيه مامي.
ظلَّت تراقبُ ابنها إلى أن صعدَ غرفته، ثمَّ أمرت الخدم بتجهيزِ الطعام، واتَّجهت إلى زوجها، دلفت للداخلِ وقامت بتغييرِ ثيابها، انتقت شيئًا يحبُّهُ زوجها وارتدتهُ ثمَّ اتَّجهت إلى الفراش وتدثَّرت بجواره، ظلَّت تداعبُ خصلاتهِ إلى أن غلبها النوم، بعد فترةٍ استيقظَ يشعرُ بألمٍ برأسه، اعتدل بعدما حرَّر ذراعهِ من حول جسدها، فتحت عينيها على تحرُّكه:
-صحِّ النوم..قالتها ونهضت تستندُ على كتفه، أغمضَ عينيهِ وقال:
-عندي صداع، كلِّمي البنات يطلَّعوا حاجة للصداع.
أدارت وجههِ وتذمَّرت بعبوس:
-أنا زعلانة منَّك على فكرة، من وقت ماجيت وإنتَ مكشَّر، حتى ماخدتش بالك من الِّلي لبستها..
تجوَّل بعينيهِ على جسدها، شقَّ ثغرهِ ابتسامةً ليجذبها لأحضانهِ وطبعَ قبلةً فوق رأسها:
-آسف على فكرة، وبعدين إيه الِّلي جابك تنامي جنبي، مش قولت عايز أنام لوحدي..
داعبت ذقنه، ثمَّ لمستها بحنانٍ وقالت:
-حبيت أدفِّيك، جزاتي يعني..
أفلتَ ضحكةً يشيرُ لجسدها:
-واللهِ..بقى القطعة الصغيرة دي تدفِّيني..
لكزتهُ بابتسامةٍ وأشارت إلى نفسها بفخر:
-القطعة دي متجوِّزة أحسن راجل في الدنيا ..ظلَّ ينظرُ إلى شفتيها التي تتحرَّك أثناءَ حديثها، فرفع أناملهِ يمرِّرها عليها، إلى أن توقَّفت تنظرُ لعينيه..انحنى يقطفُ ثغرها من فراولةِ حياتهِ كما نعتها بها..
احتضنت عنقهِ وهمست بتقطُّعٍ من قوَّةِ قبلتهِ وهي ترفعُ كفَّيها على بطنها:
-مبروك ياحبيبي هيبقى عندنا أخ أو أخت كمان لحمزة..
رفع رأسهِ ينظرُ إليها بذهولٍ ولم يشعر بدموعهِ التي انهمرت بلا توقُّف، ينظرُ من خلالها مرَّةً إلى بطنها ومرَّةً إلى وجهها..لحظاتُ صمتٍ ولكن بدقَّاتٍ عنيفةٍ شعر بأنَّ نبضهِ سيتوقَّفُ من لذَّةِ ماأحسَّ به، لم يفكِّر كثيرًا، بل جذبها يقبِّلها بقوَّةٍ وعنفٍ وكأنَّه لم يشعر بما يفعله..
عند ارسلان
خرج من منزلهِ بعدما هاتفهُ أحدهم:
-عرفت مكانه ياباشا، بس إلياس باشا هجم على المقرِّ إمبارح وقبض على عمُّه..
-ابعتلي عنوان هشام بسرعة..
-حاضر..لحظات ووصلت إليه الرسالة،
قاد سيارتهِ بسرعةٍ جنونيةٍ إلى أن وصل إلى المكانِ الذي يختبئ به عطوة المدعو هشام.
دفع البابَ بقوَّة وطلقاتٍ من سلاحهِ لكلِّ من يقابلهُ إلى أن وصل إلى عطوة؛ الذي انتفض من مكانهِ على صوتِ الأعيرة النارية، لم يتسنَّى له الوقت ليهرب، أو يتحدَّث، ليطلقَ عليه رصاصةً استقرَّت بقدمه، وأخرى بكتفه..ثمَّ دفعهُ بقوَّةٍ بقدمهِ ليهوي بجسدهِ على الأرض يصرخُ من الألم..
تحوَّل أرسلان إلى وحشٍ ضاري كلَّما تذكَّر ماألقتهُ رانيا على أذنه، ليضغطَ بقدمهِ بعنفٍ على جرحه الذي أُصيبُ برصاصة..
-لو موِّتني يومها كان ربِّنا رحمك منِّي، بس تعرف لازم أشكرك، بس بطريقتي..
انحنى وأمسكَ كفَّيهِ ينظرُ إليه:
-شلتنا بدي ورمتنا بيها صح؟..كان ينظرُ إلى هيئتهِ بجسدٍ منتفض، ليسحبَ من ملابسهِ سلاحًا أبيضًا صغيرًا، وتناول أناملهِ واحدًا تلو الآخر يقطِّعها مع صرخاتِ الآخر..إلى أن انتهى من كفِّه، ثمَّ نظر إلى كفِّهِ الآخر مع صرخاتِ عطوة:
-دا بقى هسيبه بس لازم أعملَّها تجميل، دفعهُ بقدمهِ ونهض لدقائقَ يجذبُ شيئا ثقيلًا ومسمارًا، وقام بفردِ كفَّيه مع نظراتِ عطوة الفزعة وصرخاتهِ التي شقَّت السماء، وقام بغرسِ المسمارِ بالدقِّ فوقه ليغرزَ كفَّيهِ ويخرجَ من الجانبِ الآخر..كأنَّه شخصٌ انتُزعَت من قلبهِ الرحمة ..
سحبه يجرُّهُ على الأرض ومازالت صرخاتهِ تصمُّ الأذان..دفعه بقدمهِ ليتدحرجَ على الدرجِ إلى أن هبط لآخر سلَّمةٍ بوصولِ إلياس:
-بتعمل إيه يامجنون؟!.لم يستمع إليه ووصل إلى عطوة يجذبهُ بعنفٍ يوقفهُ يشيرُ إلى عينيه:
-أنهي عين بتشوف بيها أحسن؟.
دفعهُ إلياس يبعدهُ وأشار إلى العسكري:
-خدوه من هنا يابني..
دفع ارسلان إلياس بغضب
-إنتَ مالك بتدخَّل ليه؟..لكمة قوية من إلياس يبعدهُ بعد إصرارهِ على الوصولِ إلى عطوة ليؤذي عينيه..
-ماتهدى يارجل القانون، من إمتى وإحنا بنتعامل بإجرام، إنتَ اتجنِّنت يالا..
لم يرد عليهِ واتَّجه إلى سيارتهِ يتحرَّك بها بسرعةٍ جنونية..
مرَّت الأيام بسلامٍ إلى أن جاء يومُ حفلِ خطوبةِ إسلام وملك..
كانت حفلةُ الخطوبة تقامُ بالفيلا، حفلًا رائعًا كما هو المعتاد من تلك العائلات..
بفيلا السيوفي..
انتهت غادة من ارتداءِ ملابسها، واتَّجهت إلى غرفةِ ميرال، طرقت الباب مع غنائها كعادتها، ولكنَّها توقَّفت بعدما وجدت عبوسها:
-ميرال مالك؟..
نظرت إليها بحزنٍ ثمَّ قالت:
-إلياس لسة مرجعش، واتأخرنا.
اقتربت منها تحاولُ أن تهدِّئها ثمَّ قالت:
-ممكن يكون فيه شغل عطَّله ولَّا حاجة ، اتِّصلي بيه..
-كلِّمته كتير ياغادة، أوَّل مرَّة قالِّي نصِّ ساعة، عارفة النصِّ ساعة دول عدَّى عليها تلات ساعات.
نظرت إليها بحزنٍ وعجزت عن الرد وخاصةً بأنَّ آخرَ فتراتهِ يغيبُ كثيرًا عن المنزل..
استمعت غادة لرنينِ هاتفها فقالت:
-دا إسلام أكيد بيقولِّي أنزل علشان اتاخَّرنا..
أومأت وأشارت إليها:
-روحي حبيبتي وأنا شوية كدا لو مجاش هجي.
-تمام قالتها وغادرت، دلفت المربية:
-مدام كلِّ حاجة خاصَّة بيوسف جهَّزتها، الباشا قالِّي هننقل بعد الحفلة على البيتِ التاني.
أشارت لها بالخروجِ بصمت..
مرَّت نصفُ ساعة ومازالت بمكانها بعد اتصالِ فريدة بها:
-هجي مع إلياس ياماما، هوَّ جاي في الطريق..
دلف للداخلِ بخطواتٍ واسعة، وجدها تجلسُ على الفراشِ ووجهها لوحةٌ من الألمِ والحزن..اقترب منها فتوقَّفت تشيرُ إلى حلَّته:
-هدومك جاهزة هستناك تحت.
أمسكَ ذراعها:
-ميرال أنا..رفعت كفَّها ونظرت بساعةِ يدها:
-اتأخَّرنا ياحضرةِ الظابط، لو ناسي العريس أخوك الصغير، حتى قدَّام الناس..قالتها وتحرَّكت سريعًا للخارجِ تحبسُ دموعها كي لا تضعفَ بالانهيار..
بعد فترةٍ ترجَّلت من السيارة بجوارهِ ودلفت إلى الحفلِ الذي يحتوي على الطبقةِ المخملية، احتضنَ كفَّها ودلف للداخلِ وهي بجوارهِ تنظرُ للجميع بابتسامةٍ إلى أن وصلت إلى فريدة ومصطفى..نظر إليهِ مصطفى بعدمِ رضا على تأخيره، اقترب منه متأسِّفًا:
-كنت برَّة القاهرة ومكنتش أعرف إنِّي هتأخَّر كدا..
أشار إلى إسلام وملك:
-روح بارك لأخوك، اظهر قدام الناس الكلِّ كان بيسأل عليك.
-تمام انحنى يجذبُ ميرال وتحرَّك يهمسُ إليها:
-هنبارك لإسلام، ميرال مبحبش كدا.
تحرَّكت ولم تعريهِ اهتمام إلى أن وصلَ إلى العروسين..
بركنٍ بعيدٍ كان يتوقَّف بجوارِ زوجته:
-أرسلان عمُّو إسحاق قالَّك حاجة؟.
استدار ينظرُ إليها باستفهام:
-عن إيه؟..اقتربت تهمسُ له:
-دينا حامل، لسة قايلة لي دلوقتي.
لمعت عيناهُ بالسعادة ، فطاف بنظراتهِ يبحثُ عنه حتى توقَّفت على جلوسهِ مع بعض زملائهِ بالعمل..ربتَ على كفِّ غرام وقال:
-هشوفه غرامي وراجع.
توقَّف إسلام يرقصُ مع عروسهِ بعد تلبيسِ الدبل و جوٍّ من الفرحة تطفو على المكان..
وصل ارسلان عند إسحاق، جذب المقعد وجلس يرحِّبُ بالموجودينَ ببشاشة، رفع ذراعيهِ يربتُ على كتفِ أرسلان، ظل أرسلان يراقبُ حركاتِ إسحاق وفرحتهِ الواضحة على وجههِ تدلُّ على سلامهِ النفسي:
انحنى يهمسُ إليه بخفوت:
-مبروك ياعمُّو، عرفت من غرام إنَّك هتكون أب للمرَّة التانية.
لاحت ابتسامةٌ على وجههِ ونظر إلى مقلتيه:
-غلطان يابنِ أخويا، أنا أب للمرَّة التالتة، متفكرش تغيير اسمك دا مايثبتش إنِّي أبوك يالا..
قبَّل كتفهِ وحاوطه لتلمع عيناهُ بابتسامة:
-أحسن أب في الدنيا واللهِ ياعمُّو، ربِّنا يخلِّيك ليا ومايحرمنيش منَّك يارب..
-حبيبي ولا يحرمني منَّك.
بعد فترة..
عاد الجميع إلى منازلهم، في حين ذهب إلياس بصحبةِ ميرال وطفلهِ إلى بيته، دخلت تشيرُ إلى طفلها:
-يوسف اطلع غيَّر هدومك واغسل سنانك ونام حبيبي وبكرة مترحشِ المدرسة هتقوم تعبان علشان السهر..
-ينفع تيجي تنامي معايا.. تمتم بها يوسف
قاطعهُ إلياس ينادي على مربيته:
-خلِّيكي مع يوسف لحدِّ ماينام..قالها وصعد إلى غرفته، تنهَّدت وهي تنظر إلى صعودهِ بحزن، ثمَّ اقتربت من طفلها وحاوطت وجهه:
-حبيبي إنتَ كبرت مبقاش ينفع حد ينام معاك، حتى النانا، ياله غيَّر ونام، مامي مرهقة ومش قادرة تفتح عيونها..
-حاضر يامامي.
عند أرسلان..
جلس على السرير يراقبُ زوجتهِ التي تجلسُ أمام المرآةِ تضع المرطبات على بشرتها، توقَّفت واتَّجهت إليه مع ابتسامة:
-فرحانة أوي علشان ملك ودينا، بصراحة اليوم النهاردة كان حلو أوي.
-أممم..طيب وجوزك المسكين مش فرحانة علشانه؟.
جلست بجواره وحاوطت عنقه:
-وماله جوزي بقى إن شاءالله ماهو حلو أوي..
-غلطانة في إحساسك ياروحي، جوزك مش حلو خالص، وتعبان وزعلان، لازم تصالحيني.
قبَّلت وجنتيهِ وغمزت إليه:
-كدا حلو صالحتك..دفعها بقوَّة حتى سقطت على ظهرها تضحكُ بصوتٍ مرتفع:
-إنتي بتلعبي معايا يابت، هوَّ علشان أنا طيب بتسهبلي..
قهقهت تهزُّ رأسها ثمَّ رفعت ذراعيها تجذبهُ من عنقهِ وهمست:
-وحشتني على فكرة.
غمز بطرفِ عينيه ونظراتهِ تلتهمُ تفاصيلها:
-وأنا الِّلي كنت مفكَّرك مؤدبة..قالها يدفنُ رأسهِ بصدرها مع ارتفاعِ ضحكاتهِ بعد محاولاتها بدفعه..
بمنزلِ يزن..
ظلَّ جالسًا بالحديقة رغم برودةِ الجوِّ وسقوطِ الأمطار، نظرت من خلفِ الزجاج وجدتهُ شاردًا بجلوسهِ يدخِّنُ سيجارتهِ بشراسة، ظلَّت تراقبهُ لفترةٍ من الوقت مع ازديادِ الأمطار..سحبت نفسًا وزفرتهُ تنظرُ لأطفالها الذين غفوا بنومهم ثمَّ اتَّجهت بنظراتها إلى المربية التي غفت على مقعدها..
سحبت روبها وأيقظت المربية، لتشيرَ إليها على غرفةِ معاذ:
-روحي نامي، وأنا هفضل مع الولاد، خرجت متَّجهة إلى الغرفةِ بينما اتَّجهت رحيل إلى جلوسهِ تحت المطر..
اقتربت إلى أن توقَّفت خلفهِ مباشرة، وقعت عيناها على أكوابِ القهوة التي تجاوره:
-يزن..أغمض عينيهِ على همسها باسمهِ ودعا ربِّه أن يُنزلَ على قلبهِ سكينةً ولا يغضبها، فكلَّما تذكَّر ما فعلتهُ يريدُ أن يقبضَ على عنقها، لقد حرمتهُ من أشياءَ كثيرة، سرقت فرحة أوَّل طفل، سرقت كلمة بابا التي تمنَّاها من ابنٍ يجمعهم..دنت بخطوةٍ أخرى بعدما وجدت صمته:
- الجوِّ برد أوي وهدومك غرقت ميَّة.
-ادخلي جوَّا، مش محتاج لنصايحك، مش يمكن أموت زي مادعيتي وترتاحي..
هزَّة أصابت جسدها وشعرت بأنَّ قلبها سقطَ بين أقدامها:
-مش زي مافهمت، أنا كنت مضايقة منَّك وبقول أيِّ كلام وخلاص..
نصب عودهِ وتوقَّف مستديرًا إليها، ثمَّ اقترب ولم يعد يفصلهم سوى أنفاسهم التي تخرجُ مع برودةِ الجوِّ وقال:
-يعني إنتي خايفة عليَّا؟.
-طبعًا قالتها سريعًا دون تفكير، لوى فمهِ ابتسامةٍ ساخرةٍ ثمَّ مالَ لمستواها وهمسَ بجوارِ أذنها بأنفاسهِ الحارقة التي ألهبت عنقها:
-بس إنتي متفرقيش معايا..
قالها وسار للداخل واستطرد:
-الجوِّ برد يامدام ومش عايز الولاد يتعدوا..
هوت على المقعد الذي كان يجلسُ عليه، حينما شعرت بفقدانها القدرة على الحركة، واشتعالِ صدرها..
ظلَّت بمكانها ولم تشعر سوى بقهرتها من حديثه، بينما عنده، دلف للداخلِ يركلُ كلَّ مايقابله، ينفثُ غضبهِ بالأشياء، جلس على السرير بعدما هدأ..يسحبُ أنفاسًا ويخرجها على عدَّةِ مرَّات، ثمَّ تمدَّد على السريرِ ليذهبَ بنومه..
بينما عند رحيل ظلّّت كما هي لم تتحرَّك ولم تشعر سوى بدموعها التي أخفت وجهها، تراجعت تضعُ رأسها على المقعدِ تنظرُ إلى السماء التي مازالت ترسلُ أمطارها، ظلَّت عيناها متعلِّقةً بالسماءِ تناجي ربَّها..
بعد فترةٍ استيقظ آسر وصاحَ ببكائه، لينهض يزن بعدما ارتفع الصوتُ دون إسكاته، دلف للداخلِ وجد رولا استيقظت على بكاءِ أخيها، بحث عن رحيل ولكنَّه لم يجدها، نظر بأرجاءِ المنزل مع إيقاظِ المربية، أشار إليها على أطفاله:
-شوفي الولاد، لمَّا أشوف رحيل راحت فين..تحرَّك إلى الخارجِ ظنًّا أنَّها تركت أطفالها وخرجت، ولكن لاحت نظراتهِ تجاهَ الحديقة لتتوقَّف عيناهُ على نومها على المقعدِ وكأنَّها فقدت الوعي..
ركض إليها كالمجنون:
-رحيل..قالها بشهقةٍ وهو يحملُ جسدها المتراخي، يتَّجهُ للداخل بجسدٍ كاد أن يحملهُ بصعوبة..
وضعها على فراشه بهدوء، وجذب عطرهِ محاولًا إفاقتها، همهمت بخفوتٍ اسمه، وضع كفِّه على جبينها.. شعرَ بارتفاعِ حرارتها، اتَّجه سريعًا إلى الغرفةِ المجاورةِ وجلب ثيابًا جافة، وقام بتبديلِ ملابسها جميعًا، مع فتحِ وغلقِ جفونها بصعوبةٍ وهي بين اليقظةِ والوعي، حاوطَ جسدها حتى لا تسقطَ من بين ذراعيهِ لينهي ارتداءِ ملابسها بالكامل؛ ورغم ارتعاشةِ جسدهِ من قربها المهلك وحالتها التي قضت على كلِّ وعودهِ بمعاقبتها..
-يزن..همست بها ورأسها يسقطُ فوق كتفه، ضمَّها ورفعها فوق السرير مع ارتجافِ جسدها..
-سقعانة..دثَّرها جيدًا وجلبَ خافضَ الحرارةِ الذي يُوضعُ فوق الرأس، وبعضَ الأدوية، أعطاها مايلائمُ حالتها، وصعد بجوارها بعدما انتفض جسدها بالكاملِ بالارتعاشِ ، ليضمَّها إلى أحضانه، مرَّت ساعتين وهو بجوارها ولم يبتعد عنها، شعر بسكونِ جسدها وانخفاض حرارتها، فرد جسده بالكاملِ وذهب بالنوم..
بمنزل إسحاق..
كان جالسًا بالشرفة ينظرُ بشرودٍ ودخانِ سجائرهِ يخفي هيئته، ظلَّت تراقبهُ لفترةٍ ثمَّ نهضت من مكانها، وقررت إخراجهِ من حالته ورغم فرحتهِ بطفلهِ الثاني إلَّا أنَّهُ مازال سكونهِ وحزنه يطغى عليه، استدار بعدما استمعَ الى الموسيقى الشعبية:
-يابنتِ السلطان حنِّي على الغلبان..نظر اليها وجدها ترتدي عباءةً ضيِّقةً مفتوحةَ الجانبينِ ولكنَّها تظهرُ مفاتنَ جسدها الأنثوي باستفاضة، وظلَّت تتمايلُ بغنجٍ أنثوي إلى أن وصلت إليه تجذبهُ وتدورُ حولهِ بدلالٍ مع رقصها الشعبي..
اتَّجه إلى الهاتف وأغلقهُ ينظرُ إلى هيئتها مبتسمًا:
-مجنونة يادينا ناسية إنِّك حامل..
رفعت نفسها وحاوطت عنقه:
-ماهو حضرتك الِّلي مطنشني ياأبو حمزة، طيب متعرفشِ إنِّ الستِّ الحامل بتحبِّ الراجل الفرفوش، وحضرتك شوف عامل إزاي..
قهقه على حركاتها ثمَّ أشار على ثيابها:
-طيب الراجل الفرفوش هيفرفش إزاي بعباية فيفي عبده دي، أنا ممكن يكون كبرت شوية، بس مش لدرجة ترقصيلي بعباية، طيب بلاها بدلة من الِّلي بشوفهم، قميص ياأخت دينا ويكون أحمر علشان نظري ضعف..
ارتفعت ضحكاتها تحاوطُ جسده:
-أيوة كدا عايزة إسحاق يرجع لي..الراجل التاني دا محبتوش..
انحنى وحملها:
-لا إسحاق موجود، بس إنتي اجمدي ياأمِّ العيال..
ضربتهُ بصدره وارتفعت ضحكاتها..
مرَّ يومينِ والحال كما هو بين إلياس وميرال..
-دخل وجدها تجلسُ بجوارِ يوسف تساعدهُ بواجباته..
-يوسف لمِّ حاجتك وروح على أوضتك حبيبي خلِّي النانا تساعدك..
نظر إلى والدتهِ ثمَّ رفع نظرهِ إلى والده:
-ماما قالت هتكمِّل معايا الواجب وأنام هنا معاكم.
رفع حاجبهِ ينظرُ إليها بسخرية ثمَّ أشار إلى طفله:
-على أوضتك وبعد كدا الِّلي أقول عليه متقولشِ أصل ماما..
مسَّدت على ظهرِ طفلها:
-ياله حبيبي اسمع كلام بابا وأنا شوية كدا وهجيلك..
حمل أشيائهِ بعدما قال:
-حاضر ياماما، ثمَّ رفع نظرهِ إلى إلياس:
-آسف يابابا..
أومأ له بصمتٍ فتحرَّك الطفلُ بصمت،
جلس بجوارها:
-وبعد هالك هتفضلي كدا، أنا مبحبش شغلِ الدلع دا، متفكريش علشان صابر عليكي دا ضعف منِّي.
-معرفش بتتكلِّم عن إيه، أنا كويسة مالي..قوم ياحضرةِ الظابط علشان تاكل، إنَّما هوَّ الشغل قل الأيام دي ولَّا إيه...بصقت تلك الكلمات وخرجت تتحرَّكُ بكبرياء دون أن تلتفتَ خلفها:
-ميرال..توقَّفت على أثرها، نهضَ من مكانهِ وقال:
-هتفضلي كدا؟..
- انا هروح عند يزن كام يوم، محتاجة أبعد شوية.
-نعم؟!..استدارت إليه:
-محتاجة أقعد شوية مع أخويا ، ياريت تقبل
-روحي براحتك..قالها وتحرَّك للخارج..
بعد أسبوعٍ استيقظت على رنينِ هاتفها:
-أيوة ياماما
-حبيبتي يبقى تعالي على الفيلا، فيه موضوع عايزة أقولِّك عليه.
-حاضر ياماما..نهضت وأدَّت فرضها، وقعت عيناها على صورتهِ الموضوعة.. جذبت الصورة تنظرُ إليها باشتياق، تحدِّثها:
-كالعادة العقاب ياإلياس بالبعد، يعني علشان طلبت أرتاح يومين حضرتك سافرت..طب والله زعلانة منَّك ولازم أحاسبك لمَّا ترجع..
تجمَّع الجميع بمنزلِ السيوفي، ترجَّل من سيارته..وقعت عيناهُ على أرسلان..
تحرَّك إليه ثمَّ توقَّف أمام المسبح:
-أرسلان بتعمل إيه ؟!
يامرحبا بحضرة الظابط، انا باكل رُمان، تاخد شوية؟.
-بارد..مين جوا
-مفيش حد غريب، البيت، بس ملك مع إسلام بيشوف الجناح
-اممم ..مفيش حد غير ملك واسلام
حدجه بنظرة ثم قال ، ماما فريدة وعمو مصطفى
وضع بعض حبِّ الرمَّان بفمهِ ثمَّ جلس على جدارِ المسبح، يهزُّ ساقيهِ بالمياه، ويدندن..مع جلوس إلياس ينظر بالمسيح ..انت هنا من زمان
-من الصبح، وهبات هنا، معاك يومين عارف هطير من الفرحة
-اه طبعا دا لو قعدت معاك اصلا
-براحتك..قالها وفتح هاتفه يدندن معه
-أنا مصدَّع وصوتك وحش.
-حط قطنة، ولَّا امشي، حد قالَّك تقعد جنبي.. انت مش لسة راجع من السفر
رفع حاجبهِ وطالعهُ لبرهةٍ بصمت، ثمَّ نهض من مكانهِ مقتربًا منه:
-بتستفزني صح، لم يرد عليه وبدأ يلوكُ الرمَّان
وهو يدندنُ ثمَّ صمتَ ورفع رأسهِ بعدما استمعَ إلى أنفاسه:
-إنتَ مستفز لوحدك، مش منتظر حد يستفزَّك، أقولَّك سر، مراتك فوق جت من ساعتين وكانت مع غرام قعدوا شوية وبعدين طلعت أوضتك القديمة، ياترى ليه، انا بقول راحت تسرق خزنتك، فيها ملايين، ودي ياكبد أمّّها بتعمل مشروع جديد ومحتاجة بنك وطبعًا حضرتك أكتر واحد شايل فلوس.
ركله بقدمهِ حتى سقط بالمياه:
-معرفشِ كانوا بيرضَّعوك أيه وأنتَ صغير، تلج؟..
خرج من المياه يسبُّه:
-كدا ياغبي وقعَّت الرمان، ألُّمه إزاي دلوقتي، دا أنا دفعت دمِّ قلبي علشان البتِّ الِّلي فوق دي تفصَّصه..
جزَّ على أسنانهِ يهمسُ من بينهم:
-إنتَ يابني مصدَّق نفسك مخابراتي..
-لا..إنتَ مصدَّق لو صدَّقت صدقَّلي معاك، أصلها نظريات.. وعلى فكرة أنا استقلت من الوظيفة دي، ومش عايز تدخل منك ومن اسحاق
استدار وهو يتمتمُ بسبِّه، فأردف أرسلان بصوتٍ مرتفع:
-سامعك على فكرة وهشكيك لإسحاقو وإنتَ عارف الشكوة منِّي لإسحاقو بتعمل إيه..
خطا بخطواتٍ تأكلُ الأرض، قابلته فريدة ومصطفى بالحديقة:
-إلياس رجعت إمتى، مش كنت بتقول هترجع بعد يومين؟.
-مكنتيش عايزاني أرجع، ولَّا علشان الجلف دا أخد مكاني قولتوا خلاص..
-جلف، مين دا..يوووه، قالها وصعد إلى الأعلى، خطا لداخلِ غرفتهِ ومع كلِّ خطوةٍ تزداد دقَّاته، أيامًا كشهورٍ كسنواتِ عجاف، كيف سيكونُ اللقاء، توقف لبعضِ اللحظات يسحبُ نفسًا، ثمَّ فتح بابَ الغرفة بهدوءٍ ظنًا بأنَّها تبحثُ عن شيءٍ مثلما قال له أرسلان، دلف للداخلِ وطاف بعينيهِ على الغرفة، ثمَّ اتَّجه لسريره، وجدها تغطُّ بنومٍ عميق..
دنا بخطواته المتمهِّلة، ورغم بطئها، ترتفعُ أنفاسه، وقعت عيناه على وجهها ليشعر وكأنَّ شمسَ حياته هلَّت مرَّةً أخرى، وايقظ فجره ليشعره بأملًا جديدًا، تبسمت عيناه وهو يجلس بجوارها على الفراش، يرسمها بحب كأبدع فنان،
وكأن النظر إليها أعاد الروح مرة أخرى، اسبوع كاملا، ظن أنه يعاقبها ولكن أيقن أنه يعاقب نفسه، دنى أكثر يشتم عبيرها ليختل توازنه، يضرب بوعوده وعهوده ضرب الحائط، رفرفت بأهدابها بعدما شعرت بأنفاسه الحارة، لتفتح عيناها بتمهل، كأنها تحلم به، همست اسمه بابتسامة
-ليه نايمة هنا، احنا لينا اوضة فوق
هنا تيقنت أنه مش حلم بل حقيقة اعتدلت تجمع خصلاتها تهرب من نظراته
-معرفش نمت ازاي
رفع أنامله على وجهها ولكنها ابتعدت قائلة
-هشوف يوسف بقالي ساعتين نايمة محستش بيه
-اجهزي هنرجع بيتنا، انا عديت على البيت فكرتك لسة عند يزن
قالها وتحرك سريعا للخارج
بعد عدة أيام كان يجلس بالحديقة يتابعها وهي تلهو مع طفلهما، لم يحاول أن يقترب منها مجددًا، تقديرا لكرامته بعد رفضها له عدة مرات، استمع الى رنين هاتفه
-اسحاق باشا، ازي حضرتك
-عدي عليا، علشان نتفق مع الكمبوند ..
-إن شاء الله..قالها ومازالت نظراته على من أرهقت روحه، ظل ينقر على الطاولة بهدوء، فاستمع إلى حديثها بالهاتف:
-لو عملتي محشي هاجي غير كدا لا
على الجانب الآخر قالت رؤى
-طيب ياستي ابعتي مكونات وانا هشوف النت واعمله..نادت ميرال على الخادمة
-ابعتي السواق بحاجات المحشي بيت طارق، ولو عايزة تاخدي إجازة هنتغدى النهاردة عند الأستاذة رؤى
ضحكت رؤى وقالت استر يارب، همست إليها
-متنسيش إلياس مابيكلشِ محشي، اعملي له خضاره اللي بيحبُّه..
-طيب ياختي مفيش حد بيحبّ غيرك إنتي وحضرة الظابط..
-دا مش حب يابنتي دا عشق عقبالك، ورغم صوتها الخافت الا أنَّه اخترق أذنه، وصلت الخادمة بقهوتهِ وضعتها وقالت:
-تطلب حاجة تانية ياباشا؟.
-لا..همَّت بالمغادرة إلَّا أنَّه اوقفها:
-قولي للطقمِ كلُّه إجازة النهاردة، وبكرة..
-تسلم ياباشا ..
بعد فترةٍ وهي مازالت بالحديقة تلهو مع يوسف مع وصولِ بلال، دلف للداخل يبحثُ عن محتوياتِ المحشي بعد الاستماعِ لكثيرٍ من الفيديوهاتِ
على رنينِ هاتفه فردّ:
-بتعمل إيه ماتيجي نروح نلعب باسكت في النادي..
-هتصدَّق لو قولت لك بعمل إيه؟.
توقف بالسيارة وشهقَ قائلًا:
-اوعى تكون بتموِّت البتِّ ميرال، بس ازاي أنا لسة موصَّل بلال وكانت زي القردة في الجنينة..
-افصل شوية وقولِّ
المحشي بيتعمل إزاي؟.
-محشي إيه؟.
-نظر للكرنبة التي أمامهِ وحاول يتذكَّر اسمها فقال:
-المحشي اللي الشعب المصري كلُّه بياكله..
-إنتَ سخن يابني؟!.
-امشي ياأرسلان يخربيت اللي يسألك عن حاجة..
ردَّ أرسلان قائلًا:
-مفهمتش حاجة والله..
-محشي الكرنب بيتعمل إزاي؟.
قهقهَ الآخر وقال:
-دا سهل خالص افرد الكرنبة في الحلَّة وحط عليها شوية رز وفوقيها مية دي عايزة ذكاء يابني..
نظر إلى الفيديو الذي توجدُ به أحدهم تقوم بتقطيعِ الكرنب وتضعها بإناءٍ فقال لأخيه:
-بس دول بيقطَّعوه وبيحطُّوه في مية سخنة..
-بيقطَّعوه إزاي؟.
-بالسكينة ياظريف..طيب يابني ماتطلبهُ من برَّة إيه الدوشة دي، والله إنَّك فاضي..، ولا اقولك اعمل بشاميل سهل، هتجيب مكرونة وتحط عليها لبن وتحطها في الفرن، يوووو: نسيت اللحمة، اكيد بيسوها في الاول
-امشي ياارسلان مش ناقص استخفاف
-لا بجد بتعمل محشي، إلياس السيوفي بيعمل محشي ..حك رأسه ثم قال
-لا دا كنت بشوف الستات دي شغلتها ايه في موضوع المحشي، الكل بيحبه، علشان كدا سألتك بما انك بتحبه
-هعمل مصدقك، بالف هنا ياست ميرال ، أغلقَ معه ثمَّ بدأ يفعل كما يشاهده..دلفت ميرال إلى المطبخ بعدما تحدَّثت مع يوسف:
-هجبلك إنتَ وابنِ عمَّك تشكوليت، خلِّيك عند بلال ليوقع في البيسين..
قالتها ودلفت للداخلِ ولكنَّها توقَّفت على البابِ تنظرُ للذي يرتدي مريول المطبخِ ويقفُ أمام الغازِ يرفعُ الإناء من فوق النار..
-إلياس بتعمل أي يه؟.
سقط الإناءُ من بين يديهِ ليصرخ فجأةً بعدما وصلت المياهُ السخنة قدمه..
ركضت إليه بعدما تراجعَ يرفعُ قدمهِ من حذائه،،
انحنت تنظرُ إلى قدمهِ وهرولت تجلبُ مرهمَ الحروق..جلس على المقعد ورفع قدمهِ فوق المقعد ينظر لأثرِ الحرق،
وصلت إليه وقامت بفردِ المرهمِ عليه..
-كنت بتعمل إيه بالميَّة دي، قالتها وهي تتجوَّلُ بعينيها بالمطبخِ لتشهقَ ثمَّ توجَّهت بأنظارها إليه:
-ايه الكرنب الِّلي على الأرض دا ..بيعمل إيه؟..
-كان بياخد شاور..قالها ونهض يتحرَّك بصعوبة..بينما ظلَّت تنظرُ إلى المطبخ بعيونٍ جاحظة، هناك من ثمرِ الطماطم فوق الرخام، وهناك من أوراقٍ من الكرنب متناثرة، وبعضًا من الأرز..
-معقول الِّلي فهمته!!
- لا أكيد القيامة هتقوم..