رواية يونس من الفصل الاول للاخير بقلم اسراء علي

رواية يونس من الفصل الاول للاخير بقلم اسراء علي

رواية يونس من الفصل الاول للاخير هى رواية من كتابة اسراء علي رواية يونس من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية يونس من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية يونس من الفصل الاول للاخير
رواية يونس من الفصل الاول للاخير بقلم اسراء علي

رواية يونس من الفصل الاول للاخير

وكانت هى بداية اللقاء....

نزع عنه النظارة الطبية بعدما أنهى تدقيق بعض الأوراق..لتدلف بعدها سكرتيرته وهى تحمل بذلته الخاصة بـ حفل اليوم قائلة بـ إبتسامة روتينية

-مستر عز..البدلة بتاع حضرتك وصلت..حضرتك هتجهز هنا ولا أبعتها لحضرتك ع القصر!
-نظر لها بـ هدوء تنم عن رزانته:لأ سبيها هنا

تحركت بـ خطى واثقة ثم وضعتها بـ مكانها المُخصص وقبل أن تدلف إلى الخارج تشدقت بـ عملية

-تأمرني بـ حاجة تانية يا فندم!!
-بعتي العربية للهانم زي ما قولتلك؟
-أماءت بـ رأسها وقالت:أيوة يا فندم من زمان

هز رأسه بـ رضا ثم أشار بـ يده كي ترحل..أغلقت هى الباب فـ نهض هو من مكانه ودلك رقبته فـ قد ألمته من كثرة العمل..نزع عنه سترته ودلف إلى المرحاض حتى يغتسل...

بعد خمسة عشر دقيقة خرج ونظر إلى ساعة الحائط وقال بـ إبتسامة مُتهكمة

-ربع ساعة بس..والست هانم بتقولي ساعة مش كفاية..عبيطة البت دي

ثم ضحك وقال بـ سخرية

-والله جاتلك اللي تخليك تكلم نفسك يا عز الدين بيه

وبدأ في إرتداء ثيابه من إحدى الماركات الشهيرة..وضع عطره وأنهى طلته الجذابة بـ وضع تلك الحلقة الفضية التي تُزين يُمناه وقد نُقش عليها أحرف اسمها بـ حرفية..أمسك هاتفه وإتصل بها وهو يتأمل هيئته في المرآه..ثوان وأتاه صوتها الناعس

-صباح الخير يا عز
-إبتسم بـ مزاح وقال:صباح الخير!!..حضرتك الساعة إتنين الضهر..صباح إيه بقى؟
-ردت عليه بـ تأفف:يا عز أبوس إيدك إرحمني هو كل ما تتصل بيا هتسمعني الكلمتين دول..أنا يا سيدي واحدة لسه متخرجة وعاوزة أستمتع بـ شبابي اللي راح فـ كلية الهم والغم دي
-قهقه عز بـ إستمتاع وقال:خلاص يا حبي مش قصدي ياستي عشان تسمعيني المرشح دا..ثم إني بصحى من الفجر عشان شغلي وأنتي بتفضلي نايمة منا لازم أحس بـ القهر
-تشدقت هى بـ تشفي:أحسن..حد قالك تدخل سلك السياسة يا سيادة الوزير
-هتف هو بـ حزن مصطنع:هى بقت كدا!!..

ضحكت هى بـ إستمتاع لترتسم إبتسامة عفوية على وجهه ليُكمل حديثه بعدها بـ جدية أجادها

-عمومًا إعملي حسابك يا ست البنات أنتي هتيجي لوحدك عشان مخلصتش شغل ومش هعرف أجيلك..يعني هخرج من الوزارة ع الفيلا ع طول
-أتاه صوتها الحانق:لأ أحنا متفقناش ع كدا..مليش دعوة يا عز أنت قولا هتيجي تاخدني..
-هدأها بـ صوته الرخيم:حبيبتي..أنا أسف بس مينفعش أجيلك وأسيب الشغل..صدقيني مش هينفع
-ردت هى بـ عنفوان:عنك ما جيت..إيه رأيك بقى مش جاية الحفلة وأعلى ما فـ خيلك إركبه!
-ضحك بـإستفزاز ليقول بعدها بـ ثقة:هتيجي يا حبيبتي هتيجي..هتلاقي عربية مستنياكي قدام بيتك هياخدك..يلا سلام...

ثم أغلق الهاتف وهو يبتسم على معشوقته..طفلة يعلم أنه يعشق طفلة فلا أحد غيرها إستطاع إختراق فؤاده سواها..عشقها مُنذ سنوات ليأتي بعدها ويُصمم على خطبتها قبل أن يُصبح وزيرًا للبترول..تفاجئ بـ تصريحها بـ عشقها له مُنذ الولهة الأولى..مُنذ أن إلتقاها في كليتها دار العلوم ليشعر بعدها أنه إمتلك العالم بـ أكمله....

***************************************

وعلى الجانب الأخر قذفت هى الهاتف بـ حنق..ثم عقدت يدها أمام صدرها وقالت بـ غضب

-كدا يا عز!!..بتخون ثقتي فيك!!..بعد ما يعشمني إنه هيجي يغدر بيا..وعشان مين!..شغله الحقير فـ الوزارة..ماشي يا عز
-بتوووول..أنتي يا زفتة قومي بقى قرفتيني يا بنت بطني..
-وأكملت بتول بـ صوت خفيض:قومي يا فاشلة..مفيش وراكي غير النوم لحد ما تعفني

وضعت يدها في خصرها الدقيق وقالت بـ مزاح

-إسطوانة كل يوم يا ست أم بتول

ثم نهضت بـ رشاقة تتناسب مع جسدها النحيف..نظرت في المرآه تتأمل بشرتها الخمرية وعيناها الخضراوتان وكأنهما غابات من الزيتون..شفاها الممتلئة بـ لونها الأحمر الطبيعي خُصلاتها السوداء كـ سواد الليل يتداخل معه خُصيلات بُنية داكنة..لتقول هى بـ تكبر مازح

-والله الجمال دا خسارة فيك يا عز

سمعت صوت والدتها يصدح بـ غضب لترد هى مُسرعة

-أيوة يا ست بدرية جيالك

ثم ركضت خارج غُرفتها لتُقابل والدتها الخارجة من المطبخ وهى تتبرم بـ القول وصوتها العالي يصدح فـ المكان

-خليكي كدا أكل ومرعة وقلة صنعة
-إقتربت بتول تحضتنها ثم قالت بعدما قبّلت وجنتيها:جرى إيه يا ام إسلام..حنني قلبك عليا دا شوية..دا أنا زي بنتك ولا إيه النظام!
-أزاحت يدها عنها وقالت بـ سخط:لأ جيباكي من قدام باب جامع
-وكزتها بتول بـ مزاح وقالت:لأ وأنتي الصادقة من قدام معبد اليهود

وفي تلك الأثناء خرج أخيها الأكبر والذي يُشبه شقيقتها في لون بشرتها والذي روثاه عن أبيهما وعيناه السمراوتان بـ جسد نحيف وهو يقول بـ مزاح

-والله محصلتيش يهود..شكلك كدا بيقول من الماجوس
-هتفت بـ عصبية:شايفة يا ماما!!..شايفة إبنك بيقول عليا من الماجوس
-تحركت والدتها من أمامها وقالت:ياختي أوعي ..دا ظلمهم لما شبهكم بيكي

صدحت ضحكات شقيقها..لتصرخ هى بـ حنق..ثوان و وجدت أباها يدلف إلى المنزل لتركض ترتمي في أحضانه قائلة بـ نبرة حزن أجادتها

-شوفت يا بابا..شوفت مراتك وأبنك بيغلطوا فيا وفيك
-فغر إسلام و والدته فاهيهما وقالا في ذات الوقت:غلطنا فيه!!
-نظرت لوالدها بـ براءة مصطنعة وقالت:أه يا بابا..قالوا عليا إني من اليهود وإنك ماجوسي

نظر والدها إليهما بـ صدمة مصطنعة فهو يعلم إبنته تمام العلم..ليقول بـ ذهول مصطنع

-أنا ماجوسي؟
-هرولت إليه بدرية وقالت بـ دفاع:أبدًا والله..بنتك دي نصابة

ثم وكزتها بـ حدة..لتصرخ بتول وهى تتأوه ثم إرتمت مرة أخرى في أحضانه

-شوفت يا بابا!!..يرضيك كدا يا حج إسماعيل؟..أهي بتضربني أهيه
-لأ كله إلا كدا..بدرية

هتف الأخيرة لتنظر له بدرية بـ توجس..أما بتول فـ قد ظهرت إبتسامة لئيمة على وجهها ليردف بعدها إسماعيل وهو يقول

-قولتيلي إنك قولتلها إنها من اليهود

حدقت به بدرية بـ سكون فلم تستطع الحديث..ليُكمل بعدها بـ مرح

-يهود إيه بس حرام عليكي..دا أنتي ظلمتيهم

إختفت إبتسامتها تزامنًا مع صدوح ضحكات الجميع..لتضرب قدميها بـ عنف الأرضية وركضت إلى غُرفتها وقبل أن تغلها قالت بـ غضب طفولي

-أنا هسيبلكم البيت دا وأرحل

ثم أغلقت الباب وبدأت في إرتداء ملابسها من أجل الحفل....

***************************************

ضرب على طاولة مكتبه بـ عنف حتى إهتز ما عليه..ثم هدر بـ.غضب

-يعني إيه يا محمد!!..حط راسي فـ الأرض زي النعام وأسكت!
-ضرب صديقه كف على أخر وهو يقول:يا بني أنا قولت كدا؟..أنا بقولك نهدى عشان نعرف نتصرف صح
-ليُصيح بـ حدة:وأنا لسه هفكر..بقولك أخويا مُختفي من سنتين ومحدش يعرف عنه حاجة..

قال الأخيرة بـ تهدج..ليربت محمد على يد صديقه قائلاً بـ تأثر

-إن شاء الله هيرجع

صمت قليلاً ثم أكمل محمد حديثه بـ تريث

-يا عدي الراجل دا مش سهل و عنده حصانة..أنا عارف اللي بقوله صعب عليك لكن أي غلط مش هتروح أنت لوحدك ورا الشمس...دا أنت وأخوك وأبوك وأمك..فـ نهدى و نركز عشان نعرف نوقعه
-حك عدي رأسه بـ عنف وقال بـ قهر:مش قادر يا محمد..أنا بشوف أمي وهى بتموت من حسرتها عليه..أخويا ومش قادر أوصله..وأبويا زي ما يكون عايش ميت..إبنه راح منه فـ ثانية..متخيل أنا عايش إزاي!..
-أماء محمد بـ رأسه وقال بـ رزانة:عارف والله عارف..بس أنت عارف أخوك ظابط مخابرات شاطر..ومحدش قدر يوقعه قبل كدا..فـ كون إنه مختفي كدا أكيد دا من تخطيطه..مش دا اللي يوقعه كدا
-تحدث عدي بـ عصبية:ودا اللي مجنني..ليه مرجعش لحد دلوقتي؟..ليه قاعد تحت رحمته؟
-أنت متأكد أصلاً أنه هو اللي حابسه!!..يعني..يكون..آآآ...

نظرة نارية من عدي ألجمته قبل أن يقول بـ قتامة

-متكملش يا محمد..بلاش تكملها عشان منخسرش بعض
-تنحنح محمد وقال بـ حرج:مش قصدي..أنا قصدي هو بسهولة يقدر يهرب منه..ليه بقى مرجعش!!
-أغمض عدي عيناه وهتف بـ يأس:معرفش..بس كل اللي أعرفه إن الكلب دا ليه يد في إختفاء أخويا..ومش هسكت إلا لما أعرف هو حصله إيه...

***************************************

وضعت اللمسات الأخيرة من مساحيق التجميل الخفيفة..ألقت نظرة راضية على هيئتها فـ إبتسمت بـ سعادة وقالت بـ مكر نساء

-دا أنا هجنن أمك يا عز عشان تحرم تخل بوعودك معايا...

حيث كانت ترتدي ثوب من خامة الحرير ينسدل على جسدها بـ نعومة سلسة..ذو لون أروجواني يُلائم بشرتها..من أعلى بـ حمالة واحدة عريضة على كتفها الأيسر والأخر عاري..ضيق من الصدر إلى الخصر ثم ينسدل بـ إتساع طفيف يحده من الخلف ذيل يفترش الأرضية..عدلت خُصلاتها القصيرة التي تنتهي عند نهاية نحرها..وضعت الشال من نفس الخامة على ظهرها ومنكبيها ألقت نظرة أخيرة..لتلقي بـ قُبلة في الهواء وقالت بـ غنج

-يا سلام عليا و ع حلاوتي..تهوسي يا بت يا بتول...

ثم خرجت لتقول والدتها ما أن رأتها

-بسم الله ما شاء الله قمر يا روح قلب أمك

دارت حول نفسها ثم قالت بـ تلهف

-بجد حلو يا ماما؟
-إقتربت بدرية منها وإحتضنتها وقالت:طبعًا يا قلبي..دا أنتي تقولي للقمر قوم وأنا اقعد مكانك

أتاهم من الخلف صوت والدها يهتف بـ عبوس

-مش شايفاه عريان أوي يا بتول!!

جذبت بتول الشال الخاص بـ الثوب ثم وضعته عليها ليُخفي ما ظهر من جسدها وقالت بـ مرح

-طب وكدا!!
-مط والدها شفتيه وقال:ماشي..بس متقلعيش الشال
-إقتربت تُقبل وجنة ابيها وقالت بـ ثقة:متخافش يا حج..هفضل قافشة فيه لحد ما أرجع
-ضحك والدها ثم قال:طيب ما ام نص لسان..عز مش جاي!
-لوت شدقها بـ ضيق وقالت:لأ يا بابا..البيه عنده شغل هيطلع منه ع الحفلة
-قطب ما بين حاجبيه وتساءل:طب وهتروحي إزاي!!
-تكرم عليا وبعتلي عربية بـ سواق..شوفت يا بابا بـ سواق
-ربت على وجنتها وقال:معلش يا حبيبتي هو برضو وراه مصالح وأشغال..مينفعش يقولهم لأ
-هتفت بـ حنق:أنت كمان بدافع عنه يا بابا!!!!
-قاطعتها والدتها وهى تقول بـ نزق:يلا يا بت عشان متتأخريش على خطيبك..وبعدين الراجل عنده شغل زي ما أبوكي قال..فـ متعتبيش عليه
-جذبت حقيبتها بـ عنف وقالت بـ تبرم:حد قاله يبقى وزير..أووووف

ثم خرجت وصفقت الباب خلفها..طوال نزولها الدرج ظلت تُهمهم بـ سخط وتسب عز الدين..وصلت إلى مدخل البناية القاطنة بها فـ هى من أسرة ميسورة الحال أبيها يعمل دكتور بـ كلية الفنون و والدتها ربة منزل..تقطن في حي أغلب قاطنيه متوسطي الدخل...

تحركت بـ خطى وئيدة وهى ترى السيارة..ويقف أمامها عز الدين..وعند تلك النقطة تسمرت في مكانها وأخذت ترف بـ عينيها عدة مرات بـ دهشة حقيقية..لمح هو تلك الدهشة..ليقترب منها وعلى وجهه إبتسامة جذابة..لتقول وهى تراه يقترب

-دا هو اللي خسارة فيا مش أنا

وعلى الرغم من أن عز الدين لا يمتلك وسامة مُهلكة..إلا أنه يمتلك شخصية جذابة بـ هدوئها ورزانتها..طلة باهرة بـ تلك البشرة السمراء كـ أغلب المصريين ولكنه بـ جسد رياضي وقامة طويلة وبشدة..فاقت من شرودها عليه وهو يجذب كفها ويُلثمه بـ طريقة راقية إقشعر بدنها لها..ثم همس في أُذنها

-مكنش ينفع أسيب القمر دا يجي لوحده
-إبتسمت بـ عذوبة ثم قالت بـ عشق:هو أنا قولتلك إني بحبك؟
-إبتسم إبتسامة جذابة وقال:لأ
-إرتفعت علها تصل إلى قامته الطويلة:طب أنا بحبك

أغمض عيناه يستمتع بـ لحن تلك الكلمة التي تُلحنها شفتيها..ثم قال هو بـ همس عذب

-وأنا بعشقك يا بتول قلبي

ثم قبّل وجنتها بـ رقة..لتتورد وجنتيها..فـ قالت بـ خجل

-عز..إحنا..فـ الشـ..ارع..والناس بتتفرج
-أمسك يدها وجذبها معه ثم قال بـ ضحك:وأنا عاوزهم يتفرجوا عشان يشهدوا على عشقي ليكي

أخفضت رأسها وهى تبتسم بـ عشق لذلك الكائن الخرافي الذي يسير بـ هيبة و وقار بجانبها..فتح لها باب السيارة..لتدلف ثم دلف هو..تبعه حرسه وتحرك ذلك الموكب الذي شاهده الناس..منهم من يُشاهد بـ سخط..ومنهم من يُشاهد بـ حسد وأخرون بـ غيرة واضحة...

****************************************

وصلت السيارات إلى منزل عز الدين..ترجلا من السيارة ودلفا إلى المنزل المُحاط بـ عدة رجال شرطة وأخرون من شركات الحراسة..إستقبله العديد بـ حبور..ظل عز الدين فترة يُرحب بـ الجميع..وهى واقفة على إحدى الطاولات تنتظره..ليأتيها بعد قليل..فـ قالت هى بـ ضيق

-هو أنت مش بتشوف الناس دي كل يوم؟
-إبتسم بـ إرهاق وقال:بيزنس بقى يا قلبي..معلش
-زفرت بـ حنق وقالت:منا مش عارفة أقعد معاك شوية

جذب يدها يُقبلها كما إعتاد أن يفعل ثم قال بـ هدوء

-معلش يا بتول..إستحملي شوية بس
-إبتسمت هى الأخرى وقالت:عشان خاطرك أنت بس
-تسلميلي يا حبيبتي

قالها ثم وضع يده على وجنتها

-عز الدين باشا!!

إستدار عز الدين ليجد أحدم يتحدث إليه..إبتسم بـ مجاملة

-أيمن باشا..أخبارك إيه!!
-تمام يا عز باشا

وتقدمت منهم سيدة فـ وضع أيمن يده على كتفها وقال بـ إبتسامة

-حرمي
-أهلاً يا فندم
-أحنى ايمن رأسه وقال:مش تعرفنا يا عز باشا

جذب عز الدين بتول..ثم حاوط خصرها وقال وهو ينظر إلى خضراوتيها بـ عمق

-دي حبيبتي وخطيبتي..بتول
-إبتسمت بـ خجل وقالت:تشرفت بيكو
-ردت زوجة أيمن بـ مجاملة:الشرف لينا

ثم بدأو يتجاذبون أطراف الحديث وعز الدين لم يتخلى عن قيد خصرها..تقدم منهم أحد حرسه وهمس في أُذنه بـ عدة كلمات..ليومئ هو بـ رأسه..ثم نظر إلى بتول وهمس في أُذنها

-حبيبتي أنا مضطر أروح المكتب عندي شغل شوية
-أماءت بـ تفهم وقالت:خلاص يا حبيبي روح أنا هستناك
-جذب يدها يُقبلها ثم قال بـ أسف:أنا أسف يا حبي
-ولا يهمك يا حبيبي

ثم رحل عنها..وبقيت هى مع أيمن و زوجته..تحدثوا في عدة مواضيع ولكنها شعرت بـ ملل..فـ إعتذرت هى بـ طريقة راقية ثم إبتعدت..خرجت إلى الحديقة..فـ قد شعرت بـ إختناق..نزعت عن قدميها حذائها ذو الكعب العالي..وبدأت تتحرك بـ خفة..شردت قليلاً وهى تسير حتى وصلت إلى الحديقة الخلفية..إصطدمت بـ شجرةً ما..لتقول بـ تألم

-اااااه..مين اللي حط الشجرة دي هنا!!

ثم أخذت تتلفت حولها لتجد نفسها في مكان مجهول..تشدقت بـ توجس

-أنا رحت فين!!

وبدأت تتلفت مرة أخرى ولكن بـ منزل كـ منزل عز الدين فـ من الأكيد أن تضيع بـ ذلك المنزل..زفرت بـ ضيق وقالت بـ سخط

-أوووف..يعني خلصت البيوت فـ مصر عشان ميعجكبش إلا بيت قد كفر محمد أبو سويلم دا!

ثم أخذت تتجول علها تحد مخرج من هنا..لتفلت نظرها تلك الغُرفة الصغيرة..دققت النظر بها ولكنها لم تجد أحد يقف أمامها..تقدمت منها وأخذت تُنادي بـ صوتٍ عال ولكن لم يجب أحد..وضعت يدها على المقبض لتجده يُفتح بـ يسر..وجدتها غُرفة رثة بها العديد من الأثاث القديم..والأخشاب المتكسرة..كادت أن تدلف إلى الخارج..ولكنها وجدت أسفل شُعاع القمر..جسد يتدلى من قيود تُقيد يداه إلى أعلى..شهقت بـ جزع..وتقدمت منه..لتجده شاب ويبدو أن فاقد الوعى...

تقدمت منه أكثر ثم أخذت تربت على وجنته وقد تملك الرعب منها..لتقول بـ صوت مهزوز

-آآ..أنـ..ت..أنت..!!

ولكنه لم يرد..فـ أكملت ما تفعله..لتجده يفيق رويدًا..زفرت بـ إرتياح وخوف في آن واحد..لتهتف بـ صوت متوجس

-أنت..أنت..مين؟؟

رفع رأسه لتتقابل بنيته مع خضراوتيها..ثم همس بـ خفوت

-يونس!!!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
أتساءل أكنت أسيرًا للقيود أم أسيرًا لعيناكِ!!

حاولت تنظيم أنفاسها وهى تسأله مرة أخرى

-يونس!!!..دا أسمك!!
-ليرد هو بـ تهكم:لأ اسم سندوتش...طبعًا اسمي

نظرت له بـ ضيق وتأفف..في ظل هذه الظروف ويمزح..تحدث معها بـ جدية

-تعرفي تفكيني!!!
-عقد ما بين حاجبيها ثم همست بـ بلاهة:أفكك!!..إزاي يعني؟

هز رأسه بـ يأس..ثم رفعها ليُحدق في دبابيس شعرها..حدثها بـ غموض

-هاتي دبوس من شعرك
-هااااه
-رد عليها بـ حدة:مش وقت هااااه..هاتي زفت من شعرك قبل ما حد يجي

نزعت أحدهم ليسترسل شعرها القصير بـ تموجاته الرائعة حول وجهها..ثم أعطته إياه..وفي أقل من ثوان كانت قد فُكت قيوده...

*************************************

-كدا إتفقنا يا سيادة الوزير

قالها أحدهم قبل أن يُصافحه عز الدين بـ برود..ثم قال

-إتفقنا يا سيادة العقيد

دقائق وإنفض ذلك الإجتماع المُغلق الذي دام لمدة ساعة..خرج عز الدين سريعًا وهو يتنفس بـ قوة والآن حان موعد رؤيتها..

إقترب منه أحد رجاله بعد أن أشار له ثم سأله بـ جدية

-فين بتول هانم؟
-توجس الحارس وهو يرد:هى..خرجت..تتمشى فـ الجنينة..وبعدين آآآ...
-ضيق عيناه ثم هدر به بـ عنف:وبعدين إيه؟؟..إنطق

تنحنح الحارس ليُنظف حنجرته ثم هتف بـ خوف

-وبعدين..ملاقينهاش
-جذبه عز الدين من تلابيبه بـ شراسة ثم هتف بـ من بين أسنانه:إزاي يعني مش لاقينها؟..غابت عن عنيكو فين يا أغبية!!!

ثم دفعه بـ حدة وتحرك بضع خطوات تبعه الحارس بـ خوف وهو يضع نظراته أرضًا..إلتفت عز الدين على حين غرة وهدر بـ غضب وصل إلى عنان السماء

-فورًا تجمع كل الحرس يدوروا عليها..ومحدش يرجع غير لما يلاقيها..ماذا وإلا كل واحد يتشاهد ع روحه...بسرعة

هدر بـ الأخيرة بـ قوة وغضب..إنتفض لها جسد الحارس ليومئ بعدها عدة مرات بـ طاعة ثم إنطلق يركض لتنفيذ ما أمر به سيده..تحرك عز الدين بـ عنف وهو يهتف بـ توجس

-يعني تغيبي عن عيني ساعة أرجع ملاقيكيش...

************************************

إقترب منها ليُعطيها دوائها كـ عادته مُنذ سنتان..تحديدًا مُنذ إختفاء فلذة كبدها..وضع قرص الدواء في فاها ثم أعطاها الماء..ليسمعها تُهمهم بـ حرقة وقهر على إبنها

-أنت فين يا يونس؟..رحت فين يا ضي عيني!!
-جلس بـ جانبها وهو يمسح على كفها ثم قال بـ أسى:هيرجع يا أم يونس..هيرجع
-نظرت له بـ ضياع وقالت:بقالك سنتين بتقول كدا..لا هو بيرجع ولا أنت بتبطل الكلمة دي
-وضع يده على صدره وقال:قلبي بيقولي أنه عايش و هيرجع..

بكت..كما تفعل بكت وتبكي وستبكي فـ فُقدان الإبن و والداه على قيد العذاب..يعُد أقوى الآلام..يُشعراه بـ أنهما يكبُرا عمرهما وينقصم ظهرهما...

مسح رفعت عبراتها وقال بـ صوت خرج مهزوز من قلب أب ملكوم

-صدقيني يا أم يونس هيرجع..يونس عايش وهيرجعلنا وهيفرح قلبنا..هو..هو بيخدم بلده وعشان خاطرها بيغيب وهيرجع
-هتفت هى بـ أسى:وهو عمره ما غاب عليا كدا..عمره ما عملها وسابنا كدا
-هتف بـ إصرار:هيرجع ولو بعد عشر سنين مش سنتين..ويلا نامي عشان ترتاحي...

قالها ثم نهض من أمامها كي لا تنزل عبراته ويظهر ضعفه أمامها..دلف إلى الخارج وأغلق باب الغرفة في نفس الوقت ولج إبنه الأصغر عدي إلى المنزل...

شاهد عدي خروج والده من غرفتهم فـ سأله بـ حزن

-أخدت الدوا
-هز رأسه بـ تعب وقال:أه..ونامت..

دلف إلى غرفة الصالون تبعه والده الذي سأله بـ خفوت

-تحب أحضرلك الغدا!!
-إبتسم عدي وقال بـ مزاح:إيه يا سيادة العقيد!!..هو أنت هتقوم بدور الحاجة صفوة ولا إيه!!..دا أنت بقيت شبهها

إبتسم والده نصف إبتسامة..ليُكمل عدي حديثه بـ وجع

-لو يونس كان هنا مكنش عتقك..
-تشدق رفعت بـ تألم:هو فين!!..راح فين وسابنا
-هرجعه يا بابا..هرجعه حتى لو هرمي نفسي فـ النار
-هز أبيه رأسه بـ نفي وهتف بـ توسل:لا يا بني..متبقاش أنت وهو لا أنا هستحمل ولا أمك المسكينة هتستحمل..مش كفاية عليها واحدة وزي ما أنت شايف..متبقاش أنت كمان علينا

تقدم عدي من أبيه وجثى على رُكبتيه وهتف بـ إصرار

-متخافش عليا يا حج..أنا هرجع وأرجعه..أنا عارف هو فين بس مش قادر أتحرك
-وضع رفعت يده على رأسه إبنه وقال:أخوك سابنا أمانة فـ رقبتك لما يرجع..متخلش بوعدك معاه وتمشي وتسبينا..حسبي الله ونعم الوكيل محدش عارف وساخة الراجل دا غير اللي عايش جوة النار

تنهد تنهيدة حارة ثم أكمل

-مش هيرحمك ولا هيرحم أخوك ولا هيرحم أي حد له علاقة بـ يونس...بلاش تروح وتخذل أخوك..هو بطل وهيرجع وأنا متأكد إن ربنا مش هيكسر قلبي عليه...

*************************************

وفقت أمامه وهى ترتجف من نظراته لها..لم يخفَ عليه إرتعاشة جسدها ولا خوفها منه..إلا إنه إبتسم بـ تهكم وحدق بها بـ بنيته ثم هتف بـ نبرة جافة

-أنتي إزاي وصلتي لهنا!!

أخفضت نظراتها ولم ترد..فـ أكمل حديثه وهو يتفحصها ويتفحص ثيابها

-باين من هدوم وشكلك إن سيادة الوزير عامل حفلة
-تجاهلت لكنته الساخرة..وقالت بـ تساؤل:أنت إيه اللي وصلك هنا وبتعمل إيه!!

فتح فاه كي يرد ولكنه سمع وقع أقدام تقترب..بحث بـ عيناه في الأرضية حتى وجد إحدى الزجاجات ليقوم بـ كسرها...
إنتفضت هى بـ ذعر مما فعله..و تحولت نظراتها إلى الهلع..أمسك هو يدها وجذبها بـ قوة إليه وقد تحولت عيناه إلى ظلام وقتامة شرسة...

في الخارج إستمع الحرس وعز الدين إلى صوت تحطم زجاج في داخل تلك الغُرفة..إتسعت عيناه بـ صدمة ثم هتف بـ جزع

-بتوووول!!!

وإندفع بـ سرعة تبعه الحرس..ليدفع الباب بـ قدمه وقد إتسعت عيناه بـ دهشة حقيقية وهو يراها بين يديه ويضع على رقبتها تلك الشظية الحادة..إبتلع ريقه بـ صعوبة ثم هتف بـ محاولة في الهدوء

-سيبها وهنتفاهم..هى ملهاش دعوة بـ أي حاجة
-إبتسم يونس بـ سخرية وقال:عز الدين باشا بنفسه يقول نتفاهم!!..ياراجل دول مكانوش سنتين حابسني هنا...

أغمض عز الدين عيناه..بينما بتول قد نزلت عبراتها على وجنتيها خوف و فزع..بينما أكمل يونس بـ نبرة تهديدية

-قولهم ينزلو سلاحهم!!..يلااا..وإلا هقتلها

قال الأخيرة وهو يضغط على عُنقها بتلك الشظية مُتسببة في جرحه..لتنطلق صرخة ألم منها وهى تهتف بـ عز الدين بـ توسل

-عز الدين؟
-صرخ بـ رجاله وقال:نزلوا سلاحكم بسرعة..

وإمتثل الجميع لما أمرهم به..مال يونس يهمس في أُذنها بـ مكر

-مكنتش أعرف إنه بيحبك كدا

أغمضت عيناها ونزلت عبراتها..وعز الدين يُراقبها وعيناه تُطلقان الشرر..فـ أكمل يونس حديثه

-إحدفوا المسدسات عندي..يلا يلا بسرعة

نظروا لسيدهم ليومئ لهم..فـ فعلوا ما طلبه بـ صمت..إبتسم يونس بـ رضا ثم قال بـ غموض

-إمسكها بسرعة

ثم دفعها ليلتقطها عز الدين في أحضانه..وفي ثوان هجم يونس على أفراد حراسته يضربهم بـ قسوة وكأنه ينتقم منهم..كانت هى تُتابع ما يحدث بـ رهبة وخوف..وتُشدد من إحتضانها له..نظر لها يونس ثوان كانت كفيلة بـ تشتيت تركيزه..ليأتي أحدهم ويلكمه في وجهه..نهض يونس ومسح خيط الدماء ثم إقترب من الرجل وبحركة سريعة قام بـ كسر عنقه...

في تلك الأثناء أبعد عز الدين بتول عنه وقال وهو يبتعد عنها في إتجاه يونس

-خليكي هنا متتحركيش

وإقترب من يونس وكاد أن يلكمه إلا أن الأخير إستدار وعيناه ترمقانه بـ قتامه ولا يعلم عز الدين في ثوان كان يونس يوجهه له اللكمات..إبتعد عنه ثم أخذ سلاحٍ ما على الأرضية الخرسانية..و وجهه إلى عز الدين..فـ صرخت بتول بـ جزع..لم يهتم هو لها ثم قال بـ فحيح أفاعي

-أنا مش هقتلك لأن الموت أرحملك مني..بس ميمنعش إني أسيبلك تذكار

ثم أطلق رصاصتان إحداهما في كتفه والأخرى في جانبه الأيسر..ثم ضرب رأسه بـ مؤخرة السلاح ليفقد بعدها عز الدين وعيه..رفع نظراته الغاضبة لها..ثم إتجه ناحيها فـ إنكمشت على نفسها بـ خوف...

جذبها من يدها ثم وجهه السلاح ناحية رأسها وهتف من بين أسنانه

-هتمشي معايا دلوقتي ومسمعش صوتك

كادت أن تصرخ ولكنه كمم فاها ثم أكمل بـ تحذير

-قولت صوتك مسمعهوش..يلااا

صرخ بـ الأخيرة ليركض وهو يجذبها..وكل من قابله في طريقه للخروج كان يقتله بـ برود قاتل..لتُغمض هي عيناها من مشهد الدماء..خرج من المنزل ثم توجه إلى إحدى السيارات..وقام بـ كسر النافذة الزجاجية وأدخلها..ثم دلف هو وقام بـ تشغيل السيارة كما تعود أن يفعل..وإنطلق بها...

*************************************

كانت تجلس بـ جانبه وتشهق بـ قوة..نظر لها يونس بـ قتامة وهتف بـ حدة

-بطلي عياط
-هتفت بـ شراسة وقد تناست خوفها:أومال أعمل إيه وأنا مخطوفة!!
-بت أنتي. أخرسي خالص..

ذمت شفتيها بـ ضيق..وأكملت بُكاءها..زفر بـ قوة ونظر لها ليجد جرح نحرها ينزف..مد يده بـ عفوية إليه ليُزيل الدماء..فـ إبتعدت عنه مُرتعدة..ليعود ويجذبها مرة أخرى وقام بـ إزالة الدماء..نظرت له بـ غرابة ولكنها لم تتوقف عن البكاء..تدارك هو ما فعله وأبعد يده عنها...

دقائق وأوقف السيارة ثم أمرها

-إنزلي
-هتفت بـ تساؤل:هنروح فين!!

لم يرد عليها بل فتح باب السيارة وجذبها بـ عنف..لتتأوه بـ قوة..جذبها خلفه وهو يقول

-هنكمل الحتة دي مشي

ولكنه سمع صوت صافرات الشرطة ليُمسك يدها ويركضا في الظلام..هتفت هى بـ سخط

-براحة مش عارفة أجري من الفستان

أوقفها بـ حدة..ثم نظر لها وكاد أن يضربها إلا أنه تراجع..جثى على إحدى رُكبتيه ثم شق الثوب حتى رُكبتيها ومن ثم أزال ذلك الجزء السفلي..شهقت هى بـ فزع وقالت بـ صراخ

-عملت إيه يا مجنون!!

نهض ثم جذبها إليه بـ قوة وتشدق بـ تهديد

-أقسم بالله لو لسانك طوّل لهكون مبسوط وأنا بقصهولك...
كادت أن تعترض إلا أنه أكمل وهو يسير

-أنتي بوصلة أماني..يعني لما أخرج من مصر بعدها أنتي حرة..طول ما أنتي معايا هيفكر بـ كل خطوة هيقوم بيها..
-تشدقت بـ تساؤل و غضب:بينك وبين عز الدين إيه عشان تكرهه كدا!!..أكيد أنت حرامي أو قتّال قتله وعشان كدا كان حابسك عنده

توقف هو فجأة لتتوجس هى خفية..إلتفت هو وملامحه تحولت إلى القتامة..جذبها مرة أخرى لتصطدم بـ صدره..زرع بنيته في غابات الزيتون خاصتها..وهتف بـ نبرة شرسة

-أنا مش هعاقبك ع سذاجتك دي..ولا إتهامك..بس قسمًا بالله لو غلطتي مرة كمان هعاقبك بـ طريقة مش هتعجبك...

أبعدها عنه بـ حدة ثم أكمل سيره وهو يعتقل يدها..بينما هى لم تجرؤ على التفوه بـ حرف فـ يكفي ملامحه القاتمة والتي بثت أعلى درجات الرعب بها...

كانا يسيران بـ هدوء إلا من صوت تنفسه العالي والتي تكاد تجزم أنه غاضب ويُخرج النار من أنفه..توقف في أحد الشوارع الجانبية وهتف دون النظر إليها

-هنروح نركب أي حاجة توصلنا ع وجهتنا اللي جاية

كاد أن يتحرك إلا أنها امسكت يده وهتف بـ تذمر وسخط

-أستنى رايح فين!!..هنروح كدا إزاي؟
-قطب حاجبيه وتساءل:كدا إزاي؟
-أشارت إلى جسده:اللي هو كدا...

نظر إلى جسده ليجد جزعه العلوي عار..نسى أنهم قد نزعوا عنه ملابسه أثناء تعذيبه والذي أبرز ندبات في جسده..ثم نظر إلى قدماه الحافيتان..إنتهى من تأمل نفسه ليتاملها بعدها..فـ وجد شعرها قد تشعث و وجهها قد تشوه بـ فعل مساحيق التجميل..وكذلك عراء جسدها من أسفل ثوبها وقدميها الحافيتان..

-هتفضل كدا تتاملنا كتير!!!
-أغمض عيناه يتحكم بـ غضبه التي تثيره تلك الفتاه..ثم هتف بـ هدوء عكس البراكين الثائرة بـ داخله:تعالي معايا...

الوقت قد تعدى الثانية صباحًا..والمِحال مُغلقة..مرة أخرى قام بـ شق ثوبها..لتصرخ بـ هلع قائلة

-هو أنت أستحلتها ولا إيه!!..إيه دا؟

جذب قطعه القماش التي مزقها..ثم وضع سبابته على فاه وهتف بـ ضيق

-خمسة هدوء..ممكن!!..

أشاحت بـ وجهها بعيد عنه..ليهز هو رأسه بـ يأس..أمسك قطعة القماش ثم لفها حول وجهه ليُخفي ملامحه..وكذلك فعل معها..تعجبت وقالت

-إيه شغل قطاعين الطرق دا!!
-كور يده على هيئة قبضة وقال بـ غضب:إهمدي يا بت

ثم جذبها خلفه وتوجه إلى أحد المِحال..إلتقط حجرً ما ثم قذفه ليُحطم الواجهه الزجاجية..أخفت هى وجهها لتتفادى الشظايا..بينما هو سار بين الحطام بـ كل برود متفاديًا بـ مهارة قطع الزجاج..وهى فعلت مثله..دلفا إلى المحل وبدأ في إنتقاء ثياب له ولها..تحرك بها حتى وصل إلى غُرف تبديل الثياب وقذف الثياب في وجهها وقال آمرًا

-قدامك خمس دقايق تخلصي لبسك..لو مطلعتيش هدخلك
-توسعت عيناها بـ دهشة وحنق قائلة:يا قليل الأدب

ثم دلفت لتقوم بـ تبديل ثيابها..بينما بقى هو خارجًا وأبدل سرواله المُهترئ بـ أخر..وأخذ إحدى قطع الثياب يقوم بـ تنظيف جسده...

في تلك الأثناء خرجت بتول وهى تُعدل تلك الكنزة السوداء على جزعها العلوي..ليفغر فاها عن أخره وهى تراه يفعل ذلك..حدقت به دون إستيعاب لما تفعله بدئًا من خُصلاته السوداء القصيرة وبنيتاه الساحرة..وكذلك بشرته الخمرية..ثم إلى عنقه والتي تبرز بها "تفاحة أدم" بوضوح..إبتلعت ريقها وهى تتفحص عضلات جسده البارزة بـ جاذبية...

إنتبه لها وأنها تُحدق به..فـ إبتسم بـ سخرية وقال لها وهو ينظر من فوق كتفه بعدما إستدار ليوليها ظهره

-لو خلصتي فرجة يلا نمشي قبل ما حد يجي

إنتبهت هى على نفسها لتتخضب وجنتيها بـ خجل..بعدها تنحنحت لتُجلي حنجرتها ثم قالت بـ خفوت

-يلا..

إرتدي كنزته القطنية ثم أمسك سلاحه و وضعه خلف جذعه لتقول وهى ترمق السلاح بـ خوف

-هو لازم المسدس دا!!..شكله مش حلو
-إلتفت لها ثم قال وهو يحاول حث نفسه على التحلي بـ هدوء:بصي يا بنت الناس..مهمتك معايا إنك هتبقي أمان ليا

أمالت رأسها إلى اليسار ونظرت له بـ إستفهام..ليُكمل حديثه

-أنا مش هأذيكي لو فضلتي مطيعة..زي ما قولتلك قبل كدا أنتي بوصلة أماني..أخرج من مصر وبعدها هسيبك لحالك..

ولم ينتظر ردها بل أمسكها من مرفقها وجذبها خلفه..تحرك بـ الطريق لتقول هى بـ تذمر دون التعليق على حديثه بـ الداخل

-هنفضل حافيين كدا كتير!!
-رد عليها بـ نفاذ صبر:يابنتي أعملك إيه إرحميني؟
-هتفت هى بـ سخرية:إقتحملنا أي محل شوزات وناخد إتنين ونجري

توقف ونظر لها بـ ذهول..وقال بـ دهشة

-ناخد أتنين ونجري؟..أنتي عبيطة يا بت أنتي!!..

ثم أكمل بـ حدة

-بت أنتي نقطيني بـ سُكاتك أحسن

لوت شدقها بـ ضيق..ليرتفع حاجبيها بـ تعجب وهى تراه يتلفت في المِحال..فـ سألته وهى عاقدة جبينها

-بتدور ع إيه!!

تجاهل سؤالها وأكمل بحثه الذي دام ثوان ليقف أمام صيدلية..أمسكها من كتفيها وقال بـ تحذير

-تخشي الصيدلية وتخلي البنت اللي جوه دي تعالجلك الجرح..بس خدي بالك أي حركة كدا ولا كدا هخلص عليكي وعليها

إبتعلت ريقها بـ تخوف وهى تومئ بـ طاعة..ودلفت لتستقبلها الفتاه بـ إبتسامة..رفعت بتول رأسها وقالت بـ تألم.

-لو..لو سمحت عاوزة أعالج الجرح دا

إقتربت منها الفتاه تتفحص الحرج..لتسألها وهى تتحرك إلى أحد الأركان

-من إيه الجرح دا؟
-توترت وهى تُجيب:آآ..إزازة البرفان بتاعي..يعني..إتكسرت و أنا بلمها..آآآ..نسيت إن في..حتة فـ إيدي..و و عورتني...
-عادت لها الفتاه ونظرت بـ عدم إقتناع ولكنها قالت:مفيش مشكلة..الجرح سطحي...

وبدأت في تعقيم جرحها ثم وضعت لاصقة طبية عليه..ورحلت بعدما دفعت لها مبلغ بسيط كان يونس قد أخذه من محل الثياب..خرجت إليه لينظر إلى نحرها ثم أمسك يدها وقال

-يلا عشان مقدمناش وقت
-سألته وهى تسير خلفه:هو المفروض نروح فين دلوقتي؟
-أجابها دون أن ينظر لها:الواحات...
في الحقيقة لا أعلم، ربما نعم، وعلَّه كان بلى، لكنني أعلم أمرًا واحدًا، هو أنِّي أهيم في "فوضى المشاعر".

ساد الهرج والمرج في ذلك المشفى الخاص بعد وصول الوزير إثر إصابته بـ طلق ناري..دلف إلى غُرفة العمليات وبقى الجميع في الإنتظار...

وصلت عائلة بتول إلى المشفى فـ سمح لهم الحرس بـ الدلوف فهم على علم بـ هويتهم..كانت بدرية تبكي على إختفاء إبنتها والذي دام ساعات فقط..بينما تحلى إسلام و والده القوة حتى معرفة ما يحدث...

تقدم منهم ضابط وسألهم بـ جمود

-أنتوا مين؟
-رد عليه إسماعيل بـ هدوء نسبي:أنا والد بتول خطيبة سيادة الوزير

تفحصهم الضابط بـ دقة..ثم تشدق بـ نبرة روتينية

-عندكوا علم بـ عدواة سيادة الوزير مع حد!!
-رد عليه إسلام بـ تهكم واضح:حضرتك دا وزير وله اسمه وأعداءه كتير
-رمقه الضابط بـ حدة ثم وجهه حديثه إلى والده:طب بنت حضرتكوا مختفية من ساعة أما حصل ضرب النار.. واللي عمل كدا أكيد هو اللي له يد في إختفاءها
-إنتحبت بدرية وهى تقول:رجعولي بنتي مليش دعوة بـ أي حاجة..أنا مش عاوزة غيرها
-وضع إسلام يده على كتف والدته وقال بـ مواساه:إن شاء الله هترجع..بس أنتي إهدي...

قطع حديثهم الدائر دلوف الطبيب خارج الغُرفة ليقترب منه الجميع..وقبل أن يتشدق أحدهم بـ سؤاله كان الضابط يسأله

-حالته إيه يا دكتور؟
-شابك الطبيب أصابعه وتنهد قائلاً:كويس إن شاء الله..اللي ضرب النار محترف مصابش جزء عضوي أو حيوي من جسمه كلها جروح عادية..
-عقد حاجبيه وقال:يعني قصدك اللي ضربه بالنار مكنش عشوائي!!
-أماءالطبيب بـ تأكيد:أيوة بالظبط كدا..اللي ضرب عارف هو بيعمل إيه..عن إذنكوا

ثم تركهم ورحل..لطمت بدرية وجهها وقالت بـ نحيب

-يعني بنتي وقعت فـ إيد قتّال قتلة!!
-تأفف إسماعيل بـ ضيق:بس يا بدرية خلينا نشوف هيحصل إيه

وتوجه بـ سؤاله الرزين إلى الشرطي قائلاً

-هنضطر نستنى لما سيادة الوزير يصحى؟
-أماء الشرطي بـ رأسه وقال بـ برود:مقدمناش حل تاني عشان هو اللي شاف وشه..اللي عمل كدا حاجة من إتنين يا قاتل مأجور يا ظابط سابق

قال كلماته ثم رحل تاركًا خلفه أسرة تُعاني صدمة فقدان إبنة بل والأنكى أنه في نظرهم قاتل خارج عن القانون...

**************************************

كانا يسيران بـ صمت و حذر..وصلا إلى منطقةٍ ما..وقف أمام مقهى شعبي تصطف أمامه سيارةٍ ما..لتهتف بتول بـ خوف

-متقوليش إنك هتسرقها هى كمان!!

نظر لها شزرًا ولم يرد..جثى على رُكبتيه ومد يده إلى إطار السيارة وأخرج منه مفتاح السيارة..إرتفع كِلا حاجبيها بـ دهشة وقالت بـ عدم تصديق

-لأ دماغ بجد..
-تجاهلها كُليًا وفتح السيارة..ثم هتف بـ جمود:إركبي

تأففت بـ ضيق ثم دلفت إلى داخل السيارة..قام هو بـ تشغيل المُحرك وإنطلق بـ السيارة..نظرت هى له بـ تفحص فـ فاجأها بـ حديثه

-عندك سؤال أسأليه عشان أشبع فضولك

إتسعت عيناها بـ دهشة ثم هتفت بـ ذهول

-لأ ومكشوف عنك الحجاب

إبتسم بـ سخرية..لتتنهد هى وتسأله بـ جدية

-أنت مين!!
-أجابها بـ بساطة:يونس
-تأففت بـ ضجر ثم أكملت بـ سخرية:أيوة نوعه إيه يونس دا!!

رفع أحد حاجبيه..ثم رمقها بـ حدة لتتنحنح هى بـ خفوت..فـ أجابها دون النظر لها وملامحه بلا تعبير

-ظابط مخابرات
-رددت خلفه بـ ذهول:ظابط مخابرات!!!..وإيه اللي كنت بتعمله عند عز الدين!
-مط شفتيه بـ عدم إكتراث وأجاب:الإجابة مش هتعجبك

عقدت ذراعيها أمام صدرها ثم هتفت بـ إصرار

-أظن أنا بساعدك وإتورط معاك فـ ع الأقل لازم أفهم أنا مع الصح ولا الغلط

نظر لها بـ عمق..نظرة أربكتها..ضيق عيناه وقال بـ هدوء ما قبل العاصفة

-إجابتي مش هتعجبك وع أي حال مش هتصدقيني..
-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير:بقولك إيه أنا لازم أفهم مش هبقى زي الأطرش فـ الزفة

أوقف سيارته بـ حدة وبـ شكل مُفاجئ..ليرتد جسدها إلى الأمام..إلتفت لها بجسده كاملاً وعلى حين غُرة جذبها من يدها بـ قوة آلمتها ثم هتف بـ شراسة

-عاوزة تفهميني إنك هتصدقي اللي هقوله عن حبيب القلب!!..بصي لنفسك فـ المراية وقوليلي..كفاية نظرة الحب اللي فـ عنيكي ليه..عمرك ما هتصدقي إنه...

ولكنه صمت ولم يُكمل..فـ نظرة عيناها كانت كفيلة بـ إخراسه..ولكنه إبتلع ريقه وأكمل فلا مجال للعودة

-متبصيش كدا..سيادة الوزير المحترم عمل أبشع جرايم فـ حق البلد وحق الغلابة وحق ناس كتير..سيادة الوزير قاتل..قاتل فاهمة يعني إيه!!
-همست بـ نبرة مُفعمة بـ الكره:كداب

إبتسم بـ سخرية وترك يدها بـ حدة ثم قال بـ تهكم

-مش قولتلك..

أعاد تشغيل مُحرك السيارة وتحرك بها ليُكمل بـ نبرة جامدة

-أنا برضو لو مكانك مش هصدق..راجل بيعرف يتلون كويس..بيعرف يبان قدام الناس أنه ملاك أُنزل..أنا كـ ظابط مخابرات مش هصدق إلا بـ أدلة

لم ترد عليه ولكنها حدقت أمامها بـ جمود ولم تلتفت له..نظر هو لها فـ وجدها جامدة..ولكنها تساءلت بـ نبرة خالية

-عندك دليل!
-حاليًا لأ

إلتفتت هى له بـ حدة و هدرت بـ عنف
وطالما معندكش دليل بتتهمه ع أساس إيه!!..مش دا شغل الظباط إنهم بيشتغلوا بـ الأدلة وبس!..عز الدين أشرف راجل عرفته فـ حياتي مفيش منه إتنين..وأنا مش هصدق واحد معرفش هو إيه أصلاً

صمتت تستجمع أنفاسها اللاهثة ثم أكملت بـ غضب

-عمري ما هصدق عليه حاجة من اللي قولتها وأنا بحكم عليه من اللي شوفته فيه..وأنت..أنت مجرد واحد منافق وقتًال خطفتني عشان تضمن خروجك من مصر..ودا ملوش غير معنى واحد..إنك خاين وهو سجنك عشان متبعش بلده...

ثم صمتت تستشف ردة فعله..كانت تعتقد الغضب والثورة..على أقل تقدير..أو ربما القتل..ولكنه فاق توقعاتها بـ قوله الهادئ دون النظر لها ولكنها إستشفت جمود ملامحه..أو ألم إرتسم على وجهه

-صح أنتي صح..أنا مجرد قتّال قتله متعرفيش عنه حاجة...

سكنت هى وعادت تنظر إلى الأمام مُصابة بـ الضيق لما قاله عن حبيبها..هو أشرف الرجال وأكثرهم رحمة..يكفي ما تُشاهده منه..هى تعشقه ولا تستطيع التشكيك في نزاهته..إن خانها عقلها وأصابه الشك فـ قلبها دائمًا ما تُصدق ما يشعر به فـ هو لم يُخطئ من قبل..وهى تصدقه بـ قلبها...

****************************************

في صباح اليوم التالي إستيقظ عز الدين على صوت قرع أقدام تقترب من فراشه..فتح عيناه بـ تثاقل ليرى شبح شخص أمامه..أغمض عيناه مرة أخرى ثم إعتدل بـ ألم ليفتح عيناه بعدها..طالعه الأخر بـ هدوء ثم قال

-حمد لله ع السلامة يا سيادة الوزير
-تمعن عز الدين في خلجاته وتساءل:مين حضرتك!!

جلس الشرطي ثم وضع ساق على أختها وتساءل

-أنا عارف إن حضرتك تعبان..بس أفهم إيه اللي حصل؟

نظر له عز الدين مُطولاً دون نبث حرف..وكذلك عيناه ذلك الشرطي لم تتزحزح عنه مقدار إنش..ليتشدق الشرطي بـ سخرية مُستترة

-هو سؤالي صعب يا سيادة الوزير!!
-تنفس عز الدين بـ عمق ثم قال بـ هدوء واهي:أظن إني لسه ما فقتش أوي عشان حضرتك تستجوبني..أنا لسه مش مركز وعاوز أستوعب اللي حصل إمبارح وأقدر أفيدك

كاد أن يرد ولكن فُتح الباب ليدلف منه شخص..يبدو من ثيابه الرسيمة أنه الشرطة..نهض الشرطي وقام بـ تحيته بـ إحترام ليقول بـ نبرة رسمية

-سيادة اللوا..أنا جيت أخد أقوال سيادة الوزير
-أشار اللواء بـ يده وتشدق بـ جدية:بعدين يا حضرة الظابط..سيادة الوزير لسه تعبان
-بس..آآآ...
-قاطعه اللواء:مبسش..أتفضل ع شغلك

كز ذاك الشرطي على أسنانه ولكنه كظم غيظه..قام بـ تحية اللواء مرة أخرى وإنصرف سريعًا..

تابع كلاً من اللواء وعز الدين خروجه..ومن ثم جلس اللواء على نفس المقعد..سأله عز الدين بـ لهفة

-لاقيته يا رشاد!!
-هز رأسه بـ نفي وقال:لأ طبعًا أنت عارف إحنا بنتكلم عن مين!!
-هدر عز الدين بـ غضب وقال:ميهمنيش مين..المهم عندي إنه يرجع اللي أخده مني
-مط رشاد شفتيه وقال:خلاص ننزل صوره فـ التلفزيون والجرايد وساعتها هتقدر تلاقيه بسهولة
-هز رأسه بـ نفي ثم قال بـ عصبية:لأ مستحيل أعمل كدا
-ليه!!
-أغمض عيناه ثم قال:لأنه فـ نظر المخابرات والجيش والدولة كلها ميت..فلما أنزل صورته أنه عايش كدا هينقلب السحر ع الساحر

أماء رشاد رأسه بـ تفهم ثم أكمل هو حديث عز الدين

-وبدل ما تتحول الأضواء عليه..هتتحول عليك أنت..ليه ظابط رجع من الموت أول ما يرجع يحاول يغتالك لا ويخطف خطيبتك
-كور قبضته بـ غضب ثم تحدث بـ عصبية:نقول مختل..أو الجهات اللي خطفاه وجهته أنه يقتلني

قهقه اللواء بـ شدة..ليرمقه عز الدين بـ ضيق..سكنت ضحكات الأول وهتف بـ تهكم

-ودا فـ عُرف مين إن شاء الله!!..مُتخيل يونس ظابط المخابرات اللي الكل يشهدله بـ الوطنية..وقصدي بـ الكل أنه من أكبر راس فـ أجهزة الدولة لأصغرها..مُتخيل أنهم يصدقوك أنت ويكذبوه

مط شفتيه ثم رفع منكبيه ورد بـ بساطة

-معتقدش يا سيادة الوزير
-أنت بتقفلها فـوشي!!!
-رد عليه رشاد بـ هدوء:مبقفلهاش ولا حاجة..كل الموضوع إن يونس شخص أهم منك شخصيًا..إنهم يقتولك دا شئ عادي بالنسبالهم..إنما هو يفكروا ألف مرة

مسح عز الدين بـ يده على وجهه بـ عصبية ثم قال بـ حدة

-طب أعمل إيه!!..لازم بتول ترجع
-شابك رشاد أصابعه ثم قال بـ برود:غلطتك من الأول أنك حبسته عندك..ولو أني معتقدش إن دي شطارة منك
-عقد ما بين حاجبيه وتساءل:مش فاهم
-إبتسم رشاد وهو يُجيب:يعني دي رغبته من الأول..هو سابك تمسكه..ليه بقى؟..الله يعلم
-قصدك أنه كان بيلعب بيا من سنتين!!
-مش لوحدك بينا كلنا..ودا معناه أنه يعرف كتير جهاز المخابرات نفسه ميعرفوش.

صمت يُتابع تجهم ملامح عز الدين..لينهض هو بعدها..ربت على كتفه ثم تشدق

-أنت لعبت مع شيطان إستحمل اللي هيحصل..وحمد لله ع السلامة يا سيادة الوزير...

**************************************

وصلا أمام مطعم صغير في طريقهما..ليصف السيارة بـهدوء وعناية..إلتفت لها ليجدها تغط في ثُبات عميق..حدث نفسه كيف لها أن تنام وتأمن معه!!..إبتسم بـ سخرية ثم قال بـ تهكم

-هستنى إيه من واحدة قبلت ترتبط بـ واحد زي عز الدين!

ترجل من سيارته ثم أغلقها بـ القفل الإلكتروني حتى لا تستطيع الهرب..دلف إلى المطعم و وقف أمام العاملة يطلب منها بعض الطعام..إبتسمت العاملة بـ مجاملة وقالت
-دقايق يا فندم والطلب يجهز

أماء بـ رأ بـ خفوت ثم تحرك ليجلس على أحد المقاعد..قام أحد العمال بـ تشغيل التلفاز وبدأ في التنقل بين محطاته..جذب إنتباه يونس ذلك الخبر المُتعلق بـ حادث أمس..ليُشير إلى العامل وهتف

-سيبه لو سمحت
-حاضر يا فندم

وبدأت المُذيعات في بث الأخبار والتصريحات بـ شأن حادث أمس..وكان ما سمعه كـ التالي

-و صرح المهندس عز الدين وزير البترول أنه قد حاول أحدهم إغتياله أمس أثناء جلوسه مع خطيبته المدعوة بتول والتي إختطفها ذلك الإرهابي في محاولة لـ إبتزازه...

هنا وصدحت ضحكات يونس الخافتة..ليهز رأسه بـإنتصار ليقول بعدها بـ تهكم

-كنت عارف إنك هتحسب كل خطوة توصلك ليا..
-يافندم!!

إنتبه يونس على صوت العاملة..ليتجه ناحيتها وأخذ منها الطعام..ليتشدق بـ هدوء وإبتسامة

-معلش ممكن علبتين عصير!
-أكيد يا فندم

ثوان وأتت العاملة بما طلب..ليرحل بعدها مُتوجهًا ناحية السيارة..وجدها لا تزال تغط في ثُبات عميق..فتح السيارة ودلف إلى داخلها وأغلق الباب..وضع الطعام جانبًا ثم إلتفت لها وراقب خلجاتها الساكنة لبرهة من الزمن..مد يده وهزها بـ رفق وهمس

-بتول!!..بتول فوقي عشان تاكلي

تململت بتول بـ ضيق ثم همهمت دون أن تفتح عيناها

-يووووه شوية يا ماما وبلاش إسطوانة كل يوم

ضحك يونس عليها وهو يضرب كف على الأخر..ليهزها مرة أخرى هاتفًا بـ مرح

-قومي يا ضنايا في مواعين عاوزة تتغسل
-ضغطت على جفني عيناها وهتفت دون أن تعي أين هي:طب خلي إسلام النهاردة
-مال يونس يهمس في أُذنها بـ صوت رخيم:بس مفيش هنا إسلام ولا ماما ولا حتى مواعين

رفت بـ عينيها عدة مرات لتستوعب ذلك الصوت الرخيم..توسعت عيناها بـ دهشة وهى تراه يرمقها بـ تسلية..إنتفضت بـ عنف ليبتعد عنها..إبتلعت ريقها بـ حرج وهتفت بـ تلعثم

-آآ..أسفة..
-إبتسم من جانب فمه وقال:مفيش مشاكل ليس على النائم حرج

ضيقت عيناها بـ ضيق ولم ترد..جذب الحقائب البلاستيكية وأعطى أحدهم لها وهتف بـ جدية

-جبتلك أكل..فـ كلي
-مش عاوزة

جاءه صوتها المُمتعض..ليهز كتفيه بلا مبالاه ثم تشدق وهو يلتهم إحدى شطائره

-براحتك..

أغمضت عيناها بـ غضب ولم ترد..ليقول وهو يرتشف من عُبوة العصير الخاصة به

-سيادة الوزير عمل تصريح إن في هجوم إرهابي حصل لما كنتي قاعدة معاه في فيلته..والإرهابي اللي هو أنا خطفك

أشار على نفسه بـ بساطة وكأنه شئ عادي..توسعت عيناها بـ صدمة وهتفت بـ ذهول

-مش فاهمة..تقصد إيه بـ كلامك!
-رد عليها بـ براءة مصطنعة:مقصدش دا أنا بحكيلك بس...

لم ترد عليه وهو أكمل طعامه بـ هدوء وكأنه لم يقل شئ..أنهى طعامه ونظر لها وجدها شاردة وتحدق في الفراغ..أدار مُحرك السيارة وإنطلق بها ثم قال بـ جدية تامة

-مش هنقف تاني ع الطريق عشان إتعرفتي خلاص
-يعني إيه؟
-وضح لها دون النظر إليها:يعني نشروا صورك فـ كل حتة..عشان كدا مش لازم تظهري كتير..
-طب وأنت!!

لم يرد عليها..لتُعيد سؤالها بـ حدة و صوتٍ عال

-رد عليا وأنت!!
-مط شفتيه وأشار بـ يده على نفسه..ثم تشدق بـ برود:أنا فـ نظر البلد ميت..فـ مينفعش أظهر فجأة..لأ وكمان خاطف خطيبة سيادة الوزير

نظرت له مُطولاً وهو يشعر بـ نظراتها ولكنه لم يُعقب..زفرت بـ يأس وهتفت بـ ضجر

-أنا مش فاهمة أي حاجة..حاسة إني فـ دوامة
-رد عليها بـ غموض:هتفهمي كل حاجة فـ وقتها

لوت شدقها بـ ضيق..نظر لها هو بـ طرف عينه..ولكنه لم يُبالي..تشدق بعدها بـ نبرة آمرة

-كلي..الطريق طويل...

*************************************

في الساعة الثالثة عصرًا وصلا إلى وجهتيهما..أطفئ المُحرك ثم أرجع رأسه إلى المقعد وأغمض عيناه..رفعت حاجبيها وتساءلت

-إيه!!
-رد عليها وهو مُغمض العينان:هو إيه اللي إيه!
-عقدت ذراعيها أمام صدرها وتشدقت بـ ضيق:مش وصلنا للواحات تقريبًا زي ما أنت عاوز!
-أها
-لتنتفض عروقها وهى تسأل:طب ليه مش هندخل؟

زفر بـ ضيق ثم إستغفر بـ صوتٍ عال وقال بـ نفاذ صبر

-مش هندخل دلوقتي
-وضعت يدها في خصرها وقالت:ليه بقى إن شاء الله؟
-هتف بـ إستفزاز:مش شغلك
-يباااي عليك واحد بارد..

إمتعضت ملامحه من لسانها السليط ولم يرد عليها..بل عاد وأغلق عيناه دون أن يُعيرها إهتمام...

مرت ساعة وأثنان وثلاثة ولم يدلفا إلى الداخل..كزت على أسنانها بـ غيظ من بروده ذاك..إلتفتت له لتجده نائم..جالت بـ عينيها عليه..لتجد مفتاح السيارة يتدلى جزء منه خارج جيبه..لمعت في رأسها فكرة وهى إنتشال المفاتيح والهرب منه..إمتدت أياديها بـ حذر إليه وهى تدعو في سرها أن يوفقها الله..قبضت على المفتاح وبدأت في جذبه بـ روية..وقبل أن يخرج كاملاً كانت يد يونس قابضة على يدها جاذبًا إياها إليه بـ قوة..شهقت هى بـ فزع وتقلصت معالمها إلى الهلع..كل ذلك ويونس مُغمض العينان..تحدث بـ تسلية

-بتعملي إيه يا كتكوتة!!..هى ماما معلمتكيش إن السرقة غلط؟
-تلعثمت في حديثها وهى تقول:أنا..آآ..بس..

هنا وفتح جفنيه لتظهر بنيته الساحرة..لتصطدم نظراته بـ نظراتها الهلعة..حدق ثوان بـ تيه داخل زيتون عيناها دون نبث حرف..وهى كذلك شعرت أن عيناه كـ بحر شيكولاتة ذائبة تغرق بها...

تنحنح يونس وهو يترك يدها قبل أن يُسحر بها كُليًا..وضع يده خلف رقبته وتحدث بـ صوت أجش

-هاتي المفاتيح عشان هندخل دلوقتي...

أعطته المفاتيح بـ يد مُرتعشة ليجذبها هو سريعًا من يدها..فتح السيارة ثم ترجلا منها بـ صمت..شاردًا هو بـ سحر عيناها..وهى شاردة بـ أن نظراته التي أسرتها هى خيانة عُظمى لـحبيبها عز الدين...
تحرك يونس بـ خفة معها في الظلام..يستغل ذلك الهدوء حتى لا ينكشف أمره..وبعد دقائق طويلة وصلا إلى منزل صغير..وقف أمامه قليلاً ثم طرق الباب بـ خفوت..سألته بتول بـ همس

-بيت مين دا!!
-هششش أسكتي

ثوان وإنفتح الباب ليخرج منه رجل قد تآكلت خُصلاه شيبًا..إنفرجت أسارير الرجل وهو يرحب بـ يونس

-صجر (صقر)!!..كيفك يا ولدي!!
-إبتسك يونس وهو يحتضنه:أنا كويس يا شيخ ابو عواد..

إبتعد أبو عواد وهو يقول بـ ترحيب

-إتقضلوا..إتفضلوا..يا مراحب

دلف يونس وكذلك بتول التي ترمقه بـ تعجب من ذاك الاسم..توجهوا إلى صالة التي هى على الطراز البدوي..ليجلسوا..رحب بهم كثيرًا وقدم لهما الطعام والشراب بـ بذخ..إبتسم يونس وهو يقول

-كنت عارف إني هلاقيك هنا مش فـ البيت الكبير
-أنت بتعرف ياصجر ما برتاح غير بهالبيت
-إبتسم يونس وقال:عارف عشان كدا جيتلك ع هنا
-تقلصت معالمه إلى القلق وهتف:كّنك!(ما بك)
-ربت على رُكبته وقال بـ إطمئنان:مفيش حاجة..بس أنا عاوز أبات عندك كام يوم وهفهمك كل حاجة
-زفر بـ إرتياح:يا لطييف رعبتني..أنا عينا إلك يا ولدي

أشار له ليقترب فـ فعل ليسأله

-ومين هاذه يا ولدي!

نظر له بـ إبتسامة ماكرة..ثم عاد بـ رأسه وأسمك بـ يدها والتي إنتفضت على إثرها وقال بـ خبث

-مراتي يا شيخ أبو عواد...
ستبقى عبقريًا حتى تقع في الحب...فـ تتحول تلقائيًا إلى كتلة غباء تمشي فوق الأرض....

شهقت بتول ومن ثم هدرت بـ سوقية

-نعم يا عمر!!

إرتفع حاجبي الشيخ أبو عواد..أما يونس فـ قد حدجها بـ نظرة نارية..جعلتها ترتعب..فـ عادت وهتفت بـ توتر ونعومة أُنثى

-مـ..مراتك بس يا عمري!!
-مش فاهم!
-كزت على أسنانها ولكنها أكملت بـ نفس النبرة الناعمة:دا أنا مراتك وحبيبتك وصاحبتك..أنا بس إنفعلت عشان مقولتش كدا

أدار يونس وجهه إلى الجهه الأخرى كابحًا ضحكاته التي كادت أن تنفلت..ليبتسم ذاك الشيخ وهتف بـ مكر

-والله يا بنيتي ما كنت بعرف إن فيه بنته تجدر (تقدر) تفوت على جلب (قلب) الصجر
-نظر لها بـ غموض إعتادت هى عليه:لأ فيه يا شيخ أبو عواد..

ثم ضغط على يدها وهو يحدجها بـ نظرة ذات مغزى وهو يهتف

-مش كدا يا حبيبتي!!
-ضيقت عيناها بـ توعد ولكنها هتفت بـ إبتسامة صفراء:طبعًا طبعًا

سبته سباب لاذع في سرها ليميل عليها هاتفًا بـ تحذير

-بطّلي شتيمة ولمي لسانك
-نظرت له بـ صدمة ثم هتفت بـ عفوية:بس أنا بشتم فـ سري عرفت إزاي؟
-داقق عصافير..وإتلمي يا بلائي الأسود

قالها وهو يحدجها بـ تسلية..ليعود ويلتفت إلى ذاك الشيخ وهتف بـ جدية

-بس إحنا هنحتاج مكان نبات فيه يا راجل يا طيب
-ربت الشيخ بـ إبتسامته التي لا تفارق وجهه ثم تشدق:داري مفتوح إلك بأي وقتْ..تعال معي جوم (قوم) نروح الدار الكبيرة..

نهض يونس تليه بتول ثم ساعداه لكي ينهض..وتوجهوا جميعًا إلى المنزل الكبير...

************************************

كان عز الدين شاردًا فيما حدث..ولكن الجزء الأكبر من تفكيره إستحوذت هى عليه..ثوان وأحس بـ أحدهم يدلف..نظر له فـ وجده ذات الشرطي الذي أتى صباحًا تأفف هو بـ ضيق ثم إعتدل في جلسته وهو يقول بـ تهكم

-جرى إيه يا حضرة الظابط هو أنت مواركش غيري!!
-لوى الشرطي شدقه بـ سخرية وقال:وهو حضرتك مستقل بـ نفسك!

رمقه عز الدين بـ ضجر ولم يرد..جلس الشرطي و وضع ساق على أختها ثم تشدق بـ جدية

-أنا عاوز أعرف إيه اللي حصل عشان نقدر نرجع خطيبتك بسرعة

إلتفت إليه عز الدين فجأة وإتسعت عيناه بـ دهشة..وقتها علم الشرطي أنه أصابه في مقتل..فـ قرر السير على هذا الوتر..فـ أكمل بـ مكر رزين

-حضرتك التصريح كان بيقول إنه هجوم إرهابي صح؟
-أماء بـ خفوت:أيوة
-نظر له الشرطي بـ نظرة ذات مغزى وأكمل:إزاي هجوم إرهابي من شخص واحد يدخل بيت زي حضرتك لأ ويقتل العدد دا

ضيق عز الدين عيناه ليبتسم الأخر ويُكمل حديثه

-مع إن الجثث كلها كان وشها ناحية جوه مش بره..مش دي حاجة غريبة؟
-أنت عاوز توصل لإيه!..إن الموضوع مدّبر أو في حاجة أنا ليا يد فيها
-حك طرف ذقنه وقال:أنا مقولتش كدا..أنا بقول إن الهجوم حصل من جوه مش من بره ودا معناه إنه دخل بـ حرفية

ضغط عز الدين على يده الغير مصابة بـ غيظ من ذاك الشرطي الذي يتلاعب به..فـ أكمل الشرطي حديثه بـ نبرة ذات مغزى

-معناه إنه متدرب كويس إن يدخل فـ فيلا زي فيلتك لأ ومعاد الحفلة اللي فيها شخصيات مهمة..دا ميدلش غير ع حاجة واحدة إنه مترتب..أو...

ولكنه لم يُكمل عبارته التي أثارت عز الدين ليهتف بـ تساؤل

-أو إيه؟ كمل يا حضرة الظابط
-ليُكمل الشرطي حديثه الغامض:أو اللي عمل كدا كان قصده يلفت النظر لحاجة معينة..ودا ميعملوش غير حد ليه عداوة معاك
-هز عز الدين كتفيه وقال بـ فتور:ودا شئ عادي ومين ملوش عداوة معايا
-نفى بـ رأسه سلبًا وقال:لأ اللي عمل كدا ليه عداوة كبيرة معاك ومش عادية
-مسح على فمه وتساءل:مش فاهم قصدك إيه!!..دا حادث إرهابي عادي

نهض الشرطي بـ بطئ ثم إقترب من عز الدين وتشدق بـ ثقة وهو يُثبت عيناه في عينا الأخير

-كدب..كل اللي إتقال كدب دا مش حادث إرهابي عادي
-لم يرمش لعز الدين جفن وتساءل بـ جمود:وحضرتك عرفت منين!
-إبتسم من زاوية فمه وأجاب:المذيعة كانت عينها بترمش كتير ودا يدل ع حاجة من إتنين..يا إما حد محفظها الكلمتين دول أو متوترة..

مط شفتيه بعدم إهتمام وأكمل

-بس رائي كـ ظابط..أنها كانت الأتنين مع بعض...

رمقه عز الدين بـ نارية تجاهلها الشرطي..الذي إعتدل في وقفته وتشدق بـ نبرة جافة

-أنا هسيبك تعيد حسباتك وتفكر فـ اللي قولته..يمكن تفكر تقولي الحقيقة وأقدر أنقذ خطيبتك من إيد الـ..الإرهابي

قال الأخيرة بـ سخرية وتقدم خطوتان ثم إستدار قبل أن يخرج وقال

-لو غيرت رأيك قول لحد من بره يكلمني..قوله عاوز الرائد عدي أبو شادي...

***************************************

وصلا أمام ذلك المنزل الكبير والذي يتوسط بلدة صغيرة في الواحات..همست بتول بـ نزق

-هو إحنا هنقعد فـ البيت دا!
-أجاب هو بـ سخرية:لأ هنقف فيه
-ما تبطل سئالة و ترد عليا زي الناس

قالتها بـ سخط على سُخريته منها..ليرد عليها بـ تهكم

-لما تسألي زي الناس الأول..إنكتمي بقى إحنا داخلين ع الناس...

صمتت على مضض ولم تتحدث ولكنها كانت ترمقه بـ نظرات ساخطة وممتعضة من ذاك الشخص السمج الذي يقف بـ جانبها...

ثوان ودلف الجميع المنزل..وما أن دلفوا حتى إندفع من فيه يُرحب بـ يونس بـ طريقة حميمية وكأنه إبنًا لهم..تعجبت بتول من ذلك ولكنها أثرت الصمت..

-صجر ولدي!

قالتها إمرأة تبدو في الخمسون من عمرها ليهرول لها يونس وإنحنى يُقبل يدها..كانت بتول تتعجب وأكثر لتتساءل في نفسها

-دول أهله؟..أنا مش فاهمة حاجة
-تعالي يا بتول

فافت بتول على صوت يونس الذي يحثها على القدوم..سارت ناحيتهم مُسيرة وقفت أمامه الذي قال بـ أمر

-سلمي على الحاجة
-هاااه

قالتها بـ بلاهة..ليزجرها بـ عنف

-مفيش هاااه

رمقته هى بـ ضيق..لتضحك السيدة وهى تقول بـ مرح

-براحة يا ولدي مش هيك..لا ترعب البنية..كون حليم معها..أنت بدك (تريد) إياها تكرهك!!
-إبتسمت بتول بـ بشاشة لتلك السيدة لتميل تحتضنها وقالت:مش بترعب منه يا حاجة..هو ميقدرش أصلاً يعمل حاجة

قالت العبارة الأخيرة بـ همس لتضحك السيدة وهى تقول بـ همس مُماثل

-وليش عم تجولي (تقولي) بهمس هيك!!..أنتي مّرة جوية (قوية) كيف ما تجولي..

إبتعدت بتول وهى تضحك بـ توتر..ولم ترد..ربتت على وجنتها بـ حنو ثم هتفت بـ صرامة

-يلا يا صجر تعوا (تعالوا) عشان تاكلوا
-وضع يونس يده على معدته وهتف بـ إبتسامة:والله مش هقدر يا أم عواد عمي قام بالواجب وزيادة..حتى مفيش مكان أحط شوية ماية

ضحكت..وعقبت بـ

-طيب هلا فوتوا ع غرفتك ياللي كنت تنام فيها جبل (قبل)..وأنا شويّ وراح أبعتلك هدمات يا بنيتي..
-تسلمي يا حاجة..
-هتف أبو عواد:يلا يلا..إستريحوا..

أماء يونس بـ رأسه ثم أمسك يد بتول وسحبها خلفه وصعد إلى غرفته التي يمكث بها قبلاً...

***********************************

دلف عدي إلى منزله مُبتسم الثغر..رآه والده على غير عادته المُتجهمة دائمًا..فـ سأله رفعت بـ تعجب

-أنت بتضحك يا عدي!
-إتسعت إبتسامته وإتجه إلى والده قائلاً بـ نبرة سعيدة:طبعًا يا سيادة العقيد..النهاردة إتطمنت ع يونس

إزدادت ضربات رفعت وسأله بـ نبرة مُرتعشة

-يعني إيه!!
أمسك يد والده يُقبلها وربت بعدها عليها..ثم قال بـ إبتسامة

-يعني إبنك بخير وزي الفل يا حج رفعت
-زجره والده بـ حدة:يا بني قول نشفت دمي
-ضحك عدي وقال:إهدى يا حج صحتك..المهم أنت شوفت الأخبار!

هز رأسه بـ لا..فـ بدأ عدي في الشرح لوالده الذي قال بـ دهشة

-يعني هو خطف بنت ملهاش ذنب دلوقتي!
-هز رأسه بـ نفي ثم أكمل:مسمهاش خطفها..هي بوصلة تأمين أنا عارف يونس بيفكر فـ إيه
-وهو بيفكر فـ إيه!!
-حك عدي جبهته ثم قال:مش هقدر أجزم ع كلامي إلا لما أشوفه
-قطب ما بين حاجبيه وتساءل:هتشوفه إزاي؟
-ضحك عدي بـ مكر:لأ دي سبهالي يا سيادة العقيد..أهم حاجة ماما مش لازم تعرف حاجة دلوقتي
-عندك حق..ممكن يجوا هنا و هى تقع بـ لسانها وتعرفهم كل حاجة

أماء رأسه بـ الإيجاب ثم أكمل حديثه

-مش عارف والله يا بابا إذا هما هيجوا ولا لأ!
-يعني!!
-وضع مرفقيه على رُكبيته ثم تشدق بـ شرود:هو فـ نظر الكل ميت..أه قلة اللي عارفين أنه عايش..بس كلنا حبكنا القصة عشان مش عاوزين غلطة تضيع كل حاجة حصلت..

صمت قليلاً ثم أكمل

-الناس عارفة إنه مجرد حادث إرهابي عادي..وعشان كدا عز الدين الكلب مش هيتصرف بـ غباء..بس برضوا منستبعدش إنه مخلي حد يراقب البيت..

نهض والده و قال وهو يتوجه ناحية غرفة زوجته

-قفل ع الكلام دا دلوقتي وميتفتحش كتير لا مع أمك ولا غيرها عشان نعرف هنعمل إيه

ثم تركه ودلف إلى الغُرفة..بينما ظل عدي على وضعيته وهتف بـ عزم وتصميم

-أول حاجة لازم أسافر الواحات وأقابل يونس...

*************************************

ما أن دلفا إلى الغُرفة حتى جذبت يدها عنوة عن يده..ثم هتفت بـ عصبية

-عاوزة أعرف إزاي تسمح لنفسك تقول إني مراتك!

لم يرد عليها يونس أو بـ الأحرى تجاهلها وإلتفت بـ ظهره..لتتحرك وتقف أمامه بـ عصبية وزعقت بـ حدة

-أنا مش بكلـ...

ولم تُكمل عباراتها إذ وضع يده خلف رقبتها وجذبها إليه يُكمم فاها بـ قبضته..وحدق في عيناها بـ غضب ثم هتف بـ فحيح أفعى

-صوتك يا حلوة ميعلاش عليا..أنا لحد كدا طيب معاكي ومش عاوز أقل أدبي عليكي...

أماءت بـ رأسها ونظراتها الهلعة لا تتزحزح عنه..أبعد يده عنها وإبتعد عنها كليًا..إلتقطت هى أنفاسها..ثم سألته بـ همس

-لو سمحت ممكن أعرف أنت ليه قولتلهم إني مراتك؟
-إلتفت لها عاقدًا لحاجبيه وتساءل بـ نبرة ساخرة:موطية صوتك ليه!
-تقدمت منه وأكملت بـ همس:عشان قولتلي متعليش صوتك عليا

إنفلتت منه ضحكات..لتعقد هى حاجبيها بـ ضيق..سكنت ضحكاته وتشدق مازحًا

-هو أنتي حافظة مش فاهمة!!..نفسي أفهم إيه اللي جوه دماغك!..مخ زيينا ولا محشي ورق عنب!
-هتفت بـ حدة:إحترم نفـ..سـ..ك

قالت الأخيرة ونبرتها تخبو ما أن لاحظت نظراته الحادة لها..تنحنحت بـ خفوت وأسبلت جفنيها بـ براءة لتصرف تفكيره الحاد عنها

-ممكن تجاوبني بليييز!!
-هز رأسه بـ يأس ثم هتف بـ نفاذ صبر:أنا وقعت نفسي فـ مصيبة سوده..أقسم بالله أنتي عملي الأسود

مسح على وجهه وأجابها بـ هدوء ظاهري

-بصي أنا مينفعش أدخل بيت ناس عرب وأنا ساحب مزة فـ إيدي
-أشارت لنفسها وقالت:أنا مزة!!..الله يكرمك..شكلك بتفهم

وضع سبابته على فاه في إشارة أن تصمت..لتغلق فمها على مضض وأكمل وهو ينظر لها شذرًا

-وأقولهم خاطفها..فـ كان لازم أقولهم مراتي..وإتصرفي ع هذا الأساس..
-لوت شدقها بـ ضيق ثم تساءلت:طب وإيه صقر دا!
-فصيلة دمي
-ضيقت عيناها بـ ثم هتفت بـ ضيق:الله إتكلم عدل يا جدع أنت
-زفر بـ نفاذ صبر وهتف من بين أسنانه أسمي يونس وبيدلعوني يقولولي يا صقر..إرتحتي!!
-زمت شفتيها ولم ترد..ثم أكملت:طب و دول مين؟

كور قبضته وتأفف قائلاً

-يا دين النبي ع الأسئلة اللي مبتخلصش
-هتفت بـ توسل وهى تضرب صدرها عدة مرات بـ خفة:عشان خاطري..عشان خاطري
-دول مش أهلي بس تقدري تقولي بعتبرهم كدا

كاد أن تتفوه بـ مزيد من الأسئلة إلا أنه قاطعها بـ صرامة

-مش عاوز أسمع أسئلة تانية..وإرحمي دماغ أمي العيانة

إمتعضت ملامحها ثم وضعت يدها أسفل وجنتها وصمتت وهى تنظر له بـ ضيق من وقت لأخر...

ثوان وسمعا طرق على باب الغرفة..ليتقدم يونس ويفتحه..فـ ظهرت فتاه صغيرة وهى تقول بـ براءة

-ستي بعتت إلكوا هاذه الدبشات (الملابس)
-وضع يده على رأسها ثم قال بـ إبتسامة:شكرًا ياقمراية

إبتسمت بـ طفولة ثم ركضت..أغلق هو باب الغرفة ثم إلتفت لها قاذفًا الثياب في وجهها..لتُبعدهم بـ ضيق..لم يُعرها إهتمام وقال دون أن ينظر لها

-قومي غيري هدومك فـ الحمام وأنا هغير هنا
-عقدت ذراعيها أمام صدرها بـ ضيق طفولي وتشدقت:مش عاوزة
-أشاح بـ يده:عنك..

أمسكت إحدى الوسادات قاصدة قذفه بها إلا أنه أشار بـ يده دون أن يستدير وهتف بـ تحذير

-أنا لو منك أفكر مليون مرة قبل ما أعملها

رفت بـ عينيها عدة مرات علها تستوعب ما تفوه به حتى الآن..أُلجم لسانها من الدهشة وسكنت..أما هو إرتسمت إبتسامة تسلية على وجهه وهو يُحدث نفسه بـ مرح

-لأ مُسلية بجد

وشرع في نزع ثيابه عنها بدئًا من قمصيه ليظهر جذعه العلوي عار..صكت هى صدرها ثم تبعتها شهقة زاجرة إياه بـ عنف

-هى حصلت!!
-إلتفت لها على حين غُرة وتساءل بـ عقدة حاجب:إيه دي اللي حصلت؟
-أشارت بـ يدها و وجنتيها تشعان خجل:كدا..تعمل اللي أنت بتعمله دا
-مش فاهم
-أغمضت جفنيها وأعتصرتهما وهى تقول:بتقلع قدامي!..مش خايف ع مشاعيري كـ بنت!!

وضع يده على عيناه يكتم نفسه من سبها بـ سباب لاذع..تقدم منها بـ خطى وئيدة..وهى لا تزال مُغمضة العينين..شعرت بـ سخونة فجأة تلفح بشرتها..لتفتح عيناها التي إتسعت بـ هلع وهى تراه وجهه على بُعد إنش منها..بـ الإضافة إلى يداه التي تُحاصرها من كِلا الجانبين..عادت بـ جسدها إلى الخلف..ليميل عليها أكثر..لم تستطع الحديث مما يحدث..فـ همس هو

-أنا مش خايف ع مشاعيرك كـ بنت!..أنا عشان خايف عليكي شخصيًا مكنتش طولت صبري عليكي
-تساءلت بـ إرتعاش:مش..مش فاهمة
-إبتسم بـ جاذبية وهو يتأمل خجلها:مش من عادتي إني أصبر ع طولة لسان حد..أه هادي لكن أنتي بتجننيني..محدش يقدر يعصبني بس أنتي بتخليني حاسس بـ بركان جوايا وببقى عاوز أخنقك بـ إيديا...

أغمضت عيناها ثم فتحتهما مرة أخرى..ليأسر عيناها بـ بنيته الساحرة التي تعمقت النظر بها..ظل لحظات لا يستطيع السيطرة على تلك المشاعر الهوجاء التي ضربته بـ قوة..تلك الصغيرة تبعث في نفسه ذبذبات عنيفة تُطيح بـ كل ما تعلمه عن السيطرة على النفس..عدة ساعات كانت كفيلة بـ أن تقلب موازين يونس ذلك الضابط إلى يونس المُراهق...

إستعاد توازنه مرة أخرى وإبتعد عنها بـ بطئ كما إقترب منها..إستدار وهتف بـ نبرة ثابتة

-خشي غيري هدومك يا بتول..خشي وإتمسي
-قبضت على ثيابها بـ قوة ثم ركضت وهى تقول بـ نبرة لاهثة:أوامرك

دلفت إلى المرحاض وأغلقت الباب من خلفها..بينما هو نظر مكان فراغها بـ نظرات قاتمة وهو يهتف في نفسه..

-وبعدهالك يا يونس مش حتة عيلة تعمل فيك كدا..دول حيالله كام ساعة قضتهم معاها...
حينما وجدت اشباه ملائكه البشر تسكن ارضي
تغيرت مشاعري
اصبحت فوضى تبعثرني بين ساعه واخرى
متعه العذاب في حيرة الغرام
رائعه هي معزوفة اللقاء

ظل عقله يُفكر في أمر تلك الجنية التي غزته بسرعة أخافته..تلك أول مرة يتحادث معها ولكنها لم تكن الأولى بـ رؤيتها...

أما هى في داخل المرحاض تضع يدها على صدرها الذي يعلو ويهبط بـ شدة من فرط التوتر و...بعض المشاعر التي دغدغتها..وقفت أمام المرآه تتأمل ملامحها..مسحت على وجهها ثم وضعت يدها على فاها..لمحت خاتم خطبتها من عز الدين..ظلت تتأمله قليلاً قبل أن تهتف بـ فزع

-إيه اللي أنا بعمله دا؟..المفروض مشاعري ملك عز الدين وبس..مش هسمحله يـ..يعمل كدا تاني.مش هخليه يلغبطني كدا...

حسمت أمرها وأبدلت ثيابها..التي سُرعان ما تأملتها بـدهشة..وهتفت بـ خجل وهى ترى هيئتها

-أنا هطلع قدامه كدا!!..

إعتدل على الفراش مُستندًا بـ جذعه العلوي على الفراش..يجلس نصف جلسة ثم وضع قدم على أخر وتشدق وهو يعقد ذراعيه أمام صدره

-دلوقتي لازم أتحرك لأني مش لازم أقعد فـ مصر كتير..

وما أنهى عبارته حتى وجد باب المرحاض يُفتح بـ بطئ..إشرأب بـ عنقه ليرها..وبالفعل خرجت وهى تُخفض رأسها إلى أسفل..إتسعت عينا يونس بـ دهشة حقيقية ثم ما لبث أن أنفجر ضاحكًا على هيئتها..رمقته هى بـ ضيق وهتفت بـ إنفعال

-متضحكش
-وضع يده على معدته وقال من بين ضحكاته:وعيزاني مضحكش ع شكلك دا وأنتي شبه بهانة كدا!

قالها وظل يضحك..فـ كانت ترتدي إحدى عباءات تلك السيدة البشوش ذات الجسد الممتلئ لتغرق هى فيها..كما أن ساقيها حتى ما بعد رُكبتيها نظرًا لقِصر قامة العجوز.. زمت شفتيها بـ عبوس وقالت بـ دفاع

-طنط أم عواد هى اللي إدتهولي أعمل إيه!..أقولها مش عاجبني؟
-وضع يده على عيناه وهتف بـ سخرية:لأ طبعًا..بس شكلك لايق فيها...والله شبه بتوع السرايا الصفرا
-ضيقت عيناها وضربت الأرض بـ قدميها ثم قالت بـ حدة:أهو أنت يا يونس الكلب

وجاءت عند "الكلب"وأخفضت صوتها..ليقول هو بـ تحذير

-أهو الكلب دا هيجي يعرفك الكلاب بتعمل إيه
-إتسعت حدقتيها بـ رعب وهتفت بـ توسل:لالالالا..أنا مقولتش كلب أنت ياللي بيتهيقلك..
-ضرب كف على آخر وهتف:نفسي أفهم لما أنتي بتموتي فـ جلدك كدا بـ تتهبي تطولي لسانك ليه!!
-أهو أنت اللي بتتهبب

نهض هو ليُخيفها..فـ ركضت هى إلى داخل المرحاض وأغلقت عليها..إبتسم ثم قال بـ خفوت

-مجنونة..أنا وقعت فـ مجنونة...

تقدم من باب المرحاض ثم طرق عليه..ليأتيه صوتها المُرتعب

-أنا اللي بتهبب مش أنت..عشان خاطري متدخلش
-ضغط على فكه السفلي بـ غيظ ثم قال:يا أم مخ جزمة..أنا بخبط عليكي عشان أقولك أنا نازل شوية..ومتطلعيش من الأوضة
-تشدقت بـ صوتٍ عال:مش هطلع من الحمام أصلاً...
-يارب

هتف بها يونس بـ تضرع ثم رحل وتاركًا إياها ترتعب وحدها في المرحاض....

**************************************

بـ الأسفل كان أبو عواد و زوجته يتحدثان عنهما..إرتشف أبو عواد من قدح الشاي الخاص به ثم قال

-لا تدخلي يا أم عواد..يونس وبنثج (بنثق) فيه..مرته أو لأ..ما يعنينا
-هتفت هى بـ ذهول:كيف ما يعنينا يا شيخ!!..ديّ بنية وهو رچال..وما بينهم رابط ولا زواج..كيف بينتركوا لحالهم؟
-نظر لها مُطولاً ثم تشدق بـ إصرار:جولتلك (قولتلك) أنا بثج إبيونس كيف ما بثج بحالي ويمكن أكثر..وأنا بعرف إنه ما راح يجرب (يقرب)منها لو مش مرته

صمت قليلاً ثم أكمل حديثه بـ صرامة

-مش عاوزك تحكي معه بـ هذا الموضوع..جفلي (قفلي)..و لاتفتحي معهم هذا الموضوع...

قاطع حديثهم يونس وهو يتقدم بـ إبتسامة..وهتف

-السلام عليكم
-ردد الإثنان:وعليكم السلام يا ولدي..تعال إجعد (أقعد)
-تنحنح وقال:معلش يا عم أبو عواد..أنا رايح مشوار
-سألته أم عواد:وين رايح؟
-لعند عواد..هو فـ الديوان صح!!

أماء أبو عواد بـ رأسه ولم يتحدث..فـ أكمل يونس حديثه

-طب أنا هروحله عاوزه فـ موضوع
-إبتسمت أم عواد وقالت:روح يا ولدي..الله معك..ودير(خلي) بالك الدينا سواد
-إبتسم قائلاً:متخافيش عليا يا أم عواد..مش هتأخر..بعد إذنكوا..

ثم تركهم ورحل..لتنظر أم عواد إلى زوجها نظرات ذات مغزى..ليُبادلها بـ أخرى مُطمأنة....

************************************

-محمد أنت فين؟

هتف بها عدي الذي هاتف صديقه..فـ رد عليه الأخير

-أنا لسه مخلص شغل..خير فيه حاجة!
-أه كنت عاوزك فـ خدمة
-عقد محمد ما بين حاجبيه وتساءل:أأمر يا سيدي
-تشدق عدي بـ جدية:أنا ناوي أروح سفرية كدا مستعجلة وعاوزك تحاول بكرة تتصرفلي فـ أجازة يومين

صمت صديقه قليلاً وهتف بـ جدية

-يونس!!
-تنهد عدي وقال:أه..بس مش هقدر أقولك فين
-أماء صديقه بـ تفهم وقال:وأنا مش عاوز أعرف..أنا فاهم أنت بتفكر فـ إيه

أخذ محمد أنفاسه ثم أكمل بـ نبرة جادة

-هتصرفلك بكرة فـ أجازة متقلقش
-تشدق عدي بـ إمتنان:شكرًا يا محمد هتعبك
-ليقول محمد بـ مرح:تعب إيه بس!!..أصله مش ببلاش يا سيادة الرائد

ضحك عدي ثم قال بـ مزاح

-طالما إستغلال بـ إستغلال..يبقى كمل جميلك بقى وإعمل اللي هقولك عليه
-هااا قول يا سيدي

أخذ عدي نفس عميق ثم زفره على مهل وهتف بـ نبرة قاتمة

-عز الدين
-قطب محمد حاجبيه وقال:ماله عز الدين؟
-مسح عدي على وجهه وقال:لعبت فـ دماغه والمفروض ودا طبعًا إحتمال ضئيل إنه هيقول شوية حاجات بس أكيد فيها تغيير جذري بس ع الأقل نعرف حاجة وآآ..
-قاطعه محمد بـ ضيق:من غير الموشح دا..قول ع طول
-تأفف عدي وقال:تابع معاه وراقبه كويس وقوله إني إتبعت مأمورية..وإعرفلي بيكلم مين وبيروح فين وكل حاجة
-طيب يا سيدي
-معلش بتقل عليك

إبتسم صديقه ثم صمت قليلاً وقال بعدها بـ نبرة صادقة

-خلي بالك من نفسك وإعرف إنهم هيراقبوك..
-وضع يده على عيناه وقال:عارف عشان كدا عامل إحطياطاتي..كل اللي عاوزه بكرة تشتيت فكرهم عنها حتى عما أبعد
-تمام..وأنا قبل ما أروح لشغلي بكره..هطلع لعز الدين واقوله أنك فـ مأمورية بحيث يكون المراقبة ع البيت بس
-رد عليه عدي بـ تحذير:دا بعد أما تظبط الدنيا مع العقيد
-تساءل محمد:العقيد رفعت؟
-هتف عدي مُسرعًا:لأ أنا مبثقش فيه زي يونس ما بيثقش فيه
-أومال مين قصدك!
-العقيد سعد..هو اللي هيقدر يظبطلنا الدنيا..خصوصًا لما تعرفه حكاية يونس..
-تمام يا صاحبي..ربنا يرجع يونس بخير وتتظبط الدنيا بقى
-تشدق عدي بـ رجاء:يارب والله..عشان أنا تعبت
-قال محمد بـ مواساه:خلاص هانت يا معلم إجمد أنت بس..
-إن شاء الله..يلا سلام

ثم أغلق الهاتف و أراح ظهره على الوسادة وهو يُفكر كيف ستكون المقابلة بينه وبين ذاك الغائب مُنذ عامان...

***********************************

دلف يونس إلى ذلك الديوان..وسأل العامل عند عواد فـ أشار بـ يده إلى مكانه..إتجه إليه ثم وضع يده على منكبه هاتفًا بـ مزاح

-كيفك يا رچال؟

إلتفت عواد لذلك الشخص الذي يُحدثه وما أن رأى يونس حتى هتف بـ سرور

-صجر!!..إبن العم!..إشتقتلك يا صجر

ثم عانقه بـ قوة ليُبادله يونس العناق..ثم قال بـ ترحيب

-إجعد..إسترح..چيت لهون أمتى؟
-جلس يونس وقال:لسه مبقاليش ساعتين
-ربت على رُكبته وهتف:يا مراحب..يا مراحب..والله إشتقنالك يا صجر
-إبتسم يونس وهو يقول:وعشان كدا قولت أزوركم

إبتسم عواد ثم نادى أحد العاملين وطلب منه إحضار بعض المشروبات والفاكهه..إنصرف العامل وساد الصمت قبل أت يكسره عواد بـ سؤاله

-كيف كان الأسر يا صجر؟!
-ضحك يونس وقال:ممتع..مقدرش أقولك الخدمة كانت إيه..حكاية..إتوصوا بيا ع الأخر

قالها وهو يحك مؤخرة عنقه..لتصدح ضحكات عواد الذي قال بـ مزاح

-ظاهر بـ وشك..حتى أنت مختلف عن سابج (سابق)

إبتسم يونس من زاوية فمه..ليأتي بعدها العامل ويضع المشروبات والفاكهه ثم رحل في صمت..مال يونس على عواد وسأله بـ همس
-الأمانة لسه معاك!

نظر له عواد..ثم مد يده إلى عنقه وأخرج قلادة ونزعها عنه ثم أعطاها إلي يونس قائلاً بـ جدية

-ما جلعتها (قلعتها) من يومها..أنت وصيتني وأمنتني وأنا كنت جد (قد) هذه الأمانة
-أخذها منه ثم ربت على فخذه وقال بـ نبرة صادقة:عارف عشان كدا مأمنتش غيرك
-تسلم يابن العم

إرتدى يونس القلادة مرة أخرى والتي كانت تتدلى منها ناب صغير لإحدى النمور البرية..ثم قال عواد

-وبعدن إيش (ماذا) تساوي (تفعل)؟
-تنهد يونس وأجاب:هقعد هنا كام يوم وبعدها هسافر برة مصر..بـ اللي معايا دامش هقدر أقعد أكتر من أسبوع

هز عواد رأسه بـ تفهم..ليسأله يونس وهو يتفحص القلادة

-أومال فين كارت الميموري!
-حك عواد رأسه وقال بـ حرج:مع وداد!!
-عقد حاجبيه وتساءل:مين وداد؟
-قال عواد بـ ذهول:الغازية (الراقصة) يا صجر

ضرب يونس جبهته ثم تساءل بـ شئ من الغضب

-وحاجة مهمة زي دي تبقى مع رقاصة ليه يا عواد!!
-وضع يده على ذراعه ثم قال بـ تبرير:يا رچال لا تعصب..أنا فكرت أن شئ مهم مثل هذا لا يجوز يضل إمعايا كله..جولت لو لا قدر الله وحصل شي..لا تروح كلها

صمت يونس وكذلك عواد يلتقط أنفاسه ثم عاد يوضح

-وأنا طلبت من وداد إنها تحتفظ فيها..والحجيجة (الحقيقة) ما جصرت (قصرت)..
-حدثه يونس بـ تحذير:أوعى تكون قولتلها حاجة..تودينا فـ داهية
-إبتسم عواد وقال:لا..ما جولت شي..أنا طلبت وهى نفذت إوبس
-خلاص هنروح بكرة نجيبها
-كيف ما تأمر
أماء يونس بـ رأسه بـ رضا ثم هتف بـ إبتسامة وحرج

-متزعلش مني يا عواد دي حاجات تودي ورا الشمس
-ربت على منكبه وقال:مش واخد على خاطري..لا تجلج (تقلق)
-حيث كدا يلا نرجع البيت..عم أبو عواد مستنيك
-يلا...

ثم تحركا كِلاهما في إتجاه المنزل...

**************************************

كانت هى جالسة تُفكر في الإتصال بـ عز الدين..قبل أن تفيق على صوت يونس وهو يقول بـ سخرية

-متفكريش تعملي كدا ولا تطلبي من حد

رفعت رأسها بـ سرعة لتراه أمامها يهذي بـ تلك الكلمات وهتفت بـ عفوية

-أنت بتعرف منين!..هو أنا بفكر بـ صوت عالي؟

نزع تلك القلادة و وضعها في جيب بنطاله ..إلتفت إليها ثم قال بـهدوء

-مش محتاجة..أنا عارف بتفكري فـ إيه يا بتول

إنتفضت كـ من لدغتها أفعى وإتجهت ناحيته بـ سرعة جعلته يجفل..وقفت أمامه ثم أشارت بـ سبابتها المُرتعشة

-أنت عرفت اسمي منين!

عض على شفتيه بـ غيظ..أكل ذلك الخوف والإنتفاضة لمعرفته اسمها..كور قبضته وحاول أن يضبط أعصابه ولكنها لم تسمح له إذ سألته بـ صوت مُرتعب وكأنها تقف أمام جني

-عـ..عرفت اسمي..منين..أنا..أنا مقولتلوش
-جذبها من تلابيبها ثم هتف بـ زمجرة:هو أنتي حد مسلطك عليا!!..دا لو ربنا بيخلص مني ذنب مش هيبتليني بيكي...

لاحظ إرتجافة شفتيها..وعيناها التي بدأت تدمع..ليستغفر بـ صوتٍ عال ثم قال

-هو أنا مش قولتلك نزلو صورك فـ التلفزيون..وطبعي ينزلوا معلومات عنك يا بلائي الأسود..وعرفت اسمك منه..خلصت مش قضية

إرتخت معالمها..ليترك هو تلابيبها..فـ عدلت من ثيابها وهتفت بـ مرح وكأنها لم تكن مُنذ لحظان ستصاب بـ نوبة قلبية

-ما تقول كدا خضتني يا راجل

هز رأسه بـ يأس وأخذ يمسح على بـ عنف وهتف بـ تضرع

-يارب خلصني منها ع خير

نظر لها فـ وجدها تجلس على طرف الفراش وتساءلت بـ ثقة وكأن ما حدث لم يكن

-ها بقى كنت فين!
-وحياه أمك!!!

هتف بـ هذه العبارة بـ شئ من الحدة والذهول..ليرتفع كِلا حاجبيها وهى تنهره كما تنهر طفل صغير

-بس كدا عيب..ترضى حد يحلف بـ أمك!
-إنتفض بـ غضب:نعم!!
-أشارت بـ سبابتها في وجهها وقالت:شوفت شوفت..أهو أنت مترضاش..ليه بقى تقولي كدا؟..عيب يا يونس

هذه الفتاه ستصيبه بـ جلطة رُباعية الأبعاد..جلس على أحد المقاعد وقال بـ إمتعاض

-أنا أسيبهم يمسكوني أسهل وأرحم..
-تجاهلت عبارته الأخيرة وتساءلت:قولي بقى بتشغل إيه!..طالما مش هتجاوبني كنت فين
-أنتي عندك عته ولا تأخر ذهني!
-هتفت بـ توضيح:ع فكرة الأتنين واحد

رمقها بـ نظرات نارية تشي بـ نفاذ صبره..فـ أردفت مُسرعة

-خلاص مش واحد متزعلش أوي كدا..
-تأفف بـ ضيق وتساءل:أنتي عاوزة إيه!
-عقدت ذراعيها أمام صدرها وتشدقت بـ بساطة:بتعرف عليك..عاوزة أشوف أنا مع حد خير ولا شر!
-رفع حاجبه وهتف بـ برود:تفرق معاكي!
-أماءت بـ قوة:أه تفرق..عاوزة أعرف هعمل حاجة صح ولا غلط!
-نظر لها مُطولاً ثم قال:أنتي شايفة إيه!
-رفعت كتفيها بـ فتور ثم تشدقت:أنا مش شايفة حاجة..أنا معرفكش أساسًا من ساعة أما عرفتك..عرفت أنك هربان وقتلت ناس كتير..كفاية اللي عملته فـعز

حدق بها ثوان..ولم يرد لتُكمل هى وقد بدأت نبرتها في الإنفعال

-أنا مبثقش فيك..وكون إني بسألك وبحاول أتعامل معاك بتلقائيتي فـ دا عشان أتأقلم مع الوضع وأقدر أسايرك كويس...

نهضت لتقف أمامه..ليقف هو الأخر واضعًا يداه في جيبي بنطاله يُطالعها بـ برود..فـ أكملت حديثها وهى تلكزه في صدره

-إنما لو جاتلي فرصة أهرب مش هتردد ثانية..أنا معرفش عنك أي حاجة..أنت كلك ع بعضك غامض..بعكس عز..عز الدين أنا بثق فيه أكتر من نفسي..وبحبه أكتر من نفسي..وبكره الوقت اللي مقضياه معاك وأنا بعيد عنه..هو عنده نزاهة مش عندك..بيحب و آآآ...

ولم يدعها تُكمل عبارتها..إذ أمسك معصميها بـ قوة وضغط عليها بـ طريقة آلمتها..ثم جذبها ناحيته وهدر بـ شراسة

-أوعي..شوفي أوعي تكمليها..أنتي لسه صغيره عشان تفهمي الناس..حقك متثقيش فيا أنتي عشتي معايا قد أيه!..تعرفيني من أمتى!..عارفة عني إيه!!..ولا حاجة طبعًا

حدق في عيناها المُرتعبة وأكمل بـ نبرة حادة

-مسألتيش نفسك أنا مقربتش منك ليه!..مع أنه كان فـ إيدي؟..
-هدرت بـ إنفعال:ولا عز الدين عمل كدا..بالعكس عمره ما لمسني بـ طريقة مش كويسة..عشان بيحبني وبيحافظ عليا
-أكمل هو:وعشان عرفاه ومش متوقعة منه الغلط..أما أنا فـ ليه!..أنا فـ نظرك قتّال قتلة ومبتثقيش فيا..وزي ما بتقولي خاين..فـ واحد بمواصفاتي ليه ميرقبش منك..ليه معملش معاكس بـ اللي يكسر عز الدين!!

حدقت بـ ذهول..إلا أنه مُصيب في كونها تشعر معه بـ الأمان..لا تشعر بـ رهبة من وجوده جوارها..صمتت ولم تجد من الحديث ما تتفوه به..أرخى يداه عنها ثم تشدق بـ نبرة هادئة بعض الشئ

-أنا مش كدا يا بنت الحلال..أنا واحد برضي ضميري وربي قبل أي حاجة..بحط عقاب ربنا قبل عقاب البشر..بخاف من ربنا قبل ما أخاف البشر..أنا لو فيا ذرة من اللي قولتيه واللي أنتي مش حساه منه..كنت قتلتك و محدش عرف وكدا كدا هو مفكر إنك لسه تحت إيدي...
-هو..هو أنت ممكن تقتلني!
-تنهد يونس وهو يترك يدها:لو كنت عاوز أعملها كنت عملتها..أنا قولتلك من الأول إني محتاجك أخرج بس من البلد وبعدها أنتي حرة تروحي لعز الدين تروحي للعفريت الأزرق مليش دعوة..

إبتعدت عنه ولم تتحدث ولكن بـ رأسها مئات الأسئلة..ولكن أيضًا لا تستطيع التفوه بها قبل أن تُرتب أفكارها المُشتتة وأولها..لما هذا الأمان مع ذلك الغريب والذي لم تشعر به مع عز الدين!!!....
الحب أعمى والمحبون لا يرون الحماقة التي يقترفون...

-خطفوها

قالها إحدى الفتيات التي دلفت على شخصًا ما والذي كان يقوم بـ تدقيق بعض الورق..وبعدما سمع هذا الخبر حتى رفع رأسه وتساءل

-مين دي!!
-رفعت الفتاه أحد حاجبيها وتساءلت:أنت مسمعتش الأخبار!
-لأ..بقالي كام يوم مش متابع ومخترجش من المكتب بقالي يومين..في إيه يا روضة ومين اللي إتخطفت دي؟

جلست المدعوة روضة على مقعد أمام مكتبه وتشدقت بـ توضيح

-البنت خطيبة سيادة الوزير في حد خطفها
-إبتسم بـ سخرية وقال:بجد!..طب كويس
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت:كويس إزاي!

ألقى ما بـ يده وطالعها بـ سوداوتيه بـ نظرات شيطانية

-كدا رقبة عز هتيجي تحت رجلي
-إرتفع كِلا حاجبيها بـ إعجاب وقالت:قول كدا..أيوة وساعتها اللي أنت عاوزة هيتم

أماء بـ رأسه وهو بيتسم..فـ أكملت

-بس محدش يعرف مين خطفها..قال أنه حادث إرهابي
-طبعًا لازم يقول..عمومًا هو هيعرفني

إرتسمت ملامح التساؤل على وجهها فـ رد على سؤالها الصامت

-هيقولي عشان أرجعهالوا..
-قالت بـ رضا:دا شئ كويس..وساعتها هتضغط بيها عليه..لأ بجد برافو
-يلا مش وقته الكلام دا..أخلص الشغل اللي فـ إيدي وأبقى أفوق لعز الدين..وأنتي كملي شغلك..
-نهضت روضة وقالت:تمام..هروح أشوف الشركة التانية
-أشار لها:كويس فكرتيني..لو وافقوا ع البنود إمضي معاهم
-تحركت ناحية الباب وقالت:تمام..أول لما أخلص هجيلك...

ودلفت إلى الخارج وتركته يتحرك بـ مقعده بـ إستمتاع هاتفًا بـ تشفي

-وأخيرًا وقعت تحت إيدي يا عز الكلب...

*************************************

تأملها وهى تائمة تتكوم على نفسها كـ الجنين في طرف الفراش..لا يدري أيترك لـ فؤاده العنان ويعشقها!..أم يروضه عنها؟..فهى تعشق أخر الرجال المحترمين من وجهه نظرها..تنهد بـ حرارة لما يختلج قلبه من مشاعر تُرهقه ثم نهض عن موضعه وتوجه إليه..إنحنى بـ جزعه ليحملها ويُعدل من وضعيتها..وقبل أن يعتدل لثم جبينها بـ قُبلة رقيقة وهتف بـ همس وهو يتأملها

-طلعتيلي زي الجنية وشقلبتني كياني فـ كام ساعة..

ثم جذب عليها الغطاء ودثرها جيدًا..توجه هو إلى الأريكة وتمدد عليها وحاول أن يحث جفونه على الإنغلاق..ليُداعبه النوم بعد دقائق فقدْ أُرهق اليوم...

في صباح اليوم التالي شعر بـ شئ يوضع عليه ويدًا ما تتلمسه بـ لمسات خفيفة..ليطبق هو على تلك اليد بـ سرعة و قوة فتاكة لتصرخ بتول بـ ألم ثم قالت

-إيدي يا متوحش

أرخى يده عنه ثم أعتدل في جلسته لينسدل الغطاء عنه..بينما يده تفرك وجهه والناعس فـ هتف بـ صوت مُتحشرج من النوم

-بتعملي إيه!
-أجابته وهى تفرك يدها موضع الألم:كنت بغطيك الحق عليا..خيرًا تعمل كسرًا تلقى
-زفر بـ إستياء ثم قال:أسف يا ستي..وبعدين أنا ظابط يعني همس أو لمس لازم أفوق وأعمل اللي عملته

نظرت له شزرًا ولم ترد..نظر هو في ساعة يده وقال بـ إندهاش

-ياااه الساعة تسعة!..الواحد نايم بقاله عشر ساعات!

نهض من موضعه وهو يضرب على فخذيه..لتتراجع هى بـ رعب..تعجب من رد فعلها ذاك فـ سألها

-مالك؟
-ردت بـ توتر:هو أنت مش قايم تضربني!!
-عض على شفتيه بـ غيظ ثم قال بـ سخرية:لأ كفاية عليكي إيدك اللي كانت هتتكسر دي
-رمقته بـ حنق ثم قالت بـ ضيق:متوحش

أغمض عيناه وتجاهلها ثم توجه إلى المرحاض..فـ هتفت بـ غيظ

-يارب تقع فـ البلاعة
-جاءها صوته العالي:سمعتك يا بتول

شهقت بـ فزع..ثم قالت بـ رجاء

-معلش متزعلش مني عيلة وغلطت

دلف خارج المرحاض وهو يتخلل يده في خصلاته القصيرة والتي تُقطر ماءًا..ثم قال وهو ينظر لها بـ تهكم

-خليكي راجل كدا فـ نفسك وإبقي أد كلمتك

تقدمت منه بـ خطى غاضبة أحس منها أنها ستلُقنه درسًا..أشهرت هى سبابتها في وجهه وهتفت بـ غضب جعل وجنتيها يشعان حُمرة

-لو سمحت أنا بنت مش راجل

لا يعلم أيصفعها!..أم يقوم بـ خنقها!..أم ماذا!..أكل ذلك الغضب من أجل أنها فتاه لا رجل!..حك طرف ذقنه وتشدق

-بتول!!..يلا ننزل نفطر الناس شكلهم مستنينا
-إرتخت معالمها في لحظات ثم هتفت بـ حماس:يلا

ضرب كف بـ أخر ولم يُعقب..إلتفت وكادت أن تحرك..إلا أنه أمسكها من مؤخرة عنقها وقال من بين أسنانه

-هتنزلي إزاي بـ منظرك السِمح دا..خشي إغسلي وشك وغيري هدومك يا ست زفتة..

ثم دفعها ناحية المرحاض..لتلفت له بـ حدة هاتفة

-طب متزقش
-أشار بـ حاجبيه وتشدق بـ صرامة:خشي

أغلقت الباب في وجهه بـ حدة..ليزفر هو بـ قوة وتضرع إلى الله وهو يضع يديه في خصره

-يارب صبرني على ما بلتني...

*************************************

دلفت إلى مركز الشرطة في خفية وصعدت إلى مكتبه الخاص..طرقت عدة طرقات ولكن لم يجبْ أحد..توجهت إلى أحد العسكر وهى تتأفف بـ ضيق..ثم سألته بـ جدية

-هو الرائد عدي أبو شادي مش موجود!
-تفحصها العسكري ثم قال بـ جمود:لأ يا ست واخد أجازة
-وضعت يدها عل جبهتها ثم قالت:طب متعرفش هيجي أمتى؟
-أجابها بـ جفاء:لأ معرفش..

نظرت له شزرًا ولم تُجبه..تحركت عدة خطوات في نفس الوقت الذي دلف فيه محمد مركز الشرطة..لتلحقه قائلة بـ لهفة

-سيادة الرائد!!

إلتفت محمد على ذلك الصوت الأنثوي الرقيق..ليقطب ما بين حاجبيه وهو يقول بـ جدية

-أفندم!
-حضرتك مش فاكرني!!

تطلع إليها محمد وهو يتأمل ملامحها الرقيقة عينان بندقيتان وخُصلات ذهبية..ذات بشرة سمراء فاتنة..قصيرة القامة ذات جسد مُمتلئ بعض الشئ..

تشدق محمد بـ نبرة عادية:الحقيقة مش فاكرة
-مدت يدها بـ إبتسامة عذبة:أنا روضة الشِهدي..المفروض أني كنت أقابل الرائد عدي بس هو فـ أجازة
-أماء بـ رأسه وقال:أه هو فـ أجازة
-أكملت حديثها:هو قالي لما ملاقيهوش..أقدر أتكلم مع حضرتك
-أشار بـ يده إلى صدره:أنا!
-أه

تلفتت حولها ثم قالت بـ صوت خفيض

-بس مش هينفع نتكلم هنا..ممكن نتدخل المكتب!!
-أه طبعًا إتفضلي

إبتسمت ثم تبعته إلى مكتبه..دلفا وأخذت تتأمل الغُرفة ليقطعه بـ صوته

-إتفضلي..إقعدي
-نظرت له ثم قالت:مرسيه

جلست أمامه على المقعد المواجهه لمكتبه..وضعت حقيبتها بـ جانبها ثم أخرجت بضعة أوراق..ليهتف هو قبل أن تتحدث

-تشربي إيه؟
-نفت بـ أدب قائلة:ملوش لزوم..أنا أصلاً هقول اللي عندي وأمشي لأنه مينفعش أفضل هنا كتير

قطب من عبارتها فـ أوضحت وهى تمُد بـ يدها الأوراق

-من فترة وأنا بشتغل مع الرائد عدي بـ شركة سيف الكردي وأجبله معلومات..أي معلومات أعرفها
-أمسك الأوراق من يدها ثم قال بـ تقطيبة عميقة:من فترة!!..بس أنا معرفش أي حاجة من دي..عدي مقليش حاجة
-إبتسمت بـ هدوء وقالت بـ تفهم:هو معرفش حد لأنه دا كان شغل خاص شوية..بس هو قالي فـ حال عدم وجوده اقدر أثق فـ حضرتك

تفحص محمد الأوراق وهو يستمع لها ولكنه لم يرد..أغلق ما بـ يده ثم تشدق بـ هدوء

-المعلومات دي حلوة جدًا..بس أنا المفروض أثق إن دا مش ملعوب!
-حقك يا سيادة الرائد..بس حضرتك ممكن تكلم الرائد عدي وهو هيفهمك..

نهضت تحت نظراته المُتعجبة وأكملت حديثها

-عمومًا كل حاجة مع حضرتك تقدر تتأكد منها كويس..
-طب لو سمحت رقمك واسمك عشان لو إحتاجتك

أخذت قلم و ورقة ودونت معلومات عنها بـ جانب اسمها ورقم هاتفها..ثم تشدقت بـ هدوء وإبتسامة

-دي شوية معلومات عني عشان لو حبيت تتأكد..بس لو سمحت يبقى فيه سرية فـ الموضوع لأن حياتي أنا اللي هتكون فـ خطر..

خطت خطوتان ثم عادت وهتفت بـ تذكر

-أه..سيادة الوزير هيطلب من سيف أنه يدور ع خطيبته المخطوفة..ولو خطيبته وقعت فـ إيده..قال أنه هيساوم عليها..بعد إذنك...

ثم تركته ورحلت...

**************************************

عاونه أحد رجاله في الدلوف إلى السيارة..ثم وتوجه إلى مقعده وتحرك بها تحت كاميرات الصحافة..أخرج هاتفه من جيب بنطاله ثم إتصل بـ سيف على مضض..ولكنه من أجل رجوع بتول..جاءه صوت سيف الظافر وهو يقول

-عز باشا!..حمد لله ع السلامة
-رد عليه عز الدين بـ جمود:الله يسلمك يا سيف..أخبارك!
-جاءه صوت سيف وهو يقول بـ مكر:أكيد متصلتش عشان تعرف أخباري

أبعد عز الدين الهاتف عن أُذنه ثم أطلق السباب اللاذع..أعاد الهاتف إليه ثم تشدق بـ ضيق

-عاوز أشوفك يا سيف
-امممم..عشان السنيورة اللي إتخطفت ولا إيه؟
-هدر عز الدين بـ غضب:إتكلم بـ أدب يا سيف الكلب عنها..وإعرف أنت بتكلم مين
-حدثه سيف بـ إستفزاز:براحة يا عز باشا أنت اللي محتاجلي مش أنا
-تأفف عز الدين وهتف بـ جفاء:قصره هتيجي ولا أشوف غيرك!!
-رد عليه الأخر بـ خبث:أجي طبعًا..دا أنا تحت أمرك
-تلوى شدق عز الدين بـ إبتسامة ساخرة وهو يقول:قصدك أما صدقت أقع تحت ضرسك..
-مط سيف شفتيه وقال:تفرق معاك!..أظن أهم حاجة بـ النسبالك أن خطيبتك ترجع..مش كدا؟
-زفر عز الدين بـ نفاذ صبر وقال:عاوز إيه يا سيف؟
صمت سيف قليلاً ليتأفف عز الدين..تحدث الأخير بعد برهة قائلاً

-خليها لما أشوفك..عشان الكلام يبقى ع نور
-ماشي يا سيف..أي حاجة بس أهم حاجة بتول ترجع..
-خلاص يا باشا..هجيلك النهاردة لما أخلص الشغل..فـ مكانا المعتاد

أكد على العبارة الأخيرة بـ تحذير..فـ هتف عز الدين

-خلاص ع عشرة بالليل نتقابل هناك...
-إتنفقنا..سلام

ثم أغلق الهاتف وعلى الجانب الأخر إبتسم سيف بـ خبث وقال بـ نبرة كـ فحيح افاعي

-وأخيرًا لاقيت نقطة ضعفك يا عز الكلب..الأيام بينا....

************************************

في المساء ظلت تجوب الغُرفة ذهابًا وإيابًا وهى تحدث نفسها بـ توتر

-كل دا وراح فين!..معقولة سبني هنا وخلع..واطي ويعملها

وما أن أنهت عبارتها حتى دلفت فتاه صغيرة..نظرت لها بتول بـ تعجب وتساءلت

-في حاجة يا شاطرة

أشارات لها الفتاه أن تنخفض..فـ فعلت بـ تأفف واضح فـ سألتها بتول بـ نفاذ صبر

-في إيه!!
-وضعت الفتاه يدها على فاها ثم تحدثت بـ صوت خفيض:أنا شوفت الصجر وهو خارچ من هون مع الخال عواد
-عقدت ما بين حاجبيها وقالت:راح مع عواد!..عواد مين؟
-أوضحت لها الفتاه:الصجر و الخال عواد يعرفوا بعض من زمان..ولهيك الصجر بيوثج (يثق) بالخال
-أمسكت يدها وسألتها:طب هما راحوا فين؟
-رفعت كتفيها وقالت بـ براءة:الخمارة

أغضمت بتول عيناها ثم فتحتهما مرة أخرى..وفعلت ذلك عدة مرات علها تعي ما وشت به تلك الفتاه..فـ عاودت سؤالها مجددًا

-قولتي إيه يا قمر!
-أعادت الطفلة العبارة مرة أخرى:بالخمارة
-حدثت بتول نفسها بـ تعجب:الخمارة!..اللي بيبقى فيها رقصات وخمرا ومنكر!!

صمتت تعض على شفتيها غيظًا ثم إنفجرت بـ غضب

-وعاملي فيها شيخ وبيخاف من ربنا!..دا أنا هطلع عينك يا زفت أنت..ماشي

نظرت إلى الفتاه ثم سألتها

-وأنتي عرفتي منين إني مش عارفة هو فين!
-ردت عليها بـ بساطة:سمعت من باب الغرفة..ودخلت أجولك
-أماءت بـ رأسها وتساءلت:تعرفي مكان البتاعة دي فين!

أماءت بـ رأسها بـ قوة..فـ أمسكت بتول يدها وهتفت بـ إصرار

-يلا..بس براحة

ثم تسللا خيفة ودلفا خارج المنزل..دقائق من الخطوات الواسعة وكانا أمام تلك "الخمارة"..على بعد خطوات منها..هتفت الصغيرة بـ حماس

-أهو الصجر هنيك

أشارت بيدها لتتطلع بتول مكان إشارتها..لتجحظ عيناها مما تراه..فـ كان يقف أمام فتاهٍ ما ويضع يده على وجنتها..لتضيق عيناها بـ وعيد..إنخفضت إلى الفتاه وقالت بـ صرامة

-روحي أنتي يا قمر عشان متتلوثش برائتك من اللي شيفاه دا..بس متعمليش صوت وأنتي داخلة ولا تقولي لحد عن مكانا

أماءت الفتاه بـ رأسها ثم ركضت..لتنهض بتول وتحركت بـ عزيمة وعيناها تُطلقان الشرر..

-بتعمل إيه يا صقر هنا!!

إلتفت كُلاً من يونس وتلك الفتاه والتي يظهر من ملابسها أنها إحدى الراقصات في ذلك المكان..لتتسع عينا يونس بـ دهشة قبل أن تضيق بـ غضب..ترك الفتاه ثم أمسكها من مرفقها وهزها بـ عنف زاجرً إياها

-بتعملي إيه هنا يا مصيبتي السودة!
-حاولت إخراج يدها من براثنه وهى تقول بـ شراسة:بشوفك ع حقيقتك يا كداب..وعمّال تقولي بخاف ربنا ومش عارف إيه..و واقفلي مع رقاصة!..رقاصة!..طب إستنضف
-ردد ما قالته بـ ذهول:أستنضف؟..أنتي أتخبلتي فـ عقلك ولا إيه!

همت بـ الرد ولكن أتت تلك الراقصة وهتفت بـ توجس

-فيه حاچة يا فهد!
-رفعت حاجبيها وهتفت بـ عصبية:ويطلع إيه فهد دا كمان!
-مال عليها وهتف من بين أسنانه:حسابنا لما نرجع

لم يُمهلها الرد وإلتفت إلى وداد وقال بـ إبتسامة مُصطنعة

-مفيش حاجة يا وداد..بتكلم مع مراتي بس
-أماءت بـ رأسها بـ تفهم ثم قالت:طيب يا فهد..لا تتأخر.وجفتنا (وقفتنا) هون مو (مش) صح
-رد عليها بـ هدوء:حاضر يا وداد..دقيقة بس

ثم إلتفت إلى تلك الواقفة بـ تذمر وتُهمهم بـ كلمات لم يلتقط منها سوى تلك الجُملة

"إيه جنينة الحيوانات اللي بينادوك بيها دي"

-همس بـ جانب أذنيها بـ حدة:جنينة حيوانات!!..ماشي يا بتول إما حطيتك للأسد عشان ياكلك وأرتاح منك ميبقاش اسمي يونس
-أشاحت بـ يدها بلا مبالاه:يا جدع أسكت بقى..دا تحت السواهي دواهي صحيح
-كز على أسنانه وهو يُجيب:بلاش تختبري صبري...

وقطع جُملته على صوت ذلك الرجل وهو يقول

-أنتوا مين وإيش تساوا هون!

إختبأت بتول خلف يونس بـ خوف..من هيئة تلك الرجل المفزعة..بالإضافة إلى حمله بندقية ويوجهها ناحيتهم..وقبل أن يتشدق يونس كانت وداد تتسلم دفة الحديث

-عايد!!..ها دول الناس إمعايا..لا تجرب منهم

ألتفتت وداد لهم وقالت بـ هدوء

-عايد..زوجي
-وداد!!

هتفها الرجل بـ ذهول ثم تقدم منها بـ غضب وصاح بها

-إيه چابك هون وتاركة الخمارة؟وجفالي مع رچال!
-لطمت بتول على وجنتها وتشدقت بـ جزع:يا لهوي الراجل هيغسل عاره بينا
-نظر لها شزرًا ثم إلتفت إلى الرجل وقال بـ هدوء:إحنا زباين يا أخ عايد

نظر لهم الرجل بـ تفحص دقيق ثم قال

-زبون!!..طيب خلاص فوتوا معي
-فتحت بتول فمها بـ بلاهة وقالت:عادي كدا!..طالما زباين ندخل..إيه الراجل دا؟

خرجت من خلف يونس ثم تشدقت بـ ذهول

-هو أنت هدخله عادي!..أنت من شوية كنت هتقتله عشان كان واقف مع الأستاذة
-ليقول الرجل بـ بساطة:هو بيجول زبون..وين المشكل؟
-رفعت حاجبيها و تشدقت:اااااه..كنت هتقتله من شوية مع الزوجة الفاضلة ولما طلع زبون و برضو مراتك هترقص لنفس ذات الشخص.. إيه المشكلة!..إيه الراجل القفا دا؟

وصل إلى مسامعه ما قالت..ليضحك يونس بـ خفوت ثم قال بعدها

-طب يلا ندخل
-نظر عايد إلى بتول وقال وهو يقبض على فكه:بس البنية ما يصح تفوت..هون ما بيفوت حريم
-وضعت يدها في خصرها ثم تشدقت بـ تذمر:ليه إن شاء الله!..دا ع أساس إن مراتك من فصيلة القرود!

ضحك يونس مرة أخرى..وما أن لاحظ تجهم قسمات الرجل..حتى أخفى إبتسامته ولكزها بـ حدة في ذراعها وحذرها بـ صوتٍ عال

-لمي لسانك بقى..ويلا عشان ندخل

ثم رفع نظراته إلى الرجل وقال بـ إبتسامة

-معلش هى تبعي يا أستاذ عايد
-نظر لها بـ عدم رضا ثم قال:خلاص تفوت..بس أنا مو رايد مشاكل الله يرضى عليك
-متقلقش..مش هتتنقل من جمبي

ثم تحركوا جميعًا وهو يجذبها من مرفقها قائلاً بـ وعيد

-ماشي يا بتول..لو عملتي مشكلة أنا اللي هخلص عليكي..
-براحة عليا..

قالتها بـ صوتٍ ضاجر..ليتأفف هو بـ ضيق..وما كادا أن يدلٌفا حتى سمعا صوت من خلفهما وهز يهتف

-يونس!!!
قمة الخذلان، أن أحفظ عهدكِ، وأصون ودَكِ وأُذكر نفسي بأنني يجب أن أراعي ما بيني وبينك، وفجأة يضيع في لحظةٍ كل شيء.

إلتفت يونس و بتول على ذلك الصوت ليتفاجئ بـ شقيقه عدي..ترك يونس يدها وإتجه ناحية عدي وإحتضنه بـ قوة وكذلك الأخير بادله الإحتضان..إبتعد يونس عنه وتساءل

-عرفت إني هنا إزاي!
-إبتسم عدي بـ مكر وقال:تلميذك يا معلمي
-ربت يونس على كتفه وأكمل:عامل إيه وسيادة العقيد وأمك؟
-تنهد عدي بـ أسى وتشدق:أمك بتموت يا يونس لازم تروح تشوفها..

أخفض يونس وجهه وإرتسمت علامات الألم على وجهه ولم يرد..وعلى الجانب الأخر وجهت وداد سؤالها إلى بتول

-مين هاذا؟
-مطت بتول شفتيها وقالت بـ جهل:علمي علمك يا شابة

إلتفتت إلى الخلف فـ وجدت ذلك "اللطخ" كما لقبته الآن..ينظر لهم بـ نفاذ صبر..لتربت على ظهر وداد قائلة بـ سخرية

-روحي يا شابة لجوزك الناس كلت وشه جوه..دا حتى بقى أد اللقمة..خشي يا ضنايا

كانت وداد تستمع لها فارغة فاها لما تقول تلك المجنونة التي أمامها..لتعود بتول وتُكمل

-خشي يا ست جوزك هيطق..

نظرت وداد إلى زوجها ثم عادت بـ نظرها إلى بتول وتشدقت

-طيب..أنا راح أدخل مع عايد..وأنتم لا تتأخرون..
-طيب يا ماما يلا وإحنا هنحصلك...

دلفت وداد ثم إتجهت بتول بـ نظرها إلى يونس وذاك الشخص الغريب الذي يقف جانبه بالنسبة لها..وعزمت على التوجه إليهم...

-طيب هتعمل إيه يا يونس!
-حك يونس مؤخرة عنقه وقال بـ حيرة:مش عارف..بس حاليًا مش هعرف أجي أشوف أمي..أكيد عز الكلب مراقب الدينا وأكيد مراقبينك وبـ كدا مش هعرف أتحرك وهى معايا..

تحرك عدي بـ نظره إليها لتمتعض ملامحه سريعًا وهتف بـ ضجر

-وليه واخدها معاك!..
-زفر يونس بـ ضيق ثم قال:محتاجها عشان أخرج بره مصر..بس والله إبتلاء
-جاءه صوتها المُمتعض:مين دي اللي إبتلاء يا عنيا!

وضع يونس يده على عيناه ولم يرد..بينما عدي قد إرتسم على ملامحه التعجب و بـ إمتعاض أكبر تشدق

-بقى دي خطيبة وزير!!..
-وجهت نظراتها لذلك الشخص و قالت بـ حدة:ومكنش خطيبة وزير ليه مشبهش ولا مشبهش
-تحدث عدي بـ سخرية: من ناحية كدا فـ أنتي فعلاً متشبهيش

كادت أن تنفعل أكثر و ترد بـ حدة..إلا أن يونس إلتفت لها على حين غرة وأمسك رسغها قائلاً بـ تحذير

-كلمة تانية يا بتول الكلب..وهدفنك مكانك
-لوت شدقها بـ ضيق ثم قالت بـ صوت خفيض:هو اللي بدأ..وبعدين مين الكائن دا؟
-كز على أسنانه بـ غيظ ثم قال:أخويا...

إرتفع كِلا حاجبيها بـ ذهول..ثم نظرت إلى عدي نظرات ضيقة..عادت بـ نظرها مرة أخرى إلى يونس وأكملت بـ تبرم

-أنا قولت كدا برضو..سبحان الله نفس السماجة
-إنفجر في وجهها قائلاً بـ صوتٍ عال:ياااارب

عادت بـ رأسها إلى الخلف ورفت بـ عينيها خوفًا..تركها يونس وإلتفت إلى عدي هاتفًا بـ جدية

-عدي يلا ندخل عندنا شغل جوه...

أماء بـ رأسه وتوجه خلف يونس الذي رحل..رمقت بتول عدي بـ نظرات ضيقة وهو يمر بـ جانبها..ليضرب عدي كفًا على أخر من تلك المجنونة...

*************************************

جلس عز الدين على مقعد حديدي بـ نفاذ صبر فـ قد تأخر ذلك السيف كثيرًا..نظر إلى ساعته للمرة التي لا يعلم عددها وهو في الإنتظار..وضع يده على رأسه يدلكها من ذاك الصداع الذي داهمه..ليسمع صوت إنفتاح الباب وإنغلاقه بـ هدوء..وبعدها صدح صوت سيف الساخر

-باشا!..وأنا أقول البار منور ليه!

تلفت حوله ثم قال بـ مرح

-لأ و مفضي المكان..أحسن برضو عشان نبقى براحتنا
-أشار له عز الدين مُتجاهلاً حديثه:تعالى يا سيف نقعد مفيش وقت
-أوي أوي

قالها سيف وهو يسحب أحد المقاعد ثم جلس عليه أمام عز الدين..ليقول الأول بـ جدية

-سامعك يا باشا

أخرج عز الدين صورة من جيب سترته ثم وضعها أمامه..أخذها سيف وحدق بها ليقول الأول بـ جدية

-يونس
-رفع سيف نظراته المذهولة ثم قال:لسه عايش؟

أماء بـ رأسه بـ بطئ..ليهتف سيف بـ عدم تصديق

-طب إزاي؟
-تجاهل سؤاله وأكمل:تراقبلي أي حاجة تخصه..أخوه..أبوه..أمه..أي حد .وتعرفلي هو فين..يعني من الأخر عاوز رقبته تحت رجلي ويكون فـ نفس الوقت قدام عيني
-وضع سيف الصورة في جيب بنطاله وتشدق بعدما أُزيلت صدمته:يعني من الأخر..تلوي دراعه عشان يرجعلك خطيبتك..عاوز تخنقه
-بالظبط كدا..بحيث يكون مجبر يرجعها من غير أما أظهر فـ الصورة
-حك سيف طرف ذقنه بـ طرف إبهامه وقال:محلولة..بس لازم تديني خيط أبدأ منه..متحطنيش وسط صحرا وتسبني

إعتدل عز الدين في جلسته ثم مط شفتاه بـ جهل قائلاً

-معنديش فكرة..أنتو كنتوا فـ فرقة واحدة وأكيد عارف خطواته
-إبتسم من جانب فاه وقال:أكيد!!..جايب الثقة دي منين يا باشا؟..يونس محدش يعرف عنه أي حاجة..لا بيقول ولا بيعمل..عامل زي الشبح..يظهر فجأة و يختفي فجأة..
-تنهد عز الدين بـ نفاذ صبر:مليش دعوة..إتصرف

نظر له سيف شزرًا ولم يرد..بينما نهض عز الدين وأغلق زر حلته وتشدق بـ هدوء...

-ممكن تبدأ من فيلتي..من غير أما حد يعرف
-ماشي
-أكد عليه عز الدين قائلاً:الموضوع دا ينتهي بسرعة..ومن غير شوشرة

أشار له سيف بـ يده وكأنه يوافقه على حديثه..بينما رحل عز الدين....

*************************************

كانت بتول تُشاهد ما يحدث في الداخل فارغة الفاه..لا تُصدق أن تلك الأماكن المشبوهه والبدائية لا تزال موجودة..نظرت إلى تلك الراقصات والفتيات التي يتدللن على الرجال من أجل المال أو الرغبة..والرجال تسيل لُعابها بـ طريقة تقشعر لها الأبدان..كان يجلس بـ جانبها عدي يُراقب دهشتها..مال على أُذنها وهمس بـ سخرية

-هو البيه المحروس مدخلكيش أماكن زي دي ولا إيه!!
-إلتفتت إليه فجأه وتشدقت بـ عدم فهم:قصدك إيه!
-رد عليها بلا مُبالاه:ولا حاجة

إلا أنها لم تتحمل ذلك الحديث الغامض والذي يتلوى بـ معانٍ جعلت عروقها تنفر..فـ هتفت بـ عصبية

-هو إيه الشغل دا!!..أنت وأخوك عمالين تتهموا عز الدين بـ حاجات غريبة بدون وجه حق..ولا حتى عندكوا دليل..عز الدين أشرف راجل عرفته ولا هتتهز ثقتي فيه بـ اللي بتقولوه

أمسكها من رسغها وأجلسها عنوة وهتف من بين أسنانه

-صوتك والناس
-أشاحت بـ يدها في وجهه وقالت:أنا مالي ومال الناس..أنا مش عارفة أنتو ليه كارهين عز الدين!..واحد مفيش زيه وبني أدم محترم..
-تلوى شدقه بـ تهكم ثم قال:محترم؟..لأ وسعت منك دي..

وقبل ان ترد أكمل عدي حديثه بـ حدة

-بصي أنا مش هقولك هو عمل إيه..عشان مخك الصغير دا مش هيستوعبه..

قال العبارة الأخيرة وهو يُشير إلى رأسها ثم هتف مرة أخرى

-ثم أنك هترجعي لحبيب القلب بعد أما يونس يقدر يسافر برة مصر وخلاص فُضت الحكاية..بس أنا هكون أكتر من مبسوط وأنا بشوف رد فعلك وهو بيتقبض عليه..وساعتها هتعرفي هو محترم أد إيه

وأشاح وجهه عنها..وهى نظرت أمامها دون رد..تركته وتحركت من جانبه إلى أحد الزوايا علها تُصفي ذهنها...

ومن بعيد كان أحد الرجال الثملين يُراقب تلك المشاحنة بين رجلاً ما وفتاه جميلة..صور له عقله أنه يُريد تلك الفتاه ولكن بـ سعرٍ بخس وهى تُريد أكثر..إلتوى فمه بـ شهوة وهو يتأمل جسدها بـ رغبة فتاكة..ترك الكأس من يده وتوجه إليها بـ خطوات مُترنحة...

كانت تضع كِلتا يديها على وجهها وتبكي بـ صمت..ذاك الشخصان يضربان خطيبها في سمعته ونزاهته..وقلبها لا يُصدق ويُعميها عن حقائق جمة..وفي خضم أفكارها وحزنها..شعرت بـ يده تسير على طول ظهرها..لتنتفض بـ فزع وهى تلتفت إلى ذلك الثمل الذي ينظر لها نظرات دبت الرعب في أنحاء جسدها..هتفت بـ حدة مهزوزة

-عاوز إيه يا راجل أنت!!
-إبتسم بـ خبث ثم قال بـ ثمالة:عاوز اللي هو كان عاوزه
-نظرت له بـ عدم فهم وقالت بـ توتر:مش..مش..فـ..فاهمة
-إتسعت إبتسامه لتظهر أسنانه الصفراء وهو يقول:وماله..نفهمك...

من هيأته يبدو أنه ليس من البدو..وهذا ما جعلها تتشنج خوفًا أكثر..ضمت يديها إلى صدرها بـ رعب وعيناها تتحرك هنا وهناك علها تجد من ينقذها من براثن ذلك القذر..ولكن لم تجد..سلطت نظراتها عليه لتجد يده تمتد إليها أغلقت عيناها بـ..هلع وهى تدعو الله أن ينجدها أحد..

إمتدت يده إليها وعلى وجهه إبتسامة خبيثة..وكاد أن يتلمس وجنتها إلا أن يد صلبة كـ الحديد أعاقت وصوله إليها..ومن ثم باغته بـ لكمة أطاحت بـ الرجل أرضًا مُتأوهًا من شدة اللكمة..فتحت عيناها على صوت تأوه ذاك الرجل و صوته الغاضب يسبه بـ أقذع الشتائم

-متفكرش للحظة يا *** إنك تمد إيدك النجسة دي عليها...

رفعت نظراتها لتجده يقف أمامها كـ السد المنيع بـ جسده العريض..إختبأت خلفه بـ خوف..بينما أكمل يونس وهو يضرب الرجل في معدته بـ قدمه

-لو شفت خلقة أمك دي بتتعرضلها تاني ****...

إرتعب الرجل من نظرات يونس القاتمة وحروفه التي تخرج من جوفه تقتله وتبث فيه الرعب..لينهض سريعًا راكضًا من أمامه..إلتفت يونس إليها ليجدها تنكمش على نفسها بـ خوف..ليضع يده على منكبيها..فـ إنتفضت فزعة..ليقول بـ حنو مهدئًا إياها

-هششش متخافيش محدش هيقرب منك
-رفعت أنظارها لعيناه وهى تتنفس بسرعة ثم قالت بـ خوف:هو..هو مشي؟
-تنفس بـ عمق وقال بـهدوء:مشي..وبعدين فين عدي سبتيه ليه!
لم ترد عليه ولكن إكتفت بـ تنكيس رأسها إلى أسفل..أبعد يده عن منكبيها وقال بـ هدوء ظاهري

-يلا نخرج من المكان دا

أماءت بـ رأسها وإتجها إلى الخارج..ليجدا عدي يتحدث في هاتفه..

أغلق عدي هاتفه ما أن لاحظ دلوفهما إلى الخارج..سلط أنظاره على بتول لينعقد ما بين حاجبيه وهو يقول

-مالها يا يونس..وشها أصفر ليه!
-مسح يونس على وجهه وقال مُعنفًا إياه:أنت إزاي تسيبها فـ مكان زي دا وتخرج!..إفرض كان جرالها حاجة وأنا ملحقتهاش؟
-تشدق عدي بـ برود:وأديها صاخ سليم ولا حصلها حاجة

كاد يونس أن يتحدث ولكن بتول منعته بـ قولها المرهق

-عاوزة أروح
-إلتفت لها يونس وقال:حاضر هروحك أهو..

إلتفت إلى أخيه الذي ينظر لهما بـ ضجر وقال بـ صرامة

-هروح أوصلها وأجيلك هنا..متتحركش
-طيب

أمسك يدها الباردة وقال بـ إبتسامة و هدوء لأول مرة يُخاطبها به

-يلا
-وجفْ (وقف) يا صجر

إلتفت يونس على صوت عواد..ليتساءل يونس

-في حاجة يا عواد؟
-إبتسم وهو يقول:لاه..روح أنت ويا خوك (أخوك)..وأنا باخذها معي
-نظر لها وتساءل:إيه رأيك!

نظرت إلى عواد ثم إلى يونس وقالت بـ خفوت

-طيب
-هز رأسه ثم قال:معلش يا عواد
-عيب تجول هيك يا صجر..والله بزعل يابن العم

إبتسم يونس بـ إمتنان..تحركت بتول بـ صمت غير مُعتادة عليه..وخلفها عواد..وما أن مر بجانب يونس سأله الأخير بـ صوت خفيض

-الحاجة وديتها!
-أماء عواد بـ رأسه وقال:أيوة يا صجر..لا تقلق
-مش قلقان..ويلا روحوا..

وتحرك كِلاهما بـ صمت...

*************************************

-يا حبيبتي يا بنتي رحتي فين يا ضنايا!

هتفت بها بدرية وهى تنتحب على إبنتها الضائعة..في نفس الوقت دلف إبنها و زوجها لتهرع إليهم تسألهم في تلهف

-وصلتوا لحاجة!

نكسا رأسهما ولم يجب أحدهم..لتعود وصلة النواح من جديد..ليحاوط إسلام والدته هاتفًا بـ ترجي

-أبوس أيدك يا ماما خلاص متعمليش كدا..لازم تبقي قوية عشان نقدر نواصل

ثم سحبها معه ليجلسوا جميعًا على الأريكة في الصالة..جلس إسماعيل بجانب زوجته التي سألته بـ توجس باكي

-طب عملتوا إيه فـ القسم!
-تنهد إسماعيل وهو يقول بـ إنهاك:تابعنا مع كذا ظابط..وكلهم بيدورا عليها
-ردت عليه بـ نشيج:طب وبعدين؟..بنتي هتفضل تحت رحمة قاتل؟
-تأفف إسماعيل وهو ينهرها:يا ستي صلي ع النبي وإدعيلها ربنا يسترها معاها
-وهو أنا مبدعليهاش..أنا والله ليل نهار بدعي ربنا يرجعهالي بـ السلامة
-يارب..

صمت الجميع ليقول إسلام بعدها

-طب متكلم حد من معارفك يا بابا؟
-عملت وكلهم نفس المجهود ومحدش قصر..

نهض إسلام بـ عصبية وتشدق

-كله من تحت راسه
-نهره والده:إسلاااام!!..ملوش لزوم الكلام دا
-هز رأسه بـ نفي وقال:لأ..لو جرالها حاجة مش هرحمه
-صرخت بدرية بـ قوة..وهتفت بـ غضب:فال الله ولا فالك..أختك هترجع صاخ سليم إن شاء الله..
-ليردد بـ قوة:إن شاء الله..بس لما ترجع هنفسخ الخطوبة دي ومش هترجعله..ودا أخر ما عندي...

ثم تركهم في حالة ذهول ورحل...

**************************************

-خلاص يا عدي..حاول تتصرفلي كمان يومين فـ حاجة تودينا السويد
-وإشمعنا السويد!
-رد عليه يونس بـ جدية:الظابط اللي هنديله المعلومات هناك..وهنتصرف هناك ع أنه مشتري..يعني أنا ببيع البلد عشان مستكشفش
-أكمل عدي حديثه وهو يحك طرف ذقنه:وبكدا هتعرفوا باقي الجواسيس اللي جوه مصر وباقي الدول العربية!
-أماء يونس بـ رأسه وقال:أيوة..عشان كدا لازم نتحرك بسرعة وهدوء عشان أي غلطة هتودينا السودان

ضحك عدي ونهض ثم قال وهو ينظر في ساعته

-حيث كدا أنا لازم أرجع وأكلم العقيد سعد يظبط الأمور فـ الدِرا..
-ربت على كتفه وقال:طب كويس..روح وخلي بالك من نفسك

إحضتنه عدي ثم إبتعد عنه وقال بـ جدية

-متقلقش ع أخوك..خلي بالك أنت من نفسك وحرص من البت دي
-ربت مجددًا على كتفه ثم قال:متقلقش أنت..خلي بالك من أمك وأبوك..وفرح قلبها وقولها إبنك عايش وهيرجعلك..

إبتسم عدي ثم رحل..إنتظره يونس حتى رحيله وأكمل هو طريقه إلى منزل أبو عواد...

وعلى الجانب الأخر كانت بتول تنظر إلى تلك الأشياء الموضوعة الخاصة بـ يونس والتي جلبها عواد ونسى نقلها إلى غُرفته قبل دلوف بتول..كان فضولها يدفعها إلى معرفة ذلك الغموض الذي يُحيط به..نهضت وقالت بـ عزيمة

-أنا لازم أفهم كل حاجة مش هقعد زي الأطرش فـ الزفة

توجهت إلى تلك الحقيبة وتلك القلادة التي يحتفظ بها كـ عيناه..أخذت تتلاعب بها لتنفتح من بين يديها وتظهر على هيئة

-فلاشة؟

هتفت بها بـ تعجب وهى تُحدق بها..ثم توجهت إلى الحقيبة وفتحتها لتجد صندوق مُغلق..بحثت عن مفتاحه ولكنها لم تجده..تأفف بـ ضيق ولكنها أيضًا لم تتوقف..أخرجت ذلك الحاسوب المحمول..وقررت أن تعرف ما تحتويه هذه الـ "فلاشة"

جلست على الأرضة وفتحت الحاسوب ومن ثم أوصلتها به..كانت تُعطي ظهرها إلى الباب..وبدأت في تشغيل ما تحتويه من مشاهد..جعلتها تتصلب في جلستها وكأنها على وشك فُقدان روحها...

في تلك الأثناء صعد يونس بـ هدوء فـ كان الجميع نيام..فتح باب غُرفته بـ بطئ وهدوء ظنًا منه أنها نائمة..ولكنه ما أن فتح الباب وجدها جالسة ولكنه لاحظ تصلب جسدها وتشنجه..إقترب منها فـ وجدها تحمل الحاسوب وتُشاهد تلك المقاطع..هتف بـ جزع

-بتووول

ثم هرع إليها يضع يده على عيناها ليمنعها من مُشاهدة المزيد..شعر بـ برودة جسدها وإرتجافته..أزاح الحاسوب أرضًا ثم أوقفها وأدارها إليه..ليجد وجهها قد شحب كـ شحوب الموتى وعيناها مُثبتتان على الفراغ..هتف بـ اسمها بـ توجس

-بتول!!
-رفعت أنظارها الضائعة إليه وهى تقول بـ شرود:هو اللي شوفته دا حقيقة!!

ولم تنتظر جوابه إذ سقطت بين يديه فاقدة الوعي مُعلنة إستسلامها لتلك الهوة العميقة حالكة الظلام....
*********************
لا أتذكر قلبي إلّا إذا شقه الحب نصفين أو جف من عطش الحب.

حملها سريعًا بعدما فقدت وعيها بين يديه..ووضعها على الفراش وقد تقصلت ملامحه رعبًا عليها..ماذا لو فقدها!..ماذا لو ذهبت؟..ماذا إن أصابها مكروه!..لا يجد إجابه..كل ما بات يعلمه بل بات يتيقنه أنها إذ أصابها مكروه فـ إنه سيفقد علقه لا محالة..

بـ يد مرتعشة أخذ يربت على وجنتها بـ رفق حتى تفيق وبـ همس أخذ يُردد اسمها من بين شفتيه

-بتووول..بتول فوقي عشان خاطري...

ولكن لا رد..أغمض عيناه بـ غضب وسبه من بين شفتيه..أمسك يدها بـ كفيه وهتف بـ توسل

-عشان خاطري فوقي..هو كلب ميستاهلش..قومي!!..

إبتلع ريقه بـ صعوبة وهو يجد الرد عليه سكون..نهض بعدها سريعًا مت مكانه وفتح الباب وخرج هاتفًا بـ صوت قد صدى صداه في جميع أرجاء المنزل

-عم أبو عواد!!..عوااااد؟!!

وعلى إثر صوته خرج الجميع من الغرف وقد هرع إليه عواد ويسأله بـ توجس

-خير إيش صار يا صجر؟
-أمسكه من كتفاه وقال بـ مُسرعًا:دكتور..عاوز دكتور فورًا
-هّلا بيكون الطبيب هون..لا تجلج (تقلق) يا صجر

كان هذا صوت أبو عواد الذي تحدث بـ رزانة..نظر له يونس بـ إمتنان ولم يتحدث..بل ترك الجميع ودلف إلى الداخل ليكون بـ جانبها..أمسك يدها وأخذ يمسح عليها بـ حنو وهو ينظر لها بـ تضرع علها تنهض..بعد مرور قليل من الوقت حضر الطبيب بـ رفقة أم عواد التي قالت وهى تربت على منكبه بـ حنو

-جوم يا ولدي الطبيب هّلا بيفحصها
-طيب

قالها بـ تعب..ثم رمى بتول بـ نظرة مُتألمة من أجلها وإنحنى على جبينها يُلثمه بـ رقة ثم دلف إلى الخارج..ونزل على الدرج فـ وجد عواد و والده جالسان بـ الأسفل وما أن رآه الأول حتى نهض مُسرعًا وسأله بـ إهتمام

-كيفها!
-وضع يونس يده على جبينه وقال:الدكتور فوق بيكشف عليها..

ثم جلس و نظر إلى أبو عواد وقال بـ أسف

-أنا أسف ع اللي حصل يا عم أبو عواد
-ربت على ساقه ثم قال بـ إبتسامة:لا تجول هيك..هي مثل بنتي..الله يشفيها
-يارب

قالها وإلتفت إلى عواد وقال بـ صوتٍ خفيض

-تعالى بره عاوزك
-أييه طيب

ثم دلفا إلى الخارج..وقف يونس أمام عواد وسأله بـ هدوء

-ليه مأخدتش الحاجة اللي إديتهالك أوضتك أنت!
-ليش!!.إيش صار؟
-أمسكه يونس من تلابيبه وهتف من بين أسنانه:إيش صار؟..أقولك إيه اللي حصل!!..عرفت كل حاجة..شافت بعنيها إيه اللي حصل

إرتسمت ملامح الذهول على وجه عواد ثم ما لبث أن قال بـ إعتذار

-أعذرني يا صجر..نسيت أنجلها (أنقلها) عندي..وبعدين ليش زعلان هيك؟..مو كنت تريد أنها تعرف؟
-تركه يونس وهو يهتف بـ تقرير:أيوة كنت عاوزة تعرف..بس مش بالطريقة دي..أنا حتى متمناش لعدوي أنه يشوف مشاهد زي دي..

وجلس فوق الأرض الرملية وبجانبه عواد..الذي وضع يده على رُكبته يواسيه ثم قال بـ هدوء

-كمل..إيش صار يا ضجر جلب حالك هيك!!..ما كنت هيك جبّل
-وضع يونس يده على وجهه وقال بـ جمود:مقدرش أحكي يا عواد..أنا لسه منستش اللي حصل..لسه حاسس بـ دم الناس على إيدي..لسه حاسس باللي حصل وكأني محبوس جواه..اليوم دا ميتنسيش ومينفعش يتنسي..عز الدين لازم يتحاسب ع اللي عمله فيا و فـ فرقتي و فـ الناس
-هتف عواد بـ مؤازرة:خلص لا تحكي..أنا مو رايد أحزّنك..الله يكون بعونك..بعرف إنك رچال وهتعرف إيش تساوي...

أماء يونس بـ رأسه ثم صمت..لتأتي فتاهً ما تُخبرهم أن الطبيب قد إنتهى من فحصها..ليهرع يونس إليه وفؤاده يسبق قدماه...

**************************************

أخذت تتفحصه وهو يتجرع كوب الشاي الساخن الخاص به بـ تلذذ وكأنه يحتفل بـ إنتصارٍ ما..لتسأله وهى تعقد حاجبيها

-خير يا سيف مالك مبسوط ليه!
-مد يده لها وقال بـ إبتسامة:تعالي هنا وأنا أقولك

ترددت في إمساك يده ولكنها فعلت..ليجذبها تجلس جانبه ثم حاوط كتفيها ومال على أُذنها هامسًا وكأنه سر يرفض البوح به

-أصل النهاردة بس عرفت أحط السكينة على رقبة عز
-وضعت يدها على ساقه وتساءلت:إزاي يعني؟

أخذ رشفة من الكوب ثم مال بـ جذعه إلى الأمام ليضع الكوب على الطاولة الزجاجية ثم عاد إليها وعاد يحاوطها ثم أكمل بـ إبتسامة ماكرة

-النهاردة فكرت أن خطيبته بس هى نقطة ضعفه..بس...

وترك عبارته مُعلقة..لتلتفت إليه بـ جسدها ومن ثم تشدقت

-بس إيه!..كمل
-إرتفع حاجبيه بـ دهشة مُصطنعة وتساءل:الله!..ليه الأسئلة دي؟

توترت لثانية ولكنها إستجمعت ثقتها ثم هتفت بـ قوة

-ومن أمتى وانا مبسألش!!..أنا من سنتين رهنت حياتي..آآآ..
-قاطعها وهو يضع يده على فاها وقال بـ ضحك:بس..بس..مالك قلبتيها دراما ليه!..أنتي عارفة يا روضة إني مبخبيش عنك حاجة..أنا بس حبيت أهزر معاكي
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:ماشي يا سيدي..ها قولي بقى
-أعاد خُصلة وراء أُذنها وقال:حاضر يا ستي..فاكرة قائد الفرقة اللي قولتلك عليه..اللي كنت بدرب تحت إيده!
-قطبت حاجبيها وأجابت بـ نفي:لأ مش فاكرة
-ضحك وقال:مش مهم..المهم الكل فكر أنه مات
-مالت بـ رأسها إلى اليسار وقالت:وهو ماممتش؟
-هز رأسه بـ نفي وقال:طبعًا لأ..ودا اللي أكتشفته النهاردة..

إتسعت عيناها بـ دهشة وهى تقول في نفسها.."إذا يونس شقيق الرائد عدي لا يزال على قيد الحياه"..ولم تُفصح عما يدور بـ خلدها..لتستفيق على صوته الذي أكمل وكأنه يستدعي الأحداث في عقله

-أهو القائد دا معاه حاجات توديه فـ ستين ألف داهية..عشان كدا بما فكرت..قولت إني هلاقي القائد دا وأقتله وأخد الحاجات اللي معاه..وبدل ما يكون تهديد واحد يكون أتنين..تلاتة..أربعة..خمسة..أهو ع حسب...
-نظرت له بـ مكر قد إكتسبته منه وقالت:حلوة دماغك يا سيف
-غازلها بـ قوله:مفيش أحلى منك يا روضتي

ومال يُقبل وجنتها ولكنها نهضت بـ توتر وقالت وهى تفرك كفيها بـ إرتباك ملحوظ

-سـ..سيف..آآ..أنت..عـ..ارف..آآآ..

نهض عن مجلسه ثم إتجه ناحيتها وأمسكها من يديها وإبتسم بـ حنو وقال

-خلاص إهدي يا روضة..مش هقربلك إلا لما نتجوز..أنا مكنتش هقرب أصلاً..كنت عاوز بس أحس بيكي جمبي
-إبتسمت بـ توتر وقالت بـ صوت خفيض:مـ..معلش يا سيف..أستحملني

ضمها له ووضع ذقنه على رأسها وهتف بـ حب

-وإن مكنتش أستحملك هستحمل مين!

أبعدها عنه ثم أحاط وجهها بـ راحتيه وهتف بـ وعد

-هتجوزك بس لما أخلص موضوع عز دا..وبعدين أنا وأنتي حياتنا هتبدأ..

إكتفت بـ إبتسامة لم تصل لعيناها..فـ سيف يعشقها بل يهيم بها..ولكنها تنفر منه وبـ شدة..أُجبرت على ذاك الوضع حتى تُقوم بـ تصحيح ما أفسدن شقيقها..إبتعدت عنه بعدما أخرجت نفسها من هذا التفكير ثم قالت وهى تتحرك بعيدًا عنه
-هروح أجيب شنطتي وأمشي عشان مينفعش أتأخر؟
-طيب يلا وأنا هجهز العربية..

ودلفت إلى إحدى الغرف وأغلقت الباب..ثم أخرجت هاتفها وقامت بـ حفظ ما سجلته..وضعت الهاتف في حقيبتها وأخذتها..سمعت صوت سيف يصدح بـ الخارج

-يلا يا حبيبتي إتأخرنا
-ردت عليه بـ صوت يشوبه الإرتباك:آآ..أيوة..جاية

ثم عدلت ثيابها ودلفت إلى الخارج..أجبرت نفسها على الإبتسام وقالت بـ إعتذار

-أسفة يا سيف كنت بظبط هدومي
-أمسك يدها وقال بـ حب:ولا يهمك يا روحي..يلا عشان متتأخريش...

***************************************

وقف الطبيب أمام يونس وقال بـ عملية ونبرة عادية

-زوجتك چاتها صدمة..وبعتجد (بعتقد) إنها جوية..و لهيك لازم يكون هنيك رعاية..أنا كتبت علاج..وإن شالله تجوم بخير...
-شكره عواد وقال:تسلم يا طبيب تعبناك
-وضع يده على صدره وقال بـ مجاملة:لا تعب ولا شي..أنا هون بساعدكم..الله يشفيها

ثم رحل..ربتت أم عواد على ظهره وقالت بـ إبتسامة بشوشة

-روح طُل على مرتك وطمن جلبك اللي كيف المطرقة

نظر لها يونس بـ عدم فهم..ليجدها لا تزال تبتسم..لم يعي ماذا تقول إلا عندما وضع يده على صدره..ليجده حقًا يخفق كـ المطارق بـ داخل ضلوعه هاتفًا بـ لوعة لكي يطمأن عليها..وبدون أن ينطق تركهم ورحل..وصوت ضربات قلبه تعلو..ربما خوفًا..أو لهفة لرؤيتها..أو حتى عشقًا لها!..وعند تلك النقطة توقف أمام باب الغرفة وسأل نفسه متى عشقها!..ليُجيب قلبه سريعًا أنه ما أن أبصرها مُنذ سنتان وقد خر قلبه صريعًا لهواها..أخذ يونس نفسًا عميق ليطرد تلك الأفكار عن رأسه ودلف إلى الداخل..

وجدها نائمة كـ الملاك..تقدم ناحيتها بـ خطى بطيئة وهو يزدرد ريقه بـ صعوبة..جلس بـ جانبها ثم أمسك يدها وحدثها بـ خفوت

-مكنتش عاوزك تعرفي بـ الطريقة دي..خصوصًا...

إبتلع تلك الغصة في حلقه وأكمل

-خصوصًا أنك بتحبيه..عارف إنها هتكون صدمة..بس أنت هتتخطيها..وأنا مش هسيبك وهكون جمبك خطوة بخطوة

ثم لثم جبينها بـ حب و وضع رأسه على كفها وهتف بعد مدة ما بين الصحوة والنعاس

-معرفش دخلتي قلبي أمتى بس أنا خلاص بقيت أسيرك يا بنت السلطان..يونس بقى أسيرك...

*************************************

في صباح اليوم التالي إستيقظ يونس على صوت شهقات..فتح عيناه سريعًا ليجد نفسه قد غفى في مكانه..رفع أنظاره لها فـ وجدها تضم ساقيها إلى صدرها و تحاوطهم وعيناها لا تكفان عن زرف العبرات..وعند تلك اللألئ لم يستطع أن يتحمل..فـ تقدم منها وجلس أمامها وتشدق بـ هدوء

-بصي يا بتول..أنا مش هقولك متعيطيش ولا أي حاجة..لأ بالعكس لازم تطلعي كل اللي جواكي..هو خذلك وأنتي إتخدعتي فيه..لازم يكون فيه رد فعل..وفـ حالتك أنتي مقداكيش إلا كدا..فـ خرجي اللي جواكي

نظرت له بـ عنيان دامعتان ولم ترد..أخفضت رأسها مرة أخرى و وضعتها عل رُكبتيها تُخفيها وأكملت نحيبها..فرك يونس وجهه بـ عنف ألا تعلم أن تلك العبرات تنخر في عظامه!..ألا تعلم مقدار الألم الذي تسببه تلك اللألئ المتساقطة من عيناها!!..إقترب منها أكثر ثم مسد بـ يده على خُصلاتها وتحدث بـ حنو

-أنا جمبك وهفضل جمبك..اللي شوفتيه دا إمسحيه من دماغك..عارف إنه صعب بس حاولي..آآ
-قاطعته بـ شراسة وهى ترفع رأسها فجأة:أنسى!!..هو أنا شوفته بيسرق جزم من قدام الجامع..دا إغتصب!..عارف يعني إيه إغتصب!..

أحاطت جسدها ثم قالت بـ تقزز

-إزاي يجيله قلب يعمل كدا!!..أنا متخيلتش أنه يكون بالحقارة دي؟..هو فيه ناس تقدر تخدع كدا بسهولة!..طب هو ضحك عليا ليه؟..أنا بحبه وهو عارف كدا!!..بيستغله مثلاً!

كان يونس يستمع إليها بـ أسى وهو لا يقدر على فعل شئ..الخذلان قد ذاقه أيضًا..أن يكون أحدهم قدوتك وتكتشف يومًا ما أنه لم يكن سوى حقير..قاتل..مُغتصب!..هو أيضًا إختبر ذلك الشعور ويعلم مدى ألمه..وجدها تمسك ذراعيه وتهتف بـ عصبية

-رد عليا ساكت ليه؟..معندكش رد طبعًا..وهيكون عندك منين..أنا خلاص مبقتش عارفة أصدق مين ولا أعمل إيه..أكتر واحد حبيته طلع **** راجل عرفته..
-وضع يده على وجنتها وحاول تهدئتها:هشششش..خلاص أنا معاكي...

نفضت يده عنها وأبتعدت عنه وصرخت بـ حدة

-أنت كمان تبعد عني..إذا كان هو وطلع كدا وكنت مفكرة إني أعرفه..أومال أنت هتطلع إيه؟..كفاية كدب بقى..أنت أكيد متفرقش عنه حاجة...

نهض يونس مُسرعًا إليها..هو يعلم أن مصابها كبير ولكن عليه إحتوائها..وقف أمامها وأشار بـ يده أن تهدأ وحاول طمأنتها بـ قوله

-إهدي يا بتول..أنتي عندك حق..أنتي متعرفنيش بس كل اللي هقدر أقوله إني مقدرش أأذيكي...

نظرت له بـ تعجب ولكن لم تهدأ إنتفاضة جسدها..ليقترب يونس خطوة صغيرة وأكمل بـ نبرة صادقة أجبرتها على الهدوء

-أيوة..بخاف عليكي حتى من نفسي يا بتول..لو كنت وحش أو حد مش كويس كنت أذيتك..لكن لأ مقدرش يا بتول..أنا من ساعة أما شوفتك حسيت إنك مسئولة مني..حسيت إنه لازم احميكي وأكون ضلك..أكون أمانك..عشان كدا مقدرش أخذلك أبدًا

صمت يُتابع سكون جسدها و لكن عبراتها لا تزال تسقط بـ صمت..تقدم منها حتى وصل أمامها ومد إبهامه يُزيل عبراتها بـ حنو ثم تشدق بـ هدوء وحذر

-أنتي بتثقي فيا حتى لو مش مبينة..بس باين أوي فـ عنيكي..عارفة اول ما أخدتك..فكرت أنك هتثوري وهتصرخي وتعملي ازعرينة..اللي أنتي أصلاً مش مبطلاها..لكن إتفاجأت بـ سكونك وهدوئك..ولما قولتلك إني مش هأذيكي أنتي صدقتيني من غير أما تقولي..شوفت إنك بتثقي فيا وأنا مقدرش أخون ثقتك
-سمع صوتها المُتحشرج يقول:يعني أنتي مش هتأذيني؟!
-إبتسم بـ حنو وقال:عمري ما أقدر أصلاً

مسحت عبراتها وعادت تسأله بـ خفوت

-ولا حتى زيه!
-وضع يده في خصره وقال:ولا حتى زيه

نظرت له بـ إمتنان..نظراتها أرسلت ذبذبات جعلت خافقه يقرع بـ عنف من جديد..ليهتف هو بـ إبتسامة تخفي الكثير

-يلا خشي إغسلي وشك عشان تفطري وتاخدي دواكي
-ردت عليه بـ إستسلام:طيب

ثم دلفت فـ كانت مُنهكة القوى ولم تستطع المجادلة..ظل ينظر في إثرها بـ حزن..رغم قدرته على تهدئة روعها..إلا أن شعوره بـ أنها لا تزال تعشقه يجعله يشعر بـ غصة مريرة عالقة في حلقة..و تلك الوخزة في مُنتصف ضلوعه..ليهتف بـ إستسلام وتقرير

-بعترف يا بنت السلطان أنك دوبتيني فـ حبك..وقعت فـ غرامك وعارف أني مش هطلع منه سليم...
*********************
سألت عقلي فـ أصغى وقال لا لن تراها...

وقال قلبي أراها ولن أُحب سواها...

دلفت روضة مركز الشرطة..ثم نزعت عنها الوشاح ونظارتها الشمسية وتوجهت إلى مكتب الرائد عدي..وقفت أمام العسكري وسألته

-الرائد عدي جوه!
-أجابها العسكري بـ جفاف:أيوة..أقوله مين!!
-تنحنحت وقالت:روضة الشِهدي

تفحصها جيدٌا ثم توجه إلى الداخل..ثوان ثم عاد وقال لها

-إتفضلي..

أماءت بـ رأسها ثم دلفت وعلى وجهها إبتسامة..لينهض عدي ما أن أبصرها وقال بـ إبتسامة واسعة

-إتفضلي يا أنسة روضة
-مرسيه

ثم جلست وجلس هو..أمسك الهاتف وتشدق

-تحبي تشربي إيه؟
-أشارت بـ يدها نافية وهتفت:لأ مش هقدر يا سيادة الرائد..أنا مينفعش أتأخر
-وضع سماعة الهاتف وقال بـ جدية:إتفضلي سامعك

فتحت حقيبتها وأخرجت من بطاقة ذاكرة صغيرة وأعطته إياها..ثم تشدقت بـ هدوء

-كارت الميموري دا في كل حاجة قالها سيف إمبارح..ممكن تكون ملهاش لازمة بس قولت يمكن تنفعك
-أخذ منها بطاقة الذاكرة وتحدث:أي حاجة لو تافهه..بالنسبالي هتكون مهمة..

إبتسمت ونهضت من مكانها..وقالت

-أنا لازم أمشي دلوقتي..ولو فيه أي جديد أكيد هكلم حضرتك
-نهض وتشدق:ممكن أسألك سؤال؟
-إتفضل
-أخذ نفس عميق ثم سألها:ليه بتعملي كل دا!!..جيتي من فترة وعرضتي مساعدتك فـ ليه؟

نظرت له مُطولاً وقد مر بـ عقلها ذكرى جاهدت كثيرًا أن تدفنها..أخرجها صوت عدي المتساءل

-سؤالي ضايقك؟
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:لأ أبدًا بس بحاول أصلح اللي أخويا بوظه
-اللي هو!!
-إبتلعت ريقها وقالت:صدقني مش عاوزة أحكي..بعد إذنك

ورحلت سريعًا من أمامه..أما هو فـ ضرب مكتبه بـ قبضته..ثم جلس على مكتبه بـ غضب وهو يقول

-أوووف..هقدر أقرب منك أمتى يا روضة!..يا ترى هقدر أعرف مالك وتحبيني زي ما بحبك؟..

وكان للعقل رأيًا أخر فـ كيف له أن يعشق فتاه تعشق أخر؟!..لا يعلم من ولكنه سعيد الحظ بها..وكيف له أن يتجاوز دقات فؤاده الصاخبة التي تُنادي بـ أسمها؟...

*************************************

فتحت هى باب المرحاض ودلفت خارجه لتجده يجلس مُنتظرًا إياها..فـ سألته وهى تعقد حاجبيها

-ليه منزلتش!
-نهض وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مستنيكي ترفعيلي الضغط

نظرت له بـ نصف عين ولم ترد عليه..ليقترب هو منها بـ هدوء وقال بـ إبتسامة عذبة

-يلا ننزل الناس مستنينا تحت
-ردت هى بـ فتور:بس أنا مش عاوزة أكل
-زفر بـ صوتٍ خفيض وقال بـ هدوء ليحتويها:وأنا مبقولكيش تعالي إفطري..تعالي إقعدي معانا بس..هما قلقانين من اللي حصل إمبارح لما تعبتي
-فـ قالت بـ تردد طفيف:بس آآآ..
-قاطعها هو بـ صرامة:مفيش بس..يلا

ثم مد كفه لها..وزعت نظراتها ما بين بنيته التي تحثانها على الموافقة و الوثوق به وبين يده التي لا تقل عن عيناه بل تكاد تتوسلها..مدت يدها بـ تردد لتضعه في كفه الكبير..ليبتسم هو بـ إرتياح قابضًا على كفها بـ رقة..ولكن أكثر ما أثار حفيظته هو أنها لاتزال تحتفظ بـ خاتم خطبتها منه..لا يزال يشوه بـ بنصر يُمناها..أغمض عيناه بـ غضب وأخذ يسب و يلعن ذلك القذر في سره...

شعرت هى بـ تصلب يده..لتنظر له بـ تساؤل..ثم تشدقت بـ رقة

-مالك يا يونس!!

مُنذ متى وهو يتذوق حلاوة اسمه!..الآن بات يعشق حروف اسمه المعزوفة من بين شفتيها..نظر لها في محاولة يائسة في إخفاء طوفان مشاعره..ثم هتف بـ هدوء لا يشعر منه مثقال ذرة

-مليش يا بتول..أنا كويس..بس يلا ننزل عشان إتأخرنا ع الناس..
-هزت كتفيها وقالت:طيب

وتحركا إلى الأسفل..كان يونس يتحرك بـ بطئ مُتعمد حتى يشعر بـ قربها منه..وكأن الثوان التي ينعم بها معها..تكفيه مدى الحياه...

**************************************

وفي الأسفل كان الجميع يجلس على طاولة الطعام على الطريقة البدوية..وأبو عواد يترأس هذا المجلس..نظر عواد له وتساءل

-بوي!!
-نظر له والده وقال:إيش بدك يا عواد؟
-عِرس الحاچ ناصر بو فراس..راح يتم هون!
-إيّ يا ولدي..

هز عواد رأسه بـ موافقة ولم يرد..وفي تلك الأثناء نزل يونس وهو يمسك يد بتول..ليبتسم عواد بـ خبث وكأنه قرأ ما يدور..تقدما الثنائي منهما لتسأل أم عواد بـ لهفة حقيقية

-كيفيك يا بنيّتي؟..إن شالله صريتي بخير!
-أماءت بتول بـ رأسها وقالت بـ إبتسامة صغيرة:الحمد لله
-ليقول أبو عواد بـ إبتسامة واسعة:الحمد لله..يلا إجعدو..خير الله كثير
-جلس يونس وقال بـ إمتنان:تسلم يا أبو عواد...

وجلست بتول أيضًا وشرعوا في تناول الطعام وسط أحاديث خفيفة..ولم تُشارك منها بتول إلا لمامًا..وكان يونس يختلس النظرات لها من وقت لأخر دون الحديث معها فـ هو يعلم ما يدور بـ خلدها..وجه عواد حديثه إلى يونس قائلاً

-إي صحيح..راح يكون اليوم عِرس حدا من معارفنا..وبدنا تشرفونا اليوم يا صجر..إيش تجول!

نظر يونس إلى بتول ثم عاد بـ نظره إلى عواد وهتف بـ هدوء

-والله لو بتول موافقة..أنا معنديش مشكلة
-نظرت له بتول بـ صدمة ثم مالت عليه وهمست:وأنت بتدخلني ليه!!..مش عاوزة أحضر حاجة

حدق بها يونس طويلاً دون نبث حرف جعلها تتوجس من سكونه..ليبتعد عنها ونظر في إتجاه عواد قائلاً بـ خبث

-خلاص مفيش مشاكل..بتول هتقدر تحضر

كتمت شهقتها حتى لا تقوم بـ إحراج الجميع وفضلت الصمت ولكنها رمقت يونس بـ غضب ليُقابلها بـ أخرى مُتسلية..لتهتف أم عواد بـ حبور وقد حصلت على إنتباه بتول

-وأنا راح أجول للبنيات إيساعدوكي تلبسي ملابسك..
-لتتساءل بتول بـ تعجب:طب ليه!..ما أنا لابسة أهو
-تولى يونس الحديث وأوضح لها:مينفعش تحضري الفرح كدا..هما عندهم مينفعش تطلعي أصلاً كدا قدام راجل..

تلوى شدقها بـ ضيق ولكنها لم تظهره..إلتفتت إلى السيده العجوز وقالت بـ إبتسامة باهتة

-طيب يا طنط..
-إبتسمت أم عواد وقالت بـ سعادة:ربنا يطيبلك خاطرك يا بنيتي
-يااارب

خرجت من يونس بـ رجاء حار..وتشدق بـ مرح

-إدعيلي يا أم عواد أنا كمان..أحسن أنا محتاج دعاكي جوي جوي

قال الأخيرة وهو يرمق بتول بـ نظرات لم تفهمها هى..لتضحك أم عواد وقد فهمت ما يرمي إليه لترفع كفيها إلى السماء وهتفت بـ تضرع

-ربنا يكتبلك ويجدملك (يقدملك) كل خير يا صجر يا ولدي
-يااارب...

وإكتمل الطعام في جو يسوده المرح والحب..ولكن بتول هى في عالم أخر...

**************************************

كان جالسًا على تلك الصخرة التي إعتاد القدوم إليها ليختلي بـ نفسه ويصفي ذهنه ولكن أتاه إتصال على هاتف مُأمن قد أعطاه له عدي في زيارته الأخيرة..ليُخرجه من جيب بنطاله..و وضع الهاتف على أُذنه ثم قال

-عدي باشا إزيك!
-أتاه صوت عدي:بخير يا حضرة المقدم..أنت إيه أخبارك!
-تنهد يونس وقال بـ فتور:كويس زي ما أنت شايف
-مالك يا يونس!!

تجاهل يونس سؤاله والذي لا يعي إجابته بالفعل..ثم سأله هو بـ إهتمام

-إيه أخبار أبوك وأمك!!
-تفهم عدي تغييره للحديث ليقول:كوييسين..أنا لسه مقولتش لأمك ولا عرفتها إني شوفتك
-رد عليه يونس بـ جدية:ودا أحسن ..ومتقولهاش إلا لما أسافر السويد
-ليقول عدي بـ تذكر:أه صحيح..جهز نفسك بكرة ع الساعة واحدة بالليل عشان تسافر..أنا كلمت واحد من طرف العقيد سعد وهو إتصرفلي فـ طيار والموضوع هيتم فـ الخباثة

إنقبض قلب يونس ليس خوفًا من السفر..بل لأنه سيتركها..هو تعلق بها بـ قوة..يشعر بـ سريانها في جسده وكأنها سُم يأبى الخروج من جسده..فاق من شروده على صوت أخيه وهو يهتف

-روحت فين يا يونس!
-مسح يونس على وجهه بـ حزن ثم قال:معاك..هـ..هكون مستعد بكرة فـ المعاد

أحس عدي بـ أن أخيه حزين..فـ سأله بـ توجس

-خير يا يونس!..حاسس إن فيه حاجة؟
-أخرج يونس زفيرًا حار من فمه ثم قال بـ يأس:مش عارف يا عدي..تعبان..تعبان وبس
-أنت بتحبها يا يونس!!

قالها عدي بـ جمود..ليتفاجئ يونس بـ إفتضاح مشاعره حتى دون مواجه شقيقه..وضع يده في خُصلاته القصيرة وتشدق بـ تقرير

-مش بس بحبها..أنا بعشقها
-هتف عدي بـ ذهول:أنت بتهزر صح!..قولي إنك بتهزر؟..أنت تعرفها من يومين بس..لحقت تحبها أمتى!
-نفى يونس بـ رأسه وقال:لأ مش من يومين..أنا أعرفها من سنتين
-إزاي يعني؟
-حك طرف أنفه وقال:لما كنت براقب عز الدين..شوفتها مرة واحدة بس..بنت بريئة ودمها خفيف..ضحكتها وعنيها..كل دول أول أما شوفتهم عشقت صاحبتهم..بس مكنتش عارف...

صمت قليلاً يأخذ أنفاسه ويُرتب حديثه المُبعثر ثم أكمل وهو يبتسم

-مكنتش محتاج غير إني اشوفها تاني عشان أثبت لنفسي إني بحبها من أول لحظة شوفتها..صحت الحب اللي كان نايم من سنتين وأنا مش عارف...
-أتاه رد عدي:بس هى بتحب واحد تاني

تقلصت عضلات وجهه إلى الغضب..وضغط على فكيه بـ قوة..ومن ثم هتف وهو يكز على أسنانه

-المشكلة إن قلبها مش ملكها ولا ملكي
-يبقى تبعد عنها يا يونس عشان متتوجعش..هى مصرة إن عز الدين راجل نزيه
-رد يونس بسرعة:هى عرفت كل حاجة
-ردد عدي خلفه بـ ذهول:عرفت!!..أنت قولتلها!
-لأ هى بس شافت..حاجة من ضمن الحاجات اللي عملها..الحمد لله إني لحقتها قبل أما تكمل
-عقد عدي ما بين حاجبيه وتساءل بـ عدم تصديق:وأنت مبسوط عشان معرفتش كل حاجة!..المفروض تسيبها تشوف كل وساخته وتعرف كل حاجة
-هز رأسه بـ نفي عدة مرات هاتفًا بـ قوة:مش بالطريقة دي يا عدي. إذا كان أنا ولسه بخاف من الليلة دي..هواجسها بتطاردني..بيجيلي كوابيس بسبب ليلة ملعونة زي دي..أجي أنا وأعيشهالها..لأ يا عدي

صمت عدي ولم يرد ليستمع إلى باقي حديث يونس والذي إلتمس بها الحزن

-حتى لو بحبها مينفعش أعيشها وجع..مينفعش تتألم لمجرد إني عاوزها تكره واحد..أنا قابل أكون ضل وبس..أكون جمبها..مش عاوز حبها..اللي بيحب حد ميطقش وجعه أبدًا
-إبتسم عدي وهتف:ما أنت هتكون جمبها تخفف وجعها
-وإبتسم يونس بـ سخرية مُتألمة ثم تشدق:مينفعش أوجعها وأفضل جمبها أواسيها..بتول بريئة ونقية جدًا وهشة جدًا جدًا..لمجرد إنها شافت جزء من اللي عمله كانت هتروح فيها ولو تشوفها دلوقتي يا عدي..اااااه
أخرجها بـ ألم حقيقي ومن ثم أكمل

-فقدت كل حاجة..روحها..لسانها السليط..تصرفاتها اللي تجيب جلطة..وللأسف إكتشفت إني مشتاق لكل دا...

لم يجد عدي ما يرد به فـ يبدو أن شقيقه يُعاني مما يُعانيه هو..كِلاهما يكتويان بـ نار العشق..كان يونس أول من شق هذا الصمت ليقول بـ هدوء

-أنا لازم أقفل دلوقتي عشان عندي حاجة مهمة..
-طيب..هكون موجود بكرة قبل ما تمشي
-أوكيه مفيش مشاكل..بس خد بالك من نفسك
-إبتسم عدي وقال:متقلقش يا عم يونس..أنا تلميذك..
-تمام يا تلميذ..يلا مع السلامة

وهمّ أن يغلق هاتفه إلا أن صوت عدي وهو يعتف اسمه على عجالة أوقفه فـ هتف بـ ضجر

-إيه يا عدي!
-هو أنت ليه صحيح قولتلها اسمك الحقيقي..ليه مقولتلهاش صقر أووأي اسم حركي ليك؟
-إبتسم يونس وقال بـ حيرة:مش عارف..بس مسير الأيام توضحلي..يلا بقى مع السلامة...

ثم أغلق هاتفه و صمت قليلاً يُفكر في إجابة لهذا السؤال..لما أخبرها بـ هويته الحقيقية؟!!...

***************************************

في المساء إنتهت الفتيات من وضع الزينة لبتول والتي إردت الزي التقليدي لهذه البلدة..نظرت إلى نفسها في المرآه..رغم بهوت ملامحها إلا أنها لا تزال تحتفظ بـ لمحة الجمال الإلهي..شكرتهم بـ إبتسامة لترحل الفتيات وهن يتحدثن عن جمالها الفتّان والذي أبرزه ذلك الزي...

قابل يونس الفتيات وسألهم

-خلصتوا!!
-إيّ..وراح يطير عجلك (عقلك) فيها يا رچال..

ثم ضحكت الفتيات وركضن من أمامه..نظر يونس في إثرهم بـ تعجب ودلف إلى الحجرة وهو يُعدل من زيه هو الأخر حيث إرتدى زي الرجال الخاص بهم ولكم أظهرت جاذيبة ذلك الشاب الثلاثيني..كاد أن يهتف بـ اسمها ولكن ظل فاه مُعلق عند أول حروف اسمها وهو يرى تلك الجنية في ثوب بدوي..تقدم منها مسحورًا بـ طلتها ولم ينبث بـ حرف واحد...

لم تنتبه على وجوده وأخذت تُعدل من هندامها..وما كادت أن تلتفت إلا وأطلقت شهقة مفزوعة..فقدْ كان يقف خلفها على بُعد خطوات..وقبل أن تتفوه بـ حروف مُعاتبة..كان هو يسبقها في الحديث قائلاً وعيناه تلتهم جمالها الأخاذ

-مفيش حرف واحد يوصف الجمال اللي قدامي دلوقتي
-أخفضت رأسها بـ خجل و ردت بـ تلعثم:شـ..شكرًا...

أغمض يونس عيناه عنها وقد لمح ذلك الخجل الذي سافر على وجنتيها..ليبتعد عنها خطوات كثيرة وقال بـ هدوء عكس البراكين الثائرة داخله

-طب مش يلا ننزل..الحفلة بدأت تحت وأنا كنت طالع أناديلك
-تفادت النظر إليه وقالت بـ خفوت:طيب..يلا

ولم يمد يده ليُمسك خاصتها حتى لا تخجل أكثر..سمع صوتها وهو يقول بـ صوتٍ خجِل خفيض

-وآآ..أنت طالع..حلو فـ..فـ هدومك دي
-ضحك يونس ملئ فِيه وقال بـ تسلية:حلو!!
-ردت بـ براءة:أه حلو
-نظر لها وهو يتراقص بـ حاجبيه:دا أنت اللي حلو يا حلو أنت

شهقت بـ خجل وتحركت من أمامه بـ خطى مُتعجلة وهو يضحك بـ إستمتاع خلفها...

***************************************

دلفت إلى مجلس النساء وهى توزع نظراتها عليهن جميعًا..جلست بجانب أم عواد والتي أخذت تمطرها بـ وابل من الكلمات التي تصف مدى جمالها..وهو تبتسم على إستحياء..ومر بعض الوقت فـ تساءلت بتول وهى تميل عليها

-أومال فين العروسة!
-نظرت لها أم عواد بـ دهشة وقالت وهى تُشير إلى العروس:هاذه يا بنيتي..

نظرت في إتجاه إشارتها..لتجحظ عيناها من أن ابصرتها..ونهضت كـ من لدغتها أفعى وبـ صوتٍ عال هتفت بـ إستنكار

-دي إزاي يعني!!..دي عروسة إزاي يعني؟

توقفت النسوة عن النساء على إثر صوت بتول الغاضب..لنتهض أم عواد وتسألها بـ توجس وهى عاقدة حاجبيها

-إيش فيه يا بتول!..
-نظرت لها بتول بـ تقطيبة عميقة وهى تقول:بتسأليني ليه ..بجد يعني

خطت نحو العروس وأمسكت يدها وقالت بـ هتاف أجفل الجميع

-طفلة!!..العروسة طفلة شكلها ميجبش تلاتشر سنة!!..أنتو واعيين لـ اللي بتعملوه..
-تقدمت منها إحدى السيدات وهتفت:هاذه عاداتنا وتجاليدنا (تقاليدنا)..
-أشاحت بتول بـ يدها في وجهها وصرخت:عادات إيه وزفت إيه!!..أنتو بترموا بنتاكوا فـ النار وتقولولي عادات وزفت

تقدمت منها أم عواد وهتفت بـ خجل مما يحدث

-عيب يا بنيتي..هيك يا ما يصير..هاذاه مثل ما جالت..عادات وتجاليد..إيش فيه!..ليش أنتي غضبانة هيك؟

لم تعي بتول ما تقول تلك السيدة ليزداد إهتياجها

-غضبانة ليه؟..دا حرام البنت بتقتلوا طفولتها..بتحرموها تعيش طفولتها وحياتها..أنتوا بتدفنوها بالحيا..الظلم دا ميتسكتش عليه...

وفي تلك الأثناء دلف عجوزًا ما ومعه أبو عواد ولده وكذلك يونس..ومن خلفهم شخصان أخران..ليتفاجئ الجميع من توتر الأجواء..ليهتف أبو عواد بتساؤل

-إيش عم يصير هون!
-تقدمت منه بتول وهى تقول بـ غضب:في إن بيحصل جريمة هنا ومينفعش يتسكت عليها

توجس يونس من غضبها وتساءل بـ قلق

-في إيه يا بتول!
-نظرت له بتول وهى لا تزال على غضبها وقالت:في إنهم بيقتلوا طفلة هنا..

زادت عقدة جبين يونس ولم يختلف عنه الرجال الأخرين..لتُكمل حديثها

-بيجوزا بنت لسه مبلغتش..تصور يا يونس!!..

وقبل أن يرد يونس والذي إستنكر ما يحدث هنا فـ قد ظن أنها فتاه في ريعان شبابها..ليرد عليها ناصر"العريس"

-وإيش فيكي بـ مرتي!!..تتجوز وهى طفلة ولا تتجوز..إيش غاضبك هيك!
-جحظت عينا بتول وهي تقول بـ صدمة:أنت عريس الغفلة!
-ليقول أبو عواد بّ تعجب:إيّ هو..إيش يا بنيتي !..إيش فيكي؟

ضربت بتول كفًا على أخر ونظرت إلى الجميع بـ غضب عاصف ومن ثم هدرت

-ولا أي حاجة..طفلة لسه مشافتش الحياه تتجوز واحد رجله والقبر..وتبقى ليلة دخلتها هى و خارجته هو بـ إذن الله
-هتف ناصر بـ غضب:لمي لسانك جوات خاشمك يا حرمة
-أشاحت بـ يدها في وجهه وهتفت:يا راجل إتلهي..مش مكسوف من نفسك وأنت ساحب عيالك وجاي تتجوز واحدة أد حفيدتك عشان ترضي رغباتك القذرة!..يا أخي حس ع دمك

كان يونس يُتابع ما يحدث في صمت ولكنه مُتأهب إذا حدث تطاول..ولكن يبدو أن الجميع يحترم وجود أبو عواد..تقدمت بتول منه وقالت بـ توسل

-يا عم أبو عواد..دي جريمة..دا زواج قاصرات..حرام تضيعوا مستقبل بنت عشان واحد يومين وهياخد أستمارة ستة
-هرولت سيدة وقالت بـ حدة:بجولك إيه..إحنا ناس على جد حالنا ولا تخربي دارنا عاد..الحاچ ناصر الله يبارك بـ عمره..جال يساعدنا وبيتجوز بنيتي..وهّلا روحي من هون..لا تخربي عرسنا
-إشمئزت منها بتول وهتفت وهى تنظر إلى الجميع:بنتك مش صفقة عشان تتباع مقابل حاجة..وبدل أما تقتليها كدا خليها تكمل تعليهما يمكن تطلع حاجة وتساعدك..محدش بيموت من الجوع..ليكي رب يدبرلك أمرك..مش هو اللي هيرحمك من الفقر..وهو لو حابب يساعد هيعمل كدا من غير مقابل..إعمل حاجة حلوة تقابل بيها ربك..

قالت جملتها الأخيرة وهى ترمقه شزرًا..تجاهلت بتول بعض الهممات والسباب الذي إنهال عليها..تجاهلت تشاجر ناصر و ولديه مع ابو عواد..ومن ثم هتفت بـ صوتٍ عال لتخرس الجميع

-بس بطّلوا كلكم..كلمة ربنا هيحاسبني عليها...

نظرت إلى ابو عواد وقالت

-معلش يا عم أبو عواد أنا لازم أرضي ضميري

أماء بـ رأسه بـ هدوء و ثغره يرتسم عليه إبتسامة راضية وكذلك يونس أخذ يُشجعها ويُرسل لها نظرات بثت الطمأنينة بـ نفسها..أخذت بتول نفس عميق ثم ذفرته وقالت

-الرسول عليه الصلاه والسلام قال"من رأى منكم منكرًا فليغيره"..وأنا مقدرش أشوف حاجة زي دي وأسكت عليها..أنتو هتتحاسبوا ع اللي بتعملوه فـ بنتاكوا دا..الضنا غالي وأنتوا بترموهم رمية الكلاب لواحد مريض زي الأخ..يرضي رغباته وحقارته بيها..وبعدين شهرين ترجعلكوا ما هو خلاص أخد اللي عاوزه..دا مش عدل دا زي قتلكم ليها حيه..مذنبهاش حاجة تخسر طفولتها عشان خاطر حاجات تافهه..فقر!!..يعني إيه فقر!..الفقر الحقيقي فـ عقولنا وتفكيرنا..الفقر فـ إننا يبقى عندنا القدرة نحارب ونختار الأسهل ونقعد نلطم بعدها..الفقر إن يبقى فـ إيدك تتغلب ع الفقر بس بتستسهل تمد إيدك للناس..

صمتت قليلاً تُتابع تعبيرات وجوه المُحيطين بها ما بين راضٍ وناقم..لتُكمل حديثها

-البنت دي جايز ربنا يكتبلها تكون حاجة فعلاً وتغير حياتكوا..بدل ما يجي اليوم اللي بنتكِ تبصلكِ فيه وتقولك مش مسمحاكي..لأ دا تيجي وتبوس إيدك عشان حاميتيها..بلاش ترموا الغلط ع العادات والتقاليد..وبلاش جهل..مش فـ التعليم لأ دا فـ الأخلاق والدين اللي بقى بيتفسر ع مزاجنا..خافوا من ربنا..خافوا ع ولادكم وراعو ربنا فيهم..لو مش خايفين من عقاب الدولة والقانون خافوا من عقاب ربنا...

أنهت حديثها ثم جست أمام الطفلة وإبتسمت بـ حنو وسألتها

-أنت عاوزة تتجوزي!!

نفت الطفلة بـ وجهها..لنتهض بتول وإتجهت إلى أبو عواد وقالت بـ توسل

-عم أبو عواد..الناس كلها بتحترمك وبتعتبرك كبيرهم..البنت رافضة المهزلة دي..فـ أرجوك قول كلمة الحق وأنا واثقة أنك مش هتظلم حد....
مشيت وياكي للآخر...وأتاري وأولك أخر...
عنيكي خدتني للحلم اللي مبيكملش كلام خلا أحلامي تشوفني و أشوفها قدامي...

إرتفعت الهمهمات من الجميع..وبتول توزع أنظارها على أبو عواد و ناصر..إحتضنت الفتاه بـ قوة خشية أن يأخذها أحد..ظل أبو عواد صامتًا يستشف ردود فعل الناس..وفجأة ضرب بـ عصاه الأرض ليسود الصمت..تشدق أبو عواد وهو يرمق بتول

-بتول يا بنيتي..أنا رچال علامي على جدي (قدي) لكن أعرف ربي كيف ما بعرف كفي..وأنا مرضاش الظلم لأي صبية فـ جبيلتي (قبيلتي)..

نظر إلى ناصر وهو يستند بـ عصاه وهتف بـ جدية

-ما في چواز..الله الغني يا أبو عبدالله..لا تزعل ولكن الصبية صغيرة وما بجدر أرد لبتول بنيتي كلمة..ما في
-زمجر ناصر بـ غضب وقال:هاذه الحُرمة حديثها بيصير سيف على رجابنا..لا يا بو عواد..لاه أنا راح إتجوز هاذه الصبية وما راح أفوتكم من دونها
-تقدم منه يونس و وضع يده على منكبيه ثم تشدق:يلا يا جدي من هنا..مفيش بنات عندنا للجواز..خلاص جبرنا

وأبتعد عنه ليقف بـ جانب بتول يُؤازرها..بينما نظر له ناصر بـ نارية ولكنه قابلها بـ تحدي صريح وكأنه يخبره إن تجرأت على الرفض سيكون قبرك أسفل قدماك..شق السكون صوت أبو عواد يقول بـ صرامة

-فوّت هاذه الدار يا بو عبدالله..ما في چواز الله يرضى عليك

أشار إلى ولديّ ناصر وهتف

-خذوا بوكم الدار..وعجلوه...

ثم إلتفت إلى السيدة والدة الطفلة ثم قال بـ صوتٍ آمر

-هاذه الصبية راح تكمل علامها إذا رادت (أرادت)..مصاريها عليّ..أنا بساعدها لله وما بقبل شئ مجابيله (مقابيله)..هذا شئ لله..ولا حدا من هذه الجبيلة يفكر في عِرس لصبية لساها قاصر..وهون وإنجفل الحديث ..ما راح نحكي عاد بهاذه الحكاية مرة تانية...يلا فوتوا ع داركم...

وإلتفت ليرحل ومعه الباقين..نظر لها ناصر بـ غضب قبل أن يرحل..لتقول في محاولة لـ إستفزازه

-يلا يا راجل من هنا دا لو عطست فـ وشك هتموتك...

ليبتسم يونس على لسانها السليط الذي لا يرحم عدوًا كان أو حبيب..وإنفض الزفاف وإنتهت ليلة قد حُكم بها على فتاه بالموت..إنحنت بتول قبل أن ترحل و تشدقت بـ حنو

-دلوقتي هتكملي تعليمك وعوزاكي تكوني دكتورة ترفعي راسك لفوق ديما..خليكي عارفة إن ربنا هيعوضك وهيقف جمبك...

أماءت الفتاه بـ رأسها بـ قوة وهى تبتسم بـ سعادة..لتُقبل جبينها بـ حب ثم نهضت لتجد يونس يحدق بها بـ نظرات أغرقتها في بحر الخجل..همست بـ صوتٍ خفيض وقالت

-أحم..مش..مش يلا إحنا كمان
-إبتسم وقال:يلا إحنا كمان...

أفسح لها المجال لكي تخطو إلى الخارج وهو يتبعها..ليُسرع في خطواته و وقف أمامها مما جعلها تتعجب من تصرفه..وسألته

-خير فيه حاجة!
-أماء بـ رأسه وقال بـ إبتسامة:ممكن تسمحيلي أخطفك لمكان ونتكلم لوحدنا شوية؟!!
-ضحكت وقالت:ع أساس أنك مش خاطفني مثلاً!.
-ضحك وقال بـ مزاح:ممكن أخطفك تاني!!
-أماءت بـ رأسها وهتفت بـ رقة:ممكن جدًا...

**************************************

وقف بـ سيارته أمام منزلها وأغلق محرك السيارة ولكنه لم يسمح لها بالنزول..تعجبت روضة منه ولكنه أمسك يدها ومن ثم تشدق بـ هدوء

-إتأخرتي النهاردة الصبح ليه؟..أنا معرفتش أسألك عشان الشغل والناس اللي كانوا موجودين
-رفت بـ عينيها عدة مرات وهتفت بـ ذهول:متأخرتش غير خمس دقايق بس
-فـ قال هو بـ بساطة:بس إتأخرتي
-إبتسمت وقالت:خلاص إتأخرت...
-أخر يُحرك يده على ظاهر كفها وتساءل بـ حنان:ها إتأخرتي ليه!!

كانت تعلم أنه سيسألها وأنه لن يرتاح إلا أن ينول إجابة يرضاها..أخذت نفس عميق ثم قالت بـ ثبات ظاهري

-كنت فـ القسم
-سألها بـ قلق:ليه في حاجة حصلت!..طب ليه مقولتليش!!!
-نفت بـ رأسها وقالت بـ هدوء:مفيش حاجة صدقني..الموضوع كله إن كان في واحدة خبط فـ عربيتها وحبت نعمل محضر وكنا بنخلصه
-وضع يده على وجنتها وسألها:طب ليه متصلتيش بيا عشان أجيلك!
-هزت كتفيها وقالت:مكنش له لزوم الموضوع خلص بسرعة..والست محترمة وحليناها ودي
-سألها مجددًا بتأكيد:يعني مفيش حاجة حصلت!!
-أمسكت يده التي على وجنتها وقالت:لأ..متقلقش

إبتسم لها سيف بـ دفئ ثم قال بـ تذكر

-بصي يا حبيبتي أنا هغيب كام يوم عشان أخلص موضوع عز
-شحب وجهها وتشدقت بـ تساؤل:يـ..يعني إيه؟
-طمأنها سريعًا:متخافيش الموضوع مش هياخد فـ إيدي يومين..بس عاوز أربي عز ع مزاجي

إبتلعت ريقها بـ صعوبة..ولم ترد عليه وقد ظنه إن صمتها خوفًا عليه أو ربما قلق..أمسك يدها مجددًا بـ قوة حانية

-متخافيش يا روضة..الموضوع سهل ومفهوش قلق
-هتفت بـ رجاء:من فضلك متأذيش البنت
-إبتسم وقال:عشان خاطرك

ثم ترك يدها وحدثها بـ جدية

-يلا إنزلي مينفعش تفضلي معايا فـ العربية كتير
-طيب

قالتها ثم حلت عنها حزام أمانها وقبل أن تترجل من السيارة هتف بـ حب

-هتوحشيني

نظرت له بـ إبتسامة وسرعان ما تلاشت عندما أدارت ظهرها له..دلفت إلى داخل البناية ثم إستدارت له ولوحت ليُبادلها وتحرك بـ سيارته..هتفت في نفسها وهى تصعد درجات السلم "يجب أن أكون أكثر حذرًا معه"..أخرجت مفاتيح منزلها وفتحت الباب ثم دلفت..أضاءت الأنوار ليأتيها صوتٍ خلفها

-نورتي بيتك...

**************************************

كانا جلسان على تلك الصخرة التي جلس عليها صباحًا وهى بجانبه..تنظر إلى القمر الذي أستحال بدرًا وهى صامتة..غير واعية إلى نظراته التي تلتهمها إلتهامًا..لكم العشق مؤلم!..هتف يونس بـ خفوت خروف اسمها

-بـ..تـ..و..ل

-نظرت له بتول بـ دهشة وقالت بـ عفوية

-هو أنت حاطط موس فـ بوقك!!..
-هز رأسه بـ يأس وقال:مفيش فايدة فـ لسانك اللي عاوز يتقص منه حتت مش حتة..
-رفعت حاجبيها بـ دهشة وقالت:الله!!..مش أنت اللي مش عارف تقول اسمي وعمال تستهجاه

أجبرته على اللطم على وجهه كـ النسوة..ماذا يقول لها!..أيقول أنه كان يتذوق اسمها في فمه!..أيقول أنه لأول مرة يستشعر لذة في نطق اسم فتاهً ما!..بل و الأنكى أنه يشعر بـ مذاقه بين شفتيه..تعجبت من صمته فـ تشدقت بـ حيرة

-مالك يا يونس؟..ساكت ليه!
-رد عليها ساخرًا:وبالنسبة لـ اللطمة اللي لطمتها من شوية دي إيه نظامها!. مش هتسأليني لطمت ليه؟
-رفعت منكبيها وأجابت:أنت حر تلطم ما تلطمش دي حاجة ترجعلك..

وما كان منه أن سبها في نفسه..يعلم أنها مصابه...رفع يداه وهتف بـ تضرع

-يارب إرفع مقتك وغضبك عنا يارب
-أمنت على دعاؤه دون أن تفهم:يارب

نظر لها بـ نصف عين..وصمت..ليعود ويهتف بـ جدية

-عارفة أنا مبسوط باللي عملتيه من شوية..فخور بيكي يا بتول..اي حد غيرك كان هيقول وأنا مالي..لكن أنتي مش أي حد
-إبتسمت بـ خجل ثم قالت:شكرًا..بس الموضوع أن بابا علمني إني مشوفش غلط وأسكت..حتى لو مش هغير حاجة بس مقدرش أشوف غلط وأغمي عيني..عارف نص مشاكلنا بسبب أننا شايفين الغلط وساكتين

صمتت قليلاً ثم أكملت بـ تنهيدة

-عارفين الغلط والحرام وبنروحلهم..ونروح نكتب ع السوشيال ميديا (مواقع التواصل الإجتماعي) الناس بقت وحشة وقمة النفاق يعني..اللي مخلينا فـ القاع إننا مبنحاولش نغير نفسنا ولا نصلح عيوبنا..لأ الأسهل إننا نرمي الغلط ع ناس تانية...

نظر لها يونس بـ عمق ونظرات طفرت بـ عشقه لها..ربما هى عفوية مرحة وذات لسان سليط لم يرى مثله..ولكنها ذو عقلية ناضجة و فكر واسع..تعي الخطأ والصواب وتسير في الطريق وهى تعلم عواقبه ولكنها تموت دفاعًا عما تؤمن به...

أخرجها من صمتها وتأملها القمر..نظراته التي تخترق روحها وتقتلعها من جذورها..إلتفتت له لتأسر بنيته غابات الزيتون خاصتها بها..يعلم انه يُسحب إلى تيار وأنه لن ينجو منه أبدًا..تسللت يداه تُمسك يدها وهتف بـ صوت أجش

-عنيكي لوحدها فتنة...

إزدردت ريقها بـ توتر وقد أخذ وجيب قلبها يعلو بـ صورة أصمتها..رفع كفها ولثمه بـ رقة كـ نسيم رقيق يُداعب أنوثتها وأكمل حديثه

-روحك أسرتني يا بنت السلطان...
-أغمضت عيناها وهتفت بـ تلعثم:يـ..يو..نس

إبتسم وهو يسمع لحن اسمه منها وكأنه معزوفة بيت هوفن..وقرر كسر تلك اللحظة حتى لا يُخيفها أكثر..نظر لها بـ عمق قبل أن يترك يدها وينظر أمامه..وهى سحبت يدها إلى صدرها الذي كاد أن يُحطم ضلوعها ..تشعر بـ سخونة ألهبت وجنتيها...

تمنى يونس في داخله أن تعي مقدار واحد بـ المائة مما يشعر به نحوها..عشقها إقتحمه كـ إعصار وضربه بـ قوة جعلته يخر صريعًا..وضع يده على وجهه وقرر مصارحتها بما جاء من أجله..إلتفت لها ثم قال بـ جمود مُصطنع

-أنا مسافر بكرة...

**************************************

كادت أن تصرخ من هول الفزع الذي إنتاب جميع خلايا جسدها..إلا أنه أسرع وكمم فاها وتشدق بـ هدوء

-إهدي يا أنسة روضة..أنا الرائد عدي

إزدردت ريقها بـ خوف وأماءت بـ رأسها عدة مرات ليقول وهو ينزع يده عن فاها

-أنا أسف إذا كنت خضيتك!
-رفعت حاجبيها وهتفت:إذا!!..حضرتك أنا قطعت الخلف

ضحك عدي ملئ فاه وهى أخذت تتأمل ملامحه الرجولية البحتة..سكنت ضحكات الأول ولاحظ تحديقها به..إبتسم عدي ولم يُعلق..لن يرد كسر تلك اللحظة..وساد الصمت حتى قطعته روضة بـ إستفاقتها من تلك الغفوة..وهتفت بـ حرج ما ان لاحظت نظراته العميقة لها
-أحم..أسفة..
-إتسعت إبتسامته وقال:لا أبدًا مفيش حاجة..

وضعت حقيبتها وتوجهت إليه..ثم قالت

-تحب تشرب إيه!
-ولا أي حاجة..أصلاً مش هطول عشان لازم أسافر الواحات كمان كام ساعة

هزت كتفيها ولم تصر كثيرًا فهى مُنهكة من كثرة العمل اليوم..جلست وأشارت له بـ الجلوس وتشدقت

-إتفضل يا سيادة الرائد..هو حضرتك دخلت شقتي إزاي؟
-جلس عدي وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مينفعش تسألي ظابط هو دخل بيت إزاي. عيبة فـ حقه

إبتسمت مجددًا ولم تُعلق..ليقول هو بـ هدوء

-أكيد بتسألي أنا جيت ليه!
-حركت رأسها إلى اليسار وقالت:يعني حاجة زي كدا
-حك جبهته وقال بـ حيرة:وأنا بدور فـ ملفات قديمة عن شركة الكردي اللي الورق إديتيه لمحمد..لاقيت أسم كريم الشِهدي..أعتقد إن دا اسم عيلتك

شحب وجهها بـ التدريج وأخذت تتنفس بـ سرعة..جعلته يتوجس مما يحدث..نهض من مقعده وإتجه لها ثم سألها بـ تقطيبة

-مالك في إيه!!..أنا قولت حاجة غلط..تخبي أجبلك ماية؟

هزت رأسها بـ نفي. ليسألها بـ إنفعال

-طيب ليه حالتك دي!!..
-هقولك...

ثم أخذت تتنفس بـ عمق..ليعود ويجلس..نظر لها وحواسه مُتأهبة لما ستقول..مالت بـ جذعها العلوي إلى الأمام وقالت بـ حزن

-كريم دا يبقى أخويا
-ردد خليها بـ ذهول:أخوكي!!
-أماءت بـ رأسها وقالت:أيوة..هو كان بيشتغل مع سيادة الوزير عز الدين..تهريب اسلحة وغيره..وفـ مرة حصل مشكلة وأخويا إتقبض عليه وعشان ميعترفش قتلوه...

تهدج صوتها وبدأت قطرات ملحية تُبلل ساقيها..أما عدي فـ كانت عضلات وجهه تقلصت إلى غضب..أكملت حديثها بـ صوتٍ مبحوح

-بعدها بابا مات من اللي حصل..وأمي مستحملتش وتعبت جامد..ولمل خفت طلبت مني إني أصلح اللي كريم بوظه لأنها مش مسمحاه..وكمان قالتلي أحطها فـ دار رعاية..هى مكانتش عاوزة تشوف حد يفكرها بـ بابا...
-أكمل هو حديثها:عشان كدا إشتغلتي معانا...
-أماءت بـ رأسها وتشدقت:مكنش قدامي غير إني أخاطر..الناس دي مش سهلة ولما دورت أكتر عرفت إني هكون فـ أمان لما أشتغل مع سيف...

أشعلت جمرات الغضب و الغيرة لدى عدي ليقبض على كفه بـ قوة كابحًا غضبًا أسود من الإنطلاق..سألها بـ صوت حاول إخفاء الحدة

-طب وعرفتي دا كله منين!!
-كريم حب يأمن نفسه لو غدروا بيه..وأي حاجة كانت بتحصل سجلها..وكله طبعًا كان بعيد عن عز الدين..هو أه عارف و كتب الكلام دا..بس بدون أي دليل..ومكنش حد هيصدقه ولا هيصدقني إن وديته لحد مش موثوق فيه...
-وجيتلي أنا بذات ليه!
-تشدقت بـ جدية:سيف لما قربت منه قالي شوية معلومات..وكنت أنت بداية شغلي مع البوليس..مقدرتش أثق غير فيك بعد اللي هو قاله...

هم عدي بالرد إلا أن صوت طرقات على باب منزلها جعلها تنتفض..أشار لها عدي أن تهدأ وترد..أماءت بـ رأسها ولكن رُغمًا عنها خرج صوتها مُرتعش

-مـ..مين!!
-أنا سيف

شقهة مُنعت بـ واسطة يد عدي وحذرها بـ عيناه..وهتف بـ همسٍ آمر

-ردي عليه وشوفيه عاوز إيه

أماءت بـ رأسها عدة مرات ثم توجهت إلى الباب وفتحته فتحة ضيقة..وقالت بـ حدة زائفة

-سيف مينفعش تجيلي هنا فـ وقت زي دا
-رد هو عليها بـ هدوء:عارف..بس أنتي نسيتي موبايلك وكان لازم أديهولك
-أخذته منه وإبتسمت بـ إصفرار:شكرًا..بس إعذرني مش هينفع أدخلك الوقت إتأخر
-إبتسم هو وقال بـ تفهم:أنا عارف..وكدا كدا مينفعش أدخل..يلا عشان وقفتي غلط..تصبحي ع خير يا قلبي...

ثم رحل..لتُغلق هى الباب..تنفست الصعداء وبحثت عن عدي لتجده إختفى..إنعقد ما بين حاجبيها ولكنها وجدت ورقة كُتب فيها "أنا لازم أمشي وهنكمل كلامنا لما أرجع..خدي بالك من نفسك"..إبتسمت بـ سعادة ثم طوت الورقة و وضعتها في جيب بنطالها ودلفت لكي تنعم بـ نوم هانئ...

*************************************

- يا بتول ردي عليا..من إمبارح وأنتي مبتكلمنيش

نظرت له بـ نارية ولم ترد عليه..زفر هو بـ إستياء..وكاد أن يخطو خطوة في إتجاهها إلا أنها باغتته بـ قذف الوسادة ليتفادها وهو يقول بـ إستنكار

-يا بنت المجنونة
-وقفت أعلى الفراش وصرخت بـ حدة:أنا فعلاً مجنونة إني صدقت واحد زيك..صدقت أنك مش زيه...

نطقت الأخيرة وقد تهدج صوتها وسقطت عبارتها..أشفق يونس على حالها ولما يُسببه من ألم لها..جلست هى وبدأت تنتحب وهى تقول بـ شهقات

-أنت وعدتني أنك هتفضل جمبي..ليه بقى متكونش أد وعدك!!
-جلس على الفراش ومسح على خُصلاتها بـ حنان بالغ وقال:وأنا وعدتك إنك هتفضلي معايا لغاية لما أقدر أطلع برة مصر..وخلاص جه الوقت وكان لازم أكون أد وعدي

وفي ثوان أزاحت يده عنها بـ قوة وأعطته ظهرها ثم قالت بـ جمود

-روح يا يونس..بس مش مسمحاك...

أغمض يونس عيناه بـ حزن..ألا تعتقد أنه يتألم لتركها!..إنها تُشبه مُفارقة الروح للجسد..لا يستطيع أخذها لما هو مُقبل عليه..إما أن يعود سالمًا أو لا يعود..وهو لا يقدر على المخاطرة بها..ولكنه أقسم أنها ستكون ملكه ما أن يعود...

وبعد فترة من تفكيره وجد إنتفاضة جسدها قد هدأت وأنفاسها مُنتظمة..ليُمسد على خُصلاتها وظل مُحدقًا بها لوقت طويل ولم يشعر بـ طول المدة..وأفاق على صوت الهاتف الذي أعلن عن ميعاد وصول طائرته..إنقبض فؤاده لفكرة فقدانها وقد بدأ يشعر بـ تعلقها به..أغمض عيناه ليقضي على تردده..ثم مال ليُلثم خُصلاتها...وهمس بـ حزن

-خليكي عارفة إن أنا مش هتحرر من أسرك إلا بيكي...

ونهض يُلملم حاجياته ودلف إلى الخارج بـ هدوء نظر لها نظرة أخيرة تشي بـ مشاعر جمة ومن ثم أغلق الباب..نزل إلى الأسفل و وقام بـ توديع الجميع وسط الدمعات والوعود بـ إرجاعها سالمة..إلتفت إلى عواد وتشدق بـ رجاء

-خد بالك منها ورجعها لأهلها ي عواد
-ربت على منكبه وقال:لا تجلج هى بعيني يا وِلد عمي...

إبتسم يونس ورحل وقلبه مُحمل بـ الهموم لتركها وحيدة...

وصل يونس إلى المكان المُتفق عليه وإنتظر الطائرة..رمى بـ نظره إلى مكان جلوسهم أمس لتشق وجهه إبتسامة عندما تذكر ما حدث أمس..ومر بعض الوقت وشعر بـ تلك الرياح التي هبت فجأة مُعلنة عن وصول الطائرة..تأهب يونس في وقفته..وما أن حطت الطائرة حتى نزل أخاه منها وبعد حديث تركه وما كاد أن يصعد حتى سمع صوتًا من خلفه يصرخ بـ جنون

-يوووووونس!!!!
عشقك كسكرات الموت، يدبّ في أوصالي فتختنقُ أنفاسي، وتتمزّق روحي، ويتركُني ما بين الموت والحياة فاقدة لإحساسِي

إلتفت يونس على إثر الصوت ليجدها تندفع إليه كـ الصاروخ وترتمي في أحضانه..حتى أنه تراجع خطوة من شدة الإصطدام..لم يأخذ الأمر سوى ثوان لتلتف يده حولها بـ قوة يضمها إليه في شوقًا جارف وكأن روحه قد عادت إلى جسده مرة أخرى..دفن رأسه في خُصلاتها القصيرة وأخذ يرتوي من عبقها المُسكر..يروي روحه العطشى بها ومنها...

كان الجميع يقف فارغًا لفاهه لما يحدث..حتى عدي تدلى فكه لأسفل مما تفعله هذه الصغيرة...

إبتعدت بتول عن أحضانه وأخذت تضربه في صدره بـ قبضتيها الصغيرة وظلت تهدر بـ شراسة وعتاب

-ليه؟..ليه عاوز تسبني وتمشي!!..هونت عليك تسبني كدا يا يونس؟!..أنت قولت أنك مش زيه فـ متبقاش زيه...

أمسك قبضتيها وعاد يضمها إليه رابتًا على خُصلاتها بـ حنو وإشتياق

-هششششش...خلاص يا بتول أنا أهو جمبك ومش هسيبك...

إستكانت في أحضانه ولكنها ظلت تبكي..رفع أنظاره إلى عواد والذي رفع منكبيه بـ قلة حيلة وهتف

-لما عرفت إنك راح تسافر..ركضت وما إتنظرتني..وما كان يصير إتركها وحدها..لهيك چبتها معي لهون..ما جدرت يا صجر..صدقني كانت عم تبكي دم مو دمعات...

أماء بـ رأسه وإبتسم دون أن يرد ولكنه إستمر في تهدئتها ولم يُبالي بـ من معه..فها هى بين أحضانه بـ كامل قواها العقلية..تُعاتبه على تركه إياها..ماذا يُريد أكثر من ذلك!!..

تقدم منه عدي وأشار بـ رأسه أن يأتي..هز رأسه بـ موافقة وأبعد بتول عنه..ثم هتف وهو يُزيل عبراتها بـ إبهاميه

-خليكي هنا هكلم عدي وهجيلك
-زمت شفتيها وقالت:مش هتسافر و تسيبني!!
-ضحك وقال:هسافر إزاي وأنتي ورا الطيارة؟
-لتقول هى بـ إصرار:خلاص هقعد فـ الطيارة وهلزق نفسي بـ أمير عشان متسبنيش وتمشي
-ضرب كفًا على أخر وقال:طيب إلزقي نفسك بـ أمير وأنا جايلك

وبلا تردد صعدت إلى الطائرة تحت نظراته التي تعلقت بها..إتجه يونس إلى شقيقه الذي يبدو على معالمه عدم الرضا عما يحدث..وقبل أن يتحدث يونس كان عدي يسبقه بـ إمتعاض

-هتعمل إيه دلوقتي!
-رفع منكباه بـ بساطة:هخدها معايا
-إرتفع حاجبي عدي بـ إستنكار وقال:تاخدها معاك!!..هى رحلة يا يونس!..دي مهمة فيها حياه أو موت وأنت أصلاً حياتك على كف عفريت
-وضع يونس كفه في خصره وتساءل بـ ملل:عاوزني أعمل إيه!..أديك شايف هى جت ورايا وقعدت فـ الطيارة قبلي..عاوزني أمشيها إزاي؟
-معرفش إتصرف

زفر يونس بـ يأس ولم يتحدث..بالطبع يعي النيران التي سيُقذف بها ولكنه لا توازي مقدار النيران التي تتآكل قلبه وهو بعيد عنها..تشدق يونس بعد مدة...

-هاخدها يا عدي وفـ أقرب فرصة هرجعها قبل ما يحصل أي حاجة
-تقدم منه عدي ودفعه في صدره وتحدث بـ عنف:غبي..غبي مفكر إنهم لما يشوفوها معاك مرة هيسبوها..دول لو لمحوا قطة أنت أكلتها عطف عليها هيقتولها..ما بالك بـ بني أدمة...

*************************************

وضع قدح القهوة الخاص به على الطاولة الصغيرة أمامه ثم وضع ساق على أخرى وهتف بـ جمود

-دلوقتي يا عز شغلنا واقف بسبب اللي حصل..هنفضل متعطلين كدا كتير!!
-رفع عز حاجبيه وقال بـ برود:يوقف مش أخر الدنيا..إنما أنا مش همد إيدي ع شغل إلا لما خطيبتي ترجع
-أشار الأخر بـ سبابته مُحذرًا إياه:الناس اللي معانا هيزعلو وهما زعلهم وحش
-وأنا زعلي أوحش...

نظر لها الرجل الأخر شزرًا ولم يرد..فـ أكمل عز حديثه

-وبعدين من غيري ممكن تعملوها دي صفقة أدوية فاسدة مش هتاخد فـ إيديكوا حاجة..دي مش حاجة قصاد اللي عملنا قبل كدا..فاكر!!
-إمتعضت ملامحه وقال:متفكرنيش باليوم دا..إحنا قضينا ع فرقة كاملة عشان نداري ع اللي حصل...
-رمقه عز بـ سخرية وقال:وأدي واحد منهم لسه عايش..
-ليقول رفعت بـ نبرة ذات مغزى:ومعاه حاجات توديك ورا الشمس
-رمقه بـ شرر وقال:مش توديني لوحدي يا سيادة العقيد..تودينا كلنا
-مط رفعت شفتاه وقال:مش فارقة مصلحتنا واحدة وكلنا بندور عليه

تأفف عز الدين كثيرًا..ليسأله بـ نفاذ صبر

-وبعدين حتة ظابط زي دا مش عارفين تجيبوه!
-دا مش أي ظابط يا سيادة الوزير..أنت مفكر أنه مش عارف بـ وساختي حتى لو ممعاهوش دليل ملموس ضدي!!..لأ عارف وفاهم عشان كدا اللي بيساعده عدي أخوه..والأتنين دماغ وبيعرفوا إزاي يتحركوا وهما قاعدين...

صمت يُتابع إمتعاض ملامح الأخر ليُكمل حديثه بلا مبالاه

-إحنا بتنعامل مع أتنين أذكى من بعض واحد فـ المخابرات والتاني شرطة..والأتنين ليهم سلطة كبيرة ومحدش يقدر يقول بم معاهم
-صاح عز الدين بـ عنف:ما خلاص يا رفعت عرفت إنه چيمس بوند مش محتاج كلامك دا..أنا كل اللي يهمني بتوووول..بتول ترجعلي وبعدها أنا هعرف أربيه بطريقتي..لو فكر يلمس منها شعرة
-ضحك رفعت بـ صوته كله ثم قال بعدما هدأت ضحكاته:وأنت متخيل إن يونس لو عاوز يلمس شعرة منها مش هيعمل كدا!!..وخصوصًا أنها تخصك!..بس دي مش أخلاق يونس..هو مش زيي ولا زيك..ودا اللي بيميزه يا سيادة الوزير...
-إبتلع عز الدين ريقه وهتف بـ جمود:كويس إن دي أخلاقه وإنه مش هيلمسها وإلا هيدوق عذابي اللي بجد

نهض رفعت وهو يرمقه بـ إزدراء وأغلق أزرار حلته..ثم تقدم منه وقال بـ فحيح أفاعي

-بس تعمل إيه لو هو قال لخطيبتك على وساختك وجرايمك يا..يا سيادة الوزير!!!

ثم تركه ورحل..وكأن أحدهم سكب دلو ماء بارد عليه ليجعله يتجمد في مكانه..هذا هو السؤال الذي لم يطرأ بـ باله قط..ماذا لو علمت بتول بما فعله!!...
************************************



كانت بتول تُتابع ما يحدث بـ أعين حادة كالصقر..وما أن رأت عدي يتعدى على يونس حتى ركضت إليه و وقفت بجانبه وتساءلت

-إيه اللي بيحصل!
-أمسك يونس يدها يُبعدها عن مرمى أخيه وقال:تعالي بعيد يا بتول..عدي الظاهر أنه مش فـ وعيه..
-إهتاج عدي من شقيقه وقال:وعي إيه يا يونس!!..اللي أنت بتعمله دا غلط وهى اللي هتدفع التمن..أنا ماشي يا يونس وخلي بالك من نفسك..وآآ...منها

قال الأخيرة بـ سخرية ثم رحل..صعد سيارته وقال قبل أن يُغادر

-لو إحتجت لحاجة كلمني...

وتحرك دون أن يتفوه بـ حرفًا أخر..زفر يونس بـ ضيق لتأتي بتول من خلفه وتساءلت

-في حاجة!!..هو زعلك فـ حاجة؟
-حدق بها مُطولاً وسألها بـ نبرة غامضة:عاوزة تيجي معايا ليه يا بتول!

صُدمت من سؤاله وإبتعدت خطوتان إلى الخلف دون حديث..ليقترب منها يونس مرة أخرى هاتفًا بـ حدة من بين أسنانه..

-ردي عليا يا بنتي؟..عرفيني ليه!!..مستعدة تغيبي عن أهلك مدة الله يعلم هتكون أد إيه مع واحد مبتثقيش فيه؟!!
-أخذت نفس عميق ثم قالت بلا تردد:عشان مش عاوزة أرجعله..عشان لو شوفته مش عارفة هيكون رد فعلي إيه..عشان أنا خايفة أكون مصيري زي البنات اللي شوفتها دي..

إرتجف جسدها بـ قوة عقب أن تذكرت تلك المشاهد المُشينة..أغمض يونس عيناه بـ ضيق وأخذت أنفاسه الحارة تعلو..وعلا معها وجيب قلبه عندما هتفت بـ نبرتها البريئة

-عشان إخترت إني أثق فيك..وأنك هتحميني..مش كدا يا يونس؟
-رد عليها وهو يُمسك يدها:أنتي بتسألي يا بتول...
-إبتعلت ريقها وقالت بـ إبتسامة:طب مستني إيه يلا بينا
-يلا..

وأمسك يدها ثم توجها إلى الطائرة..يعلم أنها مُجازفة ولكن لابد منها..لن يتركها لحظة..لن يستطيع العيش بدونها كيف وهى من تتيح له التنفس..وإرتفعت الطائرة لتُغادر أرض مصر مُتجهه إلى السويد...

****************************************

إنقضى نصف الوقت اللازم للوصول إلى ستوكهولم عاصمة الدولة السويدية وهى نائمة على منكبه كـ الأطفال..تتشبث بـ ذراعه كمن يخشى فقدانه..إبتسم يونس وهو يُتابع إنتظام تنفسها..لكم يشعر بـ لذة وهو يُتابع ملامحها الملائكية وبراءتها التي تسلب العقول..تنهد بـ قوة عندما أتى بـ مخيلته ما سيمر به وما هو مُقبل عليه..وأخذ يردد في نفسه بـ تضرع

-يارب إحميها وإحرسها يارب..عارف إني غلطت لما أخدتها معايا بس مكنتش هقدر أسيبها لوحدها..قلبي هو اللي مش هيقدر..

شعر بها تُحرك رأسها كـ الهرة فـ عاودت الإبتسامة الظهور على محياه..وبعد ثوان وجدها تفرك عيناها كـ الأطفال وهتفت بـ نعاس

-صباح الخير
-صباح النور
-تثاءبت ثم قالت:نمت أد إيه!!

نظر في ساعته ثم قال بـ إبتسامة

-نمتي تقريبًا نص الوقت
-حركت رأسها وتساءلت بـ غباء:اللي هو أد إيه!
-زفر يونس بـ نفاذ صبر:خمس ساعات يا بتول..نمتي خمس ساعات كنت مستريح فيهم والله
-تشدقت وهى تشيح في وجهه:جرى إيه يا جدع أنت!!
-هش..هش..أسكتي أنتي إبتلاء..أقسم بالله إبتلاء

ذمت شفتيها بـ ضيق و عقدت ساعديها أمام صدرها ولم ترد عليه..تبدلت ملامح يونس إلى الجدية وهو يقول

-بتول!..بصي أنا هتكلم معاكي ع اللي إحنا داخلين عليه..فـ لازم تكوني على علم بـ اللي هيحصل
-إزدردت ريقها بـ خوف ثم أستدارت بـ رأسها وتساءلت:هو..هو اللي داخلين عليه صعب!
-ضحك يونس وقال بـ مرح:جوي جوي يا بوي
-بطّل رخامة ورد
-إرتسمت الجدية على ملامحه وقال:بصي..التنقل هيكون بـ إستمرار يعني مش هنقدر نقعد فـ مكان أكتر من أريعة وعشرين ساعة..لأن ناس كتير هيكونوا بيطردونا..مش هتكون ع الحكومة وبس..لأ دي عصابات ومرتزقة وليلة سودة

إزدردت ريقها بـ خوف أكبر ثم تشدقت بـ نبرة مُرتعشة

-هو أنا مينفعش أغير رأيي وارجع مصر!..أنا بحب مصر
-أمسك يونس يدها بـ حنو وقال:متخافيش أنا معاكي..

نظرت إلى يده التي تحتويها بـ حنان ثم إليه..لا تنكر شعور الأمان الذي تسلل إليها من إحتوائه لها سواء كانت نظراته أو يده..لتبتسم بـ توتر..وأكمل هو

-أهم حاجة هوياتنا الحقيقية متتعرفش..لا اسمك ولا سنك ولا أنتي منين..أنا جواز سفري وهويتي الجديدة جاهزة..أنتي اول بما نوصل هتصرفلك فـ واحدة..
-إتسعت إبتسامتها وقالت بـ حماس مُتناسية خوفها:إيه دا بجد!!..ويبقى تزوير في أوراق رسمية!!..الله حلو جو الأكشن دا
-ضيق عيناه وهتف بـ غيظ:بقى دا منظر واحدة كانت مرعوبة من شوية!
-رفعت منكبيها وقالت:أنت قولت أنت هتحميني

ربتت على كتفه عدة مرات وهتفت بـ بساطة

-وأنا بثق في يا صقر أو فهد أو أسد أي حيوان يمشي

نظر لها بـ غضب لتتنحنح وتقول

-قصدي حيوان مفترس و قوي يعني..متاخدش الأمور قفش كدا..take it easy man )خذ الأمور ببساطة يا رجل)

صمت..هو من الأساس لا يعرف كيف يُجيب عليها..تتفوه بـ كلمات حمقاء تُشبهها تمامًا..أدار وجهه عنها حتى لا يفقد ما تبقى من عقله..ليصدح صوتها وهى تسأله

-وبعدين كمل خططك!
-نظر لها بـ إزدراء وقال:أما يبقى يجي وقتها يحلها ربنا..أما حاليًا مش عاوز أسمع صوتك..إرجعي نامي
-لتقول بـ هدوء:بس أنا مش عاوزة أنام
-أغمض عيناه وقال:خلاص أنام أنا...
-لوت شدقها بـ ضيق وسألته:طب سؤال قبل ما تنام
-زفر بـ ضيق:أووووف..قولي وإرحميني
-فاضل أد إيه ونوصل!!
-ست ساعات..أحسنلك ناميهم

عقد هو ساعديه أمام صدره وتجاهلها كُليًا..تجاهل ثرثرتها المُزعجة ليستشف منها أنها طريقتها في إزالة التوتر وحالة الخوف التي إنتابتها ما أن أخبرها بما هم مُقبلين عليه..وفي خضم حديثها شهقت عندما إلتفت يد يونس حولها جاذبًا إياها إلى صدره وقال بـ صوتٍ رخيم

-نامي يا بتول وحاولي تسترخي..شيلي الخوف من دماغك أنا وعدتك إني هحميكي وربنا يقدرني وأقدر...

توردت وجنتيها مما يفعله ولكنها لم تعترض..بل والعجيب أن جفونها خانتها وأُغلقت لتنعم بـ نومٍ هادئ تحت نبضات قلبه الهادئة والمُستمتعة بـ قربها منه..ونام كِلاهما وعلى ثغريهما إبتسامة وكُلاً لنفس السبب..أو ربما ليس...

***************************************

بعدما تنعم بـ حمام دافئ يُزيل عن رأسه فكرة إكتشاف بتول لقذارته ولكن لم يفلح..إستدار بـ جسده وهو يُجفف خُصلاته..ليجد سيف يجلس على أحد المقاعد وبـ يده كأس نبيذ فاخر..لم تهتز شعرة واحدة لدى عز وتساءل بـ جفاء

-عملت إيه!!
-تلاعب سيف بـ كأس النبيذ وقال:يونس كان فـ الواحات..بس هرب برة مصر
-إلتفت إليه بـ جسده وهتف بـ صدمة وغضب:وملحقتوش ليه قبل ما يسافر!..وراح فين الـ*** دا؟
-رد عليه سيف بـ إستفزاز:أعصابك يا باشا..وبعدين أنت لسه قايلي أول إمبارح..عاوزني ألحقه إزاي!!

تحرك عز في إتجاهه وقد بلغ غضبه الذروة..ليجذب سيف من تلابيبه بـ عنف ليقع كأس النبيذ و لوث الأرضية..نظر لها سيف ثم قال بـ أسف مُصطنع

-كدا الكاس وقع!!..دا حتى طعمه حلو لأ وغالي
-هزه عز بـ عنف و زمجر:سيف!!..بقولك إيه أنا ع أخري..فـ أقصر
-أبعد يده عنه وتشدق بـ إبتسامة:وماله أقصر

عاد يجلس على مقعده و وضع ساق على أخرى ثم قال وهو يحك طرف ذقنه

-كل اللي قدرت أوصله..إنه راح الواحات بعد أما خطف السنيورة..ولما رحت كان فص ملح وداب
-كز عز على أسنانه وقال بـ ضيق:طب مهددتش الناس دي ليه..إقتل حد وهما زي الكلاب هيعترفوا!
-الأمور متتاخدش كدا..عمومًا محدش عارف هو فين..ومن الأساس محدش إتعرف عليه..أو هما قالوا كدا..الظاهر بيعزوه جدًا..لدرجة إن مفيش حد قال أنه يعرفه..

ضحك بـ سخرية وقال

-والعجيب أنهم قالوا نفس الكلام..محدش جه بـ الاسم دا ولا حتى تعرفوا ع الشكل..طلع محبوب سيادة المقدم دا
-سيف..بتول ترجع..أنا هروح الناس دي بنفسي وهخليهم يعترفوا حتى لو قتلتهم كلهم
-نهض سيف وقال:هتعملها تاني!!..طب مش لما تتخلص من الدليل اللي ضدك فـ الأولى..عمومًا متوسخش إيدك فـ ناس لو قطعت لحمهم بالحتت مش هيقولوا حرف..أحسنلك أستخدم علاقاتك القذرة مع المافيا وهما هيجبولك رقابته..تشاو يا نجم

تشدق بـ الأخيرة بـ تهكم ورحل..تاركًا عز يقبض على كفه بـ شراسة وقال بـ وعيد قاتم

-هقتلك يا سيف..هقتلك بس أخلص من يونس الكلب الأول

*************************************

-سيادة المقدم!!..سيادة المقدم؟

فتح يونس عيناه على ذلك الصوت والهزات الصغيرة..ليعتدل في جلسته وتساءل
-وصلنا!!
-أماء قائد الطائرة وقال:أيوة وصلنا..حضرتك هتاخد عربية من هنا هتوصلك ستوكهولم ومن هناك ع الفندق..لأننا مش هنقدر ندخل أكتر من كدا
-رد عليه يونس بـ تفهم وقال:خلاص تمام..

إلتفت إليها ليجدها تنام بـ عمق..ليربت على وجنتها بـ رفق هاتفًا

-بتول!..يلا قومي

تململت بتول ومن ثم فتحت عيناها وتشدقت بـ نعاس

-وصلنا إزاي!
-حل عنه وعنها حزام الأمان الخاص بها وقال:زي الناس..يلا عشام مينفعش نتأخر...
-طيب!!

ونزلت من الطائرة..لتلفحها نسمات الهواء الرائعة فـ السويد تتنعم بـ جوها المُعتدل طوال أشهر العام..وضع يونس الحقيبة على ظهره ونزل..أمسك يدها وتحرك بها من المحيط..لتقول بتول

-هو إحنا فين!
-رد عليها يونس ولا يزال يتحرك:على حدود السويد..هنركب عربية توصلنا ستوكهولم...
-ردت عليه بـ خفوت:طيب

وتحركا في خفة حتى وصلا إلى السيارة والتي كانت فارهه إلى حد غير معقول..فغرت بتول فاها وقالت بـ إستنكار.

-هو دا التخفي فـ مفهوم الجاسوسية؟
-رد عليها بـ عدم فهم:اللي هو إزاي!
-أشارت إلى السيارة بـ إستنكار:العربية دي مُلفتة أوي..وهتفضحنا

ضرب بـ باطن كفه مقدمة رأسه وقال بـ نفاذ صبر

-والله شكلك أنتي اللي هتفضحينا..يلا يا ختي

ودفعها في إتجاه السيارة..وهى تتأفف بـ ضيق..وجد المفاتيح الخاصة بـ السيارة في إطارها ثم دلفا وأدار يونس السيارة وتحركت..لتتساءل بتول

-المفروض دلوقتي هنتصرف إزاي؟..وع أي أساس؟
-تفهم يونس ما تريد قوله ورد عليها دون الإلتفات:حاليًا هنتصرف ع أساس إننا مُرتزقة..بنحاول نبيع معلومات عن البلد لناس معينة وفـ المقابل هتتكشفلنا هويات جواسيس فـ مصر و دول عربية
-شهقت بتول وقالت بـ صدمة:وهو أنت هتعمل كدا فعلاً!!
-كظم غيظه وقال بـ هدوء حاول إظهاره:بتول..أنا من رأيي تسكتي عشان أنتي هتلبسيني البدلة الحمرا بـ اللي بتقوليه

لوت شدقها بـ إمتعاض ولم تتحدث..عقدت ساعديها أمام صدرها ولم تتحدث..بينما هو أخذ يزفر بـ ضيق منها..وهتف في نفسه بـ لوم

-غلطة عمري إني أخدتك معايا يا بتول...

إستدارت بتول له ورسمت معالم البراءة على وجهها جعلت يونس يقطب ما بين حاجبيه بـ توجس وقال

-مبرتحش للبصة دي
-زمت شفتيها بـ عبوس وقالت:والله أنا طيبة أنت اللي ظالمني!

تحرك فاه يونس يمينًا ويسارًا..وتشدق بـ سخرية

-أه ظالمك..أنا واحد ظالم ومفتري يا بتول الكلب..إخلصي وقولي الكلمة اللي هتقف فـ زورك و هتموتك دي
-قطبت حاجبيها بـ غضبها طفولي وقالت:والله هعيط
-أخذ يرتطم بـ رأسه بـ مقعده ثم هاتفًا بـ نفاذ صبر:يا تقولي عاوزة إيه يا تحطي لسانك جوة بوقك ومسمعش صوتك..
-ضيقت عيناها بـ لؤم وقالت بـ نظرات زائغة:أنا جعانة

أوقف السيارة فجأة فـ أصدرت صرير عالي..وإلتفت بـ جسده إليها وصفق بـ يده مرة واحد مُتشدقًا بـ حدة

-نعم يا روح أمك!
-إلتفتت إليه هى الأخرى وقالت بـ غضب:الله منا بسببك مكلتش...
-وأنا ذنبي إيه إن شاء الله!
-وضعت يدها في خصرها وقالت:قعدت من إمبارح مكولش لما صدمتني وقولت أنك مسافر
-مسح على وجهه بـ قوة وقال بـ ضجر:طب المطلوب مني إيه دلوقتي!
-عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:هاتلي أكل
-إغتصب إبتسامة صفراء على وجهه وقال:تحبي تاكلي إيه؟

إستدارت له بـ تلك النظرة التي يكرهها وهتفت بـ إبتسامة واسعة

-حواوشي..
-اااه

وكانت تلك الصرخة مصدرها يونس..تبعها سباب لاذع أغدق مسامعها به..تفاجأت بتول بـ ذلك الغضب والصراخ الذي لا حد له ولا أخر..لتنكمش على نفسها بـ خوف مُبتلعة لسانها من التفوه بـ أي حرف

وبعد مدة عاد يونس بـ وجه عابس قاذفًا الحقيبة البلاستيكية في وجهها المُمتعض..جلس في مقعده أمام المقوّد..وتحرك بـ السيارة في صمت..وبدأت هى في تناول الطعام بـ نهم..قربت الشطيرة من فمه وقالت بـ براءة

-تاكل!
-نظر لها بـ إزدراء وقال:لأ
-رفعت منكبيها بلا مبالاه وقالت:أنت الخسران..الهوت دوج دا لذيذ
-تمتم هو بـ إمتعاض:تك دوج أما يبقى يهبشك...

وأكمل رحلته في صمت معها فـ هو يعلم ما أن تشحذ طاقتها ستبدأ وصلة ثرثرة تُفقده وعيه..ولكن لا يستطيع التخلي عنها فهى تُضيف نكهه لذيذة ومرحة إلى حياته...
هكذا أود أن أموت

في العشق الذي أكنه لك.

كقطع سحب

تذوب في ضوء الشمس.

وصلا إلى بوابة سوداء حديدية..ذات إرتفاع شاهق..ليصطف يونس بـ سيارته وترجل منها هاتفًا

-إنزلي يا بتول

ترجلت هى الأخرى وتقدمت من يونس الذي وقف يتفرس الأمور قليلاً ثم تشدقت بـ تعجب

-هو أحنا هنقعد هنا!
-اه
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت:هو أنت كل الأماكن اللي بتستخبى فيها فخمة أوي كدا!
-نظر لها بـ هدوء حاول التسلح به:هتفهمي كل حاجة..أنتي دلوقتي اسمك ديانا..ومتفتحيش بوقك بـ أي حرف..هويتك هتوصل كمان نص ساعة أنا كلمت عدي وهو إتصرف...
-هزت منكبيها بـ لا مبالاه وقالت:أوكيه..مفيش أي مشكلة..بس ربنا يستر
-هتف بـ إطمئنان:هيستر إن شاء الله لو سمعتي كلامي وحطيتي لسانك اللي طول مترين دا جوة بوقك..ويلا بينا...

ومن ثم أمسك يدها وتوجه ناحية البوابة..تحدث مع الحارس والذي بدا وكأنهم على معرفة تامة بـ بعضهما ..ليُشير بعدها إليها وتحركا إلى الداخل...

كانت بتول تُشاهد تلك المناظر الخلابة..أشجار الفواكه ذات الرائحة الرائعة..والأزهار التي تنشر بهجه في المكان..وحمام السباحة ذاك الذي يُعد قطعة فاخرة أخرى..وبعدها حوّلت أنظارها إلى ذاك المبنى الشاهق ذو طراز كلاسيكي قديم يبدو من القرن التاسع عشر..تصميم غاية في الروعة والذوق الرفيع..فغرت هى فاها وكأنها في بلاد العجائب...

كان يونس ينظر لها من طرف عيناه ليجدها على تلك الحالة المشدوهه..إرتسمت إبتسامة صغيرة على فاه من عفوية هذه الجنية..ثوان والجميع كان في الداخل ولم يقل ذلك المبنى رفاهيه من داخله عن خارجه..فـ كِلاهما غاية في الفخامة..وتلك الأرض الرُخامية ذات الألوان المُبهجة...

صوت خُطوات كعب أنثوي أخذ يصدح في هذا الصرح الهادئ..لتطل عليهم سيدة في عامها الثلاثون..ذات بشرة بيضاء كـ بياض الثلج يتناسب مع خُصلاتها الحمراء..جسدها ليس بالممشوق ولا بـ السمين ولكنه يتفجر بـ أنوثة مُهلكة..وجهها يخلو تمامًا من مستحضرات التجميل..نظرت بتول إلى يونس فـ وجدته يُحدق بها بـ تمعن..فـ قالت في نفسها

-ليه حق والله..إذا كان أنا بنت وهموت وأتجوزها..

إتقربت منهم هذه السيدة وإبتسامة تُزين ثغرها المُمتلئ وقالت بـ لغة إنكليزية

-مرحبًا جون..إشتقت إليك عزيزي

ثم إقتربت وقبّلت كِلتا وجنتيه..وإبتعدت عنه لتجده يُبادلها الإبتسام ثم تشدق بـ نبرته الرجولية

-وأنا أيضًا إشتقتُ إليكِ عزيزتي...

نظرت السيدة إلى بتول و تساءلت

-جون..من تلك الفتاه؟
-إلتفت يده حول خصر بتول وقال:خليلتي..ديانا

إلتفتت إليه بتول بـ صدمة من فعلته و تصريحه الذي جعل لونها يبهت..ولكنها لم تتفوه بـ حرف كما أخبرها..لتسمع صوتها يقول

-حقًا!!..يا لها من فتاه جميلة..

إلتفتت إلى بتول وقالت بـ إبتسامة

-تشرفت بـ معرفتكِ..ديانا
-هزت رأسها بـ خفة وقالت:وأنا أيضًا
-أنا أُدعى أنجلي
-ردت بتول بـ إبتسامة صغيرة:مرحبًا

إبتسمت هى الأخرى وإلتفتت مرة أخرى إلى يونس وتشدقت بـ جدية

-هل هى على عِلم بـ كل شئ!

كاد يونس أن يرد ولكن بتول لم تستطع أن تصمت وتتركها تتحدث مع يونس

-إنه يثق بي عزيزتي

نظرت أنچلي إلى يونس الذي رمق بتول بـ غيظ وتشدق

-أنا لا أثق بها بتاتًا
-لتقول بتول بـ تشفي:أرأيتِ إنه لا يثق بي

عض يونس على شفتيه بـ غيظ بينما صدحت ضحكات أنچلي على ما تفوهت به تلك الحمقاء..قطبت بتول ما بين حاجبيها وسألت يونس بـ صوتٍ خفيض

-وهى بتضحك ليه إن شاء الله!
-نظر لها شزرًا وقال:يعني هبلة وقولنا ماشي..كمان غبية ومبتفهميش!

كادت أن تصرخ حانقة إلا أن يده ضغطت على خصرها بـ قوة كي تصمت..إرتسمت إبتسامة على وجه يونس وقال بـ نعومة

-نُريد أن ننال قسط من الراحة ونتحدث فيما بعد عن العمل
-هزت رأسها بـ تفهم وقالت:لا بأس...

أشارت إلى إحدى العاملات وتحدثت معها بـ اللغة السويدية لتومئ العاملة بـ رأسها..لتقول أنچلي

-ستدلكما إلى الغُرفة التي ستقطنان بها
-حسنًا..شكرًا لكِ أنچلي

وتبعها قُبلة رقيقة على ظاهر كفها..كانت بتول تنظر لهما بـ إمتعاض ولم تُعلق على ما يحدث..تحرك يونس ولا يزال يقبض على خصرها وصعدا إلى غُرفتهما...

***************************************


دلفت إلى غُرفة المكتب ظنًا منها أنها فارغة..أغلقت الباب بـ هدوء وتوجهت إلى جهاز الحاسوب وفتحته..أخذت تتفقده علها تجد ما يُساعدها ولكن كل الملفات مُغلقة بـ كلمة سر..حاولت نسخ هذه الملفات ولكنها سمعت صوت أحدهم يدلف من خارج المرحاض..هوى قلبها في قدميها وبـ يد مُرتعشة وسريعة أغلقت الجهاز في نفس الوقت الذي خرج منه سيف من المرحاض يُجفف وجهه بـ منشفة صغيرة..إتسغلت روضة عدم رؤيته لها وتصنعت البحث في الأدراج عن بعض الأوراق الهامة لإحدى الصفقات...

أجفل سيف عندما سمع صوت الأدراج تُفتح وتُغلق ليُبعد المنشفة وما أن رأى روضة حتى هتف بـ تعجب

-روضة!!

تصنعت الفزع واضعة يدها على صدرها..وساعدها في ذلك إرتجاف يدها وجسدها إثر خوفها..فـ قالت بـ عتاب ممزوج بـ دهشة مصطنعة

-سيف؟..حرام عليك خضتني!
-نظر لها بـ شك وقال بـ حدة طفيفة:بتعملي إيه هنا!!
-أخذت نفس عميق ثم قالت:كنت بدور على ورق أخر صفقة لأني مش فاكرة إذا كان معاك أو معايا ومش لاقياه فـ مكتبي

نظر لها مُطولاً يحاول سبر أغوارها ولكن تلك الثقة والهدوء اللتان تتحدث بهما جعلت ملامحه ترتخي..إقترب منها وأمسك يدها ثم قال بـ حنو

-معلش يا حبيبتي..رجعت من عند عز ع هنا وبصراحة مكنتش مقابلة حلوة..وأسف إني خضيتك
-جاهدت في الإبتسام ثم قالت:لأ عادي محصلش حاجة..قولي عملت إيه!
-طب تعالي نقعد...

وتحركا ليجلسا على أريكة ذات لون أبيض وبدأ في سرد ما حدث..لتقول بعدها بـ ذهول

-يعني هرب وملحقتهوش!..عشان كدا رجعت بدري!
-تنهد ثم قال:أيوة يا ستي..وعز هيموت ويقتل يونس دا

إستدارت روضة بـ كامل جسدها..تنحنحت ثم قالت بـ توتر

-ممكن أسألك حاجة!
-إبتسم وقال:إسألي
-إبتلعت ريقها وتساءلت بـ خفوت:هو إيه سبب العدواة بين يونس وعز وبينك وبين عز؟

ضحك سيف بـ صوته كله فـ تعجبت روضة من ضحكاته..هتف هو بعدما هدأت ضحكاته وقال

-عاوزة تعرفي بجد!!
-أماءت بـ تردد وقالت:آآ..أيوة...
-طيب يا ستي أنا هقولك عشان بثق فيكي..ومش عاوز نتكلم فـ الموضوع دا كتير

أماءت بـ رأسها وإنتظرت سرده..أغمض عيناه وتذكر ما حدث مُنذ خمس سنوات

"عودة لوقتٍ سابق"

في إحدى القرى النائية..كان يقف هو يُشاهد ما يحدث بـ ملامح جامدة لا تشي بـ تحرك مشاعره قيد أنملة..توجه يونس وكان حينها رائد على أعتاب الترقية إلى عز والذي كان في ذلك الوقت عضوًا في مجلس الشعب..وقال بـ إبتسامة

-باش مهندس عز!

إلتفت إليه عز بعدما رسم إبتسامة أخفى خلفها ملامحه الجامدة

-أيوة يا سيادة الرائد!
-رد عليه يونس وهو يُشير إلى إحدى البقاع:إحنا طوقنا المنطقة زي ما حضرتك طلبت..تحب نطلب دعم؟
-أشار بـ يده وقال بلا مبالاه:لأ ملوش لزوم
-حك يونس جبهته وتساءل:طب سؤال معلش..هو ليه حضرتك نازل معانا مخصوص!..كان ممكن ننزل بعد ما سيادة العقيد رفعت طلب
أخرج عز الدين لُفافة تبغ بُنية اللون وقام بـ إشعالها وقال بـ توضيح

-لأني وعدت الناس لما دخلت إنتخابات مجلس الشعب إني هخلصهم من الموضوع دا..وكان لازم أوفي بـ وعدي
-إبتسم يونس وقال:ياريت الناس كلها زي حضرتك

وإبتسم عز بـ غموض..أو إبتسامة سخرية..سخرت من ذاك الرائد الذي يظنه أخر الرجال المحترمين..شيطان في هيئة رجل كان ولا زال يظنه الجميع أن نزاهته لا عليها غُبار..وإنخدع الجميع به...

وبعد الإنتهاء من المهمة والتي كانت عبارة عن التخلص من بعض العصابات التي تُهدد أمن هذه القرية والقُرى المجاورة..إندفعت النيران من حولهم..جميع الجهات تنطلق منها رصاصات..وبعدها يخرج العديد من المُلثمين ويقوموا بـ حصار الجميع..حاول يونس كثيرًا حل تلك الأزمة ولكن كثرة العدد أحبطت محاولاته...

جثى الجميع على رُكبيته واضعًا يديه خلف عنقه ومجموعة من المُلثمين تصوب أسلحة تجاه رأسهم..وظهر ما جعل يونس يبهت وجعل وجه شاحبًا كـ شحوب الموتى..كان عز الدين وسط تلك الجماعات يتحدث معهم و يُعطي الأوامر..وقف أمام يونس وإنحنى إلى مستواه وقال بـ نبرة قاتمة

-إتعلم ديمًا متسبش أثر وراك..أنا أسف يا حضرة الرائد هتضطر تشوف مشاهد مش هتستحملها..

وأشار إلى المُلثمين وبدأو في تخريب القرية ونهبها..الإعتداء على نساء وفتيات القرية..قتل أطفال ورُضع..شيوخ وشباب..أقل ما يُقال أنها "مجزرة"..وبعدها أمر عز الدين بـ قتل يونس وفرقته رميًا بـ الرصاص...وإختفى الجمع وساد الصمت الموحش في المكان...

"عودة إلى الوقت الحالي"

-بس يا ستي وشاء القدر إن يونس يعيش ويهد المعبد على أصحابه...

لم ترد عليه روضة ولكنها ركضت إلى المرحاض تُخرج ما في جوفها فـ هى في أعظم كوابيسها لا تستطيع ان تتخيل أن هناك بشر مثلهم...

*************************************

-أخبريهم أن هناك حفل ويجب عليهم الإستعداد

قالها شخصًا ما على الهاتف والذي كان يُحادث أنچلي..لتقول هى

-وتلك الفتاه!
-رد عليها بـ فتور:يجب أيضًا أن تستعد..أريد أن أعلم من هى وما هى هويتها...
-يبدو أنه يثق بها كثيرًا ليأتي بها هنا
-أعتقد أنها تعمل مثله مرتزقة لصالح أحدهم

صمتت أنچلي قليلاً ثم قالت

-وماذا عن ما معه!
-رد عليها بـ جدية:سنأخذها منه بـ المفاوضة..أنتي تعلمي جون يعمل لمن يقوم بـ الدفع أكثر
-تشدقت هى بـ برود:لا يهم..سأبدأ في التحضير وأرجو أن تحضر بـ ميعادك
-لا تقلقي..أخبريني ما أن تنتهي من الأستعداد لها وأنا سأكون عندك في غضون خمسة عشر دقيقة
-حسنًا..وداعًا سيدي...

**************************************

أزالت بـ يدها بخار الماء العالق على مرآه المرحاض..و أخذت تُمشط خُصلاتها القصيرة..وذهنها يعمل بما ستمر به..تساءلت بـ نبرة خفيضة

-يا ترى يونس عرف يتصرفلي فـ هويتي ولا هيودينا فـ داهية؟

رفعت منكبيها بـ فتور..وما أن خطت بـ قدميها إلى الخارج حتى إصطدمت بـ حائط بشري بـ قوة كادت أن تُسقطها أرضًا..لولا يد صلبة إلتفت حول خصرها يحيل دون سقوطها..رفعت عيناها بـ إضطراب لتجد يونس يُحدق بها بـ طريقة أرعبتها..حاولت الإبتعاد عنه ولكنه أبى..لتقول بـ توتر

-آآ..أسـ..فة...ممكن..آآ..إيدك
-إقترب من أذنيها وهمس:أنتي عارفة إنك مش لوحدك فـ الأوضة..طالعة كدا ليه!
-رددت بـ ذهول:اللي هو إزاي!
-دا

وأشار بـ عينيه إليها..لتشهق بـ خجل مصحوب بـ إضطراب من هيئتها..فـ كانت ترتدي منشفة تصل إلى رُكبتيها..وتُظهر منكبيها بـ سخاء..حاولت إزاحة يده بعيدًا عنه علها تستطيع الهرب من نظراته التي تلتهمها..إلا أنه لم يتحرك قيد أنملة..هتفت مرة أخرى وكادت على وشك البكاء

-يو..يونس..آآ..إيدك

ترك يدها ولكن عيناه لم تتزحزح بعيدًا عن خاصتها..تقدم خطوة لترجع أختها..تقدم أخرى وهى تعود حتى إلتصقت بـ طاولة مُستديرة خلفها..هتفت بـ تلعثم و خوف

-يونس..ميـ..مينفعش كدا..
-مال عليها وقال:وطالما هو مينفعش..طالعة كدا ليه!..أنا وأنتي والشيطان تالتنا..عاوزني أكون راهب وأنتي بهيئتك دي

مد يده يتلمس وجنتيها..لتُغمض عيناها بـ قوة حتى كادت أن تعتصرهما..ضمت يديها إلى صدرها في محاولة بائسة من أجل إخفاء مفاتنها..ومن ثم هطلت عبراتها وهى تقول

-أنا نسيت إني خرجت كدا..و و مكنتش مفكرة إنك هترجع بسرعة كدا..

ولكنه لم يرد..شعرت بـ أنفاسه تقترب منها أكثر..لتقول بـ نبرو هلعة

-يونس..أنت مش كدا

وأيضًا لا رد..ولكنها شعرت بـ شيئًا ما يُوضع على جسدها..فتحت عيناها..لتجده قد نزع عنه قميصه ومن ثم وضعه عليها وأغلق أزاراه..وقف أمامها بـ جذعه العلوي عار وعلى وجه إبتسامة عذبة...

رمقته بتول بـ عدم فهم وذهول..ليجذبها في أحضانه بـ حنو..وضع يده على خُصلاتها وهمس بـ نبرته الرجولية العذبة

-حبك أكبر من أني ألمسك بالطريقة الرخيصة دي..

أبعدها عنه يُحيط وجهها بـ راحتيه وقال بـ صوتٍ رخيم

-أنتي غالية أوي..غالية عليا أوي يا بنت السلطان...

وقبل أن يُكمل حديثه..سمع صوت طرقات خفيفة ليذهب ويفتح الباب..وجدها أنچلي التي حدقت به بـ ذهول وإعجاب..لتقول بـ خبث

-لم أعتقد أنك تحتاج إلى ذاك النوع من الراحة
-رد عليها يونس بلا مبالاه:هذا لا يعنيكِ أنچلي..لما جئتِ؟
-إبتسمت وقالت:سيدي سيقوم بـ إعداد حفل من أجلكما..ويُشرفه أن تحضران
-قطب يونس ما بين حاجبيه وقال:ولكن لم أره مُنذ أن أتيت!!
-كان يعمل..الآن إستعدا من أجل الحفل

نظر يونس إلى بتول التي هزت كتفيها بمعنى لا أعلم..ليعود وينظر إلى أنچلي ثم قال وهو يضع يده على وجهه

-ولكننا لا نملك ثياب
-ردت عليه بـ بساطة:ليست بـ مشكلة..سأتدبر الأمر عزيزي
-إبتسم من جانب فمه وقال:إذًا لا مفر

هزت رأسها بـ لا..ليومئ بـ رأسه وقال

-حسنًا..لا بأس
-إذًا إستعدا..سيأتي بعد قليل من يقوم بـ مساعدتكما...

وبعدها رحلت..أغلق يونس الباب وجلس على الفراش واضعًا رأسه بين يداه..قطبت بتول مُتعجبة من حالته..تقدمت منه وسألته بـهدوء

-مالك في إيه!!
-هتف وهو لا يزال على وضعه:إتدبسنا فـ حفلة
-خلاص يا يونس..هندبرها خمس دقايق نتحجج إننا تعبانين وكدا

لم يرد عليها يونس بل كان بـ وادٍ أخر..فـ هو يخشى عليها من ذاك الرجل..يعلم أنه ما أن تقع عيناه عليها فـ هو لن يتركها إلا أن تكون له..ذهبت خططه في إخفاءها عنه أدراج الرياح..نهض يونس بغتة أجفلت بتول..ليقول لها بـ ملامح صارمة ونبرة لا تقل عنها

-بعد الحفلة دي لا يمكن نقعد دقيقة واحدة هنا..هنختفي فورًا
-هتفت هى بـ تعجب:ليه؟

نظر لها يونس بـ عمق..ثم تقدم منها وإنحنى يُقبل جبينها بـ طريقة جعلت دماؤها تسري كـ العسل الدافئ في أوردتها..وقال بـ نبرة عاشقة

-لأني خايف عليكي..

صمت وهو يضمها إلى صدره مُستنشقًا عبيرها المُسكر

-لأني بحبك...
هو الحب ذا يستهزئ بي...ها قد جعلني سخرية...

وقادني حيث الآمال تُعد عيوبًا...والأماني مذلة...

جففت وجهها بـ منشفة صغيرة من قطرات الماء ولم يُمحى عن وجهها ملامح الإشمئزاز..ما حدث كان بـ مثابة صدمة قوية أن هؤلاء البشر..عفوًا ليسوا بشر..أن يفعلوا شيئًا كهذا..تسابقت عبراتها بـ الهطول تزامنت مع إرتجافة جسدها كُلما تذكرت تلك المشاهد البشعة في حق آدميتهم...

طرق سيف الباب بـ قلق وبـ نبرة لا تقل قلقًا عليها

-روضة حبيبتي..أنتي كويسة!!

وإندفعت كـ الصاروخ وفتحت الباب بـ طريقة أفزعت سيف وجعلته ينظر لها بـ إضطراب..نظرت هى له بـ شرر ثم قالت بـ إهتياج

-متقولش حبيبتك يا شوية قتّالين..أنا مش حبيبتك..أنا مش حبيبتك
-تقدم منها سيف في مُحاولة يائسة لتهدئتها:طب إهدي بس يا حبيبتي
-أشارت بـ سبابتها وهتفت بـ غضب:قولتلك متقوليش يا زفت..فاهم

ثم إندفعت تأخذ حقيبتها وتبعها سيف وهو يقول بـ هدوء ليمتص موجة غضبها

-طب تعالي أوصلك!
-دفعته من منكبه وصرخت:لأ..أنا هروح لوحدي
-ليقول سيف بـ حدة طفيفة وقشرة بروده بدأت تتصدع:تروحي لوحدك إزاي وأنتي فـ الحالة دي!..يلا يا بتول هوصلك وأعملي بعدها اللي أنتي عاوزاه

لكزته في صدره بـ قوة وكادت أن تُعيدها ولكنه أمسك يدها وقربها منه ثم همس من بين أسنانه

-لحد دلوقتي أنا متفهم لحالتك دي يا روضة..لكن أقسم بالله لو زودتي فيها لكون موريكي وش مش هيعجبك
-حدقت به بـ صدمة ومن ثم قالت بـ حدة:يا برودك يا أخي..وليكو عين بعد كل دا عاوزين تقتلوه..أنا كنت عارفة أنك *** بس مش بالطريقة دي
-رووووضة؟!!

صرخها سيف بـ صوتٍ هادر أرعبها وجعل قلبها ينتفض من بين ضلوعها..أبعدها هو بـ حدة عنه ثم أمسك يدها جاذبًا إياها خلفه وهدر بـ قوة غاضبة

-كلمة كمان وهنسى أني بحبك..ويلا عشان أوديكي فـ داهية...

وتحرك بها في إتجاه الخارج..وهى تسير خلفه كاتمة شهقات كادت أن تنلفت وتجعله يثور أكثر مما هو ثائر...

***************************************

رفت بـ عينيها عدة مرات علها تستوعب ما قيل مُنذ ثوان..لتبتعد عنه على حين غُرة وتساءلت بـ تعجب مُتجاهلة إنقباضة قلبها

-بتحبني إزاي..إزي يعني!
-قطب ما بين حاجبيه وشعر بـ غصة تضربه في مُنتصف فؤاده:زي..زي الناس يا بتول..بحبك من أول أما شوفتك..بحبك وقلبي دقلك من غير أما أحس..بحبك وملهاش غير المعنى اللي وصلك...

إبتعلت ريقها بـ صعوبة وقد بدأ وجيب قلبها يعلو من فرط الخوف وهول الصدمة..تقدمت منه خطوة وحاولت التحدث بـ هدوء

-ودا معناه إيه!..لحقت تحبني أمتى!..أنت لسه عارفني من كام يوم
-أمسك ذراعيها وقال بـ حدة:ودا اللي هيجنيني..مش عارف إزاي وقعت فيكي..مش فاهم يا بتول..أنتي زي شهاب عدى قدامي فـ لمح البصر وأنا زي الطفل إتعلقت بيه وبتمناه كل يوم

أغمضت عيناها بـ قوة تتحاشى نظراته التي تخترقها كـ السهام القاتلة..ثم أبعدت يده عنها وقالت دون النظر له

-يونس صدقني مينفعش..أنا قلبي مش ملكي..مقدرش أقولك بحبك وأنا بضحك عليك
-أمسك معصمها بـ قوة كادت أن تُهشم عظامها وهدر بـ غضب:إنما ملك واحد مُغتصب وفاسد..مِلك واحد قتل قرية كلها..أطفال وشباب وستات..شيوخ كانوا بيصلوا فـ الجامع..كانوا بيصلو لربنا وإتقتلو غدر..مِلك واحد خاين لبلده وأهله وآآآ

تراجعت إلى الخلف بما يُسمح لها..قاطعته بـ صراخ وهى تضع يدها على أُذنيها

-بس كفاية..فكرك مش عارفة كل دا..عارفاه ومش فاهمة إزاي قلبي بيدق لواحد زي دا

أمسك يدها اليُمنى ورفعها أمام عيناها وصرخ بـ حدة

-وهتنسيه إزاي وأنتي لسه لابسه خاتمه!
-سحبت يدها منه وقالت بـ غضب:وهو دا اللي مضايقك!!

نزعت الخاتم من يدها ثم قذفته في أحد أركان الغُرفة..فتحت ذراعيها وقالت بـ نبرة إمتزج بها الضحك والبُكاء

-أديني قلعته..شوفت قلبي بطّل يدقله!..شوفتني نسيت حبه!

تقدمت منه خطوات وهتفت ساخطة

-أنا قلبي مش آلة عشان أدوس ع الزرار وأقوله بطّل تحبه فـ يبطّل..عمرنا ما قدرنا نتحكم فـ قلبنا ولا مشاعرنا..بالدليل أهو

أشارت بـ يدها إليه من رأسه إلى قدميه..وهو يقف أمامها يشعر بـ الخذلان والألم..الكثير من الألم..ماذا كنت تتوقع!..أن ترتمي بـ أحضانك وتُخبرك أنها تُبادلك الحب؟!..أغمض يونس عيناه يمتص غضبه وحزنه ومن ثم هتف بـ جمود

-لتاني مرة بقولك أنتي صح..أنا فعلاً مش لاقي الزرار اللي أوقف مشاعري ليكي..مش هقدر أقول لقلبي يبطّل يحبك..أسف إني قولتلك ع اللي جوايا..وأسف أني هنت نفسي بالطريقة دي..وأسف أني إتعشمت فيكي بـ زيادة..وأسف ع حاجات كتير..بعد إذنك...

ودلف إلى الخارج دون الإهتمام أن يرتدي ما يخفي جذعه العلوي العار..وتحرك بـ خطوات أشبه إلى الركض عله يستطيع التنفس بـ حرية وعله يستطيع لملمة شتات نفسه...

**************************************

-في ناس يا باشا عاوزين يقابلوا حضرتك
-إعتدل عدي في جلسته وتساءل:مين!
-أهل خطيبة سيادة الوزير
-تأفف عدي بـ نفاذ صبر ثم قال بـ فتور:دخلهم خليني أشوف أخرتها

أدى له العسكري التحية الرسمية ثم خرج وبعد ثوات عاد ومعه إسماعيل وإسلام..أمر عدي العسكري بـ عدم الإزعاج..فـ إمتثل الأخير إلى أوامره وأغلق الباب خلفه..أشار عدي للآخران وقال بـ صلابة

-إتفضلوا إقعدوا

جلسا بـ صمت الذي ساد دقائق..فـ قطعه إسماعيل بـ نبرة مُنهكة

-إيه الأخبار عن بنتي يا حضرة الظابط!
-رد عليه عدي بـ برود وهو يتلاعب بـ القلم بين يديه:والله أدينا بندور عليها ومستنين
-كور إسلام قبضة يده وهتف من بين أسنانه:مستنين إزاي يعني يا باشا!..مش المفروض دي خطيبة الوزير!!..يعني ع الأقل قوموا بـ شغلكم

توقف عدي عن التلاعب بـ القلم ورمقه بـ نظرة نارية جمدته..ومن ثم تشدق عدي بـ تحذير وهو يُشير إليه بـ سبابته

-مش أنت اللي هتعلمنا إزاي نقوم بـ شغلنا..وإذا كان ع سيادة الوزير فهو قايم بالواجب وزيادة..

مال عدي بـ جسده إلى الأمام وهمس بـ خبث

-هو أنتوا مش ناسيب برضو والمفروض يقوم بالواجب!..ولا شكله كدا موراكوش وشه من بعد اللي حصل!!

ثم تراجع إلى الخلف وعلى وجهه إبتسامة شامتة.. بينما إسماعيل كان على وشك البُكاء من أجل طفلته الضائعة..وإسلام ينظر إليه بـ غضب أسود..وقبل أن يتحدث سبقه والده بـ نبرة راجية

-يا بني كل اللي عاوزه بنتي وبس..دا رجاء أب مش أكتر..ربنا ما يكتب عليك يا بني تفقد أبنك

أغمض عدي عيناه..هو يعلم تمام العلم كيف تشعر عند فقدان أحدهم..إنتابه هذا الشعور لمدة ستنان أثناء غياب أخيه..إختبر أن تعلم أنه على قيد الحياه ولكن لا تستطيع الوصول إليه..مسح عدي على وجهه وقد لمس إسماعيل فيه وترًا حساسًا ثم قال بـ هدوء

-يا حاج إحنا بنعمل اللي علينا وإن شاء الله هترجع بخير
-رد عليه إسماعيل بـ تلهف وقال:وأنا مش عاوز غير إنها ترجع
-إبتسم عدي وقال:هترجع يا حاج..بس أنت قول يارب..
-رفع يده إلي أعلى وهتف بـ تضرع:يارب

ثم نهض وكذلك إسلام...فـ تشدق عدي بـ إطمئنان

-متقلقش هنكون ع تواصل وأي جديد هبلغك
-متشكر يا حضرة الظابط..نستأذن إحنا

تحركا إلى الخارج. ليضع عدي يداه في جيبي بنطاله وزفر بـ ضيب ثم تشدق بـ عبوس

-قولتلك يا يونس مينفعش تاخدها معاك...

**************************************

توجه إلى حديقة القصر دون أن يلتفت إلى النداءات خلفه..دفع الباب بـ كِلتا ذراعيه وركض إلى الخارج..إستند على رُكبتيه وأغمض عيناه بـ قوة مُعتصرًا لجفناه..دقائق وظل على وضعه ثم عاد ليتعدل..نظر إلى أعلى وقال بـ تضرع

-يااارب

ثم تمدد على الأرض العُشبية فاردًا لقدماه ويداه على حد سواء..ظل يُحدق في السماء الصافية وهو بـ عالم أخر..شرد في ذكرياتهما معًا..لسانها السليط الذي يُفقده عقله..تصرفاتها العفوية والمُحببة إلى قلبه..إبتسامتها الرائعة والتي تتغلغل إلى قلبه لتجعله يهيم بها أكثر..ركضها إلى أحضانه وعتابها له على تركها..كلمتها التي أخذت ترن في أُذناه

"أنا أخترت أثق فيك يا يونس"
لا يعلم تكرار هذه العبارة ألتؤلمه! أم لتجعله يتمسك بـ بذور الأمل التي تنبتُ في خبايا هذه العبارة!!..يكاد رأسه ينفجر من كثرة التفكير..حزن كثيرًا وتألم أكثر عندما باحت له أن قلبها لا يزال ينبض لذلك الخائن..يُريد أن يذهب وقتلع فؤاده من بين ضلوعه..يريد أن يُجبر قلبها على حبه..أن يضخ في عروقها نبضه هو..يُريد أن يتردد اسمه من بين شفتيها..اسمه وحده..ولكنها تظل أحلام..أو كابوس واقعه الأسود...

إستيقظ على شيئًا ما يُداعب أنفه بـ رقة..فتح جفنيه لتظهر بنيته الناعسة..لينتفض جالسًا وهو يراها تجلس أمامه وعلى وجهها أروع إبتسامة قد يراها يومًا..هتف بـ عدم تصديق

-أنتي..آآ
-وضعت إصبعها على فاها ثم قالت بـ صوتٍ ناعم:هششش..ممكن تسكت شوية وخليني أتكلم

إبتلع ريقع بـ صعوبة وهو يؤمئ بـ رأسه عدة مرات ولا تزال الصدمة تضرب مراكز عقله فـ تمنعه من الإستيعاب..إبتسمت وهى تهتف بـ نبرة حانية

-أنا عملت كدا عشان أشوف رد فعلك..قولت كدا عشان أتأكد من حبك ليا..
-حدق بـ زيتون عيناها وقال:مش فاهم..يعني أنتي عملتي كدا عشان خاطر تتأكدي من حبي ليكي!!

عضت على شفتيها وأماءت بـ رأسها ثم هتفت بـ حرج

-أسفة
-أسفة إيه بس!!

وقالها وهو يجذبها إلى أحضانه بـ صورة جعلت قلبه يرتج داخل قفصه الصدري..أحاطت خصره بـ دورها وهمست في أُذنها بـ عذوبة

-بحبك...

وإنتفض من نومته على صدى تلك الكلمة "بحبك"..دار بـ رأسه باحثًا عنها كـ المجنون ولكنه لم يجدها..تيقن أنه لم يكن سوى منام وردي يُريده عقله وقلبه..مسح على وجهه بـ عنف بالغ أدى إلى إحمرار وجهه ثم هتف بـ يأس

-الظاهر عدي كان عنده حق..محدش هيتوجع غيري...
-ما بك أيُها الوسيم!!

تشدقت بها أنچلي التي تتهادى في ثوبها الأسود والذي يصل إلى كاحلها..ذو فتحة ظهر واسعة أظهرت ظهرها كاملاً..و كذلك فتحة صدر أبرزت جمال نحرها البض وذراعيها المكشوفان بـ بذخ فـ ظهر وشمها الذي يُزين أعلى منكبها الأيسر..تركت خُصلاتها حُرة تُداعبه نسمات الهواء...

نهض يونس عن الأرض العُشبية ومن ثم رسم إبتسامة خالية من الروح وقال

-لا شئ..ديانا تستعد وأردت أن أترُكها تأخذ مساحتها..تعلمين النساء
-إقتربت منه وهى تضحك ثم قالت:أعلم جيدًا..لذلك أمل ألا تعتقد أنني كنت أتلصص عليكما ولكني سمعت صوت عراك ولم أفهم شئ..كُنتما تتحدثان العربية كما أعتقد
-رد عليها يونس بـ هدوء:نعم..ديانا تنحدر من أصل عربي..جدها الأكبر ذو أصل شامي..وهى تتحدث العريبة وقد تعلمتها من أجلها
-وضعت يدها على الفاها المُلطخ بـ لون بني وهتفت بـ إعجاب:أوووه حقًا..ياله من حب!!..تتعلم العربية من أجل خليلتك..إنه لشيئًا رائع

إبتسم بـ سخرية وهو يؤمئ بـ رأسه..تقدمت منه مرة أخرى وسارت بـ يدها على صدره بـ نعومة وهتفت

-هيا لتستعد..سيدي على وشك الحضور
-أمسك يونس يدها وقال:حسنًا سأذهب

تحرك خطوتان ليسمع صوت أنچلي يصدح بـ دلال

-إن أردت مواساتي فـ سأكون أكثر من سعيدة لذلك
-رد عليها دون أن يستدير:أشكرك عزيزتي..أعلم جيدًا..سأذهب كي لا أتأخر
-وضعت يدها في خصرها وقالت:ستجد من يدُلك على غُرفتك

أماء بـ رأسه ثم رحل..تنهدت أنچلي بـ حرارة..ثم عضت على شفتيها قائلة

-متى ستعلم أني أعشقك إلى النخاع..جون!!

**************************************

كانت جالسة على طرف الفراش تضع رأسها بين يديها..لا تدري لما تشعر بـ تلك الغصة التي تنهش في صدرها..تشعر بـ قلبها ينقبض بـ قوة آلمتها..حديثها تتيقن من صحته وأنه الأصح لهما..فـ بعدما ما علمته عن عز الدين وقلبها حُطام..لا تُريد التورط في الحب والشعور بـ الخذلان مرة أخرى..ولكنها من قررت الوثوق به..ولكنها أيضًا لم تعده بـ الحب...

زفرت بـ ضيق عدة مرات..ثم نهضت تبحث عن خاتم خطبتها..وجدته في أحد الأركان..توجهت إليه ثم إلتقطته وعادت ترتديه..حدقت به مليًا وتشدقت بـ شرود

-مش لابساك ذكرى أو عشان أحنلك..لأ دا عشان أفكر نفسي ديما بـ وساختك...

سمعت طرقات رتيبة على باب الغُرفة ثم دلفت بعدها أنچلي بـ خطواتها المتهادية..رمقتها بتول بـ غيظ ولم تتحدث...

تبع دخول أنچلي عدد من الفتيات وشاب..نظرت لهم بتول بـ تعجب وتشدقت

-لما هم هنا!
-أشارت أنچلي إليهم وقالت:من أجلك عزيزتي
-أشارت بتول إلى نفسها وهتفت:لي أنا!!
-أماءت بـ رأسها وقالت بـ لطافة:نعم عزيزتي..هيا لا وقت لدينا..الحفل على وشك البدء

ثم أشارت إلى الشاب أن يقوم بـ عمله..تحرك الشاب في إتجاه بتول وهى تتأهب لما سيفعله..لتجده تمتد يداه لينزع عنها قميص يونس..أبعدت يده عنها بـ حدة وقامت بـ صفعه شهق الجميع على إثرها..ثم تشدقت بـ غضب

-ماذا يفعل هذا الوغد؟
-تفاجئت أنچلي من رد فعلها وقالت:سيقوم بـ مساعدتك في إرتداء ثوبك
-رفعت أحد حاجبيها بـ إستنكار وقالت بـ لغتها الأم:الستات عندنا مبتكشوفش ع رجالة..ولو أني أشك أنه رجالة أصلاً

تعذر على أنچلي فهم ما تقول لتهتف بـ عدم فهم

-عذرًا ديانا..لم أفهم ما تقولين
-إبتسمت بتول بـ إصفرار وقالت:لا أحتاج إلى مساعدته..سأرتدي ثيابي بـ نفسي..أين هو!

تقدمت منها الفتاه ثم أعطتها ثوبها..أخذته بتول منها وقبل أن تدلف إلى المرحاض وقالت

-لا داعي لهم هنا..سأتدبر أمري جيدًا
-رفعت أنچلي منكبيها بـ خفة وقالت بـ إبتسامة:لكِ ما تُريدين..هيا بنا

قالتها وهى تُشير إلى الفتيات والشاب الذي رمق بتول بـ غضب وهو يتحسس وجنته إثر الصفعة..لتُخرج بتول لسانها له وهى تقول بـ تشفي

-أحسن..أحسن

دلفت إلى المرحاض وشرعت في إرتداء ثوبها الذي يصل إلى كاحلها من اللون الأزرق الداكن اللامع..ذو أكمام تصل إلى ما بعد مرفقيها بـ إنشات قليلة..وفتحة صدر مُثلثية صغيرة ولكنه فتحة الظهر على النقيض تمامًا حيث أظهرت نصف ظهرها ولكن يُغطيه بضع طبقات من الأقمشة الشفافة..يلتف على جسدها بـ نعومة مُظهرًا رشاقة قدها..

خرجت من المرحاض ووقفت أمام مرآة طويلة لتتأمل مظهرها..والذي حاز على إعجابها..أمسكت فرشاةً ما وصففت خُصلاها المُتداخلة ما بين الأسود والبني بـ طريقة كلاسيكية..وتركت بعض الخُصلات تُحيط بـ وجهها وكأنه لوحة فنية..أنهت تزينها بـ وضع لمسات خفيفة من مستحضرات التجميل..حيث وضعت أحمر شفاة بـ اللون الأحمر القاني ليتماشى مع ثوبها..وحددت عيناها بـ كحل أسود ليُبرز لونهما الزيتوني...

كانت بـ حق لوحة فنيةغاية في الفتنة والأنوثة..دلف يونس على حين غُرة..ليتسمر قليلاً أمام جمالها الإلهي الفتاك..إرتعفت ضربات قلبه تدريجيًا حتى ظن أنها وصلت مسامعها..هز رأسه لكي يفيق من تلك الخيالات وأبدع حقًا في رسم الجمود واللا مبالاه على وجهه..تقدم منها بـ خطى هادئة..إلتفتت هى على إثرها..فغرت فاها وهى تتأمل وسامته التي أظهرتها حلته الرمادية اللامعة والذي ترك أول أزراره مفتوحة لتُظهر صلابة عضلات صدره وذراعيه القويان اللذان يعقدهمت أمام صدره..وخصلاته القصيرة المُصففة بـ عناية وكذلك شُعيرات لحيته التي زادته جاذبية...

إبتعلت ريقها وهى تتقدم ناحيته في محاولة منها أن تتخطى ماحدث مُنذ قليل..ثم هتفت بـ إبتسامة بلهاء

-حلوة البدلة
-نظر لها من طرف عيناه وقال بـ جفاء:شكرًا

إبتعلت غصة جفاء صوته التي لم تعتاد عليه..لتقترب أكثر منه وأمسك يده بـ رقة جعلت جسده يقشعر بـ قوة وكأن كهرباء سرت فيه ولكنه أثر إخفاء تأثيرها عليه فـ يكفيه ما يشعر به من ألم وكرامته التي أُهدرت في إعترافه لها بما يكنه لها..تشدقت بـ نبرة حزينة

-أسفة يا يونس لو كنت جرحتك..مكنش قصدي

نظر لها بـ سخرية ولم يرد..لتُكمل حديثها وهى تُحاول الإبتسام

-أسفة بجد..أنا مش عاوزاك تحس إنك إتسرعت فـ اللي أنت قولته
-إنتشل يده من يدها بـ قسوة ورد عليها بـ جمود:وهو أنا قولت إيه!!..أنا نسيت أصلاً..وأنتي كمان أنسي ومتشغليش بالك بيه كتير..دا كان لعب عيال...

وتقدم خطوتين في إتجاه المرحاض وأغلق بابه بـ قوة جعلتها تنتفض..تعلم أنها جرحته في كرامته كـ رجل..وأكثر ما يكرهه يونس أن تُدعس كرامته..فـ هو عزيز النفس كثيرًا..وإن شعر أن كرامته ستُهدر..يُخرج قلبه من بين ضلوعه ويدهسه بـ قدميه ثم يرحل وكأن شيئًا لم يكن

وقفت بـ الخارج تُحارب دموعها من الهطول..فـ يونس لا تستطيع وصف ما تشعر به تجاهه..ولكن ما باتت تتيقنه أنها تتألم بـ قوة لألمه وكأنها هى من أُصيبت بـ تلك الوغزة في قلبها...

طرقات على الباب تبعها دلوف خادمة والتي تشدقت وتُخفض رأسها إلى أسفل

-بدأ الحفل والسيدة أنچلي تطلب وجودكما
-ردت عليها بتول بـ لامبالاه:حسنًا..خمس دقائق فقط

هزت الخادمة رأسها ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها..أخذت بتول عدة أنفاس عميقة وتوجهت إلى المرحاض..كادت أن تطرق الباب ولكنها وجدته يفتح الباب بـ وجهه الجامد..عادت خطوتان إلى الخلف وهتفت بـ تلعثم

-آآ..أنچلي..آآ
-قاطعها بـ يده وقال بـ صلابة:سمعت..يلا..
-ردت عليه بـ خفوت:يلا..

تحركت عدة خطوات أمامه..ليجذبها بـ يده إليه..توترت بتول وقبل أن تتحدث تشدق هو

-مينفعش تسبقيني كدا..هنطلع زي ما دخلنا

ولم يتسنى لها الفهم..حيث قام بـ لف يده حول خصرها بـ نعومة تُخالف صلابته..تضرجت وجنتي بتول بـ خجل ولكنها لم تُبدي أي رد فعل..فـ هى باتت تعشق قربه لها تستمد منه الأمان والقوة..وأصبح يونس لغز جديد بات يُثير حيرتها....
*********************
اغضب كما تشاءُ...
واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُ
حطّم أواني الزّهرِ والمرايا
هدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا...
فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ...
كلُّ ما تقولهُ سواءُ...
فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبي ...
نحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا...

كانت الأجواء رائعة والجميع يستمتع..إقتربت أنچلي من أحدهم وأمسكت ذراعه..إلتفت إليها ذاك الرجل الأربعيني وقال

-أين هم ضيوف الحفل!
-ألقت أنچلي بـ نظرها تجاه الدرج وهي تقول بـ إبتسامة:ها هم

وإلتفت مرة أخرى بـ كامل جسده يتطلع إلى تلك الفتاه التي تتهادى في ثوبها ذو اللون الأزرق الداكن..لم يستطع إزاحة عيناه السوداوتين عنها..كانت جميلة بـ طريقة أبهرته..هى بالفعل نوعه المُفضل...

ولم تكن أنچلي بـ أقل منه وهى تتفرس يونس بـ نظراتها وكأنها ستأكله بـ عينيها..جاذبيته الرائعة..هدوءه الرزين..إبتسامته وااااه من إبتسامته التي تُذيب قلوب المُراهقات...

كانت بتول تُمسك كف يده وما أن لاحظت نظرات ذاك الأربعيني والذي يتفرسها بـ سوداوتيه القاتمة..بشرته السوداء..هيئته الكلاسيكية بـ حلته الرمادية..وتلك القُبعة العجيبة التي تُخبئ خُصلاته..زادت في تمسكها بـ قبضته..جعلته يقطب بـ قلق ومال عليها سائلاً

-مالك يا بتول!!
-أشارت بـ رأسها إلى الرجل ومن ثم تشدقت بـ خوف:الراجل اللي شبه بتوع العصابات دا بيبصلي بـ طريقة مش مريحة

نظر إلى مقصدها من طرف عيناه والتي ما لبثت وأن إحتقنت حتى تجمعت شُعيرات حمراء حول حدقتيه..ومن دون وعي منه قبض بـ قوة أكبر على يدها جعلتها تتأوة مُتألمة..لم يلتفت إليها وقال من بين أسنانه

-إياكي ثم إياكي ثم إياكي يا بتول تسيبي إيدي..فاهمة؟!
-إبتعلت ريقها وقالت بـ نظرات زائغة:حـ..حاضر
-أخذ نفسًا عميق وقال بـ غموض:أسف مضطر أعمل كدا

عقدت ما بين حاجبيها..لتجده يلتف بـ يده حول خصرها مرة أخرى كما دلفا خارج الغُرفة..وقربها منه بـ طريقة تُوحي بـ تملكه لها وكأنها موّشمة بـ اسمه..ثم مال يُقبل أسفل صدغها مُطولاً حتى يُثبت لكليهما أنهما مُكبلان بـ عشق وهمي بـ بعضهما..إرتجف بدنها بـ قوة وإزدادت ضربات قلبها أيضًا..ولكنها أثرت الصمت فـ قُرب يونس أهون من نظرات ذلك القذر التي تشي بما يكنه لها...

إبتعد يونس عنها بـ مضض..ولكن في تلك الثوان شعر بـ بعثرة مشاعره وروحه ذهب جموده أدراج الرياح وإحتل مكانه شغف..إختل توازن هدوءه ورزانته فهى بعيدة كل البُعد عن الهدوء والرزانة...هبط بها الدرج ومع كل خطوة يخطوها تجاههم كانت قبضته تحكم عليها أكثر خشية أن يسرقها منه..وقفا أمام أنچلي والتي كانت تثور بـ داخلها براكين..وقبل أن يتحدث أحدهم قال الرجل

-مرحبًا بكم في منزلي المتواضع...

**************************************

هبطت من السيارة ولم تلتفت إليه أو ترد على ندائاته المُتكررة..ليهبط سيف هو الأخر بـ غضب ثم أسرع يُمسكها من مرفقها مُجبرًا إياها على الإلتفات إليه..ومن ثم هتف من بين أسنانه وعيناه تحولت إلى القتامة

-روضة!..بلاش الأسلوب دا معايا عشان متزعليش مني

تجاهلت رعبها منه وتحاملت على نفسها قبضته التي كادت تُهشم مرفقها وتشدقت بـ حدة

-إحنا فـ الشارع يا سيف..سيب إيدي وأقف حلو أحسنلك
-إقترب خطوة منها وقال بـ صوتٍ يشبه فحيح الأفاعي:بتهدديني يا روح أمك!!..إتقي شري أنتي أحسنلك

تصاعد خوفها حتى وصل إلى عينيها فـ إستطاع سيف قرائته..ليترك يدها ثم إبتعد خطوة عنها وتشدق بـ صوتٍ هادئ ولكنه حاد

-روضة متجبرنيش أوريكي وش أنا ذات نفسي بكرهه

أشاحت بـ وجهها بعيدًا عنه تحبس قدر الإمكان عبراتها التي تُهددها بـ النزول..ليعود ويقترب تلك الخطوة والتي سبق أن إبتعدها..ثم هتف بـ حنان

-متعيطيش يا روضة..مش قصدي أزعلك..أنتي عارفة أني بتعصب بسرعة..ومبحبش الأسلوب دا

ولكنها لم ترد عليه..زفر هو بـ ضيق ثم أمسك وجهها وأداره إليه ثم أزال عبراتها بـ إبهاميه وقال بـ إبتسامة

-خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود أوي كدا..خليه ملون

إبتسمت رُغمًا عنها لتتسع إبتسامته معها وهتف بـ مرح

-أيوة كدا خلي الشمس تنور
-جارته المُزاح:أكتر من كدا هتتحرق
-إقترب وهمس في أٌذنها:لو هتحرق منها أنا مستعد ليها

توترت من قربه وخجلت من كلماته..لتبتعد عنه سريعًا ثم هتفت بـ تلعثم

-آآآ..أنا..هطـ..هطلع عشان..كدا آآآ..غلط

ثم ركضت من أمامه..بينما هو وضع يديه في جيبي بنطاله وظل يُتابعها حتى إختفت عن ناظريه..تنهد بـ حرارة وقال

-إمتى أسمعها منك يا روضة..تعبتيني...

ثم إتجه إلى سيارته وأدار المُحرك ومن ثم إنطلق..وعلى الجانب الأخر كان عدي يُشاهد ما يحدث بينهما من غزل و مزاح..و ذلك التقارب الذي جعله يقبض على المقوّد حتى إبيضت مفاصله..أدار وهو الأخر مُحرك سيارته وإنطلق بها بـ سرعة جنونية حتى أصدرت إطارات السيارة صوت إحتكاك عنيف على الأرض الأسفلتية...

**************************************



ظل يونس يرمقه بـ قوة فتاكة دون أن يرد..والأخر مشغول بـ مُطالعة بتول والتي كادت يُغشى عليها من فرط الخوف..رفع يونس يده الحرة وأدار وجهه إليه ومن ثم تشدق بـ إبتسامة صفراء

-لما لا تنظر لي وأنت تُحدثني!
-إبتسم بـ مكر وقال:لك الحق أن تغار..فـ جمالها فتنة لـ الناظر إليها..ألن تُقدمها إليّ؟!

زاد من ضمه لها وأدار رأسه إليها ثم تشدق وهو يُحدق بها

-ديانا..زوجتي المُستقبيلة

إرتفع كِلا حاجبي الرجل بـ دهشة..بينما أنچلي تدلى فكها إلى أسفل وتشدقت بـ عصبية

-ألم تقل أنها خليلتك!
-إبتسم يونس بـ خبث ثم قال وهو يرمقها بـ نظرات خبيثة كـ إبتسامته:عرضتُ عليها الزواج عندما دلفتي إلى الغُرفة

ثم غمزها بـ عينه اليُسرى..ليحتقن وجهها غيظًا ولكنها لم ترد ثم أشاحت بـ وجهها بعيدًا عنه..مدّ الرجل يده إلى بتول والتي ترددت قبل أن ترفع يدها..ولكن بـ النهاية رفعتها..إلتقط كفها ثم رفعه ألى ثغره وقال بـ إبتسامة

-مُبارك لكما..أُدعى سام أنستي
-إبتسمت بـ إصفرار وقالت:تشرفتُ بـ معرفتك سيدي
-إتسعت إبتسامته وهو يتشدق بـ خبث:دعكِ من الألقاب..نادني سام فقط إتفقنا!!

أماءت بـ رأسها ولم ترد..أشار سام إلى أنچلي أن تتبعه..ليقول قبل أن ينصرف

-أعتذر منكما..يجب أن أهتم بـ الضيوف الأخرون
-تفضل..

قالها يونس من بين أسنانه قبل أن يبتعدا عنهما..تنفست بتول الصعداء..وهى تقول بـ خفوت

-أنا كان قلبي هيقف
-لأ إجمدي للنهاية يا بتول..لما نغيب عن نظرهم هنختفي
-طيب..

قالتها بـ يأس..ويونس أخذ يُراقب الوضع بـ عينان حادة كـ الصقر...

وعلى الجانب الأخر وقفت أنچلي أمام سام والذي تشدق
-أُريد منكِ أن تُبعدي جون قدر الإمكان عنها..أُريدها وحدها قليلاً..يجب أن أستمتع بـ جمالها..
-إبتسمت أنچلي بـ مكر وقالت:كما تأمر سيدي...

صدح صوت هاتف سام فـ أخرجه وما أن حدق بـ هوية المتصل حتى أشار إلى أنچلي أن تبدأ فيما أمرها به..إنصرفت ليضغط هو على زر الإيجاب وقال

-مرحبًا...

*************************************

وضع الهاتف على أُذنه مُنتظر الرد على الجانب الأخر..لحظات وإستمع إلى رد الجانب الأخر..ليقول عز الدين بـ صوتٍ هادئ

-مرحبًا..كيف حالك؟
-بخير سيد عز..ولكن ما سبب هذا الإتصال؟..لا أعتقد أنه عمل
-حك عز طرف أنفه وقال:ليس كذلك..إنه مطلب شخصي...

صمت قليلاً والأخر أيضًا..ليُكمل عز الدين حديثه

-هل تستطيع تنفيذه!!
-رد الأخر بـ هدوء:إن كان بـ وسعي..فـ لمَ لا؟!
-تنفس عز الدين بـ عمق ثم قال:حسنًا..سأبعث لك بـ صورتين أحدما لخطيبتي والأخرى لـ مُخطتفها...
-وماذا بعد!!
-أُريدك أن تُرسل رجالك في جميع بقاع العالم..وتعثر عليهما..أتستطيع!!
-مط الأخر شفيته وقال:لا بأس..ولكن من هو؟..وعلى ماذا إختلفتما ليخطتف خطيبتك؟!
-كور عز الدين قبضتيه وقال بـ غضب:أحدهم كان يجب أن أتأكد أني قتلته ولكن لا بأس..أعثر أنت عليه وأنا سأتكفل بما يبتقى
-حسنًا..أبعث لي بـ صورتيهما وأنا سأقوم بما يجب
-أغمض عز عيناه بـ راحة وقال بـ جدية:أشكرك..سأبعثهما فورًا...

أغلق عز الدين الهاتف وقام بـ بعث صورتي يونس و بتول..وما أن وضع الهاتف في جيب بنطاله حتى رأى إسلام شقيق خطيبته يندفع كـ الصاروخ وهو يهدر بـ عنف

-هى فين يا عز!!..كل دا بسببك..مش لاقيين أختي بـ سببك

إندفع الحرس خلفه وقبل أن يتدخل أحدهم..أشار عز لهم بـ يده..ثم أمرهم بـ صلابة

-محدش يتدخل..خليكوا برة ومحدش يدخل

إمتثل الجميع إلى أوامره ودلفوا إلى الخارج..بينما إتجه هو إلى إسلام المُحتقن..ثم قال بـ جدية

-إهدى يا إسلام عشان نتفاهم
-جأر بـ صوته:نتفاهم دا إيه!..إحنا مش لاقيين أختي ولا أنت ع بالك..قاعد فـ بيتك ومستريح فـ وزارتك

رفع عز الدين سبابته في وجهه بـ تحذير ثم تشدق بـ غضب

-حاسب فـ كلامك..بتول أغلى عندي من الوزارة والكلام الفارغ دا..وأنا مش ساكت يا إسلام..أنا بعمل كل حاجة ممكن تيجي فـ بالك عشان أرجعها...

صمت قليلاً ثم أكمل بـ غضب أكبر

-بتول هترجع يا إسلام..أختك هترجع وأنا بـ إيدي هخلص عليه قدامكوا..هشرب من دمه لو فكر يأذي منها شعرة

لم ترتخي ملامح إسلام ولو إنش ولكنه قال قبل أن يدلف إلى الخارج

-أحسنلك بتول ترجع يا سيادة الوزير وإلا أقسم بالله ما هتشوفها تاني..

ثم أضاف بـ سخرية و وعيد في ذات الوقت

-أصلاً أنت مش هتشوفها تاني..لأن خطوبتكم من دلوقتي إتفسخت

ورحل تاركٌا عز الدين غارقًا في صدمته...

**************************************

وضع الهاتف في جيب بنطاله ثم رفع أنظاره إلى بتول وقد إرتسمت إبتسامة شيطانية على وجهه وهو يقول

-إنها ليلة حظي..أنستي...

كان يونس يقف بـ جانبها ولم يتحرك خطوة واحدة بعيدًا عنها..لم يندمجا في الحفل..بل كانت بتول في حالة يُرثى لها ويونس في حالة تأهب وأستعداد...

تقدمت أنچلي منهما بعدما أخبرت مُنسق الأغاني أن يختار أحد الأغنيات الهادئة لتتراقص معه عليها..وضعت يده على منكبه ثم قالت بـ دلال

-ما رأيك بـ أن نرقص قليلاً!
-نظر لهل يونس شزرًا وقال:لا أريد..وإن كنتُ سأرقص فـ سيكون مع ديانا
-إقتربت أكثر وهمست بـ خبث:المُشتري حضر ويجب أن نتحدث قبل أن نتفق
-رفع حاجبيه بـ برود:يُمكنك التحدث هنا إن شئتي

إمتعضت ملامحها ولكنها أخفتها جيدًا..ومن ثم قالت بـ إبتسامة زائفة

-صدقني..لن يزعجها أحد وسام ليس هنا..هيا يجب أن نتحدث قبل أن يرحل

ولم تدع له فرصة لكي يعترض بل جذبته بـ قوة فـ إضطر أسفًا أن يتركها وطمأنته هى بـ نظراتها...

أمسكت يده وإتجهت به ناحية ساحة الرقص..وتراقصا بـ هدوء..كان يونس جامد الملامح نظراته كلها منصبة التركيز على مُعذبة فؤاده..تأففت أنچلي بـ ضيق فـ هى تُريد أن تحظى بـ إقترابه..أدارت وجهه إليها وهمست بـ إغراء

-تطلع إليّ قليلاً..لا تقلق عليها إلى هذا الحد
-تحدث يونس بـ جفاء:ألم تقولي أننا سنتحدث بشأن العمل!..هيا تحدثي

أغمضت عيناها لكي تتفادى نوبة غضب قادمة..ثم رفعت يدها على صدره وأخذت تتسحب يدها أسفل سترته..ولكنه أمسك يدها وأبعدها عنه بـ قسوة..ثم إقترب من أُذنها وهمس بـ خبث

-لن تجدي ما تبحثي عنه..فـ أنا لستُ بـ أحمق لكي لا أعرف بما تُفكرين

إبتعد لينظر إلى معالمها المشدوهه..فـ إبتسم بـ إنتصار ثم أكمل وقد توقف عن الرقص

-ولن تجديه في غُرفتي..لذلك أخبري رجالك بـ أن يتوقفوا عن البحث...

ثم أبعدها عنه ورحل..أخذ يبحث عنها في أوجه الموجودين ولكنه لم يجدها..هوى قلبه وإرتعدت فرائصه مما قد يحدث لها..ظل يبحث عنها كـ المجنون..ولكن أيضًا لا وجود وكأن الأرض قد إنشقت وإبتلعتها..دلف إلى الحديقة والتي يُخيم عليها الظلام..لا وجود لها صمت ثم الصمت..والظُلمة المُوحشة..رفع رأسه إلى أعلى وصرخ بـ صوتٍ قد بدى عليه الألم

-بتووووول
الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها، وأما الرجل فإنه يقتحم قلبه دون استئذان، وهذه هي مصيبتنا.

تملك اليأس قلبه..وضع يده على عيناه وصرخ مرة أخرى

-بتوووول!!!

أبعد يده عن عيناه ونظر إلى المبنى الكلاسيكي وعند غُرفةً ما..شعر بـ إنقباضة قوية في قلبه..حتى أنه وضع يده على صدره من الألم..لا يعلم لِما يشعر بـ ذلك الألم..حدق بـ قوة ليرى شبح شخصان أحدهما يتراجع إلى الخلف وذراعه وكأنهما تُبعدان شيئًا عنه..الأخر يتقدم منه..لم يعدْ هناك مجال شك أنها مُعذبة فؤاده...

لم يُفكر مرتان..وإنطلق ناحية المبنى وأستغل تلك الأحجار البارزة في صعود المبنى..وبـ مهارة وإحتراف صعد سريعًا إلى أعلى..لم يهتم إلى جروح يده التي بدأت تتناثر منها الدماء..وأكمل وقلبه كـ مضخات تتقافز خوفًا..ليس عليه بل على تلك الجنية التي بين براثن صقر جارح...

صعد إلى الغُرفة ومن خلال النافذة إستطاع أن يرى ما في الداخل..كانت عيناه تقدحان بـ شرر يحرق الأخضر واليابس وحروق نحره البارزة أنبأت بـ وقوع كارثة مُفجعة..كور قبضته وبـ عنف بالغ حطّم النافذة...

*************************************

في الداخل كانت تقف ما بينه وبين الحائط..يضع يداه حول عنقها ويقترب بـ بطئ مُتخابث..وبـ نبرة ماكرة تشدق

-حقًا عز الدين أوفر الرجال حظًا بكِ..يمتلك الحق في إحراق العالم من أجلك

إسترعى إنتباهها عبارته التي بدت غامضة في الثوان الأولى ولكن ما لبثت أن توضّح معناها..لتقول بـ ملامح مشدوهه

-أنت تعمل لدى عز!!
-أشار بـ سبابته نافيًا وقال:لا..بل أعمل معه

إقترب من أُذنها فـ أغمضت عيناها..فـ تشدق بـ نبرة تُشبه فحيح الأفاعي

-أتعلمين أنه تواصل معي من أجل إعادتكِ له!!

ثم إبتعد يتفرش ملامحها المبهوتة..ثم أكمل حديثه وهو يضحك

-وأنا سوف أُعيدكِ له..ولكن بعد أن أتسلى قليلًا

تصاعدت دقات قلبها وبدأت تتلوى من أسفله حتى تتخلص من براثنه..ولكنه كان قد أحكم قيده عليها..أمسك يدها وقيدهما أعلى رأسها ومن ثم أخذ نفسًا عميق وهو يقول بـ نبرة قد ملأتها الرغبة

-رائحتك رائعة..تُشه الأطفال في نعومتها..أُريد تذوقها

شحب وجهها تدريجيًا ومن ثم صرخت..وعلى إثر صرختها..سمعا صوت تحطُم زجاج..إلتفت سام ولكن لم يُسعفه الوقت..فـ وجد من ينقض على عنقه..يُمسك حنجرته وكأنه على وشك إقتلاعها..تحول وجهه سام إلى كُتلة زرقاء..باغته يونس بـ لكمة عنيفة أدت إلى كسر أنفه..وهدر بـ صوتٍ قاتم

-أُيها الوغد..سأقتلك

كانت بتول مُنكمشة على نفسها خوفًا..وعبراتها تتسابق في النزول..نهض سام وهو يترنح ليُباغته مرة أخرى بـ ضربة من قبضته إلى قفصه الصدري..أدت إلى كسر عدد من أضلعه..كاد يونس أن يُكمل ما يفعله ولكنه سمع وقع أقدام كثيرة...

وجهه نظره إلى بتول المُنكمشة على نفسها..ليشعر بـ غصة قوية في فؤاده..ولكنه تقدم منها سريعًا وما أن أمسك يدها حتى إنتفضت فزعة..ليقول هو بـ تهدئة

-هششش..أنا يونس متخافيش

هزت رأسها ليجذبها هو بـ يده ثم قال وهو يتجه إلى أحد النوافذ

-مقدمناش وقت..لازم نهرب قبل أما الحرس يوصلوا
-هتفت بـ خوف:هنهرب منين!!
-هنّطْ

ولم يدع لها فرصة ليقوم عقلها بـ تحليل ما قاله..ليقوم بـ تحطيم زجاج النافذة في الجهه المُعاكسة..ومن ثم قفزا من النافذة..وبتول تصرخ..وكان أسفلهما حوض سباحة..ليسقطا به...

***********************************

تمدد عدي على فراشه وهو يشعر بـ ألم في صدره..تنهد أكثر من مرة ومشهد إقتراب سيف منها يتكرر أمامه..إعتدل جالسًا بـ عنف وأخذ يفرك وجهه بـ قوة..همس مُستغفرًا

-أستغفر الله العظيم..أستغفر الله العظيم يارب

أغمض عيناه وهو يزفر بـ ضيق..صوت طرقات خفيفة على باب غُرفته وتبعها دلوف والدته والتي كانت تبتسم بـ بشاشة..رفع وجهه ليرى والدته وتلقائيًا إبتسم وقال بـ سعادة

-ست الكل منورة أوضتي!!..تعالي يا صفوة قلبي
-إبتسمت صفوة وقالت:إزيك يا عدي!!
-ضحك عدي وقال بـ مزاح:أنتي أول مرة تشوفيني ولا إيه!!

تقدمت منه وجلست بـ جانبه..ولا زالت تبتسم ثم قالت

-أنا فعلًا حاسة أني أول مرة أشوفك من سنتين
-أمسك عدي يدها بـ حنو وقال:عاوزك تنسي السنتين دول يا ماما..يونس هيرجع بس لما يرجع الحق لأصحابه...
-ربتت على وجنته ثم قالت بـ دعاء:ربنا يرجعهولي بالسلامة ويخليكوا ليا..
-ويخليكي لينا يا ست الكل

ثم مال على يدها يُقبلها لتبتسم بـ رضا وهى تربت على خُصلاته السوداء..إرتفع بـ رأسه وسألته بـ جدية

-ها قولي بقى مالك!!
-عقد ما بين حاجبيه وقال:مش فاهم..أنا كويس
-إبتسمت مرة أخرى وقالت:عيب تكون شحط كدا وتكدب عليا

ضحك عدي وهو ينظر إلى والدته..ثم قال بـ هدوء

-أولًا أنا مبكدبش..ثانيًا أنا فعلًا كويس ومفيش حاجة
-أنا أمك يا عدي ومهما كبرت هفضل فهماك

صمتت قليلًا..وعدي يُحدق بها بـ جمود..عادت لتُكمل حديثها قائلة

-واللي فيك دا حب..وحي من طرف واحد

إتسعت حدقتي عدي بـ قوة..ليقول بـ تلعثم

-آآ..أنا..مبحبش..آآ..حد

قهقهت صفوة بـ قوة..ثم ربتت على يده وقالت بـ هدوء

-أمشي ورا قلبك..وقول اللي جواك..الحياه مش هتعيشها مرتين..وبدل الوجع والهم دا روح قولها
-تنهد عدي وقال بـ خفوت:ولو رفضتني!!
-تبقى ع الأقل حاولت عشان متندمش لما تروح منك..الحاجة اللي بتحبها عافر عشان توصلها..

صمتت ثم قالت

-"وما نيل المطالب بالتنمي ولكن تُؤخذ الدنيا غِلابا"..الحاجة مش هتجيلك لحد عندك..لأ لازم تتعب عشان تحس بـ حلاوتها...

نهضت صفوة ثم قالت بـ نبرة ضاحكة

-أما أروح أعمل الأكل لسيادة العقيد زمانه جي

وتحركت في إتجاه باب الغُرفة..وقبل أن تدلف إلى الخارج هتف عدي

-ماما!!

إلتفتت إليه صفوة فـ إبتسم عدي وقال

-شكرًا يا حاجة صفوة..عقبال لما تفرحي بيا
-فرحتك هتكمل بـ وجود أخوك معاك...

ثم خرجت وتركت عدي..وبداخله شُعلة أمل وحماس قد إشتعلت..جعلته يأخذ مفاتيحه وهاتفه..ثم دلف إلى الخارج عازمًا على الذهاب إليها...

*******************************************

طفى على سطح الماء..وأخذ يدور بـ رأسه بحثًا عنها..ليجدها تشق الماء وتخرج من أسفله مُخرجه شهيق قوي من فاها..إتجه يونس إليها وأمسك يدها ثم سحبها قائلًا بـ جدية

-يلا بسرعة مفيش وقت...

وخرج من الماء ثم مد يده لها وسحبها..وقد بدآ في العدو وبدأ معها صوت طلقات الرصاص التي أُمطرت عليهم كـ الأمطار..صرخت بتول خوفًا وكادت أن تقف ولكن يونس لم يسمح لها وأكملا الركض...

أوقفه ثلاث رجال ذوي بنية ضخمة وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه..إتسعت عينا بتول هلعًا..وأمسكت يد يونس بـ قوة تستمد منه الأمان..بينما يونس قد إصطنع الإستسلام واضعًا يده خلف رأسه..وما أن تقدم منه أحدهم حتى لكمه في أنفه وأخذ السلاح منه..أتخذه كـ درع يتلقى الرصاصات في جميع أنحاء جسده ويونس يُصوب فوهه سلاحه إلى الأخران..وفي ثوان كانت الرصاصات تخترق جسديهما لتهوى جثتيهما على الأرض..دفع من معه أرضًا..وأمسك يد بتول مرة أخرى والتي كانت تنتفض بـ خوف..وسحبها خلفه راكضان بـ أقصى سرعتيهما...

وبعد مدة من الركض لم تتخطى الدقائق..توقف يونس عند إحدى حاويات القُمامة الضخمة وأخرج منها حقيبة ظهر متوسطة الطول..إرتداها سريعًا ثم إلتفت إلى بتول التي لم تتوقف عن النحيب..أحاط وجهها بين راحتيه وقال بـ جدية

-بتول مش وقت خوف وعياط..إحنا لازم نتحرك بسرعة ونفكر كويس..وأنا مش هعرف أفكر طول ما أنتي خايفة..خليكي قوية

أماءت بـ رأسها ولا زالت تبكي..ليمد يداه ويُزيل عبراتها هاتفًا بـ حنو

-طول ما أنتي معايا بعد ربنا مش عاوزك تخافي..أنا هنا عشان أحميكي..فاهمة!!

هزت رأسها بـ موافقة بلا وعي وكأن لنبرته العذبة صدى ساحر في روحها جعلها ساكنة..تشعر بـ كم هائل من الأمان في وجوده..إبتسم يونس وقال

-يلا...

وعادا يركضان مرة أخرى..لتظهر سيارة من العدم..تُمطرهم بـ وابل من الرصاص..كان يونس يعمل كـ درع لحماية بتول من خدش قد يُصيبها..إتجه إلى أحد الزوايا وقد بدى على وجهه الإنهاك..خبأ بتول في تلك الزاوية ثم نزع عنه الحقيبة وأعطاها إياها وقال بـ نبرة لاهثة إثر الركض

-أنا هشتتهم وأنتي حاولي تهربي

ولم ينتظر ردها..وقبل أن يتحرك أمسكت يده هاتفة بـ توسل وبكاء

-مستبنيش عشان خاطري أنا خايفة
-أغمض يونس عيناه وقال دون أن يستدير:لو فضلت معاكي هيقتلوكي..وأنا مش مستعد أخسرك يا بتول..مش مستعد أخسر قلبي..

حاول أن يُبعد يدها ولكنها تشبثت به أكثر ثم هتفت بـ نبرة مُتحشرجة

-خايفة معرفش ألاقيك

هنا وإستدرا لها..أمسك يدها وقال بـ هدوء خارجي

-أنا هلاقيكي..قلبي هيعرف زي ما عرف أول مرة...
أنهى حديثه ثم طبع قُبلة رقيقة على جبينها..أغمضت عيناها وكذلك هو فعل..إبتعد عنها وقال بـ جدية

-أول لما أجري فـ أي إتجاه..أجري أنتي عكسه..أهم حاجة متجريش في الطريق العمومي..خليكي فـ الطرق الجانبية والضلمة..خلي بالك من نفسك...

ثم ركض بعيدًا عنها قبل أن تتحطم مقاومته ويبقى معها..يُفضل أن يموت بـ أحضانها..تابعته حتى إختفى عن ناظريها..لتبدأ هى بـ العدو في الإتجاه المُقابل كما قال..كانت عبراتها تهطل بـ غزارة وهى تدعو في نفسها

-يارب رجعهولي بالسلامة..يارب يلاقيني..أنا خايفة أوي...

***************************************

ترجل من سيارته ودلف إلى البناية..توقف أمام المصعد وما هى إلا ثوان وحضر..إستقل عدي المصعد وبـ داخله كم هائل من الحماس المشحون بـ طاقة عجيبة تُسمى بـ الحب..سيموت دفاعًا عنها..سيموت دفاعًا عن عشق هو بـ الأساس ملكه ولن يدعه لأي شخصًا كان...

وصل المصعد إلى الطابق المنشود..دلف خارجه وتوجه إلى منزلها..قام بـ دق الجرس عدة مرات بـ تواصل دون إنقطاع..إلى أن سمع صوتها المُنزعج يقول

-أيوة..ثواني

أخفض يده عن الجرس و وقف مُبتسم الثغر..فتحت هى الباب بـ عنف ثم هدرت بـ ضيق

-أظن دي قلة آآآ....

وبترت عبارتها وهى ترى عدي يقف أمامها وعلى ثغره إبتسامة عذبة والتي كانت ولا تزال السبب في جعل خافقها كـ مضخات قوية..إبتعلت ريقها بـ توتر ثم همست بـ نبرة مُتلعثمة

-عـ..عدي..با..شا
-رد عليها وهو لا يزال يبتسم:ممكن أدخل
-أتفضل...

قالتها وهى تُشير بـ يدها إلى الداخل..ليدلف هو بـ خطوات واثقة هادئة..إلى أن وصل إلى غُرفة الصالون..أشارت له بـ الجلوس وقبل أن تتحدث هتف هو

-أنتي بتحبي سيف؟!

ضيقت عيناها بـ إستغراب..ثم إتسعت بـ صدمة..رافعة حاجبيها بـ تعجب..كانت ملامح وجهها تشي بـ صورة مضحكة عما تمر به..أجاء إلى هنا لكي يسألني إذ كنتُ أحب سيف أم لا!!..بـ الطبع هو معتوه..هتفت بـ صدمة

-هو..هو حضرتك قولت إيه!!

نهض عدي عن مكانه وإتجه إلى مكانها..إنحنى بـ جذعه العلوي..وعاد سؤاله بـ صوته الرخيم

-سألتك إذا كنتي بتحبي سيف ولا لأ!!
-أعادت رأسها إلى الخلف بـ توتر من قربه وقالت:دا ليه علاقة بـ الشغل؟!
-همس بـ :أيوة

صمتت تستشف جديته من نبرته ونظراته وكِلتاهما أكدتان على جديته الصارمة بـ نعومة وجاذبية تجعلها تذوب..هتفت بـ شرود وهى تُحدق بـ عيناه

-مقدرش أحبه وأنا فـ قلبي حد تاني

إمتعضت ملامحه بـ درجة كبيرة..وقد بدى الغضب جليًا على صوته الذي زأر به

-هو مين!!

لم تهتم بـ إمتعاض ملامحه..ولم تلتفت إلى صوته الغاضب وأكملت تحديقها به وهتفت بما يجيش في قلبها مُذن سنون

-واحد بشتغل معاه من سنتين..هو رائد..من أول أما شوفته وأنا عشقاه..كل اللي بفكر فيه من زمان إني لما أخلص اللي بعمله..هو إزاي أعترفله بحبي..كانت أكتر حاجة مخوفاني أنه ميقبلش حبي ويرميه..بحبه ومش هقدر أحب غيره

إرتخت معالم وجهه المُمتعضة وحل مكانها دهشة ثم سعادة..أشرق وجهه بـ إبتسامة وبدأت نبضاته في الإرتفاع ثم قال بـ حماس

-واسمه عدي!!
-أماءت بـ رأسها وأكملت بـ شرود:وأخوه اسمه يونس

لم يستطع عدي الإحتمال أكثر ليجذبها من ذراعها إلى أحضانه..لتستفيق هى على ذلك الإرتطام ونبرته الساحرة وهى تهتف

-بحبك يا روضة..بحبك يا روضة قلبي
-إلتفت بـ يدها حول خصره وقالت:وأنا كمان بحبك

هتفتها وقلبها يتراقص فرحًا على معذوفة كلمة "بحبك" التي لحنتها شفتاه بـ عذوبة لم تكن لتذوب بها مع أحدًا أخر..فـ في أعظم أمانيها لم تكن لتتمنى أن يُبادلها العشق الذي تكنه له مُذ أن رأته...

ولم يكن عدي بـ أقل طربًا منها..فـ قلبه كان يتآكله الخوف من الرفض..أو تصريحها بـ أنها تعشق سيف..ولكن صدى كلمات والدته هى من حمسته إما أن تكون له أو إما أن تكون له..فـ هو لن يترضي أن تكون لغيره..لن يدعها تهرب من بين أنامله مهما طال الزمن...

**************************************

كانت تركض بلا هوادة وعيناها لا تتوقفان عن ذرف العبرات..تذكرت أنه ما أن إبتعد عنها يونس حتى جاء ذلك الذي يُدعى سام ثم سحبها من يدها بـ قوة مُستغلًا إنشغال يونس عنها مع أنچلي..حاولت الحديث ولكنه لم يكرن ليرد عليها..حاولت الفكاك منه ولكن قبضته إعتصرت معصمها..وكل ما حدث في ثوان كان وهو يُدخلها الغُرفة وحديثه الغامض عن عز الدين..والذي أكدّ أنه رجل فاسد..حسمت أمرها أنه صفحة لن تطويها فحسب بل ستقوم بـ تمزيقها إربًا..كان تتأمل أن يكون كل ما شاهدته كذب أو تلفيق..ولكن بعد ما حدث مُنذ قليل وتبخرت أمالها وذهبت أدراج الرياح...

سمعت صوت أقدام تقترب منها..لتعود وتركض مرة أخرى وهى تشعر بـ خوفٍ لا حد له..ظلت تُناجي ربها

-يارب..يارب

سمعت صوت الأقدام تقترب منها بـ سرعة..ليُصيبها الهلع بـ درجة أكبر..وأخذت تعدو..ولكن صوت الأقدام يقترب أكثر..حتى شعرت بـ يد تُوضع على منكبها فـ صرخت بـ خوف

-يوووونس
-إهدي يا بتول

وما أن سمعت صوته ولم تُفكر مرتان..إرتمت في أحضانه بـ خوف..كان جسدها يرتعش بـ صورة مُقلقة..طوقها هو بين ذراعيها..ليجدها تدفن رأسها في صدره..ثم سمعها تُهمهم بـ تبعثر

-أنا..كنت خايفة..وأنت..جيت..وخفت..خفت...

أبعدها يونس عن أحضانه وقال بـ إطمئنان

-هششش..خلاص أنا أهو جمبك..ومفيش داعي تخافي
-هزت رأسها بـ نفي ثم تشدقت بـ نحيب:كنت خايفة يجرالك حاجة مش خايفة ع نفسي

إبتسم يونس بـ سعادة..وطرب قلبه لما قالته..ليعود ويجذبها في أحضانه مرة أخرى مُربتًا على ظهرها بـ حنو..ثم قال بـ هدوء

-أنا كويس..وبقيت كويس أكتر لما شوفتك بخير..وهكون كويس أكتر لما تبطلي عياط

إبتعدت عنه ومسحت عبراتها بـ ظهر يدها وقالت بـ نبرة طفولية

-أهو..بطلت عياط
-إبتسم وأكمل:أيوة كدا..يلا بقى نمشي عشان محدش يحصلنا..
-يلا

ثم تحركا بـ خطوات أشبه بـ الركض..تجمد يونس وهو يشعر بـ أناملها تتخلل أنامله لتُمسك بـ كفها الرقيق كفه الغليظ..نظر لها يونس بـ صدمة..لتقول بـ خجل

-ببقى مطمنة لما بتمسك إيدي

أحاط بـ أنامله أناملها الصغيرة ولم يرد عليها..لم يُرِد إفساد سحر تلك اللحظة وما شعر به قلبه من خفقان..نزع حبها من قلبه أمر بات مستحيل الآن..وجموده! لم يعد له وجود فـ جميع مشاعره تتحرك في وجودها تبعث في نفسه بعثرة..تُشتته..تجعله كمن يُحلق في باطن الأرض..ألم أقل أنها تُشيّع في نفسه فوضى!!..

سمع صوتها يهمس بـ تساؤل

-إحنا هنروح فين دلوقتي!!
-أجابها بـ شيئًا من الغموض:ثواني

أوقفها ثم سحب يده على مضض وإتجه خلفها..فتح الحقيبة وأخرج منها جهازًا ما..أخذ يعبث به ثوان..ثم وضعه مرة أخرى بـ مكانه..عقدت حاجبيها وهى تسأله بـ غرابة

-أنت بتعمل إيه!!
-أمسك يدها وتحرك مرة أخرى:هنروح بيت على بعد أتنين كيلو
-طب إزاي؟!..والبيت دا فيه ناس زي دول ولا إيه!!..ممكن تفهمني يا يونس!
-رد عليها بـ هدوء:بصي أي ظابط بيسافر فـ مهمة بره البلد..بيكون ليه كذا بيت بنسميه "بيت أمن"..يقدر يستخدمه مرة واحدة بس وبعدين البيت دا بنخفيه..فهمتي؟!

أماءت بـ رأسها بـ تفهم وقد ظهر على معالم وجهها الإنبهار..لتقول بـ تعجب

-مكنتش أعرف إن كل دا بيحصل وإحنا منعرفش!!
-ضحك يونس وقال:المشكلة أن الناس شايفة الصورة من إتجاه واحدة وبتبتدي تحكم وتحل..مع إنهم لو شافوا الصورة من كل الإتجاهات هيشوفوا أبعاد الصورة كاملة وهيشوفوا برضو الحقيقة كاملة...
-ضحكت هى الأخرى وقالت:وأنا اللي فكرت أن دا كلام أفلام..طلع بجد..وبحق وحقيقي..ربنا يكون فـ عونكوا

أماء بـ رأسه ولم يرد .. ثم أكملا طريقهما وكِلاهما هائم في أفكاره..فـ يونس يُفكر بـ بتول وحبه الذي نهش قلبه وعقله على حد سواء..وبتول تُفكر بـ عز الدين وأنه حان وقت كشف الحقيقة ومعرفة الصورة كاملة كما قال يونس..رفعت رأسها ثم هتفت وهى تبتلع ريقها بـ صعوبة

-يونس!!
-همهم يونس دون أن ينظر لها:هممم

أغمضت بتول عيناها كي تتغلب على ترددها..ثم قالت بـ جمود

-أنا عاوزة أعرف حقيقة عز الدين...
لم يخذلني أحد...
أنا من خذلت نفسي...
عندما راهنت أنهم أوفياء...

هبط الدرج وهو يضع يداه في جيبي بنطاله..يُطلق الصفير من بين شفتيه بـ سعادة..فـ قد نال أخيرًا عشق كان يحسبه مستحيل..وأمام البناية إصطدم بـ أحدهم بـ الخطأ فـ قال مُعتذرًا

-أسف مخدتش بالي

وتحرك خطوة دون أن يرى من الذي إصطدم به..ولكنه لم يستطع أن يخطو أخرى وهو يسمع ذاك الصوت الذي قال بـ سخرية

-متعتذرش يا سيادة رائد عدي..مش عدي برضو ولا أنا نسيت!!

إستدار عدي بغتةً ورمق ذاك المُتحدث بـ نارية..ثم دنى منه تلك الخطوة التي إبتعدها وقال بـ غضب

-لأ عدي يا سيف بيه..مش سيف برضو ولا لما سِبت الخدمة غيرته!
-إبتسم سيف بـ إستفزاز ثم قال:لأ مغيرتوش يا سيادة الرائد..مغيرتوش زي ما الزمن مغيركش

رمقه عدي بـ أشمئزاز وما كاد أن يتحرك حتى أمسكه سيف من معصمه وهتف بـ مكر

-الله الله..رايح فين بس يا سيادة الرائد..إحنا مخلصناش كلامنا
-أبعد عدي يده عنه بـ حدة ومن ثم قال بـ جفاء:مفيش بينا كلام..ولا هيكون

ثم تحرك خطوتان..عدل سيف وضع سترته وقال بـ نبرة ذات مغزى

-ولا حتى إذا كان بخصوص سيادة المقدو يونس؟!
-إستدار عدي إليه وهتف بـ عصبية:أنت عاوز إيه بالظبط!!
-مط سيف شفتيه بـ برود:مش عاوز حاجة خالص..دا أنا كنت عاوز أقولك أن عز أول ما هيلاقيه هيقتله...

إقترب منه ثم همس بـ نبرة تُشبه بل هى كـ فحيح أفعى

-خبيه..وخليه يخبي خطيبة عز..أصله حالف لايقتله لو لمسها...

ثم ربت على منكبه..ورحل مُطلقًا هو الأخر صفير..بينما عدي يكاد تنطلق النيران من أُذنيه..كور قبضته وضرب تلك البوابة الحديدية بـ عنف..رحل وهو يُتمتم بـ وعيد

-نهايتكوا قربت يا كلاب...

*************************************

توقف عن السير ورمقها بـ ذهول ..ثم هتف

-أنا شكلي مسمعتش كويس..أنتي قولتي إيه!!
-أعادت حديثها بـ جمود:قولت عاوزة أعرف كل حاجة عن عز

وقف يونس أمامها..يحدجها بـ نظرات حائرة..بينما هى بادلته نظرات واثقة ولكنها مُذبذبة..وضع يونس كِلتا يداه على مِنكبيها ثم تشدق بـ جدية

أنتي واثقة من اللي بتقوليه!!
-إزدردت ريقها بـ توتر وقالت:آآ..أيوة

أبعد يونس يد عن أحد منكبيها ومسح بها على وجهه..ثم قال بـ تأكيد

-متأكدة!!..لأنك ممكن أصلًا متصدقنيش
-أغمضت عيناها وقالت بـ خفوت:بعد اللي حصل من شوية!!..أه متأكدة
-أمسك يدها وقال:طب نمشي من هنا عشان محدش يشوفنا

هزت رأسها بـ موافقة وقبضت على يده ثم تحركت بـ سرعة...

بعد نصف ساعة من السير بين الأشجار في إحدى غابات ستوكهولم..وصلا إلى كوخ خشبي..وقفت بتول أمام الكوخ وقالت بـ عفوية

-أول مرة أشوف بيت هنختفي فيه ويكون بسيط كدا
-ضحك يونس وقال:خشي يا بتول..أديكي شوفتي مظهر من مظاهر التمويه..

أخذ يونس ذلك المفتاح المُثبت داخل أخشاب الباب وفتحه..دلف هو أولًا ثم تبعته هى..أضاء يونس الأضواء..فـ بدأت بتول في مُشاهدة الكوخ..كان بسيط جدًا..هناك أثاث خشبي وأخرى مُبطن..ومطبخ على الطُراز الأمريكي يُمثل مربع صغير في أحد أركانه وفراش يكفي لفردٍ واحد..تشدقت بـ ذهول

-أومال فين الحمام!!
-جلس يونس على أريكة بنية وقال بـ ضجر:بتوووول..أنتي من إمبارح مصدعتنيش بـ غباءك..فـ أبوس أيدك أنا مش قادر للكلام دا..

زمت شفتيها بـ ضيق ولم ترد..بل أغرقته بـ وابل من السباب في سرها..سمعت صوته الغاضب يقول

-بطّلي طولة لسان يا بتول الكلب..عشان بعدها بتقلبي قطة

تحركت بـ خطى سريعة ووقفت أمامه مُشيرة بـ سبابتها إلى وجهه وسألته بـ عصبية مشدوهه

-نفسي أعرف أنت بتعرف منين..ها!..ها!..ها!..هـ...
-قاطعها يونس بـ صياح:بسسس..أفصلي..أنا اللي جبته لنفسي

همت بـ التذمر..ولكن عوضًا عن ذلك صرخت بـ جذع أجفله..فـ سألته بـتوجس

-في إيه يا بتول!!

قفزت أعلى الأريكة بـ جانبه ثم قالت بـ خوف وهى تُشير إلى ذراعه

-دا..دا دم..آآ..أنت متعور

زفر يونس بـ ضيق..وحاول يونس إسكاتها ولكنها أكملت حديثها بـ خوف وتوتر

-أكيد بتوجعك!!..أنت مش حاسس بيها!!..طب..طب فيه مطهر أو أي حاجة!..أنا..آآ...
-قاطعها بـ نفاذ صبر:أهمدي يا بت..أنتي اللي متوراني
-ردت عليه بـ نبرة مُرتعشة:أصل...

وضع يونس يده على فاها وتحدث بـ صرامة

-أكتمي يا عملي الأسود..ممكن!

هزت رأسها عدة مرات..فـ أكمل هو حديثه

-دلوقتي فـ دولاب دا هتلاقي علبة صغيرة..هاتيها..

أماءت بـ رأسها ثم إبتعدت عنه..وبحثت بـ رأسها عن تلك الخزانة الصغيرة..لتجده عند أحد الأركان..توجهت إليه وأخرجت منه تلك العُلبة ثم عادت إليه مرة أخرى...

كان هو في تلك الأثناء قد نزع عنه قميصه وقذفه بـ إهمال على الأرضية..وما أن إلتفتت هى حتى شهقت..تخضبت وجنتيها بـ حُمرة خجل ثم هتفت بـ تذمر

-هو ليه مش مراعي إن في بنت معاه...
-معلش المرة الجاية

كان هذا صوته الذي خرج ساخرًا من حديثها..لتقول بـ ذهول وهى تمد بـ يدها العُلبة

-أنت سمعت!!
-نظر لها من طرف عيناه ثم قال:أقعدي يا بتول عشان تساعديني...

جلست بـ جانبه على مضض وهى تتحشى النظر إلى عضلات صدره البارزة..بينما هو لم يهتم إلى ذلك الخجل الذي يتلذذ به وأخرج من العُلبة مطهرًا ما وبعض القطن ولاصقة طبية كبيرة..مد يده لها بـ ذلك المطهر وقال

-خدي طهري الجرح
-درت عليه بـ بلاهة:أطهر إيه!!
-وضع بـ يدها الأشياء وقال بـ نفاذ صبر:إخلصي...

أخذت المطهر وسكبت منه القليل على قطعة من القطن..قربت يدها المُرتعشة من ذراعه وأخذت تمسح على جرحه بـ رقة خشية أن تؤلمه..كانت يونس في أعلى درجات الإنتشاء وهو يراها بـ ذلك القُرب منه..كانت لمساتها سحرية ورقيقة كـ أجنحة فراشة..ظل يُتابع تعابير وجهها المُتقلصة بـ إبتسامة عاشقة...

كانت غافلة عن عيناه التي تُحدقان بها بـ هيام واضح..إنزلقت خُصلات على وجهها أزعجتها..لتجد يده تمتد وتُبعدها خلف أُذنها..رفعت رأسها لتتقابل خضراوتيها مع بنيتاه المُتوهجه عشقًا لها قرأته بسهولة..إزدردت ريقها الجاف..وأخفضت رأسها مرة أخرى حتى تمنع عيناه من إكمال مهمتها في إختراق روحها و الوصول إلى أعماق قلبها...

أنتهت مما تفعله لتقذف ما بـ يدها بـ إشمئزاز..ليقول لها وهو يمد يده بـ إبرةٍ ما

-يلا عشان تخيطيلي الجرح

إنتفضت كـ من لدغتها أفعى ثم قالت بـ فزع حقيقي

-على جثتي يحصل الكلام دا...

***************************************

أنتهى الطبيب من لف ذلك الشاش الطبي حول قفصه الصدري وقال بـ عملية

-سنقوم بـ عمل أشعة على قفصك الصدري خشية أن تكون الرئة قد تأذت
-هز سام رأسه بـ فتور ثم قال:حسنًا لا بأس..أنا أشعر بـ أنني بخير
-لم يهتم الطبيب لما قاله وأكمل:أتمنى ذلك..ولكنني سأقوم بـ واجبي لا غير..أُعذرني

ثم تركه ورحل..لتنهض أنچلي وجلست على طرف الفراش ثم تشدقت بـ إهتمام

-هل أنت بخير؟!
-حدق بها سام بـ جمود ومن ثم هتف بـ غضب:أُقسم أنني سأُنهي حياته بـ يداي..لن أدعه يُفلت مني..
-ربتت على منكبه وقالت:إهتم بـ صحتك أولًا ثم قُم بما تشاء..ولكن الآن يجب أن نُفكر جيدًا فيما سنقوم به...

صمت لمدة قصيرة ثم قال لها بـ غموض

-أعطني الهاتف

أذعنت إلى أمره دون أن تسأل..وأخرجت هاتفها من حقيبتها ثم أعطته إياه

-تفضل

أخذه من يدها وإتصل بـ أحدهم..وضع الهاتف على أُذنه وأنتظر الرد الذي أتاه سريعًا..فـ سمع صوت عز الدين يقول بـ تلهف

-هل عثرت عليه!
-رد عليه بـ جمود:بلى عثرت عليه
-أين؟..هيا أجبني
-إعتدل سام في جلسته ثم قال بـ جدية:تعال إلى ستوكهولم..وما أن تصل..إتصل بي كي نتحرك..أعتقد أنه لن يبقى هنا كثيرًا
-عاجله عز الدين بـ السؤال عنها:وماذا عن تلك الفتاه التي معه؟..أهى بخير!
-حك سام مُقدمة رأسه وقال بـ هدوء:هى بخير لا تقلق..تحدثت معها ولكنه أكتشف الأمر وقام بـ إختطافها

كور عز الدين قبضته بـ غضب..ثم هتف من بين أسنانه

-ذلك الحقير..يبدو أن عقابه لن يكون بـ هين

ثم أكمل حديثه

-هيا..سأستعد الآن وما أن أصل..أُريد أن أتحرك حتى لا يهرب
-حسنًا سيد عز..لا تتأخر سأكون بـ الإنتظار

أغلق الهاتف وألقى به إلى أنچلي التي هتفت بـ تعجب

-من هذا؟!
-وضع يده على عيناه وقال بـ برود:لا شأن لكِ...

نظرت له شزرًا وأخذت تُهمهم بـ كلمات غير مفهومة..وبعدها هتف هو

-هيا أنهضي وأخبري الطبيب أنني سأقوم بعمل الأشعة الآن
-تأففت وهى تنهض ثم قالت:حسنًا...

*************************************
-على جثتي يا يونس..من عاشر المُستحيلات أني أعملها...

وبعد عشر دقائق كانت يدها تُمسك تلك الإبرة التي عقمتها بـ إستخدام شُعلة..وقربتها من ذراعه..أخذت تُتمتم بـ تبرم

-منك لله..يارب حاسة إن قلبي هيقف
-هو أنتي بتعملي عملية زرع قلب..دا يدوب هتخيطي حرج صغير..أعملي زي ما علمتك من شوية
-نظرت له بـ حدة وتشدقت:بس..أسكت..أنا ممسكتش إبرة عشان أخيط فردةشراب..ولما أجي أمسكها أكون بيخط فـ جلد بني آدم!..

ضحك يونس كـ المعتاد وهو يهز رأسه بـ يأس منها..تشدق بـ هدوء كي يُلهي عقلها عما تقوم

-قوليلي بقى..أنتي خريجة كلية إيه!!

وبالرغم من أنه يعلم الجواب إلا أنه أراد أن يُشغل عقلها عن ذلك الخوف..أجابته بـ شيئًا من التوتر

-دار علوم
-أبدى يونس إندهاش مصطنع وهو يقول:بجد!!..أكيد ع كدا شاطرة فـ النحو...
-ردت عليه بـ عفوية:ولا أعرف الألف من كوز الدرة

قهقه يونس بـ قوة حتى أدمعت عيناه..تلك الفتاه تتفوه بـ كلمات لم يتوقع أنها تخرج من فتاه..لم تهتم بتول لضحكاته فـ عقلها مُنشغل بـ تقطيب الجُرح..بالرغم من إرتعاشة يدها وتعرقها..إلا أنها أبلت بلاًء حسنًا في تقطيب الجُرح...

إنتهت مما تفعله لتزفر بـ إرتياح وهى تمسح حبات العرق عن جبينها..ثم قالت

-أخيرًا
-مدّ بـ يده بعض الشاش الطبي قائلًا:طب كملي جميلك وحطي الشاش عليها...
-زفرت بـ ضيق وقالت بـ تذمر:كانت لازم تتعور فـ إيدك اليمين؟
-حاضر المرة الجاية هختار..أخلصي يا بلائئ

نفخت بـ قوة مُبدية حنقها من حديثه بـ تلك الطريقة..وبدأت في لفّ الشاش حول ذراعه..وما أن إنتهت حتى سمعت صوته الرخيم يقول

-شكرًا يا بتول..بجد عملتي إنجاز كبير
-قالت بـ فخر:خليك عارف إن دي أول مرة أعمل كدا...

ثم أشارت بـ سبابتها بـ تحذير

-وأعمل حسابك أخر مرة
-ضحك قائلًا:حاضر يا ستي

إعتدلت في جلستها وبدأ هو في إرتداء قميصه مرة أخرى..تجمدت يده عند أخر زر وهو يسمعها تقول

-يلا بقى أحكيلي...

*************************************

طرق عدي بـ خفة على الباب..ليسمع من خلفه صوت رجولي عميق يسمح له بـ الدخول..دلف عدي وأدى التحية العسكرية ثم قال بـ جدية

-سيادة العقيد سعد..ممكن أخد من وقت حضرتك!!

رفع سعد رأسه ونزع عن عيناه الرمادية نظارته الطبية..ثم أشار إلى عدي بـ يده وقال بـ هدوء

-إتفضل يا حضرة الرائد..أخبار يونس إيه؟!
-جلس عدي وقال:منا كنت جاي لحضرتك فـ كد
-أبدى سعد إهتمامه وقال:خير يا عدي!

إعتدل عدي في جلسته ثم تنحنح قائلًا

-سيف الكردي!
-عقد سعد حاجبيه وتساءل:ماله!..مش دا اللي إتسرح من وظيفته
-أيوة هو..سيف كان ظابط تحت التدريب مع يونس فـ أخر مهمة..

مط سعد شفتيه ثم أكمل حديثه

-أنا فاكر أنه إتعرض لصدمة مـ اللي حصل...
-هز عدي رأسه بـ نفي وأكمل بـ غيظ:الحيوان دا خاين..لا إتعرض لصدمة ولا دياوله..الكلب دا بيشتغل مع عز
-ردد سعد بـ ذهول:نعم!!..شغال مع عز؟..عرفت الكلام دا أمتى وليه مقولتليش؟!!
-الموضوع دا عارفه من سنتين وكل اللي فاكره أنه بيشتغل شغل ***مع عز..لكن لما قابلته النهاردة..عرفت أنه يعرف أكتر من كدا
-إزاي!!!

تنفس عدي عدة مرات..ثم عقد ذراعيه أمام صدره وأكمل بـ توضيح

-في بنت بتشتغل معانا..كانت بتجبلي أخبار سيف وعز..شغل وصفقات وحاجات من اللي قلبك يحبها..النهاردة قابلته ولاقيته عارف إن يونس عايش...
-سأله سعد:وهو عرف منين!!..أعتقد أنه ميعرفش من زمان
-رد عليه عدي:فعلًا هو ميعرفش من زمان..أنا قبل أما أجي لحضرتك راجعت التسجيلات والملفات اللي جابتهم البنت..و فـ وسط تسجيل سمعته بيتكلم معاها وبيحكي إن عز قاله يحاول يلاقي يونس...
-الكلام دا من أمتى!
-إبتلع عدي ريقه وأكمل:لما كان فـ الواحات..والناس هناك بصراحة قالوا اللي وصيتهم بيه..لا شافوه ولا يعرفوه

حك سعد ذقنه وقال بـ جدية وصلابة

-لازم تبلغ يونس وتعرفه إنه ميقعدش فـ السويد كتير..لازم يسافر أي بلد تاني
-عقد عدي حاجبيه وتساءل:طب ليه؟..المفروض يوصل لناس معينة هناك..وكدا مش هيعرف يكمل المهمة لو مشي
-وضح له سعد قائلًا:هنبلغ رجالتنا بـ معرفتنا إزاي يستدرجوا المشتري لنفس البلد اللي هيسافرلها يونس...

صمت قليلًا..وبعدها أكمل حديثه

-عز له معارف كتير فـ المافيا وأنه يفضل فـ نفس البلد مدة طويلة..دا خطر عليه وع اللي معاه..لازم يونس يسيب السويد خلال تمانية وأربعين ساعة..وجوده هناك هيتكشف..خصوصًا أنه أستخدم بيت أمن من بتاعنا
-جحظت عينا عدي وهتف بـ خوف:يعني إيه!!..وجوده إتكشف!..طب إزاي؟!
-مش مهم إزاي..المهم تتصرفله فـ هويات جديدة ومكان جديد نقدر نأمنله حماية..يونس ذكي أنا عارف..بس في أكتر من مؤسسة بتدور عليه..

نهض عدي من مكانه وقال بـ جدية

-أنا هبعت ناس ورا سيف فـ كل حتة..وهبدأ فـ الإجراءات فورًا

تحرك عدي وقبل أن يدلف..أوقفه صوت سعد هاتفًا بـ صلابة صارمة

-قول ليونس يرجع البنت..وجودها معاه خطر عليها وعليه..مش هينفع تفضل أكتر من كدا
-أغمض عدي عيناه وقال بـ جمود:حاضر يا فندم...

ثم أدى التحية العسكرية ورحل..أعاد سعد رأسه إلى الخلف وقال بـ شرود

-يا ترى يا عز أنت خايف من يونس أوي كدا ليه!..أكيد مش مجرد قرية قتلت أهلها..أكيد في سبب تاني...

***************************************

ضمت ساقيها إلى صدرها وظلت تنظر إلى الفراغ..تابعها يونس بـ أعين حزينة لما آلت إليه الأمور..هو لم يُخبرها الحقيقة كاملة وقد أُصيبت بـ تلك الحالة..فـ ماذا إن أخبرها حقيقة الأمر!!..مدّ يده يُملس على خُصلاتها بـ حنو ثم هتف بـ حزن

-عشان كدا مكنتش عاوز أقولك..كنت خايف على زعلك يا بنت السلطان

ولكنها لم ترد عليه..تنهد بـ ضيق..ثم أكمل حديثه وهو يُدير رأسها إليه

-بتول..مينفعش كدا..إدي رد فعل..سكوتك دا غلط..عيطي..كسري..أعملي أي حاجة..بس متفضليش كدا

أزاحت يده عن وجهها وبعدها تمددت توليه ظهرها..وتشدقت بـ جفاء

-عاوزة أنام
-لوى يونس شدقه بـ خيبة أمل..ولكنه قال بـ هدوء:طيب نامي جايز أعصابك ترتاح...

ثم نهض وجذب الغطاء عليها..دثرها جيدًا قبل أن ينحني بـ جذعه العلوي يُقبل رأسها بـ حنو..وتركها لكي ترتاح قليلًا..يعلم أن ما علِمته ليس بـ هين ويُصعب عليها تقبله..تنهد عدة مرات ثم دلف خارج الكوخ مُتجه إلى المدينة ليستطلع على بعض الأمور...

بعد مدة عاد ودلف إلى الكوخ..وجدها لا تزال نائمة..تنهد بـ إرتياح ثم إتجه إلى المطبخ ليُعد بعض الطعام فـ هو يعلم أنها جائعة...

نهضت هى بعد وقتٍ طويل..فركت عيناها بـ نُعاس ولكن قسمات وجهها كانت مُتجهمة..أزاحت عنها الغطاء ثم أنزلت قديمها عن الفراش..بحثت عنه بـ عينيها لتجده يقف موليها ظهره بالمطبخ...

عقدت ما بين حاجبيها وتوجهت ناحيته بـ خطًا خفيفة..وقفت خلفه ثم وضعت يدها على منكبه وتساءلت بـ خفوت

-بتعمل إيه!

إستدار يونس لها وعلى وجهه إبتسامة جذابة..ثم قال بـ سعادة

-أخيرًا صحيتي!!..
-هزت منكبيها بـ فتور ثم أعادت سؤالها:بتعمل إيه!
-بعمل أكل..أنا عارف إنك جعانة..

نظرت لذلك القدر على الموقد وتساءلت

-تحب أساعدك؟!
-رد عليها وهو يستدير:لأ أنا أصلًا خلصت
-براحتك

قالتها بـ فتور ثم رفعت نفسها وجلست على طاولة خشبية في أحد أطراف المطبخ..كان يونس مُتعجب من رد فعلها..نعم يشعر بـ جمودها وفتور حديثها ولكنه كان يعتقد أنها ما أن تفيق سوف تبكي كـ المرة السابقة..تنهد بـ يأس وهتف في نفسه

-هتجننيني يا بتول...

إنتهى من طهو الطعام وإستدار لها..ليجدها تُحدق بـ خاتم خطبتها..لم يتحرك ساكنًا وظل يُشاهدها مُنتظرًا لرد فعلها...

كانت تُحدق بـ خاتمها وعدة مشاعرة جمة تتزاحم في جوفها..تشعر بـ سواد في قلبها تجاهه..وكأنها لم تعرفه يومًا..من عشقته وظنت أنه أخر الرجال المحترمين لم يكن سوى شيطان..شيطان لم تتوقع أن يكون بـ هذا السوء..مشاعر وذكريات تدفقت في نفسها ولكنهم جميعًا إشتركوا في أحساس واحد..ألا وهو الكره..تغلظت ملامحها بـ قوة ونزعت خاتم خطبتها ثم قذفته بـ عنف في سلة المُهملات بـ جانبها...

رفعت أنظارها إلى يونس..لتجده يُحدق بها بـ عمق ومشاعر تعلمها جيدًا ..حدقت في بنيتاه بـ عمق وقالت

-معتش ينفع إيدي تتوسخ بـ وساخته..كان لازم أعملها من زمان..مكنش لازم أصدق حرف من اللي قاله...

وتسابقت عبراتها في النزول ولكنها كانت صامتة..لم ينتفض جسدها ولم تشهق روحها..فقط عبرات ملكومة بـ طعنات الخيانة..تقدم يونس منها وأزال عبراتها بـ إبهاميه..ثم قال بـ نبرة عذبة

-هو خدعني زي ما خدعك..أنتي طيبة وعشان كدا صدقتيه
-هزت رأسها نافية وقالت بـ سخرية مُتألمة:قصدك كنت غبية..

جذب رأسها إلى أحضانه..ليجدها تتشبث به كـ طفل يخشى فُقدان والدته..ثم همست من بين عبراتها

-يارتني قابلتك قبله..يارتني عرفتك قلبه...
الحب هو تلك اللحظة التي يحس بها المرء بأنه إنسلخ عن العالم...

ليعيش وحده مع الحبيب في عالمٍ بُني من الكلمات..وصُنع من أحاسيس..ورُصع بالأضواء

أزاحها بعيدًا عنه دون إستيعاب لما قالته بـ همس..أمسك وجهها بين راحتيه ثم تشدق بـ عذوبة

-كلنا بنغلط..كلنا بنغلط وبنتعلم..بس فـ حالتك أنتي مغلطتيش..أنتي وثقتي يا بتول..
-تنهدت بـ تعب ثم قالت بـ حزن:بس أنا وثقت فـ واحد مش بني أدم أصلًا..
-تحدث بـ صلابة مُصطنعة:خلاص بقى..إرمي ورا ضهرك عشان تعرفي تعيشي..

هزت رأسها بـ بطئ وهى تتنهد بـ حزن..حاول يونس تلطيف الأجواء فـ هتف بـ مرح

-وبعدين يلا الأكل اللي تعبت فيه هيبرد...
-ردت عليه بـ فتور:مليش نفس

جذبها من يدها دون الإلتفات إلى إعتراضها..وأجلسها بالخارج ثم تركها وإتجه مرة أخرى إلى المطبخ..وبعد مدة عاد ومعه صحنان متوسطان العمق وجلس أمامها..مدّ يده بـ الصحن الخاص بها وهتف بـ صرامة دون أن يلتفت لها

-الطبق دا كله يخلص..ومن غير إعتراض
-ردت بـ إستسلام:طيب

وشرعت في تناول الطعام دون شهية..كان يونس يُتابعها من طرف عيناه آسفًا لما آلت إليه الأمور..زفر بـ ضيق وألقى بـ ملعقته داخل الصحن بـ قوة جعلتها تعقد ما بين حاجبيها بـ تعجب..لتسمعه يصيح بها بـ حدة

-بتووول..كلي أحسنلك وشيلي أي هاجس من دماغك
-هتفت بـ حدة:أنا..آآآ

قاطعها وهو يُشير بـ كف يده ثم أكمل بـ شراسة

-فكرك أنا مش عارف بتفكري فـ إيه!!..

ترك صحنه ثم وضعه على الطاولة الخشبية أمامه..ثم ألتفت إليها وقال بـ جدية وحزم

-بصي يا بنتي..أنا عارف إن اللي عرفتيه مفيش حد يقدر يتحمله بس أحنا فـ وضع ميسمحلناش إننا نحط إيدينا ع خدنا زي المطلقين ونندب حظنا...

صمت يستشف نظراتها المُنكسرة..ليزفر بـ ضيق وغضب حارق..ألا تعلم أن تلك النظرات تحرقه!..تبعث في نفسه شعور بـ أن يقتل كل من يُؤذيها ويُظهر تلك النظرات التي يمقتها!!..أخفض نظراته يُخفي ذاك الغضب الممزوج بـ الحزن..ثم رفعها مرة أخرى وقد تحولت نظراته إلى الصلابة..ثم هتف بـ نبرة توازيها صلابة

-أسمعيني كويس..أنتي لما رميتي نفسك فـ حضني وقولتي هتيجي معايا وأنتي عارفة هنقابل إيه..خلتيني أحس أنك تقدري تساعديني..قولت أنها هتقدر تكون قوية..ودا اللي شوفته فـ الواحات...

نظرت إلى بحر عيناه بـ عمق تبحث عن صدق كلماته ولكنها لم تكن بحاجة..فـ حقًا من ينظر إليه الآن يرى نظراته العاشقة بـ وضوح..أكمل هو حديثه بـ جدية زائفة

-لو هتقعي فـ نص الطريق..لأ يبقى مع السلامة هنزلك مصر..أنا عايز لما مقدرش أحمي نفسي..ألاقيكي موجودة تحميني...

أغمضت عيناها لبرهة ثم فتحتهم مرة أخرى..كانت عيناها مزيجًا من العزم الذي شابهُ الإنكسار..هتفت بـ نبرة تكاد تكون قوية

-عشان خاطرك هحاول..

إنفرجت أساريره بـ شدة وإرتفع وجيب قلبه بـ حماس ليرد عليها بـ إبتسامة

-يلا بقى ناكل..دا أنا أول مرة أعمل أكل لواحدة
-أمالت رأسها إلى اليمين قليلًا ثم سألته بـ تعجب:أول مرة!!..أول مرة!!
-أماء بـ رأسه وقال بـ نفس الإبتسامة:أول مرة..أول مرة
-يعني محبتش قبل كدا؟!

هز رأسه نافيًا..ليجذب يدها ويُقبل باطن كفها بـ رقة أسارت في جسدها رجفة عنيفة جعلت مشاعرها تتأرجح في دوامة قربه الذي يبعث في نفسها إنذارات تُنبئها أنه يُشكل خطر عليها..بينما يونس أكمل حديثه وذلك اللئيم يعلم ما يحدث في نفسها

-لأ..أنتي أول واحدة قلبي دقلها...

**************************************

-ألو..أيوة يا سيف!
-رد عليها سيف بـ هدوء:أنزلي يا ورضة..عاوزك شوية
-سألته بـ توجس خفيف:خير في حاجة؟!
-إبتسم وقال بـ حب:لأ مفيش..بس وحشتيني وعاوز أتكلم معاكي

أغمضت عيناها بـ غضب..مُنذ قليل كانت في أعلى درجات سعادتها..والآن تدحرجت على درج الواقع..همست من بين أسنانها

-حاضر يا سيف..بس مش هينفع أتأخر
-وأنا مش هأخرك
-تمام

ثم أغلقت هاتفه وشرعت في إرتداء ثيابها المُكونة من كنزة ذات لون قُرمزي وأسفلها بنطال أسود من القُماش..خُصلاها عكصتها على هيئة جديلة فرنسة وضعتها على مكنبها الأيمن..أخذت هاتفها ودلفت إلى الخارج...

كان هو يجلس في سيارته يُفكر في لقاء عدي..ما الذي أتى به إلى هنا؟..قطع إسترسال باقي أسئلته..صوت طرقات على نافذة السيارة..لتشرق على وجهه إبتسامة..ترجل من سيارته و وقف أمامها..جذب يدها وقبل ظاهر كفها ثم قال بـ غزل

-كل مدى بتحلوي
-إبتسمت بـ إصفرار وقالت:مرسيه..مش يلا عشان وقفتي كدا غلط
-أماء رأسه بـ طاعة وقال:طيب يا ستي..يلا

صعدت إلى السيارة..رغم بُغضها مما يحدث وأنها تمقته..ولكن لا يحب إثارة الشكوك حولها..ستستمر بما تقوم به من أجل والدتها وعدي وقبلهم نفسها التي ضاعت في المُنتصف...

وبعد مدة وصلا أمام مطعم فاخر..ترجلا من السيارة وأستدار سيف ناحيتها ثم أمسك يدها..فـ تساءلت بـ تعجب

-أول مرة نيجي مكان زي دا..شكله غالي
-مفيش حاجة تغلى عليكي يا روحي..

أغمضت عيناها في محاولة لكبت غضبها..ونجحت بـ صوعبة في ذلك..وقبل أن يخطو بـ قدمه إلى الداخل..أوقفته بـ كلماتها الجافة

-متفكرش أنك كدا هتنسيني اللي عرفته..لأ دا قرف مقدرش أنساه...
-إغتصب إبتسامة على شفتاه وقال:مش القصد يا روضة..أنا بس آآآ..
-قاطعته بـ جمود:خلاص يا سيف..صدقني أنا مش قادرة أستوعب اللي حكيته..ويلا ندخل عشان متأخرش...

وسحبت يدها منه ودلفت أمامه..كان سيف يعض على شفتيه بـ غيظ وغضب..ظل يلعن غباءه الذي قاده إلى تلك الحالة التي وصل بها إليها..هى مُحقة لا يُنكر ذلك ولكنه يعشقها..ألا تستطيع أن تكون هينة معه!!!

*************************************

بعد أن تفحص العديد من الأوراق..وبعد وقتٍ طويل من العمل..إستطاع التوصل إلى أكثر الأمور أمنًا وأصعبها سهولة..ترك بعض الأوراق من يده ثم رفع سماعة الهاتف..ضغط عدة أزرار ث وقال بـ إقتضاب

- خلي الرائد يجي مكتبي

ثم أغلق الهاتف..أراح رأسه على ظهر المقعد وأخذ أنفاسًا عديدة..بعد دقائق دلف محمد الذي هتف بـ تعجب

-خير يا عدي !!
-أشار إليه عدي ثم قال:تعالَ بس إقعد

تقدم محمد من مكتبه وجلس على المقعد المُقابل لعدي..الذي إستطرد حديثه

-دلوقتي يونس يعتبر إتكشف..ولازم يسافر برة السويد
-إرتفع حاجبي محمد بـ دهشة وتشدق:بالسرعة دي!!..طب هتعمل إيه؟

شابك عدي أصابعه ثم وضعهم على المكتب وتشدق بـ جدية

-هقولك..دلوقتي لازم ندبرله طيارة يسافر بيها ألاسكا..تعرف تدبرلي واحدة!
-حك صدغه مُفكرًا ثم قال:هو فيه..بس من غير طيار
-أشاح عدي بـ يده وقال بـ لهفة:وهو دا اللي عاوز
عقد صديقه حاجبيه بـ عدم فهم ليوضح له عدي قائلًا

-هفهمك..أنا عاوز الموضوع يتم بعيد أصلًا عن أي حد..موضوع سفره ميعرفوش غيري وأنت والعقيد سعد..ومفيش حد رابع...
-هز رأسه مُتفهمًا ولكنه تساءل:طيب دي وفهمناها..أما الطيار هنجيبه منين!
-إبتسم عدي وقال:ما هو أنت اللي هتسوق
-ردد خلفه بـ بلاهه:أنا اللي هسوق؟!
-أه وليه لأ!..أنت واخد دورات فيها..فليه لأ!
-مش حكاية كدا..أنا بقالي كتير من ساعة أما كنت فـ الأكاديمية وأنا حتى مركتبش طيارة عادية..

تنهد عدي بـ نفاذ صبر ثم تشدق بـ نبرة هادئة ولكنها حادة

-يا بني أفهم..الموضوع مش عاوز حد يعرفه كتير..أنا مش هقدر أثق غير فيك..
-زفر محمد بـ ضيق ثم قال:حاضر يا سيدي..حاجة تانية!

حك عدي طرف ذقنه ثم قال بـ تريث

-أه..عارف خطيبة الكلب!!
-رفع مكنبيه وقال:ومين ميعرفهاش
-ضرب عدي على سطح مكتبه وقال:حلو..عاوزك تقنع يونس بـ أي شكل أنها لازم ترجع مصر...
-إتسعت عيناه بـ دهشة وقال:يعني هى معاه؟!.
-زفر عدي بـ حرارة وقال:أيوة يا سيدي..معاه من ساعة أما سافر..ولازم ترجع عشان وجوده إتكشف والوضع مش أمن خالص وهى هتروح فـ النص
-غمزه محمد بـ مكر وقال:إيه خايف عليها يا برنس!
-أشاح بـ يده وقال بـ نبرة غير مُكترثة:أخاف على مين..هى بس تهم يونس وعشان خاطره لازم أحميها وأحميه قبلها...
-إبتسم محمد وقال:ماشي يا عم..أنا تحت أمرك أنت وأخوك
-تسلم يا صاحبي...

نهض محمد ثم قال بـ جدية

-هروح أنا عشان أظبط حكاية الطيارة..والخروج من مصر من غير أما نعمل مشاكل..الموضوع ممكن ياخد يوم كدا..المفروض أتحرك أمتى؟
-مش أكتر من كدا..حياتهم مهددة فـ أي وقت
-رد عليه محمد بـ عزم:خلاص تمام..وأنا لو عرفت أخلص قبل كدا هبلغك...

ولم ينتظر رده ودلف إلى الخارج لكي يقوم بـ تلك الأمور..أراح عدي رأسه إلى الخلف وإبتسم بـ سعادة فـ صاحبه محمد يُعَد نعم الصديق..لم يخذله مرة بـ حياته...أخذ نفس عميق ثم قال

-كدا أنا لازم أفضى لعز الكلب دا..أما أشوف هيعملوا إيه ....

***************************************

إبتعدت عنه سريعًا..عن عيناه التي تأسرانها..عن لمساته الشقية التي تُلملم شظايا روحها المُفتتة..عن صوته العذب كـ السلسبيل..نهضت بـ توتر ثم قالت بـ نبرة مُتلعثمة

-آآ..أنا..أحم..هروح أعمل..شا..ي..أعملك!
-إبتسم من جانب فمه وقال:أعمليلي..عاوز أدوق الشاي من إيدك يا بنت السلطان...

تحركت بـ خطى مُتعثرة سريعة بعض الشئ..تزفر بـ ضيق ومن ثم همست

-هو إيه اللي عمّال يقوله دا!..ما يبطل يلعب بيا كدا...

ودلفت إلى المطبخ تحت نظراته المُستمتعة..عاد قلبه ينبض بـ حماس أنها ستكون له..سيأسرها كما أسرته..سيجعل حبه يغزو كل أنش بها كما غزته..يعلم أن الطريق طويل..أو ربما قصير وهى أمامه وبين يداه...

نهض خلفها بـ خفة رجل مخابرات..ثم دلف إلى المطبخ..سمعها تتأفف لأكثر من مرة وهو يُحاول كبح ضحكاته..كانت تبحث السكر..تفتح ذاك وتغلق هذا ومعهما تُطلق السباب..همهمت مع نفسها بـ تذمر

-يعني أنا لاقيت كل حاجة ما عدا السكر!..وبعدين إيه البيت العجيب دا!!

إقترب خلفها بـ هدوء ثم همس بـ جانب أُذنها بـ عبث


-وماله البيت العجيب دا!

صرخت بـ جزع..إلتفتت إليه وكادت أن تقع..إلا أن يداه الصلبة أحالت دون ذلك..إذ قبض على ذراعيها يجذبها بـ خفة إلى الأمام..لتقف على بعد ملليمترات منه..ثم قال بـ مرح

-اسم الله عليكي...
-عقدت ما بين حاجبيها بـ غضب ثم نهرته بـ حدة:ينفع كدا!!..إبقى أعمل صوت وأنت داخل..ولا قول أحم ولا دستور
-رفع حاجبيه بـ صدمة:أحم ولاّ دستور!!..أنتي منين!

إزدادت عقدة حاجبيها بـ غضب..ليقول هو بـ مزاح

-وبعدين أنا عملت صوت وأنتي عمّالة تشتمي ومخدتيش بالك مني
-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير ثم قالت:عيب كدا..متكدبش عشان الكداب بيروح النار..

هم أن يتحدث ولكنها قاطعته قائلة

-أنا بسمع كويس حتى شوف
-إبتعد عنها بـ ذهول:أشوف إيه يا منيلة!..يلا يا بت أعملي الشاي
-عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:مفيش سكر

إستدار خلفه وإقترب من تلك الطاولة..أمسك العُلبة ثم عاد إليها رامقًا إياها شزرًا

-خدي يا أسوّد أعمالي...

لوت شدقها بـ ضيق ثم جذبت منه العُلبة بـ حدة..وإلتفتت تُكمل ما بدأته..بينما هو يرمقها بـ نظرات تسلية..ثوان وكان هاتفه الآمن يدق..أخرجه من جيب بنطاله..ليجده شقيقه..دلف خارج المطبخ والكوخ بـ أكمله ثم ضغط على زر الإيجاب وتشدق بـ توجس

-خير يا عدي فيه حاجة!
-رد عليه عدي بـ جدية:يونس أنت لازم تسيب السويد فورًا..كشفوك

أغمض يونس عيناه ثم مسح على خُصلاته بـ عصبية..وقال بـ حدة

-قدامي أد إيه!!
-زفر عدي بـ ضيق وقال:مش كتير..بس لازم تتحرك من البيت اللي أنت فيه دلوقتي وتروح أي بيت تاني..بس بعيد عن المنطقة
-ومين اللي هيخفي البيت!
-أجابه عدي بـ هدوء:العقيد سعد هيتصرف..أما دلوقتي لازم تمشي من عندك..

حدث ما كان يخشاه..تم إكتشافهم بسهولة..كان يعلم أنها ستُمثل خطرًا كبير على قلبه قبل نفسه..أخذ نفس عميق يطرد تلك الهواجس ثم قال

-طيب هروح فين؟..
-حاليًا هتروح من السويد على ألاسكا..دا أأمن مكان عرفت أوفره
-والمشتريين؟!
-أجابه بـ نفس النبرة الهادئة:هنتصرف متقلقش..أهم حاجة تخرجوا بخير من السويد الأول وبعدين نتكلم فـ الموضوع دا...

وضع يونس يده في خصره بـ عصبية وهو يستمع إلى حديث شقيقه

-هبعتلك محمد كمان أربعة وعشرين ساعة كحد أقصى وهقولك قبلها ع المكان المناسب...

إستدار يونس ليجدها تقف خلفه تُحدق به بـ تساؤل..ليقول على عجالة

-طيب يا عدي..إتصرف وطمني..سلام دلوقتي...

ثم أغلق الهاتف وإتجه إليها..فـ عاجلته بـ سؤالها القلق

-في إيه يا يونس!
-أمسك يدها يجرها خلفه إلى داخل الكوخ:لازم نمشي من هنا حالًا...

**************************************

دلف سيف خارج المطعم يتأفف بـ ضيق..فهو كان يعمل على كسر ذاك الحاجز الذي بُني بينهم ولكنها كانت تُعامله بـ جفاء مخيف..صعدت السيارة وهو كذلك..أدار المحرك ثم قال بـ غيظ

-يعني لسه زعلانة!
-رمقته بـ غضب ثم قالت:أنت مسرقتش مني عشرة جنيه عشان تقولي لسه زعلانة...سيف أنا مش طايقة أتكلم عن الموضوع دا..قفل السيرة أحسن..

وأدارات رأسها ناحية النافذة تاركة إياه وعقله يكاد ينفجر من الغضب والإحباط معًا...

صدح صوت هاتفه ليجد عز الدين هو المُتصل..تأفف عدة مرات..جعلتها تلتف إليه بـ تعجب..وضع الهاتف على أُذنه ثم تشدق بـ فتور

-عاوز إيه!
-أتاه صوت عز الغاضب:حالًا يا سيف تكون عندي..حالًا
-عقد ما بين حاجبيه وتساءل بـ ثقل:خير!
-صرخ عز الدين بـ عصبية:مش خير..فيه إن يونس الـ*** دا ستوكهولم..ولازم نلحقه قبل ما يختفي

إرتفع حاجبيه بـ دهشة وإستدار بـ رأسه إلى روضة التي طالعته بـ إستفهام..ليُكمل هو حديثه بـ تساؤل
-عرفت منين!
-أجابه الأخر بـ نفاذ صبر:مش مهم عرفت منين..لازم تيجي دلوقتي..خلينا نتهبب نلحقه
-أخرج سيف زفيرًا من فمه وقال:طيب..هوصل روضة وأجيلك
-يوووووه...متتأخرش

ثم أغلق الهاتف في وجهه..قذف سيف الهاتف بـ عصبية..تابعته روضة بـ فضول ولكنها آثرت الصمت حتى لا تُثير شكه..إلتفت إليها ثم قال بـ إعتذار

-معلش يا روضة..هضطر أنزلك هنا عشان رايح لعز
-هزت رأسها بلا مُبالاه وقالت:عادي..هاخد تاكس وأروح...

ثم أكملت بـ تساؤل

-هو فيه حاجة!

صف سيارته بـ جانب أحد الأرصفة ثم قال بـ فتور

-عز عرف يونس فين..وهنسافر دلوقتي

شحب وجهها وإتسعت عيناها دهشة..إبتلعت ريقها بـ توتر ثم سألته بـ نبرة ثابتة نسبيًا

-طب وهتعملوا إيه!
-رد عليها بـ شيئٍ من البرود:يا هنقتله..يا عز هيتصرف معاه
-أنتوا عصابة...

قالتها بـ عدم تصديق ثم ترجلت من السيارة مُسرعة..ولحسن حظها وجدت سيارة أجرة فارغة..أشارت لها ثم أستقلتها..لم تنظر في أثره ولم تُعقب...

أخرجت هاتفها ثم هاتفت عدي بـ صوتٍ خفيض فقد تعلمت منه ألا تثق بـ أحدٍ بتاتًا..ثوان وأتاها صوته العميق

-أيوة يا حبيبتي خير!
-همست روضة بـ خوف:مصيبة يا عدي..
-إنتفض عدي من مجلسه وتساءل بـ قلق:في إيه فهميني!
-عز عرف مكان يونس..وأخد سيف وهيسافروا دلوقتي...

****************************************

تركها في مُنتصف الصالة وأخذ يُلملم حاجياته..وهى تقف تُتابعه بـ أعين خائفة..وقف أمامها ثم أعطاها حقيبةً ما وقال

-غيري هدومك دي بـ الهدوم دي عشان لو جرينا..وهتلاقي فيها كوتشي..يلا مستنيكي بره...

ولم ينتظر حديثها ودلف إلى الخارج..كانت تنظر إلى الحقيبة تارة وإليه تارة..هزت منكبيها بـ قلة حيلة ثم شرعت في إرتداء ثيابها..والتي كانت عبارة عن كنزة طويلة تصل إلى بداية فخذها من اللون الرمادي الداكن وبنطال رياضي أسود..وإرتدت الحذاء الرياضي..ثم خرجت إليه وقالت

-أنا جاهزة..

كان هو الأخر أنتهى من إرتداء ملابسه التي شابهتها..تقدم منها ثم قال بـ جدية

-ناسية حاجة؟
-هزت رأسها بـ لا وقالت:دا أنا حتى جبت فستاني
-كويس..يلا...

ثم جذبها من يدها وتحركا وسط الأشجار بـ خفة ومهارة..كانت تتبعه بـ سكون..ظلا أكثر من ساعتين يسيران حتى قالت وهى تستند على رُكبتيها

-خلاص نستريح شوية..أنا تعبت
-أماء بـ رأسه وقال:طيب بس مش أكتر من عشر دقايق

هزت رأسها بـ موافقة ثم جلست على صخرةٍ ما..وجلس هو بـ جانبها تشدقت هى لكسر هذا الصمت

-هو أحنا سبنا البيت دا ليه!..إحنا مكملناش يوم
-زفر هو بـ ضيق:وجودي إتكشف ولازم نتحرك بسرعة

نظرت له بـ عدم فهم..ليوضح لها قائلًا

-بعد اللي حصل فـ الحفلة أظن أنهم كشفوني

نظرت بتول إلى الفراغ بعض الوقت ثم هتفت بـ شرود

-مش أنت اللي إتكشفت
-نظر لها بـ عدم فهم:يعني إيه!!
-إبتلعت ريقها بـ صعوبة ثم قالت:لما..اللي اسمه سام دا أخدني الأوضة..قالي..قالي..أن عز محظوظ بيا

إنتفض يونس بـ قوة وتشدق بـ غضب

-أنتي بتقولي إيه!
-أدمعت عيناها وقالت بـ نشيج:قالي أنه يعرف عز..مش سام دا واحد مش كويس!!

سباب لاذع خرج من بين شفتيه وأخذ يزفر بـ غضب..جلس بـ جانبها مرة أخرى وأمسك يدها..ثم هتف بـ نبرة حادة

-خلاص يا بتول متعيطيش..أكيد عز عرف أنتي فين دلوقتي

رفعت عيناها إليه بـ صدمة وقد إرتفع وجيب قلبها بـ رعب..شهقة عنيفة خرجت منها وهى تهتف بـ يونس

-هو..هو هيجي ياخدني!!

إنطلقت من عيناه شرارات غاضبة..كور قبضته بـ حنق حتى برزت عروقه..بينما هى لم تتوقف عن البكاء..نظر إليها ليجد جسدها يرتعش بـ قوة والتي لم تكن تلك الإرتجافة إلا ومصدرها الخوف..لم ينتظر ثانية أخرى وجذبها في عناق حنون يُهدئ روحها المُلتاعة..ثم قال بـ نبرة تحمل العزم

-مش هسمحله يلمس منك شعرة..مش هسمحله ياخدك مني..
-لفت يدها حوله وقالت بـ بكاء:مستبنيش يا يونس..أنا خايفة أوي..خايفة منه أوي
-مسد على خُصلاها بـ حنو وهتف بـ دفئ:مش هسيبك..أنا روحي إتعلقت بيكي...
*********************
والقلب يهواكي
والعين تعشق رؤياكي
انتي نبض قلبي
انتي نور عيني
انتي رفيقه دربي
انتي نصفي الاخر
سأظل احميكي حتى اخر عمري حبيبتي
انتي نبض به احيا
انتي من أفقد أمامها عقلي ويصبح قلبي من يقودني ...
كل الطرق توصلني إلى طريق عشقك
يا اسم اجمل من الجمال نفسه

رغمًا عنه غفى..فقد نال منه التعب مبلغه..بينما بقيت هى تُشاهده..إتخذت وضع القُرفصاء تستند بـ مرفقيها على رُكبيتها وراحتي يدها أسفل وجنتيها..كانت تبتسم وهى تتأمل معالمه الساكنة بـ الرغم من التعب والإجهاد الواضح على ملامحه..إلا أنها إحتفظت بـ سيمتها الرجولية..ذقنه النامية التي نبتت بها بعض الخُصلات البيضاء جذبتها لكي تتلاعب بها فـ مدت يدها وأخذت تعبث بها...

كان يشعر بـ تلك اللمسات الرقيقة على وجهه..ولكن أنبأه عقله أنها حُلم..أو ربما أجمل حُلم قد يراه وهى تعبث بـ ذقنه والتي من المؤكد بات يعشقها الآن..ومع إستمرار تلك اللمسات إرتخت معالمه المُتعبة وإستغرق في نومٍ أعمق..إبتسمت هى بـ راحة ما أن لاحظت إرتخاءه ومن ثم همست بـ لطف

-نام يا يونس..أنا هفضل جمبك وأحميك زي ما أنت بتعمل بالظبط..دا أقل شئ أقدمه ليك...

إعتدلت في جلستها وإتجهت جانبه..جذبت رأسه لتُلقيها فوق منكبها..وبـ يدها وضعتها على خُصلاته القصيرة..وأراحت هى الأخرى رأسها فوق رأسه وغاصت معه في ذلك الحُلم الذي عاد يجمعهما بـ مشاعر يونس الواضحة ومشاعر بتول التي بدأت تُزهر في قلبها له...

**************************************

هبّ واقفًا ما أن سمع عبارتها وردد خلفها بـ ذهول غلفه الغضب

-أنتي بتقولي إيه!..عرفتي منين ياروضة؟!
-ردت عليه روضة بـ خفوت:لما كنت معاه من شوية..هو قالي

ضرب بـ قبضة يده على سطح مكتبه ثم هتف بـ صوتٍ جهوري

-نعم ياختي!..كنتي معاه فين إن شاء الله!
-إرتبكت روضة ولكنها تشدقت بـ تأفف زائف:أنت فـ إيه ولا فـ إيه!..إتصرف قبل ما يحصل لأخوك حاجة
-كز على أسنانه بـ حنق ثم قال بـ صلابة:ماشي يا روضة..حسابنا بعدين..أما بخصوص سيف الكلب دا..مفيش شغل ولا هتشوفيه تاني...

و دون أن ينتظر ردها أغلق الهاتف بـ وجهها..نظرت هى إلى الهاتف بـ ذهول وتمتمت بـ سخط

-إيه هو دا!..دا بدل ما يشكرني!!..

وضعت يدها في خُصلاتها وأخذت تعبث بها بـ عنف وأخذت تُحدث نفسها بـ غيظ

-وبعدين مش هينفع أسيب كل حاجة وأهرب..زي ما بدأت لازم أنهي...

وبعد ثوان وجدت هاتفها يصدح..أخذته سريعًا وقد ظنت أنه عدي. لتفتح الخط دون النظر ثم قالت بـ نبرة ظافرة

-أكيد إتصلت عشان تعتذر!
-أفندم!!

وصلها ذاك الصوت الرجولي الغريب عن صوته العميق..لتتنحنح بـ حرج وقد تخضبت وجنتيها بـ لونٍ ورديٍ باهت وقالت

-أحم..سوري. مين معايا؟
-رد عليها الأخر بـ هدوء:أنا دكتور رضا..المشرف على حالة والدتك
-هبت واقفة وهى تتساءل بـ خوف:ماما جرالها حاجة؟!
-نفى الطبيب قائلًا:لأ أبدًا مفيش حاجة..بالعكس دي صحتها إتحسنت

تنفست روضة الصعداء وهى تُتمتم بـ الحمد..ثم تساءلت

-طب خير يا دكتور!
-أجابها بـ جدية:والدتك طالبة تشوفك..تقدري تيجي!!

جذبت حقيبتها وإتجهت ناحية الباب ثم قالت

-أنا جاية أهو...

*************************************

ترجل سيف من السيارة وإتجه ناحية المنزل الخاص بـ عز الدين..تركه الحرس يدلف فـ قد أمرهم عز الدين ما أن يصل حتى يدعوه يدلف..كان يتفحص المنزل وحرسه بـ نظرات هازئة وأستخفاف...

تتطلع أمامه ليجد عز الدين يتوجه إليه وهتف به بـ غضب

-أتأخرت كدا ليه!
-وضع يديه في جيبي بنطاله وقال بـ برود:كلمتني..جيت..متأخرتش بمزاجي يعني..أنا مش راكب طيارة

تأفف عز الدين ثم جذب سيف من مرفقه إلى الداخل..دلف سيف ليجد العقيد رفعت جالسًا..ليفتح سيف كِلا ذراعيه وقال بـ ترحيب ساخر

-باشا...رفعت بيه ذات نفسه هنا..لالالالا الموضوع كبير بقى

رمقه رفعت بـ إشمئزاز ولم يرد..بينما دفعه عز الدين ليجلس ثم تشدق بـ تحذير

-إتكلم عدل أحسنلك يا سيف
-جلس سيف واضعًا قدم على أخرى وقال بـغرور:والله أنتو اللي عاوزيني مش العكس..فـ أتكلم براحتي

تجاهله رفعت والذي يمقته سيف كثيرًا فـ هو أحد الأسباب الرئيسية في زجه بـ تلك الهوة القذرة..توجهت نظرات الأول إلى عز ثم قال بـ جمود

-حاليًا مقدامكش غيره عشان تطلعوا من البلد بدون علم حد

رفع سيف أحد حاجبيه ولم يتحدث..فـ أكمل رفعت حديثه

-مش هقدر أتواصل مع السفارة فـ السويد..أو أي حد مهما كان عشان يمنع يونس أنه يتحرك بره البلد...
-يعني إيه!

كان هذا السؤال صادرًا عن سيف فـ أوضح رفعت حديثه

-يعني يونس فـ نظر الكل ميت وشبع موت من سنتين..ولما أطلع أنه عايش فجأة يبقى أكيد في حاجة غلط..يونس مش ظابط مخابرات عادي ولما يتمسك ويتعمل معاه تحقيق كامل..ودا من مصلحته ع فكرة
-تشدق عز الدين بـ عبوس:مصلحته من حيث إيه!
-تولى سيف الرد قائلًا بـ نبرة ساخرة:معاه كل الأدلة اللي توديك فـ داهية..أو تودينا بمعنى أصح..وبـ كدا إنقلب السحر على الساحر

حك عز الدين صدغه بـ عنف ثم هتف بـ إنفعال

-يعني إحنا محصورين فـ خانة السفر السري..

-أماء رفعت بـ رأسه وقال:بالظبط كدا..ولازم تتحرك عشان لو عرف مش هتلحقه..

نهض رفعت وتبعه الأخرين..ليقول وهو يتحرك بـ جدية وصرامة

-لما توصل السويد ولو عرفت تمسك يونس..هاته هنا حي..فاهم يا عز!..أنا عاوزه حي...
ثم رحل ليبقى سيف و عز الدين..نظر سيف إلى الأخير ثم قال

-هو أنت ليه مفكرتش تختطف حد من أهله!..مثلًا أخوه أو أي حد تجبره يرجع!
-كور عز الدين قبضته وتشدق بـ قتامة:مش عاوزه يجيلي مجبور..أنا عاوز أستمتع بـ نصري وأنا بجيبه من قفاه وأفرمه تحت رجلي...

****************************************

إستيقظت من إغفاءتها الصغيرة على صوت هاتف يصدح من تلك الحقيبة..أزاحت رأسه عنها بـ بطئ..ثم توجهت سريعًا لتلتقط الهاتف على عجالة حتى لا يستيقظ..وأجابت بـ خفوت

-أيوة!!
-أتاها صوت عدي المُتعجب:مين معايا!

إبتعدت عدة خطوات حتى تتحدث بـ الهاتف..وقفت على مسافة صغيرة وتساءلت

-أنت عدي!

أغمضت عدي عيناه بـ ضيق فـ لم تكن سوى تلك المدللة في نظره..ثم قال بـ توبيخ

-فين يونس!..وأنتي بتردي عليا بصفتك إيه؟
-نفخت بـ حنق وقالت بـ عصبية:يونس نايم تعبان ومرتضش أصحيه..ثانيًا أرد بصفتي إيه!..أرد بصفة إن أخوك بيثق فيا...

صمتت تستعيد أنفاسها فـ قد تحدثت بـ عجالة ودون توقف..ثم أكملت بـ فظاظة

-عاوز تقول أنت عاوز إيه أهلًا و سهلًا..مش عاوز وريني جمال قفلتك..
-هدر بـ حدة:أتلمي يا شبر ونص أنتي..وأحترمي نفسك
-صرخت هى الأخرى:أنا شبر ونص يا ظابط على متفرج!!

تأفف عدة مرات بـ صوتٍ عال مُشبع بـ الغضب..أغمض عدي عيناه وأخذ يستدعي الهدوء..ثم تشدق بـ صلابة

-بلغي يونس إنه مفيش وقت..لازم تتحركوا على موقع هبعتهوله كمان شوية..سمعاني!
-تساءلت بـ خوف:ليه؟!
-تجاهل نبرتها الخائفة وقال:عشان عز جايلكم حالًا..ومش ناوي خير

رُغمًا عنها إرتعشت يداها هلعًا..وقد تيبست قدميها بـ مكانها فلم تقدر على الحركة..تشدق عدي بـ جدية دون أن ينتبه إلى سكونها وصوت تنفسها الذي إرتفع

-دلوقتي تتحركوا وتخليكوا بعيد عن العين..

لم ترد عليه..لتسمع صوته يُكمل بـ جفاء

-إبعدي عنه..أنتي هتتسببي فـ موته..إرجعي لخطيبك وسيبه فـ حاله عشان لو حصله حاجة مش هتفكيني فيكي روحك...

وأغلق الهاتف في وجهها دون أن ينتظر حديثها..وكأنه لم يقتلع روحها من جسدها بـ كلماته..تهدلت يدها عن أُذنها ليسقط الهاتف من يدها..تبعته وهى تسقط على رُكبيتها تبكي بـ قهر وخوف..ماذا إن وجدها عز!..وماذا إن أخبرته أنها تعلم عنه ما إقترفته يداه من آثام؟..بالطبع سيكون مصيرها مثل يونس المسكين..ولكنها ستُعاقب بـ القتل فـ شخص مثل عز لا يعرف الرحمة...

ظلت تبكي لمدة لا تعلم طولها..ولكنها حسمت أمرها أنها ستبتعد عنه..هو لا يستحق أن يموت فداءً لها..نهضت تمسح عبراتها عن وجنتيها ثم إتجهت إليه..كان لا يزال غافيًا أو هكذا خُيل إليها..وضعت الهاتف بـ الحقيبة وأعادتها مكانها بـ جواره..إنحنت بـ جذعها العلوي لتتأمل ملامحه عن كثب..تعلم أنها ستشتاق إليه..ذاك الحاجز الأمني الذي يذرع بـ داخلها الأمن في كل أوقاتها سيكون كـ الشوكة التي تنغرز في صدرها فـ يُصيب قلبها بـ نزيف..سقطت عبرة من عينيها لتتخذ سبيلها على صدره..ثم هتفت هى بـ صوتٍ مبحوح

-لازم أبعد عشان سلامتك..عز مش هسيبك عايش..أنت متستاهلش كدا...

ضحكت من وسط بُكاءها الحار وأكملت بـ همس

-أنا بلاءك الأسود زي ما بتقول..بس مش عاوزة سوادي دا يتسبب فـ دمك..أنت غالي على قلبي أوي يا يونس...

ملست على وجنته بـ رقة غافلة عن ضربات من تُحدثه التي أخذت تتراكض في قفصه الصدري..تشنج جسده أسفلها وتصلبه..لتُكمل حديثها

-أكتشفت أني ولا حاجة من غيرك..حسيت ناحيتك بـ الأمان من أول مرة شوفتك..أنت أمان لأي حد..الأصل اللي ملوش صورة..أنا مش عارفة أفسر مشاعري اللي قلبتها فـ كام يوم ناحيتك بـ إيه..بس كل اللي أقدر أقوله أنها أكبر بكتير من اللي حسيته لعز...

أنهت حديثها ثم إعتدلت بـ جذعها وركضت سريعة...

فتح هو جفنيه بغتةً..ثم نهض واقفًا..لا يكاد يستوعب نصف ما قالته تلك الصغيرة..وضع يده على رأسه يشد على خُصلاته بـ عنف حتى كاد يقتلعه..تأتي وتقول بما يقلي رأسه على عقب ثم تهرب...

وعن تلك النقطة توقفت حواسه..أهربت وتركته حقًا!..شعر بـ أن روحه قد أُنتزعت عنوة عنه وهو يُجاهد في الإحتفاظ بها..وضع الحقيبة على ظهره..ثم ركض خلفها في إتجاه ما إتخفى صوت شهقاتها فيه...

ظل يركض وحدقتيه تبحث عنها كـ المجنون..حتى وجدها تتكوم على نفسها أسفل شجرة تبكي بـ نشيج..قذف الحقيبة بـ عنف وإتجه إليها وقد بدى على وجهه إمارات الغضب..تفاجأت به وقبل أن تُبدي أي رد فعل..وجدته يقبض على ذراعيها بـ قوة آلمتها ومن ثم سمعت صوته الجهوري يهدر

-عاوزة تسبيني يا بتول وتمشي!..عاوزة تسبيني لوحدي بعد ما لاقيتك!..

كان يسألها وهو يهزها بين يده بـ عنف حتى تناثرت خُصلاتها وتحول وجهها إلى كُتلة من الإحمرار..ولم تكد تتحدث حتى وجدته يُكمل حديثه بـ نبرة شرسة

-متفكريش ولو للحظة بينك وبين نفسك أنك تسيبني..فاهمة؟!..مش هتسبيني يا بتول

وضعت يديها على ذراعيه توقفه عما يفعل..ومن ثم هتفت بـ ضعف

-خايفة عليك..خايفة يقتلك..وساعتها مش عارفة أنا هعمل إيه

أغمض عيناه بـ غضب ومن ثم جذبها إلى صدره يطوقها في عناق حنون عكس موجة الغضب والضياع التي هاجمته مُنذ قليل..ليهتف وهو يضع رأسه في خُصلاتها

-بعادك عني هو اللي يقتلني...
-إلتفت يديها حوله وهى تقول بـ نشيج:أنا مش عيزاه يأذيك

أبعدها عنه وأخذ يزيل عبراتها التي تسيل على وجنتيها كـ سيل..ثم قال بـ نبرته العذبة

-خليكي جمبي ومتفكريش فـ حاجة تانية..ممكن!!

أماءت بـ رأسها وهى تبتسم..حدق هو بـ بنيتاه في غاباتها والتي بدت أكثر صفاءًا عما قبل بـ الرغم من تجمع تلك الشعيرات الدموية..كانت عيناه تتحدث حديث أبلغ من أي لغة..وهى فهمته على الفور فـ ذلك القلب اللعين قد تناسى حب أو ربما ما يُقال بـ أنه حب..وخفق من جديد لأجل ذلك اليونس الذي إقتحمها على الفور دون سابق إنذار...

وفي ثوان لا يعلم ما حدث كانت الرصاصات تنطلق من حولهم وكأنها أبواب جهنم...
*********************
كيف تُقنع إمرأة تُحبها..بـ أن في قلبك حُبًا آخر لا يُناقض حُبها؟...

وبخاصة إذا كان هذا الحُب الأخرمما يتحتم عليك مُجابهة العدو..مُجابهة القتل...

كانت الرصاصات تندفع من كل جانب ولم يستطع كُلًا من بتول و يونس الحراك..كل ما فعله أنه إحتضنها بـ قوة دافنًا رأسها بـ صدره ويداه تلتف حولها وتشتد عليها علها تستطيع إدخالها بين أضلعه..وبالمثل تشبثت هى به وأخذت تبكي بـ خوف وتهمس بـ هذيان

-عز هنا وهيقتلنا..عز هيقتلنا

لم يرد عليها يونس بل أخذت عيناه تبحث عن مخرجًا ما وسط تلك الأمطار التي تنهال عليهم..وبالفعل وجد ثغرةً ما دون أن يعرضها إلى الخطر..أبعدها عنه وحاوط وجهها بـ راحتيه وقال بـ صرامة

-إسمعيني يا بتول..مفيش وقت قدامنا..هنجري من هنا

ثم أشار إلى أحد الإتجاهات وأكمل حديثه

-هتجري بـ كل قوتك ومهما حصل متبطليش جري..تمام!

لم ترد عليه..ليهزها هو بـ قوة هاتفًا بـ صراخ

-تمام؟!

هزت رأسها عدة مرات بـ هستيرية..أمسك يدها وجذبها خلفه وأخذا يركضان والرصاصات تُلاحقهم..كان يونس يركض في إتجاهات مُلتوية حتى يُشتت ذهنهم..توقف يونس فجأة..ثم إلتفت إلى بتول قائلًا بـ أمر

-أستخبي ورا الشجرة دي بسرعة ومن غير أسئلة..
-طيب

قالتها بـ ذعر وطاعة..ثم إتجهت هى إلى تلك الشجرة وإختبأت خلفها..توجه يونس إلى إحدى الشجيرات الصغيرة وجذب أحد أفرع تلك الشجيرة بـ قوة..ثم إختبئ ينتظر قدومهم...

كان إطلاق الرصاص قد توقف وبدأت المجموعات بـ الإنتشار..إقترب من مكان يونس مجموعة تكونت من أربعة أفراد يحملون الأسلحة وملثمون الوجه..تقدم إثنان منهم من مكان تواجد يونس..أخذا يتحركان بـ بطئ وحركات محترفة حتى وصلا أمام تلك الشجيرة..وعلى حين غرة تركها هو لتصطدم بـ الرجلين لتُطيح بهما أرضًا..وبسرعة البرق كان يونس يجذب من أحدهما السلاح الخاص به و أرداهما قتلًا بـ رصاصتين بـ الصدر...

على صوت طلقات الرصاص..إقترب الأخران ركضًا ليجدا رفيقيهما قد قُتلا تحدث أحدهم بـ حدة وحذر

-إحذر ذاك الوغد...

وما أن أتم عبارته وكان هو والأخر..يسقطان جثتان هامدتان..قفز يونس من فوق شجرة عملاقة ثم قام بـ وضع بعض الأفرع وأوراق الأشجار الكبيرة فوقهما وأخذ منهما ما يحتاجه من أسلحة وذخيرة...

إتجه إلى تلك التي تُحيط جسدها بـ رعب وتبكي بـ أنين خافت..ليضع يده على منكبها فـ إنتفضت مذعورة..فـ هدئها قائلًا بـ حنو

-متخافيش دا أنا..أهدي
-بكت بـ قوة أكبر وقالت بـ جزع:أنا خايفة أوي..عز هيقتلنا
-ربت على وجنتها وهتف بـ نبرة حازمة:مش هيلمس منك شعرة..دا وعد مني يا بتول..أنا هحميكي..

ثم أمسك يدها وأكملا الركض لتهتف هى بـ تعجب

-أومال فين الشطنة!

توقف يونس على حين غرة..ثم وضع يده على ظهره ليتفاجأ بعدم وجودها..أغمض عيناه بـ غضب وأخذ يُتمتم بـ سباب..فـ قد نسى كل شئ في سبيل حمايتها والآن سيذهب كل ما قام به سدى إذا أختفت تلك المعلومات..لابد أن يعود ويسترجع تلك الحقيبة..وبـ ذات الوقت لا يستطيع تركها..أخذ يُفكر في حلٍ ما ليرفع رأسه ويُحدق بـ تلك الشجرة العملاقة كثيرة الأوراق..نظر لها مرة أخرى ثم قال بـ نبرة آمرة لا تحمل التردد

-هتطلعي الشجرة دي وتختاري أكتر مكان متكونيش واضحة فيه..وتستخبي فيه..يلا بسرعة

ثم دفعها بـ إتجاه الشجرة وهى تتساءل بـ خوف

-وأنت هتروح فين!
-عاونها على التسلق وأكمل:لازم أجيب الشنطة..دا فيها كل حاجة مهمة..يلا يا بتول بسرعة..

توقفت في مُنتصف المسافة وقالت بـ نشيج

-متتأخرش يا يونس
-إبتسم إبتسامة لم تصل إلى عيناه:مش هتأخر يا روح يونس...

ثم ركض بسرعة البرق حتى ينقذ ما يستطيع إنقاذه..تاركًا خلفه تلك البائسة تبكي خلفه وقلب يرتعد من اللاعودة...

****************************************

بالرغم من حالته الصحية ولكنه أصر على الحضور..كان يجلس بـ إحدى السيارات وبـ جانبه أنچلي التي ظلت تنظر له بـ غرابة..وهو يُحدق بـ جمود تلفح بـ إنتشاء..سألته بـ خفوت دون النظر إليه

-وماذا بعدما تجده!
-أجابها وهو يبتسم إبتسامة أبرزت نواجزه:سأرد إليه ما قدمه لي..ولكنني سأقدمه بـ بذخ...
-عقدت حاجبيها وتساءلت:ماذا تقصد؟!

إلتفت إليها بـ كامل جسده وقال بـ نبرة تُشبه فحيح الأفاعي

-تلك الجنية الصغيرة..قطعة الماس اللامعة تلك..أُريد أن أتذوقها
-إرتفع حاجبيها بـ دهشة وعيناها تجحظان بـ شكلٍ مُرعب..ثم همست بـ عدم تصديق:أتعني...!!!

إبتسم بـ شيطانية حتى برزت أنيابه ثم قال نبرة لا تختلف

-بلى..أعني ما لم تستطيعي قوله..سأفعلها لأنني أعلم كم يعشقها..وأنا....

وترك جُملته مُعلقة ثم أخرج هاتفه وإتصل بـ عز الدين..ثوان وأتاه صوت عز الدين..ليقول سام بـ خبث

-لقد وجد غريمك سيد عز
-أتاه صوت عز المُتلهف والحازم في آنٍ واحد:حقًا!..إذًا لا تقترب منه..فقط أريده حيًا..أريده حيًا يُرزق...
-كما تأمر..ولكن لا تتأخر فهو شُعلة من الذكاء...

ثم أغلق هاتفه و وضعه في جيب سترته ولم يتحدث مع أنچلي التي لم تلقَ بالًا له..بل كانت تُفكر في طريقةٍ ما من أجل إخراج يونس من تلك المُعضلة...

***************************************

جلس رفعت أمام العقيد سعد بـ برود..وكذلك الأخير فـ هو يعلم كيفية التعامل مع ذاك الخائن..تشدق الأول قائلًا بـ نبرة باردة كـ برودة الثلج

-إيه يا سيادة العقيد..هتفضل تبصلي كتير!!
-مط سعد شفتيه وقال:لحد أما تتكلم أنت يا رفعت باشا

مط شفتيه هو الأخر وقال بلا مُبالاه

-وأنا معنديش حاجة أقولها يا سعد باشا

أخرج سعد لُفافة التبغ وقام بـ إشعالها ثم أخرج زفيرًا مُحمل بـ تلك السحابة الرمادية المُلوثة..ثم قال بـ تحذير ماكر

-عمتًا يا رفعت كل اللي بتعمله مش هيأذي غيرك..سيادة الوزير مش هتردد ثانية أنه يبيعك..
-ضحك رفعت ملئ فاه وقال بـ سخرية:طب قول كلام معرفهوش

عقد سعد ما بين حاجبيه..ليُكمل رفعت حديثه

-زي ما بسيتفيد..أنا بستفيد..لما يفكر يبيع..هكون أنا سبقت..
-إيه اللي خلاك كدا يا رفعت!

رمقه بـ سخرية حادة..قبل أن يقول بـ ثورة غاضبة

-مش عارف إيه اللي خلاني كدا!..سنين قضتها فـ خدمة البلد وفـ الأخر إيه!..ولا حاجة ولا أي حاجة...

صمت قليلًا..وبدا سعد ساكنًا يتابعه بـ هدوء..فـ أكمل رفعت بـ شراسة

-قتل..وخيانة..فساد..ابني اللي إتقتل غدر دا..دمه فـ رقبة مين !!
-ضرب سعد سطح مكتبه بـ عنف وهدر:القتل و الفساد والخيانة..مين كان سببهم!..اللي بيخونوا وبيقتلوا البشر إحنا مش البلد..البلد مش بني أدم عشان تعمل اللي بيعمله...
-وكذلك صرخ رفعت:هددونا..وعذبونا وعملوا فينا اللي ميتعملش..
-بالمقابل رد سعد بـ هدوء:اللي ضميره عليه رقيب..مش هيخاف حد..أنت هتقابل ربنا دلوقتي أو بعدين..أعمل حساب وقفتك قدامه...

صمت رفعت بينما أكمل سعد حديثه بـ هدوء رزين
-أحنا معدناش خاييفين من ربنا زي الأول..خيانتك لو عقابها الإعدام..فـ دا جزء صغير من عذاب الأخرة..أنا قبل ما أكون رجل جيش..أنا مسلم وشفت زيك وإتعرض عليا زيك وإتعذبت زيك..بس الفرق اللي بيني وبينك أني مستسلمتش..أنت أخترت الأسهل..

نهض رفعت بـ جمود دون أن يترف له جفن وقال بـ جفاء

-ملكش دعوة بيا..انا عارف أخرة طريقي كويس يا سعد وبلاش مواعظ أنت أصلًا مبتعملش بيها..أنا كدا وهفضل أخترت وعارف إيه عواقبه إيه..خليك فـ نفسك
-نهض سعد وقال:رفعت أنت كنت صاحبي ومش عاوز أتصرف معاك زي أي مجرم
-إبتسم من زاوية فمه:أديك قولتها..كنت صاحبك..دلوقتي بينا الدم..شوف شغلك ولو عرفت تثبت عليا حاجة..هكون مستنيك تقبض عليا...
-هز رأسه نافيًا وقال بـ تأكيد:أنا مش محتاج دليل..لأنه أصلًا عندي ومش هستخدمه غير فـ وقته..إرجع لعقلك وراجع نفسك...
-من ساعة أما قتلوا ابني..معتش عندي عقل..هفضل أخد بتاري لحد أما أموت..غير كدا متحلمش يا سعد..

ثم أضاف بـ تهكم

-وبعد كدا لو عندك حاجة مهمة أبقى قولي تعالى..مش عشان شوية كلام فاضي تجبني..لا يا راجل أنا وقتي مش ملكي...

***************************************

أعلى تلك الشجرة كان يونس يرصد الوضع بـ تأني ويُخطط كيف يتخلص منهم..بحث عن الحقيبة ليجدها على ظهر أحدهم..إذًا مُنذ البداية وتلك الحقيبة هى الهدف..أكمل رصده للمواقع التي سيتخذها درعًا له والأخرى التي سيُصيب بها أعداءه..كان عدد المُسلحين يُقارب العشرون..زفر يونس بـ غضب قائلًا من بين أسنانه

-عشرين كتير أوي..مش هقدر أقتلهم كلهم..لازم أشوف أحل وأعرف ههرب منهم إزاي...

كان أكثر ما يشغل باله تلك التي تركها خلفه..يعلم أن عبراتها لم ولن تجف حتى يعود..هز رأسه لكي ينفض تلك الأفكار عنه فما أن تغزو رأسه لا يستطيع أن يُخرجها...

وضع يده على تلك القنبلة اليدوية..ليتذكر أمرها فـ هتف بـ حماس

-حلو أوي..

أستهدف أكبر تجمع من الرجال الذي تخطى الخمس..وقرر أنها ستكون من نصيبهم..أولًا قرر أن يُردي ذلك المُلثم وحده..وضع على فوهه البندقية قميصه القطني حتى يمنع صدور صوتًا ما..وبالفعل كان ذاك المُلثم في خبر كان...

قفز يونس عن الشجرة وعاود إرتداء قميصه..ثم توجه إلى تلك المجموعة من ذاك الطريق الذي حفره بـ عقله..نزع الفتيل وقذفها عليهم..وركض هو..إنفجرت تلك القنبلة وتحولت أجسادهم إلى أشلاء..إبتسم يونس لنجاح أولى خطواته..تحرك بعيدًا عنهم مُتخذ إحدى الشجيرات الصغيرة درعًا له...

تجمع بعض الرجال مكان الإنفجار ليبحثوا ما حدث..لحظات مرت وحدث إشتباك بينهم وبين مجهول..كان يونس يتعمد التحرك بـ خفة حولهم وإصابتهم بـ الرصاص من شتى الطرق حتى يُشتت ذهنهم عنه..أردى ثلاثة منهم وتبقى إثنان من المجموعة الثانية...

تحرك يونس خلف أحدهم بـ خفة يُمسك بـ جسده من يد والأخرى قبضت على السلاح ليوجهه ناحية الأخرى ليسقط جثة هامدة بعد عدة طلقات إخترقت جسده..أما من بين يده كان مصير القتل بـ كسر رقبته..أبعده يونس عنه بـ حدة وأخذ الحقيبة..وضعها على ظهره..وبدأ يُكمل رحلته في قتل الباقيين...

ما لم يحسبه هو ذاك الهجوم المُفاجئ من أحدهم أمامه..حيث قام بـ جرحه بـ نصل حاد في صدره عن معدته بـ جرح سطحي ولكنه ينزف بـ شدة..لم يفِق يونس مما حدث..ليُباغته بـ أخرى في ذراعه الغير مُصاب..تحفز هو بعد تلك الإصابات قبل أن يُصيبه بـ أخرى...

تقدم الأخر منه وكاد أن يُصيبه إلا أن يونس أمسك يده وبـ حركة مُباغتة أخذ السكين والتي إستقرت بـ نحره..وسقطت جثة أخرى..

عانى يونس من إنهاك شديد عقب تلك المعركة التي خاضها وكذلك ذاك الجُرح الذي أخذ ينزف بـ شدة..ولكنه قاوم قدر الإمكان..تحرك في أخر خط رسمه وقد كان..تخلص من ثلاثة أخريين وتبقى واحد..دارت بينهما معركة طاحنة بـ الأسلحة والأيدي..ليقول ذلك المُلثم

-أعطني ما معك..وربما سأعفو عن حياتك

إبتسم يونس وهو يزيل خيط الدماء التي إنسلت من بين أسنانه وقال بـ سخرية

-لا أحتاج عفوك..بل أن من ستحتاج إلى العفو من الرب
-لستُ بـ مؤمنًا
-حسنًا أعتقد أنك ستؤمن بعد قليل...

وإنقض عليه يونس..ولكن الأخير مُحترف بشكل يوازي إحتراف الأول بل ويتفوق عليه..تفادى ضربته وأمسك ذراعه ثم أخذ يضغط على جرحه..صرخ يونس بـ ألم وقام بـ ضرب المُلثم بـ جانب معدته ونطحه بـ رأسه في انفه..ليبتعد يونس عنه وقد أصابه الدوار وقد بدأت تتشوش رؤياه..والأخر أستغل ذلك..ليركض بـ إتجاهه دافعًا يونس من معدته إلى الأرض وهو يجثو فوقه..أخذ يُسدد له اللكمات..حتى خارت قواه..إبتسم المُلثم وقال بـ تشفي

-أمن كلمات أخيرة!
-سحقًا لك...

وكل ما رآه هو وجه ذلك المُلثم بعدما نزع عنه قناعه وهو يرفع ذاك النصل الحاد ويصوبه تجاهه...

***************************************

فتح عيناه بـ تثاقل تام..كانت الرؤية مشوشة في بادئ الأمر ولكن ما أن أغلق عيناه ثم عاود فتحهما..حتى إتضحت الرؤية..كان ينظر إلى سقف تلك الغُرفة..كان من الخشب الردئ..وبدت عليه أثار الرطوبة..حرك عيناه إلى تلك النافذة فـ وجد أشجار أمامه وحصان وعدد صغير من الدجاجات...

حاول أن يتعدل في جلسته ولكنه تأوه بـ قوة من جراحه والألام عظامه..تنهد بـ ضيق وبقى كما هو...

كانت غافية على ذلك المقعد بـ جانب الفراش على الناحية الأخرى..وما أن تأوه حتى إنتفضت من نومها وإتجهت إليه تسأله بـ جزع

-أنت كويس!!..في حاجة بتوجعك؟!
-كل ما تفوخ به بـ خفوت:مايه..عاوز مايه
-هتفت بسرعة:حالًا..

وإتجهت إلى تلك الطاولة في نهاية الغُرفة وأخذت كوب الماء ثم عادت إليه مرة أخرى..مدّ يده ليأخذها ولكنها إنحنت بـ جذعها العلوي لتساعده..إلا أنه قال بـ ضعف

-مش هعرف أشرب وأنا كدا

أخذت ثوان حتى تستوعب ماذا يُريد..فـ وضعت الكوب بـ جانبها وعاونته على الإعتدال..إنتحنت أكثر حتى تُعدل من وضع الوسادة خلفه..ولم تنتبه أنها كانت قريبة منه إلى حدٍ مُهلك..حتى باتت خُصلاتها تتلامس مع وجنته وفاه...

وبـ الرغم من حالة الضعف التي سيطرت عليه..إلا أنه لم يمنع ضربات قلبه من التقافز داخل قفصه الصدري..إلتفت بـ رأسه ليدفن أنفه بـ خصلاتها وأخذ شهيقًا مُحملًا بـ رائحتها الذكية..أغمض عيناه يستمتع بـ ذلك القرب..ربما ضعفه الآن بات قوة بـ مجرد أن إقتربت منه..وهى لم تشعر بما يختلج قلبه وما فعله بـ بساطة كانت مُرتعبة بـ شدة..خائفة أن تفقده..تعمل على راحته..أنهت ما تفعله ولم تنتبه إلى أنفه التي تلامست مع وجنتها وأمسكت الكوب ثم بدأت تُسقيه الماء...

كانت عيناه مُثبتة عليها..كانت خائفة وترتجف..جميلة وهى مذعورة..رائعة وهو يلمح حدقتيها التي تبتسم بـ سعادة وهى تراه بخير أمامها..أبعدت الكوب عنه وعادت تسأله بـ رقة

-أنت كويس!

مدّ يده يُزيح خصلةً ما خلف أذنها وهتف بـ خفوت

-أنتي كويسة!!
-إبتسمت وهى تميل بـ رأسها على يده وقالت:أنا بقيت كويسة لما فتحت عينيك...

إبتسم ومعالمه تقلصت بـ ألم ولكنه لم يُبالِ..بل أخذ يتفحص الغُرفة البسيطة وسألها بـ تعجب

-أحنا فين وإزاي جيت هنا!
-أجابته بـ هدوء:أحنا فين!..أحنا عند واحد مزارع بسيط..أما جيت إزاي فـ هقولك...

أخذت تسرد عليه ما حدث مُنذ عدة ساعات...

بعدما تركها مُنذ ما يقرب ساعة وهى تبكي..عيناها لا تتوقفان عن ذرف العبرات خوفًا عليه..خوفًا من فقدانه..تخاف بشدة أن يُصاب بـ مكروه سلامتها من سلامته..وأكثر ما أشاع في نفسها الرعب..صوت ذلك الإنفجار..صدرت عنها صرخة هلعة..هنا ولم تتحمل..قفزت عن الشجرة غيرُ مُبالية بما سيحدث..وفي أثناء ركضها..إصطدمت بـ أحدٍ ما يحمل ألواح خشبية..أصابها الذُعر مما قد يكونه هذا الرجل..نظرت إليه فـ وجدته رجلًا عجوز..والذي إتجه إليها يسألها بـ اللغة السويدية وقد تقلصت ملامحه القلق

-ماذا هُناك ابنتي!..لمل يبدو عليكي الذعر!
-هزت رأسها بـ نفي وهى تبكي:أنا مش فاهمة منك حاجة...

نظر لها الرجل بـ تعجب ولكنها تجاهلته..ثم قالت بـ لغة أجنبية وهى تبكي بـ هستيرية

-أحتاج إلى مساعدتك
-بدى وقد فهم ما تقول ليرد عليها:حسنًا..ماذا هناك!
-هو يحتاج إلينا..يجب أن نذهب إليه
-سألها بـ جدية:من هو!

لم تُجبه ولكنها سحبته خلفها بدأت تركض في إتجاه الصوت العجوز خلفها يُكرر سؤاله..لترد عليه

-زوجي..سيقتله أحدهم
-جحظت عينا الرجل وتشدق مصدومًا:ماذا قلتِ؟
وقبل أن ترد كانا يقفان أمام ذلك المشهد..يونس مُغشى عليه و بجانبه ذاك المُلثم ميت..لم تُفكر مرتان وركضت في إتجاه..جثت على رُكبتيها وأخذت تبكي..ثم قالت وهى تضرب وجنته بـ خفة

-يونس!!..يونس رد عليا..عشان خاطري متسبنيش

أسرع العجوز خلفها وتفحص الجروح والكدمات في وجهه..ثم جثى هو الأخر على رُكبتيه وقال بـ جدية

-هيا ساعديني في حمله..يجب علينا مُعالجة جروحه قبل أن تُصاب بـ الإلتهاب
-نظرت إليه بـ أعين حمراء..ثم هتفت بـ توسل:أرجوك ساعده

وضع يد يونس حول عنقه وقال بـ صرامة

-هيا ساعديني..منزلي قريب من هنا..سأقوم بـ مُعالجة جروحه

أماءت بـ رأسها عدة مرات..ثم وضعت يده الأخرى حول عنقها..وسارا به إلى ذلك الكوخ البسيط...

أنتهت من سرد ما حدث ثم قالت بـ نتهيدة حارة

-وجبناك هنا..وبصراحة الراجل عالج جرحك وقالنا نفضل هنا لحد أما تتحسن...

حدق يونس بها ثم أمسك يدها التي ترتجف وقال بـ أمتنان

-شكرًا يا بتول عشان أنقذتي حياتي
-إبتسمت وقالت:أنا اللي بشكرك عشان أنت فـ حياتي

إتسعت إبتسامته العذبة..وعيناه أخذت تتحرك على معالم وجهها المُجهد بـ عشق واضح..ثم قال بـ خفوت

-ممكن تقربي شوية!
-أجابت بـ رحابة صدر:أكيد..

ثم أقتربت..ليُباغتها بـ لف يده حول عنقها جاذبًا إياها له..ثم قبّل وجنتها بـ عمق وحب..قُبلة وضع بها مشاعره المُتأججة ناحيتها..شعرت هى بـ الخجل و الإرتباك..ضربات قلبها قد إرتفعت حتى كادت تصم أُذنيها..ثم سمعته يهمس

-أنا عارف أنه مش من حقي..بس مش هقدر يا بنت السلطان..مش هقدر تكوني قريبة مني وبعيدة فـ نفس الوقت..حبك دا ملكي..قلبك ليا لوحدي..مش هفرط فيهم أبدًا..مش هخسرك يا بنت السلطان...
-تساءلت وهى تعقد حاجبيها:هو أنت ليه بتقولي يا بنت السلطان!!

إبتسم يونس وقام بـ إحتضان وجهها بين راحتيه ثم قال بـ صوته الرخيم

-عشان حكايتنا بتفكرني بـ يونس وعزيزة..يونس اللي كان أسير عندها
-هتفت هى بـ براءة:بس يونس كان أسيرها..وأنت مش أسيري

إتسعت إبتسامته ثم دنى منها وهمس بـ جانب أُذنها بـ عذوبة

-ومين قالك أني مش أسيرك!!

إتسعت عيناها بـ صدمة وقد إزادات ما أن أكمل

-أنا أسير قلبك من أول مرة شوفتك..مكنتش أعرف أني ههرب من أسر لأسر..بس أسرك لذيذ بس مر..مر وصعب أوي يا بنت السلطان...

ولم يتسنى لأحدهما الرد..حيث دلف العجوز وعلى وجهه إبتسامة بشوشة وقال

-كيف حال زوجك؟

رمقها يونس بـ نصف عين ولم يُعقب..بينما إبتسمت هى بـ إرتباك وقالت بـ تلعثم

-بـ..بخير..سيدي..شكـ..رًا لك
-لا تشكريني..فقط قمت بما يجب

نحى بـ بصره إلى يونس وقال بـ إبتسامة قبل أن يخرج

-أتمنى لك الشفاء العاجل
-أماء يونس بـ رأسه وقال بـ إبتسامة مُماثلة:شكرًا لك سيدي...

كان يونس يرمق بتول بـ نظرات ماكرة..أصابتها بـ الخجل..لتقول بـ همس حانق

-متبصليش كدا..

إبتسم يونس وهو يُدير رأسه إلى النافذة فـ لاحظ تلك الحركة الغريبة..عقد ما بين حاجبيه بـ قلق..ليهمس

-بتول في حاجة مش طبيعية برة...

توجهت بتوب ناحية النافذة..وقد لمحت ما جمدها أرضًا وبث الرعب في جميع خلايا جسدها..تشدقت ما كان يخشاه يونس وجسدها بدأ ينتفض

-عز الدين!!!...
عرفت الحب لأول مرة في حياتي، إنه كالموت تسمع عنه كل حين خبراً ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضر، وهو قوة طاغية، يلتهم فريسته، يسلبه أي قوة دفاع، يطمس عقله وإدراكه، يصب الجنون في جوفه حتى يطفح به، إنه العذاب والسرور اللانهائي.
ظلت تتأمل إقترابه من الكوخ بـ نظرات قد تفجرت بـ الهلع..ها قد أتى ليُعيدها معه وإن تمنعت سيفعل ما فعله..وعند تلك النقطة إرتعش بدنها خوفًا..أخرجها من جمودها صوت يونس وهو يأمر بـ صرامة
-أقفلي الشباك والستارة بسرعة...
وبـ أيدٍ مُرتعشة نفذت ما قاله..كان يونس لا يقل قلقًا عنها..فُقدانها هو الهاجس الذي يخشاه..كان ولا يزال يخشى أن يستيقظ يومًا ما ولا يجدها..عاونته في الإعتدال وهتف بـ تألم
-خلي الراجل دا يساعدنا...
-طيب
قالتها وهى تركض بـ إتجاه الباب لتجد ذاك الرجل يفتحه وما كادت تتكلم حتى قال الأخير بـ جدية
-يجب أن تختبئًا..يبدو أن منْ كانوا يريدون قتلك..عادوا للبحث عنك...
-وضع يونس يده على صدره وقال بـ تهدج:أين نختبأ!!
توجه الرجل نحو الفراش الراقد عليه يونس حتى وقف أمامه ثم أزال الحصير الردئ عن الأرض ليظهر من أسفله سرداق صغير..أشار إلى ذاك السرداق وقال بـ هدوء
-إلى هنا ولا تصدرا أي صوت...
ثم إلتفت إلى بتول وأكمل
-هيا عاونيه على النهوض..وأنا سأتولى أمرهم..
وتركهم لتتجه بتول إلى يونس تعاونه على النهوض بـ رقة بالغة..سمعته يأن بـ خفوت لتسأله بـ توجس
-في حاجة بتوجعك!
-هز رأسه نافيًا ثم قال:لأ..ويلا مفيش وقت...
نزلا ذلك السرداق وأغلقا الباب..ليعود الرجل و يضع الحصير عليها وأخفى ما يدل على وجود غرباء عنده..
أجلسته بتول بـ حنو وقد سمعته يتألم لأكثر من مرة لتقول بـ إعتذار
-أسفة..أسفة
-إبتسم بـ وهن وقال:متعتذريش..أنا كويس..
شعر بـ تلك الإرتجافة في جسدها..فـ أمسك يدها يبُثها الأمان الذي فقدته..سمعها تقول بـ صوتٍ مُهتز
-أنا خايفة
وأراحت رأسها على منكبه..ليميل بـ رأسه عليها هو الأخر ثم أمسك يدها يُقربها من صدره بـ القُرب من خافقه وهمس
-طول ما دا بيدق..مش عاوز أسمعك بتقولي \"أنا خايفة\"
***************************************
وبالخارج كان عز الدين وسيف يطوفان بـ المكان..يُطوقانه من جميع الجهات فـ سيف قد أخبرهم أنهم لا يزالون هنا..أشار عز إلى أخر مجموعة من رجال ضُخام البنية وقال بـ أمر

-وأنتم..طوقوا هذه المنطقة ولا تدعوا أحدًا يهرب...
-أضاف سيف:وإن خرج أحدًا غيرنا..لا تترددوا بـ قتله
-حذرهم عز الدين بـ حدة:عدا تلك الفتاه التي تعرفونها..لا أحد يلمسها..
أماء الجميع بـ طاعة..وبعدها توجه سيف و عز الدين إلى ذاك الكوخ الذي لمحه الأخير..وبـ خطوات سريعة إلتهم بها الأرض..كان قد وصل إليه وبدأ في دق الباب عدة مرات..ليفتح بعدها ذلك العجوز وهويتساءل بـ غرابة مُصطنعة
-من أنتما!..وماذا تُريدان؟
وقبل أن يتفوه عز الدين بـ حماقة تولى سيف دفة الحديث بـ لغة إنجليزية مُتقنة
-عفوًا سيدي لإزعاجك
-أماء العجوز بـ رأسه وقال بـ تفهم:لا عليك يا سيد..ولكن أسدي إليّ معروف وأخبرني ما تُريد؟!
-رسم سيف إبتسامة مُصطنعة وقال:ألن تدعنا إلى الدخول!
-إبتسم الأخر بـ إصفرار وقال بـ إعتذار جاف:عذرًا على وقاحتي..تفضلا
وأفسح لهما المجال ليدلفا الأخران بـ خطوات واثقة..كان العجوز أمامهما ليميل سيف على عز الدين ثم همس بـ تحذير
-متتكلمش أنت عشان متبوظش الدنيا...
رمقه عز الدين بـ إزدراء ولم يرد..ثم تخطاه بـ برود..ليضرب سيف على جانبي ساقيه بـ قلة حيلة وتبعه..جلس الأول يتأمل المكان بـ إحتقار وتأفف واضح..كان العجوز يقف في الجهه المُقابلة ويقوم بـ إعداد أقداح الشاي..ثم عاد وجلس أمامهم..تنحنح سيف وقال بـ رزانة
-حسنًا سيدي..سأخوض الحديث مباشرةً...
أماء الرجل بـ رأسه وهو يُعيد بـ داخله ما سيردده على مسامعهم..ليتشدق سيف
-أرأيت رجلًا ما ومعه فتاه؟!...
************************************
كانت روضة في طريقها إلى العمل قبل أن يعترض طريقها سيارة رباعية الدفع..ترجل منها عدي بـ غضب..ودون حديث أمسكها من مرفقها وجذبها إلى السيارة..لم تتلوى ولم تُبدي أي رد فعل..دفعها إلى السيارة وإنطلق بها بسرعة...
بعد مدة إصطف بـ السيارة وترجل منها يقف على حافة جبل المقطم..تأففت روضة وترجلت هى الأخرى من السيارة بـ عنف..صفقت بابها بـ قوة وتشدقت بـ عصبية
-ياريت تبطل همجية واللي بتعمله دا
لم يهتم بما قالته..لتُمسكه من مرفقه وتُديره لها بـ قوة..أشارت بـ سبابتها إلى وجهه ثم هدرت بـ عصبية
-عدي بصلي وأنا وبكلمك..أنا مش جارية عندك عشان تعمل معايا كدا فـ الشارع وتجرني وراك كدا...
رفع حاجبيه بـ سخرية وتركها تُخرج ما في جعبتها فـ أكملت
-أسمعني..أنا معملتش حاجة غلط عشان تعمل اللي بتعمله

إنقشعت قشرة البرود وظهرت عليه ملامح الغضب جلية تُفزع من تراها..أمسك كِلا ذراعيها وهدر بـ صوتٍ جهوري
-لم أشوفه بيقرب منك فـ الشارع مرة وأتنين..عاوزاني أعمل إيه!..صحيح مكنش عليا ليكي كلمة..بس حبك اللي فـ قلبي كان بيكويني بنار الغيرة..كنت بحس وقتها إني عاوز أقطم زمارة رقبته عشان بيقرب منك..
طالعته بـ عينان مُتسعتان..ليُكمل وهو يهزها بين ذراعيه بـ قوة
-كنت بتحرق بالنار دي لما أعرف أنه معاكي فـ مكان لوحدهم..كنت بقعد أسأل نفسي هو بيعمل معاها إيه!..ياترى أتخطى حدوده أو ضايقها بـ كلمة؟..كنت زي اللي ماشي على شوك...
-حاولت الحديث بـ عينان لامعتان:عدي أنا..آآ
غرس أظافره بـ ذراعيها وزجرها بـ عنف
-أخرسي...
إرتعدت فرائصها وهى ترى ذلك الجانب في شخصيته..تلك الغيرة التي تفتك به دون أن تشعر..عيناه بـ قدر ما تحمله من غضب وغيرة..بـ قدر ما تحمله من ألم وعتاب..بـ قدر ما تحمله من عشق كاد يشطرها إلى نصفين من حدته كـ نصل السيف..أكمل حديثه وقد تلونت نبرته بـ شراسة
-مُتخيلة أبقى عامل إزاي وأنتي خارجة تسهري معاه!..وبيوصلك فـ نصاص الليالي..متـ...
لم تدعه يُكمل حديثه..إذ وضعت يدها على فاه وقالت بـ رقة قد إرتسمت على شفتيها مع إبتسامة عذبة
-هششش..عدي أنا بحبك أنت ومش هحب غيرك أنت..ولو رجع بيا الزمن وكنت هعرف أني هحبك..مكنتش فكرت ولو للحظة أني أرمي نفسي مع الـ***
دا..بس أنا مستعدة أرمي نفسي فـ النار عشانك..مقدرش أشوفك بتحارب لوحدك وأنا أفضل أتفرج..أعيط لما تخسر...
تحركت يدها عن شفتاه التي إفترقت بـ صدمة لتضعها على وجنته..شعرت هى بـ إرتخاء يده عن ذراعيها اللذان تغمدان بـ الألم لتستقر على خصرها..فـ أكملت بـ نبرة صادقة
-طول ما أحنا لسه فـ الدوامة دي وكلنا فـ خطر..فـ أنا مش هسيبك..أنا جزء لا يتجزأ منك..اللي يوجعك يوجعني..ومينفعش أشوفك بتتوجع على أخوك وأسكت..طالما فـ إيدي حاجة أعملها .. مش هتردد ثانية
إستند بـ جبينه على جبينها ثم قال وقد رقت نبرته
-أنا مش عاوز منك غير إنك تحبيني..سيبي شغلك معاه..أنا مش مخوّنك..أنا خايف عليكي منه..بغير عليكي منه..بكره قربك منه...
-إبتسمت وقالت:مش هيقربلي..طول الفترة اللي عرفته فيها مخلتوش يلمس مني شعرة..أنا ليك وهفضل ليك يا عدي..حتى لو الدنيا فرقتنا..أنا هستناك فـ الآخرة..
*****************************************
عقد العجوز حاجبيه بـ تعجب مُصطنع كـ باقي حديثه وما سبق منه ثم قال
-رجل وفتاه!!
-أجل
ضحك العجوز بـ شدة..مما جعل سيف وعز الدين ينظران إلى بعضهما بـ تعجب..ليقول الأول وقد هدأت ضحكاته
يا رجل..يمر من هنا مئات المُتاحبين..يتسلقون الجبال ويقومون بـ التخييم..أعذرني يا سيد فـ أنا حقًا لا أعرف عمن تتحدث
أخرج سيف من جيب سترته صورتان..إحداهما لبتول والأخرى خاصة بيونس..ليقول سيف بـ هدوء خارجي
-حسنًا وماذا عنهما؟
أخذ العجوز الصورتان بـ يد ترتعش بما يمر به من سن..وتفحصهما بـ دقة قبل أن يهز كتفيه بـ عدم معرفة وقال
-صدقًا لا أتذكر..قلتُ لك..مئات المُتحابين يمرون من هنا...
-ضرب عز الدين على الطاولة وهدر بـ شراسة:إسمع أيُها العجوز..أعلم أنك تراوغ..فلمَ لا تقول الحقيقة؟
لم يهتز جفنًا واحدًا لدى العجوز وهتف بـ برود
-قلتُ ما لدي..وأرى أنها خطيبتك أليس كذلك!
وأشار إلى يد عز الدين اليمنى قاصدًا الحلقة الفضية..ليؤمئ عز الدين بـ رأسه..فـ أكمل العجوز بـ غموض
-إذًا إبحث عنها في طيات نفسك..أعتقد أنك أضعتُها
كاد عز الدين أن يستفهم ما يقول..ولكن يد سيف أمسكت قدمه من أسفل الطاولة ليمنعه عن الحديث..إبتسم الثاني بـ تكلف وقال
-هل يُمكنني أن أستخدم المرحاض؟
-رمقه العجوز مُطولًا وقال:حسنًا..لا بأس..تفضل من هناك...
نهض سيف وهو يهز رأسه بـ إمتنان..ثم إستدار إلى عز الدين قائلًا
-خلاص يا عز..روح أنت وأنا هحصلك
-بس..آآ
-قاطعه سيف بـ إشارة من يده:خلاص يا سيادة الوزير..الراجل ميعرفش حاجة..أنا هدخل الحمام وأجيلك...
وبالفعل إنصرف عز الدين على مضض وإتجه معه العجوز..إستغل سيف إنشغاله مع الأول وبدأ يفحص المكان بـ عيناه..توجه إلى الغرفة الأولى في أول ذاك الرواق ولكنه لم يجد شيئًا..وأكمل إلى الأخرى وفتحها..شملها بـ نظرة ولكنه لم يجد....سوى كنزة قطنية مُلوثة بالدماء..إرتسمت إبتسامة ظافرة على وجهه وأغلق الباب بـ هدوء ثم إنصرف...
بعد مدة من الإنتظار عاد سيف بعدما قام بـ توديع العجوز..تحركت السيارات وتحرك الجميع من مُحيط المكان..زفر عز الدين بـ ضيق ثم قال وهو يكز على أسنانه بـ عنف
-هيكون راح فين..الراجل دا عارفهم مكانهم
-رد عليه سيف بـ برود:لأ ميعرفش..لو كان عارف كانت ظهرت فـ نبرته توتر أو خوف
-عاجله عز الدين بـ الرد:إيده كانت بتترعش
-بحكم السن
أتاه رده القاطع والغير مُكترث بالمرة..ليُغمض عز الدين عيناه بـ غضب..ظل يتوعد بـ داخله ما أن يعثر على يونس حتى يقتلع رأسه عن جسده وستعود بتوله إلى أحضانه....

زفرت بـ إرتياح ما أن سمعت أصواتهم تختفي..تشدقت بـ إبتسامة صغيرة
-مشيوا أخيرًا
-يلا نطلع
كان صوته واهن بـ طريقة أفزعتها..لتسأله بـ هلع ونبرتها تُقطر خوفًا
-يونس أنت كويس!
-تأوه بـ صوتٍ خفيض وقال بـ لوعة:لو بطلتي تقولي اسمي بالطريقة دي هكون كويس
همس أمام وجهها وقد أحرقتها حرارة أنفاسه
-إرحميني يا بنتي..إرحمي قلبي اللي هلكتيه
تضرجت وجنتيها بـ حُمرة قانية وقد إرتفع وجيب قلبها بـ درجة ملحوظة..ولكنها هتفت بـ تذمر
-مش وقت غزل الله لا يسيئك..أحنا فـ مصيبة..
تأفف ثم أكملت بـ ضيق حتى تُخفي ذاك التوتر الذي خشيت أن يزداد
-وبعدين يلا نطلع من المكان الضيق دا..أنت عارف تتنفس كدا!!..يلا يلا بدل أما نفسك ينقطع
-هز رأسه بـ يأس وبـ قلة حيلة قال:ورجعت ريما لعادتها القديمة..أطلعي يا بلائي الأسود...
رفعت باب السرداق عنها وصعدت..ثم عاونت يونس على الخروج..أجلسته على الفراش وقد لا حظت بقعة الدماء التي لوثت ذاك الشاش الطبي..لتقول بـ جزع
-الجرح بينزف!
كادت أن تتحرك ولكنه أمسك يدها وقال بـ ألم
-مفيش وقت..لازم نتحرك
نزعت يدها وإبتعدت عنه ثم قالت بـ إصرار
-مش هنتحرك من هنا وأنت كدا..هنغير ع الجرح يعني هنغير ع الجرح..ومسمعش صوتك الحلو دا..
وتحركت بـ خطى سريعة قبل أن يمنعها..ضحك يونس وهو يُردد عبارتها
-صوتي الحلو دا!!..اااه يا تاعبة قلبي وعقلي يا بنت السلطان..
وبعد دقائق عادت مع العجوز وبيدها حقيبة صغيرة..تلك الحقيبة ذكرته بـ ما معه..ليهتف بـ صدمة
-بتووول!!
-إنتفضت بتول وهى تقول بـ خوف:إيه مالك!!..في حاجة بتوجعك!
-تجاهل حديثها وسألها بـ حدة:فين الشنطة؟
-نظرت إليه شذرًا ثم قالت:يا شيخ خضتني..
تحركت بـ إتجاهه وهى تحمل مقص..ثم قالت بـ فتور
-متخافش فـ الحفظ والصون...
أتاهم صوت العجوز
-يجب أن تتحركا سريعًا من هنا..أعتقد أنهما سيعودان مجددًا..ذلك الرجل الماكر يبدو أنه لم يُصدقني..لذا أنهيا ما تقومان به وتحركا.
أماء يونس بـ رأسه..أما بتول فـ قد صمّت أُذنيها عن هذا الحديث الذي يُصيب جسدها بـ إرتجافة فزع..أمسكت المقص وبدأت في قطع الشاش..تحرك العجوز من محيط الغرفة بعد أن قال
-قال أنه خطيبك..أعلم أنه صادق وأعلم أنه يُحبك..وأعلم أن ذاك الجالس أمامك يعشق..فـ أيهما تعشقين يا فتاه؟!..
وتركها حائرة..وكذلك يونس..حائر وخائف..حيرته نابعة من أفعالها..فهى تخبره بـ أنها تعشقه حد النخاع ولكن تأبى الإعتراف..وخائف ألا يكون مُصيبًا فيما يشعر..
أما هى حاولت إخفاء حيرتها وحواسها التي تأهبت في الإجابة عن هذا السؤال..تنهدت تنهيدة حارة لفحت وجه يونس..لفحة جعلت أفكاره تذهب أدراج الرياح..ويبقى هو في مواجهه العنقاء..رفع أنظاره لها يتأمل تفاصيل وجهها..لترتسم إبتسامة عذبة على وجهه
كانت إنتهت من تطهير الجرح..رفعت أنظارها إلى وجهه لتجده بيتسم بـ عذوبة..توترت وهى تزجره بـ وهن
-متضحكليش كدا
-إتسعت إبتسامته وأصبحت أكثر دفئًا:ليه!
-رددت بـ شرود:حلوة ضحكتك...
كانت تتأمل إبتسامته التي تحتويها وتُزيل أوجاعها..تجعلها تشعر بـ الأمان..رفع يده يُزيح خُصلاتها وأخذ يتمعن النظر إلى غابات عينيها..وبلا وعي كانت يدها تحط على يدها فـ أكملت
-بـ ضحكة منك بحس أني ملكت الدنيا..بحس أني فـ قلعة وأنت حصنها..
تنهدت بـ حرارة وهو قد لمعت عيناه بـ عشق..إزدادت إبتسامته دفئًا..وعيناه إحتلت عيناها وضربتها بـ سهام العشق..هزت رأسها تنفض تلك الأفكار في أن تقترب وتحصل على أول قُبلة لها..تُريد أن تتذوق طعم الأمان من شفتيه كما تشعر به من إبتسامته..وكأنه قرأ ما تُفكر به..ليقول بـ نبرة هادئة تحمل الوعد
-مش هاخد منك حاجة إلا لما تكون حقي..مش هدنس برائتك أبدًا..
-تفاجأت من حديثه وقالت بـ تلعثم بعدما أُكتشف أمرها:هاااه..مش..مش قصدي.
-ضحك يونس وقال بـ دفء:أنا بحبك يا بتول..وعمر ما الحب كان بـ اللمس..أو أني أخد حاجة منك حتى لو راضية..إلا لو بقيتي حياتي
ثم أكمل بـ همس وقد إقترب بـ وجهه منها
-زي ما أنا هعمل..
توترت يدها وشعرت بـ رجفة إجتاحت أوصالها..لتبتلع ريقها بـ صعوبة ثم هتفت بـ خفوت وخجل
-لازم أغطي الجرح...
ضحك يونس وأكملت هى ما تفعله دون النظر إلى عيناه فـ حتمًا سيفتضح أمرها..الآن علمت لما إبتسمت يوم سفرها معه..كانت إبتسامة تشي بـ أنها ستغرق في بحور عشقه..والآن تيقنت أنه أصبح جزء من حياتها...
إنتهت مما تفعله لتعتدل في وقفتها ولملمت أشيائها ثم قالت وهى تنصرف
-أنا هروح أجيب الشنطة عشان نمشي..
-أنا جاي معاكي
همّ أن ينهض ولكنها أشارت بـ يدها في صرامة ثم هتفت
-لو إتحركت من مكانك..أنا اللي هفتحلك الجرح التاني...
وتركته يُعاني من صدمته ولكنه إبتسم..
توجهت إلى تلك الشجرة التي دفنت عندها الحقيبة وأخرجتها من حقيبة سوداء بلاستيكية..ثم أعادت تُلقي الثرى مكان الحفرة..وضعت الحقيبة على ظهرها وإتجهت إلى الكوخ...
دلفت إلى الغُرفة وما كادت أن تفتح الباب حتى وجدت العجوز مُلقى أرضًا..عيناه جاحظة بشدة وحول عنقه أزرق..صرخت بـ فزع وهتفت بـ ذعر
-يونس!!..
دفعت الباب بـ قوة وما أن أبصرت ذلك الجالس بـ جانب يونس الفاقد للوعي حتى هتف بـ إبتسامة خبيثة
-بتوووول!!!
ساعتنا في الحب لها أجنحة...

وفي الفراق لها مخالب...

رفت بـ أهدابها عدة مرات تستوعب حجم الصدمة..ولكن أكثر ما جعل قلبها ينقبض خوفًا..هو سكون يونس والشحوب الزاحف على وجهه..قذفت الحقيبة أرضًا وإتجهت ناحيته وقبل أن تصل إلى مُبتغاها كانت يد سيف تعوقها ثم تشدق بـ خبث

-تؤتؤتؤتؤ..مش وأنا فـ وسطكو..
-نفضت يده عنها بـ رعب ثم هتفت بـ شحوب:أنت مين وعايز إيه!..عملت أيه ليونس؟!

إرتفع حاجباه بـ دهشة مُصطنعة ثم قال بـ مكر

-هو الحكاية فيها إن ولا أيه!
-تراجعت إلى الخلف بما يسمح لها من مسافة وقالت:أنت عاوز إيه!..سبني أشوفه

جذبها من يدها التي يُقيدها حتى وقفت على بُعد إنش واحد منه ثم همس بـ فحيح أفاعي

-عاوزك!!

شحوب وجهها وتهدجت أنفاسها..ساقيها شعرت بهما كـ الهُلام..وظلت تُحدق به بـ صدمة..ضحك سيف بـ إستمتاع وأكمل بـ نفس النبرة

-متخافيش كدا يا ست الحسن..أنا عاوزك فـ خدمة

عادت تنظر إلى يونس..وبـ خفة تملصت من سيف وإتجهت إلى يونس..عقد الأخير يداه أمام صدره وراقبها بـ لذة..بينما ظلت تضرب على وجنتيه بـ خفة وأخذت تتوسله بـ بكاء

-يونس..عشان خاطري قوم..فوق كدا وخليك معايا..يوووونس

نظرت إلى سيف ذاك الذي يرمقها بـ إستمتاع وهتفت بـ شراسة

-أنت عملتله إيه!
-رفع منكبيه بـ برود وقال:ولا جيت جمبه..هو بس نايم شوية

ثم إقترب منها بـ خطى وئيدة ومال عليها..ثم هتف بـ نبرة ذات مغزى

-حاليًا بس
-عقدت ما بين حاجبيها وهى تسأله بـ توجس:قصدك إيه!

جلس بـ جانبها على الأرض الخشبية..ومد يده يُزيح خُصلاها ولكنها تراجعت..ليبتسم بـ خبث..ثم نظر إلى يونس ومرر يده على جرح صدره هاتفًا بـ تلذذ

-أني أعمل حاجة أو لأ..دا متوقف عليكي
-إزدردت ريقها بـ خوف وهتفت:عـ..عاوز إيه مني!..لو عاوز الشنطة خدها..بس سيبه فـ حاله

قهقه بـ صوته كله..مرة وأثنان دون توقف..ليصمت بعد مدة ومن ثم هتف بـ إبتسامة أبرزت نواجزه

-الشطنة اللي هتودي عز حبيب القلب فـ داهية!

رفع حاجبيه مُغلقًا لعيناه وهو يُكمل

-تؤ..مش عاوزها..بيني وبينك...

ثم مال إليها ويهمس كأنه سر

-أنا عاوز أخلص منه قبل يونس..عاوز أمحي عز من على وش الأرض..أو أسففه الأرض..عشان كدا خليهالك

إتسعت عيناها صدمة وهى تراه يُكمل

-قولتلك عاوزك أنتي..أنتي الدراع اللي هلوي بيها عز..أنتي اللي هتخليه يجيلي راكع..وساعتها هخلص البشرية كلها من وساخته...

سرت رجفة على طول خلايا جسدها..شعرت بـ أن روحها تُسحب منها بـ بطء مُتعمد..هو يُريد بوصيلة تأمين تكونها هى..الكل يُريد رأس عز وبجانبه رأسها...

مدّ يده يسحبها بـ عنف وهى لم تستطع التملص من الصدمة..ليهتف هو بـ تحذير وقد ظهرت أنيابه

-يلا معايا لو مش عاوزاني أقتله قدامك..وهو لا حول ليه ولا قوة دلوقتي...

وأقرن قوله بـ الفعل عندما أطلق رصاصة بـ جانب رأسه..لتصرخ هى بـ فزع تزامُنًا مع صوت إطلاق النار..هدر هو بـ جهورية

-يلا..بدل ما تكون الرصاصة التانية فـ راسه...

ولم يترك لها مجالًا للحديث إذ جذبها بـ عنف خلفه حتى وصلا إلى الصالة..وقبل أن يدلفا إلى الخارج..هتف سيف بـ غموض أرهبها

-القاتل الشاطر ميسبش أدلة وراه...

ثم أشعل عود ثقاب وقذفه أرضًا..لتشتعل الأرضية بـ نيران حمراء..فـ قد كان سكب البنزين داخل الكوخ..صرخت وتلوت بـ يدها تتوسله بـ جزع

-لاااااااااء متأذهوش..أنت قولت مش هتأذيه لو جيت معاك. متقتلهوش
-جذبها خلفه وتشدق بلا مُبالاه:كدبت عليكي..إيه متعرفيش أني قاتل وكداب!!

وظل يجذبها وهى تتلوى وتصرخ بـ إهتياج عله يتركها تنقذه..ولكنه ظل يجذبها بـ قسوة وبلا أدنى رحمة...

**************************************

ضرب العقيد سعد على سطح المكتب هادرًا بـ عنف

-يعني إيه فرقة الإستطلاع كاملة يخلصوا عليها كدا!..
-إزدرد أحد الضباط ريقه وقال:يا سعد باشا الناس دول طلعوا علينا فجأة

تحرك سعد من خلف مكتبه وأمسك تلابيب ذاك الضابط ومن ثم هتف بـ توحش

-أومال لازمتك إيه!..قولي لازمة سيادتك إيه!!

دفعه بـ حدة وأخذ يُتمتم بـ غضب

-تدريبات وأسلحة وبلاوي زرقة إتعلمتها وفـ الأخر تقولي فجأة!..ما أنت متنيل عارف إن دي أوكار للعصابات والإرهابيين..

وضع الضابط يده خلف عنقه وتنحنح بـ خوف قائلًا بما يعرفه

-بصراحة يا سيادة العقيد..حصلت خيانة..في حد بيخونا...

شحب وجه سعد وهو يستمع إلى حديث الضابط والذي أكمل وهو يشعر بـ الخزي

-كل مرة كانوا بيسبقونا بـ خطوة..كل مرة نطلع ونرجع على مفيش..يا سعد باشا الجهاز كله عاوز يتنضف

عاد سعد يلتف حول مكتبه وإرتمى على مقعده بـ إنهماك..وضع رأسه بين يداه..ثم رفع رأسه وتساءل بـ خفوت

-وأنت عرفت منين!
-مش محتاجة أني أعرف..دي مكشوفة لوحدها..كل مرة..كل مرة بنرجع قفانا بيقمر عيش...

مسح سعد على وجهه بـ ضيق وهو يعلم تمام العلم من هو الخائن..أشار إلى الضابط بـ يده وقال بـ حزم

-أعملي إجتماع مع كل الظباط والقادة العسكرية فورًا...
-حاضر يا فندم

ثم أدى التحية العسكرية وكاد أن يرحل إلا أن سعد أوقفه..ليستدير مرة أخرى يستمع إلى الأخير الذي هتف بـ صرامة

-مش عاوز حد يعرف إننا بنشك إن في حد بيخونا..الموضوع دا سر بينا لو عرفه حد تالت..هتكون رقبتك تحت رجلي وبكسرها

أماء الضابط بـ جدية ثم رحل..ليعود سعد ويضع رأسه بين يديه وتشدق بـ أسف
-ليه يا رفعت؟..وصلت بيك تقتل شباب زي الورد!..أخرتك الموت دا عقاب الخاين...

**************************************

بدأ جفناه في التحرك وقد إستشعر جسده حرارة ورائحة دخان تخنقه..سعل أكثر من مرة ثم نهض مُتأوهًا..كل ما يتذكره أنه كان يتطلع من النافذة وفور أن إستدار حتى وجد جثة ذاك العجوز تُقذف أسفل قدماه..وهو يتلقى لكمة في وجهه تبعها أخرى..ونظرًا إلى ضعفه قد فقدْ الوعي تدريجيًا...

وعند تلك اللحظة تذكر بتول..فـ هب واقفًا دون أن يكترث لألامه أو حرجه..وأخذ يهتف بـ اسمها جزعًا وقد تلونت حدقتاه بـ اللون الأحمر

-بتول..بتول!!

سعل لأكثر من مرة وإتجه ناحية الباب..وما أن فتحه..حتى هاله مشهد النيران التي تتآكل الخشب بسرعة قاتلة..أغلق الباب مرة أخرى وقد علم أن سيف كان هدفه بتول مُنذ البداية..إعتصر قبضته بـ شراسة وأخذ يتوعده في سره..إتجه إلى الحقيبة المُلقاه أرضًا وإرتداها...

إتجه إلى النافذة وقام بـ تهشيم الزجاج وقفز خارج الكوخ..وقف يتطلع إلى الكوخ التي تناثرت شظاياه من أثر النيران..ومع حدقتاه التي تابعت ذاك المشهد..كانت بنيتاه لا تقل إشتعالًا وقد إنعكس اللهيب داخل بحر شكولاه...

توجه إلى ذاك الحصان الذي بقى على مقربة من النيران..وبـ كل حرفية ومهارة إمتطاه يونس..ضربه في باطنه ليركض الحصان بسرعة توازي سرعة البرق..كان يونس ينحني بـ جزعه إلى الأمام ويقبض على خصلات الحصان التي تناثرت على ظهره...تمتم بـ خفوت

-جايلك يا بتول إتحملي عشاني

****************************************

وعلى الجانب الأخر لم تتوقف بتول على النحيب وقد ظنت أنه يونس قد سُطرت ناهيته بسببها..لا تدري ماذا تفعل..ولكنها فجأة توقفت عن السير وجذبت يدها بـ عنف منه وأخذت تركض في الإتجاه المُعاكس..تمتم سيف بـ سبّات نابية بـ نبرة غاضبة..بدأ يركض خلفها...

كانت تمسح عبراتها التي تحجب عنها الرؤية..لم تنتبه إلى ذاك الجرف لتسقط من عليه..تدحرجت حتى إرتطم جسدها بـ جذع شجرة ..تأوهت بـ ألم ولكنها لم تستلم..نهضت تركض مرة أخرى..وما كادت تبتعد حتى وجدت من يقبض على خصرها يرفعها منه ثم يهوى بها على الأرض..تأوهت مرة أخرة بـ قوة من شدة الإصطدام...

جثى مرة أخرى فوقها وثبت ذراعيها أعلى رأسها بـ يد والأخرى قبضت على فكها بـ شراسة ومن ثم هدر بـ إنفعال لاهث

-مفكرة نفسك هتهربي مني!...

هوى على وجنتها بـ صفعة..وعاد يقبض على فكها..كانت تصرخ وقد تذوقت طعم الدماء التي إنسلت من بين أسنانها..وصرخ بها

-فكري تعمليها تاني وأنا هخليكي باقي عمرك تفتكري مين سيف الكردي..

وصفعة على وجنتها الأخرى..وظل جاثيًا فوقها..لتلمع حدقتاه بـ رغبة فيها وفي ذات الوقت أراد أن يُريها ماذا ستكون العواقب..مال على وجهها يهمس بـ نبرة تلونت بـ الرغبة

-ميمنعش أني أأدبك ع اللي عملتيه دا...

وقبل أن قترب كي يقتنص ما أراد..حتى سمعا صوت صهيل فرس..رفع سيف رأسه..وما أن رفعها حتى وجد جسد يونس ينقض عليه من فوق الفرس..تدحرجا من قوة الإصطدام وكان يونس يجثو فوقه..أخذ يُسدد اللكمات الشرسة وهو يُردد بـ وحشية

-هتقلك يا ***..هقتلك يا كلب..

وأخذ يُسدد اللكمات في جميع أنحاء جسده..تغاطى عن جرحه وألمه..فما أن سمع صوت صراختها كان قد فقد ما قد يجعله عاقلًا...

لم يستطع سيف الدفاع عن نفسه من الصدمة..وأخذ يتلقى الضربات حتى غاب عن الوعي...

إبتعد يونس عنه و قد أُنهكت قواه تمامًا..ثم توجه إلى بتول الفاقدة للوعي بعد تلك الصفعة الثانية..حملها وقد إنطلقت منه صرخة ألم..إلا أنه تحامل على نفسه..إتجه مرة أخرى إلى الحِصان و وضعها عليه..ثم إمطتاه هو الأخر..ضم جسدها إليه خشية أن يفقدها مرة أخرى..ولسان حاله لا ينفك عن الأسف..قبّل جبينها بـ رقة وأسف ثم قال بـ حزن

-أسف لأني إتأخرت..أسف إني خليت *** زي دا يلمسك كدا...

ضرب الحصان بـ خفة ليبدأ في التحرك مرة أخرى ولكن بـ هدوء وبطء...
*********************
ما لمس الحب شيئًا إلا وجعله مقدسًا...

كان الغيظ يتآكله بشدة..فـ دائمًا وأبدًا يجد من يُساعد غريمه..يجهل السبب الذي يجعل الجميع يُحبه..ولكن الأكثر خوفًا أن تُحبه بتول..تلك النقطة البيضاء في لوحته التي تلونت بالسواد..يكاد قلبه يتمزق ولو بـ مجرد التفكير في أن يخسرها..زفر عدة مرات بـ ضيق ينفض تلك الأفكار عنه..ظل يلتفت بـ رأسه من نافذة السيارة وهو يتشدق بـ غضب

-وسي زفت دا راح فين!

نفخ بـ حدة وبعدها أمر سائقه بـ التحرك..ثم قال بـ صرامة

-وصلني وبعدين إرجعله..
-أماء السائق قائلًا بـ إحترام:أوامرك يا عز بيه..

وتحركت السيارة وبـ داخل رأسه العديد من الأفكار..ولم يجد سوى ما لم يرِده مُنذ البداية..أخرج هاتفه يتصل بـ أحدهم وما أن أتاه الرد حتى قال بـ جدية

-رفعت عاوزك فـ خدمة
-رد عليه رفعت بـ سخرية:يبقى أنت ملقتوش
-مسح عز على رأسه بـ عصبية وردد بـ ضيق:رفعت!!!..أنا مش طايق نفسي فـ متزودش عشان مقلبش عليك

إلتوى ثغر الأخر بـ تهكم ثم قال

-عملت اللي إتفقنا عليه..الفرقة خلصنا عليها وبكدا سعد هيتلهي عني شوية
-رد عز بلا مبالاه:سيبك من الكلا....

ولكنه صمت وقد إشتعلت رأسه بـ فكرة شيطانية..ليتعجب رفعت من إنقطاع حديثه فـ هتف

-عز!!..سكت ليه؟!
-إبتسم عز بـ خبث ثم قال:أنت قولت إنك خلصت ع الفرقة!
-أيوة

إتسعت إبتسامته أكثر ثم قال بـ مكر

-حلو أوي..دلوقتي عشان تضمن أن سعد يبعد عنك خالص..لبس التهمة فـ حد تاني

صمت رفعت يحاول فهم ما تفوه به عز ليسأله بعدها بـ إستنكار

-ألبسها لحد!!..أنت بتتكلم جد؟!

صمت ثوان ثم أكمل حديثه بـ سخرية

-وألبسها لمين إن شاء الله!
-وجاءه الرد القاطع:رفعت..العقيد رفعت أبو شادي

وعاد الصمت يلفحهم مرة أخرى..ليقطعه رفعت وقد علت نبرته بـ دهشة

-رفعت!!..أنت أكيد مخك فوّت عشان تقول حاجة زي دي
-زمجر الأخر بـ غضب قائلًا:خد بالك من كلامك يا رفعت..

مسح رفعت على وجهه بـ عنف ثم تساءل بـ صوتٍ حاد

-طب فهمني ألبسهالوا إزاي يعني!
-رفع عز منكبيه وأجاب بـ برود:أستغل تشابه الأسماء ما بنيكوا..ولبسهالو
-زفر بـ نفاذ صبر وقال:اللي هو برضو إزاي؟
-إزاي دي بتاعتك..وأنا لما أرجع هكمل الباقي وهظبط الدنيا...

سمع عز صوت تأففه ليُكمل هو حديثه وكأنه لا يُبالي بـ حالتة الضائقة

-بس عاوز كل دا ينتهي قبل أما أرجع..ميفضلش غير التنفيذ..عاوزه النهاردة يا رفعت

كاد رفعت أن يعترض إلا أن عز أنهى الحديث بـ نبرته الحازمة

-لما أوصل ألاقي كل حاجة جاهزة ع التنفيذ..ولو إحتجت حاجة كلمني..

وأغلق دون أن يستمع إلى السلام..إبتسم عز الدين بـ إنتصار وهتف

-إضطرني ألجأ للطريقة دي..مع أني مبحبهاش..بس يلا كله يهون عشان خاطر بتولي...

**************************************

بدأت تتململ بـ خفوت وصوت أنينها يخرج بـ تحشرج..وضعت يدها على وجنتها تتحسس تورمها..لتنهض فزعة ما أن تذكرت أنها كانت بين براثن ذلك الحقير..أخذت تتلفت حولها بـ رعب حقيقي كاد أن يقضي على أخر ذرات تعقلها...

ظلت تتفحص ذاك الكوخ المُهترئ..سقيفته كانت من القش..ضمت ساقيها إلى صدرها ونظراتها زائغة على فراغ الغُرفة..أخذت تهتز بـ جسدها إلى الأمام والخلف ومن ثم عبراتها تهطل بـ غزارة...

ثوان و وجدت الباب القشي يُفتح مُصدرًا صرير خفيف..توسعت عيناها هلعًا قبل أن تُغلقهما تعتصرهما خشية أن ترى ما سيُصيبها..وإرتفع أنين خائف وشفيتها تتضرع إلى الله..إنطلقت منها صرخة مُدوية وهى تشعر بـ تلك الأيدي التي حاصرت ذراعيها وبلا وعي ضربت في صدر ذاك الشخص..لتسمع صرخة ألم إنطلقت منه وبعدها سباب لاذع..

-ااااه يا بتول الكلب..أدي أخرة اللي ينقذك...

فتحت عيناها بـ سرعة..لتجد يونس أمامها يتحسس صدره بـ ألم..ولكنها لم تُبالي بل إندفعت بـ كل قوتها تحتضنه ليسقط أرضًا وهو يتأوه بـ قوة..ثم قال بـ قهر مُتألم

-يا بنتي إرحميني..أنا مفيش حتة فيا سليمة

ولكنها لم تُصغي ولم تبتعد..بل أخذت تدفن نفسها داخل أحضانه أكثر..ليبتسم هو بـ الرغم من تألمه..لم يجد بدًا من إحتضانها..لتلتف يداه حولها دافنًا رأسه ما بين نحرها ومنكبها..مُغمضًا عيناه يستمتع بـ ذلك العناق الذي يبثه الأمان قبلها..الأمان في وجودها..الأمان في عشقها الذي بات لعنة إن أصابتها خرت صريعة من فورها...

سمع همسها وهى تبكي

-خفت..لما شوفته بيرمي عود الكبريت ونار بدأت تاكل المكان..خفت أكون خسرتك يا يونس..خفت دي تكون أخر مرة أشوفك فيها

إرتفعت يده تُملس على خُصلاتها بـ حنو زائد وكأنه والدها ليس بـ عشيقها..ثم هتف بـ نبرة عذبة طمأنتها

-ربنا رايد أني أشوفك تاني..ربنا إداني فرصة ومش ناوي أضيعها أبدًا...

بدأ يشعر بـ ألم من جديد ليهتف بـ مزاح

-بتول أنتي لو مبعتديش دلوقتي..صدقني هتكون أخر مرة تشوفني...

عقدت ما بين حاجبيها ولكنها لم تبتعد بل أخذت تندث أكثر في أحضانه..لتنطلق صحية ألم خفضية ثم قال وهو يعض على شفتاه

-الجرح يا بتول زمانه وصل لضهري...

إستوعبت وتذكرت جرحه..لتبتعد بسرعة كمن لدغها أفعى..وضعت يدها على فاها وتأسفت بـ تأثر

-أسفة..أسفة..بس من فرحتي و خوفي...
إبتسم تلك الإبتسامة العذبة التي تُغدق عليها بـ مشاعر جمة..إعتدل هو في جلسته بـ بطء..ثم قال وتلك الإبتسامة لم تنمحي

-أنا كويس...

مدّ يده يُزيح خصلاتها ثم همس بـ سعادة حقيقية

-أنا كمان فرحان عشان شايفك كويسة قدامي...
-إبتسمت وقالت:الحمد لله...

بالطبع لم يُخبرها بما كان ينويه ذلك الحقير..يتمنى لو قتله ولكنها الأهم والأولى في كل شئ..عندما يتعلق الخطر بها..فـ سحقًا للعالم والناس و دومًا هى الرابحة..قطعت هى سكونه تسأله بـ صوتٍ مُرتعش

-أنت عرفت مكاني إزاي!
-كدا

قالها وهو يقترب منها نازعًا من خُصلاها ذلك المشبك الذي يجمع خُصلاتها..ورفعه أمامها لتتساءل هى ببلاهة

-من مشبك شعر!!..
-أماء بـ رأسه وهو يُجيب:فاكرة لما إديتك المشبك دا!!
-أه لما كنا فـ الكوخ اللي هربنا منه
-أكمل حديثه:كنت خايف يحصل حاجة زي دي..عشان كدا من غير تردد إديتهولك..هو فيه جهاز تحديد مواقع..ومنه عرفت أنتي فين
-ااااااه

قالتها بـ إندهاش وسرعان ما تبدلت حالة الإندهاش إلى ضيق..فـ هتفت و قد تلوى شدقها بـ ضيق

-وأنا اللي فكرت أنك هتقول.."قلبي هو اللي عرف مكاني"

ضحك بونس قليلًا بل كثيرًا على تلك الحمقاء..ليقول بعدما هدأت ضحكاته

-قلب مين يا أمو قلب!..بطلي تتفرجي ع أفلام هندي كتير...

أشاحت بـ وجهها ولم ترد عليه..بينما هو نهض و نزع عنه القميص وبدأ في مُعالجة جرحه..ظلت هى على حالها ولم تلتف إليه إلا بعدما نادها

-بتول!!

نظرت له وكادت أن ترد ولكن إتسعت مُقلتيها بـ خجل..ثم هتفت بـ تلعثم

-هو..هو أنت..قلعت ليه؟!

إستدار إليها وتلاعب بـ حاجبيه بـ عبث..ثم إقترب منها قائلًا

-بحاول أغريكي
-وضعت يدها خلف عنقها وتمتمت:أنت مش محتاج تغريني..أنا سافلة من غير حاجة...

وصلته تمتمها ليُقهقه ملئ فاه..بينما تضرجت وجنتيها بـ حمرة خجل..وجدته لا يزال يقترب وبدأت هى في الإبتعاد ثم هتفت بـ تحذير

-بقولك إيه إبعد كدا الشيطان شاطر

كان يونس قد إقترب منها..ليطل عليها بـ جسده المُعضل وطوله الفارع..إحتبست أنفاسها وهى تتطلع إلى بحر شيكولاتة الذائبة في عيناه..إبتلعت ريقها بـ صعوبة عندما وجدته يهتف بـ وقاحة

-وأنا أشطر منه...

وبغتةً جذبها من معصمها إلى صدره وقد ثبت رأسها بـ يده..جابرًا إياها على النظر إليه بـ عمق..بينما إقترب هو من وجهها حتى لفحتها حرارة أنفاسه ومن ثم هتف بـ همس

-طول ما أنتي قدامي مبعرفش أتحكم فـ نفسي...

*****************************************

أفاق على تلك الضربات الخفيفة على وجنته..ليفتح عيناه ويتطلع إلى ذلك الوجه الأنثوي الذي هتف بـ تساؤل

-هل أنت بخير سيد سيف؟

تأوه سيف وهو ينهض فـ ساعدته أنچلي وأسندت جسده على جذع تلك الشجرة..ليتشدق وهو يمسح الدماء التي إنسلت من أعلى حاجبه

-من أنتِ؟!
-أُدعى أنچلي

أماء بـ رأسه وأخذ يمسح دماؤه..فـ أخرجت هى بعض المحارم الورقية ومدت بها إليه..أخذها هو وتمتم

-شكرًا لكِ..ولكن ماذا تفعلين هنا؟..وكيف عثرتِ عليّ؟!

أثنت ساقيها أسفلها وجلست أمامه ثم تشدقت بـ توضيح

-أنا أعمل مع السيد سام
-سألها وهو يزيل بقايا الدماء:ومن هو سام؟!
-إبتسمت وهى تقول:أنت تسأل كثيرًا

إلتوى ثغره بـ إبتسامة مُتهكمة ثم تشدق بـ نبرة توازي إبتسامته تهكمًا

-أعذريني على فضولي..ولكنني أُريد أن أفهم

جذبت منه محرمة تحت تعجبه وأخذت تزيل أيضًا بضع قطرات دماء لم
تصل إليها يداه وتشدقت دون أن تنظر إليه

-حسنًا سأُشبع فضولك...

قذفت بـ المحرمة بعيدًا ليوليها هو إهتمامه..فـ أخذت تحكي

-سام هو من أخبر السيد عز الدين عن مكان وجود جون و تلك الفتاه التي معه...

لم يسأل من هو جون فـ هى بالتأكيد تقصد يونس..صمت يُتابع حديثها

-وللحق..هو أراد قتلكما لكي يحصل على الفتاه..
-إبتسم بـ تهكم وقال:وما شأنكِ أنتِ بكل ذلك!
-ردت عليه بـ هدوء:لقد بعثني كي أتتبعكما وكذلك جون..وما أن أجدكما حتى أخبره ويرسل هو بعض الرجال لكي يتخلص منكما...

حرك عنقه إلى الجانبين وتساءل بـ إهتمام إصطنعه

-امممم..وبماذا سيعود عليكِ مما تفعلينه؟!
-رفعت منكبيها وقالت بـ براءة مُصطنعة:لا أُريد شيئًا

وبغتة إقترب منها سيف وعيناه تلمع بـ خبث ثم قال

-ولما عيناكِ تُخبرني شيئًا أخر

إرتفع حاجبيها بـ دهشة ليُكمل هو حديثه

-أظن أنها قصة عشق..لذلك المدعو بـ جون

لم ترد عليه لينهض هو..فـ تبعته هى الأخرى..نفض عن ملابسه الأتربة وبداخله يسب ويتوعد لـ يونس..تقدم بضع خطوات ثم قاا بـ نبرة ذات مغزى

-إن أردتيه فـ إتبعيني حلوتي...

وتحرك..لتتحرك هى خلفه..إتسعت إبتسامة سيف لتحقيق هدف جديد..فـ إن كان يونس قد ربح جولة فـ الثانية ستكون له...

***************************************

بدأت نبضات قلبها بـ الإرتفاع وبدت وكأنها تصم أذنيها..بينما يونس يلعب على أوتار مشاعرها ولكنه لم يعلم أنها تتلاعب به..حاولت التحدث ولكنها تتيه الحروف من بين شفتيها..مال أكثر حتى بات زفيره تستنشقه هى..حدق مليًا في غاباتها الخضراء..والتي بالرغم من خطورتها وكثرة متاهاتها..إلا أنها تُجبرك على إستكشافها...

شعر بـ ضربات قلبه تتسابق وكأنها في سباق ماراثوني ..ليهمس بـ صوته الأجش

-بتعملي فيا إيه!..معاكي كل مبادئ بتتهدم قصاد عنيكي..كل اللي إتعلمته عن ضبط النفس بكون جاهل فيه...

رفع يده يُبعد خصلاتها عن وجنتيها..ثم قال بـ همس

-يا ترى دا سحر ولا شعوذة ولا إيه بالظبط؟!
-حبست أنفاسها وهى تهتف:يو..يونس..إبعد
-تأوه بـ صوته قائلًا:اااااه يا قلب يونس اللي هتجيله سكتة بسببك
-هتفت بـ جذع مرة أخرى:يونس!!

أغمض عيناه يستمتع بـ لحن اسمه من بين شفتيها..فتح عيناه مرة أخرى وقال بـ صوتٍ مبحوح

-لو مش خايفة ع نفسك..قولي اسمي تاني
أغمضت عيناها فـ لم تعد قادرة على مُجابهة تلك المشاعر التي تفيض من عيناه..شعر هو بـ إرتجافة جسدها..ليجبر نفسه على الإبتعاد...

شعرت هى بـ برودة عقب السخونة التي رفعت حرارة جسدها..لتفتح عيناها فـ وجدته قد إبتعد عنها يوليها ظهره..ثم هتف بـ اسمها

-بتول!!
-تنحنحت ثم هتفت بـ صوتٍ خفيض:نعم!!!

إلتفت إليها ومدّ يده بـ مستحضرات طبية..ثم هتف بـ هدوء وكأن شيئًا لم يكن

-تعالي غيريلي ع الجرح
-أشاحت بـ وجهها عنه وتشدقت بـ خجل:ممكن أنت تعمله لنفسك
-رد عليها ولا تزال يده تمتد إليها:مش هعرف أربط الشاش...

زفرت عدة مرات بـ ضيق..تتعجب تارة من هدوءه وكأنه لم يُبعثر مشاعرها..وتغضب منه تارة على هياج مشاعره..إقتربت منه وأخذت من يده المستحضرات الطبية..وبدأت في تطهير الجرح..كانت هى في قمة خجلها وتوترها..ولم يكن هو بـ أقل منها بل يفوقها أضعافًا..عيناه تحكي ألف قصة وقصة عن عشق لن تستطيع الظروف محوه وكأنه وشم على الجسد...

كانت حدقتاه تدور على معالم وجهها وكأنه يحفرها بـ داخله..فـ إذا حانت لحظة الفراق يجد سلواه فيها..إنتهت من تطهير الجرح..وبدأت تقوم بـ لف الشاش حول صدره..كانت تدور حوله حتى لا تضطر إلى الإقتراب منه...

وقفت خلف ظهره وبدأت في عقد الشاش الطبي كي يُحكم على جسده..أوقفتها تلك الندبة في مُنتصف ظهره..إتجهت بـ يدها تلقائيًا تتحسسها..شعر بـ إرتجافة زلزلت كيانه وهو يشعر بها تلمس تلك الندبة..وقبل أن يفقد تعقله ويعتصرها في أحضانه..إلتفت يُمسك يدها...

أجفلت هى من حركته تلك..إلا أنها سألته

-من إيه الجرح دا!!
-بلاش تعرفي...

ثم إبتعد عنها يرتدي قمصيه الملوث بـ دماءه..ولكن إصرارها لم يمنعها من سؤاله مرة أخرى..

-من إيه الجرح دا يا يونس؟!

لم يجد بدًا من الإجابة فـ هو يعلم أنها لن تتركه إلا بعدما تعلم..إستدار وقال بـ جمود

-من عز..
-همست بـ إرتعاش:إزاي؟!

أغمض عيناه يطرد أحداث تلك الليلة المُرعبة..ثم قال بـ جمود ظاهري

-لما حاول يقتلني فـ أخر مهمة معاه...

ثم إقترب منها عندما لاحظ تلك الغُمامة من العبرات التي أحاطت حدقتها..وقال بـ هدوء ظاهري

-متسأليش عن حاجة تانية يا بتول عشان متتعبيش من الإجابة...

*************************************

دلف عدي إلى منزله ليلًا بعد يومًا شاق من العمل وكذلك لقاؤه مع روضة والتي إنتهت بـ حادثة سعيدة..توجه إلى الصالة ليجد والده يقرأ بـ كتابًا ما..ليتوجه إليه وقد حسم أمره بـ إخباره..ردد في نفسه

-خير البر عاجله..

تنحنح لينتبه إليه رفعت..أبعد النظارة الطبية عن عيناه..ثم قال بـ إبتسامة

-حمد لله ع السلامة يا سيادة الرائد
-جلس عدي جانبه وقال بـ إبتسامة:الله يسلمك يا سيادة العقيد

أماء بـ رأسه فـ تساءل عدي بـ صوتٍ شبه متوتر

-أومال ماما فين؟!
-أجابه رفعت:نامت من شوية..كانت مستنياك بس لما أخدت الدوا..أنت عارف بيخليها تنام

هز رأسه بـ تفهم..وقبل أن يتشدق كان رفعت قد سبقه

-أكلت فـ الشغل ولا أقوم أسخنلك الأكل

ربت عدي على يد والده ومن ثم قبلها..وقال بـ إبتسامة ودودة

-ربنا يخليك يا حج أنا كلت فـ الشغل
-تمام

ثم عاد يرتدي نظارته الطيبة ليُكمل قراءة..حمحم عدي لينتبه إليه والده. عاد ينزع نظارته وقال بـ نفاذ صبر

-قول اللي عندك يا عدي
-إتسعت إبتسامة عدي وهو يتشدق بـ حماس:هو دا أبويا اللي فاهمني
-إلتوى ثغر رفعت بـ تهكم:أخلص يا بن رفعت

إعتدل عدي في جلسته ثم تنحنح مرة أخر وهتف بـ مرح

-أبا أنا عايز أتدوز (أتجوز)

قهقه رفعت بـ ملئ فيه..وكذلك شاركه عدي الضحك..ليتحدث الأول من بين ضحكاته

-بجد يا سي عدي!..هتتجوز

أماء عدي بـ رأسه ليعود ويسأله

-أعرفها أنا!!

هز رأسه بـ نفي..فـ تساءل رفعت

-أومال تعرفها منين!
-وضع يده خلف عنقه وقال:تقدر تقول بتشتغل معايا

همّ رفعت بـ سؤاله ولكن الطرقات على الباب أوقفتهم..نهض عدي وقال بـ جدية

-خليك يا بابا أنا هفتح..

ثم تحرك عدي وإتجه ناحية الباب..فتحه ليعقد ما بين حاجبيه وهو يُحدق بـ أؤلئك الذين يرتدون زي رسمي التابع لقوات الجيش..أنتهى عدي من تفحصه وتساءل بـ جمود

-نعم!

تشدق أحدهم وهو يعقد يداه أمامه بـ نبرة دبلوماسية

-العقيد رفعت أبو شادي موجود!
-عقد ما بين حاجبيه أكثر وهتف:أيوة..عاوزين منه إيه!

نزل قول ذاك الشرطي على مسامعه كـ وقع الصاعقة وهو يُخبره بما جاء من أجله

-مطلوب القبض عليه...
الحب كـ الحرب...

من السهل أن تُشعلها...
ومن الصعب أن تُخمدها

نهض رفعت ما أن سمع اسمه وتوجه ناحية الباب..ليجد عدي يقف جامدًا يرمق صاحب الزي العسكري بـ نظرة أكثر جمودًا..هز إبنه من منكبه وتساءل بـ تقطيبة حاجب

-خير يا عدي؟..في إيه!

لم يتحدث عدي بل تولى الحديث صاحب الزي العسكري قائلًا بـ دبلوماسية

-سيادة العقيد..مطلوب القبض عليك

إرتفع حاجباه بـ دهشة ولم يرد فـ قد جمدت الصدمة لسانه..وأخيرًا إنفكت عقدة لسان ذاك الجامد وقال بـ نارية

-مفيش حد هيجي معاك فـ حتة..
-تحدث الأخر:يا سيادة الرائد آآآ...
-قاطعه عدي بـ شراسة:ولا كلمة..أتفضلوا مشوا من هنـ...

وكان نصيب مُقاطعة حديثه من والده..إذ وضع يده على ذراعه وقال بـ هدوء

-ثواني ألبس وأجي معاكوا

إلتفت إليه عدي بـ دهشة و بـ نبرة مذهولة قال

-بابا..أنت بتقول إيه؟!
-إغتصب رفعت إبتسامة وقال:مفيش داعي لكل دا..أكيد في سوء فهم...

تحرك ناحية الداخل وقال

-أنا هروح يا عدي هشوف في إيه..والموضوع مش هياخد وقت..

ودلف إلى الغرفة..بينما كور هو قبضته بـ غضب حتى برزت عروقه..ثم تساءل من بين أسنانه

-ممكن أعرف مقبوض عليه ليه؟!
-مش مسمحولي أصرح بـ أي معلومات...

همّ عدي أن يتحدث إلا خروج والده قد منعه..ربت على منكبه وقال بـ جدية

-متخليش أمك تعرف حاجة..خليك جمبها متجيش...
-بس يا بابا آآ...

أشار بـ يده يمنعه عن الحديث ثم قال بـ صرامة

-هى كلمة وإسمعها..لو عوزت حاجة أكيد هعرف أوصلك

وإلتفت إلى الواقف خارجًا ثم أشار بـ يده قائلًا

-أتفضل...

أماء صاحب الزي العسكري وتحرك بـ من معه..أغمض عدي عيناه بـ غضب وقهر...

لم يستطع البقاء أكثر وضرب بـ كلام والده عرض الحائط..أغلق باب المنزل وإندفع على درجات السلم كـ البرق..وصل إلى سيارته وقبل أن يصعدها..وجد عز الدين يقف أمامه على الجانب الأخر يضع كِلتا يداه في جيبي بنطاله...

****************************************

دلفت إلى ذاك الكوخ مرة أخرى تاركة خلفها يونس الذي قد غطّ في ثُباتٍ عميق بعك هذا التعب الذي نخر عظامه وأهلكه..وجدته يجلس موليها ظهره..إبتسمت ثم نادت عليه

-يونس!!

إرتبك يونس من صوتها وسريعًا أخفى شيئًا ما في جيب بنطاله..لاحظت بتول إرتباكه وما أخفاه في جيبه..ضيقت حاجبيها وتساءلت بـ فضول

-إيه اللي خبيته دا!

إلتفت إليها يونس وقد إرتسم على وجهه تعبير اللا مبالاه..ثم قال

-أنتي مراتي!
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت:أفندم؟
-بسألك أنتي مراتي؟!
-وجاء الرد قاطع:لأ
-خطيبتي!
-وأيضًا:لأ
-متكلم عليكي؟!
-زفرت بـ ضيق وردت:لأ

إقترب منها ثم ضربها على مُقدمة رأسها قائلًا بـ سماجة

-أومال بتدخلي فـ اللي ميخصكيش ليه!
-إرتفع حاجبيها بـ دهشة وتشدقت:نعم!!

قهقه يونس لكي يستفزها ثم قال

-أه من تدخل فيما لا يعنيه..وجد ما لا يُرضيه
-أشارت بـ بسبابتها في وجهه وقالت بـ حدة:بقى كدا!

وعلى حين غرة..أمسك إصبعها وقبّله ثم قال بـ عبث

-كدا..

ثم كانت القُبلة التالية في باطن كفها..وقال ونبرته تحتفظ بـ عبثها

-ونص...

والتالية كانت من نصيب معصمها ومن ثم همس

-وتلات تربع كمان...

كل هذا حدث في جزء من الثانية..بدءًا من إختطاف إصبعها وسرقة قُبلة..ثم باطن كفها وعملية السطو التي إفتعلها..ثم معصمها الذي فجّر عروقه بـ تلك الرفرفة عليه..وهى تائهة ما بين دقات قلبها التي كادت أن تُحطم قفصها الصدري ولمساته الرقيقة التي إعتادت عليها في الأونة الأخيرة..بل وللحق مُنذ أن إلتقاها وهو يُغدقها بـ الحنان والأمان...

إصطبغت وجنتيها بـ حمرة قانية و قد لُجم لسانها بـ لجام مشاعره..كان يونس يُراقب خجلها الذي أقسم أنه قمة الأغراء..رفع رأسها الذي نكسته خجلًا مُجبرًا إياها على النظر في عيناه..وكأنه سحب نظراتها بـ مغناطيس لتتعمق في النظر إليه..أمسك يونس كفيها ثم همس بـ عذوبة

-هتعرفي فـ الوقت المناسب...

وبـ شرود تام كانت تومئ بـ رأسها موافقة لما يقول..إرتسمت إبتسامة عذبة التي تُذيبها بـ مشاعر بدت تألفها وتعلم ما هيتها..تنحنحت بـ صوتٍ يكاد يخرج

-هو..هو أنت بقيت كويس!

وكـ طفل مُطيع أماء بـ رأسه لأعلى وأسفل لتبتسم بـ دورها ثم هتفت بـ سعادة

-الحمد لله..أنا خفت عليك أوي

إبتسم بـ سعادة ولم يرد..فـ أكملت حديثها

-أحنا مش هنمشي من هنا!!..أنا خايفة ليرجعوا
-ضغط على يدها وقال:متخافيش..أحنا هنمشي دلوقتي...
أخرج من جيب بنطاله ذاك الهاتف الخلوي المُؤمن وأتصل بـ أحدهم..ثوان وأتاه الرد..ليقول يونس بـ جدية

-محمد..أنت قدامك أد إيه!
-أجابه محمد:فاضلي بالظبط أربع ساعات وأوصل..

ثم سأله

-عارف المكان!!!
-رد عليه يونس:أيوة عارفه..هنكون فـ المعاد...
-تمام...

ثم أغلق الهاتف وجه حديثه إلى بتول

-يلا هاتي الشنطة عشان هنتحرك دلوقتي...
-أماءت بـ رأسها وقالت:طيب...

وإتجهت ناحية الحقيبة وإرتدتها على ظهرها وتحركا من ذاك الكوخ دون أن يُخلفا أثرًا خلفهما...

***************************************

أغلق عدي باب السيارة بـ عنف ثم إتجه ناحية عز الدين..الآن إتضحت الصورة..هو السبب في تلك الكارثة..كان الشرر يتقافز من عيناه وذلك الغضب الذي يُحركه يكفي لإحراق مدينة بـ أكملها...

كان عز الدين يبتسم بـ إبتسامة ظافرة وشامتة..شخّص أبصاره على ذاك الغاضب الذي يعدو بـ إتجاهه فـ تتسع إبتسامته..وكـ الأسد إنقض عليه عدي يُمسكه من تلابيبه..ثم هدر بـ صوتٍ جهوري

-هقتلك يا عز..هى وصلت لأبويا!..أقسم بالله....

قاطعه عز الدين وهو يُزيل يد عدي عنه ثم قال بـ خبث

-تؤتؤتؤتؤ..متحلفش ع حاجة مش هتعملها

أعاد وضع يده في جيب بنطاله ثم تشدق بـ برود

-حياه أبوك وحياتكم فـ إيدي

كز عدي على أسنانه قهرًا وغصبًا..صمت يستمع باقي حديث ذلك الحقير

-أخوك يرجع اللي يخصني..أرجعلكوا أبوكم
-ضيق عدي عيناه وتساءل:يعني إيه؟!
-كشر عز الدين عن أنيابه وقال بـ حدة:خطيبتي اللي أخوك خطفها..ترجعلي وأنا أقفل ع قصة أبوكم دي بالضبة والمفتاح

إزدرد عدي ريقه وهو يرمقه بـ إستحقار..ثم تشدق بـ إشمئزاز

-بتساومنا عليها؟!..
-حاجة زي كدا

زفر عدي عدة مرات عله يجد مفر من تلك الصقفة ولكن لا يوجد..هو لن يستطيع مُجابهه ما فعله عز الدين..يعلم أنه أحاك شباكه بـ حرفية بـ حيث أنه لن يضع المفتاح بـ يد عدي أو العقيد سعد..وضع يده على وجهه ثم قال بـ قلة حيلة

-ماشي..
-إتسعت إبتسامة ظافرة على محياه وقال:حلو أوي..قدامك أربعة وعشرين ساعة وألاقيها هنا...

أشار بـ سبابته بـ تحذير وهتف بـ وعيد

-لو عدى يوم وثانية ومرجعتش..هخليك تستلم جثة الوالد...

ثم تركه ورحل..تاركًا خلفه عدي يتآكل غيظًا وغضبًا...

أخرج الهاتف من جيب بنطاله وإتصل بـ صديقه...

-أيوة يا عدي خير!!
-وهيجي منين الخير طول ما عز الكلب دا عايش

عقد محمد بين حاجبيه بـ قلق وتساءل بـ حيرة

-في إيه يا عدي قلقتني؟!
-وضع عدي يده على رأسه ثم قال:أنت فاضلك بالظبط أربع ساعات وتوصل...صح!!
-أها...

أخذ عدي عدة أنفاس عله يُطفئ لهيب تلك النار التي تحرق صدره ثم قال

-لما تقابل يونس..قوله يفضل فـ السويد يخلص اللي سافر عشانه
-تساءل محمد بـ تعجب:أومال أنا مسافر ليه!
-عشان تجيب خطيبة المحروس

قالها بـ جمود حاقد على تلك الفتاه التي قلبت حياتهم رأسًا على عقب..ردد محمد خلفه بـ بلاهة

-أجيب خطيبة المحروس!!..قصدك مين؟
-تأفف عدي بـ ضيق وهدر بـ نفاذ صبر:هو أحنا بنتكلم عن مين!
-رد محمد بـ سرعة:أه..معلش..مش مستوعب بس الصدمة

صمت ثم تساءل بـ توجس

-طب ليه!
-تنهد عدي بـ حرقة:متسألش ليه..لما توصل خليه يكلمني...

حاول محمد الحديث والتساؤل لكن عدي تشدق بـ صرامة

-صدقني يا صحابي..مش هقدر أقول أي حاجة..نفذ اللي قولتلك عليه..وخلي بالك من نفسك...

ثم أغلق الهاتف وإتجه إلى سيارته عازمًا على التوجه إلى مقر العمل لكي يفهم ما يحدث...

**************************************

-والنبي يا يونس نستريح..نفسي إتقطع

قالتها بتول وهى تقذف الحقيبة وترتمي على الأرض العُشبية..جلس يونس بـ جانبها ثم قال بـ هدوء

-تمام يا ستي وأدي قاعدة...

أخذت تتلاعب بـ تلك الحشائش الخضراء..ثم ما لبثت وإنفجرت ضاحكة..تعجب يونس منها وضحكاتها لا تتوقف مما جعله يبتسم ويتساءل

-بتضحكي ع إيه!

وضعت يدها على فاها تكتم ضحكاتها ثم قالت بـ تشنج ضاحك

-أصلي متخيلتش أني أعيش حاجة زي دي..أكشن بقى وهروب..حاجة زي الأفلام...

حمحمت ثم أكملت

-بيفكرني بـ فيلم توم كروز وكاميرون دياز..تقدر تقول زيها بالظبط
-إبتسم يونس بـ إتساع ثم قال:بس لسه في حاجة ناقصة
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت:اللي هي!!

إقترب يونس من وجهها ثم همس

-أنه كان..آآ

أشارت بـ سبابتها بـ تحذير ثم قالت بـ حدة

-شوف إياك..إياك تفكر فـ حاجة زي دي وإلا
قهقه يونس ثم قال بـ إستمتاع:وإلا إيه!!

ضيقت عيناها بـ ضيق ثم قالت بـ مكر

-بلاش أقولك...
-ليبادلها المكر:لأ قولي..ولا أنتي أخرك فاضي

لوت شدقها بـ غضب..ثم نهضت جالسة على رُكبتيها وبـ سبابتها أشارت

-أنا مش أخري فاضي..وع فكرة أقدر أعمل حاجات كتير

تمدد على الأرض العشبية ثم وضع كِلا ذراعيه أسفل رأسه ثم قال بـ خبث

-وريني حاجة من الحاجات الكتير...

لم ترد عليه بل ظلت تتنفس بـ صوتٍ عال يدل على مدى غضبها..إبتسم يونس بـ إستفزاز وأغمض عيناه...

ثوان وشعر بـ أنفاس ساخنة تلفح وجهه جعلته يفتح عيناه سريعًا..ليجد وجهها قريب من وجهه بـ شدة..حتى أن خُصلاتها القصيرة تناثرت على وجنتيه..إتسعت عيناه وهو يراها ترمقه بـ تحدي واهن وخاصةً أن تلك الحمرة قد إكتسحت وجنتيها...

إرتفعت وتيرة أنفاسه وسرت بـ جسده رجفة أطاحت بـ ثباته..أما هى فلم تقل عنه خوفًا وإرتعاشة جسدها كانت دليل موثق على ذاك..أغمضت عيناها ثم فتحتهما بـ بطء مُتعمد..ثم مالت تُقبل وجنته بـ خفة ورقة..جعلت قبله ينتفض من بين أضلعه..جعلت أوردته تضخ كميات كبيرة من الدماء المُحملة بـ الإدرنالين...

إبتعدت عن وجنته وكادت أن تبتعد عنه نهائيًا..إلا أن يده التي وضعها خلف عنقها أعاقت تحررها..كانت عيناه تتوهج بـ وهج أصابها بـ الرعب..جعلها تهتف بـ جزع
-يونس!!!
-همس يونس بـ صوتٍ أجش:متولعيش نار أنتي مش هتقدري تطفيها

ولم تعلم لما إبتسمت وهمست بـ تلك الكلمات

-بس عارفة أن النار دي مش هطولني ولا هتأزيني..مش كدا يا يونس!!

إبتسم يونس وهو يُزيح خصلة خلف أذنها وهمس بـ عشقٍ خالص

- كدا يا قلب يونس...

ثم أبعد يده عنها ليترك لها المساحة لتتحرك..نهضت هى ونفضت الأتربة عن ملابسها..لينهض هو الأخر بـ مُساعدتها..إرتدت الحقيبة ثم هتفت بـ غرور

-عرفت بقى أني أعرف أعمل حاجات كتير!
-إقترب منها خطوة ثم هتف بـ عبث:ما بلااااش

إنتفضت فزعة وركضت ثم هتفت بـ توتر

-مين قالك إني بعرف أعمل حاجة..أنا بوء أصلًا

قهقه يونس بـ شدة..ثم لحقها وهو يضع يده على وجنته التي قبّلتها..كان لا يزال يشعر بـ رطوبتها أسفل أنامله..لتتسع إبتسامته أكثر وهو يقسم بـ أغلظ الإيمان أنه لن يهدأ حتى يجعلها ملكًا له دائمًا وأبدًا...

*****************************************

وصلا إلى المكان المُحدد الذي سيتقابلوا فيه مع محمد..تشدقت بتول وهة تضع يدها في خصرها

-هما فين!!

رفع يونس رأسه ليجد الطائرة قادمة في إتجاههما..أخفض رأسه مرة أخرى وقال

-أهم..

ثم جذب يدها ليبتعدا مسافة كافية حتى تهبط الطائرة..أغلقت بتول عيناها من الأتربة التي تقتحمها...

وبعد دقائق حطت الطائرة وسكنت..هبط منها محمد وإتجه ناحيتهما..ضمّ يونس إلى أحضانه ثم قال بـ نبرة صادقة

-وحشتنا يا بطل...

ربت يونس على ظهره ثم قال بـ إبتسامة

-تسلم يا محمد

إبتعدا عن بعضهما ثم قال يونس بـ جدية

-جاهز!!
-مسح محمد طرف أنفه ثم قال:كلم عدي..عاوزك
-ليه!!

تساءل يونس بـ تقطيبة ولكن محمد رفع منكباه دليلًا على جهله..أخرج هاتفه وأجرى إتصال مع أخيه..نظر إلى بتول التي تبتسم له ليبادلها الإبتسام..ثم توجه بعيدًا عنهما..أتاه صوت أخيه فـ تساءل يونس

-خير يا عدي !

قص عدي عليه كل ما كان..إحتقنت عيناه بـ شدة وإرتجف جسده غضيًا..تساءل من بين أسنانه

-يعني إيه!
-زفر عدي بـ ضيق وقال:يعني هى مُقابل أبونا...

أغمض عيناه بـ حزن غاضب..ثم إلتفت إلى بتول التي تُطالعه من بعيد..عاد يلتفت وهو يفرك عيناه بـ ضعف..هى مقابل أبيه..لا يستطيع تركها ولا يستطيع ترك أبيه..وقبل أن يغرق بـ أفكاره ويجد حلًا ما..كلن عدي يسبقه بالحديث

-يونس مش وقت تفكير..رجعها كفاية عليها كدا..صدقني دا أحسن ليك وليها ولينا كلنا
-همس يونس بـ حزن:مش هقدر
-لأ وألف لأ..أبوك أهم دلوقتي..متخليش حبك يعميك عن اللي بيحصل..هى هتضيع منك..وأبوك كمان..أخسر حد فيهم

صمت ثم تابع ليضغط على ذاك الوتر

-هتقدر تخسر أبوك !
-وكان الرد سريع:لأ
-خلاص رجعها...

رفع رأسه إلى السماء..ثم نظر إليها مُطولًا..هتف وهو لا يزال يُحدق بها

-خد بالك منها يا عدي..هى أمانة فـ رقبتك لحد أما أرجع

صمت ثم تابع بـ حسرة على الفراق

-حافظ على مرات أخوك..متخليش الـ*** دا يلمسها
-تمتم عدي بـ هدوء:حاضر يا أخويا..متخافش...

ثم أغلق الهاتف وهو يمنع تدفق العبرات من مُقلتاه..وضعه في جيب بنطاله..ثم إتجه إليها...

ما أن وجدته يتقدم منها حتى ركضت بـ إتجاهه وجذبته من يدن ثم قالت بـ حماس

-يلا..يلا

إغتصب إبتسامة وسايرها..كان يسير خلفها كمن يُساق إلى إعدامه..رفع نظره إلى محمد وأشار بـ رأسه..تفهم محمد وبادله ثم إتجه إلى الطائرة وأدار مُحركها...

صعدت الطائرة وجذبته..إلا أنه رفع يده الأخرى وحلها عنها..عقدت ما بين حاجبيها ليقول بـ حزن

-أنا مش جاي معاكي...

شحب وجهها تدريجيًا وإرتفع وجيب قلبها بـ خوف..إبتسمت بـ إرتباك ثم قالت بـ عدم تصديق

-أنت بتهزر..مش وقت هزار..يلا يا يونس

وكادت أن تمد يدها إليه ولكنه أبعدها..وقال بـ قشرة صلابة واهية

-مينفعش..
-صرخت بـ إهتياج:هو إيه اللي مينفعش!..ها قولي!..ولا أنت كنت بتضحك عليا!
-رد عليها مُسرعًا:عمري ما فكرت أضحك عليكي..بتول انا بحبك
-وصرخت هى بـ المقابل:كداب..أنت واحد كداب

أحاط وجهها بين يديه وقلبه يتآكل حزنًا على بتوله..ثم همس بـ عشقٍ خالص

-لأ مش كداب..أنا بعشقك يا بتول..بعشق كل ذرة فيكي..بعشق كل تفصيلة من تفاصيلك
-همست بـ تحشرج وقد سالت عبراتها:وعشان كدا بتبعدني عنك صح!!
-قاوم عبراته قدر المُستطاع وهمس بـ صوتٍ مبحوح:عشان بحبك وخايف عليكي ببعدك..شوفتي اللي حصلي واللي كان هيحصلك بسبب ضعفي!..مش هقدر أشوفك تتأذي بسببي..مش هتحمل...

بدأت في الإنتحاب وقد علت شهقاتها..ليجذبها في أحضانه وهى تحاول التملص منه ولكنه لم يدعها..ظل يُملس على خُصلاتها...

مر العديد من الوقت ويونس يُحاول تهدئتها وإقناعها..وبـ بجهدٍ مضني وافقت على مضض..ولكن عبراتها لم تتوقف..رفع يدها ثم لثمها وقال بـ حزن لمسته

-فراقك على عيني
-همست بـ تحشرج:أوعى مترجعليش يا يونس!

جذبها مرة أخرى في أحضانه وإعتصرها بـ شدة..ثم قال بـ تنهيدة حارة

-مقدرش يا قلب يونس..هرجع عشان أسرق أول رقصتي معاكي..هسرقها منك...
-وعد!!
-أغمض عيناه وقال:وعد..

ثم حررها وصعدت الطائرة..أغلق الباب وعيناه لم تتزحزح عن خاصتها الباكية..كان يشعر بـ إقتلاع روحه مع إقتلاع تلك الطائرة...

وما كادت أن تصعد الطائرة مسافة مترًا واحدًا حتى وجدها محمد تفتح باب الطائرة ليهتف بـ جزع

-يا أنسة!!

ولكنها لم ترد عليه بل قفزت من الطائرة..بـ التزامن مع إرتفاع أنظار يونس إلى الأعلى..فـ تفاجأ بها تقفز..ليستقبلها بـ أحضانه بلا وعي أو تفكير...

أحاطته بتول بـ كل قوتها دافنة رأسها في عنقه..وهو يحتضنها وكأنها النفس الأخير الذي سيتنفسه..رغمًا عنه إبتسم هاتفًا

-أه يا مجنونة...
-أنا غبية..والله غبية...
-ضحك يونس ثم قال وهو يدفن رأسه في خُصلاتها:مصدقك من غير أما تحلفي...

شددت من إلتفاف يدها حول عنقه ودفنت رأسها أكثر..ثم صرخت بـ صوتٍ مبحوح

-أنا بحبك..بحبك أوي يا يونس...
كلمة السر التي تفتح جميع الخزائن..هي كلمة الحب...

تجمدت يداه عليها..تخشب جسده وبدت على ملامحه الغموض وكأنها قالت طلاسم يعجز عن عقله ترجمتها..بينما هى ظلت تحتضنه وتبكي...

أخيرًا إستعادت عضلاته القدرة على الحركة..أبعدها عنه وقد إرتفع وجيب قلبه وكأنه يخشى أن ما قالته خيال..إزدرد ريقه بـ صعوبة ثم قال بـ خفوت

-أنتي قولتي إيه!!
-أزالت عبراتها بـ يدها وقالت بـ إبتسامة خجولة:قولت بحبك...

أغمض عيناه وأخذ شهيقًا عميق وكأنه يستنشق الكلمة التي لم تمر عبر مسامعه فقط..بل وحُفرت في فؤاده..وُشمت على جسده كله..كلمة طالت نفسه إلى سماعها وكأنها الترياق..

جذبها مرة أخرى في أحضانه بـ قوة وإلتفت يداه حولها حتى كادت تعتصرها..دفن رأسه في خُصلاتها وقال بـ تأوه

-اااه..وأخيرًا قولتيها..أخيرًا حسيتي بيا
-إبتسمت وقالت:إتأخرت عارفة..بس مكنش ينفع مقولهاش...

وإلتفت يدها حوله تضع رأسها على صدره..وإبتسامتها العاشقة تحولت لأخرى خجولة..وهى تستشعر قُبلته على أذنها..رقيقة مثلها..وجامحة كـ مشاعره..ثم همس في أُذنها بـ سأم

-أعمل فيكي إيه دلوقتي!..أحلف ما سيبك ونموت سوا..ولا أسيبك تروحي وأشتاقلك؟!
-إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقالت:أنا مش عاوزة أشوفه يا يونس..خايفة!!

خائفة..كان وقع الكلمة مُرعب على مسامعه..أتخاف وقد كُتب لحبهما الحياه!..أتخاف وقد وعدها الحماية!..أتخاف وهى تقول أنه الأمان والحصن!..ألا تعلم الأميرة أنها ستُحتجز في ذلك البرج المُحصن..ذاك البرج الذي لن يتخطاه الأعادي...

تنهد عدة مرات ثم أبعدها عنه وقال بـ جدية

-إسمعي..قولتلك متخافيش طول ما أنا معاكي
-هزت رأسها بـ نفي وهتفت بـ إعتراض:بس أنت مش معايا

أحاط وجهها بـ يديه وتشدق بـ حب

-لأ معاكي وفـ قلبك...

كاد أن يُكمل ولكن قاطعه محمد قائلًا بـ نفاذ صبر

-يونس..التأخير مش فـ صالحنا..هنتكشف

نظر له يونس وأماء بـ رأسه..ثم عاد ينظر لها قبّل طرف أنفها وقال بـ تنهيدة حارة

-كل اللي عاوزك تعمليه..أنك تمثلي عليه..أنتي متعرفيش حاجة
-مش هعرف
-لأ هتعرفي..عشانك..عشان ميقربش منك..سمعاني!!

أماءت بـ رأسها ولا تزال عبراتها تجري..أزال هو تلك اللألئ بـ إبهاميه..ثم أب يده وأخرج من جيب بنطاله حلقة نُحاسية لُفت فوق بعضها عدة مرات بـ صورة مُتتالية لتُكون حلقة عريضة..أمسك يدها اليمنى و وضع بـ بنصرها تلك الحلقة وقال بـ مرح

-هو المفروض أطلب إيدك بـ خاتم ألماس..بس دا المُتاح حاليًا...

إمتزجت عبراتها بـ ضحكات على عرض الزواج الغريب..لتقول بـ إبتسامة وهى تتأمل تلك الحلقة

-يعني المفروض أنك بتطلبني الجواز!!

أماء بـ رأسه بـ قوة..لتعود وتضحك بـ قوة..ثم قالت بـ سعادة

-أنا موافقة..موافقة

تهللت أسارير يونس ما أن نطقت "موافقة"..كاد يقفز كـ المجنون فرحًا بـ موافقتها..ولكنه أحجم جنونه حاليًا..ليرفع يُمناها مُقبلًا بنصرها فوق الحلقة النُحاسية مباشرةً بـ رقة ورُقي...

وضعت هى يدها على لحيته الشبة طويلة ثم قالت بـ رجاء

-إرجعلي بسرعة
-هتف بـ أبتسامة:هرجعلك أسرع مما تتخيلي..هرجعلك وهاخدك فـ حضني قدام كل الناس..

إقتربت بـ بطء وقبلت وجنته بـ خجل..ثم هتفت بـ صوتٍ شبه مُتلعثم

-هسـ..هستناك توفي بوعدك..دا وعد الحر دين
-إبتسم بـ عذوبة ثم تشدق:دا لما يبقى حر..مش محبوس بين جدران حبك...

وقُبلة أخرى على الجبين ثم دفعها إلى الطائرة..نظر إلى محمد وقال بـ صرامة

-تخلي عدي يسلمها لأهلها...
-تمام..

وتحرك محمد من أجل الإقلاع بـ الطائرة..وقف أمام الباب وظل ينظر لها من خلفه..تحركت شفتاه وهو يصرخ بـ جنون ما أن بدأت الطائرة بـ الصعود

-بحبك...

**************************************

وعلى الجانب الأخر ما أن تلقى من صديقه تحركه بها..إلا وقد إتصل بـ عز..ليأتيه صوته البغيض

-هااا؟!
-هتف عدي من بين أسنانه:حصل..وبتول كمان حداشر ساعة وهتكون فـ مصر...
-إتسعت إبتسامة عز وقال:حلو أوي...
-هدر عدي بـ صوته الجهوري:وأبويا

صمت عز الدين عدة لحظات ليُسري التوتر في جسد عدي..إلا أنه قال بـ الأخير بـ نبرة باردة

-تقدر كمان ساعتين ونص توصله بيتكم...

قبض عدي على يده بـ غلٍ بائن ثم تشدق من بين أسنانه بـ وعيد

-نهايتك هتكون ع إيد ولاد العقيد رفعت...
-سلام...

قالها عز الدين بلا مبالاه وأغلق الهاتف..وضعه بـ جانبه على الأريكة الخلفية..ثم أمر سائقه بـ جفاء

-إطلع على بيت الدكتور إسماعيل
-حاضر يا عز بيه...

وإنطلقت السيارة في إتجاه المنزل...

****************************************

كان المنزل يسوده حاله من الركود..وكأن الطقس أصبح غائم والسماء تُمطر بـ غزارة..خمول شديد حلّ على أصحاب المنزل مُنذ إختفاءها...

والدتها تضع صورتها بـ أحضانها وتبكي..و والدها لم يترك أحدًا من معارفه ولم يطلب منه المساعدة..أخيها الذي إستطالت لحيته وقد بدأ يُصيبه اليأس..فقد لذة الحياه مع فقدها...

صوت طرقات على باب المنزل نبأت إسماعيل الذي نهض بـ فتور من مقعده ليتجه ناحية الباب..فتحه ليجد عز يقف أمامه..فـ هتف بـ ذهول

-عز!!
-تسمحلي أدخل يا عمي؟!

تجهم وجه إسماعيل بـ شدة فهو لم ينسَ أن ما حدث كان هو السبب الرئيسي به..إبتعد قليلًا ليترك له المساحة ثم قال بـ إقتضاب
-إتفضل...

دلف عز الدين ولم يتعجب من حالة التهجم التي أصابته..فـ هو يعلم أنهم يلوموه على ما أصاب إبنتهم..دلفت بدرية خارج الغُرفة وهى تتساءل بـ فتور

-مين يا أبو...

وإنقطعت جملتها ما أن رأته أمامها..تطاير من عينيها الشرر إنطلقت في إتجاهه كـ قاذفة صاروخية وهى تهدر بـ عنف

-وليك عين تيجي هنا..جاي بعد أما بنتي راحت

قالتها وقد أتبعها نشيج..أمسكته بـ تلابيبه وظلت تهزه بـ قوة وبـ حرقة قلب أم على فلذتها قالت

-ضيعت بنتي منك لله..حسبي الله ونعم الوكيل فيك..حسبي الله ونعم الوكيل فيك..بنتي ضاعت..بنتي ضاعت مني

قالتها بـ تحسر..أما عز فـ بقى جامدًا يلا يتحرك..يعلم أنه يستحق فـ هو من أوقعها في تلك المُعضلة..أسرع إسماعيل يُبعدها عنه وهو يقول بـ حدة

-بس يا أم إسلام..مش أصول..الراجل فـ بيتنا

كادت أن تتحدث ولكنه أشار بـ يده لتصمت..ولكنها لم تكف عن حدجه بـ نظرات مُشتعلة..إلتفت إليه إسماعيل وقال

-إتفضل

دلف عز ولم يؤثر به ما حدث..فقط محبوبته ستأتي وتكون بـ أحضانه بعد عدة ساعات..جلس في الصالون ومعه بدرية وإسماعيل

وعلى إثر الجلبة الخارجية خرج إسلام..وما أن لمح هو الأخر حتى إرتسمت معالم الشراسة على وجهه..كاد أن يتهجم عليه ضربًا ولكن والده أمسكه من معصمه وتشدق بـ صرامة وحزم

-الراجل جاي يقول كلمتين هنسمعهم وهيتكل ع الله..لو هتقل أدبك يبقى تخش أوضتك..
-هتف إسلام بـ إعتراض:بس يا بابا...
-قاطعه والده:بلا بس و لا مبسش..أنا قولت كلمة

وعلى مضض جلس إسلام وهو الأخر يحدجه بـ نظرات حارقة..قابل عز كل هذا بـ برود..ليبدأ إسماعيل الحديث

-جاي ليه يا عز!!
-تنحنح عز وقال:أنا عارف أنكوا مش طايقني لأني السبب فـ إختفاء بتول
-حدجه إسلام بـ سخرية وقال:وهو أنا شوفنا خلقة حضرتك من ساعة أما إتخطفت..

حدجه إسماعيل بـ تحذير ليصمت إسلام على مضض..تجاهل عز الدين ما قاله وإستطرد حديثه

-أنا عاهدت نفسي إني أحميها..بس فشلت مرة..وندمان..بس والله ما سكت أبدًا..أنا عملت اللي عليا كله عشان أرجعها...

إبتسم بـ حبور ثم تابع

-وعشان كدا هي هتكون هنا كمان كام ساعة...

صدمة ألجمت الجميع..ربما صُعقت أبدانهم مما قال فـ شلت أعضاؤهم وعضلاتهم عن الإستاجة لأي مؤثر..كان أول من تحدث هو إسماعيل وهو يهتف بـ عدم تصديق

-أنت بتقول إيه!
-أيوة يا عمي بتول هترجع النهاردة

إنتفضت بدرية تسأله بـ سعادة ممزوجة بـ خوف

-يعني أنا هحضن بنتي كمان كام ساعة!..طب هي كويسة!..محصلهاش حاجة صح!!

وبـ الرغم من جهله إلا أنه أماء بـ نعم لتتهلل أسارير الجميع بـ فرحة جعلت إسماعيل يسجد لله شكرًا..لتضم بدرية يدها إلى صدرها قائلة بـ بُكاء

-الحمد لله يارب..بنتي هترجع
-إحتضنها إسلام وهو يبكي بـ سعادة ثم قال:بتول هتنام فـ حضننا يا ماما

ربتت على ظهره وإختلط صوت شكرها لله مع بكاءها..إحتضنهم إسماعيل ولسان حاله لا يتوقف عن الشكر وذكر الله..أخذت بدرية تُثرثر بـ ما ستفعله ما أن تعود إبنتها...

تركهم عز ورحل..ليدلف خارج المنزل وهو يبتسم بـ سعادة..ساعات فقط وتعود بتول إلى أحضانه..رفع حلقته الفضية وقبلها بـ حب..ليهمس بـ إصرار

-أول أما ترجعي هنتجوز يا قلب عز...

***************************************

وعلى الجانب الأخر ما أن أختفت الطائرة حتى جلس يونس على الأرض يضع رأسه بين يداه وإبتسامته لا تُغادر شفتيه..ظلت كلمتها "بحبك"تتردد في أُذنيه مرات لا يعلم عددها...

تمدد على الأرض واضعًا يده خلف رأسه وقال بـ حزن رُصع بـ السعادة

-وحشتيني من دلوقتي يا بنت السلطان...

وظل عقله يعمل..كيف سيكون اللقاء بعدما يُنهي عمله هنا!..بالطبع الإشتياق سيكون سيد الموقف..ليعود ويبتسم وكلمتها تتردد في أذنه...

وعلى بعد أمتار عديدة..كان أحدهم يُراقب ما يحدث بـ إبتسامة خبيثة..رفع هاتفه وإتصل بـ عز الدين

-أيوة..كل حاجة حصلت..وخطيبتك مشت
-إبتسم عز الدين بـ ظفر وقال:منا عارف..أخوه قالي
-حك سيف ذقنه وقال:طب هنعمل إيه!...

إلتفت إلى تلك التي تتطلع إلى يونس بـ هيام..ليضحك بـ سخرية..ثم عاد يسأل عز الدين الذي طال صمته

-ما ترد!

وأتاه صوت عز الدين الخالي من الحياه بـ نبرة تحمل عداء قال

-أقتل يونس...
الحب دون سائر العواطف فهو يهاجم في آن واحد...

الرأس والقلب والحواس...

-حاضر

خرجت تلك الحروف خبيثة من فاه ذلك المعتوه الذي يحلم هو الأخر بـ موته..أغلق الهاتف ثم إلتفت إلى ذاك الذي يقف بـ جانبه وتشدق

-هيا أقتله...

أماء الرجل بـ رأسه وتوجه ناحية يونس..أما الأخر فـ إلتفت بـ خبث وتشدق إلى التي تقبع بـ جانبه

-إن أردتي الفوز بـ ذلك الحب..فـ أنقذيه

نظرت له أنچلي بـ عدم فهم..ليُخرج هو سلاح من خلف جذعه ومدّ يده به ثم قال بـ كلمات ماكرة

-هيا أقتلي الوغد الذي سيقتل معشوقك
-ماذا؟

هتفتها بـ إستنكار ورعب..ليضع السلاح بين يديها وبنبرة إصطنعت البرود قال

-لكِ الأختيار..أعتقد أنه سيموت لا محالة..هذا الأرعن مُحترف وأنتي ستخسرين حبًا بـ التأكيد...

ثم أغمض عيناه واضعًا رأسه على مسند المقعد..وبعد ثوان سمع صوت باب السيارة يُغلق..إبتسم بـ خبث شيطاني وأدار المُحرك ثم رحل...

وعلى الجانب الأخر كان ذاك الرجل قد وصل إلى يونس..وما كاد الأخير أن يلتفت حتى وجد تلك القبضة تهوي على وجهه...

ترنح يونس إثر الضربة..فـ قواه الجسدية مُنهكة بـ درجة عالية..والأخر جاثيًا فوقه يكيل له اللكمات وهو يُحاول صدها قدر الإمكان..وبـ الفعل وبـ حركة سريعة أمسك حفنة من الرمال وقذفها في وجه الأخر..تشتت و وضع يده على عيناه ليستغل يونس ذلك الوضع وينقلب الوضع..أبعده عنه ثم ركله بـ بطنه ليسقط على الأرض...

نهض يونس والأخر نهض..وقبل أن يتقدم كان الرجل يُخرج سلاحه موجهًا إياه إلى وجهه..توقف يونس ليدرس الوضع..ولكن لم يكن هناك وقت..فـ قد سحب الأخر صمام الأمان وبعدها إنطلقت الرصاصة...

***************************************

أخذت تطلع إلى تلك الحلقة النُحاسية بـ إبتسامة شاردة..ولكنها كانت الأكثر عاشقة..ظلت تُردد على مسامعها بـ خفوت

-من النهاردة مفيش غيرك يا يونس..مش هعرف أحب غيرك...

نظر إليها محمد فـ وجدها تتطلع إلى تلك الحلقة وإبتسامتها تحكي عنها..إبتسم هو الأخر وتشدق بـ هدوء

-يونس إنسان كويس..كويس أوي ويستاهل إنك تحبيه

إنتبهت بـ أنه يُحدثها..لتقول بـ إستفهام

-أنت قولت إيه!!
-إبتسم محمد وأعاد قوله:بقولك يونس إنسان كويس أوي ويستحق أنك تحبيه

إبتسمت بـ إتساع وظلت أصابعها تُحرك الحلقة وبـ خجل قالت

-منا أخدت بالي
-تنحنح محمد وقال بـ جدية:يونس مش هتلاقي زيه أبدًا ..فـ حافظي عليه..لأن اللي زي البني أدم دا لما نخسره مبنعرفش نعوضه تاني...
-وبـ إصرار طفولي قالت:أنا عمري ما هزعله أبدًا..يونس وراني مفهوم تاني للحب..الحب اللي كنت فاهمها غلط..معاه وبس إكتشفت حاجات كتير...

وإبتسم لها مُجاملة وصمت بعض الوقت..ثم عاد ليتشدق

-إحنا قدامنا عشر ساعات ونوصل...

وعلى وجهها لمح ذلك السؤال المُغلف بـ خوف لـ يقول بـ إطمئنان

-متخافيش..عدي هو اللي هيستلمك و يوصلك لأهلك...

إلتوت شفتيها بـ ضيق ثم تمتمت بـ حنق طفولي

-لأ دا عز أرحم من الظابط على ما تفرج دا...

***************************************

إنطلقت الرصاصة وعم السكون..وضع يونس يتحقق من نفسه هل أصابته الرصاصة أم لا!..بات يشك أنه كان محض خيالات..ولكن إنهيار جثة ذلك الأرعن والدماؤ تتدفق من ظهره..جعلته يوقن أن ما حدث حقيقي...

ومن خلف إنهيار الجثة وجد أنچلي تُمسك السلاح بين يديها المُرتجفة وهى تُحدق في الجثة الهامدة بـ أعين مُتسعة..إتجه يونس إليها سريعًا وهو يسألها بـ حدة

-كيف علمتي أين أنا؟!
-نظرت إليه بـ شرود وقالت:هل مات؟!

زفر يونس بـ ضيق ومن ثم جذبها من ذراعها وتحركا من ذلك المكان..فـ صوت الرصاص كان مُدويًا وبـ الطبع ستحدث الكثير من الجلبة...

وبعد مدة من التحرك أجلسها على صخرةٍ ما ثم جلس أمامها وطلب منها بـ لطف

-أخبريني ماذا حدث!

إبتلعت ريقها الذي جف من الأساس وبدأت في سرد كل شيئًا عليه..ليُتمتم بـ ذهول

-أنتِ أيضًا أنقذتني تلك المرة الأولى؟!

أماءت بـ رأسها بـ خفوت ولم تتحدث..تخللت أصابعه خُصلاته القصيرة بـ عصبية..وهو لا يُصدق ما يُحاك خلف ظهره..أغمض عيناه ليُهدأ من إنفعالاته وبدأ يتحدث بـ صوته الواجم
إذًا كُنا نُساق إلى فخ!
-بلى

قالتها بـ صوتٍ خفيض..حدق هو بها بـ قوة ثم قال بـ جدية

-حسنًا..سأطلب منكِ شيئًا..فهل ستُلبينه!
-أجابت بـ لهفة:بـ الطبع..أي شئ...

ظهرت طيف إبتسامة على شفتاه..فـ ها هو سيعود إلى محبوبته في أسرع وقت..تدفق الإدرنالين من فرط الحماس..ليتشدق بـ نبرة جدية

-حسنًا..أريد منكِ أن تُخبري رئيسك بالعمل أنني متُ..وأن كافة المعلومات معك..إتفقنا!
-وبلا أي تردد هتفت:إتفقنا...

أخذ منها السلاح و وضعه خلف جذعه ثم قال وهو ينهض

-وأخبريه أن يكون المشتري حاضرًا في أسرع وقت..لأن رجال عز الدين يبحثون عنها هم الأخرون...

أماءت بـ رأسها..ثم أمسكت هاتفها وبـ بضع كلمات مُقتضبة وجادة للغاية..حقًا إنبهر يونس بـ ثباتها وتمثيلها الرائع..تمنى أن تكون بتول مثلها من أجلها قبل أن يكون من أجلهما..إنتهت محادثتها وإلتفتت إليه قائلة

-طلب مني أن أذهب إلى المنزل ومعي تلك المعلومات..
-أماء بـ رأسه وقال:عظيم..هى بنا

وكادت أن تتحرك..إلا أنه أمسك يدها وبـ إمتنان حقيقي تشدق

-حقًا شكرًا لكِ..أنقذتي حياتي مرتين
-إبتسمت بـ خجل وقالت:لا داعي لهذا..فقط أفعل ما توجب عليّ فعله..كما أنني أفعل أي شيئًا من أجلك...

تلاشت إبتسامته تدريجيًا وقد فهم ما ترمي إليه ولكنه تصنع عدم الفهم وقال بـ إقتضاب

-هيا لا داعي أن نتأخر...

***************************************

وبعد مرور عشر ساعات..كان عدي يقف في ذلك المكان المُتفق عليه..وفي ظل الإنتظار وجد عز الدين قادم..حل ساعديه وإتجه إليه بـ خطىٍ سريعة وقد تخطى الحرس بـ سهولة..وبـ نبرة حادة تشدق

-أنت إيه اللي جابك هنا!
-جاي عشان خطيبتي..

بـ برود قالها ليستفز عدي أكثر..كور عدي قبضته ومن بين أسنانه هتف

-مينفعش تكون موجود..أنا هوصلها لأهلها وأنت تقدر تشوفها من هناك

إقترب عز الدين منه ودنا بـ وجهه ثم بـ نبرة هادئة حادة قال

-مش بـ مزاجك..أنا هنا لخطيبتي ومحدش هياخدها لأهلها غيري
-زفر عدي بـ ضيق وتشدق بـ نفاذ صبر:أسمع الكلام...
-لأ

قالها عز الدين بـ حزم ثم أكمل بـ قتامة

-ومنين أأمنلك..ما أنت ممكن تطلع زي أخوك وتخطفها
-حجظت عيناه وقال بـ صوتٍ هادر:أنت جرا لمخك حاجة...

تحولت نظرات عز الدين إلى الشراسة وقبل أن يتفوه كان عدي يسبقه بـ غضب

-خلي رجالتك يمشوا ورانا..ومش من حبي فيها هخطفها مثلًا..أنا هوصلها لأهلها ودا بـ أمر رسمي..
-تشدق عز الدين بـ حدة:خلي أوامرك تنفعك..أنا اللي هاخدها...

زفر عدي بـ ضيق..يعلم أنه لن يستجدي من تلك المُحادثة بـ شئ..لذلك بـ عنف دفع الحرس وإتجه إلى الداخل..وبـ سرعة أخرج هاتفه وحادث محمد صديقه الذي رد عليه على الفور

-حالًا يا محمد تغير مكان نزولك لمدرج تلاتة..هنجهزهولك حالًا
-حصل حاجة!!
-هدر عدي بـ عنف:سي عز زفت واقف..وأنا مش هقدر أخلي بوعدي مع أخويا حتى لو كنت بكرها..
-رد عليه محمد بـ تفهم:خلاص..خلاص. أنا أصلًا قدامي بالظبط نص ساعة..كلمهم وأنا هنزل هناك...
-تمام...

تمتم بها عدي بـ إقتضاب..ثم إتجه إلى وحدة التحكم وأخبرها بـ تغيير مدرج الهبوط إلى الثالث..أماء الرجل بـ طاعة وقال

-حاضر يا عدي باشا...

وبـ خطى سريعة تحرك عدي إلى الخارج..رمق عز الدين نظرات ساخطة ومن ثم إختفى عن ناظريه...

وبعد نصف ساعة كانت الطائرة تحط على الأراضي المصرية..هبطت بتول من الطائرة لتجد عدي يقف أمامها ينظر إليها شزرًا ونظراتها لم تقل عنه..دنى منها وبـ تجهم قال

-قدامي يا ست الحسن
-إنتفخت أوداجها غضبًا ومن ثم هتفت بـ حنق:أحترم نفسك يا ظابط نص كم أنت..ويلا عاوزة أشوف أهلي..

كظم غيظه ومنها ولم يرد..أشار بـ يده لها كي تتقدمه..بـ الفعل تحركت بـ خطوات واثقة مرفوعة الرأس..شامخة..إرتفع كِلا حاجبيه بـ عجب وتمتم بـ تعجب

-إيه دا!!..كنت مستحملها إزاي يا يونس..دا أنا من دقيقة وكنت هطبق فـ زمارة رقبتها أطلعها فـ إيدي...
*********************
يا حبيبتي البعد طال..وأنا قلبي داب من الإنتظار...
الشمس تطلع كل يوم..وأنتي غايبة ليل نهار...

كانت تتقدمه بـ بضع خطوات وهو خلفها يعض شفتيه غيظًا من عنجهيتها و شموخها اللا محدود..تسير أمامه وكأنه طليقها وقد فازت بـ دعوى الطلاق..وسؤال واحد تردد في خلده..كيف أحبها يونس؟!...

هز رأسه بـ يأس وأسرع في خطاه إلى أن وصل جانبها ثم تشدق بـ جمود

-حبيب القلب هنا!!
-إلتفتت بـ حماس وقد لمعت عيناها بـ سعادة:يونس!!

يونس!!..عقد ما بين حاجبيه بـ تساؤل ودهشة..ثم تساءل بـ حيرة

-وإيه علاقة يونس بـ الموضوع!!...
-مالت بـ رأسها إلى اليسار و تساءلت بـ توجس:أومال قصدك مين!
-لوى شدقه وقال بـ تهكم:سيادة الوزير...

تجمدت قدماها عن السير..وقد سرت في جسدها رجفة..نوبة ذعر أصابتها وأخذت تهز بـ رأسها يمينًا ويسارًا بـ رفضٍ تام..تعجب عدي من وقوفها وإلتفت إليها ليجدها على تلك الحالة المذعورة..عقد ما بين حاجبيه بـ عدم فهم وقال

-في إيه!
-هذت بـ هستيرية:مش عاوزة أشوفه..هيعتدي عليا زيهم..هيموتني لو رفضت..

حلّ عنه عدم الفهم وبدأت تتوضح الصورة..فـ هى قد علمت كل شئ..هذا ما أخبره إياه يونس..تقدم منها وقد إرتخت معالمه المُتجهمة إلى حدٍ ما ثم قال بـ هدوء

-أهدي..أنا أصلًا وعدت يونس أنه مش هيقربلك..متخافيش...

ولكنها ظلت تهز رأسها بـ خوف..إلا أن عدي جذبها من يدها وقال بـنفاذ صبر

-أخلصي مش فاضي..قولتلك مش هيشوفك ولا هسمحله أصلًا..ودا مش عشانك دا عشان يونس...

وأكمل جرهُ لها وكأنها شاه..وهى ترتجف خوفًا وعيناها تدمعان..لم يكترث لها عدي وأكمل طريقه..وصل إلى السيارة والتي كانت بها روضة التي أصرت على الحضور فـ كم أخبرها عدي بـ كرهه لتلك الفتاه...

فتح باب السيارة الخلفي ودفعها بـ خفة داخله وأغلق الباب..ثم إتجه إلى مقعده بـ وجه خالي من التعبيرات..نظرت إليه روضة وتساءلت بـ خفوت

-أنت كويس!
-نفخ بـ ضيق وقال:وهو حد يبقى معاه البلوى دي ويبقى كويس

إلتفتت روضة تتطلع إلى التي ترتجف بـ الخوف فـ شعرت بـ الشفقة عليها..إستدارت إلى عدي مرة أخرى ثم حدثته مُعاتبة

-مينفعش كدا..البنت ميتة من الرعب ورا..

أدار عدي المُحرك ثم تطلع إليها من المرآة الأمامية..تشدق وهو ينظر إلى روضة بـ حنق

-لولا يونس وصاني عليها مكنتش بقيت حنين معاها كدا...

أما هى كانت في عالم أخر تتمنى الرحيل عن هنا قبل أن يراها عز الدين..وما أن تحركت السيارة حتى إرتخت معالها وتنفست بـ راحة وكأن الأكسجين قد نفذ من المكان...

***************************************

-تفضل بـ الدخول

دلف يونس بـ تمهل ونظرات مُتفحصة للمكان..أغلقت أنچلي الباب ثم أضاءت الأنوار..وبـ تفحص سريع..علم بـ وجود كاميرات مراقبة صغيرة وبـ حنكة رجل مُخابرات أستطاع التعرف على أماكن تواجدهم..إنتشله صوت أنچلي وهى تقول بـ إنهاك

-أختر غُرفة كيفما شئت..المنزل نظيف وأنا لا آتي إلى هنا كثيرًا...
-مط شفتيه وتساءل بـ برود:وأنتِ أين ستمكثين!
-رفعت حاجبيها بـ تعجب ومن ثم قالت بـ بساطة:هنا..معك

إرتسمت شبه إبتسامة ساخرة على وجهه لم تلحظها هى..إصطنع اللامباه وقال

-كيفما شئتِ عزيزتي...

نزعت حذاءها ذو الكعب العالي وحلت رباطة خُصلاتها ثم جلست وقالت بـ إهتمام

-ماذا سنفعل الآن؟
-جلس على مقعد أمامها وقال:سننتظر...

صمت قليلًا وإختلس النظرات يدرس بها الوضع العام للمنزل حتى يُهيئ نفسه للهروب في أي وقت وكذلك رصد الأماكن التي لن تطولها الكاميرات..رفع رأسه بعدها أنتهى من تقييمه وتشدق بـ جدية

-أُريدك أن تختفي عن الأنظار..لا تخرجي من هذا المنزل أبدًا...
-وإن سألني سام!!
-أخبريه أنكِ مُختبئة خوفًا من تلك العصابات التي تُريد ما معكِ..وأنكِ مُختبئة في أحد الأماكن...

ثم أشار بـ تحذير قائلًا

-إعلمي جيدًا بـ أن سام سيحاول قتلكِ إن سنحت له الفرصة بـ ذلك
-أعلم جيدًا

قالتها بـ برود وهى تتلاعب بـ خصلاتها النارية..إلا أنها توقفت فجأة وسألته بـ شيئًا من الغموض

-لمَ أرسلت فتاتك بعيد!
-عقد ما بين حاجبيه وتساءل بـ برود:ولماذا تسألي؟
-رفعت منكبيها بـ فتور وتشدقت:هكذا من باب الفضول

نهض يونس عن مكانه وتوجه إليها ثم إنحنى بـ جذعه العلوي حتى إقترب من وجهها..وتشدق بـ نبرة ذات مغزى

-وأنا سأُشبع فضولك حلوتي..

إبتسم بـ مكر وأكمل

-لأنني أخشى عليها مما سيصُبيها مما أفعله..لأنني أُحبها بل أنا أتنفسها ولن أعشق غيرها..كما أنني لن أقوم بـ خيانتها..فـ هى ستكون زوجتي قريبًا ولن أدع أحدًا يُفسد علينا صفوة هذا العشق

إمتعضت ملامحها بـ قوة وقد ظهرت إمارات الغضب جلية على وجهها..تفهمت ما يرمي إليه لتقبض على ذراع المقعد بـ قوة..حاولت أن تُخفي نبرتها الغاضبة وهى تتحدث ولكن لا فائدة

-حقًا يا رجل!!..

مطت شفتيها وهى تقول بـ مكر وغضب

-أنا أعلم الرجال جيدًا لا يكتفون بـ إمرأة واحدة بل لا يُشبعهم جيش بـ أكمله..الرجال كلهم سواء يتتبعون غرائزهم ورغباتهم الحيوانية..وما أن تزول...

رفعت منكبيها وأكملت بـ بساطة

-هكذا يقذفونها بعيدًا..ثم تأتي أخرى وأخرى وهم لا يملوا أبدًا..بل تزداد رغباتهم توحشًا...

قهقه يونس كثيرًا..فهو يعلم أنها تقول ذلك لكي تجذبه إليها..ولكنه لم يتأثر بـ مقدار ذرة..فـ وضع سبابته على طرف أنفها ثم قال بـ مرح

-لستُ من ذاك النوع الحقير...

***************************************

عقدت بتول ذراعيها أمام صدرها وظلت ترمق عدي بـ نظرات ساخطة..فـ كلما تكلمت كان يزجرها بـ عنف..إلتفتت إليها روضة وعلى وجهها إبتسامة بشوشة وتشدقت

-أنتي أسمك بتول صح!
-ردت بتول ولا تزال تنظر إلى عدي بـ سخط:أه
ضحكت روضة وقالت:وأنا روضة
-إبتسمت بتول نصف إبتسامة وقالت:اسمك حلو...
-مرسيه

قالتها بـ إبتسامة ثم إلتفتت إلى عدي وقالت بـ همس

-ما البت كيوت أهو

نظر إلى بتول شزرًا ثم قال بـ تهكم

-دي برغوت مش كيوت

شهقت بتول وقد حلت ذراعيها عن صدرها وقالت بـ حدة و سوقية

-أنا برغوت يا صرصار أنت!!..
-أشار بـ يده إليها وقال:شوفتي طولة اللسان!

إقتربت بتول ولكزته في ظهره بـ قوة آلمته ..ثم هدرت بـ إشمئزاز

-أنت اللي بدأت..وأنا مش بسكت عن حقي
-هدأتها روضة:خلاص يا بتول محصلش حاجة
-صرخ عدي:محصلش حاجة إزاي!..دي ضربتني
كتمت روضة ضحكاتها بـ صعوبة على ذاك الثنائي الأكثر من مُضحك..ربتت على كتفه وقالت بـ نبرة مكتومة

-معلش يا حبيبي

إبتسم عدي لها ولم يرد..بينما تساءلت بـ عقدة حاجب

-هو أنتي أخته!
-أمسك عدي يدها وقال:لأ خطيبتي وقريب هنتجوز

إبتسمت روضة بـ خجل وقد تخضبت وجنتيها بـ اللون الأحمر..تحركت بتول من مقعدها وإقتربت من روضة التي نظرت لها بـ ترقب..فـ همست الأولى

-متتجوزيهوش
-ضحكت روضة وقالت بـ همس مماثل:ليه!

نظرت له بتول نظرة خاطفة ثم عادت تهمس بـ أُذن روضة وقد تقلصت عضلات وجهها بـ حنق

-مكشر على طول مبيضحكش لحد اما وشه هيكرمش وهيكون زي اللي عنده خمسين سنة...

صمتت ثم قالت قبل أن تبتعد

-خدي بالك دا من النوع النكدي..يعني لو ضحكتي فـ وشه ممكن يحدفك من الشباك...

إلى هنا ولم تستطع روضة كتم ضحكاتها والتي صدحت مع بتول..ضيق عدي عيناه وقال بـ غضب

-هي قالتلك إيه!
-ردت عليه بتول بـ إستفزاز:بسألها ع مقاش جزمتها...

رمقها شزرًا لتُخرج هى لسانها..لتتحول معالمه إلى الغيظ..أوقف السيارة ثم قال بـ وجوم

-وصلنا...

ثم إلتفت إليها وقال بـ تحذير

-متتكلميش..آآ...

لم يُكمل حديثه إذ وجدها تندفع من السيارة وركضت إلى داخل بنايتها فقد إشتاقت حقًا إلى عائلتها..ليصرخ عدي بـ نفاذ صبر

-شوفتي!!
-ربتت على يده وقالت:معلش..أطلعلها...

نفخ بـ ضيق عدة مرات..ثم هبط من السيارة وأغلق بابها بـ عنف وصعد إليها...

****************************************

وعلى الجانب الأخر ظل عز الدين ينتظر كثيرًا ولكن لا أحد يأتي إلى هنا..نظر إلى ساعته ذات الماركة بـ نفاذ الصبر وأمر أحد حرسه بـ جفاء

-شوفلي حد من جوه..بقالي ساعة واقف ومحدش جه
-رد الأخير عليه بـ طاعة:حاضر يا فندم...

ثم توجه إلى الداخل..هبط من سيارته و ظل واقفًا بـ جانبها وهو يحرك ساقيه بـ عصبية ثم تشدق بـ غضب

-المفروض توصل من نص ساعة ومحدش جه...

عقد ساعديه أمام صدره..ليجد الحارس قد وصل ومعه أحد الضباط..صافحه بـ إحترام بينما عز الدين بادله البرود..ثم قال بـ جفاء

-أومال فين الرائد عدي!
-عقد الشرطي ما بين حاجبيه وتشدق بـ تعجب:حضرتك الرائد عدي مي من نص ساعة...

تحولت ملامحه إلى صدمة ثم تساءل بـ إنفعال

-والبنت المفروض اللي يستلمها!
-مشت معاه برضو...

أطلق عز الدين السباب اللاذع من بين شفتيه وتحرك من أمام الشرطي قبل أن يفقد أعصابه ويثور عليه..صعد سيارته مُتجاهلًا نداءات الشرطي وأمر من السائق بـ غلظة

-أطلع ع عنوان الدكتور إسماعيل
-حاضر يا عز الدين بيه...

وتحركت السيارة وعز يكور قبضته بـ غيظ وغضب..ثم هتف من بين أسنانه بـ وعيد

-طيب يا عدي بيه..إما وريتك...

ثم هدر بـ السائق

-سرّع شوية يا بني أدم...

وبالفعل إنصاع إليه السائق..أخرج عز الدين هاتفه ثم إتصل بـ أحدهم بـ إقتضاب قال

-نفذ...

ثم أغلق الهاتف وتطلع إلى الطريق وهو يُمني نفسه بـ رؤيتها...

**************************************

دلف يونس إلى غُرفته وكما توقع هناك كاميرات مدسوسة بها..إبتسم بـ تهكم ولم يفعل أي شئ..بل دلف إلى المرحاض ومعه الحقيبة..توارى عن الكاميرا الموجودة بـ أحد الزوايا..ثم عبث بـ محتويات الحقيبة وتخلص من المعلومات الموجودة على الحاسب المحمول و وضعها بـ بطاقة ذاكرة..وألتف الجهاز..وضع تلك البطاقة بـ سلسال فضي وإرتداه مع البطاقة الأخرى..إرتدى السلسال وأخفاه جيدًا ولم ينسَ بـ الطبع وضع معلومات ليست لها قيمة كـ فخًا لهم..نزع ملابسه بـ بطئ وقد ألمه جرحه قليلًا...

شرد يونس بها وكيف كانت لمساتها تُداويه دون الحاجة لـ دواء..تذكر لمستها على ذاك الجرح في ظهره وتلك الرفرفة الرقيقة على وجنته..وضع يده مكان قُبلتها وإبتسم بـ حب..يعلم أن لم يتبقَ سوى القليل ويصك ملكيته لها إلى الأبد..فقط تبقى القليل...

أخذ حمامًا ساخنًا ثم بدأ في تطهير جرحه بـ تلك الأدوات البسيطة الموجودة بـ خزانة صغيرة..وبعد أن إنتهى ضمده جيدًا وأكتفى بـ إرتداء سرواله..ليبتسم وهو يقول بـ مرح

-أه لو بتول شافتني وأنا كدا..كانت عملتلي مرشح عن الأدب...

ودلف إلى الخارج ليجد أنچلي ترتدي منامة صيفية فاضحة..تتمدد على الفراش بـ طريقة تُلهب القلوب..تُجبر الكاهن على إرتكاب الخطيئة..ولكن ليس شخص كـ يونس..نظر إليها بـ جمود تام..ثم غض بصره ما أن وقعت على مفاتنها البارزة وبـ نبرة غليظة هدر

-أغربي عن وجهي ولا تدعني أراكِ هكذا مرةً أخرى...

نهضت بـ دلال وهى تتعمد إبراز جسدها وتقدمت منه بـ خطوات مُتغنجة..وضعت يدها حول عنقه وإقتربت منه قائلة بـ همسٍ حار

-دعنا نلتحم لمرة واحدة فقط وأعدك لن يعرف أحد...

نظر لها مُطولًا وقد ظنت أنه بدأ بـ الإقتناع..لتقترب أكثر وبـ يد حلتها وأخذت تسير بها على صدره العار ثم قالت أمام شفتيه

-ليتك تعلم كم أعشق وسامتك..كم أعشقك لنفسك..كم أعشق تلك النظرة الزاجرة التي ترمقني بها..كم أعشق تلك الحدود التي تضعها...

وبـ يدها الأخرى..أحذت تسير بها على ظهره وهمست

-لمَ لا تدعني أقترب منك..أنا أعشقك جون..أعدك فتاتك لن تعلم بتلك الليلة أبدًا..ستكون سرنا..أنا وأنت فقط...

وإقتربت هى من شفتاه لتطبع قُبلة تُلهب بها يونس الجامد بين يديها..وتلقايئًا إرتفعت يد يونس غارسًا إياها بـ خُصلاتها الحمراء..نارية كـ صاحبتها..مُغرية كـ مفاتنها...

****************************************

أخذت تطرق على الباب دون إنقطاع وقلبها ينبض بـ تلهف لمقابلة عائلتها..ثوان وأتت والدتها تفتح الباب وما أن أبصرت حتى صرخت بـ سعادة تكفي لإشباع الكون كله

-بنتي!!!

ولم تنتظر ثانية..جذبتها إلى أحضانها لتُحيط بها بـ حنو أمومي كانت قد إشتاقت إليه..ظلت والدتها تشتم رائحتها الطفولية التي لطالما أحبتها..أخذت تبكي وهى تقول

-بنتي حبيبتي وحشاني يا ضنايا...

وأبعدتها ثم ظلت تُقبل كل إنش فيها..وأخيرًا وضعت يدها حول وجهها وتساءلت بـ حشرجة

-قوليلي الواطي إبن الواطي عمل فيكي حاجة!..ضربك!!..أذاكي!
-ضحكت بتول وقالت هى الأخرى بـ دموع:لا ياماما مقربش مني ومعمليش أي حاجة

جذبت يدها وقبلت باطنها ثم قالت بـ إبتسامة

-متخافيش يا ست الكل...

إزداد نحيبها وعادت تضم إبنتها بـ حبٍ جارف ولا تزال عبراتها تتسابق بـ النزول...

وعلى صوت الصراخ بالخارج..دلف كُلًا من إسلام وإسماعيل من الغرف..ليصرخ كِلاهما بـ سعادة

-بتول!!

وركض إسماعيل بـ خفة شاب لا تليق بـ سنه العجوز..إنتزعها من بين يدي بدرية وقال بـ تأفف

-أوعي يا بدرية عاوز أخد بنتي فـ حضني...

إنتزعها ثم جذبها إلى أحضانه هو..شدد قبضتيه عليها وكأنه يخشى إختفاءها مرة أخرى..إبتسمت بتول وقد شعرت بـ الأمان يغزوها مرة أخرى..أحاطت بـ يدها والدها الذي هتف بـ إشتياق
-ااااااه يا بنتي..لو تعرفي أنتي وحشتيني أد إيه!!
-ردت عليه بتول بـ خفوت:وأنت كمان وحشتني أوي يا بابا..وحشني حضنك أوي..

دفن إسماعيل رأسه في خصلاتها وظل يشتمها وكأنه يروي ظمأ شوقه لها..أبعدها عنه وظلت حدقتاه تدور على وجهها ومعالمها..ليتشدق وهو يبكي

-وحشتني عيونك يا بنتي..وحشني صوتك اللي كان يصحي بلد..وحشتني شقاوتك...

رفعت كفها وأخذت تزيل عبرات والدها ثم هتفت بـ مرح

-وأديني جيت وهملالكوا البيت دوشة....
-وهو أنا مليش نصيب...

قالها إسلام وهو يجذب بتول إليه ليحتضنها ثم رفعها وأخذ يدور بها عدة مرات وهى تضحك بـ صخب..أنزلها ثم قال بـ مرح يُخفي خلفه عبرات كادت أن تنفلت

-يااااه أخيرًا هلاقي حد أسرق شرباته
-وكزته في ذراعه ثم قالت بـ مزاح:جرب كدا تاخدهم وأنا هكهربهم...

ضحك إسلام بـ صوتٍ عال وإحتضنها مرة أخرى..توجهت إليها بدرية ثم قالت بـ بكاء

-يلا يا ضنايا خشي إستريحي..أنتي جاية تعبانة...

أزالت عبراتها ثم قالت بـ إبتسامة ضعيف

-أنا..أنا عملالك الأكل اللي بتحبيه...
-قبلت جبينها وقالت بـ إبتسامة:منتحرمش منك يا ست الكل...
-ربتت على وجنتخا وقالت:طب يلا خشي...

دلفت بتول والجميع لا يزال سعيد ولا يُصدق أنها بينهم الآن...

****************************************

بينما عدي كان يصعد الدرج وجد من يجذبه بـ عنف من الخلف و بـ صوتٍ جهوري قال

-عملتها يا ***..ماشي إما وريتك

أزاح عدي يده عنه بـ برود وقال بـ نبرة هادئة

-براحة ع نفسك يا سيادة الوزير أنا كنت بس بشوف شغلي
-صعد عز الدين الدرجة الفاصلة وقال:هتشوفوا من أيام سودة..أنت و أخوك
-همش عدي بـ إستفزاز:أعلى ما فـ خيلك إركبه..أنت خلاص نهايتك قربت...

ثم أبعده بـ يده..قال وهو يُهندم ثيابه

-إطلع إرتسم قدامهم..قولهم أنك رجعتها...

كز عز الدين على أسنانه ثم قال بـ غيظ

-روح أستلم أبوك...

ثم أضاف بـ نبرة خبيثة

-وأحمد ربنا أنك كش هتستلمه جثة..بس متستبعدش المرة الجاية
-قبض عدي على ذقنه وقال من بين أسنانه:مش هتكون فيه مرة تانية...

ثم هبط الدرج سريعًا...

وبـ الأعلى جلست بتول على طرف الفرا ش تتلاعب بـ الحلقة النُحاسية بـ إبتسامة..تنهدت تنهيدة حارة تحمل في طياتها الكثير ثم قالت بـ إشتياق

-أمتى ترجع بقى يا يونس..وحشتني من دلوقتي...

رفعت يدها ثم قبلت الحلقة مرة وأثنان وثلاثة..ثم هتفت بـ ندم حقيقي وهى تُحدق بها

-يارتني أكتشفت مشاعري من زمان..يارتني أول أما شوفته كنت قولتله بحبك...

إبتسمت ثم هتفت بـ عزيمة

-بس لما ترجعلي بـ السلامة إن شاء الله ههريك بيها..والله لزهقك منها...
-مين دا اللي هيزهقك!

قالها إسلام بـ مرح وهو يدلف إلى شقيقته..أما هى أخفت يدها بـ جانبها وأخفت توترها سريعًا ثم قالت بـ مزاحها المُعتاد

-أنت..هخليك تزهق من بتول أختك...

تقدم منها وهو يبتسم ثم جلس بـ جانبها وقبلها على وجنتها..ليقول بـ حب

-أنا عمري ما أزهق منك..لما بعدتي عني..حسيت بقيمتك أوي..حسيت أني ناقص من غيرك يا ست البنات

إبتسمت بـ سعادة وردت له قُبلته بـ أخرى رقيقة..ثم أمسكت يده وقالت بـ حبٍ جارف

-وأنا مقدرش أتخلى عنك يا ابويا إسلام...

وكزته في كتفه وقالت

-دا أنت اللي مربيني يا جدع...

ضحك ثم جذبها إلى أحضانه وأخذ يربت على خُصلاتها..وإستندت بـ رأسها على منكبه..سمعته يتحدث

-بتول كنت عاوزك فـ موضوع

إبتعدت عنه وقالت بـ عقدة حاجب

-قول يا إسلام سمعاك
-أمسك يدها وقال:أنتي عارفة أني بحبك وأبعد عنك أي حاجة أحس أنها هتضرك..فـ عشان كدا..آآ

صمت ولم يستطع أن يُكمل..فهو يعلم كم تُحب عز الدين..أو كانت تُحبه..إبتسمت بتول بـ هدوء..وضغطت على يده ثم قالت

-كمل سمعاك
-إبتلع ريقه وقال:عاوزك تفسخي خطوبتك من عز...

كادت أن ترد عليه..إلا أنها سمعت صوتًا غريب بـ الخارج..نهضت وقالت بـ جدية

-تعالَ نشوف مين بره وهبقى أقولك ردي...

ودلفا إلى الخارج وهى تُمسك يد أخيها..ولكنها تصلبت بـ مكانها..شددتومن قبضتها على قبضة أخيها وقد بدأت تشعر بـ برودة..لتهمس بـ جزع لم تلتقطه الآذان

-عز الدين!!!
وفكرة أكمل وأنا مش معاه...مبتجيش فـ بالي كأن الحياه...
خلاص واقفة عنده ورفضالي أعيش..وبفضل مكاني وبستناه...
أنا كل مادا بلاقي اللي فات..مصمم ميقلبش ليه ذكريات...
وبتأكد أني فـ غيابه مليش..نصيب تاني أرجع أحس بـ حياه...

شددت قبضتها علها تُبث في نفسها الضائعة بعض القوة الزائفة إن أمكن..أما إسلام ما أن أبصره حتى إشتدت عضلات فكه بـ غضب..ثم هدر

-جاي ليه يا عز!

إلتفت عز ومعه إسماعيل والذي تشدق بـ تحذير

-إسلااام!!..متعودناش نقول لضيوفنا جايين ليه
-بس يا بابا..آآ..

أشار إسماعيل بـ يده ثم قال بـ صرامة

-مفيش بس..جاي يتكلم مع أختك كلمتين وهيمشي..وهى اللي تحدد هتعمل إيه
-نظر إلى عز الدين بـ غل وقال:متفكرش أنك تطول منها شعرة...

تقدم منه إسماعيل وسحبه إلى إحدى الغُرف..بينما بقيت بتول في مواجهته وحدها...

لم يكن عز ذو ذهن حاضر ليتسمع إلى ثرثرتهم بل كان في وادٍ أخر ما أن أبصر بتول..وكأنه إنعزل عن العالم وبقى هى وهو فقط..كانت عيناه تلتهم ملامحها التي إشتاقها كثيرًا..إقترب عز الدين منها و كاد أن يحتضنها إلا أنها إبتعدت بـ نفور لم يلحظه ثم قالت وهى تكز على أسنانها

-عز!!..أحنا فـ بيتنا مينفعش كدا
-إبتسم عز الدين بـ حرج وقال:من لهفتي..وحشتيني...

إغتصبت إبتسامة خالية من الروح..ثم أشارت بـ يدها اليُسرى وقالت

-تعالَ الصالون...

صُدم عز الدين من تعاملها الجاف معه..ولكنه فسره كما يهوى..أنها لا تزال تُعاني من صدمة الإختطاف..سار خلفها حتى وصلا إلى غُرفة الصالون..أشارت له بـ أن يجلس وجلست أمامه...

كانت تضع يده اليُمنى خلف ظهرها تمنعه من رؤية صك الملكية الخاص بـ يونس..أغمضت عيناها تكبح رغبتها في التقيؤ..نفورها كان واضح لم تستطع السيطرة عليه...

بينما عز لم يلحظ هذا أو ذاك فـ لهفته عليها أقوى من اي شئ..أعمى بصيرته عن نفورها وعن رغبتها في التقيؤ..إقترب عز من مجلسها وقال بـ حب

-عاملة إيه!
-إبتسمت بـ تهكم وقالت:واحدة كانت مخطوفة..هتبقى عاملة إيه!
-إبتسم عز الدين وقال:عندك حقك..أنا آآ...

صمت ولم يعرف كيف يصيغ جُملته..إلا أنه سعل ثم قال بـ شئ من الحدة

-قربلك؟!
-رفعت أحد حاجبيها وقالت:قربلي!!..من أي جهه بالظبط؟

قالتها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها..ليرد عز الدين بـ سرعة

-عملك حاجة!..أذاكي مثلًا؟!
-مالت بـ رأسها إلى اليسار وقالت:لأ تصدقك طلع نزيه..يعمل أي حاجة إلا إنه يأذي بنت...

توجس عز الدين من طريقتها بـ الحديث وقد خطر بـ باله أنها علمت كل شيئًا عنه..وعند النقطة شحب وجهه سريعًا..إبتلع ريقه بـ صعوبة ثم قال بـ نبرة مُتوجسة

-مالك يا بتول بتتكلمي معايا كدا ليه!

كانت تُريد أن تنطق بما يجيش بـ نفسها النافرة منه..فكرة جلوسها معه بـ نفس الغرفة..كافية لجعل جسده ينتفض رُعبًا..أخذت نفسًا عميق ثم قالا بـ نبرة هادئة نسبيًا...

-مفيش..كل الموضوع إن أعصابي تعبانة م اللي حصل..

تنهد عز الدين بـ راحة وبـ أسف في آنٍ واحد وقال بـ ندم

-أسف يا حبيبتي إني حطيتك فـ الموقف دا...

نهض من مجلسه ثم جثى أمام رُكبتيها وقال بـ حنو

-أوعدك أني هنسيكي كل اللي حصل دا ومش هيتكرر تاني
-تشدقت بتول بـ نبرة عميقة:اللي حصل مش ممكن يتنسي..ولا حتى يتغير..أنا مش عوزاه يتغير..أصلي إتعلمت منه حاجات جميلة...
-زي إيه!
-إبتسمت بـ إصفرار وقالت:فـ وقته هتعرف...

****************************************

غرس يونس أصابعه في خُصلاتها ومن ثم و بـ قسوة جذبها منه حتى كاد يقتلعه..وبـ صوت كـ فحيح أفعى قال

-أتظني بـ أنني سأخضع لعاهرة مثلك

تأوهت أنچلي بـ قوة من قبضته التي تُمزق خُصلاتها ثم قالت بـ ألم

-قلت لك..لن يعلم أحد..وهى لن ترانا أو تعلم

قبض يونس على فكها بـ قوة حتى كاد يُهشمه ثم قربها منها و تشدق

-إن كانت لا تراني فـ الله يراني..إن لم تعلم فـ الله يعلم..أنا لا أخاف عقابها قدر خوفي من عقاب الله...

ثم دفعها بـ حدة عنه..وضعت يدها على فكها وعيناها تتوسعان بـ دهشة..ثم هتفت بـ عدم تصديق

-أأنت مُسلم!

إرتفع جانب فمه بـ سخرية..وبـ نبرة لا تقل سخرية قال

-لا..أنا أعتنق اليهودية..ما شأنك بي؟...
-هزت رأسها بـ نفي وقالت بـ تقرير:لا أنت مسلم..هم ذو ديانة غريبة..ويعتنقون مبادئ أكثر غرابة..وهم من يتفوهون بـ تلك الحماقات...

كاد يونس أن يرد بـ غضب عما تقول ولكنها أكملت وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها بـ سخرية...

-ولكني لا أعتقد أنها لا تزال موجودة..فـ الغرب بثوا السموم من خلال أشياء كثيرة وأنتم العرب حمقى صدقتموها وقد شُكلتم كيفما نُريد..حقيقةً أنا لم أعد أرى دينكم كما تقصونه علينا فيكم...

إقتربت منه بـ خبث ثم تشدقت

-بل أرى أنكم بـ ثقافة الغرب ولكن بـ صورة مُحتشمة قليلًا..تُمارسون العهر فـ الخفاء ثم تتلونون..والدليل أنت آآآ...

لم يدعها تُكمل حديثها بل إنهال عليها ضربًا..كان غاضبًا إلى أقصى حد..إبتعد عنها لاهثًا من فرط إنفعاله وقد كانت مسجية على الأرض فافدة القوى..أشار بـ سبابته ثم هدر بـ قسوة

-أمثالك لا يحق لهم الحديث عن المبادئ والدين..فـ الإسلام أطهر من أن يُدنس بـ حماقات تتفوه بها عاهرة مثلك..تعرضين جسدك وما أن رفضك أحدثتي تلك الفوضى...

جذب ملابسه ودلف إلى المرحاض وأبدل ملابسه ثم دلف خارجه ليجدها لا تزال كما تركها..تحرك ناحيتها ثم جذبها من خُصلاتها تحت صرخاتها المُتأوهه..وقام بـ تقييدها إلى أحد المقاعد..ثم إتجه إلى أحد الكاميرات...

-أعلم يا سام أنك تُراقبني..إن كنت تُريد إبنتك حية..تعال إلى هنا..وإلا ستستلمها أشلاء...

دقائق مرت وقد دق هاتفها..أخذه يونس وما أن أمسكه حتى صدح صوت سام الغاضب
-أقسم أنك إن أقتربت منها ستكون جثتك هدية لوطنك...
-رد عليه يونس بـ برود:تعال إلى هنا ومعك المُشتري..وبعدها سنتحدث بل ونحتفل...
-كز سام على أسنانه وبـ حنق قال:سنكون هناك في غضون خمسًا وأربعون دقيقة...
-لا تتأخر عزيزي...

ثم أغلق الهاتف تحت نظرات أنچلي الذاهلة..قهقه يونس بلا مرح ثم إقترب منها وتشدق بـ خبث

-لا تذهلي هكذا..لم يكن من الصعب إكتشاف الحقيقة..أنا أعلم هويتك الحقيقية مُذ أن إلتقينا عزيزيتي جوين...

****************************************

إنطلق عدي بعدما أوصل روضة إلى منزلها وذهب إلى والده..دلف إلى مكتب العقيد سعد ليجد والده هناك يتبادلا أطراف الحديث..حيّ العقيد بـ إحترام ثم ركض إلى والده وإحتضنه بـ قوة..تشدق عدي بـ أسف

-أسف يا بابا إني حطيتك فـ الموقف دا
-إبتسم رفعت وقال:جت سليمة يا سيادة الرائد...

أشار سعد إلى عدي قائًلا بـ جدية

-أقعد يا عدي..عاوزين نتكلم

أماء عدي بـ رأسه بـ إحترام وجلس..وقبل أن يتحدث كان رفعت قد سبقه بـ لهفة

-والدتك عرفت!
-هز رأسه بـ نفي وقال:لأ عرفتها إننا فـ شغل بعد اللي حصل وقتل فرقة الإستطلاع...
-كويس

قالها رفعت بـ إقتضاب..وبعدها إستلم سعد دفة الحديث

-بص يا عدي..أكيد أنت عارف اللي حصل دا تدبير مين
-إبتسم بـ تهكم وقال:طبعًا
-عظيم..

صمت سعد ثم قال بـ نبرة ذات مغزى وهو ينظر إلى والده

-وعرفنا مين ورا قتل فرقة الإستطلاع
-مين يا فندم!!
-العقيد رفعت

جحظت عينا عدي بـ شدة ما أن سمع اسم ذاك الرجل..يتوقع أنه فاسد..يتستر على أفعال عز الدين المُشينة..أما قتل أبناء الوطن!..هذا فاق ما يتصوره..نطق عدي بـ صعوبة

-إزاي يعني!!..أنا عارف إن سكته مش كويس..لكن قتل جنود!..لأ وألف لأ..دا لازم يترمي لكلاب السكك ينهشوا لحمه
-تحدث والده بـ صوته الرخيم:متقلقش كل الأدلة معانا واللي معاه إعترفوا..تلبيسي التهمة والتهمة ذات نفسها..الأتنين لبسوه وكدا كدا هياخد حكم الإعدام...
-تساءل عدي بـ غضب:وهتمسكوه أمتى!
-تشدق سعد بـ تقرير:بكرة..لما يطلع القرار

كور عدي قبضته فـ هو كان يُريد اليوم قبل غدًا يُريد أن ينتهى الكابوس بـ وقتٍ سريع..دقات الهاتف الخاص الذي يحمله جعلته ينتبه إلى ما يدور حوله..إلتقطته ليقول بـ ذهول

-يونس!!
-أفتح الخط بسرعة

كان هذا صوت رفعت المُتلهف..وبالفعل فتح الخط وكان يونس صوته يشق تلك الأجواء المتوترة

-عدي!!
-أيوة يا يونس معاك
-جهزلي طيارة تجيلي بسرعة..أنا هخلص كل حاجة دلوقتي
-جاءه صوت سعد الغاضب:إتصرفت من دماغك ليه يا يونس!..بسرعة ليه كدا؟
-و بـ بساطة ردد يونس:الظروف حطتني فـ الموقف دا..كنت متراقب ولازم أتصرف...

زفر سعد بـ غضب ثم قال بـ جدية

-حالًا تتصل بـ الدعم اللي عندك عشان يجولك..طبعًا هيجموا بـ رجالة كتير وأنت مش هتطلع سليم
-رد عليه يونس بـ مكر:متقلقش عامل إحتياطاتي

كان رفعت يستمع إلى صوت والده ولم يقدر على الحديث..بل هبطت عبراته التي عبرت عن مشاعر جمة...

صدح صوت يونس يتحدث بـ جدية

-لازم أقفل دلوقتي..ومتنساش يا عدي..الطيارة بـ أسرع وقت...
-رد عليه سعد:بكرة هتكون عندك..والدعم هيوفرلك مكان لحد أما ترجع..أقرب من كدا مش هينفع...
-تمام..وأهو ستوكهولم أقرب من ألاسكا..صح!

قالها بـ مرح ليرد عليه عدي بـ غيظ

-ولك عين تهزر..يلا أقفل عشان نتصرف...

وأغلق عدي الهاتف بـ حنق وهو يسب شقيقه على تهوره..يعلم سبب تعجيل الأمور بـ الطبع الفاتنة ذات اللسان السليط..أفاقه صوت سعد الصارم وهو يرفع سماعة الهاتف

-مش وقت سرحان يا عدي..يلا نفذ بسرعة..خلينا نخلص من الموضوع دا...

نهض عدي وأدى التحية العسكرية ثم رحل هو والده بعد أن حيّ العقيد سعد هو الأخر والذي تمتم مع نفسه بـ تأفف

-حسابك معايا على تهورك دا يا سيادة المقدم...

***************************************

رافقت عز إلى باب المنزل بعد إصراره على تنظيم حفلة غدًا من أجل عودتها..رفضت رفضًا قاطع ولكنه لم يكن ليسمح لها..وبالنهاية أُجبرت على الموافقة..فـ من أجل يونس ستفعل أي شئ..وكم إشتاقت إليه!..شعرت بـ فقدان لذة الحياة وشقاوتها ما أن رحلت عنه...

تذكرت إعترافها له بما يجيش بـ قلبها من عشق لتبتسم بـ خجل..تعلم أنه الأمان ويالا الغرابة..طوال جلستها مع عز الدين كانت يُمناها تعبث بـ تلك الحلقة النُحاسية فـ تُبثها أمان وقوة..لتقول بـ مرح

-حتى أي حاجة من ريحتك بتحسسني بـ أمان..كدا أنا إتجننت رسمي يا معلم...

تنهدت بـ حرارة ثم إتجهت إلى غرفة والديها..لتجد إسلام يتجه إليها وإمارات الغضب جلية على وجهه وقبل أن تتفوه بـ حرف سبقها هو بـ صوتٍ حانق

-برضو رجعتيله يا بتول!

تنهدت بتول مرة أخرى بـ يأس..لتجد والدتها ترد نيابةً عنها

-ما تستنى ع البت تاخد نفسها

إقترب إسلام من بتول وأمسك يدها ثم قال بـ حزن

-يا أمي هترجعله بعد اللي حصلها بـ سببه!
-تشدقت بتول بـ هدوء:أنا لا رجعتله ولا نيلة..كل الموضوع أني بعمل حاجة مقتنعة بيها
-عقد والدها ما بين حاجبيه وقال:كلامك مُتناقض

إقتربت بتول من والديها وجلست في المُنتصف ثم وجهت حديثها إلى والدها

-عارفة..وعارفة كويس أني لا يمكن أرجع لعز تاني..خلاص هو مينفعش يكون جزء من حياتي
-ليتشدق إسلام بـ غيظ:ومقولتيش الكلام دا وهو هنا ليه!
-ردت عليه بـ بديهية:الراجل فـ بيتنا دا أولًا..ثانيًا ميبقاش جاي يطمن عليا وأقوله أمشي...

وبـ الرغم من عدم إقتناعها بما تقول..ولكن لابد من إخفاء الحقيقة..لأجلها ولأجلهم ولأجل حبيبها..لم يبدُ على إسلام الإقتناع ولكن بتول أكملت

-بكرة فـ الحفلة هنهي كل حاجة بينا..هنهي الخيط الدبلان اللي بيوصلنا...

*****************************************

إختبأ يونس ومعه أنچلي في أحد الأركان وكان قد إستعان بـ بعض الكاميرات حتى يستطيع رصد أماكنهم..نظر إلى هاتفه فـ وجد رسالة تُفيد بـ وصول الدعم..إبتسم يونس بـ ظفر وقال بـ سعادة

-أستنيني يا حبيبتي..جايلك بكرة...

كانت أنچلي فاقدة للوعي تمامًا حتى لا تفضح أمره..تقفد الحاسوب فـ وجد عدد هائل من الرجال يحاوطون البناية وجزءًا منهم قد صعد مع سام و المشتري..عبث يونس بـ هاتفه..ثم إتتظر...

وبـ الخارج..دلف الرجال المنزل المظلم..وما كاد يُنيره أحدهم حتى صدح صوت إنفجار قوي إثر الغاز الذي تسرب..وكانت هذه إحدى الخدع البدائية التي تعلمها يونس...

قُذف سام في الهواء ومعه المشتري وما تبقى من رجاله..نهض الجميع وهنا صدح صوت سام الغاضب

-خذوا حذركم..وأشحذوا أسلحتكم...

فعل الجميع ما أُمرو به..ودلفو وسط الغُمامة الرمادية..ليظهر يونس من العدم مُستغلًا تشوش رؤيتهم وبدأ في قتلهم..هذا بـ كسر عنقه وأخر بـ الذبح..حرفية رجل مُخابرات مُتمرس...

وبعد قليل من الوقت..إختفت الغُمامة..ليظهر جثث رجاله..جحظت عينا سام بـ شدة وهدر بـ شدة

-أخرج و واجهني أيها الوغد!
-كيفما تطلب...

قالها يونس وهو يتدلى من السقفية ومن ثم باغت سام بـ ضربة في جبهته..هبط يونس و وجه أسلحته إلى رأسه..مدّ يده وقال بـ صرامة

-أعتقد أنك تملك شيئًا ملكي..أعطني إياه
-نهض سام وقال:لا أملك شئ..ثم أين أبنتي!!
-لا تقلق بخير..أعطني ما معك أتركك بـ سلام...

وفي لحظات ساد الهرج..حيث تبادل رجال سام مع الدعم ضرب ناري عنيف..إستغل سام إنشغال يونس بـ تلك الجلبة وإنقض عليه..وللأسف كان السلاح بين يدي سام والذي قال بـ تشفي

-أمن أُمنية أخيرة!
-أطلق
عقد ما بين حاجبيه ولكنها تلاشت ما أن إخترقت الرصاصة قلبه ليخر صريعًا بعدها..نهض يونس وأخرج بطاقة ذاكرة صغيرة من جيب بنطاله الخلفي..توجه إلى المُشتري وصافحه ثم قال

-شكرًا يا محمود
-أدى محمود التحية العسكرية وقال:العفو يا سيادة المقدم..دا واجبي

ثم إبتسم وقال بـ سعادة

-بجد يا فندم فرحت لما عرفت إنك لسه عايش
-ربت على ذراعه وقال:عمر الشقي بقي..يلا لازم نمشي والدعم هينضف الفوضى دي
-طب وبنته!
-إبتسم وقال:مش قولتلك الدعم هينضف الفوضى..يلا يا راجل موحشتكش مصر!
-جدًا يا فندم
-طب يلا...

قالها يونس وهو يضع يده على منكب محمود ودلفا إلى الخارج..قابل أحد أفراد الدعم تبادلا في لحظات حديث مُقتضب بعدها كان يونس قد إختفى تمامًا وما معه من معلومات قيمة....

*****************************************

في صباح اليوم التالي إستيقظت بتول وهى تشعر بـ خمول تام في جسدها ولكنها أجبرت نفسها على النهوض..أزالت الغطاء عن جسدها وأخذت ثياب من خزانتها ثم توجهت إلى المرحاض...

قابلت في طريقها والدتها والتي تساءلت بـ حنو

-أحضرلك الفطار يا ضنايا!
-قبلتها بتول وقالت بـ رجاء:أيوة والنبي يا أم إسلام..لحسن وحشني أكلك
-ردت والدتها بـ لهفة:ثواني والأكل يجهز ونفطر كلنا...

أماءت بتول وتحركت ناحية المرحاض..أخذت حمامًا علها تسترخي قليلًا..تتمنى عودة يونس سريعًا فهى لا تستطيع التمثيل طويلًا حتمًا سيُكتشف أمرها..أنهت حمامها ثم خرجت وهى ترتدي كنزة صفراء من خامة الحرير و بنطال قُماشي ذو لون أسود..وقد عكصت خُصلاتها السوداء على هيئة جديلة فرنسية فـ أبرزت خُصلاتها البندقية المُتداخلة مع السوداء...

جلس الجميع يتناولون الفطور في جوًا مرح حتى قطعه إسلام

-رايحة فين من الصبح كدا!
-إبتعلت بتول فيما جوفها وقالت بـ توتر:هروح مشوار كدا وبعدين هروح عند عز عشان الحفلة

تأفف إسلام ولم يرد..بينما قال إسماعيل

-مشوار إيه اللي هتروحيه بدري كدا!
-تنحنحت وقالت:الظابط اللي جابني إمبارح..كان قايلي أروح القسم عشان عاوزني فـ كلمتين
-اللي هما!!
-أجابت بتول بـ نفاذ صبر:اللي حصل يابابا
-تشدق إسماعيل بـ هدوء:خلاص هاجي معاكي
-لاااااء

قالتها بتول مُسرعة ليعقد أبيها ما بين حاجبيه..لتُوضح بعدها بـ حرج

-الموضوع مش مستاهل..وأنا مش هتأخر..دي حاجة روتنية
-طب خدي إسلام
-تأففت بتول وقالت:إسلام عنده شغل
-رد عليها شقيقها بـ جمود:الشغل يتأجل
-يووووه...يا جماعة الموضوع عادي مفيش حاجة..وبعدين أنا عاوزة أتمشى شوية وأشم نفسي لوحدي..فـ أرجوكم سيبوني ع راحتي...

نظر لها أبيها مُطولًا ثم قال بـ تنهيدة يائسة

-طب خلاص..بس كلميني كل شوية
-حاضر

ثم نهضت تُقبل والدها ثم والدتها وأخيرًا شقيقها ثم دلفت إلى الخارج...

****************************************

ظلت تتطلع إلى العنوان المدون بـ الورقة ثم إلى البناية لتتأكد أن العنوان صحيح..كانت قد حصلت عليه من روضة التي أعطتها إياه أمس..وضعت الروقة في جيب بنطالها ثم صعدت...

كان أكثر ما يُقلقها ويُشعل غضبها هو مُقابلة ذاك السمج والذي يُدعى عدي..ظلت تدعي داخلها ألا تجده..وقفت أمام باب المنزل وقد إرتفع وجيب قلبها..ثم دقت الجرس بـ أصابع مُرتعشة...

ثوان و وجدت الباب يُفتح وتظهر من خلفه سيده في عقدها الرابع..إبتسمت صفوة وقالت بـ هدوء

-حضرتك عاوزة مين!
-إبتلعت بتول ريقها بـ توتر ثم قالت:حضرتك والدة المقدم يونس..مش كدا!!

تلاشت إبتسامتها تدريجيًا وكادت أن تغلق الباب..إلا أن بتول منعتها وقالت بـ رجاء

-أستني أرجوكي...
-ردت عليها صفوة بـ جفاء:من فضلك أمشي من هنا
-هتفت بتول مُسرعة:أنا شفت يونس وكلمته...

تجمدت صفوة في مكانها..ولم تتحدث..بينما إبتسمت بتول وقالت بـ نبرة ناعمة

-ممكن تسمحيلي أدخل أتكلم معاكي...

أفسحت الطريق لكي تدلف...

جلست بتول على أحد المقاعد بـ غرفة متوسطة ولكنها ذات ذوقٍ راق..كانت مُمتلئة بـ صور ليونس وعائلته..إبتسمت وهى تراه في مرحلة مُبكرة من عمره..وكان لا يقل جاذيبة عما هو الآن...

دلفت صفوة وهى تحمل حلوى وكأسين من العصير الطازج..نهضت بتول وأخذت منها الصحن وجلست مرة أخرى..تنحنت بتول وقالت

-حضرتك أكيد مستغربة من كلامي..بس أنا هحكيلك
-أشارت صفوة بـ يدها وقالت:أتفضلي...

بدأت بتول في قص عليها ما حدث مُنذ أن قابلته حتى الآن..كانت معالم صفوة ترتخي تارة وتنقبض تارة..ولكن بـ الأخير كانت الإبتسامة تشق وجهها..إنتهت بتول من السرد وقالت

-بس كل دا اللي حصل...

ولكن لم ترد صفوة بل ظلت تبتسم..أجبرت بتول أيضًا على الإبتسام وتساءلت

-خير يا طنط!!

إقتربت صفوة منها وجلست بـ جانبها ثم قالت بـ نبرة أمومية

-تعرفي أنك شبه يونس أوي..حتى حركاتك إيدك وعلامات وشك وأنتي بتحكي
-تهللت أساريرها وقالت:بجد!...

أماءت بـ رأسها بـ قوة..وبالفعل إنتبهت بتول لذلك التغير الذي أصابها..طريقة حديثها إختلفت وإن لم تكن ثرثارة ولكن طريقة سردها للأحداث وحركات يدها والتي لم تستخدمها في حياتها أبدًا..وكانت هذه إحدى الصفات التي لاحظتها بـ يونس.فاقت على صوت والدته وهى تقول بـ إبتسامة بشوشة

-روحك إطبعت بـ يونس..أنا شامة فيكي ريحة يونس إبني...

نظرت لها بتول بـ صدمة لتُقهقه صفوة ثم قالت بـ نبرة رخيمة

-أيوة..ريحتك كلها يونس..أنا عمري م أغلط فـ ريحته أبدًا..وأنتي فيكي ريحة أبني..يعني لازم أحبك...
-إبتسمت بتول بـ خجل وقالت بـ خفوت:أنا بحب يونس أوي..وعشان كدا جيتلك..كان لازم أشوف أي حد من أهله..عاوزة أحس بـ وجوده جمبي فـ غيابه..يونس بقى روحي لما ضاعت مني..أتاريها كانت معاه من الأول...
*********************
أكثرُ ما يعذّبني في حُبِّكِ..
أنني لا أستطيع أن أحبّكِ أكثرْ..
وأكثرُ ما يضايقني في حواسّي الخمسْ..
أنها بقيتْ خمساً.. لا أكثَرْ..
إنَّ امرأةً استثنائيةً مثلكِ تحتاجُ إلى أحاسيسَ استثنائيَّهْ..
وأشواقٍ استثنائيَّهْ.. ودموعٍ استثنايَّهْ..

ودعت بتول السيدة صفوة ثم رحلت وعلى وجهها إبتسامة..ولمَ لا وهى باتت تعلم كل شئ عن يونس..طفولته المُفعمة بـ البراءة والرجولة في آنٍ واحد..شبابه وحياته الجامعية..الحب الذي لم يطرق بابه فـ كانت هى أول قصة عشق جامح يعيشها..تنهدت بـ سعادة وهى تشعر بـ فراشات ذات ألوانًا مُبهجة تُحلق حولها..ولكنها إختفت وحلت مكانها الجراد ما أن أبصرت عدي..لوت شدقها بـ ضيق وقالت بـصوتٍ خفيض

-يا فتاح يا عليم..يا رزاق يا كريم يارب...

كان عدي يصعد الدرج وهو يُتمتم بـ سخرية

-وأدي أخرتك يا عدي لما تكلم روضة الصبح وتقولك وحشتني...

ضحك بـ تهكم ثم أكمل

-هى هتبقى كل مرة كدا..أنسى موبايلي و ورق شغلي المهم...

رفع بصره ليجد بتول تقف أمامه وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر له بـ سخط..عضّ على شفتيه بـ سخط ومن ثم هتف

-بسم الله الرحمن الرحيم..بيطلعوا أمتى دول!
-حركت رأسها بـ حركات دائريو وهتفت بـ تهكم:لما اللي زيك ينكشحوا يا خفيف...

أغمض عيناه يكبح غضبه منها..سليطة اللسان..بل لسانها يفوقها بـ الطول أمتارًا..تغاطى عن قولها الذي يحثه على تحطيم فكها ثم تشدق من بين أسنانه

-بتعملي إيه هنا!!

قرصت أنفه بـ خفة ثم قالت وتدفعه من منكبه حتى تمر

-جاية أغير الأنبوبة يا ظابط نص كم...

مذهول..صدمة تعقد اللسان بل وتُجبرك على إبتلاعه..هى كائن لا يُمكن للمرء تحمله..وقفت قليلًا ثم إستدارت له وقالت بـ نبرة تهكمية

-هو أنت هتفضل نص كم!!..يعني ربنا مش هيكرمك وتبقى كم!!..دا حتى الجو برّدْ...

كور المفاتيح بـ يده وأوهمها بـ قذفها بها..لتصرخ بـ تخوف ثم هبطت الدرج سريعًا ومن أسفل هتفت بـ صوتٍ عال

-يا ظابط نص كم...
-اه يا بنت المجانين..أقسم بالله أنتي محتجالك مستشفى لوحدك مش عنبر مجانين بس...

ثم أكمل طريقه إلى أعلى...

****************************************

إنتهى يونس من تضميد جراحه مرة أخرى بـ ذهنٍ غائب..فـ كل فكره ينصب على القادم..وعلى لقاء بتوله..بتول..ذاك الاسم المُتكون من أربعة حروف والتس سلبت لبه بـ ابتسامة واحدة ثم نظرة واحدة ليخر صريعًا بعدها...

إستفاق من نشوة فكره بها على ألم بـ صدره..نظر ليجد يده تشتد على جراحه وتفاجأ بـ تلك المضخة أسفل يده..بـ مجرد التفكير بها يكون هذا حال قلبه!..فـ ماذا إن لمسها!..تنهد أكثر من مرة ثم قال بـ مرح

-خلاص جايلك يا رحاب...

أنهى تطهير جرحه وأعاد تضميده..ثم أمسك هاتفه وإتصل بـ أحدهم..ثوان وأتاه الرد من الطرف الأخر

-أيوة يا سيادة المقدم...

وضع يونس الهاتف ما بين رأسه ومنكبه وشرع في إرتداء ثيابه ثم تشدق

-أيوة يا محمد..إيه الأخبار؟!
-البيه عامل حفلة بمناسبة رجوعها وهى هتروح تحضرها

توقف يونس عن إرتداء ثيابه وقد إشتدت عضلات فكه بـ غضب..ثم تساءل بـ صوته المُلغم غضبًا

-وبعدين!!

توجس محمد من نبرته تلك ولكنه تغاطى عنها..ليتنحنح ثم أكمل

-الحفلة هتبدأ ع عشرة كدا..يعني بالظبط فـ معاد رجوعك...
-كمل
-بس كدا
-تساءل يونس بـ نبرة ذات مغزى:يعني مشفهاش إمبارح!

ولكن صمت محمد ولم يستطع الحديث..كز يونس على أسنانه بـ قوة كادت أن تُهشمها..وقد كور يده بـ غضب شديد حتى إبيضت مفاصله..وبـ صوتٍ لم يخلو من العتاب والحنق

-بقى هى دي الأمانة يا عدي!..ماشي

ثم وجه حديثه إلى محمد وأكمل بـ جدية...

-عاوزك تجبلي مأذون من تحت الأرض..الساعة عشرة تستناني ومعاك المأذون..فاهم!!!

ولم يترك له المساحة للرد فـ أغلق الهاتف..قذفه بـ عنف على الفراش وأكمل إرتداء ثيابه بـ عصبية...

دق جرس الباب ليتجه إليه يونس وفتحه فـ وجد محمود أمامه وبلا أي مُقدمات

-يلا الطيارة جاهزة...

أماء يونس بـ رأسه ثم تركه وإتجه إلى الداخل..جمع حاجياته ودلف إلى الخارج...

هبطا سويًا الدرج فـ تشدق محمود بـ هدوء

-سيف لسه هنا

توقف يونس عن الهبوط ثانية ثم عاد وأكمل..ليقول بـ برود إمتهنه

-مش مهم عندي سيف دلوقتي..دوره جاي
-تمام..أنا حبيت أقولك
-هز يونس رأسه وقال بـ رزانة:كويس إنك عرفتني..إرميله العضمة وخليه ينزل مصر...

ضحك محمود وأكمل طريقه مع يونس...

****************************************

وقفت أمام منزل عز الدين وهى تقبض على يدها بـ قوة..تشعر بـ نفور حاد منه ومن دلوف منزله..ولكن بـ الأخير ضغطت على نفسها وتقدمت منه..لم يجتج أفراد الحراسة معرفة هويتها أو تحقق منها..فـ هى خط أحمر بـ النسبة للجميع..

دلفت إلى حديقة المنزل فـ وجدت الجميع في حالة إستنفار..الخدم تعمل على قدمٍ وساق..والعمال تُرهق نفسها عملًا..زفرت بـ إختناق وكادت أن تعود أدراجها..إلا أن صوت عز الدين جمدها مكانها

-حبيبتي!!..رايحة فين!

كزت على أسنانها بـ شراسة..وفي ثوان أخفت إشمئزازها ثم إلتفتت إليه بـ بطء وقالت

-مش رايحة المكان هنا زحمة وكنت هقف فـ الجنينة اللي ورا
-تقدم منها ثم قال بـ حنو:طب تعالي متخافيش..أنا محضرلك السويت بتاعك...

كاد أن يُمسك يدها اليُمنى ولكنها أبعدتها بـ ذعر..عقد ما بين حاجبيه وتساءل بـ تعجب

-مالك يا بتول؟..ليه مش عوزاني أمسك إيدك!
-أجابته بـ تلعثم:مـ..مفيش
-ولكنه رد بـ إصرار:لأ فيه

ثم جذب يدها اليُمنى بغتةً..وحدق بها فـ وجد بنصرها خالي من خاتم خطبتها وحل مكانه حلقة نُحاسية غريبة..ظل يُحدق بها بـ جمود وبتول دقات قلبها تتصارع وبدأ تنفسها يعلو..رفع أنظاره لها وتشدق بـ نبرة جامدة
-فين الخاتم يا بتول!
-أغمضت عيناها وقالت بـ ذعر:معـ..معرفش
-رُغمًا عنه صرخ بـ وجهها:متعرفيش إزاي!!

وعلى إثر صراخه إلتفت الجميع وقد توقفوا عن العمل..أجفلت بتول من صراخه وظلت ترف بـ عينيها عدة مرات لتُزيح تلك العبرات التي كادت تهطل..أغمض عيناه بـ غضب وسب نفسه ما أن رأى خوفها وعيناها التي لمعت..فتح عيناه مرة أخرى وتشدق بـ إبتسامة

-أسف يا حبيبتي مش قصدي أزعق...

لم ترد عليه بتول..ليتقدم خطوة أخرى وأمسك يدها مرة أخرى..ليرتجف بدنها..وقد زاغت عيناها بـ توتر..عاد عز الدين يتحدث بـ نبرة حنونة

-متزعليش..أنا بس زعلت لما ملاقتش الخاتم..أكيد ضاع منك صح!

هزت رأسها بـ نعم وجذبت يدها منه بـ قوة..بـ الرغم من رفضه لتركها إلا أنه لم يرد أن يُخيفها فـ تركها..وبـ تهدج نطقت

-فـ..فين السويت بتاعي..عشا..عشان أجهز...
-هخلي حد من الخدم يوصلك...

ثم أشار إلى إحدى الخادمات التي أوصلتها الجناح الخاص بـ تجهيزها...

دلفت إلى الداخل تتأمل ما فيه..أثاث كلاسيكي ممزوج بـ حضارة العصر..ألوان نبيذية مُختلطة مع اللون الفضي...

نظرت إلى الفراش فـ وجدت ثوب أسود من خامة الشيفون مُبطنة..لامسته بـ يدها وتأملته كان النصف العلوي من خامة لامعة مُزينة بـ فصوص الألماس اللامعة وما فوق الصدر و الأذرع مُلتفان بـ نوع من القُماش الشفاف من نفس اللون..والجزء السفلي من طبقات التُل..فـ كان أشبه بـ ثوب سيندريلا...

لو إختلفت الظروف..لو بقت عاشقة له..لو لم تتقابل مع يونس..لكانت قفزت من السعادة والإنبهار..ولكن ما دار بها هو النفور و الكره...

إستمعت إلى دقات وصوت أنثوي من الخارج..لتتنهد وتقول

-أتفضلي..

ودلفت سيدة جميلة الملامح..بدءًا من وجهها الأبيض وعيناها الملونتان بـ لون العسل..إلى حجابها الرقيق الذي زادها جمالًا..وبعدها دلف عدة فتيات أخرى..تحدثت الفتاه بـ إبتسامة

-أنتي خطيبة مستر عز ..مو (أليس كذلك)!!
-أماءت بـ رأسها وقالت بـ فتور:أيوة..حضرتك مين!

تقدمت منها السيدة و وضعت يدها على ذقنها ثم قالت بـ إبتامة بشوشة

-لك ما شالله...ما شالله..أديشك (كم أنتِ) چميلة..عنجد (حقًا) أنتي ما راح تحتاچي لشي..لك هل جمال شو يؤبرني...

ضحكت بتول بـ قوة ثم قالت بـ مرح

-مع أني مش فاهمة أنتي بتقولي إيه..بس دا أكيد مدح فيا..صح!
-ضحكت السيدة وقالت:إيي (بلى)..صح..يلا نبدأ

دفعتها لتجلس على مقعدًا ما وبدأت رحلتها في وضع مُستحضرات التجميل...

*****************************************

كان يونس يجلس بـ الطائرة التي أقلعت مُنذ فترة طويلة و قد بدى عليه التوتر..إنتبه له محمود وتساءل بـ عقدة حاجب

-مالك يا سيادة المقدم!..متوتر ليه كدا؟
-رد يونس بـ إقتضاب:مفيش..
-لأ فيه..أكيد مش من الطيارة..دي مش أول مرة...

زفر يونس بـ إختناق ثم تحدث وقد سمح لنفسه بـ الحديث عله يجد الراحة

-خايف ملحقهاش
-هى مين!
-وبلا تردد أجاب:مراتي

عقد محمود ما بين حاجبيه بـ دهشة وقال بـ شيئًا من الدهشة

-هو حضرتك متجوز!..أنا أول مرة أعرف
-هز رأسه بـ نفي ثم قال:دا بـ إعتبار ما سيكون...

بدى على وجه محمود الحيرة بـ درجة أكبر..ولكنه هز كتفيه بـ قلة حيلة ثم قال بـ هدوء وكأنه أراد مواساته

-إن شاء الله هتلحقها..متقلقش
-سألع يونس بـ توتر:قدامنا أد إيه ونوصل؟!

نظر محمود إلى ساعته..ثم نظر إلى يونس وقال

-مفضلش كتير..كلها أربع ساعات ونوصل..

ضرب يونس المقعد بـ عنف وقال بـ حدة

-لسه فاضل كتير
-ربت محمود على مكنبه وقال:لو تحب نزود السرعة..مفيش مانع
-رد عليه يونس بـ لهفة:ياريت...

أماء محمود وهو يبتسم..ثم إنحنى بـ جسده إلى الأمام وهمس لـ سائق الطائرة بـ كلمات مُقتضبة..أماء الطيار بـ طاعة..عاد إلى مكانه وقد شعر يونس بـ إسراع الطائرة..نظر إلى محمود بـ إمتنان وقال

-شكرًا يا محمود
-العفو ع إيه بس..إحنا فـ الخدمة...

أخرج يونس هاتفه وإتصل بـ محمد الذي رد بسرعة

-أيوة يا يونس..في حاجة؟!
-أجابه يونس بـ صوته الرخيم:قدرت تتصرفلي فـ مأذون!

ضحك محمد على كلمته "تتصرفلي"..ثم همس في نفسه

-هو بنطلون!

تنحنح محمد ثم قال بـ جدية

-أيوة..وإحنا جايين نستقبلك
-حلو..أنا كمان ساعتين وهكون عندك
-تمام

وكاد أن يغلق ولكن هتاف يونس أوقفه ليسأله بـ هدوء

-في حاجة!
-فكرتلي هدخل الحفلة إزاي!!

نظر محمد إلى الحقيبة بـ المقعد الخلفي ثم تشدق بـ غرور

-عيب عليك يا معلم..
-تمام أوي..متتأخرش يا محمد
-متخافش..أنت وراك رجالة...

ثم أغلق الهاتف..وما كاد أن يضعه حتى صدح مرة أخرى..تناوله فـ وجد صديقه عدي..رد عليه بـ هدوء

-أيوة يا عدي
-محمد!!..أنت فين؟!
-رايح ليونس دلوقتي..أنت اللي فين!
-أنا وراك أهو...

قالها وهو يبعث أضواء بـ سيارته لينتبه محمد إليها..فـ بادله لكي يُشير إليه أنها قد وصلته ثم قال

-خلاص شوفتك..
-هو لسه مصمم يروح لعز!..
-تنهد محمد بـ قلة حيلة وقال:أنت عارف أخوك
-منا عشان عارفه..وخايف من اللي هيعمله..عاوز أمنعه بـ أي طريقة

إبتلع محمد ريقه بـ توتر وقال بـ صوتٍ لا يقل عن توتر جسده

-هو أنت عرفت التقيلة!
-عقد ما بين حاجبيه وقال:اللي هو!
-طب بلاش..أنت كدا كدا هتعرف كمان شوية..
-يعني..آآآ...

ولم يسمح له بـ أن يُكمل حديثه إذ أغلق الهاتف بـ وجهه..فـ علم عدي أت يونس يُدبر لشيئًا ما وبـ الطبع ستحدث كارثة...

*****************************************

وبعد عمل دام ساعات..كانت بتول شبه جاهزة..ولم يتبقَ سوى الثوب..لملمت السيدة حاجيتها وقالت بـ إبتسامتها التي لم تُفارقها

-الله يسعدك يا حبيبتي...

إبتسمت بتول بـ بهوت ولم ترد..فـ خرجت السيدة ومعها الفتيات الأخرى اللاتي ساعدنها في العمل..نهضت بتول عن المقعد وأخذت تتأمل الثوب تارة و الحلقة النُحاسية تارة أخرى..قربتها من فمها ثم قبلتها بـ رقة ثم همست

-بحبك يا يونس...

ثم أزالت عنها بقايا أحمر الشفاه ذو اللون النبيذي الداكن..نظرت إلى هيئتها البسيطة في المرآه بدءًا من خُصلاتها المُصففة بـ عناية والذي وُضع أعلى رأسها تاج ألماسي رقيق..وقد تُركت خصلاتها حرة تنسدل على مكنبها الأيمن..ثم إلى زينتها البسيطة وجيدها المُزين بـ عقد ماسي أخر يُشبه التاج...

تنهدت بتول بـ ثقل ثم إتجهت إلى الثوب وأمسكته ثم دلفت إلى المرحاض..إرتدت الثوب ودلفت إلى الخارج..عادت تتأمل هيئتها الفاتنة..ذاك الثوب والذي صُمم خصيصًا لها أظهر نحافة جسدها الرائعة..برزت عظمتي التُرقوة من أسفل تلك الطبقة الشفافة..مما أضفى عليها فتنة...

ثوان وسمعت طرقات هادئة على باب الغُرفة..إلتفتت بتول إلى الباب وقد شددت قبضتها على الثوب..وإرتفع وجيب قلبها...
دلف عز الدين..والذي بقى دقائق يُحدق بها وقد فُتن بها..هيئتها الناعمة..ثوبها الذي أضفى عليها جاذبية وإثارة رغم إحتشامه..ولكنه لم يستطع منع عيناه من تأملها وكأنها اللحظة الأخيرة..تقدم منها بـ خطى بطيئة عيناه لا تحيد عنها حتى وقف أمامها..ثم قال بـ إنبهار

-ما شاء الله..ربنا يحميكي يا حبيبتي
-هتفت بـ توتر:شـ..شكرًا
-إبتسم عز الدين وقال:بس لسه حاجة ناقصة...

ثم إلتفت خلفها وهى تعقد حاجبيها بـ غرابة..شعرت بـ شيئًا ما يوضع على جزء وجهها العلوي..فـ أيقنت أنه قناع...

كان من اللون الأسود وعلى طرفاه العلويان ريش نعام رمادي اللون..والجزء الأيمن السفلي يمتد على جانب وجهها ليُخفي وجنتها اليُمنى...

شعرت بـ أنفاسه تقترب من عنقها بعدما أحكم ربط القناع..ليدب الرعب في أوصالها..لم تستطع أن تنتظر قُبلته التي ستُدنس عفتها فـ إبتعدت على الفور..إمتقع وجهها خجلًا ثم قالت بـ تلعثم

-ميـ..مينفعش..ممكن..حد يدخل...

ضحك عز الدين وهو يحك مؤخرة رأسه..ثم قال بـ مزاح

-بالرغم إن محدش هيدخل..بس دا كسوف...

تقدم منها ثم مدّ يده إليها وقال بـ إبتسامته الجذابة

-مش يلا ننزل..الناس مستنية!..
-أماءت بـ خفوت وقالت:طيب...

وقبل أن يدلفا إلى الخارج إرتدى عز الدين القناع الخاص به والذي كان من نفس اللون ولكنه يُخفي عيناه فقط..كان يرتدي حلة من اللون الرمادي اللامع يتماشى مع لون القناع..أمسك عز الدين يدها..وقد كابحت بتول حتى لا تتقيأ أو تبكي من فرط خوفها...

****************************************

وصل يونس في زمنًا قياسيًا إلى أرض وطنه الحبيب..ثم إستقل السيارة مع محمد بـ الطبع لم يستطع إستقلالها مع شقيقه والذي نال عتابًا لاذعًا لأنه ترك عز الدين يرى محبوبته بل وأوصله إلى تلك الحفلة..وكم يشعر بـ إنقباضة في قلبه أنبأته أنها تُعاني الرعب...

جلس يونس في المقعد الخلفي و بـ صوتٍ صارم قال

-بـ أسرع سرعة عندك يا محمد إطلع..بص عاوزك تطير
-أنت تؤمر يا سيادة المقدم...

نظر يونس إلى المأذون الذي ظهرت عليه إمارات السأم..ليقول يونس بـ جدية..

-يلا إبدأ يا شيخنا
-نظر إليه ذاك الشيخ وقال:أبدأ إيه يا بني!
-تأفف يونس وقال:مراسم الزواج يا شيخنا..هو أنت بتشتغل حداد!
-رد عليه المأذون بـ عصبية:تحشم يا ولد..وبعدين فين العروسة !!..هنكتب الكتاب إزاي؟!
-ضيق يونس عيناه وقال:مبتتكشفش على رجالة..أكتب أنت بس..
-أين الشهود؟

نهض يونس من مكانه ثم أطل بـ رأسه إلى الأمام..وبـ بخبث تشدق

-هتكتب الكتاب يا شيخنا ولا تشرفنا فـ أمن الدولة!!
-توتر الرجل وقال بـ سرعة:فين بطاقتك وبطاقة العروسة!!

أخرجهم يونس من جيب بنطاله وقد حصل على البطاقة الشخصية الخاصة بـ بتول بـ مساعدة محمد..وبدأ الشيخ في مراسم عقد القرآن فـ قال بـ الأخير

-فاضل بس إمضة العروس وبصمتها...

ثم تساءل

-هى قاصر!!
-لأ..يعني تقدر تجوز نفسها...

وشرع يونس في تبديل ملابسه وإرتداء تلك التي تخوله إلى الدلوف إلى الداخل..وفي غضون خمسًا وأربعون دقيقة..كانوا أمام المنزل..دلف يونس إلى المنزل بـ خفةولم يلحظه أحد من الحرس...

***************************************

هبطا الدرج تزامنًا مع خفوت الأضواء..إستقبلهم ذاك الحشد بـ تصفيق حار و بعض الكلمات لعودة خطيبته سالمة..توقفا في مُنتصف القاعة..أمسك أطراف أصابعها ثم فرقع بـ أصابعه لتصدح موسيقى الأوبرا..جذبها إليه ثم أحاط خصرها ولم يشعر بـ إرتجافة جسدها أسفل يده..هتف بـ أذنها

-عارف إنك بتحبي الأوبرا..عشان كدا رقصتنا هتكون عليها...

تميالا على تلك الألحان بـ مشاعر مُتناقضة..إحداها عاشقة والأخرى نافرة..كانا يتحركان بـ إنسيابية وخطوات مدروسة..وأفلت أصابعها فـ أخذت تدور في حلقات حتى إلتقطتها يد غلظية أقبضت على خاصتها بقوة مُهلكة..وبيده الأخرى إلتفت حول خصرها كما تلتف الأفعى حول فريستها..رفعت عيناها لتُجابه بنيته فـ تعرفت على هويته بصمت..تراقصا وهى لا ترى سوى عيناه وهو يرتدي زي المُحارب الأسطوري "زورو" و وقناعه يُخفي جزء كبير من ملامحه ولكن نابضها تعرف عليه فقد إستشعر ذبذبات أرسلها خاصته لتُصيبها في منتصف روحها..وحدقتيه لا تتزحزحان عن خاصتها..تمايلا على ألحان الأوبرا وها قد سرق منها تلك الرقصة الأرستقراطية..إنتهت الرقصة ليهمس في أُذنها بهمس عاذب

-وأديني وفيت بوعدي وسرقت رقصتي... سنيوريتا..

وإستغل إنطفاء الأضواء ليُقبل نحرها النابض بقُلبة رقيقة ليختفي في جُنح الظلام كما ظهر تمامًا...

وتوقفت الرقصة..أُضيئت الأضواء وظلت بتول تبحث عنه بـ حدقتيها التي لمعت بـ قوة وإزداد وجهها بريقًا...

تقدم منها عز الدين والذي كان الشرر يتطاير من عيناه..من ذاك الذي يجرؤ على إختطاف الرقصة التي لطالما حلُم بها..أمسك يدها وكادت أن تشهق بـ اسم يونس..إلا أنها إبتعلتها وهى تراه بـ هيئته الغاضبة..وقبل أن يهذي كانت هى ترد على عجالة

-أنا معرفش إيه اللي حصل..بس أنت اللي سبته يرقص معايا..لو كنت منعته كنت هستحمل عصبيتك..بس أنت سبته...

ثم رفعت ثوبها وقالت بـ قوة

-أنا داخلة الحمام..بعد إذنك...

وتحركت من أمامه ونبضات قلبها كادت تصم أُذنيها..دلفت إلى الداخل وقد خلا من رواده..أغلقت الباب وإستندت على الحائط خلفها..إبتسمت بـ سعادة بل وقفزت ثم هتفت بـ حماس

-يونس جه...

ثم إتجهت إلى المرآه المُعلقة على طول الحائط..وأخذت تتأمل وجنتها والتي قد تحولا إلى اللون الوردي..لم تشعر بـ ذاك الذي دلف خلفها ثم أحاط خصرها..شهقت بتول ولكن ما أن أبصرته..حتى هتفت بـ عدم تصديق

-يونس!!!

ولم يتركها تُكمل حديثها إذ أدارها وجذبها في أحضانه..أحاطها بين يديه بـ قوة حتى بدت كـ إحدى ضلوعه..وهى لم تقل عنه بل إزدادت وهمست بـ صوتٍ مُتحشرج

-وحشتني أوي..أوي
-أبعدها عنه وأحاط وجهها:وأنتي وحشتيني أكتر يا قلبي يونس من جوة

ثم أخرج من جيب بنطاله ورقة وقال بـ جدية

-بصي معندناش وقت..إمضي هنا إبصمي
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت بـ توجس:إيه دا!
-سألها بـ حنو:مش أنت بتثقي فيا!!

أماءت بـ رأسها دون تردد..فـ إبتسم بـ عذوبة وقال

-خلاص ثقي فيا وأمضي...

وبـ ثوان جذبت الورقة ومضت ثم بصمت كما طلب..أخذ الورقة وطواها..ثم إقترب منها و وطبع قُبلة سريعة على شفاها..تشدق وهو يتحرك إلى الخارج

-سلام مؤقت يا مراتي...

ثم خرج وتركها تُحدق به بـ بلاهة وصدمة عقب ما قال...

*****************************************

وخرج يونس كما دلف وأبدل ملابسه وكاد أن يدلف مرة أخرى إلا أن عدي أوقفه قائلًا بـ حدة

-اللي بتعمله دا غلط
-أزاح يونس يده وقال بـ غلظة:الغلط لما وثقت فيك..اللي جوه دي مراتي وأنا مش هسيبها عنده ثانية...

ثم دلف بـ خطى سريعة..لم ينطفأ شوقه لها ما أن أبصرها في هذا الثوب والذي جعلها كـ حورية هربت من الجنة..فـ ما أن رآها بـ هذا الثوب حتى هوى قلبه من فرط جمالها الفتاك...

تلك المرة دلف يونس من البوابة بـ كل هيبة ووقار..ضرب كل حارس حاول أن يمنعه من الدلوف وقد ساعده محمد وعدي..وفي غضون دقائق..وصلوا أمام باب المنزل..ركله يونس بـ عنف و وقف يُطالع ما حوله بـ إزدراء...

عم الأجواء الصمت..وكل الأبصار توجهت إلى يونس..تطلع إليه عز بـ عينان جاحظتان..وقبل أن تحرك من مكانه حتى وجد من يندفع خلفه بـ أقصى سرعة..لتستقر في أحضان يونس...

تراجع يونس إثر الإصطدام ولكنه حاوطها بـ يدها الصلبة..إلتفت يداه حولها بـ تملك..ثم رفع أبصاره إلى عز الدين الذي شحب كـ الموتى..كان يقف كمن سكب عليه دلو ماء قارص البرودة..جسده قد تصلب من المفاجأة...

كانت عينا يونس تنظر إلى عز الدين بـ حدة كـ حدة الصقر..نظرات تبث السموم كـ أفعى..عيناه ضيقة بـ غضب حارق يحرق الأخضر واليابس..عينان تهتفت بـ وعيد أسود قاتم كـ هوة جهنم..نظرات تخترق جسده وعيناه حتى كادت أن تحرقها...

نظراته أخبرته بـ بساطة بـ تملكه لها..أنها ملكه وليست لغيره..أنها باتت له وليست لأحدٍ أخر..نظراته كانت أبلغ من أي حديث..نظرات تحكي ألف قصة وقصة بدايةً من الإنتقام وحتى النهاية إنتقام لاذع..مر المذاق..فـ يونس المُحارب قد حظى بـ أميرته وإنتزعها من بين يديه...
*********************
قد نضيق بالحبّ إذا وُجد، ولكن شَدَّ ما نفتقده إذا ذهب.

أخذ منه الأمر سويعات حتى يستقبل مخه إشارت تدل على أنها ترتمي في أحضان غيره..تجاهل تلك العينان التي تنظران إليه بـ وحشية تُهدد بـ الفتك به..تطايرت الشرارات الغاضبة من عيني عز الدين ثم إنطلق كـ القذيفة ينتوي نزعها من أحضانه نزع..وكادت يده تمتد إليها..إلا أن يد يونس الصلدة منعته من ذلك..قبض على معصمه بـ قوة كادت أن تُهشمه من فرط عنفها..لم يخفَ الغل و الحقد التي أودعها يونس بـ قبضته...

وبـ يده الأخرى جذبتها من خصرها لتحتمي خلف ظهره..ولم يظهر سوى عيناها اليمنى وقد إختفت تمامًا خلف جسده العريض..كانت عينا عز الدين لا تتزحزحان عن خاصتها بـ نظرات دبت الرعب في أوصالها..تلك النظرة الأكثر شراسة على الإطلاق..نظرات نمر قد هربت فريسته وأخذ يتربص بها حتى هربت..هذا ما رأته في عيناه مما جعلها تُغلق عيناها بـ قوة وتعتصر جفنيها..قبضت بـ يدها الصغيرة على قميص يونس عل تلك القوة النافذة منه تتسرب إليها...

علا صوت تنفس عز الدين بـ غضب ثم هدر بـ صوتٍ أجفل الجميع عداه وهو يقف أمامه شامخ كـ الأسد

-تعالي هنا!!

تحرك يونس إلى اليمين ثم بـ قبضة حديدية أدار فكه بـ قسوة وردد

-بصلي أنا...
-سحب عز الدين يده بـ عنف ومن ثم هدر بـ عصبية:أطلع برة...
-إبتسم يونس بـ إستفزاز:منا هطلع...

ثم أكمل بـ نبرة خبيثة

-مع مراتي...

وتاهت الدنيا من حوله..زوجته!!..متى وكيف!!..توسعت عيناه بـ قوة مُندهشة ثم تشدق بـ تلعثم وقد شعر أن قلبه ينشطر إلى نصفين بـ سكينٍ بارد

-مـ..مرا..تك
-أومأ يونس بـ رأسه ورد عليه بـ برود:أينعم..أظن لا أنت ولا رئيس الوزرا يقدر يمنعني عن مراتي
-كدااااب...

همهم يونس بـ تسلية ثم تشدق بـ تهكم

-مممم..هعديهالك عشان بس أعصابك

أدار رأسه نصف أستدارة ثم قال لـ بتول بـ حنو

-يلا

أومأت بـ رأسها عدة مرات بـ نعم وهى تشعر بـ الإختناق..تُريد الخروج من هنا بـ شتى الطُرق..أمسك يدها يبُثها الأمان وما كاد أن يلتفت حتى باغته عز الدين بـ لكمة أسقطته أرضًا..صرخت بتول بـ خوف ثم جثت على رُكبيتها تتفقده...

ولكنها لم تصل إلى الأرض فـ قبضة عز الدين أحالت دون ذلك جاذبًا إياها نحوه..توسعت عيناها بـ هلع وهى ترى نظراته التي تكاد تحرقها..أخذت تتلوى بين يديه ولكنه لم يسمح لها بـ الهروب..نطق بما جعل الدم يتحسب رويدًا من جسدها كما روحها التي شعرت بها تنساب تدريجيًا..همس بـ فحيح أفعى يُسري الرعب في النفوس

-أنتي ملكي وبس..واللي مأختدوش برضاكي هاخده غصب عنك...

إبتلعت ريقها بـ صعوبة ومن ثم صرخت بـ رعب وهى تستشعر يده على ظهرها

-يونس!!!

ولم يتحاج يونس سوى صرختها حتى إستفاق..نهض كـ الوحش وهو يراها في أحضان تلك الأفعى ثم إنتزعها منه بـ عنف..ولم يكد ينزعها حتى إنهال عليه ضربًا مُبرحًا..فجر فيه كبت سنوات من التعذيب وسنوات أخرى من تلك المذبحة التي شهدها..صرخ صرخات وحشية وهو يُهدد عز الدين بـ قتامة

-وحياة اللي خلقني وخلقك يا عز لكون مسففك تراب الأرض عشان تفكر تلمسها بـ إيدك النجسة دي تاني

ركله مرة أخرى في معدته حتى تناثرت الدماء من فمه وهدر بـ صوتٍ قد تشققت له الحوائط

-ساااااامع!!!

ثم إلتفت إليها وقبل أن يخرج بها..حتى مد يده إلى جيدها وإنتزع ذاك العقد بـ قسوة قذفه بـ وجهه ثم قال بـ إزدراء

-مش محتاجين حاجة من نجاستك...

ودلف إلى الخارج بـ هدوء عكس عاصفة دلوفه..وبـ الطبع عدسات الصحافة لم تتأخر عن تسجيل هذا الحدث الأكثر من رائع..حديث لن يتوقف عنه العامة حتى بعد مائة عام...

كان يونس يسير بسرعة وقد أشار إلى عدي و ومحمد المُنشغلان بـ إبعاد الحرس..تبعاه بـ صمت ولم يجرؤ أحد على الحديث فـ مظهره لا يُبشر بالخير...

سمعوا صوته البغيض يتردد بـ وعيد وقتامة

-هى ملكي..ملكي أنا وبس..سامع!..هى من حقي أنا...

ولكن لم يتوقف يونس..ولكن أيضًا لم يمنع من تصلب عضلات وجهه وتشنج جسده بـ أكمله..تأوهت بتول وهى تستشعر قبضته تشتد أكثر على يدها حتى كادت أن تُحطمها...

***************************************

الجميع بالسيارة ويحيطهم الصمت..صمت خانق كـ ساحبها رمادية خلفتها النيران..عدي يجلس بـ جانب صديقه الذي يقود السيارة بـ خوف من سكون يونس..الجميع يتوقع إبتهاجه من أن يراها..سعادة وتهليل..ولكن كل ما حصلوا عليه هو الصمت والسكون وكأن ريح عصفت بهم وتركتهم بلا حياه...

كان يونس مُتصلب الجسد..مُقتضب الوجه..عيناه لو رأها أحد لتجمد أمامه من هول خطورتها..يده لم تترك يدها بل وتشتد عليها أكثر..كلما تذكر كلماته التي ألقاها حتى يشعر بـ فوران وغضب قد يُطيح بمن أمامه..يعلم أن الحرب ستشتعل على أشُدها وستكون الخسائر فادحة..الطرف المُتأذي هو..هو فقط وليس غيره..إما ضايعها أو ضياع أحد من أفراد أسرته..ظل كاتمًا غضبه الذي أشبه بـ القنبلة الموقوتة..ما أن تُنزع فتيلها حتى تُحطم الجميع إلى أشلاء...

نظر عدي إلى وجه بتول أولًا والذي حاكى شحوب الموتى بل وتعداه..ثم إلى يونس والذي ما أن وقعت أنظاره عليه حتى تصاعدت ضربات قلبه بـ شدة..إبتلع ريقه بـ صعوبة وتشدق بـ تردد

-يونس!!!

ولم يعرف أحد ماذا حدث..كل ما فعله عدي أنه نزع الفتيل فـ أنفجر يونس يهدر بـ صوتٍ مُرعب دوى صداه كـ الرعد...

-أنت تخرس خالص..لو كنت أخد بالك منها..مكنش حصل دا كله..أدي روحنا بقت على كف عفريت
-حاول عدي التحدث بـ تردد:أنا آآآ...

ولكن يونس لم يسمح له بـ الإكمال وردد بـ قسوة

-إعرف إنك أول واحد هتتلسع من ناره...

وجفت الحروف وأُغلق الحديث..نكس عدي رأسه بـ خزي..فقد إعتمد يونس كليًا عليه حتى يحميها وهو أعطاه وعد لم يستطع إيفاءه..وعاد الصمت من جديد...

كانت بتول مُنكمشة على نفسها ما أن أبصرت موجة غضبه..ولكنها تعذره..النظرة التي رمقها بها عز الدين كانت كفيلة بـ جعلها تتمنى الموت..إبتعلت ريقها بـ خوف..ثم همست إلى محمد

-ممكن توقف العربية!
-نظر لها محمد من المرآه ثم تساءل بـ غباء:أوقف العربية!..هنا!..فـ الصحرواي!
أماءت بـ رأسها بـ نفاذ صبر قبل أن ينتبه يونس..هز رأسه بـ قلة حيلة ثم أوقف السيارة..همست مرة أخرى

-خد عدي وإنزلوا من العربية..وحاولوا تبعدوا
-طيب

قالها مسلوب الإرداة وهبطا من السيارة..نظر عدي إلى أخيه الشارد بـ حزن ثم إستدار وأكمل سيره مع صديقه...

أخذت بتول عدة أنفاس تُهدأ من روعها وتبث في نفسها الثقة المسلوبة..إستدارت نصف إستدارة..فـ وجدت عيناه بـ لون الدم..وصوت تنفسه يكاد يصمها..إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقد ذهبت ثقتها الزائفة أدراج الرياح..ولكن نفسها الثائرة تدفعها بـ أن تُكمل ما لم تبدأه...

رفعت يدها المُرتعشة وأدرات وجهه..لـ لحظات تصلب وجهه وكأنه لا يُريد النظر إليها..فـ همست بـ صوتٍ رقيق ولكنه غُلف بالخوف

-يونس...

وأمام بحة صوتها الرائعة..أمام رقتها الممزوجة بـ الخوف..لم يجد سوى أن يلتفت إليها..تُلقي بـ سحرها عليه دون أن تُمارسه..نظر إلى عينيها بـ عمق حتى نفذ إلى روحها وهى فعلت المثل..ظلت النظرات تتعمق وتتعمق حتى وصلت حد الجموح..أجفلت بتول وهى ترى نظرات راغبة فيها تكاد تفتكها..تضرجت وجنتيها بـ حمرة خجلة وقد أخفضت نظراتها وهى تُعاتبه بـ رقة

-مينفعش كدا
-رد بـ هدوء وحب أدهشها:هو إيه اللي مينفعش!!

إرتفعت نظراتها لا إراديًا وهى ترى الصفاء والحب بـ عيناه..بدأت تشك في قواها العقلية وأن نوبة غضبه وقساوة عيناه لم يكن سوى هذيان..توسعت عيناها وهى تميل بـ رأسها إلى أحد الجوانب.
ليضحك يونس ضحكته الرجولية ثم قال

-متبصليش كدا..أنتي متعرفيش أنك أد إيه قادرة تقلبي مودي فـ لحظة..لحظة واحدة بس..يا بتولي...

قالها وهو يميل على وجنتها ويُقبلها بـ شغف..تلامس ذقنه مع طرف شفاها فـ جعل جسدها يرتجف بـ شدة..طالت القُبلة وتطرقت إلى عدة قُبلات على وجنتها حتى وصلت إلى طرف شفاها..كانت مُتصلبة أسفل جسده الذي يُشرف عليها به..تنفسها قد تسارع حتى باتت تشعر بـ دوار إكتسحها...

تسحبت يداه تضمها إليه في عناق وحشي..كاسر..مُتملك..و وجهه مدفون في تجويف عُنقها وهو يُهمهم بـ هيام

-بعشقك يا بتول..هموت لو بعدتي عني

إرتفعت يداها المُترجفة تحاوطه ثم إرتفعت إلى خُصلاته وأخذت تعبث بها بـ صوتٍ غلبت عليه العاطفة قالت

-مفيش حد يقدر يسيب روحه لما يلاقيها...

ثم همست بـ أُذنه بـ رقة جعلته يتأوه

-وأنت روحي..الروح اللي مبعدهاش روح...

لو أنهما في غُرفة مُغلقة..لو أنهما مُنعزلان عن العالم..لو أنهما لي زمن غير الزمن..لكان هو وهى يعيشان الآن في عالم لن يطرقه أحد ولن يزعجهما أحد..لكن لو إستحالت دون ذلك...

همس يونس بـ صوته الأجش عابثًا

-لو مبعتديش عني دلوقتي..صدقيني يا بتول مش هيحصل كويس...

وفي ثوان كانت يداها تدفعاه من صدره بعيدًا عنها..ضحك يونس ملئ فاه حتى جعل عدي ومحمد يقطبان بـ تعجب..مُنذ ثوان وكاد أن يبتلعهما بـ غضبه..والآن يضحك ملئ فاه حتر شعرا بـ الفراشات تطير حولهما...

أطلت بتول بـ رأسها وأشارت لهما بـ المجيئ..وقد علما أنها إمتصت غضب يونس بـ الكامل..فـ تشدق محمد بـ ذهول

-صحيح تستاهل يموتوا بعض عشانها...

ثم صعدا السيارة ولم يتجرأ أحد على الحديث..أدار محمد المُحرك وظل صامتًا...

إلتفتت بتول إلى يونس وقالت بـ خفوت

-وهنعمل إيه مع بابا!!
-هز رأسه بـ بساطة:أكيد هيوافق...

****************************************

-على جثتي يا سيادة المحترم..هطلقها دلوقتي ...

نطقها إسماعيل بـ غضب وقد رمق بتول بـ نظرة تحمل الخزي..نكست رأسها ولم ترد..بينما إسلام كان في قمة إنتشاءه..ها قد تخلصت من عز الدين ولا يبدو على يونس أنه يشبهه بـ مثقال ذرة..لا يعلم لما شعر بـ الراحة ما أن أبصره..هنا وعلم أنه المنشود هو من ظلت بتول تبحث عنه ولكنها قد وجدته قبلًا في أسوء الرجال ولم تلحظ...

لم يبدُ على يونس التأثر مما قال والدها..إلا أنه إعتدل في جلسته ثم قال بـ رزانة

-يا أستاذ إسماعيل..بتول خلاص بقت مراتي..وأنا معملتش كدا عشان حاجة من اللي خطرت فـ بالك...

إتسعت عينا إسماعيل بـ شدة وقد فهمه يونس سريعًا..فما ان قص عليه شئ دون أن يُجمل أو يحذف..إعترف بـعشقه وهيامه بها دون خجل..ولما يخجل أن يعترف بـ أنه عاشق لذرات الأتربة التي تخط عليها..وهذا ما لاحظه مُذ أن رآه..ولكنه أراد أن يتأكد من صدق مشاعره كي يطمأن قلبه...

إستعاد إسماعيل رباطة جأشه وقال بـ صلابة

-برضو مينفعش..أنت أخدتها زي اللي بيسرق وهى إعتبرت إن معندهاش أب ترجعله..أنا مش هسلملك بنتي بالطريقة دي
-إبتسم يونس وقال بـ ثقة:ومين قالك إني أخدتها!
-رد عليه إسماعيل بعدم فهم:مش فاهم
-وضح يونس مقصده:يعني جوزاي منها صوري دلوقتي..لحد أما أتقدملها وكأننا لسه متجوزناش..بس كل اللي عاوزه من حضرتك..إني أخدها بيتي عشان أعرف أحميها...

وبعد ساعة من المحادثات والتي إنتهت على مضض بـ موافقة إسماعيل على ما يطلب وأنها ستظل معه بـ بيت أهله وسط عائلته كي يضمن عدم إنفراده بها..فـ لم تخفَ عليه نظراته التي تتوق إلى إبنته..ولكنه وعده وما رآه إسماعيل أنه رجل شهم ولن يتراجع عما قال..وقتها علم أنه فارس إبنته المغوار..ولكن كانت عيناه تخبره إن حنث وعده ستكون عنقه هى الثمن...

جلس يونس على فراش بتول في غرفتها الغاية في الطفولة..كل ما يُحطيه وردي اللون يختلط مع اللون الأزرق الهادئ..رسومات كارتونية لأميرات ديزني..كل شئ يليق بها وطفولتها..زفر يونس وهو يراها تقف أمامه

-باباكي دا صعب أوي
-ضحكت بتول وقالت بـ دلال:بيخاف على بنته وعاوز يطمن عليها
-رد عليها بـ حنق:وهو أنا هاكلك...

نظرت له بـ نصف عين ليضحك هو ثم قال بـ عبث

-يعني..مش هاكلك أوي...مش مصدق امتى هتكوني ليا...

وضعت يدها على وجنته بـ حب و بـ رقتها المعهودة همست

-خلاص هانت يا حبيبي...

وما أن نطقت بـ "حبيبي" حتى إنتفض كمن لدغته أفعى..جذبها من معصمها وقد إرتشعت خوفًا..ثم قال بـ صوتٍ أجش

-قولتي إيه!
-ردت بـ تلعثم:قولت..قولت إيه؟
-عيدي اللي قولتيه...

نظرت إليه بـ غرابة ولكنها نطقت بـ تردد

-خلاص هانت
-ليُكمل هو بـ شغف:اللي بعدها بقى
-إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقالت بـ خجل:حبيبـ...

تأوه بـ عنف..ليغرس يده في خُصلاتها المجنونة كـ صاحبتها ويجذبها إليه..لينقض على شفتيها في أول قُبلة لهما..قُبلة إلتقت فيها شفتان عذريتان لينتهكا عذريتهما في تلك الـ...لا يوجد لما يحدث الآن تسمية..فـ هو تلتف يدها حولها تضمها إليه بـ قوة وشفتاه لا تتوقف عن إلتهام شفتيها المُغوية كـ تفاحة آدم..ويداه تشتد على خصرها تجذيها إليه أكثر حتى إنتقلت سخونة جسده إليها..وتاه العالم عنهما و وجدا عالمًا خاصًا بهما..شعرا حولهما بـ الألعاب النارية ترتفع وتلاطمت الأمواج بينهما وسبحا على غُمامة أضاءتها النجوم...
*********************
الكراهية تشل الحياة، والحب يطلقها. الكراهية تربك الحياة، والحب ينسقها. الكراهية تظلم الحياة، والحب ينيرها.

ظلام..كل ما خلفوه وراءهم هو الظلام..ولكنه لا يُضاهي عيناه ظلام..كان يجلس أرضًا في المُنتصف يضم رُكبتيه إلى صدره وأخذ يتأرجح إلى الأمام والخلف..توعد لأكثر من مرة بـ أغلظ الإيمان أنها ستكون له..سيمحي يونس وجذوره من الوجود..كل من يحمل حروف الاسم سيكون مصيره الموت...

لم يأبه إلى ثيابه المُشعثة ولا تورم وجهه..ولا تلك الدماء التي جفت على وجهه..بل ما يشغله هو إنتقام منها ولها..منها لأنها خانت عهده وأحبت غيره..ولها لأنها تم تدنيس روحها من قِبل أكثرهم بُغضًا إلى قلبه...

فُتح الباب ودلف رجلًا ما ثم دنى إلى سيده وقال بـ إحترام

-عز الدين بيه!!

رفع عز الدين أنظاره ولم يتحدث..فـ أكمل الأخر حديثه بـ جدية

-سيادة العقيد رفعت قبضوا عليه الصبح..كل حاجة إتكشفت...

ولم يتأثر عز الدين ولم تتحرك عضلة واحدة من جسده..ولكنه تساءل بـ جمود

-فين سيف؟
-وصل من شوية..وهو جاي على هنا...

أشار عز الدين بـ يده كي ينصرف..فـ إنصرف الرجل بـ هدوء..نهض هو صعد غُرفته وبدأ في تبديل ثيابه وغسل وجهه بـ الماء البارد عكس النيران المُشتعلة داخله..تفحص وجهه بـ المرآه ولم يهتز أيضًا لمظهره المشوه..بل جففه ودلف إلى الخارج..صعدت خادمة تتحدث بـ تلعثم وخوف من هدوءه...

-السيد سيف تحت...

رفع أنظاره القاتمة لها والتي دبت الذعر في أوصالها ثم صرفها بـ إشارة من يده..وما أن أشار لها بـ الرحيل حتى هربت تتنفس الصعداء..أعاد إرتداء تلك الحلقة الفضية في يُسراه تلك المرة وكأنه يُثبت للجميع أنها ستعود له بل وستكون ملكًا له..هبط الدرجات بـ فتور وكأن شيئًا لم يكن...

نظر إليه سيف من بعيد وقد أثار توجسه من هدوءه ولا مبالاته..حقًا ذلك أكثر رعبًا من ثورته..ستكون العاصفة شديدة وستقتلع كل من يقف بـ طريقها..وصله من بعض الأشخاص أنه رفض تدخل الشرطة وبعض الجهات العسكرية من أجل ما حدث..وما حدث قد تم مواراته ودفنه مع الأشخاص الحاضرين..حقًا لا يعلم ماذا أصاب من هنا فـ الجميع أختفى ولا يوجد أثر لأحد...

إبتلع ريقه وهو يجد عز الدين قد وصل أمامه وبـ جفاء قال

-تجبلي بتول من تحت الأرض..وليك حرية التصرف حتى لو إغتصبتها..تجبهالي..سامع!!

جحظت عينا سيف بـ قوة حتى كادت أن تخرج من محجريهما..حقًا قد فقد ما تبقى من عقله ولكن أثار إشمئزازه بَ طريقة مُخجلة..ليقول سيف بـ تقزز

-أنت أكيد أتجننت يا عز..أنت جرى لمخك حاجة؟!

لم يتأثر..يبدو أنه فقد الحياه طريقة حديثه وهدوءه تُثيران الرعب بـ طريقة مُخيفة..رفع عز الدين أحد حاجبيه وقال بـ جمود

-معنديش وقت لسؤالك الغبي دا..هتجيبها ولا أتصرف بـ طريقتي!
-أشاح سيف بـ وجهه وقال بلا مُبالاه:إتصرف بطريقتك
-إبتسم عز الدين بـ شراسة وهتف:حاضر هتصرف بطريقتي...

أشار له بـ حاجبيه وقال بـ تجهم

-بره...

إبتسم سيف بـ سخرية ثم خرج..وضع عز الدين يده بـ جيب بنطاله..ثم هدر بـ اسم أحدهم

-جعفر!!!

أتاه المدعو جعفر بـ خطواته الرتيبة وهدوءه المثير للأعصاب ثم قال بـ إحترام

-أؤمرني يا سيادة الوزير
-إبتسم عز بـ شيطانية وقال:طلع كل حبايبنا من المخزن وإعملهم حفلة شوي مُعتبرة
-وبلا ملامح رد جعفر:حاضر يا عز بيه...

أخرج عز الدين لُفافة تبغ ذات لون بني..ثم أخذ في تدخينها..وأخذ يُشاهد جعفر ورجاله وهم يخرجون العديد من الأُناسي والذين هم ضيوف حفلته..والصراخ يدوي وأحدهم يصرخ بـ توسل

-إرحمنا يا عز بيه..محدش هيعرف حاجة...

إقترب منه عز بـ خطى رتيبة ثم قال بـ خبث

-منا عارف إن محدش هيعرف..بس دي إحتياطات أمنية...

ثم تجهم وجهه مرة أخرى وعاد يُشاهد رجاله وهم يسكبون السائل القايل للإشتعال على الأرضية..والجميع يصرخ الصحافيون وذوي الشأن والمراتب العُليا والجميع يصرخ بـ أنه مجنون ولا أحد يعلم أنه تخطى مرحلة الجنون بـ مراحل عديدة..تقدم جعفر منه وهمس

-كل حاجة جاهزة...

نظر له من طرف عيناه ثم أشار بـ رأسه كي يرحل..تبعه هو بـ خطوات تدب الرعب حتى وقف على الباب ثم إلتفت وقال بـ نبرة رجل على حافة الجنون

-أتمانلكوا سهرة سعيدة...

ثم أخذ أخر نفس من لُفافة التبغ وقذفها أرضًا..لتشتعل النيران بـ المنزل..أغلق الباب بـ إحكام وهو يستمع إلى الصرخات بـ الداخل..صرخات لو سمعها معدومي الرحمة كان قد رق قلبه وأنقذهم ولكن عز!!!..كان قد جُن بـ الفعل..وقف بـ جانب ذلك الرجل الهادئ..ثم قال وهو يُشاهد إندلاع النيران

-زي ما إتفقنا...
-حاضر يا عز بيه...

أملا عليه عنوانًا ما وقال بـ جمود

-هتلاقي بنت فـ العنوان دا..تجيبها وتحصلني ع المخزن...

وأماء الرجل بـ طاعة ورحل..بينما بقى يُتابع تآكل النيران لذلك المنزل كما تتآكل نار الكره والحقد بـ قلبه والإنتقام سيبله الوحيد...

****************************************

لم يفق من نشوته إلى على صوت طرقات الباب التي تجاهلها المرة الأولى..إلا أن بتول أبعدته وقالت لاهثة

-الباب يا يونس...

وضع وجهه في تجويف عنقها وظل يأخذ أنفاسه المسلوبة رُغمًا عنه وصمت..وبـ صوتٍ مُتهدج نطق

-ردي أنتي أحسن
-حـ..حاضر...

أخذت عدة أنفاس لتستعيدها وحاولت تطويع ضربات قلبها التي أبت الهدوء..وبـ صوتٍ حاولت إخراجه ثابت

-أيوة!!
-أتاها صوت والدتها الخبيث:كل دا عشان تردي!
-همست بـ جذع:يا لهوي إتفضحنا...

ولكن يونس أبعد ما يكون عما تتفوه به الحمقاء..يشتم رائحتها التي تُسكره ولا تزال يده تعتقل خصرها..أبعدته عنها وقالت بـ ذعر

-يونس ماما بره
-طيب...

قالها يونس بـ تأفف وتركها..إستعادت رباطة جأشها وفتحت الباب..لم يخفَ عليها نظرات والدتها التي طالعتها بـ خبث..فـ تشدقت بتول بـ تحذير

-متبصليش كدا يا ماما الله يكرمك
-مصمصت بدرية شفتيها وقالت بـ ضحكة:هو أنا عملت حاجة..أنا جاية أقولك أبوكي عاوزك
-أخذت بتول نفسًا عميق ثم قالت:حاضر جاية أهو...

ورمقتها والدتها مرة أخرى بـ خبث وكذلك يونس الذي إتسعت إبتسامته ما أن رأى حماته..همس بـ سعادة

-حماتي كدا هتبقى فـ صفي..دا أشطه أوي...

أغلقت بتول الباب وما كادت أن تستدير حتى وجدت يونس يحتضنها مرة أخرى وأخذ يُقبل عنقها الظاهر..عدة قُبلات رقيقة أسرت الدفئ في جسدها..أمسكت قميصه عن كتفه الأيمن وقبضت عليه بـ قوة..تستشعر قُبلاته التي يضع بها جميع مشاعره التي رفضتها قبلًا..تلاحقت أنفاسها بـ صورة مُقلقة إلى أن شعرت بـ قدميها تخور..ولكن يونس لم يسمح لها بـ السقوط..فـ أمسكها جيدًا من خصرها ثم رفعها إليه...

وتوقفت قُبلاته مع توقف أنفاسه..تلك الصغيرة ستودي بـ حياته لا مفر..همس من بين شفتيه بـ سبة بذيئة وتبعها قوله الحانق

-كان لازم أعمل فيها شهم وأقول لأبوكي إني مش هقربلك!..إزاي هستحمل!!...

ولم يقابله سوى تسارع أنفاسها..ليحكم يده حولها ثم قال بـ حزم

-روحي شوفي باباكي..وإعملي حسابك..هتيجي معايا دلوقتي..أنا مش هستنى لبكرة...

ثم دفعها إلى الخارج تحت ذهولها وعدم قدرتها على الحديث بعد عاصفته مُنذ قليل..وضعت يدها على خافقها تُهدأ من نبضاته وترسم الهدوء على وجهها..ثم سارت بـ خطى بطيئة حتى تستعد لمواجهة أبيها ولكنها ما أن مرت بـ إحدى المرايات حتى لطمت وجهها وقالت بـ شهقة

-خبر إسود..منك لله يا يونس..منك لله...

أخذت تنظر إلى عنقها الذي تحول إلى اللون الأحمر في مواقع قُبلاته..فـ بحثت بـ عينيها حتى تجد ما يُخفي عنقها..لتجد وشاح والدتها فـ أخذته ووضعته حول عنقها بـ إهتمام حتى لا تظهر عنقها المُفعم بـ مشاعر يونس...

وبعد مدة كان يونس وبتول يودعان عائلتها بـ دموع..ليقول إسماعيل بـ رجاء

-هى أمانة فـ رقبتك..أنا سلمتهالك وأنا مطمن إني سلمتها لراجل

ربت يونس على ذراع حماه ثم تشدق وهو ينظر إلى بتول بـ حب

-متوصنيش على روحي يا عمي..بتول كمان أغلى من روحي...

ودعت بتول والدتها للمرة التي لا تعلم عددها وشقيقها مرة أخرى والذي حذر يونس من العبث بـ قلبها...

****************************************

أخذ يتطلع إلى تلك الغُرفة التي وضعوه بها ولم يأتي أحد..يعلم أن كل شئ تم إكتشافه وأنها النهاية..سمع صوت الباب يُفتح بـ تمهل يستمتع صاحبه بـ نصره ودلف بعدها سعد ويتبعه عدي. نظر لهما رفعت بلا مبالاه ثم نظر أمامه مرة أخرى...

جلس سعد أمامه وقذف ملفًا ما على الطاولة وعدي يستند إلى الحائط خلفه يرمقه بـ إزدراء..كان رفعت أو من شق الصمت بـ حديثه الساخر

-هتفضلوا تبصولي كتير!!

ولم يرد أحدًا عليه..بل أزاح الأوراق إلى رفعت والذي بدوره أعادها إلى سعد وقال بـفتور

-عارف فيها إيه
-ومش همك؟!

إنطلق هذا السؤال من عدي..والذي أكمل بـ حدة

-الملف دا فيه بلاويك أنت وعز..فيه كام روح قتلتم كأنكم نصبتوا نفسكم عزرائيل..كام سرقة سرقتوها..كام صفقة أدوية فاسدة دخلتوها مصروكام واحد مات..فيه كام سلاح مسكتوه لشباب زرعتوا فيهم مفاهيم إن يا الإسلام يا الإرهاب..الإسلام اللي متعرفوش عنه حاجة..فيه كام شاب ضحكتوا عليهم بـ السفر برة وأنتوا كنتوا بتسلموهم تسليم أهالي لتجار الأعضاء وتروحوا تقولو لأهله إن السفينة غرقت أو الطيارة وقعت...

نظر إلى رفعت بـ برود ولم يهتم..لم يشعر بـ الشفقة أو الندم لما فعل..بل رد بـ جمود

-دا اللي تستحقه البلد بعد أما قتلوه..قتلوا ابني قدام عيني
-إبنك كان إرهابي و ***..إبنك قتل وكان لازم يتعدم..إبنك خان بلده وكان لازم يدفع التمن...

ضرب رفعت سطح الطاولة بـ عنف وغضب..وساد الصمت..إرتخى في جلسته ونظر إلى سعد ثم تشدق

-شوف شغلك يا سعد..أنا لا هنكر ولا هعترف..وأنت فـ إيدك الأدلة..خلصني من الفيلم الهندي دا...

سحب سعد الملف ونهض بـ كل وقار..ثم تشدق أخيرًا بـ جفاء
-زي ما تحب..محاكمتك هتكوم كمان يومين..والحكم هيتنفذ بعد المحاكمة بيومين...

ثم دلف إلى الخارج وتبعه عدي..أغلق الباب وتحدث مع سعد بـ حنق

-مش ممكن يكون بني أدم...
-أشار سعد بـ يده وقال بـ هدوء:خلصنا..المحكمة هي اللي هتقوم بالواجب بعد كدا..الموضوع دا ميتفتحش تاني...

أماء عدي بـ رأسه ليسأله سعد مرة أخرى

-يونس مش جاي!!
-أيوة..هيروح عشان يتكلم مع أبو مراته
-غبي وهيفتح أبواب جهنم ع الكل...

هز عدي رأسه بـ قلة حيلة لم يرد..بينما ركض أحد الضباط وبعدما أدى التحية العسكرية..قال بـ ذعر

-بيت سيادة الوزير عز الدين ولع بـ المسئولين اللي فيه...

****************************************

أغلقت الهاتف مع عدي والذي بدى وكأنه يُصارع الرياح..الجميع يتكالب ضده..أخذت تُهدأه وتبث في قلبه الإطمئنان إلا أنها كانت تشعر بـ أن هناك خطبًا ما سيحدث..ظلت تبتهل إلى الله أن ينتهي كل شيئًا على ما يُرام...

دلفت إلى غُرفتها هى تستجدي النوم ولكن كيف وحبيبها يُعاني..تنهدت بـ تعب ثم جلست وأخرجت إحدى الكُتب المفضلة لديها وأخذت في قراءتها حتى غفت مكانها...

بعد مرور عدة ساعات..إستيقظت روضة على صوتٍ غريب مُنبعث من المطبخ..نهضت وهى تعقد حاجبيها بـ تعجب..ثم همست لنفسها

-هو في قطة دخلت المطبخ ولا إيه!!

ولكنها هزت منكبيها بـ فتور وتحركت إلى الخارج..أضاءت الأنوار ثم توجهت إلى المطبخ وكما توقعت هرة تعبث بـ محتويات المطبخ..زفرت روضة بـ يأس ثم قالت وهى تنظر إلى الهرة

-يعني أعمل فيكوا إيه عشان تبطلوا تخشولي فـ نص الليل كدا...

ثم تحركت في إتجاهها وأخرجت لها بعض الطعام لتأكل..سمعت مواء الهرة والتي تدل على سعادتها في الحصول على الطعام أخيرًا..سارت بـ يدها على جسد الهرة وتساءلت فجأة

-أنتي دخلتي إزاي!!

ونظرت إلى نافذة المطبخ لتجدها مفتوحة زفرت بـ ضيق وقالت

-دخلتي من الشباك..بس أنا قفلاه..يمكن مقفلتوش كويس...

هزت رأسها بـ نفاذ صبر ثم أخرجت الهرة بعدما أنهت طعامها..أغلقت النافذة وعادت إلى الغُرفة..وما أن دلفتها حتى وجدت من يُكمم فاها..ظلت تصرخ صرخات مكتومة وتركل حتى خبت قواها وفقدت الوعي..وضع ذاك المُلثم يده أسفل ظهرها والأخرى أسفل رُكبيتها ثم حملها وإتجه إلى الخارج...

*****************************************

إستيقظ سيف على صوت هاتفه بـ الصوت الخاص بـ وصول رسالة..نهض بـ تكاسل ثم أضاء الأنوار ومدّ يده إلى الهاتف وإلتقطه..فتح الرسالة وما أن أبصرها حتى إنتفض كـ الملسوع وهو يرى حبيبته فاقدة للوعي و مُقيدة..لم يسعفه الوقت لـ التفكير فـ أتاه إتصال من رقم روضة..وعلى الفور وضع الهاتف على أُذنه وتشدق بـ لهفة

-روضة!. حبيبتي أنتي كويسة!!
-أتاه صوت غليظ وهو يقول:حبيبتك مش فاضية دلوقتي..تقدر تقول مسافرة رحلة فـ عالم تاني
-هدر سيف بـ عنف وعيناه تقدحان شرر:أقسم بالله لو إيدك مستها..لاكون مقطعك حتت...

لم يسمع رد سوى صوت تنفس هادئ..ليعود ويصدح بـ برود

-والله كل دا متوقف عليك..هتعمل خدمة وترجعلك حبيبتك صاخ سليم
-على جثتي و روضة هترجع..
-متتأملش كتير عشان روحها و روحك فـ إيدي..دي خدمة صغيرة..تعملها حبيبتك ترجعلك...

صمت قليلًا وهو يستمع إلى أنفاس سيف الحارقة ثم قال

-هااا..قولت إيه؟!
-كز سيف على أسنانه وهتف بـ زمجرة:عاوز إيه!
-إتسعت إبتسامة الرجل وقال بـ هدوء:هنبعتلك صورة شخص..تجيبه ع عنوان هنديهولك وبكدا ترجعلك حبيبتك
-مين!
-قولتلك هنبعت الصورة..موافق ولا لأ!!
-رد عليه سيف بـ غضب:ماشي..بس أقسم بالله...آآآ...

ولم يُكمل حديثه إذ أغلق الرجل في وجهه..قبض على الهاتف بـ غضب حتى كاد يُهشمه..ظل يُحدق أمامه بـ قتامة وبداخله يتوعد إذا أصابها سوء..أفاق على صوت الرسالة ليفتحها..ثم صرخ بعدها بـ غضب جامح

-هقتلك يا عز..ورحمة أمي هقتلك يا *****...

***************************************

دلفا معًا إلى المنزل وقد بدى عليه السكون..أضاء يونس الأنوار ودفع بتول إلى الدلوف..فـ بعد حديثه الطويل مع أبيها حتى وافق أن يُرسلها اليوم معه..أغلق الباب وهمس

-أدخلي...

ولكن فجأة فُتح باب غرفة والدته..التي دمعت عيناها..وهمست بـ نشيج

-يونس!!...

أسرع يونس يحتضن والدته والتي لم تكف عن تقبيله والنحيب على رجوعه..قبّل كفها عدة مرات وهى لا تسمح له بـ الخروج من بين أحضانه..همست صفوة مرة أخرى بـ إشتياق

-وحشتني يا قلب أمك
-قبّل جبينها وقال بـ إبتسامة:وأنتي كمان يا ست الكل

ولكن والدته ظلت تبكي..أزال يونس عبراتها وقال بـ حنو

-خلاص متعيطيس يا ست الكل..أنا أهو فـ حضنك ومش ناوي أبعد خالص
-جذبته مرة أخرى إلى أحضانه وقالت بـ صوتٍ مبحوح:فكر بس تعملها وأنا أقتلك بجد المرادي...

ضحك يونس وهو يربت على ظهر والدته..رفع أنظاره إلى والده الذي أدمعت عيناه سعادةً..ترك والدته وإتجه إلى قدوته في الحياه..رفع رفعت يده وأخذ يتلمس وجهه وأنه حقيقة وأصبح بينهم الآن..كانت عينا الأول تنظر إلى والده بـ إشتياق فـ تشدق الأخير

-حمد لله ع سلامتك يا سيادة المقدم

ثم إرتمى في أحضان ولده وأكمل بـ صوتٍ مُختنق

-كانت روحنا رايحة من غيرك يا بني..
-ربت على ظهر والده وقال:وأديها رجعت
-برجوعك يابني..برجوعك...

جذب يونس يد والده قبّلها عدة مرات وعيناه تلمع بـ عبرات أبت النزول..ربت رفعت على رأسه ولده..ثم رفع أنظاره إلى تلك التي تُتابع المشهد بـ عبرات تنساب ممزوجة بـ إبتسامة..إبتسم هو الأخر وقال بـ هدوء

-تعالي يا بنتي...

ترددت في التحرك ولكن نظراته الحنونة ونظرات والدة يونس شجعتها على التحرك..وصلت إليه وهى تبتسم بـ توتر..أمسك يونس يدها وقال لـ والده بـ إبتسامة

-دي بتول..مراتي

لم تتغير ملامحه الحنونة ولم يبدُ عليه الصدمة..بل إتسعت إبتسامته وقال بـ جدية زائفة

-مش واجب عليكي برضو تسلمي على حماكي!!

إرتبكت بتول كثيرًا ثم إتجهت بسرعة وهى تمد يدها..تشدقت بـ توتر وهى تنظر إلى والده وقد علمت مِن منْ ورث يونس ملامحه البشوشة

-أسفة يا عمي..إزي حضرتك!
-ضحك رفعت وقال:حضرتي كويس..

ثم أكمل بـ صرامة زائفة

-ومفيش عمي تاني..من النهاردة بابا وبس

ضحكت بتول بـ خجل ولكنها أماءت بـ موافقة..ثم إتجهت إلى صفوة وإحتضنتها بـ حب..لكز رفعت ولده بـ خفة ثم هتف بـ مرح

-أيوة يا واد وعرفع تنقي
-ضحك يونس وأكمل:أيوة يا واد خدت السنيورة...

وضحكا كِلاهما...

وبعد مدة من الجو المرح والملئ بـ الأجواء العاطفية وقد تفاجئت بتول من ردة فعلهم الودودة ..لم تتوقع كل ذاك القدر من الترحيب والسعادة بها..بل ظنت أنها ستُنبذ وسيثور والده ما أن يبصرها..إلا أنه حدث العكس تمامًا...

أخذت تُحدق بـ غرفة حبيبها والتي تتسم بـ الطابع الرجولي..إستشعرت منها هيبته و وقاره الهادئ..حنون ورائع..نطقت غُرفته بـ كل ذلك...

شعرت بـ يده تحاوط خصرها وقُبلة رقيقة توضع على منكبها وهمسه المُغري يُداعب أُذنها

-هتنامي الليلة فـ حضني...

إلا أن بتول إبتعدت عنه ورمقته بـ غضب تفاجئ به..ثم تشدقت وهى تضع يدها في خصرها بـ حدة

-لا يا بابا لا..مضمنكش وأنت وعدت بابا...

وضع إصبعه أمام فاه وبـ وداعة طفل في الخامسة من عمره تشدق

-والله هنام مؤدب
-ضحكت بتول وهى تضرب كف على أخر ثم قالت:وعد!!

وضع يده على أُذنيه وبـ مرح تشدق

-وعد...

وبـ حركة خاطفة جذبها إلى أحضانه..حاوط خصرها وهو يقربها إليه..إستند بـ جبهته على جبهتها وقال بـ عبث

-بس دا ميمنعش إني أحكيلك حكاية قبل النوم

وقبل أن تستفسر كانت شفتاه تتكفل بـ الشرح وهى تضم شفتيها إليه بـ تملك وكأنه يصك ملكيتها له..تحركت يده عن خصرها وإرتفعت إلى ظهرها تحاوطه كله..عاصفة مجنونة..هذا هو حبهما..جنون وعشق لا مُتناهي..كان يونس يظن أنه ستكون قصة حب من طرف واحد وسيظل يتلظى بنار العشق..أما بتول لم تكن تظن في أعظم أحلامها أنها ستعشق يونس إلى تلك الدرجة..شعرت به يسرى بـ روحها..عشق كامل لا يتخلله ثغرة سوى ذاك الخطر المُحدق بهم...

إبتعد يونس عن مرمى شفتيها فـ لو بقى لحظة أخرى..سيرمي كل وعوده خلف ظهره ويجعلها زوجته قلبًا وقالبًا..إستند جبهته بـ جبهتها وظل صدريهما يصعدان ويهبطان بـ جنون مُتأثرًا بما عايشاه مُنذ قليل..هتف يونس وهو يتحسس شفتيها المُتورمة بـ إبهامه وقد غلب على نبرته العاطفة

-حبك طوفان غرقني...
هكذا يرحلون دون وداع...
هذه الحياه قاسية لتنتزع منا لحظات لم نعشها بعد...

داعبت كلمته قلبها بـ رقتها..كلمة إنبعثت من شفتاه لتُصيب قلبها..إبتسمت بـ خجل ومن ثم هتفت بـ خفوت

-الكلام دا هياخد منحنى تاني..و..وكدا مش هينفع..أنت وعدت بابا

ظل بعض الوقت ينظر إليها دون حديث حتى ظنت أنه قد غفى في وقفته..نظرت إليه بـ تدقيق لتلمح نظرات الخبث التي تراقصت في حدقتيه..ليقول بعدها بـ همس عابث

-امممم..هتاخد منحنى تاني..زي إيه مثلًا يا بتولي!!
-تضرجت وجنتيها بـ حمرة خجلة وقالت بـ تلعثم:آآ..أنت..أنت عارف
-إتسعت إبتسامته خبثًا وأكمل:لأ معلش عرفيني...

تأففت بـ حنق ثم أبعدت يده عن خصرها وإبتعدت هى..ضيقت عيناها بـ حدة وأشارت بـ سبابتها تحذيرًا..ثم تشدقت من بين أسنانها

-أنت ع فكرة مش محترم..وأنا هقول لبابا يرجعني...

وضع يده على فكه وظل يحركها عليه بـ بطئ جعلها تتيقن أنها نطقت بـ حروف حمقاء مثلها..وهذا ما سمعته وهو يقترب منها بـ خفة فهد

-عيبك يا بتول الكلب إنك بتنطقي بحاجات أنتي مش قدها
-إبتعلت ريقها بـ صعوبة وهتفت ب شجاعة زائفة:لأ قدها..وهروح دلوقتي...

وقبل أن تتحرك بـ خطوات واهية كان هو ينقض عليها ويحملها على كتفه..تدلت رأسها على خصره وظلت تركل بـ قدميها بعد شهقة قوية صدرت منها غير قادرة على الصراخ..همست بـ تحذير

-يونس أهلك بره..وهياخدوا عنا فكرة مش حلوة...

لم يرد عليها بل يبدو أنه لم يسمعها من الأساس..وبلا أي مقدمات..رماها على الفراش ومن ثم جثى فوقها..تأوهت هى بـ قوة وكادت أن تنهض ولكنه كبّل حركتها ورفع يده أعلى رأسها..ظهرت إبتسامة متسلية وهو يتشدق

-طب ما ياخدو..ملهمش حاجة عندنا...

ظلت تتلوى أسفله بـ عنف علها تتملص منه ولكنه كان يتراقص بـ حاجبيه بـ إستفزاز..إلى أن سكنت وهتفت بـ تعب لاهثة

-خلاص تعبت
-إرتسمت ملامح خبيثة على وجهه وقال:خلاص أريحك أنا
-هتفت بـ ذعر:يونس..بلاش تهور...

إنخفض بـ وجهه حتى إقترب من خاصتها وظل يُداعب أنفها بـ أنفه ثم تشدق وهو يراها قد بلغت من الذعر ما يكفي

-خلاص مفيش التهور النهاردة..نخليها بكرة
-زفرت بـ إرتياح وقالت:جميلك دا فوق راسي...

ضحك يونس ملئ فاه ثم نهض عنها..ولكنه ما أن ترك يدها حتى لاحظ حلقته النُحاسية التي لم تنزعه عنها كما وعدته..نظر إلى زيتون عيناها ليجدها تنظر إليه بـ إبتسامة رائعة ثم همس بـ عدم تصديق

-مقلعتيهاش!!
-هزت رأسها بـ نفي ثم قالت وهى لا تزال تحتفظ بـ إبتسامتها:أنا وعدتك..وبعدين دي شبكتي...

لمعت عيناه بـ وهج رائع جعلها تتيه فيه..وإبتسامتها تتسع عشقًا..ليجذب يدها ثم أزال الحلقة من يُمناه تحت نظراتها المُتعجبة ثم وضعها بـ يسراها..رفع يدها وقبلها بـ حنو ثم قال بـ نبرة عذبة مُشبعة بـ العشق

-بعشقك يا بنت السلطان...

وضحكت ملئ فاها على ذلك اللقب الذي لا ينفك ويلقبها به..بالفعل تشعر بـ أنها إبنة سلطان من العصور القديمة ما أن تتواجد بـ جانبه..هدأت ضحكاتها ثم همست بـ فضول

-عوزاك تحكيلي حكاية يونس وعزيزة كلها
-رفع حاجبيه ثم قال بـ مُداعبة:تؤ
-وضعت يدها على صدرها وقالت بـ إلحاح:عشان خاطري
-تراقص بـ حاجبيه مرة أخرى وقال:مش قادر..بعدين...

لوت شدقها بـ ضيق ثم قالت بـعبوس

-خليك فاكر هيجي اليوم اللي هتعوز تحكيلي فيه الحكاية ومش هسمعك
-قرص وجنتها بـ خفة وقال:لما يبقل يجي اليوم..هخليكي تسمعيني غصب عنك...

***************************************

أنت بـ خفوت وهى تفتح عيناها..لتجد ظلام يُحيط بها إلا من خيط رفيع من الضوء الصادر عن القمر..رفعت رأسها وهى تتأوه لتتسع عيناها بـ ذعر وهى تتأمل السكون والفراغ حولها..حاولت النهوض ولكنها وجدت نفسها مُكبلة..ظلت تصرخ ولكن خرج صوتها مكتوم من تلك القماشة التي تمنع فمها عن الصراخ..ظلت تبكي بـ نحيب وخوف..أخذت تتلوى بـ عنف ونحيبها يزداد...

فُتح باب ذاك المكان الدامس ومعه صوت أزيز مُنفر..تبعه صوت خطوات رتيبة هادئة هدوء يبعث الرهبة في النفوس..توقفت حركتها وظلت تتطلع إلى الجسد الذي يتقدم إليها..كان الظلام يحجب عنها الرؤية..حتى أبصرت وجهه البغيض..إتسعت عيناها بـ هلع وهى تهمس بـ صوتٍ مكتوم

-عز الدين!!!

إبتسامة حقيرة إرتمست على وجهه..ثم دنا بـ جسده الضخم إلى جسدها الضئيل..شعور من الرهبة والذعر تملكها وهى تبصر وجهه وعيناه التي أُصيبت بـ الجنون..كانت تسمع عنه من عدي و سيف ولكنها لم تتخيله بـ ذلك الجنون وقد لمحت بعض الهوس...

إبتلعت ريقها بـ صعوبة وهى تراه ينظر إليها نظرات بثت الرعب في جسدها..مدّ يده ليُزيح القماشة عن فاها ولكنها تراجعت بـ هلع..إرتفع حاجبيه بـ ذهول مُصطنع وقال بـ براءة مريضة

-الله مالك!!..دا أنتي حبيبة الوحش..معقول تخافي مني..دا سيف حبيبي...

دمعت عيناها مرة أخرى ولم ترد عليه..رفع إبهامه يُزيل العبرات ولم تملك سوى البكاء أكثر وملامحها ظهر عليها النفور جليًا..همس بـ فحيح أفعى سامة

-مكنتش أعرف أنك حلوة أوي كدا..صحيح أول مرة أشوفك والظروف مش مساعدة..بس أحب أتعرف عليكي...

أخفضت رأسها بـ تعب وأكملت نحيب..جلب هو مقعد حديدي كـ المُقيدة عليه وجلس أمامها..رفع يده إلى خُصلاتها الحريرية وبـ حركة سريعة جذبها منها ليرفع وجهها إليه..تأوهت بـ صراخ حاد ولكنه لم يكترث..مال إلى وجهها وأكمل همسه بـ نعومة

-طول ما أنا بكلمك..متحطيش وشك فـ الأرض...

زاد نحيبها وقد بدأت ضربات قلبها في التصارع من لهجته وملامحه المُريعة..خفت قبضته عن خصلاتها وأخذ يُملس عليها بـ رقة..همست في داخلها

-أنت واحد مريض...

إبتلعت ريقها الذي جف ثم همست بـ خوف

-آآ..أنت عاوز مني إيه!!
-مستعجلة ليه أدينا بندردش...

توقف عن تمليس خصلاتها وإستراح في جلسته..ثم أكمل حديثها بـ هدوء

-أنتي خطيبة سيف المستقبلية..مش كدا!

توسعت عيناها بـ ذهول ولكن لم تملك سوى أن تومئ بـ رأسها إتقاءًا لجنونه..إبتسم بـ خبث وأكمل

-عظيم..طب هو عارف إن ست الحسن بتعط من وراه..لأ ومع مين!...

شحب وجها بـ درجة كبيرة وقد فقدت قدرتها على النطق..ليُكمل هو حديثه بـ نبرة قاسية

-الرائد عدي أبو شادي...

ألجمت الصدمة لسانها وقد زاد شحوب وجهها وشفتيها تحولتان إلى اللون الأبيض..شعر هو بـ رجفتها وعيناها التي بدأت في ذرف العبرات مرة أخرى..لتتسع إبتسامته الشيطانية وهو يهمس

-أنا هوريكي عرض مجاني..كمان كام ساعة...

******************************************

جلس على الأريكة بـ غضب بعد أن طردته بتول شر طرده عقب إستفزازه لها..نزع عنه قميصه القطني وبقى عاري الصدر عله يُخفف من حراره جسده التي أصابته من الغضب..ظل يهز قدمه بـ عصبية ثم نهض بـ عنف قائلًا

-البيت بيت أبونا والغرب بيطردونا...

وبـ خطوات غاضبة توجه إلى الغُرفة وقبل أن يطرق بابها بـ عنف..وجدها تفتح الباب مع إبتسامة ناعمة..حدق بها بـ بلاهة وهو يراها ترتدي منامة من اللون البني ذات بنطال واسع من خامة الحرير..تعلوه كنزة من نفس اللون بـ الكاد تصل إلى بداية البنطال وحمالاتها رفيعة..رفيعة جدًا..فـ أظهر جمال منكبيها المرمري...

دلف إلى الغرفة مسلوب الإرادة فارغ الفاه..نسى غضبه وتطاير أدراج الرياح..فتح فاه كي يتحدث ولكن تطايرت الحروف وهو يرى خُصلاتها السوداء الممزوجة بـ اللون الذي حاكى لون منامتها وهو ينسدل حول وجهها كـ هالة..إبتسمت بـ رقة تُذيب القلوب وهى تقول

-مالك يا يونس!
-رد هائمًا:يونس!!..يونس عظيم...

ضحكت بـ رقة أكبر ولم ترد..توجه إليها حتى وقف أمامها ثم همس وعيناه تدور على معالم وجهها الرقيقة

-والمفروض أكون قديس وأنا معاكي بـ المنظر دا..صح!!

أماءت بـ رأسها بـ قوة..ليضع يده على وجهه ويفركه بـ عنف صاعدًا إلى خصلاته..أخفضت وجهها ولم تتحدث تاركه إياه يتلظى بـ مظهرها الذي يسلب الألباب..تشدق بـ صوتٍ أجش

-روحي نامي يا بتول..وأنا هغير وأجيلك...
-طيب...

قالتها بـ خفوت ومن ثم ركضت إلى الفراش..تمددت عليه ثم أعطت إلى يونس ظهرها والذي كان يتحرك بـ عصبية إرتفاعًا وهبوطًا..أبدل ثيابه إلى بنطال قماشي من اللون الأسود يعلوه كنزة بلا أكمام من ذات اللون وإتجه إليها..ظل يزفر عدة مرات بـ ضيق وقلبه كـ مضخة جبارة لا يستطيع إسكاتها..فـ قربها منه إلى تلك الدرجة وهنام رابط قوي يربطهم يجعله في موقف لا يحسد عليه...

رفع الغطاء وتمدد عليه مُعطيٌا ظهره إليها..أغمض عيناه يستجدي النوم وكذلك أنفاسه الهاربة والتي توقفت وهو يشعر بـ أنفاسها تحرق ظهره..تصلب جسده كله وما زاد تلك الصاعقة التي ضربت مراكزه الحسية ما أن شعر بـ يدها تلتف حول خصره..ثم سمع همسها الخجول

-كنت عاوزة أجرب إحساسي وأنا حضناك...

ثم دفنت رأسها في ظهره تتنفس رائحته الرجولية بـ عمق..ستهلكه..ستهكله لا محالة..لا يتسطيع التحكم في نفسه بـ مجرد قربها والآن تُبادر بـ إحتضانه..إبتسم بـ عشق لتلتف يده حول يدها المُلتفة حوله ثم رفعها وقبلها..همس بـ نبرو عذبة تبعث الأمان في نفسها

-تصبحي على جنة
-إتسعت إبتسامتها وهى تهمس بـ حب:وأنت من أهل الجنة...

***************************************

إرتدى ملابسه بـ عشوائية ولم يهتم إلى هيئته..أخذ هاتفه ومفاتيح سيارته وإنطلق لا يدري إلى أين..إتصل بـ عز الدين ولكنه لا يرد..مرة وأثنان وثلاث ولكن لا رد..صرخ بـ صوته كله وهو يُدير المُحرك...

إنطلقت السيارة ومعها رنين هاتفه..أخرجه ليجده عز..فتح الخط وصرخ بـ كره

-أقسم بالله هقتلك يا عز خلاص أنت جبت أخرك معايا...

أتاه صوت عز الدين يضحك بـ صخب ثم تشدق بـ عتاب خبيث

-أخص عليك يا سيف..وأنا اللي كنت هقولك تعالى عشان تستلم السنيورة...

تجمدت ملامح سيف وكذلك يده القابضة على الهاتف..فـ أكمل عز الدين بـ فحيح أفعى

-تعالى ع العنوان دا وهتلاقي روضة هناك
-هدر سيف:عاوز أسمع صوتها
-من عنيا...
ثم سمع صوت خطوات وبعدها بكاء مكتوم..ثم صوت روضة الضعيف يهمس

-سيف!!
-رد عليها سيف بـ لهفة:أيوة يا قلب سيف..أذاكي؟!

ولكنه لم يستمع إلى ردها بل إلى صوته الكريه وهو يقول

-أهي كويسة أهي ومش ناقصة صابع حتى..تعالَ ع العنوان اللي هديهولك...

ثم أملاه العنوان و سيف قد قست ملامحه دون أن يرد..أكمل عز الدين حديثه بـ جدية إتسمت بـ الخبث

-تعالَ بعد ساعتين وهتلاقيها هناك...

ولم يمنحه الوقت للرد إذ أغلق الهاتف بـ وجهه...

وعلى الجانب الأخر..مال عز الدين إليها وقال بـ فحيح أفعى

-إستعدي للـ show (العرض) اللي هيحصل

ملس على وجنتها بـ تقزز ثم عبث بـ هاتفه..ثوان وفُتح الخط ثم جاء صوته الرخيم

-أيوة مين!!

إتسعت عيناها بـ هلع وقد فطنت لمخططه القذر..إرتفع نشيجها وأخذت تتلوى بـ عنف..نظر إليها عز الدين بلا مبالاه ثم رد على عدي بـ صوتٍ ماكر

-عندي أمانة تخصك!
-جاؤه صوت عدي الغاضب:أمانة إيه يا ***!
-رد عز الدين بـ عبوس:طب وليه الغلط!..عمومًا هسمعك صوتها...

مد الهاتف إلى فاها ثم قال بـ نبرة شيطانية

-سلمي على حبيب القلب

هزت رأسها بـ نفي..لتتلقى صفعة مدوية على وجنتها جعلتها تتأوه..ثم عاد حديثه بـ صوتٍ جهوري

-إخلصي
-همست بـ نحيب:عدي...

تسارعت أنفاس عدي في تلك اللحظة وقد أظلمت عيناه بـ درجة مرعبة..ولكنه قد بدى وأنه فقد النطق..جاؤه صوت عز الدين الذي تحدث بـ مكر

-إيه رأيك فـ المفاجأة؟..تهوس مش كدا؟!
-صدح صوت عدي الجهوري:أقسم بربي لو لمستها لكون قتلك بـ أبشع الطرق...

قهقه عز الدين بلا أي مرح ثم قال بـ تجهم

-قدامك ساعتين بالظبط..تيجي تستلمها ومعاك الـ***أخوك..غير كدا صدقني هتستلمها جثة متقطعة...

أملاه العنوان وهو يستمع إلى سباب عدي إلا أنه لم يعطِ للأمر أهمية وأغلق الهاتف..دسه في جيب بنطاله..ثم إنحنى ومر بـ إبهامه على وجنتها إلى عنقها هامسًا بـ إنتشاء

-أتمنى إن عرضي البسيط يعجبك...

وتحرك بـ خطىٍ رتيبة كما دلف تمامًا..تاركًا إياها في الظلام يُؤنسها نشيجها...

****************************************

فتحت جفنيها بـ تثاقل وهى تشعر بـ ألم رهيب في رأسها..كل ما تتذكره أنها إنتفضت فزعة على صوت عدي وهو يزأر كـ أسد جريح...

"عودة إلى وقتٍ سابق"

إنتفضت من نومها وصوت عدي قد صدح بـ الخارج

-يونس..بسرعة أطلع...

نهض يونس مُسرعًا وقد إنتفض قلبه بـ فزع..فتح باب الغُرفة ليجد عدي يسحبه وقد هاله منظر وجهه البشع..تساءل يونس بـ قلب مُنقبض

-في إيه يا عدي؟!
-رد عدي بـ كلمات إمتلأت رعبًا:خطفها..خطفها يا يونس ومحتاج مساعدتك

أوقفه يونس جبرًا وقد خرج الجميع على صوت عدي..ثم تساءل بـ هدوء

-مين اللي خطفوها!!
-روضة..أبوس إيدك يلا قبل ما يعمل حاجة فيها
-لم يفكر مرتان:ثواني هلبس وجاي...

ثم تركه ودلف يُبدل ملابسه..توجهت بتول تُواسيه وقد إرتسمت ملامح الحزن على وجهها

-هتلاقيها إن شاء الله
-رمقها بـ قسوة قائًلا:أنتي السبب..لو جرالها حاجة..مش هتكفيني عيلتك

شهقت بتول ولم ترد. بينما إلتمعت عيناها بـ عبرات أبت النزول..نهره والدته و والده كما أنهم واسوه..ربتت صفوة عل كتفها وقالت بـ إحراج

-معلش يا بنتي أكيد ميقصدش
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:أكيد يا طنط ربنا معاه...

خرج يونس في تلك اللحظة وسحب عدي خلفه..دون حديث دون وداع..هكذا تركهم جميعًا..كانت تعلم جيدًا أن الحرب القذرة ستشتعل ولكنها مبكرًا..فلم يكد يفوت أكثر من ساعات حتى بدأ عز الدين في شن هجومه...

دلفت إلى الغرفة واجمة..ولكنها إستمعت إلى صوت هاتفها والذي أعلن عن وصول رسالةً ما..فتحتها فـ وجدتها من يونس يطلب منها على عجالة جلب سلاحه..قذفت الهاتف ثم أخذت تبحث عن ذاك السلاح فـ وجدت أحدهم دون أن تعلم ما نوعه حتى..وضعت سترة سوداء على كنزتها الفاضحة وخرجت..سألتها والدة يونس فـ أخبرتها بـ إختصار ثم تحركت سريعًا حتى لا تتأخر...

لكنها لم تكد تخطو خارج المنزل حتى وجدت من يُكمم فاها ثم ضربة على رأسها أفقدتها الوعي...

"عودة إلى الوقت الحالي"

وأفيقت هنا على ذلك الفراش الغريب عنها..نهضت بـ تثاقل وهى لا تزال تترنح إثر الدوار..توجهت إلى باب الغُرفة وكادت أن تفتحه إلا أنه فُتح على مصرعه ليدلف هو..إرتجف بدنها بـ قوة وقد شحب وجهها فجأة كـ شحوب الموتى..إتسعت عيناها هلعًا وهى تهمس بـ رعب

-عز الدين!!

إبتسم أبشع إبتسامة قد تراها يومًا وهو يقترب منها..أغلق الباب خلفه..ثم نظر إليها بـ نظرات أحرقتها..عقد ذراعيه أمام صدره وقال بـ غموض

-عارفة أنتي فين؟!

لم ترد عليه بل ظلت تتراجع..إلا أنه صرخ بها بـ صوته الجهوري

-ردي..عارفة أنتي فين؟!

هزت رأسها سلبًا..ليعود ويتقدم منها بـ خطاه التي تُسبب الرعب في النفوس..ثم أكمل حديثه بـ مرارة

-دا المفروض هيكون بيتنا..دا بيتنا يا بتول..كنت عاملهولك مفاجأة...

إبتلعت ريقها بـصعوبة وهى تشعر بـ إنسداد حلقها..ثم همست بـ خوف

-عز..سبني أمشي بالله عليك...

توقف لحظة ثم عاد يتقدم منها وقال بـ هدوء خطير

-عاوزة تمشي عشان تروحيله!!..نجوم السما أقربلك...

صمت ثم أكمل بـ قسوة وقتامة

-البيت دا كان هيشهد على حبنا..دلوقتي هيشهد على حاجة تانية...

كانت تتراجع وهى تهز رأسها بـ هستيرية..ولكنه بـ لمح البصر جذبها من ذراعها بـ قوة..لتصرخ صرخة شقت هذا الهدوء القاتل..أمسكها من كِلا ذراعيها وضغط بـ قسوة عليهما..ثم إقترب منها وأخذ يشتم عبقها..أغمضت عيناها بـ نفور وأكملت نحيبها الهلِع..تشدق عز الدين بـ غضب و صوته دوى كـ الرعد

-أنا شامم فيكي ريحته..هو لمسك صح؟!

إرتفع نحيبها مع صوت الصرخات إلا أنه هزها بـ عنف

-ردي عليا..لمسك!..سبتيه يلمسك ليه!..أنتي كلك ملكي..أنا بس اللي مسموحلي ألمسك...

ثم دفعها بـ عنف إلى الفراش لتتسع عيناها بـ هلع وإزدادت صراختها قوة..كبل هو يديها أعلى رأسها وبـ قدميه كبّل قدماها..إقترب من وجهها وهمس بـ حدة وشهوة

-كنت مانع نفسي عنك عشان خاطرك..وفـ الأخر تخليه يلمسك!!..لأ يا بتول..أنتي كل حاجة فيكي بتاعي..مش هتخرجي من هنا غير وأنا مالكك..

ثم مال أكثر وهمس في أذنها ما جمدها وجعل الدماء تهرب من عروقها

-أنا عاوز أدوق اللي داقه يونس...

وكانت الصرخات تتوالى ولكنه يكتمها بـ شفتيه القذرتين..صفعها عدة مرات ولكن مقاومتها لم تخبو..ظلت تتحرك أسفله بـ هستيرية إلا أنه لم يزده إلا إصرارًا..مال على عنقها يلتهمه وهى لا تزال تصرخ حتى شعرت بـ أحبالها تتمزق..وفي ظل غمرته أفلت يدها لكي يشق كنزتها فـ إستغلت ذلك وخدشته في وجهه بـ أظافرها..تأوه عز الدين وإبتعد عنها...

إستغلت تلك الفرصة ونهضت تركض..إلا أنه أمسك قدمها لتقع أرضًا..سحبها له لتعود وتصرخ..إلا أنها ركلته بـ قدمها في وجهه ونهضت بسرعة تركض...

فتحت باب الغرفة لتسمع صوت أقدامه خلفها..إزدادت هلعًا لتخرج من الغرفة سريعًا..إلا أنه أمسك يدها لتظل تجذب نفسها بـ عنف وكانا قد وصلا إلى الردهة..وفي ظل شراسته لم تجد سوى أن تنبش أظافرها بـ معصمه وهى تجذب نفسها..وتحت شراسة أظافرها ترك يدها مُتأوهًا..إختل توازنها لتعود بضع خطوات إلى الخلف لتجد نفسها تتخطى سور الردهة القصير وصرخة وحيدة طويلة إتطلقت منها قبل أن يسمع صوت إرتطام عنيف على الأرضية الرخامية...

إتسعت عيناه بـ صدمة ثم إتجه إلى السور بـ خطى بطيئة ونظر إلى الأسفل..ليجد جسدها يفترش الأرضية وبقعة الدماء تتسع حول رأسها..ساكنة بلا حراك..همس بـ شرود

-أنا قتلتها
أحبك جداً

وأعرف أني أسافر في بحر عينيك دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض أركض أركض خلف جنونـي

أيا امرأة تمسك القلب بين يديها سألتك بالله لا تتركيني لا تتركيني فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً وجداً وجداً وأرفض من نـار حبك أن أستقيلا

وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا.!!!.

دلف كـ المجنون وهو يزأر بـ صوته

-بتوووول..بتـ...

ولكن توقفت الكلمات في حلقه وتصلب جسده كله ما أن وقعت عيناه على بقعةً ما..شعر بـ أن روحه تُسحب منه بـ طريقة مُؤلمة..مُؤلمة للغاية..تجمعت العبرات في عيناه وأخذت تسيل على وجنتيه في سباق..توجه بـ ساقين مُتخاذلتين إليها..جثى على ركبيته وهزها بـ رفق ثم قال بـ إبتسامة مهزوزة وقلبًا يخفق بـ رعب

-بتول قومي وبلاش هزار..قومي عشان خاطري..متسبنيش كدا وتمشي...

ولكن لا رد..وبدأ هو في هزها بـ قوة وهو يهتف بـ غضب وذهن لا يُريد تصديق تلك النهاية البشعة

-قومي وبطلي هزارك السخيف دا..أنا مش هستحمل هزار من النوع دا

وأيضًا لا رد..صدى صوته هو كان مؤنسه الوحيد..علا صوت نحيبه وهو يجذب رأسها إلى صدره وصرخ بـ وجع..صرخة تلتها صرخة تُعلن عن إستسلام قلب عاشق خفق بـ جنون لمن قررت الرحيل..هكذا دون وداع...

شدد من إحتضان رأسها إلى صدره وأخذ يتأرجح إلى الأمام والخلف وصوت صرخاته مُمتزج بـ بكاء رجل هُزم في حربه شر هزيمة...

أغمض عيناه بـ ألم وتضرع وهو يضم جسدها إليه..ذراعها مفرودان على الأرضية يهتزان مع إهتزاز جسد يونس ورأسها مدفون في صدره الذي تلوث بـ دماءها..ظل يبكي ويكبي وما تلا ذلك لم يشعر به..من دلوف شيقيقه والذي أخذ منه الأمر سويعات حتى يستدرك ماحدث..ولم يشعر بـ إنتزاعه لها من بين يديه وركضه إلى الخارج بها..ليركض خلفه و صوت عدي يصدح بـ صرامة ولكنها وصلت مشوشة إلى يونس

-هنطلع ع المستشفى العسكري..هى أقرب مستشفى
-ولكن رد يونس بـ شرود حزين:بس هى ماتت...

لم يستوعب يونس تلك الصفعة التي دوت على وجهه..ثم نظر إلى عدي بـ وجهً مصدوم..إلا أن الأخير صرخ بـ جموح

-فوق يا يونس..بتول عايشة وأنتو هتعيشوا اللي معشتهوش...

ثم جذبه وأدخله إلى السيارة عنوة..وفي ثوان إنطلقت السيارة مُحدثة صرير تقشعر له الأبدان...

وها هم بـ المشفى وما يمر به يونس ما هو إلا عرض سنيمائي أقنع به نفسه المُلتاعة..لحظات وأتى الفراش المُتنقل وبعض الممرضين يجروه خلفهم وبتول مُستلقية عليه بـ هدوء لا يعجبه..فهو إعتادها صاخبة ولا يزال يُريدها صاخبة..أما ذاك الهدوء فـ كم أشعره بـ النفور والضعف..دلفوا إلى غرفة الجراحة ومن ثم أمرهم الطبيب والذي كان يعرف يونس جيدًا

-أستنى هنا يا سيادة المقدم..وإن شاء الله هتكون كويسة...

رفع أنظاره إلى الطبيب وبـ الفعل كان يحتاج إلى أن يُطمأنه أحدًا ما..دلف الطبيب تاركًا يونس يُكمل بكاء..حقًا لقد شعر بـ الضعف والضياع من دونها...

****************************************

سار في الطرقات هائم الوجه..شريد القدمان..لم يأبه لـ أؤلئك الذين أخذوا يتهامسون عنه..بل ظل واجم الوجه..ولسان حاله ينطق بـ لا وعي

-أنا قتلتها..قتلت بتول..قتلت حلمي والحاجة النضيفة اللي فـ حياتي...

ذرف العبرات وأخذ يُكمل بـ صراخ

-خلاص معدتش موجودة..قتلتها وهى كرهاني...

ولم يجد نفسه سوى أمام أحد الأقسام..دلف إليه مُحطم النفس ورثّ الهيئة لم يقترب منه أحد فهم يعلمون من هو..وأول مكتب قابله دلفه لينتفض الضابط واقفًا بـ قلق

-سيادة الوزير!!...

ثم قال بـ لهفة

-أتفضل..أتفضل...

رفع عز أنظاره الضائعة وهمس بـ عدم تصديق لما آثمته يداه

-أنا قتلتها
-تعجب الضابط وتساءل:أفندم!
-همس مرة أخرى بـ شرود أكبر:سبتها تقع..أنا قتلتها...

تقدم الضابط منه و وضع يده على منكبه وقال ب توجس

-طب إتفضل إقعد
-دفعه عز بـ عنف ثم هتف بـ شراسة:بقولك قتلتها..يعني إرميني فـ الحبس..إعدمني..أنا قتلتها...

حاول الضابط تهدئته ولكن عز الدين ظل يدفعه وأخذ يصرخ بـ وحشية

-أنا قاتل..أنا قتلت الحاجة النضيفة فـ حياتي..وديني الحبس..عاوز أتعفن فيه
-لم يجد الضابط سوى أن يقول بـ خنوع:طيب..طيب..زي ما حضرتك تؤمر...

وفعل ما طلبه من أجل عز الدين والذي بدى أنه على حافة الجنون أو أنه سقط في هوة الجنون..جلس الضابط ثم رفع سماعة هاتفه وتحدث إلى أحدهم...

*****************************************

كان يونس جالس على الأرضية يضع رأسه بين كفيه وعدي بـ جانبه يتذكر ما حدث في الساعات الفائتة...

"عودة إلى وقتٍ سابق"

كان عدي يقود السيارة ويداه تشتد على المقود بـ عنف حتى كاد أن يُهشمه..ويونس بـ جانبه يُحاول تهدئته..إلا أن عدي صرخ

-الـ***..مش هرحمه والله مش هرحمه
-ربت يونس على منكبه وقال بـ هدوء:إهدى يا عدي..هو عايزني وأدينا رايحين
-تأسف عدي بـ ألم:أسف يا يونس..بسلـ...
-ولكن يونس قاطعه بـ إبتسامة:متقولش كدا أنت أخويا وأفديك بروحي...

لم يرد عدي ولم يبتسم من الأساس وكل شئ يسير ضده وضد شقيقه الذي لم تدم فرحته سوى سويعات...

وبعد نصف ساعة وصلا إلى المكان المنشود..ترجل عدي من السيارة بسرعة دون أن يستمع إلى نداءات شقيقه..تقاتلا مع رجلين من ذوي العضلات المفتولة..ودلفا من الباب في نفس الوقت الذي دلف من سيف من باب أخر..وبقى الثلاثة يُحدقون بـ بعضهم بـ شراسة وحقد..وروضة في المنتصف تصرخ وتبكي...

كان أول من تحرك هو سيف..بينما عدي كاد أن يتحرك ويقتله إلا أن يونس أمسكه وعيناه مُثبتتان على روضة وسيف...

حلّ سيف قيد روضة التي ثبتت نظرها بـ رعب على عدي والذي كانت نظراته جامدة..شرسة..تحوي الشر الذي كانت تتوقع أن تراه..وقف أمامها ثم أنهضها وتساءل بـ لهفة

-عملك حاجة!..أذاكي؟!...
هزت روضة رأسها ب نفي وعيناه لا تزال مُثبتتان على عدي..والذي تحرك خطوات هادئة بعدما نفض يده من يونس..ثم قال بـ صوتٍ هادئ ولكنه يحوي شيئًا من الخطورة

-إبعد عنها...

وبـ الرغم من تعجب سيف من الحديث وطلبه الغريب..إلا أنه إبتعد عن روضة وإلتفت إلى عدي وعلى ثغره إبتسامة ماكرة..وهتف بـ تسلية

-سيادة الرائد عدي!..إيه سر الزيارة دي !

لم يرد عدي بل بقى جامدًا ومن ثم تحرك مرة أخرى وهمس بـ حدة

-قولتلك إبعد عنها أحسنلك
-عقد سيف ذراعيه أمام صدره وقال بـ هدوء:بمناسبة إيه!..عارف إن عز إستدرجنا إحنا كلنا عشان نخلص على بعض..بس ليه يا ترى!!

نطق الأخيرة بـ نبرة ذات مغزى وهو ينظر إلى يونس الذي وقف مُتأهبًا شاعرًا بـ إنقباضة عنيفة رجت قلبه...

كانت روضة تبكي وتدعو الله في نفسها أن يخرج الجميع سالمًا من هذا الجحيم..إلا أن صوت سيف البغيض همس

-وبما أنه تعب عما جابنا..فـ إحنا هنحققله أمنيته...

ثم أخرج سلاحه تحت أنظار عدي و يونس المشدوهه وقذفه إلى رُكنًا بعيد وقال بـ شيطانية

-إيه رأيك نبدأ بيك يا سيادة الرائد
-همست روضة من خلفه وهى تضم قبتضيها إلى صدرها:لأ...

ولكن لم يستمع أحد ويبدو أن عدي كان ينتظر تلك المواجهه فعل المثل ولحظات وهجما على بعضهما البعض..دارت معركة طاحنة بين الأثنين وروضة تصرخ وكادت أن تركض للفصل بينهما لكن يونس منعها..نفى بـ رأسه قائلًا

-متخافيش على عدي...

هذا ما نطقه بـ جمود ولكن داخله براكين تثور من جملة سيف الغير مفهومة أخذ يُتابع المعركة الدائرة في أستعداد إن حدث شئ..وكما توقع كان النصر حليف سيف وهو يُشهر مسدسه إلى وجه عدي..ومنه إلى يونس ثم قال بـ خبث

-نزل سلاحك يا حضرة المقدم..نزله...

ظل يونس مُتصلب الجسد وعضلاته تأبى الإنصياع إلى أوامره..ضحك سيف وقال بـتحذير

-يلا يا سيادة المقدم...

وبـ الفعل قذف السلاح إلى قدم سيف وظل ينظر إليه بـ جمود..كانت روضة تصرخ وتبكي إلى أن لاحظت سلاح عدي في أحد الأركان..نظرت إلى سيف الموليها ظهره ثم إتجهت بـ خطى ثقيلة إلىالسلاح..وفي تلك الأثناء تشدق سيف قائًلا

-مش عاوز تعرف عز الدين قصده إيه من وجودنا هنا!!

تصلبت عضلات فكه وما لبثت أن إتسعت عيناه هلعًا وهو يهمس بـ خوفًا بائن

-بتووول
-ضحك سيف وقال:اسم الله عليك..بتول

كور يونس قبضته وقد طار كل هدوءه وثقته أدراج الرياح وسيف يُكمل

-بيرجع الحق اللي أخدته منه..لأ وعارف أخدها فين؟

عاد يُكمل ضحك وهويستشعر لذة الإنتصار ناظرًا إلى يونس الذي كاد ينفجر غضبًا وهلعًا..إلا أن صوت روضة الجامد جذب كل الأنظار إليها

-سيب مسدسك يا سيف...

إستدار بـ بطء وهو يراها تُشهر السلاح في وجهه وعيناه تلمعان بـ عزيمة لا يعلم أهى لقتله أم لسلامته!..همس سيف بـ إبتسامة متوجسة

-سيبي المسدس يا حبيبتي..أنا هخلص عليهم وهنمشي مع بعض
-صرخت روضة بـ عصبية:متقوليش حبيبتي..أنا عمري ما كنت حبيبتك ولا هكون..أنا مبحبكش..وبكره الوقت اللي بقضيه معاك..كرهت نفسي لما بسمحلك تلمس إيدي..كرهت وساختك وعدم ضميرك...

شحب وجه سيف تدريجيًا وهو يسألها بـ توتر

-يعني إيه!!..أنتي كنت بتضحكي عليا!..طب وحبي ليكي و و...

لم يستطع الحديث أكثر وهو يشعر بـ غصة في حلقه..وخاصةً تحت نظراتها الجامدة وملامحها التي لم تتقلص إلى الندم..فـ أكمل

-يعني عمرك ما حبتيني!..كل دا وهم عيشتيني فيه!!..طب ليه؟!

صرخ بـ الأخيرة لتصرخ بـ المثل

-لأخويا اللي قتلتوه بدم بارد لما دخل السجن بسببكوا..لنفسي وأمي اللي ضاعوا بسببكوا..لحاجات كتير أوي..أهمها كرهي ليكم...

ثم تشدقت بـ حدة

-ودلوقتي سيبه وسيب المسدس بدل أما أقتلك
-همس بـ عدم تصديق وكأنه أدرك لتو:بتحبيه!

لم ترد عليه وظلت تنظر إليه بـ كره..ليعود ويصرخ

-بتحبيه؟!
-هتفت بـ قوة:أكتر من أي حد فـ حياتي...

كان يونس يقف على أحر من الجمر وهو يُتابع ذلك الحديث ويتمنى أن يعلم أين هى بتول وأين أخذها عز الدين..وعدي الذي كان يصرخ بهم أن يوقفا هذا الحديث ولكن لا أحد يستجيب..كان يصرخ بـ سيف أن يحدثه هو لا روضة ولكن لا حاية لمن تُنادي...

بينما سيف كان على وشك الإصابة بـ ذبحة صدرية..أخفض رأسه ثم رفعها مرة أخرى وأبتسم قائلًا

-كنت عاوز أنضف عشانك..عشان أستحقك..كنت عاوزلك ديمًا الخير والأحسن..لو كنت شايف سعادتك بموتي كنت قتلت نفسي...

تعجبت روضة من هدوءه وحديثه فـ إبتلعت ريقها بـ توجس ولم تتحدث. هتف سيف بـ غموض

-عز الدين عنده بيت فـ......دا كان البيت اللي هيتجوزا فيه..هتلاقيها هناك أكيد...

ثم نظر إلى روضة وهو يرى كم الكره والحقد النافذ من عينيها وأدرك أنها النهاية هى لم تحبه ولن تحبه قط..كلن يشعر بها ولكنه أوهم نفسه أنها تشعر بـ النفور من عمله..يرى التصميم على قتله في سبيل إنقاذه..يرى كم تعشقه ونظراتها تنضح قلقًا وخوفًا عليه..إبتلع تلك الغصة المريرة في حلقه ثم قال بـ إبتسامة

-عاوزك تعرفي يا روضة أني حبيتك..حبك كان الشئ الطاهر فـ حياتي..حبك الحاجة الوحيدة اللي مش هندم عليها..سلام

تصاعدت ضربات قلبها وهى تستمع إلى حديثه الغريب وتتساءل عما أصابه من جنون..ثوان وإتسعت حدقتيها بـ رعب وهى تراه يرفع السلاح إلى رأسه مُبتسمًا ثم أطلق النار لتخترق رأسه من أحد جوانبها..ويسقط بعدها جثة هامدة وسط صرخات روضة ودموعها المُرتعبة...

وما تلا ذلك ركضهم خارج المكان وإيصال روضة إلى منزلهم وإنطلاقهم إلى ذاك المنزل وبعدها المفاجأة المفجعة...

"عودة إلى الوقت الحالي"

تنهد عدي بـ حزن وهو يرى أخيه في قمة ضعفه وعجزه..ربت على منكبه وقال بـ مواساه

-هتكون بخير إن شاء الله...

وبعد لحظات خرج الطبيب..فـ إنتفض يونس يسأله بـ لهفة

-بقت كويسة مش كدا!
-إبتسم الطبيب بـ مجاملة ثم قال:الحمد لله ربنا كتبلها عمر جديد...

تنفس يونس الصعداء وكأن روحه عادت إليه..ثم إستمع إلى باقي حديث الطبيب

-حاليًا المؤشرات مستقرة..لكن الخبطة كانت جامدة جدًا ع المخ عشان كدا هى دخلت فـ غيبوبة
-تلاشت إبتسامة يونس وسأل بـ قلق:يعني إيه؟!
-يعني دي حاجة طبيعية..المسافة مكنتش هينة والنزيف كان شديد..بس إحنا سيطرنا ع الوضع وإن شاء الله لما الحالة تتحسن هتفوق...

ثم تحرك الطبيب ولكنه عاد مرة أخرى يُخرج شيئًا من جيب مئزره الطبي

-إحنا إضطرينا نشيل الخاتم من إيدها..إتفضل...

أخذه يونس وقبض عليه بـ قوة دون حديث...

*****************************************

بعد عدة ساعات كان يجلس بـ جانبها على الفراش..يُملس على رأسها بـ رقته المعهودة وإبتسامته التي أصبحت حزينة..عينان تذرفان الدمع دون إنقطاع وهو يراها ساكنة ذات وجه شاحب ورأسها يُحيطه الشاش الطبي..همس بـ صوتٍ مبحوح

-أسف يا حبيبتي خذلتك..أسف إني جيت متأخر...

إنخفض يُقبل جبينها بـ حنو ولم يسلم من العبرات التي بللته..ثم عاد يهمس بـ ألم

-أسف..والله أسف وهاخد بالي منك بس إرجعيلي..إرجعيلي..أنتي وحشاني..وحشاني أوي...

وأجهش في بُكاء مرير..إشاراتها الطبية تصدر صوتًا يبعث الإنقباض بـ لحنه الرتيب..مسح عبراته بعد مدة من البكاء وأخذ يتلو بعض أيات القرآن بـ صوته العذب ذات البحة الطبيعية..ثم حدثها بـ ندم

-يارتني كنت حكيتلك حكاية يونس وعزيزة..ليه قولتي ان هيجي اليوم اللي مش هعرف أحكيلك فيه؟..كان قلبك حاسس واليوم جه قريب أوي..أوي أوي..

تنهد بـ حرارة ثم قال بـ إصرار

-إصحيلي أنتي بس وأنا هحكيلك كل اللي نفسك فيه...

ولكن صوت الأجهزة الطبية طغى على صوت تنفسه..هى لا تجيب والغُرفة تبدو كئيبة..وهو يشعر بـ الإختناق..ولكنه لن يتركها أبدًا...

إنحنى بـ رأسه مره أخرى وقبلها على شفتيها المفتوحة الموضوع به خرطومًا ما ثم همس بـ لوعة

-بحبك با بنت السلطان...

***************************************

بعد مرور شهر....

كان يجلس على ذلك المقعد الموضوع بـ جانب النافذة التي تطل على حديقة تعج بـ المرضى وحولهم الأطباء و بعض الأهالي..يجلس مُنذ ما يُقارب عشرون يومًا بعدما أحاله الطبيب الذي قررأنه يجب نقله إلى مشفى الأمراض العقلية..نظرًا لحالته التي كان يهذي بها مُنذ أن دلف إلى القسم...

الأحداث تتوالى أمام عينه..يُقبلها بـشراسة وهى تهرب..يترك يدها ألمًا وهى تسقط فاقدة الحياة..أغمض عيناه ودمعتان وحيدتان هبطتان على وجنتيه..وظل يُردد عبارته الهستيرية

-أنا قتلتها..قتلت الحاجة النضيفة فـ حياتي...

لم يتوقف عن ترتديها مُذ أن نقلوه إلى هنا..تذكر أنه بعد أيام قليلة كان قد تم نقله بعد مُعاينة الطبيب له والأحداث التالية كانت مُبهمة...

سمع صوت أقدام تدلف إلى الغُرفة وصوت إغلاق الباب والأقدام تقترب..لم ينظر ولم يتحدث كعادته..إلا أن ظل جلس أمامه على الطاولة..رفع عز الدين أنظاره ليجد يونس يجلس أمامه بـ جمود...

لم يُصدم عز الدين بل نظر إليه نظرة خالية من الحياة وعاد ينظر إلى النافذة..أخرج يونس من خلف جذعه سلاحًا ما ثم وضعه على الطاولة وقال بـ جمود ونبرة ميتة
-ماتت...

ثم تركه و رحل..أغلق الباب خلفه..مضى في طريقه وسمع صوت طلق ناري من غُرفته..لم يجفل ولم يشعر بـ الصدمة وظل يسير بـ خيلاء يشعر بـ إنتصار عظيم وها قد إنتقم لذاته وإنتقم لها..إنتقم لحبيبته ولكنه ناقصًا يشعر بـ الفراغ والألم لعدم وجودها..يتدافع العاملين بـ المشفى يتخبطون به وهو لا يتأثر بهم إطلاقًا بل تفكيره إنحصر عن تلك الغائبة عن عالمهم ولم يشعر بـ عبراته التي غرقت وجنته....

*****************************************

وبعد مرور شهر أخر..كانت والدة بتول تجلس معها بـ الغرفة تقرأ بـ المصحف الشريف وبعد أن أنتهت ظلت تضرع إلى الله..فُتح الباب بعد قليل يطل منه يونس وعلى وجه إبتسامة صغيرة..إبتسمت بدرية ونهضت..ربتت على كتفه وقالت بـ خفوت

-متيأسش يابني

إبتسم يونس بـ بهوت وقلبًا لا يضخ سوى عشقًا خالصًا لها..جلس على نفس مقعد والدتها ثم أمسك يدها يُقبلها كـ عادته مُنذ ستين يومًا ثم أخرج الحلقة النُحاسية من جيب بنطاله وهمس بـ حنو

-بقالك كتير مش لابساها..وأنتي وعدتيني...

أمسك يدها اليُسرى ثم ألبسها الحلقة ولم يترك يدها بل إنحنى بـ جذعه أكثر ويده الأخرى تُملس على خُصلاتها التي إستطالت قليلًا..وأكمل حديثه بـ إبتسامة حزينة

-هحكيلك حكاية يونس وعزيزة..بس تفوقي بعدها...

ضحك على عبارته ولكنه أكملت يداه سيرها على خُصلاتها ثم أكمل بـ شرود

-يونس دا يا ستي كان ابن اخت أبو زيد الهلالي..كان فيه واحدة اسمها عزيزة بنت معبد السلطان حاكم تونس..كانت بتحب يونس حب مش عادي..عرضت عليه كتير مقابل بس انه يحبها بس برضو مقدرتش..انتهت بحبسها ليه لمدة سبع سنين ولما عرضت عليه الجواز مقابل أنها تفك أسره..رفض وقالها مينفعش الحرية تكون مشروطة..مينفعش أقايض حريتي بـ مشاعري..بس هو فضل أسير عندها لحد أما أبو زيد فك أسره...

تلألأت العبرات في عيناه وهمس بـ ضحك

-يونس اللي فـ القصة نال حيرته..بس يونس الحقيقي لسه منلهاش...

تشوشت الرؤية بـ فعل تلك العبرات التي أبت الإنهمار..إلا أن الصدمة أاجمته وهو يشعر بـ تأوه خافت يصدر عنها..أزال عبراته ليجدها بـ الفعل تُكابح من أجل فتح عيناها...

لا يعلم كم إنتابته المشاعر..تتنقل من الصدمة إلى عدم الإستيعاب إلى السعادة..وجدها تبتسم وتقول بـ نعومة

-هاي...

ضحك يونس بـ تحشرج ولا تزال يده تُملس على خُصلاتها وهمس بـ المقابل

-هاي

رفعت يدها تُملس على ذقنه التي إستطالت وهتفت بـ شوق حقيقي

-وحشتني..أوي

إنهال عليها يُقبل وجنتها وجبهتها ويدها ثم قال بـ صوتٍ مبحوح

-وأنتي وحشتيني أوي..أوي يا قلب يونس وروح يونس من جوه...

ضحكت بتول ولا تزال يدها على وجنته وعيناها تسيران وتلتهمان من ملامحه التي إشتاقت إليها..لروحه التي تبعث في نفسها الإطمئنان..لعيناه التي تُخبرانها بـ أن العالم جميل..وهو فعل بـ المثل ولكن نظره مُثبت على عيناها التي إشتاقها حد الجنون..إلى زيتون عيناها الذي يتيه فيهما بـ كامل قواه العقلية..همس يونس بـ صوته العذب

-بحبك يا بنت السلطان
-ردت عليه يونس بـ نبرة أكثر عذوبة:وأنا بموت فيك يا أسير بنت السلطان...

*****************************************

بعد يومان كان يُطعهما طعام الإفطار وذهنه شارد..بعد أن إستيقظت وإقتظت الغرفة بـ العائلة..سألته بتول عما حدث وأنها لا تتذكر أي شئ..كيف حدث هذا لا تعلم..إلا أن يونس أخبرها بـ إبتسامة متوترة

-عملتي حادثة...

وعندما سأل الطبيب عن حالها أخبره بـ إختصار

-حصلها إرتجاج فـ المخ وأكيد لازم تنسى اللي حصل..دا طبيعي...

وبعدها لم يُثير معها مرة أخرى ذاك الحديث ولم يُحاول تذكيرها..ربما القدر يقف بـ صفه كي يجعلها تنسى اللحظات الذي خذلها فيها...

أفاق من شروده ثم نظر إليها مُطولًا وقال بـ نبرة حذرة وقلب يخفق بـ جنون

-عز مات...

تبعها صمت ثقيل..لحظات مرت عليه كـ سنون..لم يجرؤ على رفع عيناه لها وينظر إلى عمق عيناها..إلا أن ردها جعل الذهول يرتسم بـ حرفية على وجهه مُصطحبًا معه مشاعر أخرى لم يستطع تحديدها

-مين عز!!

حينها رفع رأسه سريعًا ينظر إلى حاجبيها المعقودان بـ تساؤل..وملامح البراءة مُرتمسة على وجهها..صمت يستشف ما أن تصتنع الجهل أم حقيقي..إلا أنه تنهد وقال بـ هدوء نسبي

-حد مش مهم
-هزت كتفيها بلامبالاه وقالت:طيب...

ظل يُراقبها ولكنها لم تتوتر ولم تهتز حدقيتها..لا شئ سوى أن القدر حليفه بـ أن تنسى أسوء الشخصيات التي عرفها يومًا..ذلك الحقير الذب قتل قرية كاملةً من أجل النفط فقط..من أجل بضع قطرات تُهرب إلى بلاد لا تعرف سوى إراقة الدماء...

إبتسم يونس لها بـ حنان قبل أن يدنو منها مرة أخرى وهمس بـ عبث

-هو أنا قولتلك أني بحبك!
-هزت كتفيها بـ دلال وقالت:امممم..دلوقتي!..لأ
-ليقول بـ عبوس:لأ إخص عليا..غلطة وهصلحها حالًا...

ثم مال على شفتيها يمتص رحقيًا لا يرتوي منه أبدًا..وكأن حياته تتوقف على تلك القطرات التي ينهلها منها..وهى لا تسطيع مُجابهه جموح عشقه وعنفوانه..لا تجد بدًا سوى الإنجراف وراء عشقه الذي تتعلم أبجادياته على يديه وهى حقًا محت تلك الفترة السابقة وكان يونس هو أول عشق عذري يكتسحها بـ براءة وطهارة....
بعد مرور ستة أشهر...

كانت بتول تقف بـ المطبخ الخاص بـ منزل عائلة يونس وبـ جانبها روضة التي عُقد قرانها قبل شهران بـ حضور والدتها لمدة يومًا واحد خارج دار رعايتها..واليوم يعدان مأدبة يحضر بها الجميع..إحتفالًا بـ زوال المحنة وترقية يونس إلى رتبة نقيب..وقد تم طمس الحقائق المُتعلقة بـ موت وزير البترول وأنتهى بـ موته على أنه أحد أبطال الوطن الشُرفاء...

سمعت بتول صوت روضة يأتي من خلفها

-بتول..أنا هشوف ماما صفوة إتأخرت ليه
-غمزتها بتول بـ وقاحة:ماما صفوة برضو!

إشتعلت وجنتي روضة بـخجل ثم هتفت بـ حنق مُفتعل

-بتول كدا عيب..مش مصدقاني يعني!
-رفعت منكبها وهتفت بـ نبرة ذات مغزى:لأ مصدقاكي..حتى هتلاقي ماما صفوة فـ البكلونة مع عمو رفعت ويونس بتلعب طاولة معاهم...

وكزتها روضة ثم خرجت من المطبخ وقبل أن ترنو إلى داخل أحد الغُرف كانت يد صلبة تلتف حول خصرها وتسحبها إلى المرحاض..شهقت روضة بـ هلع ثم هتفت بـ توتر

-عدي..إفرض حد...

ولم تُكمل حديثها وهى تجد شفتاه تُسكتها كما تعود مُنذ عقد قرانها..لا يشبع منها ولا يمل من إغضابها ومُصالحتها كما يعشق..مرت العاصفة ليضع جبهته على جبهتها ثم هتف بـ عشق

-بعشقك يا روضتي
-قبلت وجنته بـ نعومة وتشدقت بـ نبرة توازي نبرته:وأنا بعشقك...

****************************************

بحث بـ عيناه عنها وقد إشتاقت إليها كثيرًا وقد تحجج بـ أن يذهب للإستراحة قبل ميعاد الغداء..ولكن عيناه تبحث عنها بـ كل السبل حتى وجدها تقف بـ داخل المطبخ وخصرها يتمايل مع دندنة خافتة من بين شفتيها بـ أغنية شعبية...

كانت تُقلب محتويات القدر وهى تتمايل مع نغمتها الخافتة...

-دا تاعبني وبرضو عجبني وأنا لا حول ليا ولا قوة...

لتتفاجئ بعدها بيد صلبة تُحيط خصرها بـ قوة يضمها إليه بـ قوة أكبر وهو يهمس بـ عبث

-دا مين دا اللي تاعبك وأنا أقطعه؟!

أغلقت الشُعلة بعد نضوج الطعام ثم إلتفتت إليه ليجدها تُحيط عنقه وتتحدث بـ دلال يغوي القديس

-أقطعلك إيدك لو مديتها عليه..وبعدين هو عاجبني
-رفع أحد حاجبيه وتساءل بـ تسلية:عاجبك!
-غمزته بـ أحد عينيها وقالت:جدًا...

ضحك يونس ملئ فاه وعيناه تبعثان لها معاني العشق السامية..لم يقترب منها طيلة الستة أشهر إلتزامًا بـ وعده لأبيها وهو يُخبره أن حفل زفافه سيكون مع أخيه..ولكنه لا ينفك ويبُثها العشق بـ طرقه الخاصة...

تشدق بـ مرح

-اممم..طب أغنيلك أنا!
-تحمست بتول وهى تتعلق بـ عنقه أكثر:أيوة أيوة..
-ضحك يونس بـ خبث وقال:هغنيلك أغنية"هاتي حتة يا بت"

إمتعضت ملامحها وقد خبت حماستها ثم قالت بـ تقزز

-حتة إيه اللي أجيبها!!

شهقت وهى تراه يحملها ثم يتجه إلى الخارج..هتفت بتول بـ جزع

-رايح فين يا مجنون!
-غمزها بـ وقاحة:هقولك حتة إيه اللي عاوزها...

ثم إتجه إلى باب المنزل وفتحه..كادت أن تعترض بتول ولكنها تاهت مع شفتاه التي تنثر حبات القُبل بـ نعومة على وجهها و شفتيها الورديتين و وجنتيها الناعمتين وهو يبثها كلمات الغرام حتى وصل إلى سقفية المنزل..دفع الباب بـ قدمه وقد عمل على إلهاءها عن مفاجأته...

شعرت به يتجه إلى ركنًا ما ثم أنزلها وهو يهمس بـ إبتسامته التي تُذيبها

-بصي هناك...

نظرت إلى ما أشارت له رأسه..لتتسع عيناها بـ دهشة وهى ترى أرجوحة في مُنتصف السقيفة المنزل..حبلان قويان يلتف حولهما أفرع من النبات المُتسلق ذو زهرات جذابة والمقعد خشبي قد أصطبغ لونه بـ الوردي...

شهقت بتول وهى تضع يديها على فاها من الصدمة والسعادة..نظرت إليه بـ عينان مغروقتان بـ الدموع..ليبادلها الإبتسامة الحانية والنظرة التي تختصها هى فقط..ثم إتجه إليها وجذبها من يدها ليجلس أولًا وبعدها أجلسها على قدماه..أخذ يتأرجح بها بـ واسطة قدمه ولم يقدر أحدهما على الحديث فـ قد تكفلت العيون بـ ذلك..دفنت رأسها في صدره القوي وأحاطت خصره بـ قوة خشية أن يهرب..وهو ماثلها في فعلته إذ إلتفت يداه حول خصرها والأخر تُحيط بـ عنقها ثم همس بـ نبرة تحمل في طياتها عشق أبدي

-كان نفسي أعملك حاجة مميزة بـ إيدي..حاجة رقيقة زيك..ملقتش غير دي
-تشدقت وهى لا تزال مُختبئة في صدره:من النهاردة دي مملكتنا ومحدش هيدخلها

إنحنى يُقبل عنقها وهمس بـ تأكيد

-دي مملكتنا الصغيرة..اللي بينا وبين أطفالنا هتكبر..بحبك يا بنت السلطان وهفضل لأخر نفس أحبك...

وما كان منها أن تزداد في ضمه لها وكأنها تُخبره بـطريقتها عن مدى عشقها له...

ربما يأتينا العشق مُتأخرًا عن ألا يأتي أبدًا..والحكمة أن نستغل الفرصة المُتاحة لنا لربما لا يُعيدها القدر..تمسك بما تؤمن وحافظ على من تُحب فـ الحياه قد تغدر بنا في لحظة وتسرق منها أجمل اللحظات....

تمت_بحمد_الله

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا