رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22 هى رواية من كتابة سوما العربي رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22

رواية ليلة في منزل طير جارح بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثاني والعشرون 22

"الإنتقام وجبة، لابد أن تؤكل ساخنة" 
____________________________________
كان يجلس على طرف المقعد، لا يسعه أي مكان في الدنيا الآن، يحس ضياعًا غريبًا وشتاتًا لأول مرة يشعر به منذ أن مات ولده الأكبر "حسن"، والآن ولدهِ الآخر سجين ولا يدري كيف سيتجاوز تلك الفترة بمفردهِ؛ بينما الولد الأصغر "علي" قد غادر للقاهرة من أجل استكمال الفصل الدراسي الثاني بالجامعة، متجاهلًا كل مصاب العائلة الذي يعتبره - جزاء من جنس أعمالهم-.
لقد حوّله الهم لرجل كهل طاعن بالسن، بينما عمرهِ لم يتجاوز الواحد وستون عامًا بعد؛ لكنه يشعر وكأنه على حواف العقد التاسع من العمر تقريبًا.
زفر "حمدي" مختنقًا وقد جثم القلق على صدرهٍ كما يحطّ الحريق على أرض تشبعت بزيت الجاز، يختلق في عقله سيناريوهات عدة، للفعل ورد الفعل، مؤمنًا بأن "هاشم" لن يكون عويلًا إذا ما نجت زوجته، سيدك بهم الأرض دكًا، لذلك عليه أن يكون متأهبًا مستعدًا لأي شئ قد يحدث في أي لحظة. لقد ضاعف من عدد الرجال الذين يحرسون المنزل، وجعل منهم من يقف بالأعلى ومنهم من يقف بالأسفل، وفي اليمين واليسار، تحسبًا لأي مكان قد تأتي منه ضربة الغدر.
طرقات عادية على الباب، بالكاد وصلت لمسامعه وهو بحجرة استقبال الضيوف، فخرج على أثرها مترقبًا عن هوية الزائر الذي سيكشف عنه الباب، فكانت المفاجأة أن رآه هو واقفًا، يستأذن في الدخول بكل هيبة واحترام شديدين.
أشار "حمدي" للخادمة أن تنصرف، ومشى هو بإتجاه الباب وعصاه تصطك بالأرضية، وهو يرحب به متلفحًا بثوب التجاهل لما صنع :
- يامرحب.. اتفضل ياولدي.
حرر "هاشم" يداه التي كانتا تتشابكان معًا، ثم وطأ باحة الدار ومن خلفه بدأ رجاله يدخلون أيضًا، حينما كان يتفقد المنزل من حوله وهو يقول :
- مشيت فجأة واحنا مكملناش كلامنا، قولت آجي أكمله في بيتك ياحج.
عينا "حمدي" توزعت أنظارها بينه وبين رجاله الثلاثة الذين دخلوا في أعقابه ثم أغلقوا الباب، وقد بدأت خطوط وجهه التعبيرية تفقد توازنها، وتشكلت في هيئة الريبة المتوجسة وهي يقول :
- الكلام خلص لما رفضت عرضي، ولا عندك كلام تاني غير اللي قولته؟؟.
كانت يمناه في جيب سروالهِ الفاتح، وفي عينيه استنكار صريح وهو يقول :
- انت مش هتضايفني ياحج حمدي ولا إيه؟!.
بدأ ذلك الهدوء الشديد يثير طاقة "حمدي" الإنفعالية ويحفز الخوف المدفون في أعماقهِ، وظهر ذلك على عصبيته الغير مبررة والتي ظهرت فجأة في صوته :
- انتـي يا بـت!..
جلس "هاشم" على أكبر مقعد ضمن جلسة ضخمة في باحة الدار، ومازالت عينهِ تتفقد كل شئ من حوله گالذي جاء يشاهد بضاعتهِ، حتى باغته "حمدي" بسؤاله المباشر وبدون أي التواءات:
- جاي ليه يا هاشم.. هات اللي عندك طوالي.
حضرت الخادمة لقدمهِ بعجالة، فبادر "هاشم" محادثتها مباشرة :
- عايز قهوة سادة.. ياريت غامقة زي سواد الليلة دي كده.
اقشعرت الخادمة لدى كلماتهِ الأخيرة، والتي أصابتها بالفزع لدرجة دفعتها للذهاب من أمامه فجأة دون سابق إنذار، حينما تحولت ملامح "حمدي" لأخرى أكثر حِدة وانصهار :
- أنا معنديش وقت أضيعه ليك، قول جاي في إيه وامشي. 
- إنت اللي هتمشي ياحمدي.. قبل ما البيت يولع بيك لا قدر الله وتموت محروق. 
تملكت سخونة شديدة التوهج من رأسه، كأنها تحترق بسكون مرعب، وبخطوات متسرعة ومتعجلة كان يعدو بإتجاه الباب، مستغيثًا بالقوم المحتشدين أمام المنزل لحمايته، فكانت المفاجأة أن الخارج مهجورًا خاليًا من أي إنسان، فقط أثنين من الحراس التابعين لـ "هاشم" يمنعون خروج أي أحد من الباب؛ لكنه تمكن من رؤية هذا الخواء بالخارج، والذي أشعرهُ برجفة مفاجئة هزت قلبه بين ضلوعهِ، بعدما تبينت النية الحقيقية وراء زيارة "هاشم" ، لم يبيت في ليلتهِ ولم ينتظر حتى يحلّ الصباح لكي يأخذ ثأرهِ، اعترافًا بأن الإنتقام وجبة لابد أن تؤكل ساخنة، وقد حضر بنفسه حتى يشمّ رائحة الشواء. 
وقف "حمدي" على الباب لبرهه من الزمن، يحدق في الخارج الذي بات گالأرض البور، حينها كانت عينا "هاشم" الشامتة قد تعلقت به، ليقول بنبرة تغلفت بالحقد :
- تعالى يا حج زمان رجلك مش شيلاك.. تعالى أقعد. 
سحبه أحد الرجال من أمام الباب لكي يُدخله عنوةً، فرفع "حمدي" عصاه وضرب بها ذراع الرجل ضربةً عنيفة، جعلت الجمر يشتعل في عيناه المحمرة، وسحب سلاحهِ من خصرهِ يكاد يسدد الطلقات في رأس "حمدي" لولا تدخل "هاشم" ليصد رجله:
- خلاص يا شناوي، معلش زي أبوك برضو.
تركه "شناوي" ومازالت نظراته محتقنة، جراء تلك الضربة التي لم يتفاداها، حينئذٍ كان صياح "حمدي" يدوي دويًا في أرجاء المنزل، في اللحظة التي تجمعت فيها نساء الدار وأطفالهم على الدرج ليشاهدوا المهزلة التي لم تحدث من قبل :
- قوم فـزّ من مكانك، أخـرج بـرا قبل ما.........
قاطعه "هاشم" قبل أن يستمع لتهديدهِ الثائر،وهو ينظر لساعة الهاتف المضبوطة بالثانية :
- رد على تليفونك ياحج من غير كلام كتير.
كان بالفعل صوت هاتفه الموضوع على المنضدة قد بدأ يصل لمسامع الجميع، في إشارة منذرة بما هو آتٍ لأجله. ثقلت خطوة "حمدي" وهو يسير بإتجاه الهاتف، حتى رأى أسم أحد العاملين لديه في مربى المواشي، فأجاب عليه فورًا :
- أيوة ياواد، في إيه يافال الغراب؟!.
جحظت عيناه وهو يتلقى أولى الأخبار الخاصة بعرض الليلة، وانتقلت عيناه لـ "هاشم" وهو يهتف هتافًا حارًا :
- انت عـملت إيـه ياابن المحروقــة انــتَ.
نشب الحريق الحقيقي في رأسه الآن، حينما أخطأ "حمدي" بلسانهِ في حق والدتهِ المتوفاه، والتي لم يتجرأ أحد على دعس طرفها بكلمة من قبل. تدارك "هاشم" نفسه لئلا يفجّر رأسه فينهي حياته على الفور، وإنما يتمنى أن يذيقه العذاب والمذلة أولًا، قبل أن يتواري أسفل الثرى. لحظات من الصمت بينما عينا "حمدي" قد احمرت من الغليان، فـ خسارتهِ عظيمة قاسمة للظهر، ويحاول استيعاب ما حلّ على رأسه بين ليلة وضحاها، فلم يلاحظ أبدًا تلك العيون التي ترسل إليه إشارات نارية في نذير بإنه قد أخطأ وعليه دفع الثمن، ليعيد سؤاله وهو يقذف بهاتفهِ گالمجنون :
- رد عــليا.. وديت البهايم فين؟؟ دول ١١٧ راس يابن الـ...... 
أوقفهُ "هاشم" قبل أن ينطق بأي لفظ مرة أخرى :
- أحمد ربنـا ان راسـك مش فيـهم يا حـمدي... 
ثم وقف عن جلسته كي يتابع حديثه وهو يقترب منه رويدًا رويدًا :
- ده جزء صغير من ردي عليك.. ولسه في باقي، دخولك بيتي والـ**** اللي بعتهم عشان يخلصوا من مراتي دي حاجه مش هتعدي بالساهل كده..ولا إيه!. 
همهمات النسوة بالأعلى والتي بدأت تعلو مصحوبة بزمجرة قوية وكأنها معركة بالأعلى، مشوشة عقل "حمدي" أكثر وهو يفكر في كلماته التهديدية، والتي قصد بها استمرارية الحرب من جهتهِ، كأنه كان يعدّ منذ زمن لذلك الرد وانتظره على أحرّ من الجمر، وقد قدمه له "حمدي" على طبق من ذهب.
كل ذلك و "حمدي" عاجز عن الرد، ليس وراءه غطاء يحميه ولا رجال يدافعون عنه، إن قُتل الآن لن يشعر به أحد، وحتى جثمانه لن يجدوه كي يُصلى عليه الجنازة، فقد فعلها "رضوان العزيزي" من قبل في أحد أعداءهِ، وحتى الآن لم يعثروا للمتوفى على أثر، وقد يفعلها ابنه الآن ويجدد ميثاق الإنتقام.
نظر "هاشم" من حولهِ، متأملًا الدار العتيقة التي عاش فيها أجيال الطحان منذ أكثر من مئتي وخمسون عام، رآها تحفة أثرية قديمة تستحق التخليد؛ لكنه في الأصل سيتخلص من تلك التحفة ليتركه بلا جدور، تائه في أرض لن تكون ملكه من اليوم.
ذلك الجوع الذي رآه "حمدي" في عيني "هاشم"،كأنه يطمع في المزيد ليشفي رغبة صدره، دفعته للجنون، فـ هدر فيه متنصلًا من صمته اللعين :
- أخرج من هنا.. مش خلاص عملت النمرة بتاعتك؟؟.. مش عايز أشوفك ولا انت ولا حد من اللي حواليك قصادي.
ابتسامة مستهزئة ارتفعت على طرف محياه، وهو يتخيل الصورة التي رفعت من مستوى النشوة لديه لأقصى مستوياتهِ :
- إنت اللي هتخرج من هنا.. ومش لوحدك.
رفع رأسه قليلًا وكأنه يشير لأولئك النساء اللاتي ينظرن إليهم من الأعلى :
- انت وكل اللي في البيت ده.
كان "هاشم" يمد يدهِ لأحد رجالهِ، فناوله عدة مفاتيح مرفقة بأرقام غرف، فـ مدّ بها "هاشم" يده لـ "حمدي" وهو يقول :
- متقلقش أنا فكرت فيك وعامل حساب كل حاجه.. دي مفاتيح غرف في لوكانده "فندق" ٥ نجوم، كلهم إطلالة على الترعة والهوا يرد الروح فيهم.. تاخد أهل بيتك وتطلع على هناك.
ثم ربت على ذراعهٍ في سخرية و :
- ومتحملش هم المصاريف، أنا دافع أجرة أسبوع كامل لحد ما تدبر حالك.
لم يتحمل "حمدي" أكثر من هذا، وكانت يداه تمسك بتلابيب "هاشم" في عصبية مفرطة، وقد تحولت بشرتهِ لحُمرة مريبة وهو يصرخ فيه وجهه :
- أنا هــسيبــلك بيتــي وأرضــي!!.. ده عـلـى جـثـتـي يابن العزيزي!.. أوعى تكون مستـخف بيـا عشان واقفلك بـطولي.. ده انا أهد الدنيا فـوق دمـاغـك!.
أزاح "هاشم" يدي "حمدي" عنه معتمدًا على الفارق الجسماني بينهما، وهو يفسر له توابع إصرارهِ هذا :
- انت فعلًا هتطلع جثة.. لو مخرجتش من هنا على رجلك هتخرج على ضهرك انت وكل اللي معاك ياحج.. أنا بنصحك بلاش تدوق النار اللي هتاكل في البيت، ميبقاش الزريبة والبيت وانتوا!.. كده خسارة كبيرة!.
لم يرغب "هاشم" في الكثير من الجدل وسماع كلماتهِ الأبيّة المتعجرفة، ولذلك أولاه ظهرهٍ وهو يختتم حديثه :
- أكيد مش هتستنى في المقبرة دي وتموت محروق.. معاك دقايق قبل ما الرجالة يحرقوا البيت باللي فيه، ياأما تمشي.. يأما.........
وخرج من البيت متشوقًا لمشاهدة القسم الأكثر متعة وإثارة، متيقنًا أن "حمدي" سيغادر منكس الرأس محني الظهر، ثمنًا لفعلتهِ الحمقاء التي لم يدرس تبعاتها جيدًا، فـ أودى به الحال لذلك الوضع المزري الذي لا يتحمل حتى المفاوضة.
دقائق وكانت نساء الدار يخرجن بجلابيبهن السوداء، يكتمون حتى أنفاسهم كما أمرهم "حمدي"، منعًا لتسرب الفضيحة لأكثر من ذلك، وعلامات القهر والخزي تغمر وجوههم بعد ما أصابهم، لم تمر لحظات على خروجهم حتى بدأت ألسنة النيران تظهر من خلف النوافذ والأبواب، والحرارة المرتفعة قد غطت المحيط كله لتدفعهم إلى الإبتعاد عن مرمى النيران، وهم يشاهدون ذهاب بيت العائلة والملاذ الآمن، أكبر بيوت البلدة كلها وأشهرهم، الآن هو تحت سيطرة النيران التي تنهش في أعمدتهِ وجدرانهِ جزءًا جزءًا، حتى يتحول لكتلة من الرماد، رماد لن يحيا مجددًا.
************************************
كانت شاردة طيلة اليوم، تلك الزيارة بعثت في نفسها الراحة بالطبع، لكن جزءًا منها مازال يتآكل على ابنتها، حتى وإن كانت قد اطمئنت على هوية القائمين على رعايتها، فالأولى لها أن تكون بين أحضان والدتها وليس العكس.
تنهدت "كاميليا" بضيقٍ شديد، منذ عودتها من منزل "هاشم" الجديد وهي تحس اختناقًا، علمت بزواجهِ مؤخرًا وبأن تلك العروس الجديدة هي التي تهتم بـ ابنتها، فما زادها ذلك إلا سعيرًا ينهش في ضلوعها، فهو اختار حياة أخرى جديدة وأقرّ عقابها بسلب ابنتها الوحيدة منها، وهذا ما لم تكن تحسب له حسابًا. طرقت "هداية" باب غرفتها، ثم فتحته لترى بعينيها الظُلمة التي تجلس فيها ابنتها منذ عودتها من الخارج، ففتحت الإنارة ونظرت لوجهها الذابل وجسدها الذي فقد الكثير من وزنه، ثم دنت منها لتقول بنبرة قلقة :
- وبعدين ياكاميليا؟؟.. كده مش كويس عشان صحتك يا بنتي!.. هتقفي في وشه إزاي وترجعي شغلك وبنتك وانتي بالحالة دي؟؟.
خرج صوتها المخنوق من حنجرتها المجروحة لتقول :
- جاب لبنتي واحدة تانية تربيها وانا عايشة ياماما؟.. انتي متخيلة؟. أنا مش مصدقة إنه طلع بالـ**** ة دي!!.
ربتت "هداية" على ساقها وهي تقول :
- أهدي يا كاميليا.. قومي شوفي سعد عايز إيه، قاعد برا ومصمم يشوفك.
تلقائيًا نظرت "كاميليا" لساعة الحائط مندهشة من زيارته في ذلك الوقت المتأخر :
- دلوقتي ؟؟.. مااحنا كنا مع بعض من كام ساعة عايز إيه تاني ؟.
أفصحت "هداية" عن شعورها السئ تجاه الرجل :
- أنا مش مرتاحة!.. من أول ما جابلك العنوان وخدك لهناك وانا حاسه إن وراه حاجه.
نهضت "كاميليا" عن جلستها لترتدي عليها شيئًا من أجل مقابلة الضيف الغير مرغوب فيه، ولكي تتخلص من لحاقه بها ظنًا منه إنها ذات فائدة لحربه الباردة ضد إبن أخيه. خرجت إليه وعلى وجهها علامات الفتور جلية، لتسأله في عجالة وهي تنظر لساعة اليد :
- خير ياعمو.. إيه السبب المهم اللي خلاك تنورنا دلوقتي؟. 
كان مبتسمًا وديعًا وهو يشير إليها كي تجلس إلى جواره :
- طب نقعد الأول عشان الكلام هيطول. 
جلست على طرف الأريكة وهي تنظر لتعابير وجهه المريبة، وقد اقتنعت بأن والدتها على حق، هذا الرجل آتيًا إليها وفي أحضانهِ قنبلة يود لو تنزع هي فتيلها. لم ينتظر "سعد" أو يطيل في المقدمة الغير مهمة، ودخل في صلب الموضوع مباشرة :
- أنا ساعدتك النهاردة عشان توصلي لمكان ليلى وتعرفي الوش الحقيقي لهاشم.. دورك بقى تساعديني وتساعدي نفسك عشان نكسب المعركة دي ضده.
شبكت "كاميليا" ذراعيها أمام صدرها وسألته :
- يعني إيه مش فاهمه!؟.
كان متحفزًا، كأن المكر يتراقص گالثعالب في حدقتيه :
- يعني نمشي في طريق المحاكم وتطلبي حقوقك وحقوق بنتك.. ده غير إننا ممكن نثبت إنه خطف البنت وحرمك منها و........
لم تجد لديها من الإستعداد لسماع بقية حديثهِ، فقاطعته وهي تقف عن مكانها، بعدما فهمت غايته من إقحام رأسها في المشاكل أمام "هاشم" كي يستفيد هو من تلك الزوبعة التي ستكون من حوله :
- أنا فاهمة يا عمو إنك واخدني سلم تطلع بيه لهاشم، بس أنا أسفة ده مش هيحصل، أنا مش طرف في مشاكلكم ولا هدخل بنتي محاكم وأقسام.. وبعدين هاشم أداني كل حقوقي، يعني ارتاح.. ومشكلة بنتي هحلها مع أبوها من غير تدخل من حد.
كانت نظراته تحتقرها، ينظر إليها كأنها لا شئ، بعدما صدمته بإنها لن تكون طرفًا في الحرب، على النقيض تمامًا، ستسعى لكسب "هاشم" من جديد، ستمشي في الطريق الذي سيصل بها لإبنتها، ولا يوجد سوى طريق الضغط على العاطفة التي تستقر في باطن "هاشم" ، تلك التي لا يعلم أي أحد عن مستقرها.
كانت نظرته المزدرية كافية للتعبير عن مكنون صدره، ولم ينطق كلمة أخرى، فقط انسحب من هنا قبل أن يسبّها بأفظع الشتائم التي حضرت على ذهنهِ بينه وبين نفسه، فقد أهدر مجهوده عبثًا حينما بحث لها عن "ليلى"، نقطة الضعف الحية لـ "هاشم" ، ظنًا إنها ستعترف بالجميل؛ وقد خبت ظنونهِ جميعًا.
**************************************
كان صباحًا غريبًا، غلب فيه الرزق على البلدة كلها، عُقرت الذبائح منذ الصباح الباكر، ونُصبت موائد الوليمة العظيمة برعاية "هاشم العزيزي"، وزّعت اللحوم على جميع الفقراء والمحتاجين بوفرة، بجانب الوليمة التي اهتم بها عدد كبير من الطباخين المهرة، وقد شاع هنا وهناك أن السبب هو زواج "هاشم" الميمون من إبنة آل طحان، فـ انتشر الدعاء إليهم بالسعادة والهناء على ألسنة الجميع، بعدما غطت الذبائح احتياجات الجميع لأيام متتالية، وحرص القائمين على الأمر تنفيذ أوامر "هاشم" بتوزيع البقول والخضراوات والحبوب بكميات تفي غرض الجميع لشهر كامل.
جهزت "عبير" صينية إفطار فاخرة كما أمرها "هاشم" ، ثم صعدت بها لغرفتهِ وهو يتقدم خطواتها، فتح الباب بنفسه بهدوء وحذر شديدين، ثم تناول منها الصينية من يدها كي لا تدخل عليها وهي نائمة بعمق هكذا، ليدخل إليها بمفرده فوجدها بالفعل بدأت تفيق.
كان أثر المهدئات قد بدأ يزول، واستعادتها للوعي لم تستغرق سوى دقائق معدودة، لتتذكر كل ما جرى ليلة أمس، فتصاب بقشعريرة دبت بأعماقها، جعلت رجفة تسري في أطرافها فشلت بالسيطرة عليها. وضع "هاشم" الطعام جانبًا، ثم جلس لجوارها وهي يسألها :
- حاسه بحاجه ؟.
أطبقت جفونها گالتي تعتصرهم، ثم أجابت نافية :
- مفيش.
أمسك بكفها بين راحتيهِ، يفركهما بتنكيك معين لتشتيت ذهنها عما تفكر فيه، لكي تتخلص من تلك الذكرى السيئة التي انتصبت أمام عينيها. لحظات ثم قال بصوت سلبها قلقها :
- اللي حصل مش هيتكرر تاني.. وعد.. مستحيل حمدي يفكر يمس شعرة منك بعد النهاردة.
رفعت عيناها إليه بعد إخفاق طويل، ثم همست بصوت متعب :
- أنا عايزة أمشي من هنا.. مش عايزة أرجع تاني، عايزة أنسى كل اللي حصل.
تغلغلت أصابعه بين خصلات شعرها متلمسًا حريرتهِ، ثم استقر كفه على وجنتها ليقول :
- حاضر.. أفطري وخدي العلاج بتاعك والدكتور في الطريق، نطمن عليكي ونرجع القاهرة.
أغمضت عيناها قبل أم ترمي رأسها على كتفهِ، ورغمًا عنها أطلقت العنان للدموع كي تنساب على كتفيه وهي تقول :
- كنت هموت.. كانوا هيموتوني عشان الفلوس والورث!.
ربت على ظهرها مواسيًا، حينما استمع لطرقات خافتة على الباب :
- أرتاحي انتي.
أرخاها على الفراش وراح يفتح الباب، ليجد "عبير" وعلى وجهها علامات الإستفهام بارزة :
- في إيه؟؟.
- ست صباح من بيت حبش تحت.. بتقول عايزة تشوف رحيل هانم ضروري.
لم يحتاج لكثير من الوقت كي يفهم سبب تواجد كبيرة بيت حبش هنا، والآن تحديدًا، يبدو أن أخبار الزفاف السعيد قد وصلت لآذانها منذ زمن، والآن حان وقت إبرام الإتفاقيات التي ستحمي الطرفين، من لعنة آل طحان التي عاشت لسنون طـويلـة....

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا