رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم امل نصر
رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23 هى رواية من كتابة امل نصر رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23
رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والعشرون 23
أخاف عليكِ من الدنيا…
من عيون الناس، من مفترق الطرق، من لحظة ضعف… منكِ، حتى منكِ.
أحببتكِ بوجع، لا بهدوء العشاق.
أحببتكِ كمن وجد فيكِ وطنًا… فصار يخشى كل رياحٍ تعصف بالبيوت.
أعلم أنّي لا أُحسن التعبير… ولا أُجيد حياكة الكلمات كما تستحقين.
لكنّي أراكِ كل شيء… وكل خوف.
أحمل عنكِ صمتكِ حين يثقلك، وأخبئ وجعكِ في صدري، ولو استطعت لخبأتكِ كلّكِ فيه.
أنا لا أملككِ، لكنّي لا أحتمل فقدك.
وكل ما أفعله الآن… حماية بصوتٍ مكتوم، وتمسّكٌ بصبرٍ مرّ، ودعاء لا يسمعه سواي:
"اللهم احفظها… كما أحفظها أنا، بل أكثر."
مراجعة وخاطرة جميلتي #سنا_الفردوس
.........................
المنزل المرتب النظيف أصبح مدخله ساحةً لها، تقطعه ذهابًا وإيابًا، تطل برأسها كل لحظة إلى الخارج تستطلع إن كان قد وصل إلى الشارع أم لا.
لقد طال انتظارها، وتسرب القلق إلى قلبها. منذ علمت من أحد أقاربها أنه قد وصل إلى مدخل القرية وعلى وشك الوصول إليها؟ ما الذي أخره؟ والمسافة المقدرة من مدخل القرية إلى منزلها لا تستغرق أكثر من دقائق بالسيارة أو ربع ساعة على الأكثر إن قطعها بقدميه، إذًا ما الذي عطّله؟
ألا يكفيه بعد أن رفض استقبالها له خارج أبواب السجن حين خروجه، لتضطر إلى التزام المنزل في انتظاره؟! لقد فعلت كل شيء من أجل إسعاده. قلبت المنزل رأسًا على عقب في التنظيف والترتيب، أعدّت كل الأصناف التي يحبها من الطعام، حمّمت أطفالها وجعلتهم يرتدون الملابس الجديدة الزاهية، فهم وسيلتها لاستدراج عاطفته نحوها. أما عنها، فقد فعلت كل شيء حتى تصبح امرأة كاملة كما تنظر إلى نفسها في المرآة. حتى لو استمر على صلفه، ربما تغلبه رغبة الرجل بداخله. لقد اشتاقته... وبشدة. ألن يأتي بعد؟
زفرت وهي تلتف عن المرآة، ذاهبة نحو الهاتف، تحاول الاتصال بأحدٍ ما يخبرها عنه، ولكن أوقفها دخول ابنها الذي كانت قد أرسلته هو الآخر منذ قليل للسؤال. ركضت نحوه بلهفة:
– واض يا ناصر، عرفت إيه أخر أبوك؟
أجابها الصغير متأففًا وقد أرهقته بتوترها وأسئلتها المستمرة:
– أبوي دخل البلد من بدري يا أمه، بس هو عدّى على بيت أختي يسلم عليها قبل ما ييجي على هنا، زي ما قالي عمي اللي كان معاه.
تحفزت بعدم استيعاب، سائلة:
– أختك مين اللي راحلها؟! إنت اتخبلت يا واض إنت؟
رد ناصر ببساطة وهو يجاور شقيقته في الجلوس على المقعد:
– أختي ليلى يا أمه، راح يزورها في بيت جوزها، وعلى ما يخلص مشواره هياجي على هنا.
– تخلص روحها هي وأمها...
صرخت بها، تضرب كفًا بكف، ثم تفركهما بغل:
– والله عال، يعني طالع من السجن عليها دوغري في بيت الناس! اللي كان ما يسأل عليها وهي في بيته هنا؟! ماشي يا عرفان، أما أشوف آخرتها إيه معاك، إنت والمحروسة مزيونة الزفت! أن ما كنت أطلع القديم والجديد لو حصل اللي في بالي.
......................................
لم نتذوق حلاوة البدايات...
ربنا نجد سلوانا في القادم،
ولكن...
هل اقترب الوصال؟ أم ما زلنا في تلك المتاهات
وننتظر فقط المعجزة لقلب الواقع إلى السعادة التي نرجوها؟
---
حمزة
في منزله! ومجبر على استقبال ذلك المتنطع!
في منزله! ومجبر على الجلوس والتكلف بالحديث معه في تلك الجلسة التي تضم أفراد عائلته، وبحضورها هي وابنتها.
تلك النيران التي تشتعل داخله الآن، من يشاركه بها؟ أو يشعر به؟!
كان ينقصه هذا الناقص ليزيد على همومه، وهو بالكاد يتلمس لينها بعد شهور أنهكته صبرًا في ترويضها من عقد كان هو سببها.
– مجرد بس ما عربيتي دخلت البلد، وأنا لقيت نفسي جاي على البيت هنا طوالي، من غير ما أريح ولا أغسل جسمي، عشان أشوف البت وأطمن عليها وسطيكم.
توقف ناقلًا بصره نحو حسنية المتجاوبة معه بعض الشيء، مردفًا نحوها:
– حكم نار كانت جايدة فيا يا حجة، ربنا ما يحط حد مكاني، ولا يتعرض للظلم اللي أنا اتعرضتله.
أومأت حسنية بعدم تصديق ولكنها ادعت مجاراته:
– الحمد لله اللي فك كربك في الآخر يا ولدي، وربنا يجازي ولد الحرام اللي كان السبب، بس سمعت إنه كان صاحبك؟
– أبدًا ولا أعرفه.
أنكرها سريعًا، ليجبر هذه المرة مزيونة على تكذيبه بحدة، قطعت بها صمتها:
– كيف يعني ولا نعرفه؟ إنت بتتكلم على حد غريب؟ دي عطوة، اللي عتبت البيت شكت من دوسه عليها.
ضحك بخبث، يحدق بها بسفور وكأنه أوقعها بالفخ، يتحدث بانشراح وكلمات مقصودة:
– معلوم يا أم ليلى، بس أنا ما جصديش على اللي فات، دا عدى وولى بالنسبالي من كله، يبجى هتمسك بصحبة واقعة زي دي تجيب الفقر ليه؟ أنا راجل قررت أبدل من نفسي بعد الظلم اللي عيشته، وأبجى إنسان تاني، يعني عرفان القديم مات، واللي جدامك دلوقتي عرفان المحترم، اللي عايز يحادي على عياله ويصلّح اللي فات.
– خلينا في اللي حاصل دلوك.
صدح بها قوية، ذلك الثائر، برفض حاسم لتلك الألاعيب المكشوفة من هذا الثعبان المتلون، وحتى يصرفه عن النظر نحوها بوقاحة تجعل الدماء تغلي برأسه. فجاء الرد من عرفان بتسلية وتبجح يثير الدهشة:
– وماله بجى اللي حاصل دلوك يا أستاذ حمزة؟ ما أنا بقول أها، طالع من السجن وفاتح بابي للدنيا وللتغيير، بتي...
توقف يضم إليه ليلى المذهولة، والتي كانت جالسة جواره، ليردف بحمائية جديدة عليه:
– بتي ليلى دي، إينعم أنا ما حضرتش جوازها، ولا خطوبتها حتى، لكن دا مش معناه إن مهمتي انتهت على كده. من هنا ورايح أنا مش هتخلى عنها واصل. واخد بالك يا معاذ؟ ليلى وراها أبوها دلوك...
رد معاذ بحدة لا تقل عن شقيقه، وقد استفزه المعنى المبطن خلف كلماته:
– وماله يا عمي لما تبقى سندها، بس ليلى وراها رجالة كتير، مش بس خالها وصفي، ولا رجالة عيلتها اللي استلمتها منهم على الأصول المعروفة. أمها كمان، نفسها الست مزيونة، بألف راجل بالنسبالي. وبردك ليلى مش محتاجة لحد، أنا هحافظ عليها جوا عيوني، مش هعوزها للي يدافع عنها.
– يسلم فُمك يا معاذ.
غمغم بها خليفة، الذي كان حاضرًا هو الآخر، بفخرٍ انتفخ بصدره كبقية الحاضرين. فقد سدد رميته جيدًا في إفحام هذا الرجل المستفز لهم، بحديثه الذي أشعل الصدور، ليضطر هو الآن للتدخل من أجل تهدئة الأجواء، قبل أن يفعل شقيقه الأكبر جريمة يجزم أنه على وشك القيام بها:
– زي ما جالك كده يا حج عرفان، وفي الأول والآخر، ليلى بنتنا وفي عنينا كلنا من جوا، إحنا برضو رجالة ونعرف في الأصول.
أضافت عليه ليلى تؤيده:
– أيوه يا أبوي، إن كان عمي خليفة، ولا عمي حمزة، ولا أمي حسنية، كلهم في البيت ده بلا استثناء شايلني جوا عيونهم، دول عيلتي الكبيرة بعد أمي...
– وأبوكي... بعد أمك وأبوكي يا ليلى، احفظيها.
قاطعها بها، يثير الاستهجان والحنق الشديد نحوه، رغم تريثهم الشديد معه. ثم أردف يرحمهم قليلًا من ثقله، وهو يهم بالنهوض عن أريكته:
– طب، أجوم أنا دلوك أستأذن عشان أروح بجي.
خاطبه خليفة بمجاملة زائفة أمام صمت الباقين:
– بسرعة كده يا حج؟ خليك شوية على تتعشى وتريح شوية، ولا عاوزها تبقى عيبة في حقنا، وإحنا خلاص بقينا عيلة واحدة.
عبست ملامح حمزة بضيقٍ واضح نحو شقيقه، الذي تبسّم مشاكسًا، وقد دعمته حسنية أيضًا تنفيذًا للأصول التي تربّت عليها:
– صُح، زي ما جالك كده، البنتة جوا بيحضروا الوَكْل، مسافة خمس دقايق بس، وكله يجهز على السفرة. إنت أبو ليلى بنتنا، يعني منينا دلوك.
ضحكة سمجة ارتسمت على محياه، يوزّع أبصاره نحو حمزة وزوجته السابقة مزيونة، قبل أن تستقر أخيرًا علي حسنية:
– يجعله عامر بحسك يا حجة، إنتي قولتي بنفسك، بجينا عيلة، يعني في أي وقت أجي أسأل على بتي الغالية، بكريّة أبوها.
إلا صحيح... هي وقفت دراسة ولا بتروح منزلي؟
هتفت مزيونة ردًا له، تسبق ابنتها في الإجابة:
– لا دي ولا دي، بتي مكملة في تعليمها عادي، وهتكمل سنتها عشان تجيب المجموع الزين وتدخل الكلية اللي هي عايزاها.
للمرة الثانية، يجرّها لمخاطبته، فيحدّق معقّبًا عليها، يتفرّسها بعينيه، يزيد من جذوة النيران التي تسري بقلب حمزة، الذي يُحجم نفسه بصعوبة عن ارتكاب جريمة قد تكلّفه عارًا يلبسه، إن هو قتله أو حتى طرده من المنزل:
– وعد الحر دين عليه، وإحنا ناس بنفهم في الأصول، نبجى كدها، مش واطيين إحنا عشان نوصل لعرضنا وبعدها نلحس عهودنا.
ذهب عن عرفان العبث، وقد فُهِم قصده، بتلميحه الواضح عن مزيونة وشهادة الإعدادية التي حرمها منها بعد زواجها. تقلصت ملامحه بضيق واضح، مستأذنًا:
– وماله؟ كل حاجة نصيب في الأول وفي الآخر. يلا يا أم ليلى، مش مروحة معايا برضو؟
– أم ليلى لسه هتجعد شوية مع بتّها.
لا تعلم كيف فعلها، وتكفّل بالإجابة عنها. لتضطر، مُذعنة، لمجاراته رغم حرجها الشديد أمام باقي الحضور. حتى إذا غادر عرفان يجرّ أذيال الخيبة خلفه، توجهت بنظرات متسائلة نحو حمزة، الذي تنفّس أخيرًا، بعد قرابة الساعة التي قضاها مختنقًا في وجود عرفان الكريه. لينتبه إليها قائلًا:
– أكيد مكنتيش هترضي تمشي معاه، فأنا حبيت أوفّر عليكي. أبو تجل دم أمه، أنا مش عارف كنتي متحملاه إزاي الجزين ده!
– حمزة...
تفوهت حسنية بالاسم بلهجة محذّرة حتى لا يتجاوز، فيُحرج المرأة وابنتها التي تغضّنت ملامحها بتأثر، لا تدري عن سبب الزيارة المفاجئة لوالدها، أتحمل وراءها خيرًا أو شرًّا؟
فتابع حمزة، يردف مُلطفًا:
– معلش يا جماعة، ما تأخذونيش، أنا بس اتعصّبت. يعني لما طبّ كده من غير سابق إنذار... لكنه أكيد مرحّب بيه عندنا، وبرغم كل الخلافات اللي ما بينّا، يكفي إنه أبوكي يا ليلى.
أومأت الأخيرة بتفهّم، وقد التفت ذراع زوجها الحانية حول جذعها، يدعمها، ويبث إليها الاطمئنان بنظرته، مما انتقل بأثره على مزيونة، التي شعرت بالإنهاك، يأن جسدها تعباً وطلباً للراحة:
– يادوبك أنا كمان أروح على بيتي، الله يجازيه عرفان، أخرني أكتر ما أنا متأخرة.
كانت تتحدث وأقدامها تتحرك للمغادرة، مما استدعى حمزة لتوقيفها:
– استني، أنا جاي معاكي أوصلك.
– توصلني فين؟
هتفت تهمّ بالجدال، لكنه حسم بإصرار لا يقبل النقاش:
– هسبقك أنا وريان على العربية. من الليلة دي أساسًا، هبيت في بيتنا الجديد.
– في بيتك الجديد؟!
تمتمت مزيونة من خلفه بذهول، وقد تيبّست قدماها، ناظرةً في أثره وهو يسبقها بالفعل للمغادرة، تحاول استيعاب قراره المفاجئ بالسكن في المنزل الجديد، رغم عدم اكتماله بعد، على حسب علمها...
......................................
المحبّة والود؛
ذلك الشيء السحري لاستمرار العلاقات، أن نتشاجر ثم نعاتب، ونتقبّل النقد، حتى وإن اختلفنا في الطريقة أو مهما حدثت بيننا من أخطاء...
كل شيء يمر، وتبقى المودّة التي تجمع بيننا ولا تفرّقنا.
والمحبّة... هي وقود الاستمرار في مواجهة الواقع.
أغلقت خلفه مصحفها، بعد انتهائها من القراءة فيه وهي خلفه.
سُنّة يتبعها معها منذ بداية زواجهما معًا؛
مهما مرّ عليهما من خلافات، أو نشبت بينهما مشاجرات،
فمجرد أن يأمرها أن تتوضأ وتأتي خلفه... لا تعصيه أبدًا.
وكم كان جميلًا، وما زال، إطفاء نيران الغضب بالوضوء والصلاة معًا، ثم قراءة القرآن.
صدّق على آيات الله الكريمة، يتأملها جواره بنظرة رضا، وقد اندمجت تتضرع إلى المولى ببعض الأدعية له ولها، ولباقي أفراد أسرتها ومن تعرفهم. ثم تمسح بكفّيها على وجهها، فتنتبه أخيرًا على تحديقه بها، سائلة:
– إيه؟ بتبصّلي كده وانت ساكت ليه؟
جاء رده بعملية ومحبّة، حين امتدت كفّه ماسحًا بأنامله طرف ذقنها، ليرفعها بعد ذلك إلى فمه، يقبّل أثرها بهم قائلًا:
– وأنا من إمتى كنت شبعت بُصّ فيكي أصلًا؟
تبسّمت بخجل شديد تنهيه، رغم سعادتها الدائمة بغزله:
– ووه عليك يا منصور، لما فجأة تهبّ عليك، بتطلع منك حاجات!
وبارتباك شديد، حاولت أن تنزل طرحتها لتقف وتذهب، إلا أنه جذبها، لتصطدم بجسده، يطبق عليها بذراعيه، يهمهم مرحًا، بعد أن وضع المصحف على حامله:
– إيه يا ست منى؟ يا أم لسان طويل، بيكشّ فجأة مجرد ما أجولك كلمة حلوة؟ بعد العمر ده كله ولساكي بتتكسفي مني؟
اعترضت تحاول إزاحته عنها، بمزاحها كعادتها:
– وانت هتطلعني بتكسف بالعافية؟! بعد يا منصور، ليدخل حد من العيال، يقولوا عليك إيه وانت حاشر أمهم على صدرك كده؟
جلجل ضاحكًا يتحدّاها:
– يقولوا اللي يقولوه يا ستي، إنتي ملكيش دعوة!
مش أنا اللي حاشرك على صدري!
يجرؤ حد بس يتكلم؟
ادّعت التذمّر في محاولة الفكاك منه:
– يوووه، لما تطلب معاك غلاسة! طب افتكر حتى صلاتك، ولا القرآن اللي كنت لِسّاك ماسكه في يدك، يا شيخ منصور.
تبسّم، مشدّدًا بذراعه أكثر على ظهرها، يرفع وجهها مقابل وجهه:
– وإيه اللي يمنع بَجى، مادمت ماسك حلالي؟ ومغضبش ربنا في فعل الحرام؟ ده حتى يبقى حرام عليّا أكتم أشواقي اللي محبوسة في صدري دي ناحيتك. ترضيهالي؟
هذه المرة، كانت الضحكة من نصيبها، تعلّق ساخرة:
– أشواقك إيه يا منصور؟ كل السنين دي مع بعض، ولسّه باجي أشواق محبوسة في صدرك؟
تبسّم مرة أخرى ليؤكد على قولها:
– ولو مرّ ميّة سنة، ما أظنش أبدًا إني أبطل أحبك ولا أشتقلك.
من وجت ما شوفتك أول مرة في الفصل، بضفيرتينك، وأنا أول مرة أدرّس، كنت عايز أعمل شخصية بشدتي عشان الكل يحترمني.
كل البنات خافت، إلا إنتي، الوحيدة اللي كنتي تعارضي، ولما أتعصّب تقلبيها هزار.
معرفش آخد منك حق ولا باطل.
لا بعاقبك، ولا بجدر أمنع نفسي من الضحك على أي جملة تجوليها.
شجلبتي عقلي، وخلّيتيني أحب التدريس عشان أدخل كل يوم الفصل بس أشوفك وأناكّف فيكي.
ولما زادت معايا، حلفت إني هستنّى عليكي لحد ماتكبري، لا هبصّ لغيرك، ولا إنتي هتكوني لغيري.
كانت تناظره بحب، فالوضع بينهما لا يحتمل استخفافًا ولا المزاح الذي تتخذه منهجًا في التعامل معه.
هو بالفعل اختارها منذ أن كانت صغيرة بضفيرتين، وهي أيضًا لم ترَ أو تعرف من الرجال غيره، وإن كانت لا تعرف الطريقة في التعبير مثله،
إلا أنها تعلم تمام العلم أن شعورها المتبادل معه... يصله جيدًا.
غلبتها عفويتها، سائلةً تنتشله من شروده وذكريات مضت:
– طب وبعدين؟ هنفضل كده كتير؟
صدحت ضحكته العالية مرة أخرى،ثم رد عليها:
– لا، أنا عارف آخرتها... وانتي كمان عارفة.
قطبت قليلًا، ثم ما لبثت أن فهمت مغزى كلماته، لتحاول الفكاك منه:
– واه! ده إنت محدد هدفك كمان! جوم يا منصور، لحد من العيال يعوز حاجة!
باغتها، يرفعها عن الأرض حاملًا لها، مؤكدًا على ما يعتزم عليه:
– لا والله ما يحصل. العيال؟ وزمانهم ناموا أصلًا!
وأنا... ونقضت وضوئي يبجى إيه؟
– إيه؟
– ما جولنا... إنتي عارفة.
– تاني "عارفة"؟ ووه عليك يا منصووور!
---....................
صافح جميع من استقبلوه وتحدث مع معظمهم فور عودته إلى منزله، وها هو الآن يحتضن أطفاله، يقبّلهم ويداعبهم، فلم يتجاهل إلا هي. حتى حين تخاطبه، يجيبها بكلمات مقتضبة دون أن يلتفت إليها، وكأنه يستكثر عليها النظرة. ومع ذلك صبرت، ووضعت همّها في تجهيز الطعام، حتى إذا انتهت من تحضير المائدة، جاء وقت دعوته:
– الوَكَل يا عرفان، مش ناوي تاجي؟
رمقها بطرف عينيه، يقبّل ابنته الصغيرة قبل أن يتركها بصحبة الباقين، وينهض نحو المائدة التي ارتصّت بما لذّ وطاب، والعديد من الأصناف المتنوعة. جلس مشمّرًا عن ذراعيه، يلتقط على فمه بنهم من كل الأطباق. جلست هي مقابلةً له، تردد بأسى وتعاطف:
– أكيد كنت جعان جوي، دا غير أكل السجن اللي ما يجوع أكتر ما يشبع، اسم الله عليك، نجصان النص!
توقف فجأة عن تلوِيك الطعام بفمه، ليحدجها بنظرة غامضة وغير مفهومة، أطال بها لدرجة أثارت الريبة داخلها، حتى ابتلعت ريقها بتوجس، سائلة:
– بتبُصلي كده ليه؟ في حاجة؟
مصمص طرف أصابعه المدهونة بأثر اللحوم التي كان يلتهمها بشراهة، ليرد بما أذهلها:
– أصلك متغيّرة.
تنبهت حواسها، وتراقص داخلها الأمل، لتلمس شعرها المصبوغ، متعشّمة بكلمة غزل منه:
– عندك حق، اصلي صابغة شعري جديد عند الحفّافة، خليتها دارت على وشي وجسمي، مخلتش حاجة. حتى رسم، تحبّي أوريك آها؟
قالتها لترفع كم ذراعها، تُظهر الحنّاء حتى الرسغ، ثم في الأمام، تُنزل حتى آخر نهديها، ثم أكثر المناطق إغراءً. تطالعه بتفاخر وهو يتأمل كل واحدة منها بصمت، حتى ظنّت أنها وصلت لغرضها، قبل أن يفاجئها بقوله:
– تعبتي نفسك جوي، بس دا كله لمين بَجى؟
تجمّدت بصدمة، مردّدة باستهجان:
– هيكون لمين يا عرفان؟ هو أنا ليا غيرك عشان أتزوّج له؟ دا أنا مستنياك على نار بجالي شهور، وما صدّقت إنك طلعتلي بالسلامة.
ابتسامة غير مفهومة حلت في زاوية فمه، سائلًا بهدوء:
– اشتاجتيلي؟!
شهقة ملتاعة شقّت حلقها، تجيب عن سؤاله المُختصر في كلمة:
– اشتاجتلك!... دي كلمة صغيرة جوي عن اللي جوايا يا عرفان، دا أنا هموت من شوقي إليك.
– أمممم...
زامّ بفمه متابعًا طعامه، وهي في انتظار إشارة منه تُثلج قلبها، فلم يدم صمته سوى لحظات، قبل أن يصعقها بفظاظته:
– غريبة! مع إني لا اشتقت، ولا طايقك أصلًا.
غصّ حلقها، شاعرةً بنصل سكين حاد انغرز في صدرها. لا تصدّق كمّ القسوة التي يتحدث بها، دون أدنى إحساس بما يفعل من جرح لكرامتها وأنوثتها. لتجد أخيرًا صوتها معبّرة عن استيائها:
– ليه كده يا عرفان؟ ليييه؟ أنا مرتك ولا عدوتك؟
توقف أخيرًا عن طعامه، لينهي الحديث والجدال:
– اعتبري نفسك لا مرتي ولا عدوتي. وكويس جوي إني حاطك في المساحة دي دلّوك، مش عايز أجلب ولا أخليها ضلمة عشان العيال اللي ما بينا، بس لو تفتكري إني نسيت يبجى انتي واهمة. أذيتك ليا ولمرَتي دي تروح فيها رِقاب.
بدمعة احتبست في عينيها إثر الإهانة التي أصابتها منه، دافعت:
– بس أنا معملتِش حاجة لمَرَتك، كل اللي عملته كان عمل بالمحبّة. إنما مرض مزيونة فأنا ماليش دخل بيه. ولو عايز الحق، يبجى بسببك وبسبب أنانيتك. كلنا كنا عارفين وفاهمين، إلا أنت. عشان مبتفكرش غير في نفسك وهواها. وهي كانت صغيرة، صغيرة جوي على حمل واحد زيك. أنت مبتَرحمش، ولا بتحِس يا عرفان، ولا عايز تعترف إن العيب فيك مش فيا. أنا كل اللي عملته في حياتي، عشان كنت عشقاك. تعرف معناه إيه الكلمة دي؟
ضاقت عينيه بحقد وغضب دفين، بعد أن غمره الانتشاء بدموعها، رافضًا تعكير مزاجه أو تصديق ما تدّعيه. فزفر أنفاسًا حارقة، يردف بهدوء مريب:
– حظّك إنّي مليش غاية أعكّر مزاجي، وهفوت. لكن كلمة تاني، يبجى انتي اللي جبتِيه لنفسك...
صمت برهة، يحدّق بها بناريته، يبث الرعب بقلبها حتى تخرس عن أي جدال، ويتابع آمرًا:
– انزلي دلّوك، حضّريلي الشقة اللي تحت، تنضفيها وتعدّليها. كل هدومي وحاجتي تنزل عليها. ومن هنا ورايح ليكي عندي غير مصاريفك انتي وعيالك، انتي هنا في شقتك، وأنا تحت في شقتي، شقة مزيونة وبِتّي ليلى.
..........................................
أوقف السيارة في المنطقة الفاصلة بين منزلها ومنزله، لتلتفت إلى ريان، ذلك الصامت منذ أن تحرك بها من المنزل الكبير. وها هو يترجّل منها بتجهّم، يُخرج حقيبتين من الملابس له ولطفله، جمعهم على عجالة، وكأنهم استعداد لرحلة مدرسية. وجهه مظلم بغضب لا تعلم سببه، لقد تبدّل مزاجه من وقت ظهور عرفان في منزله، ضغط على نفسه وتعامل معه بالأصول مضطرًا، لكن في الآخير، تحوّل إلى هذا الشخص الغريب أمامها.
يتعامل بجفاف حتى مع طفله، وهي لا يُحدّثها كعادته، ولا يلتفت نحوها من الأساس. وها هي الآن، عليها أن تترجّل من السيارة، وتترك ذلك الصغير ليبيت معه داخل منزله الجديد، الذي لا تعلم إن كان مجهزًا ومفروشًا أم لا؟ ولماذا العجلة في السكن من الأساس؟
– هتنزل معايا يا ريان؟ أديك من بلح الشام اللي عملاه النهاردة، دا هيعجبك جوي.
لا تعلم لماذا عرضت على الطفل ذلك الأمر، ربما أشفقت عليه من جنون أبيه، وكما توقعت، وجدته مرحّبًا:
– بلح الشام من يدك إنتي؟ أكيد هيكون أحلى من المعمول كمان، يا خالة مزيونة...
– ريااااان!
قاطعه والده، وهو يُلقي بالحقيبة الصغيرة إليه:
– مش وجت حلو! خش دلّوك، رتّب هدومك في دولاب الأوضة بتاعتنا، على ما أركن العربية وأجي وراك.
لم يعارضه الصغير، رغم الحزن الذي اعتلى قسماته، ليتناول الحقيبة ويسبقه في فتح باب المنزل، وتنفيذ ما أمره به. مما استفزّها لتعبّر عن سخطها:
– في إيه؟ دا انت ساحب الواد من غير ما تعشّيه في بيت جده، وحتى الحلو كمان مستكتره عليه! عشان هدمتين يطبجهم في دولابك؟ طب استنّى لما تجهّزلُه أوضته حتى!
– لا، مش هجهّز. هو مجبر يبيت معايا على سريري، على ما أجهّزلُه أوضته بالمرة. وإن كان على الوكل، متشيلِيش هم. أنا ممكن أبعَت أي حد يجيلي من البيت أي حاجة خفيفة، الوكل دا آخر همّنا.
يتحدث بحدّة تستعجبها، وكأنها أخطأت أو أجرمت في حقه:
– طب وليه دا كله؟ فجأة طبّ في دماغك تبات الليلة في البيت الجديد إنت والواد؟ وانت لسه مخلصتش ألوانه حتى؟
بماذا يُخبرها؟ تلك الجاحدة التي تجعل نيرانه تستعر وهي في عالمٍ آخر، لا يصلها شيء. ليحدّق بها بصمت أربكها، وكادت أن تتركه، لولا أنه لحق سريعًا بإجابة جاءت بكلمات ذات مغزى:
– الألوان كمان مجدور عليها، وترتيب البيت، وباقي العفش كله ياجي في وقت واحد. المهم إني... ما أسيبش هنا... البيت ميتسابش كده لوحده. من النهاردة، مفيش نوم بعيد عنه. دا بيتي... اللي بحاوط عليه بجالي شهور، ومش هسيب حد يقرّب عليه، ولا ياخده مني.
– بيتك!
– أيوه، بيتي.
قالها بثقة وأمر محسوم، جعلها تحاول صرف الفكرة التي طرأت برأسها عن مغزى كلماته... أن تكون هي المقصودة.
هي بالطبع تظن خطأ، ما دخل المنزل بها؟
...........................
أغلقت هالة باب خزانة الملابس الخاصة بها هي وزوجها، بعد أن اختارت منها منامة تصلح للنوم، لتخلع عنها عباءتها البيتية وتهمّ بارتدائها، فدخل خليفة إلى الغرفة عائدًا من الخارج، لتقع عيناه عليها بتلك الهيئة، فقد كانت شبه عارية أمامه، بمشهد يأسر البصر.
لا ينكر أن جمالها كان من أهم الأسباب التي دفعته للموافقة على الزواج بها، ولكن...
كانت قد ارتدت القطعة العلوية حين انتبهت إلى دخوله، فاقتربت بلهفة، وقبل أن تزرر أزرار منامتها، سألته بفضولها المعتاد:
– أخيرًا دخلت يا خليفة، ضيف الغَبَرة مشى على كده؟
قطّب جبينه بعدم تركيز قبل أن يجلس ويخلع حذاءه عن قدمه:
– ضيف مين؟
اقتربت لتجلس على الكومود المقابل له، فأصبح جسدها المكشوف مائلًا نحوه، لتصيبه بالتشتت، وكاد أن يفقد تركيزه لولا كلماتها:
– جصدي على نسيب الهَنا يا خليفة، خريج السجون أبو الغندورة، مرة أخوك معاذ.
بحركة بسيطة منها، وغبية كما أصبح يراها الآن، قلبت سحر اللحظة، ليخاطبها مستهجنًا:
– هالة، هو انتي حرام تتكلمي زين عن خلق الله؟ مش واخدة بالك إن الكلام ده يزعلني؟ بما إنك بتجيبي سيرة أخويا؟
ارتفعت زاوية شفتها بعدم اكتراث، لتنهض من أمامه وتكمل ما كانت تفعل:
– وإيه اللي يزعلك بجى؟ هو أنا جبت كلام من عندي؟ ده الراجل طالع طازة من السجن على بيتنا، كأنه فاكرها تكية أبوه واد الفرطوس!
زفر وهو يطالعها بغضب مكتوم، فما الفائدة من الحوار مع امرأة لا تقتنع من الأساس؟ أجبر نفسه على التجاهل، لكنها أبت أن تتركه، فما إن ولى بجذعه عنها، حتى وجدها تسقط فجأة على السرير بجواره:
– طب جولي، أخوك سحب ولده يبيّته معاه في البيت الجديد ليه؟
ضرب بكفه على الفراش، مما جعلها تجفل من فعله، ليهدر بحنق:
– ميخصّكيش! والزمي حدودك بقى، عشان أنا جبت آخري منك! وحتى الأوضة، سيبهالك!
أنهى كلماته ونهض، ساحبًا جلباب بيتي، وخرج ذاهبًا إلى غرفة أخرى في المنزل، يبدّل ملابسه وينام ليلته بعيدًا عنها. لتغمغم هي في أثره:
– براحتك يا خليفة، حتى كلام بيني وبينك مش مدّيني فرصة. مش حامل كلمة على إخواتك، وهمّا ضاربينها طول وعرض...
توقفت فجأة باستدراك:
– بس حلو، طلوع المتعوس ده من السجن حلو جوي. يلا، خليه يلمّ لحمه ويغور بيهم بعيد عنينا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الأمر لك، لك يا صاحب الملك... الأمر لك، لك يا صاحب الملك..."
خرجت صباحًا والشمس لم تشرق بعد، يجذبها التغريد العذب من الطائر الجميل، لا تعلم من أين يأتي، فالأشجار كثيفة في المنطقة، ولابد أنه اتخذ موقعه على إحداها.
"الملك لك، لك يا صاحب الملك..."
كانت تكررها من خلفه، وقدماها تسحبها للاستمتاع بنسمة الفجر الساحرة، والهدوء منسجم مع التغريد الذي يأتي من الموقع المجهول للطائر، فيأسر حواسها ويمنحها لحظتها الخاصة من السعادة والتأمل.
لكن شعورًا بالحركة خلف ظهرها جعلها تلتفت فجأة بإجفال، لتُفاجأ بحمزة غافيًا على مصطبتها الطينية أسفل شجرة التين، حاضنًا صغيره "ريان". يذكّرها بوالدها قديمًا حين كان ينام على نفس المصطبة ويأخذها هي في حضنه.
ولكن، ما الذي يدفع هذا المجنون لذلك الأمر؟
استدركت فجأة وجه التشابه بين الحالتين، لتقترب، تهمهم بدهشة:
– يا دماغك يا حمزة اللي عايزة ظبط زوايا! يعني تطقّ في دماغك كده فجأة، تسكن هنا انت والمسكين الصغير ده؟ لا واللي عليك كل حاجة تجهّز هوا!
وانت أصلًا ناسي إن البيت لا فيه مروحة ولا تكييف؟ كان عليك بإيه بس؟ تشحطط الواد معاك؟! عقلك رايح منك خالص!
تنهدت بعمق تتأمل ريان بإشفاق، تمصمص شفتيها:
– يا حبيبي يا ولدي، ربنا يعينك على أبوك.
وانتهت تسحب نفسها عائدة إلى منزلها، غافلة عن ذلك الذي فتح عينيه الاثنتين على وسعهما، وقد أدار رأسه يتابعها حتى اختفت من أمامه، ليغمغم متوعدًا بابتسامة اشرقت بوجهه:
– ماشي يا مزيونة، ومطالعاني مجنون كمان؟ حااااضر... انتي لسه شوفتي جنان أصلًا!
......................
وفي جهةٍ أخرى،
تحديدًا داخل منزل حمّاد القناوي، كان هذا موعد سفره، أول فراقٍ بينها وبينه منذ الزواج. سيغيب عنها لأسابيع، بعد أن اعتادت على دفئه، وعلى عاطفته المجنونة التي يُغدق بها عشقًا لا ينضب.
كيف يُقنع نفسه بالذهاب، وقدماه قد تيبّستا على الأرض من شدّة تشبثها به؟
تلف ذراعيها الاثنتين حول جذعه، وهو لا يقصّر في ضمّها وتقبيل رأسها:
– خلاص يا ليلى، أنا كده هلغي السفر في الآخر، يا جلبي متصعبيهاش عليا، كلها أسبوع ولا أسبوعين بالكتير وهتلاقيني فوق راسك.
رفعت رأسها نحوه، وبعينا القطة التي تأسره حين تنظر إليه:
– ما أنا مش عارفة هجضي الأسابيع دي إزاي يا معاذ، أنا اتعودت عليك وعلى حضنك ليا، وانا متعودتش أنام لوحدي… ينفع أنده أمي ولا أروح لها أنا؟
ضحك بمرحٍ حتى عاد رأسه إلى الخلف، ثم مال يُقبّل وجنتيها الشهيتين قائلًا:
– والله بكلامك ده بتفكرّيني بالنكتة الشّهيرة. على العموم يا ستي، في الحالتين ما ينفعش… أنتي عارفة عوايد بلدنا، مفيش عروسة تروح على بيت أبوها غير بعد سنة، ولا ست أشهر على الأقل.
وإن كان على أمك تاجي هنا، أنا والله ما ممانع، بس هي هترضى؟
هزّت رأسها نفيًا، ثم أطرقت بعينيها، فطبع قبلةً حانية على جبهتها، ثم تناول حقيبته يجرّها بيد، والأخرى التفّت حول كتفيها.
خرج بها من الشقة، يُلقي عليها بعض التعليمات لتلتزم بها في غيابه، حتى توقّف عند أهمها، عند حاجز الدّرج الإسمنتي:
– وأوعي تنسي تاخدي الحباية… أوعي يا ليلى، فاهماني؟
أومأت بثقة تطمئنه، فاقتنص من ثغرها قبلةً أخيرة، ثم نزل الدّرج، حيث كان شقيقه خليفة ينتظره ليقله بالسيارة إلى محطة القطار.
غافلًا عمّن كانت واقفةً خلفه على باب شقتها في الطابق الأسفل، وقد وصل إليها الحديث بالكامل، لتتساءل في نفسها:
– حباية؟! حباية إيه؟!
...يتبع
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا