رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم روز امين
رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24 هى رواية من كتابة روز امين رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24
رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24
«وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» سورة الآنفال، الآية “30”
“صدق الله العظيم ”
إنتهت الرقصة تحت احتراق قلب بيسان من التجاهل الكامل والمتعمد من يوسف، ناهيك عن إنقلاب السحر على الساحر، فبدلاً من رؤيتها لاحتراق روحه كما خططت وهي تبعث له الدعوة، حدث العكس، وهي من احترقت بنار الغيرة وتدمرت روحها وانهارت، وقف نبيل بجانبها وتحدث إلى الجميع من خلال مكبر الصوت “الميكرفون”:
-ممكن أخد دقيقة من وقتكم لو سمحتم
انتبه الجميع حتى يوسف الذي التفت بجنبهِ مرغمًا كي لا يثير تساؤلات البعض فتابع نبيل بابتسامة متقنة الصُنع:
-أولاً حابب أشكركم كلكم على حضوركم وتشريفكم لينا، علشان تحتفلوا معايا أنا وبيسان باليوم العظيم ده
تعمق بعينين يوسف وتحدث كذبًا قاصدًا إشعال النيران بروحه:
-يوم تتويج حبنا الكبير،وحياتنا اللي هتكون رائعة واللي بدأنا تأسيسها النهاردة بالخطوبة،وعاوزكم كلكم تشوفوا اللحظة التاريخية وانا بلبس حبيبتي الخاتم اللي هيربطنا ببعض العمر كله.
قطع حديثهُ ذاك الصوت المرتفع الذي انطلق بصياحٍ مع اقتراب صاحبتهُ لمكان العروسان،لينتبه الجميع إلى تلك الـ”عزة”وهي تقول متهكمة:
-هو انتَ لسه هتلبسها يا اخويا،ده أنتَ لبستها ولبستنا كلنا السُلطانية يا واد
اتسعت عيني نبيل لينطق بجبينٍ مُقطب وهو يرمقها بنظراتٍ ازدرائية:
-إنتِ بتقولي إيه يا ست إنتِ؟!
هتفت وهي تُشيح بكفها بطريقة تمثيلية:
-هو انا لسه قولت حاجة، ده أنا هفضحك وهخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك.
-إخرسي… قالها بحدة ليتابع بإهانةٍ واشمئزاز:
-مبقاش إلا حتة خدامة زيك تكلم أسيادها بالطريقة دي
هتفت وهي تهز رأسها باستنكارٍ كوميدي:
-خدامة بس على الأقل أشرف منك يا بتاع ساندي
ارتفعت أصوات الجميع وهم يتهامسون فيما بينهم، بينما هرول فؤاد ويوسف وعاطف ونادر إلى مكان العروسين تحت ذهول نبيل وارتيابهُ من جملة تلك المرأة التهديدية وربطها باسم ساندي، لينطق يوسف وهو يجذبها لتتحرك بجوارهِ:
-تعالي معايا وبطلي فضايح
جذبت ذراعيها بعنفٍ من قبضتاه لتصيح بحدة:
-سيبني يا يوسف، أنا مش هنزل من هنا غير لما أفضحهم قدام الناس دي كلها
وتابعت وهي تتمعنُ بأعين ذاك الذي أصبح كالفأر المبتل:
-انا كنت ناوية أسكت واستر عليك لحد ما الحفلة تخلص وأقول لفؤاد باشا على خستك وندالتك وهو يتصرف معاك
ودبت بقبضتها داخل كفها الأخر لتتابع قاصدة بحديثها يوسف:
– بس شوفتك بجح وقاصد تحرق دم ابني،وأنا اللي ييجي جنب إبني أنهشه بسناني،آه
انتبه فؤاد وبحسهِ القضائي فطن بأن عزة علمت شيئًا سيقلب الموازين رأسًا على عقب، فأشار بكفه إلى يوسف المُصر على إبعادها عن المشهد:
-سيبها يا يوسف، واضح إن عندها كلام مهم عاوزة تقوله
ساد الهرج والمرج بين الجميع وبدون أن يشعر يوسف أشار إلى فريال لتنتشل تلك المرتعبة وهو يقول برعبٍ ظهر بعينيه:
-إبعدي بيسان ونزليها عند الباشا يا عمتي
نفذت كلامه وابتعدت بابنتها وانضمتا إلى جمهور المتفرجين
ارتعد قلب “نبيل” وشعر بأن حقيقة اتفاقه مع ساندي على وشك الافتضاح فصاح بحدة ونظراتٍ زائغة أكدت لفؤاد صحة شكوكهُ: -يسيبها إيه حضرتك، دي ست مجنونة وواضح قوي إنها متفقة مع البيه علشان يبوظوا عليا أنا وبيسان فرحتنا
رمقهُ يوسف بنظراتٍ نارية قبل أن ينطق موبخًا تحت دموع وشهقات بيسان:
-إحترم نفسك وراعي إني عامل حساب لأصحاب البيت اللي إحنا موجودين فيه، وإلا كنت عرفت أرد على وقاحة أشكالك كويس في حقي وفي حق عزة
اسرع “ماجد” مهرولاً يحتوي نجلتهُ الباكية وشقيقها أيضًا ووقف الجميع يشاهد العرض الذي أصر فؤاد على اكتماله،حيث نطق بإصرارٍ صارم:
-قولي يا عزة اللي عندك
نطقت تحت هلع “نبيل” وإصابة قلب “ساندي” بالذعر:
-هقول يا باشا، من ييجي نص ساعة كده، ببص حواليا ملقتش الواد مالك
رفع ذاك المشاكس كفه ليخبرها:
-أنا كنت في التواليت يا زوزة
أغمض فؤاد عينيه وبات ينظم انفاسه يستدعي من خلالهم الصبر لتحمل ابتلائاته المتمثلة في ذاك المشاغب الصغير”مالك” وتلك الكارثة الكبرى”عزة”، جذبته إيثار من رسغه وهي تقول:
-إسكت يا جلاب المصايب
بينما أكملت عزة مسترسلة:
-أنا ملقتش الواد من هنا قمت إتجننت،قلبت البيت كله عليه ولما وصلت للجنينة اللي ورا
وأشارت بسبابتها بين “نبيل” و”ساندي” وهي تقول بحماسٍ زائد:
-لقيت عريس الغفلة واقف مع البت اللي هناك دي
التفت الجميع نحو الاشارة، لينتفض جسد “ساندي” وبتلقائية وضعت كفها فوق فمها ليظهر الذعر عليها:
-ولما قربت شوية سمعتها بتقول له، برافوا عليك يا واد يا نبيل، لعبتها صح وعرفت تفرق بين “يوسف” وخايبة الرجا “بيسان”
سألها فؤاد مضيقًا بين عينيه:
-هي قالت له خايبة الرجا “بيسان”؟!
-لا يا باشا، ده تجويد من عندي… قالتها بطريقة كوميدية جعلت جميع من بالحفل يطلقون الضحكات بعدما فقدوا السيطرة من مشهد تلك السيدة الكوميدية، لينطق فؤاد بعدما فقد صبرهُ:
-مش وقت تجويد يا ماما، قولي اللي سمعتيه بالظبط من غير ما تضيفي ولا تغيري حرف واحد
-عيني…قالتها وهي تشير بين عينيها لتتابع بعدما أشار لها أن تكمل بحدة فتابعت هي بثرثرتها المعتادة:
-المهم علشان مطولش عليك، قولي طولي وخدي راحتك في الكلام يا عزة
زمجر فؤاد لتتابع هي بإشارة مرتعبة من كفيها:
-خلاص، هكمل وانا مخروسة
وتابعت وهي تتناقل النظر بين كلا المتهمين:
– البت دي قالت للمنيل ده، بصراحة يا نبيل،خليني أسقف لك على اللعبة الحلوة اللي دخلت على المغفل” يوسف” والغبية “بيسان”، لدرجة إن محدش منهم شك ولا سأل التاني هو متغير من ناحيته ليه؟
أشارت إلى” نبيل” وتابعت:
-رد عليها الواد الاصفر ده وقال لها
قطع حديثها “نبيل” بصياحٍ وعينين تطلقُ شزرًا من شدة غضبهِ:
-إنتِ ست بيئة وقليلة الأدب
وتابع وهو يشير إلى فؤاد بحدة نابعة من شدة توتره:
-إنتَ لازم توقف المسخرة دي فورًا يا سيدة المستشار
أوقفهُ فؤاد بإشارة حادة من عينيه:
-مش إنتَ اللي هتقولي أعمل إيه ومعملش إيه؟!
هتف الاخر وهو يتطلعُ إلى “ماجد” في محاولة أخيرة منه للنأي بحاله من تلك الفضيحة المدوية:
-لو المهزلة دي ما اتوقفتش حالاً يا دكتور “ماجد”، أنا هاخد عيلتي وامشي حالاً
لو علم ما يحملهُ قلب ماجد له من بغضٍ واحتقار ما كان لينطق بكلماته التي لم يلتفت لها ماجد من الاساس واكتفى برمقهِ بنظرة مستهينة،ما كان أمام عاطف السرجاوي خيارًا سوى أن يساند نجلهُ ليكتسب تعاطفهُ مرةً أخرى فنطق ويا ليتهُ لم يفعل:
-إنتوا جايبينا هنا تهزقونا ولا إيه يا بهوات،لا ومن مين، من حتة خدامة مستعناش أشغلها عندي
احتدمت عزة وتوعدت له بسريرتها، وتابع عاطف وهو يجذب نجلهُ من رسغه:
-يلا يا ابني نمشي بلاش قلة قيمة
قطع طريقهُ يوسف حيث تحدث بحدة بالغة:
-حد قال لك إن الدخول لعرين الأسد زي خروجه؟!
وتابع بصياح أرعب” عاطف” ذلك الرجل صاحب الفكر البسيط:
-إنتوا مش هتطلعوا من هنا غير لما عزة تخلص كلامها ولعبة إبنك الو….. تنكشف
حول بصره على ذاك الناظر له بتحدي وحقدٍ لو توزع على قبيلة لكفى وفاض:
-وساعتها نبقى نحدد مصيركم
ازدرد لعاب عاطف بينما خرج صوت ناهد برعبٍ:
-هات “نبيل” ويلا نمشي من هنا يا عاطف، ده احنا باين علينا وقعنا في وسط عصابة
-الوقت هنشوف مين اللي تفكيره تفكير عصابات يا مدام…جملة قالها فؤاد ليتابع باشارة للحرس المنتشرين داخل الحفل وعلى الفور حاوطوا نبيل وجميع أفراد عائلته لترتعب ناهد وتهرول إلى زوجها تتمسك برسغه بينما تابع فؤاد بإشارة لتلك المبتسمة بشماتة من مشاهدة ذعر السيدة والسيد:
-عزة، كملي وانجزي
وتابع بسخطٍ مؤكدًا بذات مغزى:
-إنجزي، فاهماني يا عزة
اومأت عدة مرات متتالية:
-ولو عزة متفهمكش، مين اللي يفهمك يا باشا
زمجر بصوتٍ ارعب جسدها لتهتف سريعًا قبل أن يفقد أعصابه:
-خليني أكمل لكم، المهم الواد نبيل قال للبت ساندي، منكرش إن غباء وعِند الجوز الأغبية دول…قالتها وهي تتناقل بأصبعها بين “بيسان”و” يوسف” الذي أراد الفتك بها لكنه تحلى بالصبر لتتابع هي مسترسلة بطريقة تمثيلية:
– ساعدني كتير في نجاح الخطة، وتابعت بما أوجع قلبي العاشقان وأخجلهما من نفسيهما:
-كل واحد فيهم كرامته كانت أغلى عنده من حبيبه،وكل واحد اتمسك بكبريائه وعشان كده نجحت خطتي الشيطانية
والبت ردت عليه وقالت له، أنا لازم ارجع الحفلة قبل ما المغفل “يوسف” يحس بغيابي ويشك فيا
اشتعل داخل “يوسف” والتف يناظر “ساندي” التي حركت رأسها تنفي نعتها له بالـ”مغفل”ليعود ببصرهِ سريعًا إلى “عزة”التي تبسمت بسخافة وتابعت باستخفافٍ:
-دي كمان تجويدة من عندي
توعدها بنظرة من عيناه لتحيل عنه نظرها وتكمل:
-وفي الاخر سلموا على بعض وقالها، الفار وقع في المصيدة ومبقاش قدامه غيرك
رمقها يوسف بسخطٍ من جديد لتهتف عاليًا بتنصل:
-لا دي مش تجويدة، ده كلامها وأهي قدامك أهي حتى اسألها
شهقت ساندي ودموع الندم تزرف بقوة
شعر” فؤاد” بالريبة فأشار إلى” ماجد” وتحدث بصوتٍ مرتفع:
-ماجد، أنا هنهي المهزلة دي
كأنه كان ينتظر الاشارة لينطق هاتفًا بملامح وجه حادة:
– إنهي يا سيادة المستشار
على الفور أمسك بمكبر الصوت”الميكرفون”وتحدث إلى الحضور تحت استنفار الجميع وحماسهم للاستمتاع بما يجرى:
-إحنا آسفين ليكم جدًا يا جماعة، الحفلة اتلغت
وتابع مشيرًا بكفه نحو البوابة الخارجية للقصر:
– تقدروا تتفضلوا، ومرة تانية بتأسف لكم بالنيابة عني وعن الباشا وعن دكتور ماجد
هتف نبيل بحدة وغضبٍ بالغ تحت ارتياح قلب بيسان المترقبة لما سيحدث والمتمعنة بملامح وجه يوسف تترقبُ ردات فعله بقلبٍ شغوفًا ينتظر حدوث المعجزة:
-مش من حقك تلغي الحفلة من غير ما تاخد رأي اصحاب الشأن
نطق كلماته الأخيرة مشيرًا بينهُ وبين بيسان التي رمقته ببغضٍ رغم ارتيابها من ما يحدث، بينما أشار لهُ فؤاد بصرامة بأن يلتزم الصمت ورمقهُ بنظراتٍ مرعبة جعلته يقف يغلي كبركانٍ خامد على وشك الإنفجار
تعالت الهمهمات وكثرة الأحاديث الجانبية فيما بين الحضور ليعلو صوت “عاطف”الذي هتف بإسلوبٍ خالي من اللباقةٍ وأداب الحوار:
-حيلك حيلك يا عمنا، حفلة إيه دي اللي اتلغت، وناسي وحبايبي اللي أنا عازمهم دول، ده واحد صاحبي جايب لي نمرة رقاصة وخلاص جاية في الطريق
تعالت أصوات عائلة العريس باعتراضاتٍ وغضب من القرار،ليقرر فؤاد انتهاز الفرصة لتبكيت ماجد فأشار له بحاجبٍ مرفوع مستنكرًا الوضع،لينكس الأخر رأسهُ خجلاً من ذاك النسب المخجل التي بلته به ابنته العنيدة، أشار فؤاد إلى عاطف وتحدث مهددًا وهو يرمقهُ شزرًا:
-كلمة كمان وهكلم الشرطة واخليها تيجي تلمكم وترميكم في الحجز لحد ما يبان لكم صاحب
ارتعب الرجل وتحدث أحد رجال العائلة وهو يجذب عاطف من ذراعه بهلعٍ:
-يلى بينا نمشي من هنا يا ابو نبيل، الناس دي شكلها واصلة واحنا مش قدهم
اقتنع وبالفعل تحرك الرجل إلى نبيل بعدما بدأ الحضور بالإنصراف وانفض الجميع من حوله ليجذب نجلهُ من رسغه بحدة وهو يقول:
-يلا بينا نمشي من هنا بدل ما نخرج على التخشيبة
رمق والده بحدة ليتابع الرجل بصرامة وتوبيخ:
-كُلني يا واد بعنيك كُلني، اهو ده اللي إنتَ فالح فيه
وتابع مرتابًا:
-ده انت شكلك عامل مصيبة مخليه خال البت مش طايقك
نطق بقوة وثباتٍ يُحسد عليه:
-البيه مش طايقني علشان إبن مراته، بس انا مش هسكت، هفضحه وهعريه قدام عيلته كلها
انضمت اليهما ناهد التي تحدثت مستعطفة نجلها:
-يلا نروح يا ابني، الناس شكلهم ناويين لك على نية سودة
بغرورٍ وثقة تحدث:
-إهدي يا ماما واثبتي،وصدقيني، أنا اللي هفوز زي كل مرة
تسحبت ساندي تختبأ وسط الخارجين كي تنأى بحالها من تلك المواجهة التي ستطيح أرضًا بكرامتها وعزة نفسها،وما أن اقتربت من البوابة الخارجية حتى تفاجأت بقبضةٍ من حديد تقبض على كتفها لتلتفت برعبٍ وجدتها تلك السيدة التي هتفت بحدة:
-رايحة فين يا حلوة،هو دخول الحمام زي خروجه
انتفض جسد الفتاة رهبةً لتنطق مستعطفة:
-من فضلك سبيني أمشي
نطقت من بين أسنانها:
-على جثتي تطلعي من هنا إلا لما اخلي فضيحتك إنتِ والواد الملزق ده بجلاجل، هو انتوا وقعتوا مع أي حد، دي أنتوا وقعتوا تحت ادين عزة اللي مبترحمش
وجذبتها لتسحبها للداخل ممسكة بكتفها كما المخبرين
بعد قليل، انفض الجمع وانسحب جميع المدعوين لم يتبقى سوى نبيل وعائلته وعائلة ماجد وساندي، حتى أحمد الزين انسحب مصصحبًا عائلته تحت ضجر وسخط نجوى وسميحة اللتان اعترضتا بغرض البقاء للمشاهدة، لكن أحمد أصر على الذهاب لحساسية الموضوع وخصوصيته
وقف فؤاد بمنتصف الحديقة والجميع يلتفون من حوله هو وعزة وساندي ونبيل، وتحدث مشيرًا إلى نبيل :
-إتفضل فسر لنا الكلام اللي عزة سمعته ده؟
بكل جرأة وضع كفيه داخل جيبي بنطاله ليتحدث بثقة وثباتٍ اصطنعهما ببراعة:
-أفسر إيه حضرتك، هو أنتَ بردوا مصدق الست المجنونة دي
وتابع مشيرًا بين كلًا من يوسف وعزة:
-دي الخدامة اللي ربت يوسف، واكيد دي لعبة حبكوها الاتنين مع بعض علشان يفرقوا بيني وبين حبيبتي، وللاسف اللعبة دخلت على حضرتك ولغيت الحفلة من غير حتى ما تتأكد من الحقيقة
صاح يوسف وفؤاد بنفس التوقيت:
-إخرص يا حقير
ليتابع يوسف بعدما أفسح له المجال والده الروحي:
-أنا مش خسيس زيك علشان أعمل خطط ومؤامرات، شغل النسوان ده بتاعك إنتَ
وتابع فؤاد بإشارة تهديدية من أصبعه تحت انظار الجميع المترقبة بتمعنٍ:
-احسن لك تعترف باللي حصل علشان ارحمك واخليك تخرج من هنا في أمان إنتَ وأهلك أقبل “نبيل” بخطواتٍ سريعة صوب “بيسان” لينطق في محاولة خبيثة للتأثير عليها:
-إنتِ ساكتة ليه يا بوسي، إتكلمي وقولي لهم على اللي شوفتيه بعيونك من البيه، دافعي عن حبنا؟
كانت تنكمشُ على حالها تبكي داخل أحضان والدتها وتهز رأسها بانهيارٍ وتشتُت واضحان، إلى هُنا تجرأت “عالية” صديقتها بعدما رأت انهيارها لتهتف بعدما تسلحت بالشجاعة:
-كلام عزة كله صح، إنتَ يا حقير اللي خططت لكل ده، وأنا بغبائي ساعدتك من غير ما أحس، استغليت سذاجتي وغبائي واستخدمتني في لعبتك الرخيصة
بدأت بقص كل ما لديها تحت ذهول “بيسان” ودموعها المتساقطة كالأمطار لتهتف بعدما هرولت تحتوي كتفيها:
-ليه عملتي فيا كده يا عالية، إزاي تبقي عارفة الحقيقة طول الوقت وشيفاني وأنا بتدمر قدامك ومتقوليليش، هونت عليكِ إزاي إنطقي؟
-خوفت يا بيسان… نطقتها بدموعٍ وضعف وتابعت:
-خوفت من تهديد الحقير ده ليا
-انا أسفة… وتابعت وهي تتطلعُ على يوسف الواقف مذهولاً:
-سامحني يا يوسف
استمع الجميع لتصفيقًا حار من نبيل الذي تحدث متهكمًا:
-برافوا يا “عالية “، تمثيلك هايل، ده حتى أنا صدقتك، إنتِ لازم تقدمي في نقابة المهن التمثيلية
وتابع تحت ذهول الجميع من كم البجاحة لديه:
-يا ترى” يوسف” إدى لك مبلغ كويس تمن البوقين الفارغين دول؟
وتابع لقلب الطاولة وزرع الشك في قلوب المحيطين:
– المبلغ يستاهل يعني إنك تشهدي زور علشان يكمل أركان التمثيلية الساقطة اللي عاملها على الكل دي؟!
رمقهُ يوسف لينطق باشمئزازٍ:
-حقيقي مشفتش لا احقر ولا اوطى منك
-المفروض تتكسف من نفسك يا يوسف…. قالها نبيل لتصرخ تلك الصامتة”بيسان” بعدما انهار تماسكها:
-كفاية بقى، حرام عليكم كفاية
وتابعت وهي تترجى فؤاد:
-اطرده بره هو وعيلته وخلصني منه يا خالو
رمقها يوسف بنظراتٍ مرعبة قبل ان يهتف بتصميمٍ:
-مش قبل ما حقيقة المحترم اللي روحتي رميتي نفسك في ناره تنكشف قدام الكل
وهرول على ساندي يصرخ بحدة واعين تطلق شزرًا:
-ساكتة ليه، خلي عندك ضمير وانطقي وقولي اللي حصل؟
ارتفعت شهقاتها للأعلى لتصرخ “بيسان” وهي توبخها:
-حقيرة، ربنا ينتقم منك
بكت بقوة لتهتف من بين دموعها:
-أنا عمري ما كنت حقيرة ولا وحشة، طول عمري رافعة راسي لفوق وفخورة بنفسي وعيلتي، طول عمري وانا نجمة عالية بعيدة عن ادين الكل
وتابعت وهي تتعمقُ بعيني يوسف والعشق يملؤ مقلتيها:
-لحد ما حبيته، سكني حبه واستولى على كل قلبي
اشتعل قلب “بيسان”،ودت لو ن لها الأحقية لانتزعت شعر رأسها بالكامل وأبرحتها ضربًا لتهدئ نار غيرتها المستعرة،بينما تابعت الاخرى بعدما أمسكت ذراعيه باحتواءٍ:
-إنتَ نقطة ضعفي الوحيدة يا يوسف
لم تشعر” بيسان” بحالها وهجمت تنتزع كفيها وتبعدها عن حبيبها تحت احتراق قلب نبيل واشتعال قلب” يوسف” مجددًا بالغرام، صرخت بها بتملك:
-ابعدي ايدك عنه يا حقيرة
ابتلع لعابه حين أمسكت بكفه تبعده للخلف تحت انتفاضة قلبه الذي مازال ممتلئًا بعشق تلك الحورية
تابعت ساندي وهي تشير إلى نبيل بدموعها:
-لحد ما في يوم نبيل ظهر قدامي
قصت على الجميع جل ما حدث من البداية إلى اللحظة التي استمعت إليهما عزة.
إقترب فؤاد ليواجه نبيل وبدون مقدماتٍ نزل بصفعة قوية على وجهه وتحدث بعينين تطلقُ شزرًا:
-ده حق بنت أختي
اعتدل نبيل ليطالعهُ بذهولٍ وعدم استيعاب لما حدث ليفاجأهُ بأخرى أقوى وهو يقول:
-وده علشان إبني
انقض يوسف على نبيل لينتشلهُ من أمام فؤاد وأمسكه من تلابيب بدلته ونطق وهو يهزه بعنفٍ:
-بقى واحد واطي زيك يلعب عليا أنا
صرخ نبيل هاتفًا:
-بيسان بتاعتي أنا، ومش هسيبك تتهنى بيها يا يوسف
تبادلا الاشتباكات وقبل أن تتحول إلى ضربٍ مبرح هرول الجميع وقاموا بتخليصهما من قبضات بعض ليهتف فؤاد وهو يحتضن يوسف ويكبل جسده المنتفض من الخلف:
-إهدى يا يوسف،إهدى يا ابني،ده حقير ميستاهلش توسخ ايدك علشانه
صرخ يوسف محاولاً الفكاك بجسده بمنتهى الغضب:
-سيبني يا بابا،خليني أخد منه حق وجعي وأفش غليلي.
هتف علام بحكمة وثبات موجهًا حديثهُ إلى عاطف السرجاوي:
-خد ابنك وعيلتك واخرج من هنا وإعى تخليني أشوف وش حد فيكم مرة تانية، وياريت تفهم ابنك ان اللي عمله ده لو إتكرر تاني، أنا همحيه من على وش الارض
وتابع مهددًا في اشارة إلى استخدام سلطته:
-هخلي أمن الدولة يخفوه في سجونهم والدبان الأزرق مش هيعرف له طريق
انتفض قلب الرجل رعبًا ونطق بحروفٍ مرتعبة:
-أمرك يا باشا، ابني هسفره بلاد بره، مش هقعده في البلد خالص، بس أبوس إيدك يا بيه تسيبهولي، ده أنا محلتيش من الدنيا غيره
نطق علام بصرامة:
-طب مش كنت تعلمه الأدب والاصول علشان ميجبلكش التهزيق وقلة القيمة
أخذ عاطف نجله الثائر وهرول خلفهم ما تبقى من العائلة بعد أن هرب أكثرهم خشيةً من طوفان “فؤاد”
هرولت بيسان إلى ساندي لتدفعها للامام نحو الخارج وهي تقول بغضبٍ وغيرة:
-إطلعي برة إنتِ كمان، ولو شوفتك مرة تانية حوالين يوسف هقـ,ـتلك
نطقت الفتاة بانهيارٍ:
-هسيبهولك، بس ياريت تعرفي تحافظي عليه.
خرجت مهرولة تلملمُ بقايا كرامتها المهدورة وتلعن بسريرتها اليوم التي استمعت به إلى وسوسة ذاك الشيطان”نبيل”، ما جنت من تلك التجربة سوى جلب الفضيحة لحالها واهدار كرامتها وهي التي طالما عاشت مرفوعة الرأس. اما “عالية” حاولت لمس يد صديقتها كي تواسيها لتبتعد الاخرى للوراء وهي تقول:
-إمشي يا “عالية”، وياريت مشوفش وشك تاني إنتِ كمان
بكت الفتاة بشدة لتقترب منها فريال التي ربتت على ظهر تلك الفتاة اليتيمة:
-متزعليش يا حبيبتي واعذريها، اللي حصل لها ده كله مش قليل، ده بردوا يوسف، حب العمر
نطقت بدموعٍ وضعف:
-أنا مش زعلانة منها يا طنط، أنا زعلانة من نفسي واني كنت السبب من غير ما أقصد في أذيتها
-روحي وهي لما تهدي هخليها تكلمك.
استمعت الفتاة لحديث فريال وانسحبت بعدما انسحب الجميع ولم يتبقى سوى ماجد وعائلته حيث نطقت نوال بذهولٍ:
-يا ستار يارب، هي الدنيا جرى فيها إيه، الناس عمالة تخطط في أذية بعض وناسيين إن الدنيا متفاتة
وتابعت وهي تربت على ظهر ماجد تحت نظرات عزة المستنكرة:
-الحمدلله اللي ربنا نجاك منهم يا حبيبي، عملك الحلو ودعوات أمك قعدوا لك ونجوك
لوت عزة فاههه بسخرية وهمست لحالها:
-عمله الحلو، هيجيب الحلو منين وهو ابنك يا عقربة
ارتخى جسد يوسف بين ايادي فؤاد وإيثار التي احتضنته وهي تقول بأسى وألم تحت نظرات بيسان العاشقة والتي تمنت لو أن لها الحق باحتضانه هي الاخرى والتخفيف من ألام ما يشعر:
-إهدى يا قلب ماما، إهدى يا حبيبي
كان يتنفسُ بلهاثٍ بينما صاح ماجد ناهرًا ابنته وهو يهز ذراعها بغضبٍ:
-عاجبك الفضيحة اللي سببتيها لنا دي، أنا وجدك وخالك وجدتك ذنبنا إيه في تفاهتك، كل زمايلي في الجامعة أنا وجدتك حضروا الفضيحة وشافوا النسب الزبالة اللي بلتينا بيه
جذبت فريال ابنتها من يده بينما هتف علام بحدة:
-خلاص يا ماجد، مش وقت كلامك ده، البنت منهارة قدامك ومش متحملة
نطق بجنون يكاد يفقد من خلالهُ عقله:
-هتجنن يا باشا، اللي حصل ده فضيحة بكل المقاييس.
تحرك فؤاد ليحتضن الفتاة التي انكمشت تبكي بشدة داخل أحضانه تحت نظرات يوسف الغاضبة منها وعليها:
-و اللي إنتَ بتعمله ده هو اللي هيلغي اللي حصل؟
جاور عليوة نجلهُ وتحدث بهدوءٍ وعقلانية:
-يلا يا ابني نروح على بيتك علشان تهدى
هتف ماجد وهو يشير لنجله:
-يلا يا فؤاد، هات اختك وماما وحصلونا أنا وجدوا وتيتا
-حاضر يا بابا… قالها الفتى ليقطع حديثه صوت خاله قائلاً بجدية:
-سيب فريال وبيسان هيبقوا يحصلوكم بعدين يا ماجد
قطب جبينه ليرمق يوسف بحدة وهو يقول:
-يعني إيه أسيب بنتي وأمشي يا سيادة المستشار.
-يعني زي ما سمعت، تسيب بنتك وتتفضل على بيتك يا ماجد… جملة شديدة اللهجة نطق بها فؤاد بملامح وجه أظهرت كم استيائه ووصوله للمنتهى من الغضب، ابتلع لعابه ليجذبه عليوة قائلاً بهدوء:
-امشي معايا يا ابني
لتؤكد نوال وهي تحثه على الحركة بجوارها قائلة باستحسان لفكرة ارتباط حفيدتها بذاك الذي أصبح ثريًا وذات منصب سيادي:
-إسمع الكلام أمال يا ماجد.
يلا معانا يا فؤاد
انسحبوا إلى منزل ماجد
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
أما فؤاد وقف يتطلعُ على يوسف وبدون مقدماتٍ لكزهُ بذراعه بحدة ليهتف بعينين تطلقُ سهامًا نارية تعود لخيبة أمله في نجله البكري:
-وإنتَ يا عبقري زمانك، يا اللي ضيعت عمري في تربيتك وكنت فرحان بنفسي قوي وفاكر إني ربيت راجل مفيش في ذكائه، حتة عيل ميسواش مليم يعلم عليك؟!
يعمل خطة متسواش تعريفة وتعدي على عقلك يا عبقري يلي بقول عليك إنتَ الوحيد اللي وارثني
وصرخ يسألهُ بجنونٍ وعدم إدراكٍ لما حدث:
– ليه يا يوسف، ليه؟!
صرخ بصوتٍ محتقن ونظراتٍ تحمل أعلى درجات الجنون :
-مكنتش فايق يا بابا، الحقير اختار الوقت الصح، كنت مشغول ليل ونهار في الاختراع
التفت إلى تلك المنهارة تزرف دموعٍ من دمٍ وتابع وهو يرمقها بغضبٍ جحيمي لو خرج لحطم المكان برمته:
-كنت بسابق الزمن وبحفر إسمي على الصخر علشان أكون جدير بالهانم
وتابع بحدة أكبر وصراخٍ أظهر وجع روحهُ:
-علشان محدش يقلل مني ولا يعايرني زي ما بنت الأصول عملت وعايرت أمي بتاريخ عيلتي
هزت رأسها لتهتف بشهقاتٍ عالية:
-كان غصب عني يا يوسف، وإنتَ مشيت وسبتني لظنوني
هتف فؤاد لكلاهما وهو يشير إلى أخر الحديقة:
-خدها وروحوا اتفاهموا لوحدكم
تحرك لتتبعهُ وحين استقرا شهقت بدموع الألم وهمست بانكسارٍ تلومهُ بعينيها:
-إنتَ بعدت عني وأنا مبقتش فاهمة أي حاجة، كنت محتاجة منك تديني وعد وتطمني على نفسي معاك، كلمة واحدة لو كنت قولتها كنت هستناك العمر كله من غير ما أفتح بقي
واسترسلت تنطق الكلمة بقهرٍ:
-إطمني واستنيني،مهما حصل هنكون لبعض، مكنتش عاوزة منك أكتر من وعد
صرخ يصيحُ بجنونٍ:
-والسنين والعشرة اللي بينا، مكنتش وعد؟!، حبنا اللي عيشنا عمرنا كله نحميه ونراعيه ونكبره، مكنش بالنسبة لك وعد؟!، خوفي عليكِ وحمايتي ليكِ طول السنين دي كلها مكنش وعد؟!
وتابع بذهولٍ وكل خليةً في جسده تنتفضُ غضبًا:
– ده أنا كنت بخاف عليكِ من نفسي قبل الغريب، كنت ماشي وراكي زي ظلك علشان أحميكِ، كنت محتاجة إيه إثبات أكتر من عقد الثقة اللي بنيناه طول السنين ؟!
تابع متسائلاً بحدة:
-ردي عليا كنتي عاوزة إيه أكتر من كده؟!
صرخت بانهيارٍ بعدما ضغطت عليها كلماته:
-العبرة دايمًا بالخواتيم يا يوسف، وإنتَ عيشت عمرك كله تحميني وتطمني، بس عملت إيه أخر فترة، سبت البيت ومشيت وسبتني
وصرخت وهي تُشير على حالها:
-أنا جيت لك بدل المرة اتنين وتلاتة، اتخليت عن كرامتي ورميتها تحت جزمتك علشان خاطر عيونك، كنت محتاجة أحس إني مهمة عندك وتتمسك بيا ولو لمرة واحدة في حياتك، وتابعت بألمٍ يمزق قلبها وشعور التخلي يضنيها:
-كان نفسي مرة واحدة تختارني يا يوسف، لكن إنتَ في كل مرة اتحطيت فيها جوه اختيار، كنت بتختار أي حد إلا أنا يا يوسف، إلا أنا
نطق موضحًا بضعفٍ:
-أنا عمري ما اتخليت عنك، طول الوقت وإنتِ على قايمة أولوياتي
صرخت باعتراضٍ:
-محصلش،ده مجرد كلام، بدليل إنك سبتني واخترت زينة
نطق مفسرًا:
-“زينة” كانت مريضة وفي أمس الحاجة ليا، لو سبتها كانت هتضيع
-وأنا؟!…. قالتها باعتراضٍ لتتابع بلومٍ صارخ من عينيها:
-مضعتش لما سبتني؟!
نطق يلومها بحدة:
-كل كلامك ده مش مبرر بالنسبة لي، لو فيه ثقة بجد كنتي استنتيني العمر كله حتى ولو زي ما بررتي، إني مقولتلكيش تستنيني
صرخت بحدة رافضة حديثه:
-كل اللي حصل كان نابع من حبي ليك
وتابعت بوجهٍ مُلطخ بسواد الكحل العربي الذي اختلط بدموعها ليشكل خطًا جاريًا من السواد:
-إنتَ مش متخيل حجم الوجع والنار اللي شعللت في قلبي
وصاحت تدبدبِ بقدميها في الأرض بعدما ضرب جنون الغيرة عقلها:
-وانا شيفاك بعنيا وإنتَ بتأكل واحدة غيري بالشوكة في بُقها
هتف بصوتٍ حاد مرعب:
-وبدل ما تيجي تسأليني وتستفسري مني عن اللي شفتيه، تروحي ترمي نفسك بين أدين أكتر واحد بيكرهني في الدنيا كلها، وتجري على أمي توجعيها بكلام نزل على قلبها زي الخناجر
-غيرتي عليك عمتني، مبقتش شايفة قدامي ، كنت عاوزة أنتقم منك واكسرك…نطقتها بانهيارٍ وتابعت بدموعٍ تجري كشلالاتٍ فوق وجنتيها:
-حبيت أدوقك من نفس كاس الغدر اللي شربتني منه، علشان أشوف قلبك وهو بينكوي زي ما دبحتني بأديك
اتسعت عينيه لينطق بعدم استيعاب لحجم شرها:
-للدرجة دي بتكرهيني؟!
-للدرجة دي مجنونة بيك وبحُبك… قالتها باستسلامٍ وضعف ليهز رأسهُ قائلاً:
-خيبتي أملي فيكِ وضيعتي الثقة الكبيرة اللي كانت بينا، كسرتي بأديكي الصورة المثالية اللي عشت عمري كله أرسمها لك
اعتدل ليذهب، هرولت تتمسكُ بكفيه وهي تستعطفهُ بنظراتها الذليلة:
-سامحني وانسى، خلينا نبدأ من جديد
-صعب،ده إذا مكانش مستحيل…كلماتٍ قالها بخيبة أمل كبيرة وتابع وهو يتحسس بذلته:
-شايفة البدلة اللي أنا لابسها دي؟
ازدردت لعابها وهي تتطلعُ على ما يرتديه ليتابع هو بكسرة وغلبة الرجال:
-دي البدلة اللي اشتريتها علشان اليوم ده، واللي المفترض إنه كان يبقى يوم خطوبتنا، بس إنتِ حولتيه لخطوبتك إنتِ على راجل غيري.
فغر فاهها لتتعمق بعينيه بذهولٍ وهي تستمع لسيل اعترافاته، تابع هو بدموعٍ تتلألأُ بمقلتيه بعدما أصبح الوضع فوق احتماله:
-قبل المؤتمر بخمس أيام، جهزت كل حاجة ، بدلة الخطوبة والخاتم اللي هقدمهُ لك قدام العيلة كلها وأنا بطلب إيدك وسطهم
شهقت تحرك رأسها لتتطاير من عينيها دموع الندم ليتابع هو باستسلامٍ مؤذي لقلبه وقلب الجميع وهم يراقبون انفعالاتهما من بعيد:
-ده أنا كتبت أسامينا على الدبل،إنتِ متخيلة إنتِ عملتي فيا إيه؟!
أقبل عليها وقبض على ذراعيها بعنفٍ ثم تابع وهو يهزها بقوة:
-مقدرة حجم خسارة قلبي وكسرته يا سعادة السفيرة؟!
ضغط على حروف كلمته الأخيرة للتأكيد ثم تابع بإفاضة:
– في عز ما أنا بسابق الزمن وبجهز لكل حاجة،ومقرر أجي لك طاير بعد المؤتمر وأطلب إيدك من أبوكِ وأقف في وشه علشان أتمم خطبتنا بأسرع وقت
توقف ليأخذ نفسًا عميقًا كي لا يصاب بذبحةٍ صدرية من شدة انفعاله ثم تابع وهو يرمقها وغضب العالم أجمع احتشد بمقلتيه:
-وفي عز فرحتي بإني خلاص قربت ألمس كل أحلامي بأديا وأضمن وجودك معايا باقي العمر، أمي تكلمني قبل المؤتمر بساعات
وتابع مؤكدًا بحسرة ظهرت بمقلتيه:
-بس ساعات، وتقول لي إن الهانم اتخطبت، لا وكمان بتعيري أمي بيا؟
كانت تستمع لكلماته والذنب والندم يجلدان قلبها وكأنهما سوط عذاب،مع كل كلمة تخرج منه تزرفُ عينيها دموعًا والقلبُ ينزف دمًا، نطقت وبعينيها ألف اعتذار:
-أنا آسفة يا حبيبي
برغم عذاب روحها الذي لمسهُ وندمها الظاهرُ بشدة من بين كلماتها، ووقع كلمة “حبيبي” على قلبه العاشق، إلا أنهُ نطق بجمودٍ يعود لغضبه العظيم من أفعالها وما قامت به من إهاناتٍ مبالغ بها بحق رجولتهُ، ناهيك عن خطأها الجلل بحق إمرأة حياته الأولى”والدتهِ”:
-الآسف فات أوانه خلاص
تمسكت بكفه وشددت بقوة لتهمس برجاءٍ وهي تتعمقُ بعيناه:
-بلاش تضيع حُبنا يا يوسف.
-حُبنا؟!… قالها ساخرًا ليتابع بسؤالٍ متهكم:
-هو فين حُبنا ده؟!
لتتبدل ملامحهُ لحادة صارمة مخيفة:
-اللي بينا كان وهم وانكشف وظهرت حقيقته قدام أول اختبار حقيقي، بيت من الرمل بنيناه وحلمنا يكمل، ومع أول موجه اتنسف وجرفته الماية معاها وضاع أثره
هتفت بحدة تعود لرفضها فكرة الانفصال:
-كفاية عِند يا يوسف، أنا تعبت ومش هقدر أتحمل قسوتك عليا أكتر من كده
سحب كفهُ من بين راحتيها لينطق بهدوءٍ صارم:
-أنا لا بعاند ولا بقسى عليكِ علشان أعاقبك يا بيسان، أنا واخد قراري النهائي من وقت مكالمة أمي ليا اتسعت عينيها تسألهُ بلومٍ:
-جبت منين كل القسوة دي؟!
-منك…قالها بجمود لتسألهُ بنظرات مستسملة:
-يعني كده خلاص، حكايتنا خلصت؟!
ثبت على موقفهُ الزائف وتحدث عكس ما بقلبه:
-للآسف، حكايتنا خلصت من زمان.
أومأت عدة مرات بابتسامة تجمعُ ما بين الألمِ ومرارة الخزلان، وبدون إضافة حرفًا واحدًا انسحبت تجر أذيال خيبتها العظيمة برأسٍ منكس وذراعين مهدولتين، كان مظهرها كفيلاً لتعاطف الجميع معها، هرولت فريال تساندها ولحقت بهما “عصمت”التي أرادت الإطمئنان على حفيدتها، تحركن لخارج البوابة تحت نظرات الجميع المشيعة ما عدا ذاك العنيد الذي والاها ظهرهُ كي لا يضعف ويلحق بها مهرولاً.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
أخذ ينظم أنفاسه ليستعيد تماسكه كي لا يظهر بصورة رجل مهزوم أمام عائلته، ثم استدار وتحرك ليقف على مسافة كبيرة من تجمع العائلة،نطق بصوتٍ رغم محاولاته المستميتة خرج ضعيفًا:
-يلا يا زينة علشان نتحرك
هبت إيثار واقفة وبلمح البصر كانت تجاوره وهي تقول:
-يلا فين، إنتَ بايت هنا النهارده
حرك رأسه بنفيٍ وقبل أن تخرج كلماته هتفت بصرامة ورفضٍ لا يقبل المناقشة:
-ريح نفسك، أنا مش هسيبك وإنتَ في الحالة دي
وزينة… قالها مستسلمًا ليتابع:
-هعمل معاها إيه؟
وقبل أن تجيبه خرج صوت فؤاد القوي:
-ما تتحججش بـ”زينة”،زينة هتبات مع تاج في أوضتها
تنفس لينطق علام مشيرًا له بمجاورته:
-تعالى علشان نتكلم يا حضرة الظابط، ولا هتهرب زي ما عملت قبل كده
بتحدي أجاب:
-الهروب للناس الجبانة، وأنا عمري ما كنت جبان يا باشا؟!
أشار مرةً أخرى ليتنهد باستسلامٍ ثم تحرك ليجلس بالمقعد المجاور إلى علام الذي نطق بنظراتٍ ازدرائية:
-قولت إيه لـ بيسان خلاها تجري وهي منهارة بالشكل ده
أجاب بهدوءٍ ظاهري:
-قولت لها اللي كان لازم يتقال
رفع فؤاد حاجبهُ ينتظر إجابة الشاب الذي تابع مسترسلاً:
-كل حاجة خلصت.
برغم غضب “إيثار” من “بيسان” وما فعلتهُ بنجلها الحبيب إلا أنها لا تنكر حزنها العميق على ما أصابها والأكثرُ هو حزن نجلها العميق التي تراهُ ظاهرًا من عينيه، برغم إعجابها الشديد بحفيدة “أيمن الأباصيري” وعقدها النية على أن تفاتحهُ بأقرب وقتٍ، إلا أنها جنبت ذاك الإقتراح وتمنت من عمق قلبها عودة يوسف إلى تلك الحبيبة التي لم يدق قلبهِ لسواها طيلة سنواتهُ الإثنين والعشرين،لذا تحدثت بنبرة متأثرة:
-بلاش تعاند قلبك يا يوسف،إنتَ بتحبها،وعمر قلبك ماهيرتاح مع غيرها
احتدمت ملامحهُ وامتلئت بشرارات الغضب ليهتف محتدًا:
-ملعون قلبي اللي هيزلني ويخليني ارجع لواحدة باعتني مع أول موقف، وياريته كان حقيقي
-يا خسارة يا يوسف، كنت فاكرك تربية علام زين الدين بجد… كلمات جالدة لذات الشاب نطق بها “علام” ليتابع بلومٍ حاد:
-يعني فوق إن حتة ولد حقير قدر يخدعك بكل بساطة وخلاني أتحسر على تربيتي ليك، كمان محمل البنت الضعيفة اللي ملهاش أي ذنب كل الغلط، وكأنك برئ قوي ومغلطتش في حاجة
رفع حاجبهُ وسأله مستنكرًا:
-وإيه هو غلطي من وجهة نظرك يا باشا؟!
نطق بحكمة:
-إنك اتصرفت بغموضك المعتاد في موضوع مينفعش فيه الغموض، يا غبي إفهم، البنت كانت محتاجة منك وعد يطمنها
نطق بحدة:
-وسنين عمري اللي ضيعتها في حبها، مكنتش كفاية تطمنها؟!
لاحظ فؤاد حدة الشاب في حديثه وتعديه حدود اللباقة المعتادة منه في مناقشاته السابقة مع علام فأراد أن ينهي ذاك النقاش الحاد كي لا يفقد يوسف تماسكه أكثر ويحدث صدامًا بين غالياه:
-إطلع خد حمام بارد وحاول تنام يا “يوسف”،وبكرة تكون هديت وتكمل كلامك مع الباشا
كانت كلماته بمثابة طوق نجاة فهب واقفًا وتحدث مستئذنًا بوجهٍ عابس:
-تصبحوا على خير.
تحدث فؤاد إلى الأولاد:
-تاج، خدي زينة وإطلعوا غيروا هدومكم علشان ترتاحوا
وتابع وهو ينظر لنجله العاقل: -وإنتَ يا زين، يلا على أوضتك يا حبيبي
تحدث الفتى:
-حاضر يا بابي
انصرف الجميع ليميل بجزعه على حبيبته يمسك بكفها ويحثها على النهوض وهو ينطق بنبرة هائمة كي يصعد معها ليرتوي من عشقها ويرتمي داخل أحضانها الحنون لتسكن روحه وتستكين، وكأن ما يحدث من حولهِ لا يعنيه:
-يلا يا حبيبي علشان تغيري فستانك وترتاحي إنتِ كمان
أومأت وقبل أن تنهض نطق علام بإشارة حازمة من كفه:
-إقعد يا باشا، عاوزك في موضوع مهم إنتَ والمدام
ضيقت بين عينيها لتحولهما سريعًا تتطلعُ على ذاك الحنون الذي ينطق بذاك اللقب للمرة الاولى بحياته،تعجب أيضًا فؤاد من حدة والده بالحديث وبدون اعتراضٍ جلس وتحدث مستفسرًا:
-خير يا باشا؟!
-مفيش حاجة عاوز تقولها لي إنتَ ومراتك يا فؤاد؟!
نطقت بحروفٍ مرتابة وشعورًا بالخوف اجتاح كيانها:
-حاجة زي إيه يا بابا؟!
ابتسامة ساخرة ارتسمت بجانب ثغره وشعورًا بالمرارة والخزلان اجتاح روحه لينطق بخيبة أمل:
-إنتِ اللي هتقولي لي إنتِ وسيادة المستشار رئيس النيابة
وتابع بحدة ولومٍ غاضب:
-اللي مُرشح يكون عضو في هيئة المحكمة الدستورية العُليا ويكمل مشوار علام زين الدين
على الفور أيقن بعلم والده بما حدث بذاك اليوم المشؤوم فتحدث خاجلاً بعينين زائغة لم يجرأ بالنظر بها بخاصتاي والده:
-اللي حصل كان غصب يا باشا
هتف موبخًا:
-ده كلام غير مسؤول ميطلعش من رئيس نيابة
بعينين متوسلتين تحدث:
-مقدرتش أتحكم في غضبي وغيرتي
-قصدك مقدرتش تتحكم في خيبتك…جملة صعبة نطق بها علام نزل وقعها على فؤاد زلزل كيانه، فتلك هي المرة الاولى التي ينهال عليه والدهُ بالتوبيخ بدون رحمة مما جعل إيثار تنطق للدفاع عن ساكن الروح:
-فؤاد ملهوش ذنب في اللي حصل يا بابا
-إنتِ تستكتي خالص، دورك لسه جاي يا أستاذة… قالها بحزمٍ ليستطرد كلامه بتعنتٍ ولومٍ شديد ظهر بعينيه وبين الحروفِ:
-يا اللي المفروض بقيتي ليا أقرب من بنتي، ده أنا كل أسراري معاكِ، بتكلم معاكِ في كل حاجة تخص العيلة أكتر ما بتكلم مع عصمت نفسها، وأخرتها إيه، تخبي عليا علشان تداري على خيبة جوزك الثقيلة
هتف بعنادٍ وحدة بعدما فاض به من سيل الإهانات التي غدقهُ بها والده أمام إمرأته:
-أنا مش خايب يا باشا ولا ندمان على اللي حصل، ولو اليوم رجع واتعاد تاني هكرر نفس اللي عملته، وهقطع نفسه من كتر الضرب
نطق علام متهكمًا:
-برافوا عليك يا سيادة المستشار
أجاب والدهُ مفسرًا:
-أنا هنا مكنتش بتصرف بعقل سيادة المستشار، أنا اتصرفت بقلب راجل دخل لقى واحد حقير واقف قصاد مراته ومقرب منها
التفت إلى زوجته وتحدث:
-سبينا لوحدنا
-خليني معاك… قالتها بضعفٍ نابع من خوفها عليه ومنه ليحتد على والده بالحديث فانتفض جسدها من حدة كلماته النابعة من اشتعال جسده الغاضب بفضل استماعها لاهانته على يد أبيه أمامها:
-قولت لك ادخلي جوه
ابتلعت لعابها وهبت سريعًا لتهرول للداخل كي تجنب حبيبها اشتعال روحه أكثر، تحرك بمقعده ليلتصق بمقعد ابيه وتمسك بكفيه كطفلٍ صغير وهو يقول بوجهٍ ظهر التألم على تقاسيمه:
-إنتَ ليه مش قادر تفهمني يا بابا
تيقن علام أن ما سيقوله ولده نابعًا من القلب طالما ناداهُ بـ”بابا”بالفعل أكمل بكلماتٍ
لامست قلب أبيه وزلزلت سباتهُ:
-فكرة إن مراتي اللي بعشقها كانت في حضن راجل غيري قبل ما تبقى معايا بتقـ,ـتلني، برغم كل السنين اللي فاتت إلا إني مش قادر أتخطى النقطة دي
احتدت ملامحه وامتلئت بالقسوةٍ والغضب وهو ينطق بهسيسٍ من بين أسنانهِ:
-إبن الكلب قالها لي بكل وقاحة يومها، ضغط بكل قوته على جرحي وهو باصص في عنيا وبيقول لي إنها كانت مراته
وتابع مرددًا كلمات عمرو التي يتردد سمعها بأذنيه:
-خلفت منها أغلى وأقرب ولد لقلبها، واللي بيفكرها دايمًا بيا.
وإلى هنا لم يعد يتحمل، صرخ وهو يضغط بكامل قوته على كف أبيه دون شعورًا منه:
-كنت عاوزني أعمل إيه، قولي يا بابا؟!، لو كنت مكاني كنت هتعمل إيه؟ لم يعثر بداخلهِ على كلماتٍ يطفئ بها لهيب نجله الحبيب سوى حضنه، نعم لقد جذبهُ ليسكنهُ داخل أحضانه ويشدد من ضمته بذراعيه الحنونين، ليتفاجأ بشهقات نجله العاقل وهو يبكي على كتف أباه كطفلٍ صغير وجد ملاذهُ، بات يمسحُ بحنانٍ على ظهرهِ ويقبل شعر رأسهِ كمن يهدهدُ صغيرًا بعمر الخامسة، انتفض جسد كلاهما على إثر استماعهما لأصوات صرخاتٍ متتالية يأتي من منزل فريال ليبتعدا سريعًا
وبالأعلى كان يجلسُ على طرف الفراش ساندًا بكفاه، يهتز بجسده بالكامل في حركاتٍ تظهر توترهُ وحدة غضبه، يفكر فيما حدث وهل سيستطيع نسيانه والعودة مرةً أخرى لتلك الغبية أم سيبتعد للأبد ويكمل طريقه بعيدًا عن خطته التي رسمها بصحبتها، انتفض جسده هو الأخر حين استمع لصوت تلك الصرخات، هرول إلى الشرفة ليفتحها وينظر على منزل ماجد، ارتعب قلبه حين استمع إلى صرخات فريال وهي تقول:
-……..
إنتهى الفصل