رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38

رواية فوق جبال الهوان بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثامن والثلاثون 38

نظرة سريعة ألقاها على ما يحتويه ذلك المغلف الأبيض الذي ناوله إياه، قبل أن يطويه ويدسه في جيب بنطاله الخفي، ليتطلع إلى "وهبة"، وابتسامة راضية تكسو ملامحه، خاطبه "فارس" في امتنانٍ كبير:
-كتر خيرك على اللي عملته وبتعمله معايا.
رد وهو يربت على منبت كتفه باسمًا:
-متقولش كده يا أبو عمو، احنا أكتر من الأهل.
قال مجاملًا:
-ده العشم.
شدد عليه "وهبة" من جديد:
-لو ناقصك حاجة عرفني، وأنا رقبتي سدادة.
هز رأسه مرددًا:
-أد القول يا صاحبي، هستأذن بقى علشان الجماعة منتظرين برا في العربية.
تحدث إليه وهو يهم باصطحابه إلى الخارج:
-وماله خد راحتك.
.............................
منذ أن أوقعها حظها العاثر في طريقه وهي لم تهنأ ليوم، بل باتت أيامها مظلمة، محملة بالمخاطر والأهوال. فزعت "دليلة" لرؤية "عباس" ومن معه، ارتاعت من فكرة أن يتم اختطــافها بالقوة، وإعادتها لأكثر من تبغض حاليًا، لهذا ركضت ممسكة بيد شقيقتها بلا تفكير تجاه التكية، لعلها تنجو ببدنها ممن يهددها. 
تجاوزت عدة أمتار من الباحة المستطيلة التي تسبق بابها الرئيسي الموارب، حاولت تجاوزه إلا أن أحدهم وقف أمامها ليمنعها، فهتفت بأنفاسٍ لاهثة ترجوه:
-لو سمحت دخلنا أوام، في ناس بتجري ورانا، وعايزة تاخدني بالعافية.
ظن الرجل أنها حيلة سخيفة منهما للتغطية عن فعل مشين قد ارتكبتاه لتوريطه في أمر لا يخصه، فتعامل بواقع المنطق، وسد عليهما طريق الدخول بذراعه، ورفض مساعدتهما قائلًا بجمود:
-يا ست ما تجبيلناش مشاكل، امشي من هنا.
هتفت "إيمان" موضحة له:
-ابن عمنا لسه داخل عندكم دلوقتي، اسمه "فارس حجاب".
تعقدت ملامحه متسائلًا بجديةٍ تامة:
-"فارس العُرباني"؟
كانت متذكرة للقبه الآخر، فهزت رأسها مؤكدة هويته:
-أه هو.
بينما توسلته "دليلة" في رجاءٍ وهي تختطف نظرات هلعة ورائها:
-دخلنا أوام، مافيش وقت.
قبل أن يتمكن الرجل من دفع البوابة الحديدية، كان "عباس" قد بلغها، فأمسك بها من ذراعها، وشدها ناحيته متسائلًا بصوته الذي بعث الرهبة في نفسها:
-رايحة فين؟
شلها الخوف في مكانها، فعجزت عن الهرب منه، وحملقت فيه بذعرٍ جلي، فيما تدخلت "إيمان" لتصرخ في وجهه بصوتٍ مرتفع:
-سيب إيدها يا مجرم.
استغرقها الأمر لحظة لتستفيق من حالة الصدمة المفزعة التي سيطرت عليها، لتنتفض بقوةٍ محاولة استعادة ذراعها، وصوتها الحانق يجلجل:
-ابعد عني يا حيوان.
همَّ "عباس" بالتعامل معها على طريقته الفظة، إلا أن "غيث" كان قد ظهر في المشهد، ومد ذراعه، ليطوقه من عنقه ويحول دون أخذها قســـرًا، وبيده الأخرى ألصق فوهة ســـلاحه النــاري بجبينه، ليصيح مهددًا بلا ترددٍ:
-عارف لو يدك ما تشالتش عنها هجطع خبرك من الدنيا!
اضطر مرغمًا أن يرخي قبضته عنها، فتحررت "دليلة" منه، وتراجعت من فورها للخلف لتحتضن شقيقتها، فيما تكلم "عباس" مدعيًا بالباطل:
-بالراحة يا بلديتنا، دي قريبتي، وهربانة مني.
هدرت "دليلة" مستنكرة تبجحه الفج: 
-كداب، محصلش، أنا معرفوش أصلًا.
ليأتي "فارس" من الداخل على عجلٍ، وقد سمع صوتها يرن في الأرجاء، سرعان ما وقعت عيناه على "عباس"، فاندفع تجاهه بعنفوانه وغضبه يريد إزهــــاق روحه لتجرؤه على المساس بها، انقض عليه مسددًا لكمة عنيفة في وجهه وهو ينعته بشراسةٍ:
-يا ابن الـ (....)، فاكرها لواحدها يا (....)؟!!!
لم يتمكن "عباس" من تفادي الضربة القاسية، لكونه لا يزال يقع تحت تهديد الســلاح، ومع ذلك رد ببرودٍ ليستفزه:
-وماله، اضرب، اعمل اللي عايزه، بس مش هترجع معاك...
اشتاطت عينا "فارس" من تصريحه الفظ، وما زاد الطين بلة قوله المؤكد في ثقةٍ:
-دي بقت تخص الريس "زهير"، وهو زمانه على وصول...
ليلتوي فمه بابتسامةٍ مغترة قبل أن يواصل إخباره:
-ما أنا بلغته، وحبايبنا هنا كتار، وشوية وهتلاقي الحتة كلها اتحاوطت برجالتنا.
سدد "فارس" لكمة أخرى أكثر عنــــفًا نحو فكه وهو يبادله التهديد بآخر:
-وإنت واللي مشغلك مش هتخرجوا من هنا إلا على قبركم!
ضحك في تسليةٍ ليغيظه، رغم الدماء التي سالت من بين أسنانه، والقطع الذي أصاب زاوية فمه.
..........................................
في تلك الأثناء، حاولت "عيشة" البحث عن ابنتيها وسط حشد الرجــال المتزاحم في محيط التكية الخارجي، لتجدهما تلتصقان بالباب المعدني عند نهاية تلك الباحة المستطيلة، فهرعت إليهما لتضمهما إلى صدرها وهي تقول في تخوفٍ كبير:
-بناتي!
تحول "غيث" بناظريه تجاه الثلاثة، وهتف في رجله الواقف بجواره:
-خد الحريم ابعيد عن إهنه يا "وهدان".
سمعه "عباس" فصاح معترضًا، وغير مبالٍ بما قد يناله من عقـــابٍ:
-لو اتحركوا من مكانهم مش هيحصل طيب.
اغتاظ "غيث" من تبجحه السافر، فضربه بفوهة الســـلاح في جانب رأسه مهددًا إياه:
-اجفل خاشمك بدل ما تلاجي راسك مُطرح رجليك.
من ناحية أخرى، أراد أحد أتباع "الهجام" أن يفوز بحظوة مميزة لدى رب عمله، فهو يعلم جيدًا مدى سخائه مع من يقدم له خدمات من نوعٍ خاص، وهو يعرف تمام المعرفة بمسألة رغبته في استعادة امرأته التي فُقدت منه، لذلك فكر في الهجوم المباغت على "فارس"، وطــعــنه في ظهره بطعنة غدرٍ تودي بحياته، لم يفكر مرتين، وأقبل بثباتٍ على تنفيذ خطته السريعة، حيث أخرج مــديته من جيبه الخلفي، فرد نصلها، وتنقل بخطواتٍ خفيفة متجاوزًا رجال "وهبة" في غفلةٍ منهم، لينطلق بعنفوانه تجاه طريدته، وبثباتٍ مهيب دب النصل بغتةً في جانبه، ليصرخ "فارس" من الألم العنــيف الذي أصابه، لينظر بعدها إلى بقعة الدماء التي تفــجــرت منه، وسط ذهول المتواجدين، وصرخات النساء الثلاثة.
....................................
لا مجال للسياسة أو المساومة فيما يخص شئونه الخاصة، وتحديدًا تلك المتعلقة بما يمتلك. فور أن علم "زهير" من تابعه "عباس" برؤيته لـ "دليلة" وملاحقته لها، حتى ترك ما في يده، واستقل سيارته يقودها بأقصى سرعة ليتمكن من الوصول إليها قبل أن تنساب كالزئبق من بين أصابعه.
طوال طريق قيادته ظل يجري عدة مكالمات هاتفية، يستدعي فيها من يدينون له بالولاء، ويأمرهم بالتوجه إلى منطقة نفوذ "وهبة العرباني" لحصاره، ومنع أي فرد من الخروج، حتى يظفر بمن تستعصي عليه. 
ضغطة أخرى بقدمه على دواسة البنزين ليستحث السيارة على الانطلاق على أقصى قدراتها، وهذا الصوت العازم يرن في رأسه:
-هانت، مش هتعرفي تفلتي مني المرادي.
....................................
بصورة قانونية تم التنازع عن المحضر الذي اُتخذ ضدها، لتتمكن أخيرًا من الخروج من غرفة الاحتجاز بعد أن أمضت ساعات لا تنسى وسط حفنة من أسوأ النساء. ما إن انتهت من الإجراءات اللازمة لإخلاء سبيلها حتى هرولت "نجاح" ركضًا خارج قسم الشرطة، وكأن أحدهم يطاردها. 
سرعان ما ارتمت في أحضان ابنها لتشتكي له ببكاءٍ زائف:
-أنا اتبهدلت أوي يا "راغب"، اتمرمطت جوا.
كفكفت دمعها قبل أن ينساب على خديها لتتابع في استنكارٍ جلي:
-بقى أنا بعد العمر ده كله، أتعامل زي الحرامية والنصابين؟
أحنى "راغب" رأسه على كتفها ليقبلها منه، واعتذر منها في تعاطفٍ كبير:
-حقك عليا يا ماما.
ثارت في وجهه هاتفة بحقدٍ وهي تفتح باب سيارته لتجلس في المقعد الأمامي:
-كانت شورة مهببة يوم ما اتجوزت المخفية دي، ما شوفناش من وراها إلا المصايب وبس.
ساعدها على غلق الباب، وقال في تأففٍ:
-إنسي يا ماما، وخليني أوصلك البيت.
ردت عليه بوجهٍ ممتعض، وذلك الشعور العارم بالاشمئزاز مستحوذ عليها:
-أنا محتاجة أنضف جسمي من البلاوي الزرقة اللي شوفتها جوا.
أدار "راغب" المفتاح ليعمل محرك السيارة، فخاطبته في غير تساهلٍ:
-ونصيحتي ليك ابعد عن البلطجي ده وأي حاجة تخصه، احنا مش عارفين ممكن يعمل فينا إيه تاني.
كان مقتنعًا كليًا بمقدرته على نسفــه مع عائلته من على وجه البَسِيطة، فأيد كلامها بلا أدنى اعتراض:
-حاضر، هعمل كده.
........................................
على كافة الأصعدة، بدا المشهد دمويـــًا وصادمًا، لم يتوقع أحدهم أن تحدث لحظة غدر مثل تلك التي وقعت، ليقوم أحد رجال "وهبة" بإلقاء القبض على ذلك اللعين وطرحه أرضًا قبل تثبيته في موضعه، وانتشال المـدية من يده وتهديده بها.
رغم الخوف الذي سيطر على ثلاثتهن، إلا أنهن رفضن في البداية الذهاب وترك "فارس" يصـــارع شبح المــوت؛ لكنه أصر على مغادرتهن هادرًا رغم الألم الذي يعصف ببدنه:
-امشوا من هنا.
هتفت "عيشة" معترضة، وهي تبكي تأثرًا:
-إزاي نمشي ونسيبك يا ابني وإنت في الحالة دي؟
تحامل على نفسه، ورد عليها بثباتٍ وهو يضغط بيده على موضع نز الــدم:
-أنا هبقى كويس يا مرات عمي، ابعدوا إنتو.
إلا أن "عباس" احتج على مغادرتهن صائحًا دون أن يعبأ بالمـســدس المصوب إلى رأسه:
-محدش هيتحرك من هنا إلا لما يجي الريس "زهير".
مجددًا ضربه "غيث" بالفوهة مدمدمًا في حنق:
-شكلك ناوي على موتك.
ابتسم باستفزازٍ ليغيظه ليعلق بعدها عليه:
-مش فارق، طالما كبيرنا هياخد اللي يخصه.
سرعان ما ازداد المكان زحامًا بالمزيد من أتباع "زهير"، ممن لبوا ندائه، فبدا الأمر أشبه بمظاهرة محتشدة، كل من فيها جاء متحفزًا للتشابك وإراقـــة الدمـــاء.
-خير يا رجالة؟ عايزينها حرب احنا جاهزين!
-واحنا مش عيال كاورك واقفين قصادكوا، والدم هيبقى للركب.
أجرى "غيث" حسبة سريعة لتقدير الموقف، ثم أصدر أمره لرجله الواقف بجوار النساء:
-"وهدان"، خد الحريم يجعدوا جوا، وجفتهم ما تلزمش إهنه وسط الرجالة.
اعترض مرة ثانية "عباس" على قوله بعنادٍ مغيظ:
-أنا قولت مش هيتحركوا.
لحظتها اشتد ذراع "غيث" الملتف حول عنق "عباس" قائلًا من بين أسنانه:
-اقفل خاشمك، ولما كبيرك ياجي نبجوا نتفاهموا...
ليتوجه بعدها بأمره إلى تابعه، وهذه النظرة الغامضة تحتل حدقتيه:
-أوام يا "وهدان"، شوفلهم مطرح جوا بعيد عن القلق اللي حاصل إهنه، عند الفسجية (نافورة) الواسعة.
وكأنه فهم ما بين السطور من طريقته المتوارية في إعطائه التعليمات، ليرد دون مجادلة:
-حاضر يا بيه.
تحرك بمفرده معهن، في حين ظل البقية في حالة تأهب قصوى. ما لم يعلمه "عباس" أو أتباعه، أن بالتكية يوجد مسلك آخر يفضي إلى خارجها من الجهة العكسية، بعيدًا عن المدخل الرئيسي، حيث الميدان الرئيسي المتواجد بمنتصفه نافورة كبيرة، فكانت تلك وسيلته غير المباشرة لإبعادهن عن مكمن الخطر دون الإشارة لذلك بوضوح.
....................................
حينما اختفت عائلته بالداخل، تخلى "فارس" عن ثباته الوهمي، لينهار مترنحًا للخلف، فأسرع "وهبة" ليتلقفه بين ذراعيه، قبل أن يمدد جسده الغارق في دمائه على الأرض، وصوته الثائر يتوعد:
-قسمًا برب العزة ما هسيب اللي حصل ده يعدي على خير، والبادي أظلم.
تحداه "عباس" بأسلوبه الباعث على إثارة مشاعر الغضب:
-اللي يخصنا هناخده.
تعمــد "غيث" الضغط بساعده القوي على عنقه وهو يهدده:
-ماسمعش حسك واصل!
معتمدًا على ازدياد فئة المناصرين له، عاد "عباس" ليستفزه بسخافة لغوه:
-أنا رأيي تنزل السلاح أحسن، بدل ما يطول وترجع تزعل.
انتفض عرق الرجولة بداخله، فجعله يزأر مهينًا إياه بألفاظٍ نابية:
-الزعل للـ..... زيك!
احتقن وجهه بشدة من نعته اللاذع، وغمغم في وجومٍ:
-الله! الله! إنت بتغلط كمان؟
لحظتها خرج "غيث" عن طور هدوئه، وانتزع زر الأمان عن ســـلاحه النــاري، ليواصل المضي في تهديده للنهاية قائلًا:
-وأجيب خبرك دلوجت.
تدخل أحد أتباع "زهير" ممن جاءوا للدعم وترجيح الكفة لصالحه:
-نهدى يا رجالة شوية.
ولوح بســـلاحه الآلي كوسيلة لإرهابه والضغط عليه لفك حصاره عنه، إلا أن "غيث" رفض تركه، وظل يأسره تحت قبضته.
في حين انضمت عُصبة أخرى إلى ذلك النزاع المحتدم ممن هم موالين لـ "وهبة العرباني" ليصبح الموقف أشد خطورة عن ذي قبل.
راح "فارس" يئن من وخزات الألم المنتشرة في جانبه، وقد زاد شعوره بالوهن، ليهتف "وهبة" في وجلٍ:
-اطمن يا صاحبي، أنا جمبك، وهنقلك على المستشفى....
ثم هدر صائحًا في رجاله:
-العربية بسرعة يا واد منك ليه.
بصوتٍ ضعيف، يكاد يكون مسموعًا همس له يوصيه:
-عيلتي أمانة عندك، حافظ عليهم يا "وهبة"، ما تخليهومش يقعوا في إيد الكــلب ده.
رد عليه مؤكدًا:
-احنا هنحميهم بروحنا.
شدد عليه وهو يمسك بيده ليضغط عليها:
-بنت عمي ماتسبهاش ليه، سامعني؟
هز رأسه في طاعةٍ وهو يخبره:
-حاضر، بس ما تتعبش نفسك.
أتى أحدهم على وجه السرعة هاتفًا ومشيرًا بيده:
-العربية جاهزة يا ريس "وهبة".
ليصدر بعدها الأخير أمره:
-أوام انقلوه فيها.
كعادته في استفزاز الآخرين صاح "عباس" معترضًا بسماجةٍ:
-محدش هيتحرك من هنا إلا لما يجي الريس "زهير".
هذه المرة لم يتحمل "غيث" تحكمه الفراغ، وضربه بفوهة السلاح في مؤخرة عنقه بقسوةٍ وهو يزمجر في غضبٍ:
-كلامك مايمشيش علينا يا مخبول إنت!
من جديد تدخل المنتمي لفئة الداعمين لـ "الهجام" ناصحًا:
-ما قولنا نهدى يا رجالة، نعمل اعتبار للكُبارات اللي حاضرين.
رد عليه "وهبة" بعنادٍ:
-وأني مش هيسيب راجلي يفرفر مني ومعملش حاجة، لازمًا يروح المستشفى.
سأله في جديةٍ:
-والحكومة بتدخل في حواراتنا؟
أصر على رأيه معاندًا بشكلٍ أكبر:
-ملكش صالح، أنا هتعامل..
ليتعاون مع رجاله بعدها في رفع جسد "فارس" عن الأرض مُلقيًا بأوامره عليهم:
-بالراحة عليه يا رجالة، انقلوه على المستشفى وطموني.
بالكاد تم السماح لثلاثة فقطٍ بالمرور به وهم يحملونه لوضعه بالسيارة، واحتجز الباقي في محيط التكية، ليضيف "عباس" في فجاجةٍ:
-هاتوا الحريم يكونوا قصاد عينا.
بلغوه المشين فجَّر المتبقي من صبر "غيث" ليهم بالاندفاع ناحيته والانقضاض عليه وهو يصيح في وجهه بتعصبٍ:
-أما إنك معندكش لا نخوة ولا خشا، حريم مين اللي يجعدوا جصادك؟
اعترض طريقه "وهبة"، وجاهد لإيقافه وهو يرجوه:
-إهدى يا واد عمي.
عقب عليه بنفس الأسلوب المتحيز الغاضب:
-إنت ماسمعش واد المركوب ده بيجول إيه؟
أخبره في جديةٍ محاولًا السيطرة على انفعالاته الهائجة التي خرجت من قمقمها: 
-امسحها فيا، هو مايعرفش إن طبعك حامي.
هتف بإصرارٍ، منتويًا القضـــاء عليه:
-خليني أعرفه.
قال وسيط آخر في نبرة عقلانية، كمحاولة جادة منه للعمل على تهدئة الأوضاع:
-يا رجالة احنا جايين نلم الدور، ونشوف مين ليه حق وياخده، مافيش داعي نكبر المسائل.
وافقه آخر في الرأي:
-مظبوط الكلام.
ليضيف "عباس" بسماجةٍ وهو يقضم أظافر يده قبل أن يتفلها بحركة مقززة من فمه:
-كبير "الهجامة" على وصول، وهياخد اللي يخصه ويمشي، ويا دار مدخلك شر.
......................................
حسبما تم الاتفاق في باحة التكية، توقعت "دليلة" أن تبقى مع عائلتها في منأى عن التهديدات الموجودة بالخارج، وذلك بالبقاء في إحدى الغرف المعزولة في هذا المكان الغريب، إلا أن كل ما فكرت فيه تبدد عندما وجدت نفسها خارج التكية، لتتساءل بشكلٍ عفوي:
-احنا رايحين فين كده؟
أخبرها "وهدان" وهو يستوقف إحدى حافلات الأجرة الصغيرة:
-هناخدوا مواصلة من إهنه وهوديكم عند بنسيون تبعنا.
فيما تساءلت "عيشة" في حزنٍ وهي تنظر إليه:
-و"فارس" يا عمدة؟ هنسيبه كده سايح في دمه؟ ده مالوش إلا احنا.
أجابها وهو يشير لها بالركوب في الخلف:
-معاه الرجالة، اطمني يا حاجة، هما مش هسيبوه.
دعت له بتضرعٍ، وهي ترفع بصرها وكفيها إلى السماء:
-ربنا يناجيك يا ابني وما يضرناش فيك.
جلس ثلاثتهن متجاورات في المقعد الذي يتوسط منتصف الحافلة، وسط بقية من عامة الشعب، لتميل "إيمان" على شقيقتها تهمس لها:
-أنا خايفة أوي يا "دليلة".
خفضت الأخيرة من نبرتها عندما حادثتها:
-وأنا مرعوبة أكتر منك...
لتنعكس على نبرتها، وكذلك تعبيرات وجهها أمارات الخوف وهي تتم كلامها:
-لو البلطجي ده وصلي أنا مش متخيلة ممكن يعمل إيه فيا.
أضافت "إيمان" في توجسٍ:
-ده مش طبيعي.
عقبت عليها في رجاءٍ:
-ربنا يستر من اللي جاي.
لتشرئب "إيمان" بعنقها للأمام، حتى تتمكن من الاقتراب من "وهدان" الذي جلس مجاورًا لسائق الحافلة، وسألته:
-معلش احنا هنطمن على ابن عمنا إزاي؟
قال في اقتضابٍ، وبوجومٍ متعاظم:
-ماخبرش.
أجبرتها "دليلة" على الاستلقاء بظهرها للخلف، واستطردت تخاطبها:
-مافيش داعي تسأليه، ده مايعرفش حاجة زينا.
في نزقٍ تشدقت "إيمان" قائلة:
-احنا حاجتنا موجودة في العربية.
ليأتي تعليق "دليلة" ساخرًا:
-وده وقته، هنروح نجيبها وسط العصابات اللي واقفة مثلًا؟!!
تقلصت أصابعها على هاتفها المحمول، وهمهمت مضيفة:
-كويس إن الموبايلات معانا.
لحظتها شاركتهما "عيشة" الحديث بقولها القلق:
-خير، على الأقل نعرف نطمن على ابن عمكم.
أومأت "إيمان" برأسها مرددة:
-أيوه، ربنا يعديه منها على خير.
....................................
غير عابئ بتعطيل حركة سير المرور، وإحداث أزمة فعلية، أوقف "زهير" سيارته في منتصف الشارع، ليترجل منها مسرعًا نحو التكية، حيث يتزاحم الرجال على مختلف جماعاتهم. اخترق الصفوف وتقدم نحو الأمام باحثًا عن تابعه "عباس"، ما إن أبصره حتى وجه إليه سؤاله المباشر:
-فين "دليلة"؟
أشار بيده نحو التكية مُجيبًا إياه:
-موجودة جوا.
أخفى "زهير" ابتسامة انتصار تلح للظهور على محياه، ليحافظ على جدية تعابيره وهو يخاطب من حوله بلهجةٍ غليظة معاتبة:
-أظن مش من الأدب إنكم تحجزوا مراتي جوا، أنا عايزها.
لم يبدُ "غيث" راضيًا عما يجري بأي حالٍ من الأحوال، فاستعراض القوة الزائف الذي يقوم به بتسليةٍ من أجل قهر الضعــاف أزعجه للغاية، لذلك بدا غير نادمٍ لتدخله في الحوار موضحًا للجمع الغفير:
-ومين جال إنها مَرَتك؟ على حد علمي إنها لسه ماتجوزتش!
التفت نحوه "زهير" وشمله بنظرة فاحصة مدققة، ليدنو بعدها منه بثباتٍ، ثم أكد له بيقينٍ مبالغ فيه:
-مراتي، وهكتب عليها دلوقت، وبحضور الرجالة اللي واقفة.
ليتحول ببصره بعدها عنه مخاطبًا "وهبة" في خشونةٍ وقوة:
-فينها يا "عُرباني"؟
رد عليه الأخير بنبرة موبخة:
-ليك عين تتكلم وإنت غدرت براجلي؟
تقوست زاوية فمه ببسمة مقتضبة، وأخبره بلهجةٍ لم تكن مريحة:
-في دي معاك حق.
دون أن يبدي ذرة ندمٍ واحدة، أشهر ســـلاحه الناري بعدما أخرجه من حزامه الجلدي الذي يرتديه أسفل سترته، صوبه نحو تابعه المطروح أرضًا، وأفرغ طــلقــة نـــارية في رأسه، ليلقى مصرعه في الحال.
صدم الرجـــال الحاضرين من ردة فعله العــنيفة، ولم يجرؤ أحدهم على الاعتراض، ليعيد تكرار مطلبه في هدوءٍ مريب وهو يعيد ســلاحه في جرابه:
-عايز اللي يخصني.
أبعد "وهبة" عينيه عن الجثة الملاقاة في باحة التكية ليُحادثه:
-تعالى معايا...
قبل أن يتحرك اشترط عليه:
-ولواحدك.
رفع "زهير" كفه للأعلى مُصدرًا أمره النافذ:
-استنوا يا رجالة هنا.
لحق به "عباس" محذرًا في توجسٍ:
-لأحسن يغدر بيك يا ريسنا، أنا مش مطمن.
سمعه "وهبة" فانطلق يعنفه:
-الغدر مش طبعنا يا واد الأبالســة!
حدق "زهير" في وجهه قائلًا بسمةٍ من الغرور:
-متقلقش يا "عباس"، أنا كفيل بيه.
ليتحرك بعدها في إثره، والحماس يملأه من رأسه لأخمص قدميه ليستعيد من ظنت أنها غادرت عريــنه ببساطة.
...........................
من الناحية الأخرى، استغل "غيث" الفرصة لينسل خلسة من بين الرجــال المنشغلين بالأحاديث الجانبية، فتراجع بخطواتٍ حذرة رويدًا رويدًا إلى الخلف، حتى تمكن من الابتعاد عن الباحة تمامًا، أسرع في خطاه إلى أن وصل إلى سيارته، تلقائيًا بحث عن سيارة "فارس" التي كانت تسد عليه طريق الخروج، وجدها مصفوفة على بعد عدة أمتار ومغلقة النوافذ، يبدو أن أحد أتباع "وهبة" قد حركها من موضعها ليتمكن من وضع سيارته بالقرب من المدخل، لاستخدامها في نقله إلى المشفى.
على الفور استقل خاصته، واندفع مبتعدًا عن الأرجاء، وهاتفه قد ألصقه بأذنه بعدما هاتف "وهدان". انتظر بأعصابٍ مشدودة رده عليه، ما إن سمع صوته حتى سأله:
-إنتو فين إكده؟
أتاه صوت الأخير محملًا بالإجابة:
-إقريبين من البنسيون إياه.
تنفس بارتياح لفرارهم في الوقت المناسب، وهمهم في جديةٍ:
-عظيم، جول للي هناك إن دول جماعتي من البندر، وخليهم تحت عينيك، مايغيبوش عنك واصل.
رد في امتثالٍ:
-حاضر يا بيه.
أنهى معه المكالمة، وألقى بهاتفه على المقعد المجاور له، ليركز نظراته على الطريق أمامه، ولسان حاله يقول:
-شكلي دخلت في حوار ماليش فيه، بس الحق عايز اللي ينصره!
................................
فتش عنها في كل زاوية وركن بداخل التكية، تضاءل أمله في الإمساك بها، وتعاظم بداخله إحساسه بالغضب والانفعال. التفت "زهير" ناظرًا إلى "وهبة" بعدما يأس من معرفة مكانها وممسكًا به من تلابيبه:
-راحت فين؟ انطق.
وضع "وهبة" يديه على قبضتيه ليزيحهما عنه مرددًا ببرودٍ:
-معرفش، أنا سايبها هنا.
اشتدت قبضتاه عليه أكثر، وهدر فيه يهدده باهتياجٍ:
-إنت هتعملهم عليا؟ ده أنا أنسفك.
بحركة احترافية تمكن "وهبة" من تخليص نفسه مستخدمًا ذراعيه، ووكزه بخشونةٍ في صدره محذرًا بلا تساهلٍ:
-لأ فوق لنفسك يا "هجام"، إنت هنا على أرضي، ووسط ناسي، ما يغركش الكام نفر اللي جايبهم يحامولك، في النهاية الكلمة كلمتي هنا، أنا كبير الناحية!
لمعت عيناه بشرٍ مستطير، وراح يخاطبه في لهجةٍ منذرة، وهو بالكاد يحاول كبح جماح نفسه لئلا يـقـــتله:
-تمام يا "عُرباني"، خليك فاكر إني ما بنساش اللي غدر، وما بسامحش في حقي.
بسط "وهبة" كفه أمامه ليطرده في برودٍ وعجرفة:
-شرفت يا "هجام"، زيارة الله لا يعودها.
محملًا بغضبه المكبوت، اندفع "زهير" نحو الخارج، ووجهه يشتعل على الأخير، ليتبعه "عباس" مستفهمًا في تعجبٍ مشوب بالحيرة:
-الله! فين جماعتك يا ريسنا؟
أجابه بزفيرٍ ثقيل، كأنما يجد صعوبة في وأد ما يعتريه الآن من مشاعرٍ محتدة وثائرة:
-مشي الرجالة يا "عباس".
في التو صفق الأخير بكفيه قبل أن يرفعهما هاتفًا بصوتٍ مرتفع وصل للجميع:
-شكرًا يا رجالة، الموضوع اتفض، نجاملكم في الأفراح إن شاء الله.
وأسرع في خطاه ليتبع "زهير"، وصوته الفضولي يسبقه في سؤاله:
-غدروا بيك يا كبيرنا؟
لم ينبس بكلمة مما أكد شكوكه، فاستطرد يضيف في حنقٍ:
-اتوقعت ده من ولاد الجنية، كلهم موالسين مع بعض.
دمدم "زهير" من بين أسنانه فيما يشبه القسم، والذي لا يمكن نقضه:
-مش هسيبها تعدي على خير.
تجاوزه "عباس" في خطاه ليقف أمامه معطيًا إياه ما بدا أقرب بالبشارة ليثلج صدره:
-اطمن يا كبيرنا، أنا بعت ورا قريبها اللي يراقبه ويعرف هما تواوه فين.
مــد "زهير" يده، وربت على صدغه مادحًا تصرفه:
-طول عمرك ناصح يا "عباس"...
لتعود تعابيره إلى القســـاوة الشديدة وهو يختتم جملته بما ينذر بالمزيد من الشــــرور:
-خلينا نشأر عليه، ما أنا كلامي لسه مخلصش معاه ......................... !!!!

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا