رواية لانه موسي الفصل السابع 7 بقلم ماهي احمد

رواية لانه موسي الفصل السابع 7 بقلم ماهي احمد

رواية لانه موسي الفصل السابع 7 هى رواية من كتابة ماهي احمد رواية لانه موسي الفصل السابع 7 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لانه موسي الفصل السابع 7 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لانه موسي الفصل السابع 7

رواية لانه موسي بقلم ماهي احمد

رواية لانه موسي الفصل السابع 7


مَاذا لَو أتَت لكَ الفُرصَه لِفعل شَيء كُنت تَنتظرُه مَنذ سِنين ؟
مَاذا لَو تَركتَ مشَاعرك تَقودكَ، فَسلّمت لهَا زِمَام الأمُور، ومَضيت خَلفها دونَ رَجعة ؟
مَاذا لو وَجدت نَفسك تُحدّق في عيون لا تَعرفها، لَكِنها بَدت مَألوفة ... كَأنك رأيتُها قَبل أن تُولد
هَل سَتُصدق الإحسَاس؟ أم تَتهم قَلبك بِالجنون؟
❄︎ 
أغلَقت السَيده "نَعيمه " صَنبور المَاء وَرفعت ذَقنهَا مُغمضه عَيناها تُنشف مَاء وَجهها وَأدرَكت فِي تِلك اللَحظه أنَ المَنزل هَادىء مِن ضَوضاء الشَباب ، دَخلت الى غُرفتهم وتَأكدت ظنونها بِأنهم قَد غَادروا المَنزل فِي وقتٍ مُتأخر كَهذا ، مَدت خَطواتها الَى غُرفتها تَفتح البَاب بِتذَمر
" شوفت ، شوفت عيالك يانصار " 
أنتَفض الحَاج " نصار " مِن نَومه بِفزع ، تَدور عَيناه يُمنه ويُسراه قَائلاً بِنبره تَشوبها القَلق
" ايه في ايه .. العيال جرالهم حاجه " 
القَت المنشَفاه مِن عَلى كَتفها عَلى المَقعد الخَشبي
" قوم ، قوم يا راجل شوف عيالك الساعه داخله على اتنين بعد نص الليل وعيالك مش فيه يانصار"
قَالتها وَهي تَجلس عَلى المَقعد والقَلق يَنهشها مَن الدَاخل 
أطلَق هوَ تَنهيِده مِرتَاحه وَسوداويتُه تُعاتبَها مِن خَلف نَظارتُه التى قَد أرتدَاها لِلتو 
" لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم " 
أشَار بِيديه عَلى السَرير بِجواره 
" تعالي نامي يانعيمه ، تعالي نامي ربنا يهديكي " 
رَفعت رأْسها أثَر نِداءه ليَسقط بَصرها عَلى هدوءة 
أقتَربت مِنه والغَيظ يَعتليها بِسبب نَبرتُه الهَادئه تِلك 
" أنام !! 
" انتَ ياراجل أنتَ ما بتخَافش على عيالك ، بقولك عيالك مش في البــيــت تقولي تعالي نامي " 
عَقد حَاجبيه لِغرابة مَا تَقوله رافِعًا الغِطَاء مِن عَليه بِتذمر وَاضح عَلى ملامحُه ، نَزل مِن عَلى فِراشُه يتجَاوزها ، وأوقَفته هي بَحديثها 
" خد ياراجل انا مش بكلمك " 
تَوقف يَضرب يَدهُ بيَديه الأُخرى التَفت اليَها يَقترب مِنها مُدلكًا صِدغيه
" عايزاني اعمل ايه ، اروح امسك مكرفون وامشي في الشارع واقول ياناس ياخلق ، عندي خمس عيال شحطه قد دلفه الباب اصغر عيل فيهم ييجي ٢٢ سنه خرجوا كلهم سوا من البيت ولسه
مارجعوش"
وَجه سؤالُه نَحوها وَهو يَتوقع أجَابتها ، يَعلم مَا سَتقوله أو رُبما ما سَتفعله فَهو يَحفظ جَميع افعَالها عَن ظَهر قَلب 
" اتريق ، اتريق ..اتريق ياخويا اتريق ..ما هو ده اللي انتَ فالح في " 
أشَارت بِأصابعها عَلى فُؤادهَا 
" ما انا اقول ايه ، قلبك حجر مش بياكلك على عيالك " 
طَالعها وَهي تَستند بِجَانب النَافذه وَنسيم الهَواء يُبعثر تَصفيفة شَعرها ، أتَى بِحجابها الَذي وَجدهُ بِجواره يَمد كَف يَدهُ بِقول 
" خدي ماتقفيش في الشباك بشعرك "
أذ تَبسمت بِخفه وَهي تَأخذُه مِنه ، وكَأنها تَسخر مِن شىءٍ ما 
" شعر ايه ياراجل هو انا عاد فيا شعر " 
التَقطت مِنه الايِشارب تَربطُه عَلى رأْسها 
" ما خلاص كله راح والشعر الابيض اتنطور في كل حته " 
جَلست عَلى المَقعد أسفَلها تُشير الىَ اسفَل ظَهرها 
" فين ، فين ايام ما شعري ده كان لحد هنا ، وتقيل وسايح ونايح " 
تَنهدت بِحسره عَلى مَا مضَى 
" بس الزمن بقى يلا ، هنقول ايه كله راح " 
اقتَرب يَجلس فِي المَقعد المُجاور لَها وَحدقتيه تُطالِعها بِأستمتَاع 
" هو ايه ده اللي راح يا أم لقمان ، ايه رأيك بقى انك كل ما تكبري كل ما تحلي في عيني زياده " 
ضَحكت بِخفه ضَربتُه عَلى كِتفهُ مُداعبه
" ياراجل ما خلاص بقى ، انتَ لسه فيك حيل للكلام الحلو " 
فَتح الدَرج القَريب مِنه بِأنسيابيه هَادئه يُخرج مُنه عُلبه مُغلفه بِكيس أسوَد ، تَطلع اليَها ثُم مَد يَدُه بِها نَحوها 
قَطبت السَيده " نَعيمه " حَاجبيها تَتصنع الفِضول والدَهشه 
" ايه دي " 
وَضع العُلبه فِي حِجرها بِحركهٍ يَعرف أَنها سَتَفهمها، ثُم نَظر إِلَيها نَظره مَنِ اعتاد أَلّا تَنطلي عَلَيه الحِيَل الصَغيره
"أيوه، أيوه... استَعبَطي، استَعبَطي، ما إنتِ عَارفه يانعناعَه إيه دي"
ابتَسَمت كَأنها طِفلَه تَمسك بِهَديه طَالَ انِتظارها، وَبدأت تَفتحها بِشَغف ظاهِر عَلى مَلامِح وَجهها
"والله أنا قلت نسيت السنه دي... حتى تلاقيني ماعرفتش أَنام"
أومَأ بِرَأسه بِبُطء، وَصَوتُه يَقطُر حَنانًا:
"ايوه قولي بقى انك ماعرفتيش تنامي قبل ما اديكي هديتك مش عشان العيال مش في البيت " 
أصدَرت صَوتٍ بِجانب فَمها بِدلال 
" لاء ما هو اصل ..
بَتر حَديثها بِأزدياد قُربُه مِنها 
" لا أصل ولا فصل وأنا أَقدر بَردُه يانعيمه ماجبلكيش هدية عيد ميلادك .. كُل سَنه وإنتِ طَيبَه يا ست السِتات"
حينَ لَمَحت زُجاجه العِطر الَّتي تَعرفها جَيِّدًا، ازداد بَريق عَينَيها
وَضَعت القَليل مِنه عَلى يَدها، وَرَشَّت بِفَرحه لَم تُحاول كَتمانها
"طَيب والله... ده أجمَل عيد ميلاد عدى عليا يا نصار .. رَبنا ما يحرمني منك أبدًا... ولا مِن دخلتك عليا"
وَضَعت الهَديه بِجانبها، ثُم تَوجَّهت نَحو خِزانتها، أَخرجَت أَسوَره ذَهبيه وَارتَدَتها كَأنها تُحيي ذِكرى
"بص... بص موسى جابلي إيه عشان عيد ميلادي"
كَانَت عَيناها تَلمَعان بِفَخرٍ لا يَخلو مِن حَنان الأُم
"عمره ما نسي عيد ميلادي أبدًا ، حتى لو مسافر بيبعتلي هديتي مع ابن عمه"
انقَبض صَدره فَجأه، وحَاول أَن يَخفِي مَا راودهُ، لَكن تَعبير وَجهه خانُه
اقتَرَبت مِنه وَجَلَسَت، تَسأله بِهُدوء:
"مالك يا نصار ، أَنا قلت حاجه ضايقتك"
رَدّ بِصَوتٍ خافِت، وَكَأن الكَلِمه تَخرُج مِن مَكانٍ بَعيد:
"أنا عارف إني بقالي كام سنه ما بجبلكيش هديه دهب زي زَمان"
قاطَعَت كَلماتُه بِإشارهٍ مِن يَدها، وَعَينيها تَلمَع بِصِدق لا يُشترى:
"ما تكملش، ما تكملش يا نصار... دهب إيه وزفت إيه ..ده إنت عندي بكنوز الدنيا وما فيها
يا جوزي وراجل عمري وأخويا وسندي"
ثُم رَفَعت زُجاجة العِطر أَمامه، تَبتَسم وَكَأنها تُصدِّق كُل كَلِمه:
"والأُزازَه دي عِندي أَحسَن مِن أَلف أَسوره وَغُويشه...
إخس عَلَيك يا نَصار، أنا أَبُصّ لِدهب وكلام فاضي زي ده "
ضَحِك، أَخيرًا، تِلك الضَّحكه الَّتي يَعرف أَنها تَخصّها وَحدها:
"أصيله... طُول عُمرِك أَصيله وَبِنت أُصول يا نَعيمه"
.
.
.
.
مَجلس تُحاوطه الميَاه مِن كُل جَانب يَقع جِوار أحد الجسُور بِمنطقة حَوض الدِرس .. السَاعات الأولى مِن الصَباح سَاعة الشِروق والهَواء يُحرك الأشجَار هُنا وهُناك ، شَعروا بِه يُحركَهُم مَعهُ ، يَقفون فِي دائِرة صَغيرة، وَكُل وَاحد مِنهُم يُمسك بِكوب شَاي بلاستِيكي بَين يَديِه الجَو بَارد، والأنفَاس تَخرُج مِن أفواهِهم عَلى هَيئة بُخار خَفيف، يَظهر ويتَلاشى بِسُرعة مَع نَسمات الصَباح ، فَرك "نوح" كَفيه بِبعضهما البَعض حَتى يَستمد مِنهُما الدِفىء قَائلاً
" هو ده ياسى موسى اللي هعشيكوا في عم جوجل وبتاع .. اخرنا نقف على الكوبري بكبايه شاي " 
ضُم "موسى " سُترته عَلى صَدره ، وارتَشف مِن كُوبه بِملل يَشير الِيه بِرأسُه 
" مش ذنبي ياسيدنا ، مش انتَ اللي فضلت تُرقص على الكُرسي ساعتين ، وكل اما اقولك يلا يانوح عم جوجل هيقفل تقولي استنى شويه لحد اما قفل" 
أَخرج "طه " كَعكه صَغيره مِن جَيبُه ليَخرِس صِراخ مَعدتُه ، وَوسط فَتحهُ لَها نَبس نَحو " نوح " الَذي يَستمر بِتبادل نَظرات لَاذعه صَوب " موسى " الذي يَزفُر فِي أنزِعاج 
" ما خلاص بقى يلا مالك ، واخدها على صدرك كده ليه ، المهم قضينا شوية وقت حلوين سوا " 
مَد "أنس" كَف يَدُه اليِه طالبًا 
" ماتجيب حته مولتو ياض ياطه " 
اقتَطع "طه" جُزء صَغير مِن خَاصتُه يَعطيهُ لهُ قَائلاً 
"فاكرين يارجاله لما كنا بنيجي هنا واحنا صغيرين ونقعد نتنطط على الجسر ده وفاكرينه بحر " 
اعتَرض " لُقمان " قائلاً
" ياعم ماتفكرناش بقى كانت ايام زباله زيكم " 
ابتَسم " أنس" وَسط مَضغُه لِلكعكه بِفم مَفتوح 
" ط..طب فاكر يلا انتَ وهو ، لما كنا بنبقى عايزين ننزل في المايه يلا والولا بِشر قلع هدومه وكان عايز يُنط " 
اشمَئز " لُقمان " مِن طَريقه حَديثُه هَكذا 
" ابلع يلا الاكل اللي في بوقك تك الأرف شوفنا البلعوم " 
فَتح "أنس" فَمُه أكثَر نَحو " لُقمان "
"اكشفلي على بلعومي يسطا " 
ليَثير استِفزازُ "لقمان " أكثَر قَائلاً 
" يسطا ماتخلنيش امد ايدي عليك ، هضربك وربنا" 
ليَلفت "بِشر " انتبَاههم بِحديثُه 
" اعمل لابوكم ايه ، ما انتوا عارفين عمري ما روحت مصيف وببقى عايز ابلبط ، حُرمت يعني ولا حُرمت " 
رنَّ هاتف "نوح" فجأة، فأخرجُه مِن جَيب بِنطالُه بِنفاد صَبر، ومَا إن عَلم هِوية المُتصل حَتى عَبس وَجهه 
جَذب "موسى" السيجَارة مِن فَم "نوح " أخَذ نفسًا طويلًا وحِين أخرَجها مِن بَين شَفتيه، تَطاير الدُخان فِي الهَواء ، وقَال يلوّح بِسيحارتُه
"ماترد ياسيدنا ، ماتصدعناش، دي عاشر مرة التليفون يرن"
تَجاهل "نوح" حَديثُه وهو يَشيح بِوجهه لِبشر :
"خُد يسطا، قولها أي حاجه"
رَفض "بِشر"، سَائلاً
"مين فيهم دي يسطا"
أشَار "نوح" بيِدهُ وقَال دونَ رَغبة فِي الحَديث 
"هتفرق معاك انهه فيهم ، يلا انجز"
هزّ "بِشر" رأْسُه رافضًا، ورَفع كفّه فِي الهَواء 
"لا يا عم، ماليش في"
نَاول "نوح" الهَاتف إلى "آدم"، الذِي بَدا عَليه التَردُد، مُمسكًا بِالهَاتف بِنظرات حَائرة
"آه بس، أقولها إيه"
دسّ "نوح" الهَاتف في يِدُه.
"ياعم قولها اي حاجه ، اقولك ، قولها إني مُت"
فَتح "آدم" الاتِصال بِصمت، والأنظَار كلّها مُثبتة عَليه، انتظارًا لردّ فِعله
ابتَسم بِخجل وَهو يَومئ بِرأسُه، وقَد ظَهر عَليه الارتِباك، ثُم قَال بِصوت خَفيض:
"الوو 
انتَظر لِثواني حَتى يَجيب 
لأ... أنا، أنا مش نوح"
استَمع لِسؤال الجَانب الأخَر ثُم أضَاف :
" هو بيقولك إن... إنّه هو مات"
انفَجر الجَميع في ضَحكٍ مَكتوم، ورمَقُه "نوح" بِدهشة غَير مُصدّق
نَاوله "آدم" الهَاتف بِخَجل، وهَمس وهَو يَشيح بِوجهه:
"مش عارف أنا... مش بعرف أقولها إيه"
تَقدّم "موسى"، وأخَذ الهاتف مِنهُ وهَو يُطفىء السيجَارة تَحت قَدمهُ ، ثُم قرّب الهَاتف مِن أذُنه وقَال بِنبرة هَادئة:
"أيوه يا بنتي..."
صَمت قليلًا كأنّه يَستمع
"ايوه للأسف ، الخبر فعلاً صحيح... إحنا بندفنه دلوقتي"
تَبدلت نَبرته، ثُم أضَاف بِلا تَردُد
"أنا مين؟ أنا...انا أمه"
انفَجر الجَميع فِي ضَحك هِستيري، حَتى "نوح" لَم يَستطع تَمالُك نَفسُه، غَير قَادر عَلى التَوقف مِن كَثرة الضِحك 
.
* . .
❄︎• 
*
•.
❄︎.
.
❄︎
.• ❄︎
هَذه الأمسِيه لَيست لَطيفه لِلبعض فَهُناك مَن يُجافيه النَوم ، تَأخرت "شَيماء" اليَوم فِي مَوعد الرُقاد بِسبب تَفكيرها الزَائد فِيما حَدث تَتَقلب عَن يُمنها ويَسارها عَلى الفِراش ، زَفرت شَقيقَتها "فاطِمه" بِنعاس واضِح بِنبرتها 
"يــــــوه ، ما تتهدي بقى ياشيماء مش عارفه انام"
لِتجدها تَنظر لِساعة رِسغها توَجه حَديثها لَها 
" قومي يافاطمه بقى الله يكرمك ، خلاص الساعه بقت خمسه الفجر ، يادوبك عشان تروحي شغلك"
قَابلت شَقيقتها طَلبها بِأعتراض
" شغل ايه ده ياشيماء اللي هصحاله الفجر حرام عليكي ، اقفلي الستاير دي عايزه اتخمدلي شويه بفضل واقفه في المحل طول النهار على رجلي عايزه ارتاح " 
لَجأت "شَيماء" لِلصمت أَثر شعورهَا بِالأنهَاك الفِكري طوَال اللَيل ، لاَحظت شَقيقتها مَدى حِيرتها ، أعتَدلت بِجلستها تُدحرج بَصرها سَائله
" مالك ياشيماء ، فيكي ايه من وقت اما جيتي أنتِ ولقمان وانتِ ساكته ، حصل حاجه هناك " 
طَالعتها بِنظرات مُلامه 
" تاوك لما افتكرتي تسأليني ياختي " 
تَنهدت " فاطِمه " بِملل تَدعك عِينيها بِثقل 
" ما انا لو كنت سألتك اول ما جيتي ياشيماء مكنتيش هتقوليلي ، وهتقوليلي مافيش .. زي كل مره ، سيبتك لما تجيبي اخرك خالص ، وتبقي حاسه انك عايزه تحكي ، ويلا بقى احكي بدل والله اسيبك وانام " 
دَحرجت مِقلتيها فِي أغتِياظ مِن سُخريتها حَتى في مِثل هَذه الاوقَات وَهي لاَ طَاقة لَها بِمُجادلتها 
فَقالت دُفعه وَاحده
" موسى سمعني النهارده وانا بكلم سمير وبقوله على الواد اللي اعجب بيا في الفرح بتاع اخر زبونه ويديله رقمي وياريت مايبقاش زي اخر واحد " 
شَهقت شَقيقتها بِصدمه تَضرب بيَديها عَلى صَدرها بِفزع 
" يانهار ابوكي مش فايت وبعدين عمل ايه لما سمع كده " 
أرَادت النّهوض لَولا امسَاك شَقيقَتها بِذراعهَا الحُره 
تَسألها وَسط شِعورها بِالأحتراق والانزِعاج
" تعالي هنا رايحه فين ، ماتنطقي موسى عمل ايه لما عرف ، قال للُقمان ولا حصل ايه ، ماتفهميني "
أزَاحت ذِراعها عَنها بَعدما نَزلت مِن عَلى الفِراش بِعيون مُشبعه بِالقلق 
" المصيبه يافاطمه انه ماقالش ولا فتح بوقه ، انا اللي ادلقت وخريت بكل حاجه زي الجردل ، حسسته اني عامله عمله 
جَلست عَلى المَقعد مُقابلها بِغيظ تَضرب بِكف يَدها عَلى ساقِها بِقوه تُضيف
عارفه ، عارفه لو كان قالي مثلاً ، أنتِ ازاي تعملي كده ، او حتى غِضب ، صوته بقى عالي عليا 
لَكن ده مافيش يابت 
طب حتى يروح يقول للُقمان ، يعمل اي حاجه يافاطمه ، اي حاجه ، كنت هرتاح لكن ده سكت بصلي حتة بصه ، اللي ينشك في عيونه الواسعه دي وسابني ومشي
رَفعت أبهَامها تَستردف 
مقالش غير كلمه واحده بس يابت 
قَطبت "فاطِمه " حَاجبيها بِفضول 
" ايه هي " 
قَضمت "شَيماء" شَفتيها بِغيظ سَاخره مِن نبرتُه
" قال ايه ، اتنفسي .. ايه اتنفس دي 
ابتَلعت ريقها بِخنقه 
"ما انا برضوا الغلطانه يافاطمه انا اللي اول ما شفته زي ما يكون شوفت عفريت ، ركبني الرعب ومابقيتش قادره اقف على رجلي وسابني اضرب اخداس في اسداس ، وكل دقيقه ابص في الموبايل اشوف لقمان باعتلي حاجه ، طيب ياترى هيقوله ايه" 
وَضعت كَفيها عَلى رأُسها بِتذمُر 
"بولـــيكه ، بولـيكه يابت في دماغي قد كده اهوه، تفتكري يافاطمه هيقوله "
أنهَت حَديثَها وبَقيت تُحدق بِشَقيقتها تَنتظر أن تَنبس بِأي شَيء تُطمئنها بِه ، صَمتت "فاطمه" لِثواني تَقضم شَفتيها تُحاول التَركيز قَائله 
" تؤ ، مافتكرش ، موسى أذكى من كده " 
اقتَربت مِنها وفضولَها يَسبقها 
"ليه ..؟" 
جَلست " فاطمه " عَلى طَرف الفِراش 
"هقولك ليه مش هيقوله ، اولاً موسى عارف ومتأكد لقمان بيحبك قد ايه ، وهو شخص هادي وراسي بيفكر في الحاجه قبل ما يعملها " 
أشَارت "شيماء" بِرأسها بِالأيجاب 
"ايوه انتِ صح مش متهور لاء " 
ضَربت "فاطِمه " بِكف يَديها الأثنَتين 
"شوفتي بقى يعني لو كان زعق او حتى ناده على لقمان ، عارفك بجحه وكنتي انتي وقتها هتتحججي بأي حاجه وهتكدبيه وهتقولي انه كداب وبيكدب ومحصلش 
وانه بيعمل كده عشان هو بيكرهك ومش عايز جوازك من لقمان يكمل ، وعشان عارف لقمان بيحبك قد ايه فكان ممكن يخسره قصادك وهو لا يمكن يخسر لقمان مهما حصل "
"يابنت اللعيبه تصدقي صح كلمته قصاد كلمتي ، وانا لساني طويل مكنتش هسكت " 
قَالتها "شيماء" بِنبره هَادئه تُناقض زَعزَعتها مِن الدَاخل ، أردَفت وَفوضى مِن المشَاعر تُخالجها 
"طيب والعمل ، ما هو برضوا مش معقول يافاطمه هيسمعني وانا بدي رقمي لواحد تاني وهيسكت اكيد يعني هيعمل حاجه ، ماتعرفيش هيعمل ايه"
طَالعت " شيماء " وَهي تَذم شَفتاها وَالضيق يَتفشى بِها ، لِتقرر مُراوغتها قَليلاً 
" طيب وانتِ مالك قلقانه كده ليه ، ما يعمل اللي يعمله أنتِ مش بتقولي انك عايزه حد غير لقمان ، يتحكم ، ويؤمر ، وينهي ، ويبقى معاه فلوس " 
اومَأت "شَيماء " وَقد أدرَكت صِحه كَلامها لِلتو ، أردَفت وَهي توجه خَطواتها نَحو الفِراش بِنبره مُنكسره
" انا مش هقدر انكر اني نفسي بجد في واحد يبقى هو الأمر الناهي في حياتي "
تغَيرت نَبرتها بِحده 
" بس الاهم من ده كله انه يبقى معاه فلوس ، عربيات بقى وفساتين ، وسهرات ونطلع من ام حي الكويت اللي عايشين فيها دي " 
تَنهدت حيِن ذَكرت 
بس برضوا اللي عملوا لقمان معايا مايتنسيش انا بحب لقمان ، ولقمان لي فضل عليا كتير ، وياما وقف معايا وسندني ، بس مش عايزه اعيش في الفقر فهماني ، فاهمه عايزه اوصلك ايه " 
أشَارت " فاطمه " بِرأسها نَافيه 
" لا ياشيماء انتِ مابتحبهوش ، اللي بيحب حد بيخاف يجرحه وانتِ معندكيش اي مشكله انك تجرحي لقمان ، اول بس ما تلاقي عريس غني يرضى بيكي مش اكتر ، هتسيبيه وهتسيبي دنيتك واهلك وناسك عشان حلمك اللي زيك ما بيحبش غير نفسه وبس ، لو بتحبيه بجد مكنتيش دورتي على غيره وتروحي افراح علشان واحد يشوفك ويعجب بيكي وياخد رقمك وتوقعيه زي ما بقالك اكتر من سنه بتعملي كده ومافيش نتيجه 
لاء وكمان بتشتغلي من وراه في الكوافيرات ومفهماه انك شغاله في كول سنتر ، مافيش حد بيحب حد بيعمل كده ياشيماء ، فوقي ياما " 
نَبست ويَدها تَعبث بِخصُلات شَعرها 
" يـــــوه ، انتِ هتديني خطبه أنتِ كمان ، سيبك من ده كله دلوقتي ، تفتكري موسى هيعمل ايه في ليلتي الهباب دي " 
نَبست "فاطمه " وهي تُتابع الفَراغ وكَأنها تُرتب أفكَارها 
" مــــم ، مش عارفه بس اللي اعرفه خللي بالك من خطواتك اليومين اللي جايين دول " 
تَنهدت "شيماء" بِأنزعَاج 
"ربنا يُستر " 
•٠ • . 
•٠
حِلو اوي شوية الهوا دول مع شروق الشمس ، لاء 
جو رومانتيكي ، رومانتكي يعني 
نَبسَ بِها " نوح " مُنهكاً وَهو بِالكاد يَستطيع تَحريك عَضلة لِسانُه يَنظر لِلسماء أمامُه ، بَينما أشَار
" أنس" بيَديه عَلى مَقهى مَفتوح قَائلاً
" دي كافتيريا " كنكه " فاتحه هناك اهيه ماتيجي نجيبلنا ساندوتشين ولا حاجه "
رَطب " لقمان" حَلقُه لِجفاء نَبرتُه ونَبس بِنبره ثَابته 
" انتَ مجنون يلا ، انتَ عارف كوبايه الشاي في كافيه كنكه بكام ب ١٥٠ جنيه "
طَرفت عَين " موسى " فِي استِغراب 
" ليه الشاي بالكاتل ولا ايه " 
ابتِسامة " ادم " كَانت تَتسع شَيئاً فَشيئاً مَع كُل كِلمه تَخرُج مِنهُم يُذكرهم بِما مَضى 
" فاكرين لما كنا بنيجي هنا زمان وكنا كلنا ، كلنا بنحلم ان يبقى عندنا كافيه زي كافيه كنكه كده 
وكلنا نشتغل فيه وانا افتح ركن فيه للكتب عشان اللي بيحب القرايه " 
هَز الجَميع بِرأْسُهم ايجَاباً ، أطلَق " أنس " تَنهيده مُره تَخرج مِن بَين رئتيه وقَد غَمُره الحَنين 
" وانا كنت بقول هطلع طباخ ، وهبقى الشيف بتاع 
الكافيه وهعمل كل الاصناف الجديده اللي ممكن حد يفكر فيها " 
تحرّكوا معًا، خُطواتهم تَسير عَلى نَفس النّسق، حَتى قَال "بشر "ضاحكًا:
"لاء، وانا كمان حلمت معاكم إني هبقى الجرسون اللي بيقدم الطلبات، والله كانت أيام حلوة يا جدع"
التَفت "موسى" إلىَ "لُقمان" وقَال لهُ
"وانت يا لقمان، فاكر كان نفسك تشتغل إيه في الكافيه اللي كنا بنحلم نفتحه "
ابتَسم "لُقمان" بِشرود، كأنّ الذِكرى تُحاوره دَاخلهُ
"فاكر.. إلا فاكر يا بني.. انا كنت هفتح جزء منه لصالة الچيم، علشان اللي يطلع من الچيم يروح يشرب حاجة ويقعد في الكافيه بتاعنا"
قَاطع "نوح " شِروده:
"وانا كنت هبقى بتاع الحسابات، المسؤول الوحيد الأوحد، وكنت هظبّط المكان حتّة تظبيطه "
نَبس "طه " ، وَهو يُشير إلى نفسِه:
"انا الوحيد اللي مكانش ليا مكان في حلمكم ده، عشان كان نفسي أطلع دكتور، ورسيت على مجموع صيدله في الاخر "
أشَار "انس" بيدَيه وهَو يَقول:
"يا عم احمد ربنا، انت الوحيد اللي قرّبت من حلمك، على الأقل... بص كلنا بقينا فين دلوقتي، ومحدّش مننا حقق حاجه "
قادَتهُم أقدامِهم دونَ قَصد، وفَجأه وَقفوا أمَام المَقهى الذي طَالما حَلموا بِشرائه، وَقلوبَهم تَخفق بِالحَنين، كَأنهُم صُغار بِأحلامهم البَريئه
نَظر "موسى" إليهُم، وَهم يُحدّقون فِي حَلمهُم المُشترك، فَقال "لقمان" بِهدوء
"الظاهر إن في حد اشترى الكافيه اللي جنب كافيه " " كنكه " ده بعد ما كان مقفول من سنين"
تَقدّم "موسى" خُطوة، وقَد اختَلطت في ملاَمحُه لَمعة الذِكرى بِرغبة جَامِحة فِي الهِروب مِن الصَمت، ثُم قَال، يُخاطبهم كَمن يَنفخ فِي جمرٍ خَامد
"حد لسه فاكر الأغنية اللي كنا بنقولها لما كنا بنيجي هنا"
جَاء الردّ كالسَهم، واحدًا موحّدًا:
"لا مش ناقصه خالص "
تَعالت الأصوَات فَجأة، كَأن التَعب قَرر أن يَنطق بِلسان الجَميع
"أنا عايز أروح، مش قادر، هموت وأنام."
وَقف "موسى" أمَامهم، كَمن يَستجدي لَحظة حَياة مِن تَحت الرُكام
"ياسيدنا كلنا هنام والله ، بس عشان خاطري... كنا بنغني نقول إيه بقى"
كَان الهَواء قَد ازدَاد بِرودة ، لَمح "لُقمان" نَظرة "موسى" ، وَرأْى فِي عينِيه وَميض الحَنين ، أخرَج يَدهُ مِن جَيب سُترته ، وبَدأ يُصفّق بِبطء، ثُم تَمتم، وقَد سَكن المَلل صَوته
"أرش الماية على الحيطة... تطلع كتاكيت وفراخ بيضا... أبقى أنا كداب"
التَفت "بشر" ، وَقد لَمح لَوحًا خَشبيًّا مُلقياً عَلى الأَرض، اثنَى جَسدُه ، أخرَج عُود ثِقاب مِن جُيبه، وأشعَله. 
أحَاطوا جَميعًا بِذاكَ الَلهب الصَغير، يشكّلون دَائرة كَأنها مَأوى لحلمٍ قَديم.
صفّق "آدم" أولًا، وَحدُه، ثُم نَطق كَمن يَوقظ الطفولَة
"اللاء، اللاء..."
شَجّعهم "موسى" ، يُصفّق ويَضحك:
"يلا، يالا انت وهو "
ردّوا بِصوتٍ وَاحد، لَكنهُ مُتثاقل
"اللاء، لاء."
ردّد "لُقمان "، وصَوته هَذه المرّة أقلّ ترددًا
"أبقى أنا فشار"
أجَاب الجَميع، كَأن الكَلمات بَدأت تُخرجهم مِن صَقيع النِسيان
"اللاء، اللاء"
رَفع " أنس "يَدهُ، وابتَسم كَمن دَخل فِي حالةٍ كَان قَد نَسيها 
"أحمد مظهر قبل ما يظهر، كان شغال عندنا في الأزهر... أبقى أنا كداب"
ردّ الجَميع، والتَصفيق يَعلو
"اللاء، لاء.. "
"أبقى أنا فشار"
تسَارعت النبَضات، وارتَفع التَصفيق أكثَر ، قَال "طه" بِصوته الذي كَاد يَخنقهُ الضِحك
"طب فاتن حمامة وهي علامة، كانت شغالة عندنا خدامة... أبقى أنا كداب"
اشتَعلت الضِحكات، واختَلطت التَصفيقات بهتافٍ حماسيّ
"اللاء، اللاء"
"أبقى أنا فشار"
غَمز لهُ "أنس " بِطرف عيِنيه مُمازحاً وَسط أصوَات التَصفيق العالي 
"ياواد يابتاع فاتن حمامه انت " 
بَينما فِي نَفس اللَحظه يُردد أشِقائُه خَلفهُ
"اللاء، لاء"
التَفتوا جَميعًا نَحو "آدم" كَان الدَور قَد وَصل إليِه نَظر حَوله، شَعر بارتباكٍ صَغير، لَكنهُ نَطق بِها ، وابتِسامة بَريئة تَرتسم عَلى شَفتيِه
"محمود المليجي قبل ما ييجي، كان شغال عندنا ميكانيكي"
ضَحك مَعهم، نَظر إليِهم واحدًا تِلو الآخر، ثَم اقتَرب مِنهُ" موسى"، وَضع يَدُه عَلى رأْسُه بِمودّة، ثُم ابتَعد سَريعًا ، هَتفوا كُلهم فِي نَغمةٍ واحِدة
"اللاء، اللاء"
نَهض " نوح " بِحماسهُ الطفوليّ، وَهو يُصفّق ويُحرّك جَسدُه كَمن عَاد لِمرحهُ القَديم
"وأنا أبويا حارب الهكسوس، وهو راكب على الجاموس..."
"أبقى أنا كداب"
تَعالت الضِحكات، وعَلت الأصوَات
"اللاء، اللاء"
وأشَار "نوح" إلَى نَفسِه بِفخرٍ 
"أبقى أنا فشار "
أشَار الجَميع بِرؤوسهم بِالأيجاب 
"اهـــا ، اهــــا "
ضَحك الجَميع فِي أنٍ وَاحد معًا ، طَالعهُم " نوح " يَتوعد لَهُم 
وفي لحظَةٍ واحدَة، سكنَت العيونُ على "موسى" كانَ الدورُ له، لفَّ الكوفيَةَ حولَ عنقِه، ونظرَ أمامَه، عيناهُ تستقرُّ على المَقهى القديمِ، ثُم بَدأ يُصفّق عَاليًا يُتمتم 
"انا شوفت في مره عيال شقيانه، تتمنى يوم تبات شبعانه .. "
كانَ الصمتُ قد بدأ ينسلُّ بينَ ضحكاتِهم، والدفءُ الخفيفُ الذي صنعَتهُ الأغنيةُ القديمَة بدأ يخفت، حينَ خطا "موسى" خطوَةً إلى الأمامِ، وابتسامَةٌ غامضَة ترتسِم على ملامحِه وهو يُكمِل بصوتٍ فيهِ حنينٌ بعيدٌ، كأنما يخرُج من زمنٍ آخر
" ابقى انا كداب" 
توقّفَت الأيدي عن التصفيقِ للحظَة، التفتَ الجميعُ إليه بدهشَةٍ غامضَة، لا يفهمونَ ما يقصِد، لكنهم، كما لو أنّ الألفَةَ وحدَها تقودُهم، ردّوا بصوتٍ واحد
"اللّا، اللّا...
ثم تابعَ، بنفسِ الإيقاعِ، لكن بصوتٍ أكثرَ دفئًا
"كنا صغار... نحلم بكافيه
بنرسم خطّ... ونمشي عليه .. ابقى انا كداب"
أشَار بِيدهُ عَلى صَدرُه وكَأنهُ يَسألهُم ، لاَ يُغني فَقط 
" ابقى أنا فشار"
تَبادلوا النظراتِ فِي حيرَة، بَينما ظلَّ "موسى" واقفًا مكانَه، عيناهُ تلمعانِ بنورٍ من نوعٍ خاص
سكنَت اللحظَةُ فجأَة، خفَتت الضحكاتُ، توقّفَ التصفيقُ، كأنَّ الزمنَ كلَّه قررَ أن يتوقفَ ليُنصِت
توقّفَ "موسى" عن التصفيقِ، ونظرَ إليهم نظرَةً غَامِره بِالحنين ، كأبٍ يهمسُ بسرٍّ لِمن كبروا أمامَه، وكأنّه كانَ ينتظرُ هذه اللحظَةَ منذُ زمنٍ بعيد
ثُم قالَ بهدوءٍ شديدٍ، فيه شيءٌ من الفخرِ، وشيءٌ أكبرُ من الحبّ
"سافرت بلاد... وشقيت سنين
واتحقق الحلم .. اللي شاورتوا عليه"
ومعَ كلماتِه الأخيرة، أشارَ بيدِه إلَى المَقهى الَذي كانَ يَقفُ خلفَهم، ذاكَ المكانُ الذي لطَالما حَملوه جَميعًا فِي خيالِهم، كصورَةٍ بعيدَة، كحلمٍ لا يأتي
نَظروا حَيثُ أشَار، ثُم إليِه، ثُم إلى بَعضِهم البَعض، وكلُّ شيءٍ فيهم تغيّر
صمتٌ كثيفٌ غلّفَ الهواءَ، كأنَّ الزمنَ نفسَه قد تجمّد، يخشَى أن يُفسِدَ تلك اللحظَةَ بكلمةٍ زائدَة
تحدّثَ "لقمان" بصوتٍ مبحوحٍ من فرطِ التأثّر، وعيناهُ تلمعانِ بدمعَةٍ ثقيلَة
"لّا... لّا .. أنتَ تقصد ايه يسطا عشان مش فاهمين"
خَطا "أنس" خطوَةً أخرى، يتأمّلُ وجهَ شَقيقُه ، وأردفَ بنبرَةٍ هَامِسه ، تُكابرُ الانفعال
"يعني إيه ، بتشاور على الكافيه ليه يسطا ... مش فاهمك وربنا"
لَم يَجب "موسى" فِي الحَال
تجمّدَ في مكانِه للحظاتٍ، كأنَّ داخلَه طفلًا صغيرًا يقفُ على حافّةِ الحلم، يَتردّد أن يَخطو إليِه خَوفًا مِن أن ينهارَ تحتَ قدمَيه
عيناهُ دارَت على وجوهِهم واحدَةً تلوَ الأخرى...
لم يرَهم كَما هم، بل كَما كانوا، أطفَالًا بملابسَ مهترئَة، يَركضونَ بينَ عرباتِ الشاي، يَحلمونَ بِالمَقهى الخاصِّ بِهم، يرسمونَه بالكلماتِ والضحكِ... 
وضعَ يدَه ببطءٍ في جيبِه
كانَ الجيبُ صغيرًا، لكنّ ما بداخله بدا ثقيلًا، كأنّه يحملُ كلَّ سنينِ الغربة، وكلَّ ليلٍ اشتعلَ فيه الأملُ دونَ ضوء
تنهدَ بابتسامَةٍ دافئَة، صامتَة، شقّت طريقَها إلى وجهِه، وقالَ بصوتٍ خفيضٍ، لكنّه كانَ كافيًا ليوقظَ قلوبَهم:
"الحلم اتحقق أخيرًا يا وَلَاد نصار"
أخرجَ المفتاحَ من جيبِه، رفعَه ببطءٍ، انفجرتِ الأصواتُ من حولِه، أشبهُ بانفجارِ ضوءٍ في نهايةِ نفق.
تعالتِ الضحكاتُ، امتزجَت بالدموعِ، وانطلقتِ الهتافاتُ، لم يكن أحدٌ منهم يملكُ الكلماتِ المناسبَة، لكنّ الفرحَ وحدَه كانَ أبلغَ من أيّ حديث.
رَفعوه عَلى أكتافِهم كما لو أنّه الحُلمُ مجسَّدًا، ثمّ فجأةً، بدأوا يُلقيونه في الهواءِ كالأطفالِ حينَ ينتصرونَ، يعلو ويهبطُ على أيديهم، ووجهُه يضحكُ رغمَ الدهشَه
صرخَ "موسى" وهو يَضحكُ
"نزلوني يا وَلَاد ال... هقَع "
لَكنهم لَم يَسمعوه، أو ربّما لم يُريدوا أن يسمَعوا.
ظلّوا يرفعونهُ ويُعيدونَ التقاطهُ، تتعالى ضحكاتُهم، والسعادةُ تفيضُ من وجوهِهم، كما لو أنّهم لا يَمسكونَ به... بل يُمسكونَ بزمنٍ كاملٍ عادَ فجأَة، زمنٍ كانوا يظنّونه انتهى ، كَانوا يَحملونَه... وكَان هو الحلمُ نفسُه
انتشلَ "نوح" منهُ المفتاحَ، كانت يدُه ترتجفُ قليلًا، ربّما من الإرهاقِ، وربّما من امتلاءِ القلبِ بما لا يُحتمل.
دفعَ البابَ ببطء...
صدرَ عنه صريرٌ خافتٌ، كأنّه شهقَةُ زمنٍ طويلٍ انتظرَ هذا الفتح.
دلفوا للداخلِ، خطواتُهم كانت هادئَة، لكنها ثقيلَة بالمعنَى.
الترابُ لا يزالُ يعلو الكراسي، النوافذُ مطفأَة، والهواءُ ساكن.
لكنّ أعينَهم لم ترَ ذلك.
رأَت الطاولاتِ الخشبيّةَ تلمعُ، والكراسي منجّدةً بجلدٍ أحمرَ كما كانت من قبل، تخيّلوا الأكوابَ المصفوفَة، والقائمَة المعلّقَة، والزائرينَ يدخلون.
رأوا الحلمَ... لا المكان.
وقفوا جميعًا في المنتصفِ، يتلفّتونَ حولَهم كمن يفيقُ من حلمٍ جميل، ليكتشفَ أنّه لم يكن يحلم، بل كان يصحو.
قالَ "آدم" بصوتٍ مبحوحٍ، مبلّلٍ بالدهشَة
"انا هعمل رُكن للكُتب هنا .."
لم يُجبْه أحد.
لَم يَكنِ الصمتُ عجزًا، بل امتلاءً... كأنّ القلوبَ امتلأت حَتى فَاضت، وَلم تَتركْ للِسانِ مجَالًا للنُطق
كانَ الحلمُ قد تحقق.
ليسَ فقط لأنّ بابًا قد فُتح، أو لأنّ مفتاحًا وُضع بين يدٍ ويد...
بل لأنّ ما ظنّوه ماضيًا عابرًا، اتخذَ شكلَه أخيرًا،
وبقي حيًّا بَينهُم
.
* . .
❄︎• 
*
•.
❄︎.
.
❄︎
.• ❄︎
إنه الاتصالُ الألفُ بعد المئةِ الذي وصله اليوم.
فتح "موسى" تطبيقَ الواتساب، فوجد سيلًا من الرسائل، أدرك حينها أن الوقتَ قد نفد، ولم يكن بيده حيلةٌ سوى الاعتذارِ من أشقائه، والمُغادرةِ على الفور.
ورغم اعتراضِ بعضهم على رحيله، كان دعم "لقمان" له كافيًا ليدفعه للمضيّ قُدمًا في طريقه.
ترك المقهى في عهدته، ووضع أمانته بين يديه حتى يعود.
ارتدى خُوذته السوداء التي تقطعُ ظلامها خطوطٌ حمراء دقيقة في الأمام، وأخرج قفازاته، يرتديها ليحمي كفّيه من البرد القارس الذي ينتظره بعد لحظاتٍ قليلة 
والنَتيجه هوَ هُنا الآن، يقود دراجته البخارية على الطريق الصحراوي، بأقصى ما يمكن من سرعة.
وكأنّه في سباقٍ، لا متسابقين فيه... سوى نفسه.
تسلّل الضَوء من خلف الغيم، يطرد آخر بقايا الليل في خجلٍ بطيء 
أعمدة الإنارة على جانبي الطريق انطفأت واحدة تلو الأخرى، كما لو أن الفجر يوقظها من نوبة حراسة طويله
الهواء مشبع ببردٍ كثيف، رطب، يتسلل عبر الملابس ويلتف حول العظام
شبورة خفيفة تغلّف الأفق، تموّه الرؤية وتُغرق العالم في ضباب رمادي، وكأن كل ما حوله مشهد لم يُكتمل
ضغط "موسى" على المقبض، تتسارع الدراجة، وأطلقت صوتًا عميقًا يتردّد بين الصخور الصامتة والسماء ملبّدة بسُحبٍ رمادية توحي بأنّ المطر بات قريبًا. لكن "موسى" لم يبالِ، لم يتوقّف، لم يرفع عينيه طويلًا
كان الطريق فارغًا، لا شيء على جانبيه سوى الصحراء تمتد بلا نهاية، والرمال تتناثر مع الهواء كأشباح ناعمة.
لمح ضوء المؤشّر الأحمر يومض على عدّاد الوقود، تنبّه فجأة.
ضرب بيده على مقود الدراجة بضيق، وهو يغمغم لنفسه:
"نسيت أزوّد بنزين..."
ضغط على المقبض أكثر، فتضاعفت السرعة حتى صارت الدراجة تحكّ بالأرض كأنّها تحفرها.
انطلقت العجلات تطلق شررًا خفيفًا، والرياح تصفع جسده من كل الجهات.
بدأ يميل بدراجته يساراً ويمينًا، يتجاوز السيارات كأنّه يطير لا يسير
أضواء السيارات تتراجع أمامه، حتى ظهرت أمامه أخيرًا محطة بنزين وحيدة على الطريق، كواحةٍ وسط تيهٍ لا ينتهي.
ابتسم دون وعي، ثم اقترب منها بثبات.
أوقف دراجته أمام المضخّة، أنزل قدمه بثقل، ثبّتها، ثم التقط فوهة المضخّة وثبّتها في خزان الوقود.
توجّه إلى محل المحطة، ليَروي ظَمأُة ، 
خرج من الباب يَتجرع مِن زُجاحته ، بينما كانت قطرات الماء تنحدر على شفتيه، تنزلق على عنقه، وتتحرّك "تفاحة آدم" في حركتها الجاذبة مع كل جرعة
رفع عينيه حين لمح سيارة سوداء تقف بجوار دراجته.
نزل السائق، لفّ حولها بهدوء، وتوقّف أمام المضخّة الثانية.
لكن "موسى" لم يلتفت للسائق، بل جذب انتباهه شيء آخر...يدٌ خرجت من النافذة الخلفية، يدٌ أنثوية، ناعمة، تمدّدت بهدوء على هيكل دراجته.
لم تظهر صاحبتها، لم ينبس أحدهم بكلمة، فقط يدٌ تمرّرت فوق المعدن ، تَنساب أصَابعها فوق الأحرف والأرقام  التي نقشها "موسى" على جانب موتوره ،
كأنها تقرأها بصمت... 
تجمّد "موسى" في مكانه.
قطرات الماء لا تزال تنحدر، وزجاجته بين يديه، 
ضاق ما بين حاجبيه، نظراته انشدّت نحوها باستغرابٍ ممزوجٍ بفضولٍ غامر ، تَحركت السياره 
وتَحرك هو يَستكمل طَريقُه 
كان البرد قاسيًا، ينهش أطرافه رغم القفازات.
رفع عينيه إلى السماء، وقد بدأت تُفرغُ أولى غيومها، والمطر ينهمر بغير تمهيد، كأن الصباح قد قرّر أن يبدأ على نغمة الماء ، قطراته تلامس الطريق، تُحدث فيه لمعة متقطعة تحت ضوءٍ رماديٍّ خافت، وموسى يقود دراجته البخارية كمن يهرب من شيءٍ لا يُقال.
لَمح نَفس السيارة أمامه لم تكن تسير بسرعة، وكأنها تنتظره.
ثم حدث ذلك من جديد 
يد أنثى ناعمة، بيضاء، يلفّها كمّ أبيض مطرّز بدقّة.
كأنها لا تنتمي للطريق، ولا للعاصفة.
كأنها خرجت من عالم آخر، وخصلة سوداء انزلقت مع يدها إلى الخارج، تتمايل مع الريح، والمطر يتساقط على الذراع الممتدة في بللٍ خفيف.
شدد  "موسى " قبضته على المقود اقترب أكثر فأصبحت الدراجة  بمحاذاة السيارة
وذلك الكفّ... كفّ رفيع، ساكن، تُبلله قطرات المطر دون أن ينسحب أو يختبئ.
تباطأ دون أن يشعر، اقترب أكثر، والعالم حوله صار أهدأ ، نقرت أصابعها على الباب بخفة.
ضربات قصيرة، كأنها تدق على باب داخليّ
مدّت كفّها قليلًا... فردت الأصابع.
يد لا تبحث عن شيء، لكنها لا تخشى شيئًا أيضًا.
ودون تفكير، رفع "موسى "  يده من المقود ومدّها، ببطءٍ، كأن الهواء أصبح أكثر كثافة.
تلامس الكفان لم تكن لمسة طويلة ولا واضحة لَكنها كانت كافيه 
ما إن لامست أطراف أصابعه أطراف يدها، حتى انكمشت يدها فجأة، كأنها فوجئت بجرأته،
رفعت رأسها في حركة حذرة، وببطء... أخرجت وجهها قليلًا من النافذة، ونظرت إليه.
رآها أخيرًا
وجه ناعم، مُضيء رغم ظلّ السيارة، عينان عسليّتان واسعتان ، ونصف عبوسٍ غير واضح، كأنها لم تقرر بعد هل تغضب، أم تستغرب، أم تبتسم
طالعها عبر الخوذة، التي لم تُظهر من ملامحه سوى عيونه الكابولتيه، المائله لِلغمقان ، تطلّان من خلف زجاجٍ مضادٍّ للضوء.
عيناه فقط هما من تحدثا ،ضاقتا قليلًا، ففهمَت أنها ابتسامة.
ومع تلك الغمزة الصامتة، أرجعت يدها سريعًا إلى داخل السيارة، بان في نظرتها أنها انزعجت، وكأنّها لم تتوقع جرأته
شعرت بشيء من الارتباك، وشيء من الفضول
خفّف "موسى "من سرعته، وكأنّه يحترم انسحابها
فجأة، انطلقت السيارة أمامه، سبقته، ثم تباطأت قليلاً... ورأسها خرج من النافذة مرّة أخرى، تطلّ عليه من فوق كتفها، بعينين حادّتين هذه المرة، ووجه لا يخفي ضيقه
  "Du bist ein Tier."
قالتها واختفت سيارتها وسط الزحام ، توقّف "موسى" قليلًا، وهو ينظر خلفها وهي تبتعد.
لم يشعر بالإهانة ، على العكس، ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه، تسللت إلى عينيه.
رنّ هاتفه في تلك اللحظة.
مدّ يده لجيبه الداخلي، وقبل أن يخرجه، شعر بشيءٍ صغير يلامس معصمه.
أنزل بصره.. ليجد سوار ناعم، مخرّم بخيوط ذهبية دقيقة، كان عالقًا في كمّ سترته الجلدية.
تأمّله لحظة... ثم ابتسم.
خلع القفاز عن يده، سحب السوار برفق، وضعه في جيب سترته بهدوء كمن يخبّئ سرًّا، ثم أنزل زجاج الخوذة، وأدار المقبض.
انطلقت الدراجة مجددًا، تخترق الضباب والمطر،
لكن شيئًا فيها أصبح مختلفًا.
                              .
* .                                                                  .
                                  .             
    ❄︎•                           
                                 *
                                                                         •
•.
                                                                      ❄︎.
                                     .
                                    ❄︎
           .•                                                      ❄︎
هُناك أوقَات يَجب عَليك فِيها بِمعرفة الحقيقه ، حَقيقتهُ هو ، دَلف "موسى " الى داخل قَصر ابيه 
الحراس بكل مكان هنا وهناك عَلى الجَانبين تَقدم 
"موسى" الى الداخل يَلتف بِماتوره حَول النَافوره الضَخمه بِالمُنتصف ، رَكن دراجتُه فأتى أحد الحُراس 
مُسرعاً يَأخُذها مِنهُ ولَكنهُ رد رافضًا 
"مافيش داعي سيبها هنا ، انا ماشي على طول " 
تَقدم نَاحية القَصر بِخطى ثَقيله وكَانه يَمنع نَفسُه مِن الدخول ولَكنهُ مَجبور عَلى ذَلك ، ومِنذُ لَحظه وصوله وَجد مَن أرتَمى بِداخل أحضَانُه ، ضَمها بِذراعيه يَحتضنها بِقوه وهو يَقول 
" وحشتيني ياحبيبه ، وحشتيني اوي " 
كَانت سَتنطق بِلهفه مُشتاق ، ولَكن بَتر حَديثها صَوتٍ غَليظ يَعلمه هو جَيداً 
" لو كانت اختك  وحشتك بجد  يااستاذ موسى كنت تنزل على هنا قبل ما تروح لحد تاني "
اعتَذر بِأدب وَهو يُبرر 
" انا اسف ، بس كان لازم ازور امي واخواتي خصوصاً اني بقالي " 
أقتَرب والدهُ مِنه والغَضب لَمع بِعينيه حينَ نَطق كَلِماته الأخيره قائلاً 
" انت عارف كويس اوي ان اللي هناك  دي مش امك ولا اللي هناك دول اخواتك  ، امك قاعده فوق مريضه بين الحياه والموت  واختك واقفه جنبك وابوك هو اللي بيكلمك ، فاهم ياموسى ، فاهم " 
لم يُجبه " موسى " فقط نظر إليه بعينين قاتمتين، كأنهما تخفيان كل الردود.
ثم قال بهدوء...
"أنا مش ناسي... وعمري ما نسيت وعارف كويس اوي ان نعيمه مش امي "

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا