رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير بقلم ايه العربي
رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير هي رواية من كتابة ايه العربي رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير
رواية في حناياها اعيش من الفصل الاول للاخير
إذا أعطتك الحياة ما تتمناه بسهولة فاحذر من القادم لإنك إما أن تفقده سريعًا أو يغتالك باسم الحب .
الحياة لا تعطي شيئًا بسهولة حتى أنك تظنها ظالمة ولكن الظالم هنا هو أنت .
فالحياة تمنحك المعرفة ، تعطيك دروسًا وتجاربًا وقواعدًا ، تعطيك خبراتٍ ثمنها الألم ، تغذيك بمعرفة الصالح من الفاسد والصاحب من الحاقد .
تنزع منك السلاح وسط ميدان الحرب وتعطيك العزيمة لتواجه وتظن أنها ظالمة وتظن أن عدوك يمتلك عليك سلطانًا وتنسى أنك جئت الحياة لتصارع نفسك أولًا ثم الشيطان .
❈-❈-❈
تجلس منذ بضع دقائق تقبض على هذا الاختبار وتطالعه بشرود .
منذ أن ظهر علامتين باللون الأحمر وعلمت بحملها وهي تخفي سعادتها وراء جدران الخوف والقلق .
عيناها مثبتة على ما في يدها وتفكر ؛ كيف ستخبره وكيف سيستقبل هذا الخبر وهما المتفقان منذ توقيع العقود على ألا تحمل أبدًا ولكنها نقضت الاتفاق بفعلتها المتعمدة .
نعم اختارته لثراءه وتنازلت عن حقها في الأمومة ولكنها بعد عامٍ من زواجها حن قلبها لطفلٍ صغيرٍ فهل ارتكبت جريمة ؟
تسلحت بالقوة والعزيمة وسحبت شهيقًا قويًا تهيء به نفسها لاستقباله ومن ثم إخباره وليحدث ما يحدث ، يجب أن يعلم بحملها ،،، لتعود مرتطمة إلى أرض الواقع وتتذكر تحذيراته ونظراته .
نعم إنها تخشاه برغم عدم رؤيتها لوجهه الآخر الذي سمعت عنه ولكن يكفيها وجهه الظاهر أمامها .
زفرت كأنها ناجية من الغرق وعاد القلق ينهش فؤادها والضيق يعتليها وتفكر…كيف ستخبره ؟
❈-❈-❈
قُل لصاحبة العيون السوداء أنها سيدتهن ، فبرغم معايير الجمال كلها تبقى هي الملكة بينهن .
عيناها سوداء كليلٍ حالك ، تتدلل فوق حصانها البني الناعم .
لا أرى منها ظِفرٌ ولا خصلة ولا أعلم ملامحها وبرغم ذلك أنا في هواها متغزل
ترجلت من سيارتها التي اشترتها مؤخرًا من عملها الخاص .
حيث أصبح لديها علامة تجارية خاصة بها في صناعة الشوكولاتة المميزة التي تبدع فيها والتي استطاعت تسويقها بشكلٍ جيد عبر الإنترنت .
كانت محظوظة بهذا العمل فهي منذ سنوات تسعى بجدٍ وتعبٍ إلى أن استطاعت تحقيق حلمًا من أحلامها .
دلفت الإسطبل تتطلع من خلف نقابها على الخيول فهي عاشقة لها لذا زفرت بحماس وتحدثت بنبرة مميزة وبحة هادئة تشع حيوية :
– السلام عليكم ، كيف حالك يا أستاذ «علي» .
نهض «علي» مسرعًا حينما رآها فهو واقعٌ في هواها وحينما تأتي يكون هذا أثمن أوقاته وأسعدها .
تطلع عليها من خلف نقابها وتحدث بنبرة هائمة وعيناه ترسل قلوبًا :
– أهلًا وسهلًا يا آنسة سارة ، كيف حالكِ أنتِ .
أومأت وعيناها تنظر نحو فرستها البنية وابتسمت تقول بحماسٍ بدا في صوتها :
– أنا بخير ، هل يمكن أن تخبرهم بتجهيز رشيدة كي آخذها في جولة ؟
أومأ لها بطاعة وتحدث وهو يتحرك بنفسه وينزع أحد السروج المعلقة ويتقدم من الفرسة قائلًا بسعادة تغمره حينما تأتي معبرًا عن اهتمامه :
– حالًا سأجهزها لكِ أنا ، تفضلي هنا إلى أن انتهي .
جلست على أحد المقاعد تطالعه وهو يعد لها الفرسة بينما من حولهما بناتٍ تتدربن على ركوب الخيل بحذر ، أما هي فابتسمت وتذكرت بدايتها ولكنها الآن باتت محترفة تستطيع التعامل مع فرستها بكل سهولة بل أصبح بينهما صداقة قوية لا تنكسر أبدًا .
وها هو حلمها الثاني يلوح في أفق رأسها وهو شراء هذه الفرسة ولكن لتنتهي أولًا من سداد أقساط سيارتها ثم ستدخر الأموال وتشتريها .
وعت من شرودها على صوت « علي» وهو يبتسم ويطالعها بعينين ثاقبتين قائلًا :
– رشيدة جاهزة يا آنسة سارة تفضلي .
أومأت له وشكرته ونهضت تخطو نحو الفرس تحت أنظاره ثم تمسكت باللجام جيدًا ووضعت قدمها على الدواسة ثم بسهولة ورشاقة صعدت على ظهرها تدلك رقبتها بروية وانحنت تقبلها من أسفل النقاب لتعتدل بعدها وتقوم بفرد لباسها الواسع من حولها فيغطيها ويغطي جزءًا من ظهر الحصان معها وتبدأ في التحرك تحت أنظار علي المتعجب من أمرها خاصةً وإنها تواجه العادات الخاصة بالمجتمع .
فهي متنقبة وتحب ركوب الخيل وتفعلها بدون أن يظهر لها إصبع متجاهلةً كل الانتقادات السلبية التي تقيدها بل تركض وتنطلق بحرية بات معجبًا بها بعدما كان يفكر كغيره .
أما هي فانطلقت في رحلتها مع فرستها التي تحمست وأسرعت خطاها حتى باتت تركض بسرعة عالية وعلى ظهرها سارة تضحك بسعادة وقد فردت ذراعيها في الهواء تعانقه بعدما أعطت ثقتها في رشيدتها الغالية .
❈-❈-❈
ليلًا
توقفت سيارته السوداء أمام باب فيلته .
ترجل منها بخطواتٍ واثقة ثم أغلق الباب وخطا يفتح الباب الخلفي ثم انتشل عددًا من الأكياس وعلبة كرتونية منمقة واعتدل يغلق الباب ثم التفت متجهًا نحو فيلته .
يتحرك بثبات وثقل ، رجلًا متزنًا لا يشوبه شائبة ، ملامحه رجولية جذابة وذقنه منحوتة بشموخ ليرفع رأسه ويخطو بجدية متناهية ولكن لم تخلُ عيناه من نظرة غامضة لا يستطيع تفسيرها أي شخصٍ عابر .
دلف يتجه للأعلى ومنه إلى جناحه ليفتحه ويتقدم من الفراش حيث كانت ممدة عليه تنام لذا زفر ووضع ما أحضره على طاولة جانبية ثم تقدم منها وانحنى يطبع قبلة هادئة على جبينها ثم تحدث بنبرة خافتة :
– فريدة ، هيا استيقظي .
تململت في نومها ثم فتحت عينيها تطالعه لثوانٍ ليعود ويهجم عليها خوفها مما تخفيه عنه لذا تشبحت ملامحها بالقلق وخاصةً عينيها حيث كان يحدق بهما كأنه كشف أمرها .
اعتدل يطالعها بتعجب وتساءل بنبرة هادئة جادة وعيناه تحاول تفسير ما بها :
– حدث شيئًا أم ماذا ؟
تحمحمت واتكأت بيديها تعتدل حتى جلست تجمع خصلاتها المبعثرة في كعكة فوضية بدبوس الشعر ثم تحدثت بتوتر وهي تبعد عيناها عنه وتحاول الترجل :
– لا حبيبي لا شيء ، فقط تعجبت لأنك دومًا تهاتفني أولًا .
تعجب من حالتها وأيقن أنها تخفي شيئًا ما عنه ولكنه تجاهل التحقيق في الأمر وزفر يتحدث وهو يعود ليجلس على المقعد من خلفه :
– حسنًا ، هيا استعدي لأننا سنذهب .
التفتت بعدما توقفت عن سيرها نحو الحمام تطالعه بعيون متسائلة فتابع وهو يضع ساقًا فوق الأخرى ويشير برأسه نحو مشترياته :
– هنا يوجد ثوبًا أنيقًا أريدك أن ترتديه وستجدين لوازمه معه ، هناك موعد عشاء مع بعض الشركاء وكلٍ منهم سيأتي وزوجته معه .
زفرت بقوة لثوانٍ ، فقد تخيلت نفسها ترفض عرضه وتخبره بحملها ولكنها حقًا لا تمتلك القوة لأخذ هذا القرار لذا أومأت تقول نبرة واهنة :
– حسنًا .
قالتها وتحركت نحو الحمام وتركته يجلس يطالع أثرها بشرود ، كلما غاب عنها عدة أيام في سفره يعود ويجدها على حالة جديدة ولكن حالتها الآن وعدم فرحتها بعودته يؤكدان له أن هناك شيئًا تخفيه ولن يكون سيف الدويري إن لم يعرفه ولكن لينتهي هذا العشاء أولًا .
❈-❈-❈
كانت تقف في مطبخها الذي خصصته لعملها تعد قوالب الشوكولاتة بعدة أطعمة مختلفة .
تردد أذكارًا طوال عملها الذي تعمله بحبٍ واستمتاع .
أمامها مسند معدني تعلق به هاتفها وتسجل هذه اللحظات في تسجيل مرئي كي تعدها بعد ذلك وتقوم بتحميلها على صفحاتها عبر مواقع التواصل .
تحمد الله دومًا على ما وصلت إليه في هذا المجال ، فهي تحب الطهي وخاصة صناعة الحلوى وتعشق إضافة لمسات خاصة بها وحدها .
أصبحت معروفة في هذا المجال وكثُر محبينها خاصة وأنها تلتزم بالاحتشام وتشغيل آيات القرآن مع مقاطعها .
وبالرغم من وجود تعليقات سلبية محبطة عن كونها فتاة منقبة ولا يجب أن يصدح صوتها أو لا يجوز لها ركوب الخيل وغيرها من الأحكام المتعصبة حيث تشارك أيضًا بعض فيديوهاتها أثناء ركوب الخيل إلا أنها استطاعت تجاهل هذا الأمر بعد تدريبات نفسية تستعملها لكي تقوي وتعزز من ثقتها بنفسها وبدينها .
وتساعدها في ذلك والدتها الغالية التي هي أكبر داعمٍ لها .
فبعدما توفى والدها منذ عامين وقد دلفت في نوبة اكتئاب مفتقدة إياه كثيرًا ، لقد كان حنونًا عليها بالقدر الذي لم ترَ مثله أبدًا .
ولكن والدتها ساعدتها على تخطى حالتها برغم حزنهما الواضح إلا أنهما كانتا عونًا لبعضهما ومعهما بالطبع …. فريدة !
انتهت من صنع الشوكولاتة ومدت يدها توقف التسجيل لذا زفرت بقوة وأسرعت تنزع نقابها وملابسها وتضع يديها على جانبيها تتكئ يمينًا ويسارًا ثم تعود للخلف بظهرها كي تساعد جسدها على الاسترخاء بعدما تيبست عضلاتها من كثرة المجهود .
وهنا ظهرت ملامحها الجميلة ، فاتنة بملامح شرقية وعينان سوداء كالليل ووجهٍ مستدير ببشرة خمرية ناعمة وملامح تتناسق مع وجهها بفتنة جعلتها مليحة بحق بينما جسدها كان يشع أنوثة تخفيه بملابسها الفضفاضة .
جاءت والدتها تربت على ظهرها بحنان وتحدثت وهي تتطلع إلى الفوضى التي تعم المكان من خلف الكاميرا :
– هيا يا حبيبتي اذهبي للراحة ودعيني أنهي الأعمال المتبقية .
هزت رأسها رفضًا وقالت وهي تبدأ في جمع الأغراض المتسخة :
– لا يا أمي اذهبي أنتِ وتمددي على سريركِ وسأنتهي سريعًا وآتي إليكِ .
لم تطعها بل تحدثت بتصميم وهي تتجه نحو غسالة الأطباق وتفتحها وتبدأ في رص الأواني بها :
– وأنا التي ستقول حاضر ؟ ، هيا يا بنت اسمعي كلمتي ولا تتعبي قلبي وإلا قمت بضربكِ بهذه المكنسة .
قالتها بعدما اعتدلت تشير إلى المكنسة الخشبية لتبتسم سارة وهي تناولها باقي الأغراض قائلة بمرحٍ :
– تفعلينها يا حاجة سعاد مثلما ركضتي خلفي أمس بالمنفضة ، لا أعلم ما المميز في أدوات التنظيف لتعتبريها أدوات تعذيب لي ، أين أدوات الزمن الجميل كالخف وخرطوم المياه .
تنهدت تتابع بملامح تمثيلية كأنها تتحسر على ماضٍ بعيد :
– إيييييه ، ليت الشباب يعود يومًا .
انتشلت سعاد قطعة قماش من فوق الرخامة وكورتها تلقيها عليها وتردف ضاحكة بتوبيخ مرح :
– أي شباب يا ابنة بطني أنتِ لم تتجاوزي الخامسة والعشرين بعد .
ضحكت سارة وهي تميل حتى لا تصيبها القطعة ثم اعتدلت ترقص حاجبيها لوالدتها وتردف باستفزاز ظاهري يشوبه المرح والاستمتاع :
– نعم أنا عجوز وظهري عمره ستون عامًا بينما ساقاي تجاوزا السبعون وعن عضلات رقبتي فهي الآن في سن اليأس ولكن قلبي ما زال شبابًا يا أمي لا تقلقي .
برغم المرح في صوتها إلا أن والدتها نظرت لها بغيظ حقيقي وتحدثت موبخة بخوفٍ :
– حقًا ، حسنًا كيف أنا إذا يا عجوز ؟ ، لا تجعليني أقسم ألا تعودي للطهي مرةً أخرى .
قهقهت سارة حينما وجدت نبرة والدتها تأخذ منحنى جدي لذا أسرعت تتجه إليها وتعانقها عنوةً قائلة بحبٍ ومشاكسة :
– كل ما يهمكِ هو سنكِ يا سعادة ولكن اطمأني من يراكِ يظنكِ ابنتي ، حسنًا حسنًا أنا فقط أمزح معكِ ، تعلمين أن الطهي وصنع الحلويات هو العمل الذي لا يمكنني الاستغناء عنه .
ربتت سعاد على ظهرها وباتت تبادلها العناق ثم ابتعدت تنظر لها بروية وتقول بقلب أمٍ منفطر :
– أعلم يا قلب أمكِ ولكن أراكِ تجهدين نفسكِ ، منذ أن أنهيتِ جامعتكِ وأنتِ لا ترتاحين ، وأنا أم وأريد أن يطمئن قلبي عليكِ .
إلى هنا وأيقنت أن الحديث يأخذ منحنى عاطفي تميل له معظم الأمهات وأكدت لها والدتها هذا حينما تابعت بترقب :
– ألن تفتحي قلبكِ للحب أبدًا يا سارة ؟ .
نظرت سارة لوالدتها بعينين تترجياها ألا تبدأ في نفس الحديث ثم تحدثت بتروٍ :
– أمي حبيبتي ، هل أنا وجدت الشخص المناسب ورفضت ؟ ، إنه النصيب يا سعادة فدعيه يأتي وقتما يريد ، أم هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا .
تحولت نظرة سعاد من الحب إلى الغضب وأسرعت تصفعها على كتفها بغيظ مرددة :
– هذا ما تجيدينه ، كلما فتحت معكِ موضوع الزواج والحب ترددين ( هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا ) .
قالتها ساخرة عليها لتضحك سارة وتعود لوالدتها مقبلة وجنتها بحب ثم ابتعدت تزفر قائلة بصدقٍ وروية :
– حسنًا أمي أعدكِ إن جائني شابٌ ابن حلال يكون ملتزمًا ويصلي وطولًا بعرضٍ حينها سأفكر ، وإن كان وسيمًا ستعلو نسبة موافقتي ، وإن كان غنيًا ستكون النسبة مليون في المئة .
وهنا أسرعت سعاد ترفع كفيها وتدعي بمَ قالته سارة مرددة أمامها :
– يارب يا سارة يرزقكِ بزوجٍ حنونٍ ملتزم يحبك وتحبيه ويكن طولًا بعرضٍ ووسيمًا وغنيًا .
– آميـــــــــــــن .
رددتها سارة خلفها وهي ترفع كفيها وتبتسم بمرح وسعادة ثم بدأتا في إنهاء العمل سويًا ولكن تساءلت سعاد بترقب وهي تضع الأغراض في الثلاجة :
– هل فريدة تهاتفكِ يا سارة ؟
توترت سارة ورفعت نظرهت إلى والدتها التي تعلم جيدًا أنها لا تود أن تسمع عن أي خلاف بينها وبين فريدة لذا تنهدت تجيب بمراوغة وهي تخفي عيناها عنها :
– نعم أمي نتحدث ولكن منذ يومين لم تهاتفني ، ربمَا انشغلت بعودة زوجها .
تعلم سعاد أنها تراوغ لذا عادت تواجهها وتردف بنبرة مترجية :
– سارة حبيبتي ، أراكِ تبتعدين عن شقيقتكِ ، تعلمين أن فريدة عصبية وربمَا تنطق بمَ لا تقصده ولكنها تحبكِ كثيرًا ، لا تقطعي علاقتكِ بها يا سارة هي ليس لها سوانا في هذه الدنيا .
تنفست سارة بقوة وتحدثت موضحة بهدوء :
– يا أمي ألا ترين أن فريدة منذ زواجها بذلك الرجل وهي تبتعد عني ؟ ، ألا تلاحظين أن ذلك الرجل غامضًا وحوله هالة مخيفة ؟ ، أنا إلى الآن لا أعلم كيف تزوجت به ؟ ، بين ليلة وضحاها وجدتها تخبرني بالزواج منه ؟ ، فريدة يا أمي تلك التي أحببتها كما لو كانت شقيقتي الفعلية وفضلتها على نفسي باتت تعاملني كالغرباء ، كلما تقربت لها ذراعًا ابتعدت هي عني أميالًا .
تعلم أن ابنتها محقة ، تعلم جيدًا أن فريدة برغم كل الحنان الذي غمروه بها إلا أنها ترى نفسها غريبة بينهم .
ولم لا وهي قد أتت لتعيش بينهم بعدما مات والدها ووصى صديقه والد سارة بالاعتناء بها وتربت مع ابنته خاصةً وأنها فقدت والدتها أيضًا بعد صراعٍ مع قلبٍ مريض .
ليأخذها والد سارة ابنة الاثنا عشر عامًا ويربيها مع ابنته كما لو كانت من صلبه حقًا ، لم يميز سارة عنها ظاهريًا وكذلك سعاد لم تشعرها بالدونية يومًا .
وحتى سارة التي كانت تصغرها بعامين ولكنها تعلقت بها بل أحبتها كثيرًا واتخذتها شقيقة وصديقة وكذلك فعلت فريدة ولكنها دومًا كانت تعاني من الاستنتاجات الخاطئة والشك الذي جعلها تبدو حزينة دومًا .
تنهدت سعاد وتحدثت مجددًا بتعقل ليقينها أن سارة تحمل عقلًا واعيًا وقلبًا حنونًا قائلة :
– أعلم يا حبيبتي ، أعلم أنها تبتعد ولهذا أوصيكِ بها ، بالرغم من أنكِ تصغيرنها سنًا إلا أنكِ الأكثر وعيًا عنها ، هي تحتاجكِ حتى وإن أنكرت ، وبالنسبة لزوجها لا تهتمي بشأنه يكفينا أن يعاملها جيدًا وأن نسمع أنها سعيدة معه .
تعمقت سارة في والدتها وحديثها ثم أومأت مبتسمة وتحدثت بنبرة مطمئنة :
– حسنًا يا سعادة أنتِ تأمرين ، في الغد سأمر عليها وآراها تلك الدرامية المملة ، ولكن إن عاملتني بجفاء أقسم سأنتف خصلاتها الصفراء التي تتباهى بها واحدة تلو الأخرى .
ابتسمت سعاد وانشرح فؤادها وأومأت مؤيدة تردد :
– نعم افعليها إن استطعتِ .
❈-❈-❈
انتهت من تجهيز نفسها ووقفت تطالع هيئتها في المرآة .
جمالها ملفتٌ للأنظار ببشرة بيضاء ووجهٍ نحيف وعينان رمادية ورثتهما عن والدتها .
ملست على حجابها الذي أظهر بعض الخصلات لتشعر بالضيق من نفسها فهي لم تكن تظهر خصلاتها ولكنها هكذا تبدو أكثر جمالًا وهذا ما تريده .
زفرت بقوة ووضعت كفها على قلبها النابض بعنف يحثها على إخباره قبل المغادرة فلم تكن بحالة جيدة وهي تخفي عنه هذا الأمر .
حسنًا ربمَا تبالغ وخوفها يقودها إلى سيناريوهات ليس لها أساسًا ولا صحة .
ربمَا يفرح بهذا الخبر خاصةً وأنه يتيمًا مثلها ومن المؤكد سيشتاق للأطفال .
انتفضت على صوته الذي أخرجها من شرودها وهو يقول متسائلًا بعدما انتهى من ارتداء ثيابه :
– فريدة ؟
التفتت تطالعه بعيون مذعورة ليتعجب وتتجلى على ملامحه عدة تساؤلات نسبةً لحالتها منذ أن عاد وتحدث وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها وعيناه تتجول على ملامحها :
– ما بكِ .
ظلت تحدق به لثوانٍ فعاد يتساءل بملامح أكثر صرامة وتابع مسترسلًا :
– أحدثكِ يا فريدة ، ماذا بكِ ؟
حاولت سحب نفسًا قويًا كأن الأوكسجين تبخر من حولها ثم التفتت تتحرك نحو الكومود ومالت تفتح درجه الأول وتخرج منه اختبار الحمل بيدٍ مرتعشة ثم عادت إليه ووقفت أمامه تمد يدها له بصمتٍ تام وتتابع عيناه التي تحركت للأسفل ليرى ما بيدها .
ثواني مرت عليها لم تسمع صوتًا في الغرفة سوى أنفاسها المتلاحقة كأنها تفر هاربة .
أما هو فثبت عينه على الجهاز ، يطالعه بسكون تام ثم رفع نظره عنها فحبست أنفاسها خاصةً حينما رأت نظرته .
نظرة حادة دبت الخوف في جسدها لينطق مكملًا عليها بنبرة هامسة متسائلًا :
– ما هذا ؟
– أنا حامل .
وكأن لسانها تولى أمرها وأراد أن يريحها من هذا الخوف لينطق بها دون مقدمات .
استقبل الخبر بصمتٍ كأنه لم يسمعه ثم أطرق رأسه لثوانٍ يفكر ويفكر قبل أن يرفع رأسه مجددًا ويرسم على وجهه ابتسامة ونظرة أخافتاها بل حبستا أنفاسها وقال بقسوة تعمدها :
– سأعتبر أنها غلطة قمتِ بها ولكن لا بأس يمكننا إصلاحها ، سنذهب أنا وأنتِ صباحًا لنتخلص من هذا الحمل .
يتبع…
لا أحد يدرك معاناة امرأة وحيدة هشة تمتاز بالكتمان .
فالجميع بات لا يفهم سوا بالبوح عما بك لغة الصمت تحتاج لرفيق روح ربما لم تحظَ به في دنياك ولكن من نعيم الدنيا هي مناجاة الخالق وهذا أعظم الحظوظ .
استيقظت بفزع بمجرد أن لمسها وهذا يدل على خوفها .
منذ أمس وهي لم تغفُ إلا من حوالي ساعةٍ واحدةٍ بعد تفكير أرهق ذهنها .
أخبرها بكل قسوة أنهما سيتخلصان من هذا الحمل ومن ثم رافقها وغادرا إلى العشاء الذي مر دون أن تشعر به .
كانت حاضرةً بجسدها فقط ولكن عقلها يفكر فيما قاله .
عليها ألا توافق ، عليها أن تعترض ولكن كيف وهي التي قبلت بهذا الشرط منذ البداية ؟
حسنًا لتحاول إقناعه ، ستحاول معه وتستعطفه ربما حنّ وتقبل الاحتفاظ بهذا الحمل .
طالعته بعيون مذعورة كقطة خائفة وتحدثت بتحشرج متسائلة :
- ماذا هناك ؟
ملس بكفه على خصلاتها لتتناقض لمسته تناقضًا تامًا مع نبرته حينما قال بنظرات مبهمة :
- هيا استيقظي أمامنا عملًا هامًا .
تشبحت ملامحها بالذعر الذي تلاشى تدريجيًا واتخذ الغضب مكانه حينما أردفت بنبرة عالية نسبيًا وهي تنهض جالسة وتطالعه بنظرة تحمل ثباتًا ظاهريًا :
- لا أريد ، لا أريد إجهاضه ، أنا أرغب في الاحتفاظ به .
اعتدل يطالعها بنظرة ثاقبة ثم هز كتفيه ومط شفتيه يقول بهدوء وعينه مسلطة عليها :
- للأسف هذا الاحتمال ليس واردًا يا فريدة ، أنتِ أخطأتِ واتخذتِ بمفردكِ قرارًا كنا قد أنهيناه مسبقًا ، ولهذا يجب أن تصلحي هذا الخطأ ، هيا سأكون في انتظاركِ في الأسفل .
تحرك بعدها بخطواتٍ رتيبة وهدوء أصابها في مقتل وغادر وتركها تجلس تطالع أثره بغيظ .
لا يمكن أن تجهضه بعدما حصلت عليه ، هذا الحمل سيبقى حتى وإن ... انفصلا ؟
ولكن حقًا هل تستطيع الانفصال عنه ؟ ، هل تستطيع العودة للعيش مع سعاد وسارة خاصةً بعدما توفى ذلك الرجل الحنون والذي كان هو الخيط الوحيد المتبقي لها من بين كل معارفها ؟
تعترف أن سعاد تعاملها بحبٍ ولكن بالطبع ليس كابنتها سارة ، لا إراديًا تشعر بينهما بالغربة خاصةً بعد موته وتخشى العودة لهما حتى لا تشعر بأنها حملٌ عليهما .
لذا فقد سعت بكل وسائلها لتصل إلى عقل سيف الدويري ونجحت في جذب انتباهه لها ومن ثم استقطابه لخطبتها خاصة بعدما علم أنها يتيمة .. مثله تمامًا .
كان زواجًا رسميًا قائمًا على عدة شروط أهمها عدم الإنجاب ولم تمانع بل وافقت دون حتى أن تسأله عن السبب فقط كل ما أرادته هو حياة الثراء والابتعاد عن الحياة التي تعيشها بين سعاد وسارة .
بعد دقائق ترجلت للأسفل بملابس نومها لتجده يجلس يرتشف قهوته التي أعدها لنفسه كما يرغب .
ما إن رآها كما هي حتى توقف عن ارتشاف قهوته وتمعن فيها بصمتٍ كان كفيلًا بشرح كل ما يجول في عقله لذا فركت كفيها بتوتر واتجهت تجلس أمامه ثم تحدثت بنبرة مستعطفة :
- دعنا نتحدث ربما أقنعتك يا سيف ، لمَ لا يكون لدينا طفلًا صغيرًا ؟ ، تخيل معي فقط ، أنت لا عائلة لك وأنا كذلك وسيكون هذا الصغير هو عائلتنا ، الأمر حقًا يستحق التفكير .
وجدته صامتًا فقط يطالعها ولا تستطيع تفسير ما يفكر به لذا أطرقت وتابعت معترفة :
- نعم أعلم أن شرط زواجنا هو عدم الإنجاب ، وأعلم أنني وافقت على ذلك ولكنني أشعر بالملل يا سيف كلما سافرت وتركتني هنا ، أشعر بالملل وأنت طوال اليوم في عملك حتى وإن سافرت معك أيضًا ، وأنت ترفض عودتي للعمل لمجرد فقد واجهتك الرسمية .
قالتها بنزق ثم تنهدت تتطلع إليه منتظرة حديثه ولكنه عاد يتناول قدح القهوة ويرتشف منه ببرودٍ وصمتٍ جعلها تحتد وتردف موبخة :
- لا تصمت هكذا وتحدث معي أنا لست مختلة عقليًا كي تتجاهل حديثي .
ظل كما هو لم يحرك ساكنًا وهو يراها أمامه تجاهد ألا تغضب أكثر لعلمها بالعواقب جيدًا لذا حاولت مجددًا التحدث بنبرة أقل حدة :
- سيف أرجوك قُل شيئًا ، لا تجبرني على إجهاضه أرجوك .
ترك القدح ونهض يغلق زر حُلته ثم طالعها لثوانٍ مرت عليها كسنين ثم أخيرًا تحدث كأنه لم يسمعها قط :
- تأخرنا فريدة وأنتِ هنا تجلسين تثرثرين في أمورٍ تافهة ، اصعدي للأعلى وبدلي ثيابكِ سريعًا فأنا لدي أعمالًا متراكمةً .
تحرك نحو باب الفيلًا قاصدًا فتحه ولكنها في لحظة تهور واندفاع حملت قدح القهوة وصوبته تجاهه ترميه بقوة قاصدة أن يصيبه ولكنه أصاب الباب فسقط متهشمًا تزامنًا مع رنين الجرس .
لأول مرة تتجلى الدهشة على ملامحه وهو ينظر لقطع القدح المتهشم بذهول ، هل كادت أن ترطمه ؟ ، هل جنت هذه ؟
ليتجاهل رنين الجرس ويلتفت يطالعها بعيون حادة وتحدث بصقيع يغلف نبرته وقلبه :
- هل جننتِ يا فريدة ؟ ، هل تختبرين صبري عليكِ ؟
كانت قد وقفت أمامه تزفر وتشهق وصدرها يعلو ويهبط بعنف ثم تكتفت وقالت بنبرة محذرة :
- أخبرتك ألا تتجاهلني هكذا .
نطقتها صارخة لتتعالى الطرقات على باب الفيلا لذا التفت يتقدم بخطوات ثابتة ويفتحه ليجد أمامه سارة تطالعه بعيون متسائلة من أسفل نقابها .
حدق بها لثوانٍ ثم أفسح لها المجال فعبرت تنظر نحو الزجاج المتهشم بتوتر وقامت برفع نظراتها إلى فريدة لتجدها في حالة فوضى وغضب لذا أسرعت تتجه نحوها وتساءلت بنبرة حنونة مغلفة بالدعم والثبات :
- ما بكِ فريدة ؟ ، هل أنتِ بخير .
لم تكن تريدها أن تأتي وتراها في هذا الحال ، لم يكن هذا من ضمن أمنياتها لذا لم تجبها بل ظلت صامتة تنظر نحو سيف الذي التفت يحدق بها وينتظر إجابتها على سارة التي طالعته بغيظ فهي لم تشعر بالراحة تجاهه يومًا لذا تساءلت من بين أسنانها :
- هل يمكن أن تشرح لي ما بها أختي ؟
وضع كفيه في جيبيه ثم تحدث ببرود وجلافة :
- لا دخل لكِ .
برغم وضعها في موقف حرج إلا أنها لم تعترف بذلك وتحدثت بشموخ يصاحبه دعمًا لشقيقتها وبرغم عدم تهورها في الكلام إلا أن هذا الماثل يستحق التهور لذا قالت :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- هل ظننتها وحيدة لتفعل بها ما تريد ؟ ، اسمع يا سيف يا دويري منذ البداية وأنا قلبي لم يرتح لك ولكنني قلت لتكن سعادة أختي فوق كل الاعتبارات ولكن أنا لم أعد أرى سعادتها هذه ، لم أعد أرى ضحكاتها ولا عفويتها ، أنت أفسدت كل شيء .
وقف يطالعها بذهول وهو يراها تتحدث من خلف نقابها دون خوفٍ أو قيود لينظر نحو فريدة منتظرًا ردها على حديث شقيقتها .
وبالرغم من أن فريدة تجد سارة محقة في كل ما قالته ، بل ويمكنها مساعدتها إلا أنها لا تريدها أن تتدخل في حياتها ، تريدها أن تبتعد عن طريقه لذا قالت بنبرة جدية وهي تنظر نحو سارة :
- سارة أنتِ تبالغين كثيرًا ، فقط أنا وسيف كنا نتناقش ولكنني المخطئة لم يكن هناك داعٍ لما فعلته .
نظرت بعدها نحو سيف وتعمقت فيه وقالت بنبرة تحمل تصميمًا خفيًا فهمه :
- اذهب أنت يا سيف أنا لن أذهب إلى هناك ، سأظل هنا مع سارة .
أومأ لها مرارًا ثم رمى نظرة عابرة على هذه الجريئة وتحرك بعدها يغادر بصمتٍ ويغلق الباب خلفه أما هي فالتفتت نحو فريدة بعدما باغتتها بنظرة حادة تعبر بها عن شكها فيه ورفعت نقابها تزفر وتتساءل بترقب :
- فريدة أنت تكذبين ، أخبريني ماذا فعل لكِ ، أقسم سأساعدكِ .
تنهدت فريدة تطالعها بتمعن ثم شردت لثوانٍ فيها هل تخبرها حقًا ، هل تقص لها ما حدث ؟، ولكن لا لن تخبرها بالاتفاق القائم بينهما لذا تحدثت بمراوغة وهي تجلس وتشرح بيديها :
- كنت أريد العودة للعمل ولكنه يرفض ، مهما حاولت إقناعه يخبرني بغيرته وحبه لذا فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أرطم القدح أرضًا .
صدقتها سارة لذا اتجهت تجاورها وتربت على كفها بحنانٍ لم يزد فريدة إلا شعورًا بالذنب نحوها ولكنها لا تعلم لما باتت تبتعد عنها عمدًا ، زفرت وقالت بتروٍ :
- حسنًا إن كان الأمر كذلك فيمكن أن يكون محقًا ، أنتِ الآن زوجة مالك الشركة فكيف تريدين العودة للعمل كموظفة ، أما عن غيرته فأرى أن لا داعي لها .
احتدت ملامح فريدة وبصقت الكلمات دون وعي :
- لمَ لا داعي لها ؟ ألا استحق حبه وغيرته ؟
فرغ فاهُ سارة وتحدثت معبرة عن مقصدها :
- لا بالطبع لم أقصد ذلك ، فقط لأنكِ لن تفعلي أمورًا تثير غيرته وأراه بالأساس يطلب منكِ حضور الحفلات والعزومات وأنتِ في كامل أناقتكِ لذا أرى أنه يبالغ .
بالرغم من يقينها أنها محقة إلا أن هذا مالا تريده لذا زفرت وتحدثت بنبرة تحمل غموضًا وتناقضًا وملامحها متجهمة :
- نعم هو كذلك ، حتى أنه طلب مني أن أتخلى عن حجابي حبًا في خصلاتي ولكنني بالطبع رفضت .
قطبت جبينها وحدقت بها باستفهام وتعجب ثم تساءلت بمَ ورد على عقلها :
- كيف يطلب طلبًا كهذا ؟ ، وتقولين أنه يغار ! ، كيف يغار عليكِ ويطلب منكِ التخلي عن حجابكِ ! ، كيف يفكر هذا المعتوه ؟
ابتسمت فريدة أخيرًا وهزت كتفيها تردف بجهلٍ خبيث :
- حقًا لا أعلم ، شخصيته بها تناقضات غريبة ومخيفة .
- ولماذا تزوجتيه إذا يا فريدة ؟ ، وكيف حدث ذلك فجأةً ؟ ، إلى الآن لا أعلم وحقًا أتساءل .
أطرقت فريدة رأسها ولم تجبها لتقترب سارة منها وتتمسك بكفيها متابعة بحنان :
- فريدة أخبريني ما بكِ ، تبتعدين عني منذ وفاة بابا وبدون أي مقدمات تخبريني أنكِ ستتزوجين من مديركِ في العمل ولم يمر أسبوعًا إلا وأجدكما بالفعل زوجان ومن ثم بدأتي في الابتعاد عني ولم تعودي تأتي إلا نادرًا ، أخبريني ما بكِ ليطمئن قلبي .
هي بالأساس لا تعلم ما بها ، كل ما يسيطر عليها استنتاجات خاطئة من عقلها الباطن وما زالت تعيش بها لذا فهي تعاني من انعدام الثقة والشك المفرط .
مسكينة هذا الفريدة ، حقًا مسكينة فمن ذا الذي يجد يدًا ناعمة وسندًا حقيقيًا وصديقة تتجسد في أختٍ ولا يسرقها لنفسه ، تستطيع أن تثق تمامًا في سارة والأخرى تستطيع مساعدها ولكنها تأبى .
زفرت فريدة وقد ضاق صدرها لذا تحدثت بمراوغة وهي تقف لتنهي هذا الحديث :
- لا يوجد أي شيء يا سارة ، تقولين عني درامية وأراكِ أنتِ المملة حقًا ، أنا بخيرٍ تمامًا ، وما جمعني مع سيف هو الحب ، الحب فقط .
تنهدت سارة وأومأت لها بينما تابعت فريدة وهي تحثها على الوقوف وتتمسك بكفها تسحبها خلفها نحو المطبخ قائلة :
- دعك من الحديث وتعالي نعد بعض الأكلات ، اشتقت لطعامكِ يا سارة .
ضحكت سارة وتحركت معها قائلة وهي تلقي نظرة على الزجاج :
- حسنًا ولكن أولًا دعيني أجمع قطع هذا القدح المسكين يبدو قدحًا فرنسيًا أصليًا ، انظري كيف تهشم كالسكر .
ابتسمت فريدة عليها ووقفت عند حافة المطبخ تردف وهي تنظر نحو الزجاج :
- نعم أنه كذلك .
هزت سارة رأسها على شقيقتها بقلة حيلة وتحدثت معنفة بهدوء :
- أنتِ مفترية كعادتك ، أنسيتِ الأكواب خاصتي التي كنتِ تكسرينها لي .
- ألم تنسِ أبدًا ؟
تساءلت بها فريدة وهي تتكتف لتباغتها سارة بنظرة عدائية ظاهريًا وتردف باستنكار ملوحةً بيدها :
- نعم ؟ أنسى ؟ ، أنا أتعامل مع أغراضي كأنهم أولادي ، هل تنسى الأم ضناها يا صاحبة القلب المتحجر ؟
عاد حمل فريدة يحتل رأسها مع جملة شقيقتها ولكنها زفرت بقوة وتحدثت بهدوء ومراوغة :
- حسنًا هيا تعالي لنحضر الطعام وسأشتري لكِ بديل ما كسرته والخادمة ستأتي الآن وتنظف الأرض .
شوحت سارة بيدها قائلة بملامح حانقةٍ :
- لا يا قلب أختك أنا لا أقبل العوض ، ثم أنني أشتريت غيرهم لا بأس ، هيا هيا لنبدأ .
❈-❈-❈
بعد يومين
لم يعد للمنزل وتجاهل اتصالاتها وتركها هكذا تعاني من كثرة الأفكار والتساؤلات .
حتى أنها لا تستطيع اللجوء لأحدٍ أو مشاركته ما بها .
كل ما فعلته كي تتخطى هذه الحالة هو التنزه بسيارتها في عدة أماكن علّ الهواء الطلق يريحها ولكنها لم تذق طعم الراحة إلا حينما يعود ويتحدث معها .
حسنًا إن خيرها بالانفصال أو الإجهاض فستختار مجبرةً الإجهاض .
هي لن تستطيع الانفصال عنه ، هي أحبته ، نعم أحبته وباتت لا تريد سوى قربه وليته يحبها كما تحبه .
تعلم جيدًا أنه لا يحبها وترى ذلك في عينيه ، كل ما يفعله هو معاملة هادئة وطلباتٍ مجابة ولمساتٍ حنونة ولكنه يظل غامضًا لم يفتح قلبه لها .
أما هي فأحبته ، هو مثلها ، فقد عائلته منذ زمن ولولا ثراءهم لكان الآن متشردًا ضعيفًا ولكنه صارع من أجل البقاء والسلطة والقوة .
نعم على الصعيد المهني فهو ناجحًا بمهارة لذا فهو كان دومًا فتى أحلامها والآن بات زوجها و... حبيبها فلمَ لا يصبح والد طفلها إذًا .
تحسست رحمها بشرود وتنهدت ثم أجفلت حينما استمعت إلى صوت سيارته لذا أسرعت تنهض وتتجه نحو المرآة تطالع هيئتها وتقيمها برضا ثم التقطت زجاجة العطر ونثرت حولها الكثير منها ثم وضعتها وسحبت نفسًا قويًا ثم تحركت نحو الأسفل لتستقبله .
ما إن دلف من الباب حتى أسرعت تركض نحوه وتعانقه فزفر ثم بادلها العناق بهدوء وربت على ظهرها يقول بنبرة رخيمة :
- كيف حالكِ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
هزت رأسها وملأت الدموع مقلتيها وهي تجيبه بنبرة مختنقة :
- لست بخير يا سيف ، لست بخير أبدًا ، تركتني هنا منذ يومين ولم ُتجِب على اتصالاتي حتى ، لم تفعل بي هذا ؟ .
زفر بحرارة ثم ابتعد عنها قليلًا ينظر لوجهها بدقة وما إن لاحظ ذبولها ودموعها حتى رفع إبهاميه يجففهم ثم تحدث بنبرة لينة :
- حسنًا كان يجب أن أفكر جيدًا مع نفسي .
ترقبت عينيه بدقة ثم تساءلت بأملٍ ينتعش داخلها :
- حسنًا وإيلام وصلت ؟
تحدث بعد تنهيدة قوية وهو يهز رأسه :
- لا أستطيع يا فريدة ، حاولت أن أفعلها من أجلكِ ولكن حقًا لا أستطيع أن أعطي هذا الطفل اسمي .
انهارت كل آمالها التي لم تشيّد بعد وظلت تحدق به فأسرع يحاوط ذراعيها ويتابع بثقب :
- لا تجعلي هذا الأمر يطول ، دعينا ننهيه قبل أن يكبر ، حجزت لكِ موعدً عند طبيب موثوق ، سأذهب إلى الشركة الآن وليلًا سأصطحبكِ إليه .
ابتعدت خطوة للخلف وتحررت من بين يديه ثم تصنمت لثوانٍ قبل أن تقول بجمودٍ أصابها :
- حسنًا ، سأفعل ما تريده .
التفتت بعدها وأطلقت العنان لقدميها لتأخذاها ركضًا للأعلى تحت أنظاره الثاقبة وهو يفكر أن هذا هو القرار الصائب .
❈-❈-❈
تجلس على سريرها بعد عملٍ شاقٍ تتمسك بهاتفها وتتابع التعليقات وترد عليهما بلطافة وأما عن التعليقات السلبية فتحذفها وتحظر صاحبها .
برغم الضيق الذي ينتابها من قراءة مثل هذه الانتقادات اللاذعة إلا أنها باتت تعلم كيف تتجاوز الأمر .
خاصة وهي ترى نفسها تخطو في الطريق الصحيح وكل من ينتقد لا يرى سوى عيوبًا في عقله فقط ويفسر برأسه المربع فقط .
مادامت ترضي ربها وتلتزم بأخلاقها فلن تبالي بأحدٍ .
لاحظت تعليقًا مميزًا عن غيره وكان من ( علي ) الذي دوّن
( رائعة دومًا ومميزة ، أراكِ ملكة بأخلاقكِ والتزامكِ ، لا تهتمي بالحديث السام للبعض ودعي الكلاب تعوي والقافلة تسير ) .
ابتسمت على هذا العلي وتعليقه وباتت في حيرة من الرد عليه خاصةً وأنها مراقبة وهناك من ينتظر لها أي خطأ لذا وضعت فقط قلبًا على كلماته وأكملت قراءة التعليقات على الفيديو الذي توضح فيه طريقة عمل مجموعة مميزة من صوصات الشوكولاتة الخاصة بها .
رن هاتفها برقم فريدة فتعجبت تعقد ما بين حاجبيها ثم اعتدلت في جلستها وأجابت بترقب :
- فريدة ؟ ، كيف حالكِ ؟
استمعت إلى صوتها الباكي وتحدثت باحتياج :
- سارة ، أ أ أنا حامل ، هل يمكنكِ أن تأتي ؟
تملك الذهول جسد سارة وتحدثت بنبرة فرحة :
- حامل ؟ ، أنتِ حامل يا فريدة ؟ حسنًا حسنًا سآتي في الحال .
- ولكن لا تخبري أمي بشيء .
قالتها فريدة بتحشرج فتعجبت سارة ولكنها أومأت تردف :
- حسنًا حبيبتي ، هيا أغلقي ومسافة الطريق سأكون عندكِ .
أغلقت وأسرعت للخارج لتخبر والدتها برغبتها في الذهاب إلى فريدة دون الإفصاح عن الحمل .
أما فريدة فبعد أن أغلقت وألقت الهاتف على الفراش بإهمال بينما وجهها غارقًا في الدموع حيث ظلت تفكر وتفكر ووجدت أنها لا تستطيع التخلي عنه مهما حدث لذا فقررت بعد صراعٍ مع نفسها أن تلجأ إلى سارة لتساعدها علها ترشدها ماذا تفعل وكيف تقنع زوجها فبرغم عدم تقبلها لدخول سارة في تفاصيل حياتها مع سيف إلا أن طفلها يستحق أن تخترق القواعد .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ ترجلت سارة من سيارتها واتجهت إلى الفيلا تطرق بابها لتفتح لها فريدة وبدون مقدمات ألقت نفسها في عناق سارة فلم تعد تحتمل .
كلها عدة ساعات فقط وسيأتي ليصطحبها إلى الطبيب كما قال .
عانقتها سارة بسعادة تحولت إلى صدمة حينما وجدتها تجهش في البكاء لذا حاولت تهدئتها وقالت بتروٍ وهي تربت على ظهرها :
- ما بكِ يا فريدة ؟ ، لم تبكين ؟
ابتعدت عنها فريدة تطالعها بملامح باهتة ثم سحبتها معها للداخل وأغلقت الباب واتجهتا تجلسان على الأريكة لتبدأ فريدة في إخبارها بحقيقة الأمر قبل أن تتراجع عن قرارها قائلة :
- سارة أرجوكِ افعلي شيئًا ولا تسأليني عن أسبابٍ أو تلقي علي باللوم ، فقط جدي لي حلًا .
قطبت سارة جبينها بعدم فهم فتابعت فريدة بتحشرج واندفاع :
- سيف يريدني أن أجهض الجنين وأنا لا أريد ذلك .
ذهولًا أصابها حيث تدلى فكها تطالعها بتعجب وتحدثت جاحظة :
- ماذا ؟ ، هل جُن هذا الرجل أم ماذا ؟
زفرت فريدة وأسرعت توضح بجزءٍ من الحقيقة والكثير من الكذب :
- حسنًا نحن اتفقنا على ألا أحمل في الوقت الراهن وأن نأخذ هذا القرار سويًا ولكنني خالفت الاتفاق ، أعلم أنني أخطأت ولكن لا أريد أن أجهض طفلي ، إفعلي شيئًا يا سارة أرجوكِ .
أي خللٍ هذا الذي تتفوه به شقيقتها ، كانت تعلم أن هناك أمرًا مريبًا في هذا الزواج وها هي ترى النتائج أمامها ولكنها قررت ألا تسأل كما طلبت فريدة لذا قالت بتروٍ :
- حسنًا اهدئي تمامًا وسنجد حلًا ولن يحدث سوى ما تريدينه .
أومأت فريدة تتمسك بكفيها وكأنها غريقًا يتعلق بقشة نجاته ثم قالت بنبرة مترجية :
- ولكن إياكِ يا سارة أن تطلبي مني الابتعاد عن سيف .
لم تكن ستفعل ولكن طلب فريدة أثار تعجبها لذا تساءلت :
- ماذا ؟ ، تبتعدين عنه وأنتِ تحملين طفله ؟ ، من المؤكد لن أفعل يا فريدة ولكن دعينا نجد حلًا .
عادت تنظر أمامها وتتابع تفكر بصوتٍ عالٍ :
- حسنًا هو لا يريد أطفالًا الآن وهذا كان اتفاقًا بينكما وأنتِ خالفتيه وهو طلب أن تجهضي طفلكِ .
لم تحتمل لذا عادت تنظر إلى شقيقتها وتحدثت بحدة وتوبيخ :
- هذا مختل عقليًا ، كيف يفكر هل يظنه عقد عمل ؟ ، هناك طفلًا ينمو داخلكِ منه وعليه أن يتحمل مسؤوليته .
هبت واقفة بعد أن فارت الدماء في جسدها وتحدثت وهي تنظر إلى فريدة :
- اجلسي هنا ولا تتحركي إلى أي مكان يا فريدة.، لن يستطيع إجباركِ على شيء وإن فعل سنلجأ للقانون ، هل يظن أنكِ وحيدة ؟
تحركت فأوقفتها فريدة تردف متسائلة بشكٍ :
- توقفي يا سارة إلى أين ستذهبين ؟
التفتت لها وتحدثت بثبات وغضب وهي تخفض نقابها :
- سأبحث عن كبيرٍ لذلك المختل ، يجب أن يقف عند حده .
تحركت تغادر وارتدت فريدة على المقعد تفكر بقلق ، تخشى عواقب فعلتها ولكنها لا تستطيع التخلي عن حملها ، ليس بعد شعورها بشيءٍ ينمو داخلها .
أما سارة فقد استقلت سيارتها وانطلقت مغادرة إلى شركته لترى لم يفعل هذا بشقيقتها ولتوضح له أن هذا زواجًا قائمًا على المودة والرحمة فإما أن تحصل على حقها في الأمومة أو يطلق سراحها .
يتبع ...
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
يقال أن الرجل يلتفت إذا رأى جمالًا ولكنه يتعجب إذا رأى اختلافًا وعفةً وينجذب إذا رأى غموضًا وخجلًا
ويقترب إذا رأى عفوية وطيبة ويميل إذا رأى لينًا وحنانًا
ويتعلق إذا رأى قبولًا ويخضع إذا رأى صدقًا
ويحب إذا رأى ذكاءًا ويعشق إذا ابتسمت له كما لم تبتسم لأحدٍ من قبل
ويهيم بها عشقًا إذا استطاعت إضحاكه
ولكنه لا يبقى إلا إذا وجد سلامًا .
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها أمام شركته وترجلت بعدما أدت تمارين ضبط النفس كي تهدأ وتستطيع محاورته .
دلفت من باب الشركة ووقفت تخبر الموظفة عن هويتها لترفع الأخرى الهاتف وتتحدث لثوانٍ ثم نظرت لها بهدوء وقالت :
- تفضلي اصعدي إلى الطابق الخامس ، مديرة مكتب السيد سيف في انتظاركِ .
أومأت لها سارة وتحركت نحو المصعد بخطواتٍ واثقة وهي تعلم جيدًا كيف ستقنعه .
بعد قليلٍ وصلت واتجهت نحو مكتبه بعدما سألت أحدهم ثم دلفت تطالع مديرة مكتبه قائلة بهدوء :
- السلام عليكم ، أنا سارة المهدي جئت لمقابلة السيد سيف .
رفعت الموظفة رأسها تطالعها بثقب وتعجب من نقابها ثم تحدثت برسمية وهي تشير نحو المقعد :
- تفضلي هنا إلى أن يخرج العميل من الداخل .
أومأت سارة وجلست تنتظر خروج العميل كما أخبرتها هذه الفتاة التي اندمجت في عملها بعد ذلك .
❈-❈-❈
مرت الدقائق وبدأت سارة تشعر بالضيق لذا زفرت بحنق وتساءلت بعدما نظرت في ساعة يدها :
- لو سمحتِ هل سيتأخر ذلك العميل في الداخل ؟
نظرت لها الموظفة بتعالٍ وهزت كتفيها تردف ببرود :
- لا أعلم .
تنهدت سارة تلف وجهها عنها حتى لا توبخها ثم بدأت تفكر وتمارس تمارين ضبط النفس إلى أن يخرج ذلك العميل المزعوم .
دقائق أخرى حتى قاربت سارة على النهوض والرحيل ليرن هاتف السكرتيرة فرفعته تجيب لثانيتين ثم أغلقت ونظرت إلى سارة تردف وتشير نحو المكتب :
- تفضلي السيد سيف في انتظاركِ .
قطبت جبينها بتعجب فالعميل المزعوم لم يغادر الغرفة ولكن ربمَا ما زال في الداخل لذا نهضت تتجه نحو المكتب وطرقت الباب بخفة فسمح لها لذا دلفت تتطلع حولها بعيون ثاقبة تبحث عن أي شخصٍ سواه فلم تجد لذا باغتته بنظرة غضب لمحها خاصةً وأنه تعمد تركها في الخارج وهذا ما أدركته الآن ، كاد أن يبتسم عليها ولكنه أتقن ارتداء قناع البرود وهو يشير نحو المقعد :
- تفضلي آنسة سارة ، ما سبب هذه الزيارة يا ترى؟ .
تمالكت نفسها بصعوبة وقررت تجاهل قلة ذوقه معها وإلا فستوبخه وتغادر ولن تتحدث عن الأمر الذي جاءت من أجله لذا زفرت بقوة واتجهت تجلس على المقعد الذي لم يشير إليه في تحدٍ مغلفٍ منها ورفعت أنظارها تطالعه بغيظ تخفيه خلف عينين سوداويتين ثاقبتين قائلة بدون مقدمات :
- أختي تريد أن تحتفظ بجنينها ، وأنا جئت إليك كي أخبرك ألا تجبرها على إجهاضه .
- وإلا ؟
قالها بعد ثانيتين تجاوز فيهما تعجبه من تدخلها في هذا الأمر الخاص إلا أنه كان سريع البديهة وتساءل بالعواقب التي تجهزها له هذه المسكينة .
ولكنه مخطئ هي لم تكن يومًا مسكينة لذا سلطت أنظارها عليه تردف بتحدٍ صريح :
- لا يوجد وإلا ، لأنه بالأساس أنت لن ترفض ، ستقبل بهذا الحمل .
تجلى الاندهاش على ملامحه وبات يريد معرفة مصدر هذه الثقة التي تتحدث بها لذا تساءل ساخرًا :
- هل جئتِ بعرضٍ كريمٍ لهذه الدرجة ؟
تحدثت بتريث وهدوءٍ وتعقل :
- نعم ، معي عرض لك ، ما رأيك أن تكن إنسانًا مسؤولًا تسجد لله شكرًا على نعمته التي يتمناها غيرك ويشتاق لها الكثير ، ما رأيك أن تحمده على نعمة أنت لا تعلم قيمتها بعد ؟ ، ما رأيك ألا تألف النعمة كي لا تزول منك ؟
تعمق في عينيها بصمتٍ باحثًا عن إجابة داخله فلم يجد لذا أطرق رأسه وسريعًا عاد يطالعها ويردف بنبرة هجومية كي يخفي تأثره :
- ألا ترين يا آنسة سارة أنكِ تتدخلين فيمَ لا يعنيكِ ، هذا الأمر خاصًا بي وبفريدة وحتى لو كنتِ شقيقتها هذا لا يعطي لكِ حق التدخل .
أومأت له تردف بثباتٍ كأنها تتوقع كلماته وجهزت الإجابة :
- نعم أعلم أن لا دخل لي ، ولكن هذا كان قبل أن تشاركني شقيقتي معاناتها وتطلب مني المساعدة ، وهذا يعني أنك تجبرها وتضعها تحت ضغطٍ ستحاسب عليه ، أنت تزوجتها بعقدِ زواج أقسمت فيه أن تعاملها معاملة حسنة وألا تحزنها .
للمرة الثانية يعجز عن مجابهتها بينما هي تنفست تتابع :
- أعلم أن بينكما اتفاقًا معينًا ولكن هذا لا يعفيك من الذنب فيمَا تود فعله .
زفر بقوة وقرر أن يتحدث بجدية بعدما كان ينوي الاستهزاء بها ولكنه اكتشف أن حجتها قوية وهذا عكس ما سمعه عنها لذا اعتدل في جلسته يتحدث بروية :
- أنظري أنا لم أخدع فريدة ، هذا كان شرط زواجنا وهي وافقت به وما أوله شرط آخره نور ، أليس كذلك ؟
طالعته بصمتٍ لعلمها أن شقيقتها أخطأت حينما قبلت بينما هو يتابع بنبرة رخيمة :
- أنا لست مستعدًا أن أصبح أبًا ، أعلم أنها نعمة وأعلم جيدًا أنها منة من الله ولكن يعلم الله أن لدي أسبابي الخاصة ، ولا تنسي أن شقيقتكِ وافقت ووعدت بألا تفعل .
نعم هي تدرك خطأ شقيقتها الفادح لذا تنهدت تبحث عن حلٍ سريعٍ وتقول بهدوء :
- حسنًا لننظر للأمور بشكلٍ مختلف ، شقيقتي أخطأت ولكنها تحبك وأنت تحبها ، مهما كانت أسبابك ولكن وقع الأمر الخارج حدود إرادتكما لذا فيجب عليك أن تتقبل وألا تفعل شيئًا ربما بدى لك طبيعًا ولكن كن على يقين أنك مستقبلًا ستندم عليه .
بدأ يظهر عليه الضيق وأطرق رأسه يتنفس لذا نهضت تردف بنبرة هادئة قبل أن تغادر :
- حسنًا في النهاية هو قرارك فكر جيدًا ، فكر بمنظورٍ مختلفٍ عن أسبابك الخاصة ربمَا وجدت الحل ، وأتمنى منك أن تكون مسؤولًا ولا تجبرها على فعل شيءٍ لا تريده .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تحركت بعدها تغادر وتركته يفكر ، يفكر في حديثها ثم يفكر من منظورٍ مختلفٍ عن أسبابه كما قالت هذه ال ... مختلفة ؟
❈-❈-❈
مساءًا .
تجلس فريدة بتوترٍ ملحوظٍ خاصةً بعدما أخبرتها سارة بمَ حدث وغادرت منذ قليل .
لم تكن تريد أن تتدخل سارة في الأمر ولكن حدث ما حدث ولم يعد لإلقاء اللوم فائدة .
يكفيها أن يتركها تحتفظ بصغيرها وليته يقتنع .
وحوش القلق والترقب تهاجمها وهي تنتظره خاصةً وأنه لا يجيب على اتصالاتها .
دقائق مرت حتى سمعت صوته من الأسفل فنهضت تفكر هل تنزل له أم تنتظره هنا .
لم يدم تفكيرها طويلًا حيث قررت انتظاره كما هي ولكنها أسرعت كالعادة نحو المرآة لترى هيئتها قبل أن يصعد .
دقيقة أخرى مرت حتى وجدته يقف أمامها حيث ألقى السلام وبدأ يخلع ثيابه فانتعش داخلها الأمل مجددًا حيث لم يذكر موضوع الإجهاض .
تحركت نحوه وطالعته بتوتر ثم تحدثت وهي تفرك كفيها ببعضهما :
- سيف هل أنت غاضب مني ؟
تجرد من ملابس عمله واعتدل يطالعها لثوانٍ كانت كفيلة لكتم أنفاسها وأخيرًا نطق بنبرة هادئة :
- نعم فريدة ، غاضبٌ منكِ ولكن هذا لا يعني أنني سأتعامل معكِ بنبلٍ خاصةً مع وضعكِ هذا .
تعجبت وضيقت عيناها تطالعه باستفهام فتحدث بنبرة جادة :
- أنا فكرت وسأترككِ تحتفظين بالحمل ، ومن بعد الآن سينقلب الوضع ، فبدلًا عن إجهاضه دعيني أخبركِ أمرًا .
انحنى عند أذنها وهمس بنبرة خافتة ولكنها تحمل تهديدًا أرعبها بالرغم من أنها لن تفعل :
- إياكِ أن يصيبه أذى ، إياكِ أن تغادري من المنزل بدوني ، وإياكِ يا فريدة مرة أخرى أن تطلعي الغير على أسرارنا مثلما فعلتِ اليوم .
ابتعد عنها فوجد وجهها شاحبًا تمامًا حتى أنها لم تسعد بخبر بقاء جنينها ليبتسم كأنه شخصًا آخر ورفع يداه تربتان على وجنتها بخفة ثم تابع بنبرة حنونة تناقض تمامًا ما يقوله :
- لا تجعليني أتعامل معكِ بالطريقة التي ستكرهينني فيها .
قالها وسحب رأسها يقبل جبينها ثم تركها وتحرك نحو الحمام ووقفت تحدق بأثره وتعيد حديثه في عقلها ، هي لن تؤذي جنينها ولكن وقع كلماته على قلبها مخيفًا .
غموضه وعدم فهمها لشخصيته يجعلانها تخشاه بالقدر الذي جعلها لم تعد تشعر بمذاق السعادة .
❈-❈-❈
بعد شهرين
انتهت سارة من جولتها مع فرستها وترجلت من فوق ظهرها تدلك رقبتها كشكرٍ لها على هذه السعادة ثم تحركت تودع علي الذي أوقفها قائلًا :
- آنسة سارة ثانية لو سمحتِ .
توقفت سارة وتساءلت بعينيها ثم نطقت بهدوء :
- نعم يا علي ، هل هناك أمرٌ ما ؟
تحمحم علي ولا يعلم لمَ هاجمه التوتر الآن ولكنها فرصته وإلا فقدها فهي لن تسمح بلقاءٍ خارجي بينهما لذا تحدث بنبرة متخبطة من شدة توتره :
- كـ كنت أريد زيارتكم أنا ووالدتي .
تجمدت لثوانٍ في مكانها تطالعه ببلاهة كأنها لم تفهم ثم أُنير عقلها وأدركت مقصده لذا أخفضت بصرها بتوتر وتلعثمت متعجبة من حالتها ومن هذا الموقف برمته ثم قالت قبل أن تغادر :
- حسنًا سأبلغ أمي وأخبرك .
غادرت بعدها ولأول مرة لا تعلم هل جوابها كان صحيحًا أم كان يجب عليها أن ترفض .
علي ؟ ، علي نفسه صاحب هذا المكان ومالك هذه الخيول يريد طلب يدها ؟
حسنًا ربمَا هي تعامله برسمية ومعاملة رسمت لها حدود صريحة ولكن على ما يبدو أن الأمر مختلفًا تمامًا بالنسبة له .
الآن فقط صدقت حدسها حينما كانت تقرأ تعليقاته وتشك ، وحينما كانت تلاحظ نظراته وترفض التصديق ، الآن فقط باتت شبه متأكدة من أنه ... يحبها ؟
غادرت بسيارتها وقبل أن تعود للبيت قررت الذهاب إلى فريدة لتراها وتشاركها ما حدث فهي باتت مشتتة حائرة ينبض قلبها بصخب ولكن ليس فرحًا وإنما توترًا .
❈-❈-❈
كانت فريدة في هذا الوقت تلج من حمامها بعدما أفرغت مافي معدتها .
الآن تعيش شهور الوحم المتعبة وما يزيد تعبها أن سيف أصبح جديًا تمامًا معها .
في ظاهر الأمر هو يعاملها معاملة حسنة ويعطيها الدواء والغذاء ولكنه أيضًا أصبح غامضًا أكثر ، أصبح منشغلًا عنها أكثر ، أصبح جادًا معها أكثر وهذا مالا تتحمله .
الآن أدركت لما هددها بسلامة الجنين ، لأنه يعلم أنها ستندم على هذا الحمل وهذا بالفعل ما يحدث الآن معها .
هي نادمة على اتخاذها هذا القرار دون الرجوع إليه أولًا .
كان عليها أن تحاول إقناعه قبل وضعه أمام الأمر الواقع فهي تعلم أنه يكره القرارات الطرفية .
وتعلم أيضًا أنه يكره تدخل الغرباء فيمَ بينهما خاصةً عائلتها وهذا أيضًا كان من ضمن الشروط التي وافقت هي عليها ونقضتها حينما أدخلت سارة في الأمر .
في نهاية الأمر وبعدما خططت لتنتشل السعادة من هذه الأيام وجدت أنها لم تزد حزنها إلا حزنًا جديدًا عليها .
لقد تزوجت بـ سيف لينتشلها من الحياة الروتينية التي كانت تعيشها إلى حياة الثراء والبذخ ولكن يبدو أن المال وحده لا يصنع السعادة .
أجفلت حينما رن جرس الباب لتتجه بخطواتٍ متمهلة تفتح الباب حيث وجدت سارة أمامها .
وقفت تطالعها بعيون مرهقة بينما لاحظت سارة ذبول ملامحها واصفرار بشرتها لذا تساءلت بقلق وهي تدلف :
- ما بكِ يا فريدة ؟ ، هل أنتِ بخير .
أومأت فريدة وتحدثت بابتسامة باهتة وهي تتحرك معها نحو الأريكة :
- نعم سارة بخير لا تقلقي ، هي فقط شهور الوحم المقرفة .
رفعت سارة نقابها ثم تحدثت بروية :
- أجل حبيبتي ، إن شاء الله تمر ويقر الله عينيكِ بصغيرك وهو في صحةٍ جيدة .
- آمين .
تحمحمت سارة ونظرت إلى فريدة تردف بترقب :
- فريدة حدث معي شيئًا أريد أن أخبركِ به .
ترقبت فريدة السمع فتابعت سارة بتوتر ووجهٍ تشبح بالحمرة :
- تعلمين أنني أذهب لركوب الخيل ، وهناك يتعامل معي صاحب المكان بنفسه ، بعد أن بدأت التعامل معه بفترة قليلة لاحظت أنه يتعامل معي هو ، نعم أحيانًا أتعجب خاصة وأنني أرى الكثير من الفتيات يتعامل معهن العمال لديه ولكن برغم ذلك قذفت تلك الأفكار من رأسي وتعاملت بتجاهل .
أومأت فريدة تحثها على المزيد فتابعت سارة :
- اليوم هو أخبرني برغبته في زيارتنا ، ينوي التقدم لي .
انفرجت ملامح فريدة وتجلت الدهشة عليها وهي تتمسك بكفي سارة وتردف بفرحة واضحة :
- هذا جيد جدًا يا سارة ، يبدو أنه يحبكِ ، وماذا أخبرتيه ؟
توترت سارة مجددًا لا تعلم السبب وتحدثت تميل برأسها :
- لا شيء ، قلت له سأخبر أمي وأبلغه ، ولكنني متوترة وخائفة .
شجعتها فريدة بعدما زال وهنها وتحدثت بنبرة حماسية :
- لما الخوف يا جبانة ، يبدو أنه رجلٌ نبيل لم يركِ أبدًا وبرغم ذلك أحبكِ ويريد الارتباط بكِ ، هيا على الفور اتصلي على أمي وأخبريها لنحدد موعدًا ونخبره .
تعجبت سارة من حماس شقيقتها وتحدثت بنبرة هادئة :
- اهدئي يا فريدة ما بكِ ، أراكِ متحمسة أكثر مني ، أقول لكِ أنا لا أعلم عنه أي شيء .
تحدثت فريدة بنبرة تبريرية متساهلة :
- وما فائدة الخطبة إذًا يا نابغة عصركِ ؟ ، لكي تتعرفان وتتحدثان وتدرسان بعضكما ، هيا سارة هاتفي أمي .
قالتها فريدة تحثها على الإسراع وحينما وجدت سارة ساكنة متوترة دست يدها في جيب سروالها وأخرجت هاتفها تقول وهي تعبث به :
- حسنًا دعيني أحدثها أنا .
حاولت سارة منعها ولكن تصميم فريدة وفرحتها كانا جديدين عليها وثوانٍ حتى فتحت سعاد الخط تردف بحنان :
- فريدة ابنتي كيف حالك يا قلب أمكِ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تجاهلت فريدة سؤال سعاد وتحدثت بحماس :
- أمي اسمعيني ، هناك أحدهم طلب من سارة أن تأخذ موعدًا منكِ كي يأتي ويطلبها ، هيا حددي لنا موعدًا وسارة الآن بجانبي .
نظرت لها سارة بلومٍ بينما تعجبت سعاد مما سمعته وتساءلت بترقب :
- من هذا ؟ ، ولمَ لا تخبرني سارة بنفسها .
كانت نية سعاد بريئة من شك فريدة الذي جعلها تحبط وتتجهم ملامحها ثم أطرقت تقول بهدوء بعدما فقدت حماسها :
- لا أمي أنا فقط أردت أن أبشركِ ، حسنًا سارة معكِ الآن تحدثي إليها .
أسرعت تناول الهاتف إلى سارة التي لاحظت تغيّر حالتها المزاجية لذا زفرت وتحدثت إلى سعاد بنبرة هادئة ومتوترة في آنٍ واحد :
- نعم أمي ، الأمر فقط أن ذلك الشاب صاحب الخيول وجدته يخبرني اليوم بعدما انتهيت من الركض أنا ورشيدة بأنه يريد أن يحضر والدته ويقومان بزيارتنا ، وأنا جئت إلى فريدة كي أتحدث معها بشأنه ، تعلمين أن هذه الأمور توترني .
نظرت فريدة إلى سارة وهي تتحدث وشعرت بالغيرة الخفية داخلها ، دومًا هي مندفعة في قراراتها بينما الأخرى هادئة تستطيع إقناع من أمامها برويتها وتعقلها .
ابتلعت فريدة لعابها وسحبت إحدى الوسائد تضعها بين يديها وتنظر نحو سارة بشرود بينما الأخرى تستمع إلى حديث والدتها وعيناها منكبة على وجه فريدة الذي بدأ يتجهم .
❈-❈-❈
بعد يومين
وبعدما تم تحديد الموعد .
ها هما سعاد وسارة تساعدان بعضهما في تنظيف المنزل .
تساءلت سعاد بتوتر ممزوجٍ بالفرحة :
- سارة هل أعددتي الشوكولاتة والكيك ؟
تعجبت سارة تنظر لوالدتها باندهاش وتقول :
- ما بكِ يا سعادة هذه رابع مرة تسألينني عن الشوكولاتا والكيك ؟ ، أراكِ متوترة أكثر مني ، ماذا ستفعلين ليلة زفافي إذا ؟.
تجمعت الدموع في عيني سعاد لذا رفعت يدها تلوح في الهواء أمام عينيها لتزفر بقوة وتقول بنبرة حنونة وقلبٍ منفطر :
- أوه يا إلهي سأبكي ، لا أعلم حقًا ماذا سأفعل يوم زفافكِ ولكنني سأفرح بالتأكيد ، حسنًا سأفرح وأحزن أيضًا .
هاجمتها الدموع بضراوة فبكت سعاد لذا أسرعت سارة تخطو إليها وتعانقها عنوةً بقوة ثم تحدثت بنبرة مرحة كي تخرجها من حالتها :
- حسنًا يا سعادة ما رأيكِ أن نجعلها خطبة أبدية ؟ ، أنا بالأساس لا أود الابتعاد عنكِ ، من هذا علي ليأخذني منكِ ، أنا فقط سأستدرجه لأسرق منه رشيدة ثم سآخذكِ وآخذها ونهاجر دون رجعة .
صفعتها على كتفها كالعادة وهي تبتعد ثم قرصتها من أذنها تردف موبخة بمرحٍ استطاعت سارة جلبه :
- رشيدة من والناس نيام ؟ ، الرجل سيعطيكِ قلبه وأنتِ ستتلاعبين به وبخيوله ؟ ، يا إلهي صبرني على هذه الابنة اللعوبة .
دلكت سارة أذنها وقالت بملامح منكمشة :
- ما بها يدكِ يا ست الكل أصبحت ثقيلة هكذا ، نحن نمزح فقط ، ولكن الحق علي أقف هنا أثرثر معكِ وأترك التحضيرات والعريس ووالدته شارفا على الوصول .
تحدثت سعاد وهي تضع التحف مكانها بدقة :
- نعم ، وأيضًا فريدة وسيف على وصول .
تجمدت سارة ونظرت لوالدتها بصدمة متساءلة :
- فريدة وسيف ؟ ، لمَ سيف يا أمي ؟ ، هل هو من بقية عائلتنا ؟
التفتت سعاد تطالعها بحدة وقالت بجدية وثبات :
- نعم هو أصبح كذلك ، زوج شقيقتكِ وسيصبح والد طفلها وأيضًا أنا لا أعرف سواه ، يجب أن يكون بيننا رجلًا ، هل أحضر رجلًا من الشارع وأترك زوج شقيقتكِ .
زفرت سارة بضيق ولكنها لم تعترض بل أومأت وتحدثت بهدوء يحمل ضيقًا بعدما تعكر صفوها :
- حسنًا سعادة كما تريدين .
❈-❈-❈
في سيارة سيف
يقود متجهًا هو وزوجته إلى منزل سعاد .
تجاوره شاردة حيث باتت تشعر بثقل وضيقٍ يعتلي صدرها وباتت نبضاتها غير منتظمة .
وبرغم حملها إلا أن وزنها ضعيفًا كما هي بل ازدادت شحوبًا فوق شحوبها .
دومًا تبغض الأطباء ولولا حملها ومتابعتها لما ذهبت للطبيب النسائي .
لاحظ سيف صمتها وشرودها لذا تساءل بعدما ألقى عليها نظرة :
- ما بكِ فريدة ؟
انتبهت له لذا التفتت تطالعه ثم اعتدلت تتحدث بهدوء :
- لا شيء ، أنا بخير .
مط شفتيه ثم طرأ على عقله سؤالًٍا ما لذا تحدث قائلاً :
- هل ذلك الشخص موثوقٌ فيه ؟
- تقصد من ؟
تساءلت فريدة بتعجب فتابع وعيناه على الطريق :
- أقصد هذا العريس ، هل سألتُن عنه ؟ ، أم سيأخذ الصبية هكذا دون سؤالٍ أو جواب .
تملكها الغضب والغيرة معًا لذا تحدثت بتجهم :
- ولم تهتم ؟ ، هو بالأساس صديق سارة وهي تعرفه جيدًا .
- صديقها ؟
ضيق عيناه متسائلًا بتعجب فتابعت فريدة بغيظ :
- نعم صديقها ، تعرفه منذ عامٍ تقريبًا وتذهب عنده دومًا لركوب الخيل .
مط شفتيه متعجبًا من تصريحات فريدة التي تؤكد له أن ملابس سارة ونقابها ما هي إلا واجهة للجذب فقط .
وهنا طرأ على عقله سؤالًا آخر فسأله مستفهمًا :
- وهل رآها من قبل ؟
التفتت تطالعه لثوانٍ وقد اشتعل قلبها لذا عاد ضميرها ينهشها وقالت بهدوء تخفي بين طياته صراعًا نفسيًا :
- رآها أو لم يرها لا أعلم .
- كيف هذا يا فريدة ؟ ، بالفعل يجب أن يكون قد رآها ليطلب يدها .
نطقها عن قناعة ، فقناعاته أن جمال الملامح هي الخطوة الأولى لاستقطاب أي رجل لذا تحدثت بضيق خاصةً وأنها تعلم جيدًا أن هذا ما جذبه لها :
- حسنًا سارة ملامحها عادية ، لذا أعتقد أنه أحبها حقًا سواءً كان رآها أم لا .
أومأ مرارًا وتكرارًا وأكمل قيادته بتساؤلات ، كيف يكون الحب ؟ ، وكيف للإنسان أن يقع في حب شخصٍ لم يره ، وكيف للرجل أن يعشق امرأة ملامحها ... عادية ؟ .
يتبع ...
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
يقولون الكتاب يظهر من عنوانه ولكن لا تصدق هذه الجملة أبدًا .
فبعض العنوانين خداعة تم وضعها لجذبك كي تتعمق داخله وإما أن تخرج منه بسلامٍ أو تخرج بأذى نفسي أو لم يأسرك للأبد .
جلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث سويًا بعدما تمت ضيافتهم بترحابٍ وودٍ من قبل سعاد .
كان علي يجلس يتابع سارة بثقب ونظراته لم تتركها ، يتابع كل تفاصيلها الصغيرة وحركة يدها وانكماشة عينيها التي تدل على ابتسامتها التي تهديها لوالدته منتظرًا على أحر من الجمر لحظة رؤيتها .
أما سيف يجلس بوقار كأنه في اجتماعٍ وهو المدير هنا ، يطالع الجميع من حوله وفي كل مرة يستقر بنظراته على ( علي) ويظل يحدق به وكأنه يستكشف أمره .
انحنت والدة (علي) على سارة تحدثها بصوتٍ هامس ثم ابتعدت تنتظر ردها .
نظرت سارة بتوتر لوالدتها وأشارت بيدها لها في حركةٍ معينة تقصد بها أن هذه السيدة تريد رؤيتها .
نهضت سعاد تردف بهدوءٍ وهي تطالعها :
- تفضلي معي يا حاجة علياء .
نهضت عليا تومئ لابنها ثم تحركت نحو غرفة جانبية وتبعتها سارة وسعاد التي أشارت نحو فريدة كي تتبعهن أيضًا وفعلت .
ما إن اطمئنت سارة حتى رفعت نقابها تكشف عن وجهها للحاجة علياء التي شهقت تردد :
- بسم الله ماشاء الله مثل القمر ، حماكِ الله يا ابنتي معكِ حق في إخفاء ملامحكِ .
ابتسمت فريدة لتخفي وتقضي على شعورٍ راودها وعادت تؤنب نفسها بينما ابتسمت سعاد بفرحةٍ وتحدثت سارة بخجلٍ وامتنان :
- شكرًا هذا من ذوقكِ .
تحدثت علياء مجددًا بنبرة حماسية فرحة :
- لا يا ابنتي هذا من جمال ملامحكِ وحسنها ، ملامحكِ تدخل القلب دون إذنٍ ، حماكِ الله يا سارة .
ابتسمت سارة وتوردت وجنتيها بحمرة الخجل لتنظر علياء نحو سعاد وتردف بجدية :
- دعينا نحدد زيارة للرؤية الشرعية يا ست سعاد ، علي ابني متشوق جدًا لرؤية وجه سارة ، لنقرأ الفاتحة الآن ونتفق على موعد الخطبة ونحدد موعدًا ليراها ، وبالنسبة لطلبات سارة فابني أخبرني أنها جميعها مجابة .
ابتسمت سعاد تنظر نحو ابنتها بحبٍ ورضا ثم عادت تنظر نحو علياء وتحدثت بودٍ :
- الله يقدم ما فيه خيرًا يا حاجة علياء ، هيا دعونا نخرج لهما .
كان سيف في الخارج يحقق مع علي في أسئلة عن نشأته وحياته وعمله كأنه محقق يريده أن يخطئ .
تحدث علي برتابة وهو يطالعه بهدوء :
- أنا ورثت هذه الخيول من والدي يا سيد سيف ، ولكنها ليست لي لوحدي فأنا لدي شقيقتين متزوجتين تعيش إحداهما في الأسكندرية والأخرى مع زوجها في استراليا .
أومأ سيف متفهمًا بعدما أجابه علي برتابة ولكن نظرات علي تحمل أمرًا لم يرتح له سيف ولكن لا بأس سيعرفه .
خرجت النساء من الغرفةوجلسن لتومئ علياء لابنها بابتسامة رضا لذا نفش كتفيه بسعادة وتحدث أمامهن بثقة موجهًا حديثه نحو سعاد بتجاهل متعمدٍ لسيف :
- حسنًا يا ست سعاد أنا جئت أطلب يد ابنتكِ الآنسة سارة على سنة الله ورسوله ، وأنا رجلٌ ملتزم وسارة تعلم عني هذا الأمر كما أنني مكتفي ماديًا وجميع طلباتها ستكون رهن إشارتها .
ابتسمت سعاد ونظرت لابنتها الخجولة التي تنظر أرضًا وتفرك كفيها بتوتر ملحوظٍ للجميع وكادت أن تتحدث ولكن فاجأهم سيف بحديثه وهو يقول بنبرة جادة واضحة :
- حسنًا يا علي أعلم أنك وسارة تعرفان بعضكما ولكن هذا لا يمنع أن نسأل عنك ، هذه هي الأصول ، ويحق لك أنت كذلك أن تسأل عن سارة .
شعر علي بالضيق ولم يكن وحده الذي شعر به بل فريدة وأيضًا سارة فلمَ يتدخل هو ، لمَ لا يترك الحديث لوالدتها فهو ليس ولي أمرٍ لها .
تحدث علي بهدوء مبطن بالضيق وهو يطالعه بعيون ثاقبة :
- لا أحتاج السؤال عن سارة يا سيد سيف ، فهي ست البنات جميعهن وأنا طوال حياتي لم أرى مثلها في الأدب والأخلاق والتعامل ولو كان لدي شكًا في ذلك لما وجدتني أمامك اليوم ، وأظن أن سارة أيضًا تعرفني جيدًا .
التفت ينظر لها مدققًا في عينيها وتابع :
- أليس كذلك يا سارة ؟
لا تعلم لما أرادت استفزاز سيف لذا أومأت له وتحدثت بهدوء ونبرة خجلة :
- نعم يا علي يشهد الله أنني منذ أن تعاملت معك ولم أرَ منك سوى كل خير .
ابتسم وانتعش قلبه لذا عاد ينظر نحو سيف بنظرة تحمل تحدي لم يلحظها سواه قائلًا :
- دعنا نقرأ الفاتحة إذا يا سيد سيف .
التزم سيف بالصمت وداخله غضب بل وزاد على غضبه تحدٍ وُلد لتوه وقد وضع هذا العلي في رأسه لذا يجب أن يثبت صحة حدسه .
تحدثت سعاد بابتسامة هادئة بعدما لاحظت توتر الأجواء :
- يا ابني أنت شابٌ جيد بالطبع وابنتي دومًا تخبرني عنك كل خير ولكن سيف بمثابة شقيق سارة الأكبر لذا أراد أن يطمئن عليها ، هيا دعونا نقرأ الفاتحة على بركة الله .
رفعوا أيديهم يقرؤون الفاتحة عدا سيف الذي لا يعلم ما يشعر به بعدما تم تجاهله وتلاحظه فريدة جيدًا .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام وبعد أن تمت الرؤية الشرعية وأعجب علي بل هامَ بملامح سارة
تم تحديد الخطبة بعد أسبوعٍ من الآن .
أما سيف فكان يسعى خلف علي ويبحث بدقة منتظرًا لحظة عثوره على اتهامٍ خاص به .
لا يعلم لما يفعل ذلك ولا يعلم لما يهتم من الأساس .
ولكنه يقنع نفسه بأنه يريد إثبات صحة حدسه للجميع ، وخاصةً فريدة التي تؤكد على حب علي لشقيقتها ودومًا تتحدث عنه .
أتاه الاتصال المنتظر ، اتصالًا من أحد رجاله فأجاب على الفور وبحماسٍ غير مسبوقٍ يتساءل :
- هيا أخبرني هل وجدت شيئًا ؟ .
تحدث الرجل بهدوء :
- نعم سيد سيف وجدت أمرًا مريبًا ، هذا علي كان يتعاطي المخدرات قبل عدة سنوات ولكنه خضع للعلاج ودخل مصحة ليتعافى من الإدمان واستطاع بالفعل التعافي ولكن المريب في الأمر أنه يخفي ذلك تمامًا ، لولا النقود التي أنفقتها لَما عرفت شيئًا كهذا ، يبدو أنه ألجم الجميع من حوله .
ضيق سيف عيناه وابتسم ابتسامة خبيثة ثم قال بهدوء حصل عليه لتوه وهو يضع ساقًا فوق الأخرى :
- كنت أعلم .
ابتسم ساخرًا وتابع بشرود يكرر جملتها :
- لم ترِ منه سوى كل خير إذا يا سارة ، دعيني أريكِ جزءًا خفيًا منه .
أغلق الهاتف ونهض يقف ثم اتجه إلى النافذة يتطلع نحو الخارج ويعاود الاتصال على فريدة التي أجابته بهدوء :
- نعم سيف .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تحدث بجدية برغم ابتسامته وسعادته التي لا يعلم لها سببًا :
- اسمعي فريدة ، أريدك أن تهاتفي سارة وتخبريها أن تأتي إليكِ وأنا سآتي بعد ساعة ، هناك أمرًا هامًا يجب أن تعلمه .
ضيقت عينيها كأنه يراها وتملكها الضيق من مجرد ذكره لشقيقتها وتساءلت بغيظ تجاهد لتخفيه :
- ما هذا الأمر الهام الخاص بسارة يا سيف ؟
- حينما آتي سنتحدث ولكن هاتفيها لتأتي ، هيا حبيبتي وداعًا الآن .
أغلق معها ووقف يضع يده في جيبه وينظر نحو الخارج ليعود ويفكر لما يهتم ؟ ، لما يتصرف بطريقة غريبة عن شخصيته ؟
زفر بقوة يردد بنبرة هامسة ليقنع عقله :
- لا هذا أنا تمامًا ، هو تحداني وكان يجب أن أوقفه عند حده .
❈-❈-❈
كانت تقف تنجز بعض الطلبات التي أتتها من زبائنها لتزفر ثم تميل يمينًا ويسارًا حتى تعطي لجسدها الاسترخاء .
رن هاتفها فتنهدت والتقطته لتجدها فريدة لذا أجابت بنبرة مرهقة :
- نعم فريدة ؟
تحدثت الأخرى بنزق :
- سارة هل يمكن أن تأتي ؟
- هل أنتِ بخير ؟
تساءلت سارة وهي تتجه لتجلس على المقعد لتجيبها فريدة بهدوء ظاهري :
- نعم بخير ولكن سيف هاتفني وطلب مني أن أهاتفك وأخبركِ كي تأتي لأنه يريد إخباركِ بأمرٍ هام .
عقدت ما بين حاجبيها بتعجب وتساءلت وهي تهز كتفيها :
- بماذا يريدني يا ترى ؟ هل حدث شيئًا ما وتخفين عني؟ .
أجابتها فريدة بنبرة محتدة :
- لا أخفي شيئًا سارة فقط تعالي وسنعرف حينها عندما يأتي .
تعجبت سارة من حدة شقيقتها معها لذا تحدثت بهدوء يحمل حزنًا وهي تتمنى لو ترفض ولكنها في نهاية الأمر أجابت :
- حسنًا فريدة ، سأنتهي من عملي وآتي .
أغلقت معها وجلست شاردة تفكر بتعجب فيما يريده ذلك السيف الغامض الذي تبغضه .
بعد ثوانٍ زفرت ونهضت تنهي عملها لتذهب وترى ماذا يريد .
❈-❈-❈
كان علي يجلس في إسطبل الخيول الخاص به يتصفح الإنترنت ويتابع منشورات سارة .
يتابع التعليقات بدقة ليرى هل هناك من يضايقها أم لا .
وحينما وجد تعليقًا من شابٍ يدعى أحمد كتب فيه
( أنتِ مثال رائع للفتاة المسلمة يا سارة ، حقًا حينما أراكِ أحمد الله وأسعد بأن الدنيا ما زالت بخير ، أتمنى أن يرزقني الله زوجة صالحة مثلكِ ) .
اشتدت عروق علي غضبًا ووقف متأرجحًا بين أمرين ، هل يرد عليه ويلزمه حدّه أم يتحلى بالصبر كي لا يحزن سارة .
لذا اهتدى عقله لحلٍ آخرٍ وقام بالضغط على صفحة هذا الشاب ثم دلف على رسائله وأرسل له رسالة هجومية محتواها بذيء .
تعالت أنفاسه وهو ينظر رد الآخر عليه ويتمنى لو كان ردًا هجوميًا كي يعطي له الحق بالاندفاع والتوبيخ .
جاءه أحد العمال يناديه فلم يسمعه لذا عاد يردد بترقب :
- يا سيد علي هل تسمعني ؟
رفع نظره يباغت العامل بنظرة غاضبة نارية فتوتر العامل وتحدثت بتلعثم :
- كنت أقول أن هناك حصانًا لم يأكل اليوم ، هل تلقي نظرة عليه ؟
حاول أن يهدأ لذا سحب نفسًا قويًا من أنفه ليخرجه بعد قليلًا من فمه ثم أومأ له يردف بنبرة باردة :
- إذهب أنت وسآتي خلفك .
أومأ العامل وأسرع يذهب خوفًا من بطش علي بينما الآخر عاد ينظر نحو الرسالة فلم يجد الشاب قد رآها بعد لذا زفر بضيق ونهض يدس الهاتف في جيبه ويخطو نحو مكان الحصان ليراه .
❈-❈-❈
وصل سيف إلى فيلته ودلف ينادي العاملة التي كان يرفض مبيتها في الفيلا ولكن تعب فريدة أجبره على الموافقة على قواعد كان يرفضها .
جاءت السيدة تطالعه باحترام فسألها بترقب :
- ألم تأتِ الآنسة سارة بعد ؟
هزت رأسها تجيبه :
- لا يا سيد سيف لم تأتِ بعد .
- وأين فريدة ؟
تساءل وهو يبحث بعينيه فأشارت للأعلى قائلة :
- إنها تأخذ حمامًا في الأعلى .
أومأ لها واتجه يجلس على المقعد وينظر في ساعته ليراها السادسة مساءًا .
عاد ينادي على العاملة فأتت فطلب منها قدحًا من القهوة لتعود تلبي طلبه على الفور .
لا يعلم متى غفا مكانه فجأة ولا يعلم كم دقيقة مرت على غفوته ولكنه أجفل حينما سمع رنين جرس الباب ليستيقظ يدلك وجهه بينما اتجهت العاملة تفتح الباب لتجدها سارة تطالعها بنظرة هادئة قائلة :
- كيف حالك ؟
أومأت لها العاملة مرحبة ثم أفسحت لها المجال فمرت بهدوء وحينما لمحته يجلس أمامها يطالعها أبعدت نظرها عنه وتساءلت بتوتر من حضوره :
- أين فريدة ؟.
- سأناديها في الحال .
هكذا قالت العاملة وتحركت للأعلى وتركتها تتقدم حتى وقفت أمامه تردف بهدوء :
- كيف حالك يا سيد سيف ؟
نظر لعينيها من خلف النقاب ولم تكن نظرة عابرة بل حدق بها لذا شعرت بالضيق والغضب وأبعدت نظرها عنه واتجهت تجلس في ركنٍ بعيدٍ متجاهلة إياه بينما هو تحدثت يباغتها بسؤالٍ مفاجيء :
- هل حقًا تعرفين هذا علي جيدًا ؟
توترت ولا إراديًا عادت تطالعه وتحدثت بضيقٍ وتحدٍ ومغزى قاصدة أن تلزمه حده :
- نعم أعرفه ، على الأقل سنتعرف أكثر على بعضنا في فترة الخطبة ولن نتزوج بطريقة غامضة وسريعة مثلما فعلت مع أختي .
ابتسم ساخرًا وتحدث بتعالٍ وهيمنة وهو يفرد نفسه أكثر على المقعد :
- أنا سيف الدويري ، معروفٌ من أنا جيدًا وشقيقتكِ تعلم ذلك والكثير من الفتيات كن يردن فقط نظرة مني .
اغتاظت منه لذا قالت باندفاع لم تقصده ولكن حقًا هذا السيف يستفزها :
- غبيات يرينك فقط ثري ولو كنت فقيرًا لانفضين من حولك ، كيف لأنثى أن تثق في رجلٍ دون أن تعاشره جيدًا .
لم يغضب بل ابتسم حتى ظهرت أسنانه وتحدث مؤيدًا بمغزى :
- أنتِ محقة ، لا يجب أن تثق الأنثى في رجلٍ لا تعرفه جيدًا .
زفرت تبعد وجهها عنه بينما نزلت فريدة من الأعلى تطالعهما بضيقٍ علا فوق ملامحها بينما اتجهت العاملة نحو المطبخ لترى ماكينة القهوة التي تركتها تحضر قهوة سيف .
تحركت فريدة تجلس بجوار سيف وتطالعهما بشكٍ متسائلة بتجهم :
- هل تحدثتما ؟
نظرت لها سارة وتحدثت وهي تهز رأسها :
- لا ، يبدو أن زوجكِ لديه وقتًا للسخرية .
نظرت فريدة إلى زوجها وتجاهلت حديث سارة متسائلة بترقب :
- أخبرنا سيف ما الذي تريدنا أن نعرفه ؟
زفر بقوة وانتظر حتى أتت العاملة ووضعت قدح القهوة أمامه ثم اعتدلت تنظر نحو فريدة وسارة متساءلة :
- هل تشربا شيئًا ؟
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
نظرت فريدة نحو سارة التي أشارت بالرفض شاكرة بينما فريدة تحدثت بهدوء وهي تطالع العاملة :
- حسنًا أعدي لي أنا أيضًا قدح قهوة .
- القهوة ليست جيدة من أجلكِ .
نطقها الاثنان في آنٍ واحد لتنظر فريدة بينهما ثم عاد الضيق يلتهم صدرها لتقول بتجهم :
- حسنًا لا أريد شيئًا .
أومأت العاملة وتحركت تغادر ليوقفها سيف قائلًا بنبرة صارمة :
- أحضري كوبين من عصير البرتقال .
- حاضر سيد سيف .
عادت العاملة إلى المطبخ بينما باغتته سارة بنظرة عدائية وعلى عكسها تطلعت عليه فريدة بحب ممزوج بالغيرة الخفية ليتجاهل سيف نظراتهما ويردف بثباتٍ وعينه تدور بينهما :
- عرفت شيئًا بخصوص ذلك علي .
تنبهت سارة له وكذلك فريدة ليتابع ملقيًا ما في جوفه دون تردد وهو يحدق في سارة :
- هل تعلمين أنه كان يتعاطى المخدرات في السابق ؟
شحبت ملامح سارة من أسفل نقابها بل وتهاوى قلبها بصدمة ألجمت لسانها عن النطق ، بينما شهقت فريدة قائلة :
- ماذا ؟ ، هل أنت متأكد مما تقوله يا سيف ؟
قلب عيناه يطالع فريدة وليعود ويضع ساقًا فوق الأخرى قائلًا :
- وهل سأقول شيئًا لست متأكدًا منه ؟ ، لقد كان يتعاطى المخدرات منذ عدة سنوات ولكنه تعافى .
عاد ينظر نحو سارة وتساءل :
- هل أخبركِ بذلك ؟
التزمت الصمت بل أطرقت رأسها بخيبة أمل ، لم يخبرها علي ولم تلحظ ولم تعلم بالطبع أمرًا كهذا ، ولكن هل سيف محقٌ ؟ ، ربمَا يكذب ؟
التفتت فريدة تنظر نحو سارة بحزنٍ وتحدثت بترقب :
- سارة أنتِ بخير .
رفعت نظرها ليتفاجئا بعيون لامعة أوشكت على البكاء ولكنها أسرعت تنهض قائلة وهي تخطو متجهة نحو الخارج :
- يجب أن أغادر .
نهضت فريدة لتوقفها وتوتر سيف بل شعر بالضيق وهو يراها تغادر بصدمة بينما فريدة أسرعت تلحق بها ولكن سارة التفتت توقفها بكفها قائلة :
- توقفي فريدة أنا بخير ولكن يجب أن أذهب وأتحدث مع علي ، سأخبركِ بالتفاصيل .
غادرت سارة تستقل سيارتها تحت أنظار فريدة التي دلفت بعدها تنظر نحو سيف المتكئ على ساقيه يفكر ، هل أخطأ في طريقته ؟ ، هل كان عليه أن يكن أكثر ترويًا وتمهيدًا للأمر ؟
تحركت فريدة تجلس أمامه وتساءلت بهدوء :
- سيف أخبرني كيف عرفت أمرًا كهذا ، ثم أنه تعافى فلمَ التضخيم ؟
رفع نظره يطالعها بصدمة ثم قال بجدية تحمل توبيخًا خفيًا :
- أي تضخيم ؟ ، هل أقول لكِ أنه كان مريضًا وتعافى ؟ ، إنه كان مدمنًا يا فريدة وتعافيه هذا لا يعني أنه لن ينتكس مرةً أخرى ، كان عليه أن يصارحها بكل هذا ويعطيها الحق بالقبول أو الرفض .
ابتلعت لعابها فهو محق ولكنها كانت سعيدة بخبر خطبة سارة من إنسان يحبها و .... سيبعدها .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ قياسي وبعد أن هاتفته وصلت إلى العزبة الخاصة به .
ترجلت من سيارتها تخطو نحو الداخل تبحث عنه بعينيها وحينما وجدته يقف بالقرب من أحد الأحصنة يدلكه حتى تحركت نحوه ووقفت خلفه تردف بهدوء يخفي عاصفة وصراعًا داخلها :
- علي .
التفت يطالعها مبتسمًا بسعادة ولكن حينما لمح عينيها تحدث ببعض الترقب :
- أرى المكان قد سطع ، كيف حالكِ ؟
للحظة شكّ أنه ربما علمت بأمر الرسالة التي أرسلها لذلك الشاب ، هل قام بمراسلتها ؟ ، هل بينهما شيء ما ؟
تحدثت سارة لتقطع أفكاره المشككة قائلة :
- أريد أن أتحدث معك .
نظر للعمال من حوله ثم عاد لها متعجبًا ليشير نحو ركنٍ هادئٍ قائلًا :
- حسنًا تفضلي .
اتجهت معه نحو ذلك الركن ليجلسا على مقعدين متقابلين تتوسطهما طاولة مربعة .
نظر لها يحثها على الحديث فزفرت وبدون مراوغة تساءلت :
- علي هل كنت تتعاطى المخدرات حقًا ؟.
تجمد كليًا يحدق بها بصدمة فمهما وصلت استنتاجاته لم يتوقع أن تصل لهذه المعلومة لذا عم الصمت لثوانٍ تنتظر حديثه وهو ينتظر الخروج من صدمته التي ألجمته ليطالعها ويردف دون مراوغة أيضًا :
- نعم ، هذا كان قبل عدة سنوات ، ولكنني تعافيت ومحوت تلك الأيام من حياتي .
ظلت تحدق به بذهول وهو يؤكد لها صدق حديث سيف ليتابع مردفًا بنبرة متلهفة وبكلماتٍ متعثرة :
- سارة أنا لم أخفِ عنكِ ، أنا فقط أردت حذف هذه الأيام من حياتي ، هذا الماضي الأسود لا أحبه ، صدقيني أنا بصحة جيدة وبخير والتزمت بالرياضة وروتينًا غذائيًا سليمًا .
لا تعلم بماذا تجيبه بل فقط تسمعه وهو يردد بلهفة خوفًا من رفضها له :
- سارة أرجوكِ لا تأخذيني بذنب ماضٍ سيء كنت طائشًا فيه ، صدقيني من بعد وفاة والدي وأنا أحمل المسؤولية على عاتقي ، امتنعت عن تناول هذه السموم نهائيًا .
وجدها فقط تطالعه ليشير حوله ويتابع بلهفة :
- انظري حولكِ ، كل هذا فعلته بعدما تعافيت ، أنا نادمٌ حقًا على ما فعلته بنفسي وتقربت من الله والتزمت بالصلاة ، أرجوكِ سارة لا تتركيني ، أرجوكِ .
جلست أمامه وكأن دوامة ابتلعتها وتدور بها بغير هدى والأفكار في رأسها تكاد تفجرها ، لا تعلم ماذا تفعل ولا بماذا تجيبه بينما هو فقط يطالعها وعندما طال صمتها تساءل بشكٍ وملامحٍ مشدوهة :
- من أخبركِ يا سارة ؟
نظرت له وبدون وعيٍ منها نطقت بتخبطٍ :
- سيف ، سيف أخبرني .
أومأ مرارًا وتأكد من ظنونه لذا قال بخبث :
- كنت أعلم .
- ماذا ؟
تساءلت بتشوش ورأسها تدور حقًا ليردف بنبرة خبيثة :
- لا أعلم ما السبب ولكني شعرت بعدم حبه لي من استجوابه حينما جئت إليكم أول مرة ، حسنًا لو علم عني ذلك لمَ لم يأتِ ويصارحني بنفسه ؟
لم تجبه بل تعيش حالة من التخبط مع نفسها ليتابع بغضبٍ يخفيه أسفل نبرة مترجية :
- سارة أرجوكِ أعطني فرصة فقط لأثبت لكِ حبي وصدقي ، أنا أحبكِ يا سارة ومستعد أن أفعل المستحيل من أجلكِ .
عليها أن تفكر جيدًا ، عليها أن تنفرد بنفسها فهي الآن مشتتة وضائعة لذا نهضت تردف بنبرة تائهة :
- دعني أذهب الآن يا علي ، سأفكر وسأبلغك قراري .
أسرعت تتحرك من أمامه لتغادر وتتركه يقف يتابعها وعلى ملامحه تجلى الغضب من ذلك السيف وكيف علم بماضيه ، ولكن لا بأس ، فقط عليه أن يصارع كل من يقف في طريقه من أجلها ، لن يتخلى عنها أبدًا .
يتبع...
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
إما أن تقبل بالمُر أو تتعامل مع الأشد مرًا
بعد خمسة أيام
انغمست فيهم سارة مع أفكارها خاصة بعدما طرحت الأمر على والدتها وأخبرتها بخوفها تجاه القبول وحيرتها تجاه الرفض بعدما كانت سعيدة بخطوبة علي فهو شاب راشد عاقل واعٍ وثري ولكن مسألة تعافيه من الإدمان هذه جعلتها تتراجع وتحتار في أمرها ، أترفضه وتظلمه أم تقبل به وتظلم ابنتها ؟
وهي أيضًا كذلك ، خاصةً أنه رآها بالإضافة إلى شهادة الجميع بشهامته وأخلاقه وبالطبع حديثه عن سيف لم يغب عنها وهي تتساءل لمَ بالفعل لم يرتح سيف له ؟ ، ولم يدخل نفسه في حياتها ؟ .
ما عرفته عنه أمرًا صعبًا للغاية ولكن هل ستظلمه إن رفضت ؟
هل عليها أن تعطيه فرصةً ؟ .
منذ أيام وهو يحاول جاهدًا أن يثبت لها بالأوراق والتقارير أنه لا يعاني من أي أعراضٍ يمكنها أن تؤثر على حياتهما .
يسعى جاهدًا كي يثبت لها كم هو يحبها وتعلق قلبه بها فماذا تفعل ؟
ظلت في تلك الحيرة طوال الثلاثة أيام لتستخير ربها ثم تقرر في اليوم الرابع إعطائه فرصة ومد الخطبة لعامٍ بدل من ستة أشهر كما قرروا مسبقًا .
أبلغته موافقتها وكم أسعده هذا الخبر بل جعله يشبه الطائر الحر في سماء السعادة ليبدءا في التحضير للخطبة .
ما إن علمت فريدة بهذا الخبر حتى شعرت بالسعادة والراحة .
كانت تجلس على مقعدها الخاص في غرفتها تنتظر خروجه بعد أن أغلقت مع سارة .
خرج سيف من الحمام يرتدي مئزره فابتسمت له من خلال مرآة الزينة وهي تضع مرطبها على ذراعيها فبادلها بابتسامة هادئة ثم اتجه يتمدد على الفراش ويتمسك بهاتفه متصفحًا إياه .
أما هي فتنهدت تتحدث بترقب وهي تطالعه :
- سيف ، خطبة سارة ستتم في موعدها .
توقف عن تصفح الهاتف ثم طالعها قاطبًا جبينه بصدمة وتساءل مستفهمًا :
- هل وافقت عليه ؟
أومأت له ونهضت تتجه إليه حتى تمددت بجواره وتحدثت وهي تطالعه بحب :
- نعم ، منحته فرصة ، على ما يبدو أن سارة أحبته وأرى أنه يستحق .
حدق بها لثوانٍ ثم أومأ بملامح متجهمة وعاد يتصفح هاتفه لتتابع متسائلة :
- هل سنذهب للخطبة سويًا ؟
- لا ، أنا لدي سفرًا مهمًا غدًا ، وربمَا أغيب لفترة .
نطقها وهو يكمل تصفحه لتذهل وتتحدث باندفاع :
- ماذا ؟ ، أي سفر هذا ؟ ، سيف هل تمزح أنا بحاجتك لمَا لم تخبرني ؟
ترك الهاتف والتفت لها يطالعها بتعجب قائلًا :
- ما بكِ فريدة ؟ ، هل هذا الأمر جديد عليكِ ، تعلمين أنني أسافر دومًا لعقد صفقات خاصة بعملي ؟ ، ما الجديد في الأمر ؟
اندفعت تلوح بيدها وتشير نحو رحمها :
- الجديد أنني حاملٌ ومتعبة وأريدك بجانبي وبالطبع لا أستطيع السفر معك .
نظر لها بتعمن ثم نزل بنظره لحملها وعاد يحدق بها وتحدث بنظراتٍ ثاقبة ونبرة ذات معنى :
- اسمعي فريدة ، لا تقيديني بهذا الحمل الآن وأنتِ تعلمين جيدًا الأسباب ، ولا تناقشيني في مسألة خاصة بعملي بعد ذلك ، ولا تنسي اتفاقنا منذ البداية ، حسنًا ؟
نظرت له نظرة حزينة متألمة ، لم يحبها ، ولن يحبها كما هي تحبه الآن ، كل ما يفعله معها هو معاملة روتينية فقط .
تحسست رحمها ثم تمعنت فيه وأردفت بنبرة منكسرة :
- حسنًا يا سيف ، لن أنسى اطمئن .
ترجلت بعدها تتجه نحو الحمام وجلس يتابع أثرها بشرود وغموض غلف أفكاره لذا عليه أن يبتعد .
❈-❈-❈
مرت الأشهر سريعًا .
وها هي فريدة أصبحت في شهرها السادس ولكنها أصبحت في حالة تعبٍ مستمر .
لم تكن تعلم أنها ستتألم هكذا ، لقد ظنت أن الحمل متعب ولكن ليس بهذا القدر حيث تشعر أن قلبها سيتوقف وأنفاسها تكاد تكون معدومة .
حياتها باتت مملة خاصة وأن سيف في الآونة الأخيرة أصبح يسافر كثيرًا ويغيب لفتراتٍ طويلة .
لا تعلم لمَ بات يتعمد تجاهل عائلتها في أي مناسبة .
فمثلًا حينما أخبرته بحفلة ذكرى ميلاد سارة التي جهزها لها علي في أحد الأماكن وطلبت منه الحضور رفض بشكلٍ لا يقبل النقاش وأرسلها مع السائق لتحضر وتعود .
أحيانًا يطلب منها أن تذهب للمكوث في بيت سعاد لحين عودته من السفر ولكنها تأبى ، ترفض أن تكون عبئًا على أحدهم خاصة بحالتها الواهنة تلك لذا فهي تجلس في فيلتها وحولها العاملات تلبين لها سائر طلباتها .
أما سارة فقد اعتادت على علي ، تعترف أنه فعل الكثير من أجلها ويومًا بعد يومٍ يثبت لها صدق حبه .
ربمَا هناك بعض الأفعال التي تشعرها بالضيق منه ولكن يمكنها تمريرها كمثل غيرته عليها من التعليقات وردود أفعال متابعيها .
ولكن ما أحزنها بحق أنه لا يحب الشوكولاتة كما كانت تتمنى وتخطط لتطهو لشريك حياتها أشهى الأطعمة منها .
كانت فريدة تجلس في غرفتها تشعر بوخزةٍ تستقر في صدرها .
وخزة عنيفة لا تعلم سببها حين رن هاتفها فتناولته تجيب وهي تملس على صدرها :
- كيف حالك يا سارة .
تحدثت سارة بحب :
- بخير يا فريدة ، أنتِ كيف حالك اليوم ؟
حاولت سحب أنفاسها بصعوبة وشعرت بثقل يجتاحها وكأن أنفاسها ستتوقف لذا قالت بوهن :
- سارة أشعر أنني أختنق ، هل يمكن أن تأتي ، صدري يضيق وحالتي بائسة حقًا .
نهضت سارة من جلستها تردف بقلق وهي تنتشل ملابسها :
- حسنًا يا فريدة لا تقلقي إن شاء الله خيرًا ، هيا تمددي الآن ولا تبذلي مجهودًا وأنا سآتي في الحال .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
وبعد تصميمٍ من سارة حيث اصطحبت فريدة إلى دكتورة قلبٍ تتابعها على مواقع التواصل وقد تعرفت عليها مسبقًا .
لم تحتمل سارة ما رأته حيث كانت فريدة شبه فاقدة للوعي وتعاني من تصلب شديد في قدمها وذراعها الأيسر وصدرها .
ظنت أن شكواها من الحمل لذا اتخذتها ذريعة كي ترفض عدم الذهاب للأطباء الذين لا تحبهم أبدًا .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ولكن بسبب وهن حالتها وتصميم شقيقتها ها قد توقفت سارة أمام عيادة الطبيبة بعدما أبلغتها بحالة فريدة ونصحتها أن تأتي في الحال .
دلفتا وصعدتا حيث الطابق المنشود ثم دلفتا العيادة واستقبلتهما العاملة بابتسامة هادئة حينما أخبرتها سارة بموعدها أسرعت نحو الطبيبة تخبرها حيث لا تحتمل حالة فريدة الانتظار .
دلفتا للطبيبة على الفور لتسرع سارة وتساعد فريدة في التمدد على سرير الكشف لتبدأ الطبيبة في فحصها وسألتها عدة أسئلة وفريدة تجيب بذعرٍ زاد من ألمها حينما وجدت الأمر مبالغ به .
أسرعت الطبيبة تفحص قلبها بأشعة فوق الصوتية حينما شعرت بأمرٍ ما ليتبين لها أنها بالفعل تعاني من مرضٍ في القلب وهو انسداد الشريان الأوورطي .
بعد حوالي نصف ساعة من الفحص الذي طال
زفرت الطبيبة بملامح هادئة بعد أن انتهت ونهضت تتجه نحو مكتبها بينما ساعدت سارة شقيقتها في النهوض وتحركتا نحو مكتب الطبيبة تجلسان لتتساءل سارة بتوترٍ وملامح مذعورة بعدما رأت حالة الطبيبة :
- طمئنينا أيتها الطبيبة ، أختي بخير أليس كذلك ؟
كانت تتمنى أن تجيبها بنعم ، بل تترجاها بنظراتها ولكن خاب أملها حينما زفرت الطبيبة تقول بأسف :
- ستكون بخير إن شاء الله ، هناك مشكلة صغيرة في القلب وهي انسداد الصمام الأوورطي وسنعمل على حلها .
استمعت فريدة لها بصدمة جردتها من الألم والتهمها الخوف الذي جعلها تشحب كالأموات لذا ابتسمت لها الطبيبة وتحدثت بنبرة مطمئنة :
- لا داعٍ للقلق أبدًا ، جميع أمراض القلب الآن أصبحت مثل دور الانفلوانزا ولكن أخبريني هل لديكِ أحد من عائلتكِ يعاني من مرضٍ في القلب .
تعمقت في عين الطبيبة بضياعٍ وتشتتٍ وتحدثت بتيه وهي ترى أمامها مستقبلًا أسودًا ، لا لا ترى أمامها أي مستقبل :
- نعم أمي ، أمي ماتت بسبب مرضٍ في القلب .
أسرعت سارة تتمسك بكفيها وتطالعها بعيون ثاقبة وتردف بنبرة موبخة رافضة تمامًا ما تسمعه :
- فريدة هل تسمعين جيدًا ، تخبركِ الطبيبة أن مرض القلب أصبح علاجه سهلًا ، هل تفهمين ، ما حدث هذا حدث منذ سنواتٍ عدة حينها كان الطب لم يتقدم بعد ، أما الآن فالوضع أصبح مختلفًا .
التفتت بعدها سارة تنظر إلى الطبيبة وتحدثت بنبرة قوية ومتألمة في آنٍ واحد :
- أخبريني أيتها الطبيبة ما يجب علينا فعله ، هل تحتاج إلى جراحة ؟ ، هل تحتاج إلى سفرٍ ، أخبريني أرجوكِ وكل ما تحتاجه سنفعله .
تحدثت الطبيبة بعملية وابتسامة بالرغم من لمعة الحزن في عينيها والتي لم تخفَ على سارة :
- اهدئي يا آنسة سارة كل ما سنفعله الآن هو وضعها تحت المراقبة إلى أن تلد ثم سنحدد لها الجراحة وليست بحاجة للسفر فيوجد هنا أفضل المستشفيات المتخصصة لحالتها ، ولكن أخبريني يا فريدة أين زوجكِ ؟
التفتت فريدة تطالعها بيأسٍ تجلى في نبرتها وهي تقول :
- إنه خارج البلاد في مؤتمر عمل .
أومأت لها متفهمة ثم ابتسمت وتابعت بنبرة تحمل مرحًا كي تهون عليها :
- حسنًا أراكِ على الفور تتجهمين ، لا داعي لذلك أبدًا هناك فقط مشكلة صغيرة وسيتم حلها فور ولادتكِ ولكن لدي سؤالًا .
ترقب سارة وفريدة فتابعت الطبيبة ببعض التعجب :
- ةأولم تشعري أبدًا بأعراضٍ طوال الخمس عشرة عامٍ الأخيرة ؟ .
هزت فريدة رأسها بحزنٍ وتحدثت موضحة بنبرة منكسرة :
- لا ، لم أشعر بشيء ، ربما القليل من الوخزات في صدري والتي كنت أتجاهلها لأنني أخشى الأدوية والأطباء من صغري لذا فلم أكن أشتكي من شيء ولكن مؤخرًا زادت الأعراض وظننتها من الحمل ، لم أكن أتوقع أنني سأرث من والدتي مرضها .
تهاوى قلب سارة من نبرة شقيقتها وعادت تردف بنبرة موبخة ترفض بها ما يتردد داخل عقلها :
- كفي عن التحدث بهذه النبرة يا فريدة ، أنتِ ستكونين بخير .
التفتت بعدها إلى الطبيبة وتساءلت بشيءٍ من القسوة الناتجة من سوء أفكارها :
- حسنًا يمكننا إجهاض الطفل إن كان ذلك مفيدًا لها ؟
طالعتها الطبيبة بذهول تحاول ألا تغضب ولكنها قالت بنبرة حادة :
- أي إجهاض ؟ ، شقيقتك في أواخر الشهر السادس هذا يسمى قتلًا .
أطرقت رأسها خجلًا ولكن بكت ، بكت حينما شعرت أن حياة أختها مهددة لذا أسرعت تجفف دموعها كي لا تراها فريدة وتحدثت بتشتت :
- أنا لا أعلم بماذا أتفوه ، حسنًا ما رأيكِ أن ندخلها مشفى متخصصة تمكث فيها إلى أن تلد ، هل سيكون هذا أفضل لها ؟
أومأت الطبيبة مؤيدة لهذا القرار قائلة :
- هذا سيفيدها كثيرًا ، ولكن ستكون التكلفة عالية .
- لا بأس .
نطقتها سارة بثقة وهي حتى وإن لم يتحمل سيف تكلفة مرض زوجته لتتحمل هي ، ستبيع سيارتها وكل مدخراتها الذهبية وكل ما تملكه وستنفقه على شقيقتها يكفيها أن تحيا .
أما فريدة فكانت في ملكوتٍ آخر تمامًا ، هجم عليها اليأس والاستسلام ، تشعر أن هذه أولى خطوات النهاية .
هل كان عليها أن تطيعه وألا تحمل ؟ ، هل حملها هذا سيكون سببًا في موتها ؟
هل ورثت أيضًا المرض من والدتها كما ورثت الحظ السيء في الحب .
كانت تسعى لحياةٍ أفضل وأكثر سلطة ونفوذًا وثراءً ولكن كل هذا هل عاد عليها بالمنفعة ؟
هل سيفيدها وستنجو ؟
انتبهت على نداء سارة المتكرر وهي تحثها على النهوض لتغادرا فنهضت معها بصعوبة حيث شعرت أن أعصابها تخلت عنها .
تمسكت بها سارة وتحركتا للخارج تغادران وما إن وصلتا للصالة حتى أجلستها على مقعدٍ قريب مردفة بتخبطٍ ودموعٍ تخفيها :
- فريدة نسيت هاتفي في الداخل انتظريني هنا لأحضره .
تركتها وأسرعت تتحرك عائدة إلى الطبيبة وهنا سمحت لدموعها أن تفيض ووقفت أمام الطبيبة تتساءل بترجٍ :
- أخبريني أيتها الطبيبة ، قولي لي أن شقيقتي ستكون بخير أرجوكِ .
تنهدت الطبيبة تنظر لسارة بحزن ثم ابتسمت بتكلف قائلة :
- إن شاء الله ستكون بخير ولكن من الأفضل نقلها إلى المشفى خوفًا من تعرضها لأي وعكة نسبةً لكونها حامل ، ويجب أن يعلم زوجها .
أومأت سارة ثم تساءلت بتشتت وقهرٍ يقبض على قلبها :
- حسنًا أخبريني كم نسبة نجاتها ؟
أطرقت الطبيبة بأسف ثم عادت إليها تقول بصدقٍ :
- ضئيلة ، الصمام مسدودٌ بشكلٍ كبير ولا أعلم كيف تحملت كل تلك الآلام بمفردها ولكن يبدو أن شقيقتكِ تخاف ، كل ما عليكِ فعله هو بث الأمل فيها ، حالتها النفسية هي عاملٌ رئيسي في الشفاء .
تحركت سارة تغادر بصدمة ، تتحرك فقط ولكن عقلها توقف عن التفكير وكل ما هجم عليه هو فكرة موت شقيقتها وتلك الفكرة جعلتها على حافة الجنون مستنكرة حدوث ذلك .
ما إن خرجت حتى سلطت فريدة أنظارها عليها تطالعها بترقب لتجدها باكية ولولا النقاب لكانت رأت شحوب ملامحها ولكن تكفي عيناكِ يا أختي ، تكفي نظرتكِ لتؤكد لي أنني ... سأموت .
اتجهت إليها سارة تبتسم من أسفل نقابها وقالت وهي تساعدها على النهوض :
- هيا يا جميلة الجميلات يا صاحبة أجمل قلب .
ابتسمت فريدة بألمٍ بقهرٍ بيأسٍ وتحدثت وهي تخطو مع شقيقتها نحو الخارج بخطوات ضائعة مبعثرة :
- أي جمال سارة ، قلبي مريض متهالك فكيف له أن يكون جميلًا .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
نزلتا للأسفل وساعدتها سارة في ركوب السيارة والتفتت تستقل مكانها وتقود لتتساءل فريدة وهي تطالعها بثقبٍ :
- أخبريني سارة ماذا قالت لكِ الطبيبة ؟ ، هل أخبرتكِ أنني سأموت .
التفتت لها سارة تطالعها بحدة ثم أسرعت تخفي عينيها عنها وتردف بتأكيد وصوتٍ عالٍ لتكتم صوت أفكارهما :
- ستكونين بخير يا فريدة ، لن يحدث لكِ مكروهًا ، ستلدين ثم ستخضعين إلى جراحة صغيرة ومن بعدها ستكونين بأفضل حال، وتوقفي عن هذه التراهات ألا تلاحظين أنكِ جبانة؟ ، هناك أطفال لم تتجاوز أعمارهم العام ويخضعون لجراحة قلبٍ ، كفي عن الأفكار السوداوية يا مملة .
ابتلعت فريدة لعابها وبكت ، بكت تضع كفوفها على وجهها فلم تعد قادرة على التحمل ، لتتوقف سارة جانبها وتسرع في سحبها إليها وتعانقها بقوة وتملس على رأسها قائلة بحزنٍ تجاهد لتلجمه :
- فريدة أرجوكِ ، حسنًا ربما هذه الطبيبة مخطئة ، سنذهب إلى غيرها وغيرها وغيرها وحتى لو كانت صائبة ستكونين بخير .
هزت رأسها تردف بيأسٍ صريح :
- لا يا سارة ، لن أكون بخير ، ليتني استمعت إلى كلام سيف ولم أحمل ، سأشتاق إليه يا سارة ، أنا أحبه كثيرًا .
بكت معها وشددت من عناقها وتخلت الأحرف عنها فلم تجد كلماتٍ تواسيها بها بل ظلتا هكذا إلى أن ابتعدت فريدة تجفف دموعها وتردف بتحشرج :
- هاتفي سيف يا سارة ، أخبريه أن يأتي .
❈-❈-❈
مساءًا
يهرول إلى الفيلا بعدما جاء على متن أول طائرة عائدة للبلاد بعدما سردت له سارة ما حدث .
ها هي أسوء كوابيسه تتجسد أمامه لذا لم يحتمل ما سمعه وأتى .
اقتحم الغرفة ليجدها ممددة على السرير وحولها سارة وسعاد تجلس باكية بينما الأولى توبخهما على ما تفعلانه .
نظر لهما بتعجب تحول إلى حدة فوقفت سارة تردف بتوترٍ :
- هيا يا أمي لنخرج .
أومأت سعاد ونهضت تتحرك ثم وقفت أمامه قائلة وهي تربت على كتفه :
- حمدالله على سلامتك يا بني ، تحدث مع فريدة .
لم يجبها بل فقط يحدق بفريدة التي تستند وتطالعه بعجزٍ كأنها تخبره أنها ستشتاق له ولكن القدر مُصِر على الفراق .
غادرتا سعاد وسارة فتحرك صوبها بخطواتٍ بطيئة حتى وصل إليها وانحنى يقبل رأسها ويجلس أمامها على طرف الفراش يتعمق في ملامحها وعقله يدور في دائرة مفرغة يردد ( إنها اللعنة بدأت تتحقق )
لم تجد بدًا من عناقه حيث ألقت بنفسها بين ذراعيه فاحتواها يشدد عليها فباتت تبكي بنحيب وتردف من بين شهقاتها :
- أنت كنت محقًا يا سيف ، سأموت وأتركك .
عاجز عن الكلام فقط يحاول أن يهدئها لثوانٍ ثم ابتعد يطالعها ويزيح خصلاتها للخلف متسائلًا باستفسار :
- كيف حدث ذلك ، ومتى ، أنتِ لم تكوني تعانين من شيء ، كيف ظهر فجأةً هكذا ؟
هزت رأسها بغير علم ثم بدأت تخبره بما قالته الطبيبة ليردف بصرامة :
- حسنًا ربما هي مخطئة ، سنذهب لغيرها اطمئني .
كور وجهها يردد بتأكيد :
- ستكونين بخير .
هل تصدقه أم تصدق حدسها لتقرر تصديقه هو لذا ابتسمت له قائلة :
- صدقًا ؟
- نعم .
نطقها بتصميم لينزل بنظره إلى رحمها يطالعه للحظات ثم تجهمت ملامحه فجأة ليعود ويتحدث كأنه يشتكي إلى نفسه :
- لم أكن أريده ، لم أكن أريد حملًا يا فريدة ،، أخبرتكِ أنني لا أريد أن أكون أب .
عادت الغيوم تتكون في مقلتيها وهي تومئ له ندمًا على عدم سماعها لكلماته ولكن الآوان قد فات والآن في داخلها طفلًا صغيرًا ينمو وتشعر به وعليها أن تتقبله ، عليها أن تحبه مهما كانت الظروف .
❈-❈-❈
بعد أسبوعين
وبعد التأكد من حالة فريدة تم حجزها في مشفى خاص دفع سيف كل تكاليفه .
لم تتركها سارة لحظة بل رافقتها وبرغم اعتراض المشفى على ذلك إلا أن نقود سيف كان لها رأي آخر .
بقاؤها مع شقيقتها أثار حنق علي ولكن كان عليه تقبل الوضع إلى أن تلد .
أبلغها سيف بضرورة سفره إلى الخارج والعودة سريعًا لإبرام صفقةٍ ما وبرغم عدم تقبلها لذلك إلا أنها لم ترفض وسافر سيف وجلست هي تفكر طوال الليل وتتطلع على سارة التي تنام بالقرب منها .
في الصباح نادتها للتحدث إليها فاتجهت سارة تطالعها بابتسامة هادئة وقالت بحنان مازحة :
- ماذا تريدين يا روح قلب أختك ، أخبريني وسأفعله حتى لو طلبتي أن أرقص لكِ .
ابتسمت لها فريدة بوهن وشحوب ثم تنهدت بقوة وبدأت تخبرها بوصيتها قائلة وهي تتمسك بكفيها :
- اسمعيني سارة ، أريد منكِ وعدًا ولا تقاطعيني أرجوكِ .
انسحبت الدماء من وجه سارة واستشفت حديثًا مؤلمًا بينما تابعت فريدة بهدوء واستسلام :
- إذا لم أنجُ ونجا صغيري اعتني به جيدًا ، كوني له أمًا ، ولا تتركيه لسيف يا سارة فهو لم يكن يريده ، خذيه لكِ ولكن أخبريه عني وأخبريه أنني كنت أتمنى رؤيته ، لا تتركيه أبدًا يا سارة .
أصبح وجهها باردًا وجميع أطرافها وهي تطالع شقيقتها بصدمة ألجمتها لتتابع فريدة قبل أن تستيقظ سارة من صدمتها :
- سأخبر سيف أن يتركه لكِ ولكنه لن يراعيه ، سيهمله وسيتركه هو لا يريده ، أرجوكِ سارة عديني ألا تتركيه أبدًا .
لم تجد ما تنطق به فقط تطالعها بصمتٍ كأنها فقدت معالم الحياة لتردد فريدة بقلبٍ متهالك حزين :
- عديني سارة .
- أعدكِ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
الحياة غريبة والقضاء صادم والقدر عجيب
يعطوك فجأة ما لم تتوقعه أو حتى يمر على عقلك من الأساس .
أسبوعًا آخر يمر والأوضاع هادئة نوعًا ما .
إلى أن استيقظت سارة بفزع على صرخة خرجت من جوف فريدة .
لا تعلم كيف وصلت إليها وتساءلت بتبعثر وجحوظ وهي تتفحصها :
- ما بكِ ، ما بكِ فريدة ؟
نظرت فريدة أسفل ساقيها فتتبعتها سارة بنظراتها حتى حجظت وتدلى فكها لتقول فريدة بذهول صادم :
- هناك مياه كثيرة وأشعر بثقل أسفلي ، أنا ألد .
وقفت سارة متجمدة لثوانٍ قبل أن تستعيد وعيها على صراخ فريدة وهي تقول بعدما شعرت بألمٍ حادٍ يتفجر من تحتها :
- آااااااااه أنا ألد يا سارة ، هاتفي سيف ليأتي أريد أن أرااااااه .
خرجت سارة من صدمتها لتسرع في إنزال نقابها وهي تركض نحو الخارج تنادي المسعفين والأطباء وبكاءها يزداد نحيبًا وحينما رؤوها أسرعوا إلى غرفة فريدة يفحصونها ليجدوا أنها ولادة مبكرة فهي لم تنهِ السابع بعد .
خلال وقتٍ قصير تم فيه تحضير غرفة العمليات أتى سيف وسعاد بعدما تحدثت إليهما سارة بقلبٍ يتهاوى رعبًا على شقيقتها .
أخذوها على كرسي متحرك نحو الداخل وهي تصرخ من شدة الألم ولم يتسنى لها أن تودعهم ولكن نظراتها كانت كفيلة لتعبر عمّا توّد قوله .
نظرت إلى سيف الذي يسرع معها متمسكًا بكفها يبثها كلمات الأمل والطمأنينة التي لا تشعر بهما لتتركه وتنظر نحو سعاد الباكية والتي كادت أن تسقط أرضًا لولا استنداها على أحد المقاعد .
وأخيرًا نظرت نحو سارة التي تجاورها على الجهة الأخرى ، نظرة انتفضت من بين أنينها تخبرها وتذكرها بوصيتها لتومئ لها سارة من أسفل نقابها بحزنٍ بلغ الحناجر كالعلقم .
دلفت فريدة واختفت عن أنظارهم ولكن صراختها لم تتوقف ، الألم أسفلها لا يحتمل وقلبها أيضًا لم يحتمل لذا ما إن خرج الصغير للحياة ونظرت له نظرة واحدة حتى توقف قلبها وغادرت هي نفس الحياة .
وهنا ندرك أننا أتيناها زائرين ، ليست لنا ، لا هي ولا متاعها ، كل ما بها من متاعٍ ما هو إلا ضيافة قدمت لنا من صاحب مكانٍ كريم سنتذوقها وكلٍ منا سيأخذ قدره المخصص له وحينما يحين الوقت سنغادر عائدين إلى ما ننتمي إليه ، هذه هي الحياة ببساطة .
سكن صوتها وبات الأطباء يحاولون إنعاشها عبثًا ، هنا موتٌ وعلى بعد خطوةٍ حياة حيث الصغير يبكي وتتعالى شهقاته وكأنه أراد إخبار من في الخارج بأن ينتبهوا له .
حينما سمعت سارة صوته ولم تعد تسمع صرخات شقيقتها دب الرعب في أوصالها وأرادت أن تطمئن عليها أو تكذب شعورها الموحش كالذئب الذي ينهش قلبها لذا باتت تصرخ وتضرب الباب الفاصل بعنف وتنادي على من في الداخل ليطمئنها أحدهم .
وقف سيف يطالعها عاجزًا عن مواساتها وكيف يواسيها وهو يشعر بمَ تشعر به بينما سعاد اتجهت إليها تحاول أن تواسيها بأملٍ تبخر وجف حينما خرج الطبيب يطالعهم ويردف بأسفٍ بالغٍ :
- للأسف ، فقدنا الأم .
صرخت سعاد صرخة هزت الجدران وصمت الآذان بينما لم تحتمل سارة ما سمعته لذا فضلت فقدان الوعي عن الشعور بهذا الكَم من الألم لذا سقطت أرضًا ليسرع الطبيب إليها طالبًا المساعدة من المسعفين .
أما سيف فوقف متجمدًا يتابع ما يحدث من حوله كذلك الفتى الصغير الذي فقد والدته في سن الثالثة عشر ، نعم إنه هو هذا الفتى .
لم ينطق ولم يشعر بمن حوله ، فقد هجمت عليه ذكرياتٍ ولعناتٍ حاول بكل الطرق أن يطردها ولكنها أبت .
❈-❈-❈
أسبوعًا قد مر .
غادر سيف البلاد بعدما كتب الصغير على اسمه قانونيًا ولكنه هرب ولم يواجهه ولم يرهُ حتى ، هذا الصغير الذي كان وزنه ضعيفًا جدًا لذا أدخلوه الحاضنة ليظل بها إلى الآن .
لم تتخطى سعاد حزنها ولا حرقة قلبها ولكنها كانت كعادتها أقوى من سارة .
سارة التي تخلت عن كل معالم الحياة ، فقط تعيش على ذكريات شقيقتها .
لا تصدق أنها تركت الدنيا ، إلى الآن تقنع نفسها أنها ستعود كما كانت تقنع نفسها بعودة والدها .. ولكنه لم يعد .
تقضي معظم وقتها في النوم لتهرب من التفكير الذي لا تحتمله ليودي الحال بها إلى بداية إكتئاب برغم محاولات سعاد معها ولكنها لم تستطع تجاوز هذا الحزن والألم والضيق الذين يقبضون على قلبها .
جمعت أغراض فريدة وأتت بها إلى غرفتها لتعيش بينهم وكلما تحركت خطوة تتخبط بهم خوفًا من نسيانها لحظة .
❈-❈-❈
كانت سعاد تتحدث مع علي عبر الهاتف بقلقٍ عن حالة ابنتها قائلة :
- لا أعلم يا علي متى تخرج من حالتها تلك ، بت أخشى عليها .
تحدث علي بضيقٍ مبطن وبنبرة أوشكت على الانفجار من تحمله كل هذه الفترة في مرض فريدة والآن وفاتها :
- يجب أن تخرج سارة من تلك الحالة يا أمي ، اسمحي لي أن آتي وأتحدث معها .
تنهدت تفكر قليلًا ثم أومأت تجيبه :
- حسنًا يا بني تفضل ، ربما استطعت إخراجها من حالتها تلك .
نهض على الفور من مقعده يردف بحماس :
- حالًا يا أمي مسافة الطريق وسأكون عندكِ .
❈-❈-❈
دلفت سعاد غرفة ابنتها لتجدها تصلي وترتدي إسدال فريدة كعادتها .
تنهدت واتجهت تجلس على طرف الفراش تنتظرها إلى أن تنتهي .
لتختم سارة صلاتها بعد دقائق وتتنفس لتخفف من وطأة الضيق المصاحبة لها والتي ما إن لجأت لربها شعرت بالانشراح لذا تعود سريعًا للانغماس في ذكريات شقيقتها حتى لا تنشرح ، وكأنها تخشى الخروج من دائرة الحزن هذه حتى لا تحزن فريدة .
أحيانًا حينما نفقد عزيزًا من شدة تعلقنا به وحبنا له نستسلم للحزن .
نخشى أن يسحبنا الزمن ويستدرجنا النسيان لذا نفضل البقاء داخل بلورة الحزن حتى لا ننساه .
وبالرغم من كونها فتاة مسلمة ملتزمة إلا أنها خطاءة فالنسيان نعمة هي ترفضها خشيةً على شعور شقيقتها التي لم تعد هنا .
نهضت تطبق سجادتها وتضعها جانبًا ثم التفتت تنظر نحو والدتها بعيون لامعة واتجهت تجاورها بصمتٍ قطعته سعاد قائلة بتروٍ :
- حبيبتي سارة ؟ علي سيأتي بعد قليل ، طلب مني أن يزوركِ ويتحدث معكِ وأنتِ لا تجيبين على اتصالاته والشاب ليس له ذنبًا ، يجب أن تتحدثي معه يا قلب أمكِ .
أغمضت سارة عينيها وتنهدت تمنع الدموع من السقوط فليس وقتها الآن ، لمَ باتت تأتي في كل المواقف فوالدتها لم تقل شيئًا عن فريدة؟، أأصبحت حاضرة عند كل الأحداث؟ .
زفرت بقوة ثم طالعتها وتحدثت بوهن بعدما نقص وزنها قليلًا نسبةً لتناولها القليل جدًا من الطعام :
- حسنًا يا أمي ليأتي .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ابتسمت سعاد بهدوء وامتدت يدها تربت على كف ابنتها قائلة بتريث ولين :
- سارة ؟ ، تركتكِ أسبوعًا تعيشين حزنكِ على فريدة التي يعلم الله كم أن قلبي ينفطر عليها ، ولكن كفى يا ابنتي ، كفى حزنًا فهناك صغيرًا بحاجتنا ، هناك طفلها يا ابنتي أم أنكِ نسيتي هذا البريء الذي لا ذنب له .
لم تنسه ولكن لم تكن تريد تذكر وعدها الآن ، أرادت أن تحزن كما يجب أن يكون ولتتخذ من الحاضنة حجةً كي تعيش حزنها دون أن يأخذها منه هذا الصغير الذي يحتاجها .
لتعود وصية فريدة وتهاجم عقلها وتتذكرها كأنها قالتها للتو .
كانت تعلم أنها ستفارق هذه الحياة وتترك صغيرها لتسلم سارة الوكالة بدلًا عنها في الأمومة وهي تدرك جيدًا أن سارة ستكون خير أمٍ له .
زفرت بقوة وتحدثت بنبرة مجهدة مختنقة :
- نعم أمي ، بقى فقط ثلاثة أيام ثم سأذهب لأحضره .
أومأت سعاد وتحدثت بدمعة التقطتها بكفها :
- رحمكِ الله يا فريدة ، رحمكِ الله يا ابنتي كنتِ تعلمين .
سكنت قليلًا ولكنها تسببت في المزيد من دموع سارة دون أن تدري لذا عادت تسأل متذكرة :
- ألم تسمعي أخبارًا عن سيف يا سارة ؟ ، أين ذهب هذا الشاب يا ترى ؟
تجلى الغضب ورسم خطوطه فوق ملامح سارة لندفع قائلة بتجهم من بين دموعها :
- لا أريد أن أعرف عنه شيئًا ، هذا القاسي متحجر القلب الذي غادر وكأنه كان ينتظر وفاتها ، ترك كل شيء وسافر ، إنه نذلٌ كبيرٌ عديم المسؤولية وأنا التي كدت أصدق أنه يحبها .
هدأتها سعاد وأردفت بنبرة حانية وهي تسرع في الربت على ظهرها :
- حسنًا اهدئي يا حبيبتي سيكون كل شيء على مايرام وهيا استعدي كي تستقبلي علي ، هذا الشاب صبر معنا كثيرًا ولم يعترض ولكنه من المؤكد يريدكِ أن تهتمي به قليلًا ، لا تنسي أنكِ منذ مرض فريدة وقد أهملتيه تمامًا .
حاولت أن تهدأ قليلًا ثم أومأت بصمت لتتركها سعاد وتغادر الغرفة وتنهض هي تستعد لمقابلته التي لو ترك الأمر لها لأنهت كل شيء فهي لم يعد لديها طاقة لتقدم الحب والاهتمام لأحدهم .
❈-❈-❈
جاء علي ورحبت به سعاد وجلس بهدوء ينتظر سارة التي خرجت إليه بعد دقائق قليلة ترحب به برتابة برغم حزنها الذي يلاحظه حتى في خطواتها وحركاتها .
جلست أمامه مطرقة رأسها لا تجد حديثًا تبدأه ليتولى هو هذه المهمة ويتساءل بعيون ثاقبة محدقًا بها :
- كيف حالكِ الآن يا سارة ؟ ، هل بتِ بخير ؟
مررت تنهيدة على رئتيها ثم رفعت نظرها له تومئ قائلة بهدوء ينافي عيناها المغلفة بالحزن :
- الحمد لله يا علي بخير ، أنت كيف حالك ؟
ابتسم لها بسعادة وتحدث يجيب ببشاشة :
- بعدما رأيتكِ أصبحت بأفضل حال ، وأيضًا اشتقت لكِ .
توترت نظرتها وأطرقت رأسها بخجل واعتراض على كلمته تلك التي لم تتقبلها ولكنها أجابته بهدوء :
- شكرًا لك .
تجهمت ملامحه من ردها ليزفر متحاملًا ثم يتابع مستفسرًا :
- لمَ توقفتِ عن العمل ، أنا أرى أنكِ تبدئين في العودة ، لقد كنت أراقب متابعاتكِ وجميعهن اشتقن لكِ وتسألن عنكِ .
شردت قليلًا تفكر ، بالتأكيد لم يشعر بها لذا أومأت تقول بهدوء :
- إن شاء الله سأعود قريبًا ، ولكن ليس مثل السابق لأنني بعد ثلاثة أيام سأذهب لأحضر نوح ابن فريدة من المشفى .
قطب جبينه للحظات قبل أن يتذكر أمر هذا الصغير لذا تحدث باستفهام :
- ابن فريدة ؟ ، هل سيظل معكما هنا ؟ ، لمَ لا يأخذه والده ؟
رفعت عيناها تباغته بنظرة قوية من أسفل نقابها وتحدثت بنبرة تشبه نظرتها متجردة من وهنها للحظات :
- أي والد ؟ ، نوح ابن فريدة سيتربى معي أنا وأمي فقط .
تحمحم متعجبًا واستشاط داخله ولكنه أظهر هدوءًا وهو يقول مصححًا :
- حسنًا سارة اهدئي أنا لم أقصد شيئًا ، كل ما في الأمر أنني لا أمتلك خلفيةً عن موضوع الصغير هذا .
تحلت بالهدوء لتعود لحزنها وتنفس بقوة حيث أومأت تقول :
- اعذرني يا علي أنا فقط أكره سيرة ذلك الرجل ، ولكن أعلم أن لا ذنب لك بالطبع .
انتعش داخله مجددًا من كرهها الملحوظ نحو سيف الذي يبغضه هو الآخر لذا أومأ ثم فكر قليلًا ليعود القلق ينهشه من أمر ذلك الصغير الذي على ما يبدو سيؤثر على مستقبله معها لذا قال بنبرة هادئة مبطنة بالخبث :
- بالطبع أنتِ محقة ، ثم أنني أود رؤية هذا الصغير فأنا أعشق الأطفال ، وأرى أن وجوده بينكما أنتِ وأمي سعاد سيكون عوضًا جميلًا ، وكذلك حينما نتزوج سيكون الصغير بمثابة ونسًا لوالدتكِ .
حدقت به من أسفل نقابها تحاول أن تبرهن لنفسها صدق نيته لذا قالت بهدوء ملغم بالجدية في نبرتها :
- أنا لن أترك نوح يا علي ، نوح سيتربى معي ، هو وصية أختي التي لا يمكنني التخلي عنها ، لقد وعدتها أن أكون أمًا له وسأفعل .
تجمد علي يطالعها بصمتٍ بينما داخله يضج بالصخب ، هل جنت هذه أم ماذا ؟ ، كيف سيتقبل ما تقوله ؟ .
يحق له أن يعترض ولكن في هذا الوقت تحديدًا ربما اعتراضه أتى بنتائج عكسية أدت إلى تفكك علاقتهما التي هي بالأساس شبه مفككة لذا تنفس نفسًا قويًا ثم قال بملامح متجهمة لم يستطع ردعها بعدما عكرت صفوه :
- حسنًا يا سارة دعينا نتحدث عن هذا في وقتٍ لاحق .
كادت أن تحتد وتنهي كل شيء لولا تدخل سعاد في الوقت المناسب وهي تحمل صينية الضيافة وتعيد ترحيبها بعلي وتقدم له العصير والمقبلات بينما هو ظل يتابع سارة التي باتت تتنفس لتهدأ قليلًا ولتتروى في تفكيرها .
❈-❈-❈
بعد ثلاث أيام
اتجهت سارة مع سعاد لتحضر الصغير .
دلفتا المشفى ومنه إلى الردهة المؤدية للحاضنة لتقفا بها تنتظران خروج الصغير بعدما أتمت سارة الإجراءات .
خرجت إليهما الممرضة تحمل الصغير بين يديها فأسرعت سارة تلتقطه منها وتطالعه بذهول لترى على الفور ملامح شقيقتها مرسومة على وجهه .
غلف البكاء عيناها وسعاد تجاورها وتتطلع على الصغير مرددة ذكر الله :
- بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن .
بكت سارة وانحنت تقبل جبين الصغير وقد ارتدت نقاب أبيض اللون حتى لا يفزع إذا رآها لذا ابتسم لها وكأنه شعر معها بالأمان الذي افتقده طوال العشرة أيام الماضية باحثًا عن أمه .
وفي هذه اللحظة وهذه الابتسامة البريئة التي صدرت منه دون نية منه في الابتسام ولكنها كانت كفيلة لتغير مسار حياة سارة تمامًا من النقيض إلى النقيض .
❈-❈-❈
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
بعد أربعة أشهر .
ينام الصغير على السرير وتقف سارة أمامه تبدل له الحفاضة وتناغشه تارة وتتجهم ملامحها أمامه تارة أخرى فيبتسم وتتعالى ضحكاته لأنه يعلم يقينًا أن تجهمها هذا ما هو إلا قناعًا لإضحاكه .
تصدر أصواتًا لحيواناتٍ نعرفها وأصواتًا لا نعرفها كأنها كائن فضائي ولكن لا يهمها، كل ما يهمها هي ضحكة هذا الصغير الذي يبتسم حتى انتهت وحملته تهدهده وتتجه به نحو الخارج مردفة بمرحٍ كأنها تتحدث إلى رجلٍ راشد :
- ما رأيك أن أضعك هنا في هذا السرير الذي دفعت ثمنه من دمائي كي يلهيك قليلًا ولكنك تتركه وتلتصق بي ، هل أنا أنجبتك ونسيتك يا ولد ؟ ، لم لا تتهذب وتجلس مثل باقي البشر وتكن هادئًا إلى أن أنهي ما طلب مني ؟
كانت قد وضعته داخل السرير الخاص به بالفعل والذي ابتاعته له كي يلهيه حيث تتعلق به بعض الألعاب الملفتة لنظر الأطفال ولكن هذا الصغير لم يلتفت لأي شيء سواها حيث بدأ يئن ويتلوى حينما شعر أنها ستتركه هنا لتزفر بقوة ثم تعاود حمله وتهدهده قائلة بنزق لذيذ :
- أيها المشاغب ، هل هناك من سلطك علي ؟ أريد أن أنهي أعماااااالي .
قالتها بملامح منكمشة وهي تطالعه وترفعه بيدها ليضحك بصخب عليها كأنها تدلله لا توبخه أم أنه اعتاد على توبيخها هذا وبات يطالب به فضلًا عن الدلال إذا كان الدلال سيكون عبارة عن سرير ممل فيه بعض الألعاب المملة التي لن تسعده .
لتنسى نزقها في الحال بمجرد أن يقهقه هذا الصغير فتبادله الضحكة وتعاود احتضانه بقوة بل تعصره عصرًا واضعة قبلة عميقة على وجنته المنتفخة ثم قضمة على الأخرى .
جاءت سعاد على صوتها تطالعها بتنهيدة ثم قالت بهدوء وهي تحاول تناول الصغير منها :
- أعطني هذا المشاغب لأرى واذهبي أكملي عملكِ .
ناولته لوالدتها تنظر له لثانية اثنتان وفي الثالثة كان يتلوى ويريد العودة لها لتبسم بسعادة وحنان طاغي يجتاحها نحوه لذا أسرعت تمد يدها لتنتشله ولكن أبعدته سعاد عنها بضيقٍ تجاهد لتخفيه وراء ابتسامة هادئة وهي تحاول هدهدة الصغير بهدوء قائلة :
- توقفي سارة ودعيني أهدهده فهو طالما يراكِ تنفذين له رغباته لن يحل عنكِ حتى أنه بات لا يريد أن أحمله .
ابتعدت سارة تطالعه باستعطاف وتمط شفتيها كأنها تشتكِ والدتها له فعاد يشير نحوها فحاولت سعاد إلهاءهُ قائلة وهي تطالع سارة بحدة ربما ظاهريًا كاذبة ولكنها حقًا باتت مستاءة من هذا الوضع :
- سارة هيا اذهبي واتركيه لي .
تنفست سارة بقوة وتحركت من أمامه مضطرة لتنهي أعمالها التي تراكمت فوقها حتى أنها خسرت جزءًا من متابعيها ولكن لا يهم كل شيء يهون مقابل ضحكة من نوح .
نوح التي تعلقت به تعلقًا قويًا وكذلك هو حتى أنها لم تعد تهتم بالطهي وصناعة الشوكولاتا كما أهملت علي الذي يسعى ويتحمل هذا الوضع كي لا يخسرها وتعلم جيدًا أنها مخطئة في حقه وأنها لن تجد رجلًا يتحمل أوضاعها مثله ولكن ليس بيدها شيء .
كل ما تريده الآن هي سعادة هذا الصغير وإعطاءه كل المشاعر التي يحتاجها ولم تبخل عليه في ذلك وهذا تسبب لها بمشاكلٍ مع والدتها التي تراها تتناسى مستقبلها لأجل نوح .
تريدها أن تهتم بنفسها وبه ولكنها ترى أن ابنتها صبت اهتمامها بالصغير فقط ، ترى جيدًا أن علي يتحمل فوق طاقته وهذا لن تقبل به .
عليها أن تجد حلًا صارمًا حتى لو كان قاسيًا ولكنها ترى أن ابنتها هكذا تقضي على مستقبلها .
هي بصحة جيدة وتستطيع مراعاة هذا الصغير ولتلتفت ابنتها لنفسها قليلًا فقد اقترب زواجها وهي إلى الآن تقف مكانك سر .
استطاعت سعاد إلهاءه الصغير عن سارة حيث أخذته إلى غرفتها وباتت تلاعبه فتقبل الصغير دلالها مؤقتًا ليترك سارة تنهي بعض الأعمال وكلما شعرت بحاجتها لقبلته أو ضمه ركضت إلى غرفة والدتها تقبله وتضمه وتعود ركضًا قبل أن توبخها سعاد .
انتهت من أعمالها أخيرًا وأسرعت نحو الصغير الذي بدأ يبكي مطالبًا بها .
التقطته من سعاد تقبله تحت أنظار الأخيرة المتنهدة بضيق ثم طالعتها تقول بجدية :
- هذا الوضع زاد عن حده يا سارة ، لم يتبقَ على زفافك الكثير من الوقت وأنتِ لا تهتمين ، منذ متى وابنتي عديمة المسؤولية هكذا ؟ ، ما ذنب هذا الشاب الذي يحبكِ ويتحمل وضعكِ الصعب هذا ؟
نظرت سارة للصغير الذي بدأ يغفو في حضنها وهي تربت عليه بحنانٍ ثم عادت تطالع والدتها مرةً أخرى وتردف بتوتر :
- لمَ كل هذا يا أمي ؟ ، هل تطلبين مني أن أترك نوح وأنتِ تعلمين أنه وصية أختي ؟ ، وعلي أيضًا عليه أن يتقبل ذلك وإلا ــــــــ .
- إياكِ سارة ، إياكِ أن تقوليها .
قاطعتها سعاد تنطقها بصرامة وعيون محذرة وهي ترفع سبابتها في وجهها لتشعر سارة بالضيق والضغط يحاوطانها لتعود سعاد تتابع بجدية ثاقبة :
- ستلتفتين إلى مستقبلكِ وحياتكِ مع من يحبك ، ابنتي ليست ناكرة للجميل وذلك الشاب تحمل الكثير لأجلكِ ، ولو كنت رأيت منه عيبًا لقلته ولكنني أرى أنكِ المخطئة لذا يجب أن أقف لكِ بالمرصاد .
مسحت سارة على ملامحها بضيقٍ والتزمت الصمت ولا تعلم بماذا تجيب والدتها التي تراها محتدة لتتابع سعاد وهي تمد يدها لها :
- أعطني الصغير لأضعه في سريره واذهبي اغتسلي وبدلي ثيابكِ ، بتي مهملةً حتى في هيئتك .
ناولتها سارة الصغير بملامح حزينة فأخذته سعاد وتحركت به نحو غرفتها بينما اتجهت سارة نحو المرآة المعلقة بالقرب من باب المنزل لترى هيئتها .
ظلت تحدق في نفسها لثوانٍ وحينما وجدت أن كلمات سعاد صائبة أسرعت تحتال على نفسها قائلة بدلال :
- ما بها هيئتي ، ها أنا مثل القمر .
طرقات على الباب أجفلتها لتسرع في قول :
- مَن .
لم يرد الطارق فأسرعت ترتدي اسدالها وتعقد نقابها وتنزله سريعًا ثم فتحت الباب بمواربة تنظر من جزءٍ صغيرٍ منه وحينما رأته جحظت عيناها وتجمدت لتصبح كالتمثال تمامًا .
يقف أمامها بملامح تشبح بهم الحزن ورسم خطوطه أسفل عينيه بينما نمت ذقنه بشكلٍ كثيف .
لم يتحدث بل يطالعها منتظرًا أن تخرج من صدمتها التي دامت لثوانٍ قبل أن تفتح الباب على مصراعيه وتتكتف أمامه قائلة بملامح غاضبة أدركها من نظرتها المحتدة ووقفتها وهي تقول :
- ماذا تريد ؟
- أريد ابني ، جئت لآخذه .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
لا تقترب ولا تبتعد ، فقط قف لحظة وفكر جيدًا .
وقفت تطالعه ببلاهة تحولت إلى طاقة هجومية وهي تطالعه شزرا وتردف بحدة :
- أي ابن ؟ ، ليس لك أبناء هنا ، مع السلامة .
تمسكت بالباب لتغلقه ولكنه وضع قدمه يمنعها من إغلاقه ثم طالعها بعيون حادة يردد من بين أسنانه :
- ادخلي وأحضري لي طفلي .
وقفت تحدق به وقد انسحبت أنفاسها وتهاوى قلبها خوفًا من كلماته وملامحه الحادة لذا تحدثت بهجوم وغيظ :
- عن أي طفل تتحدث ؟ ، هل تقصد الصغير الذي تركته في الحاضنة وسافرت حتى قبل أن تراه ؟ ، تقصد الصغير الذي لم تحزن على وفاة والدته كأنها لم تكن زوجتك ؟
كاد أن يرد عليها لولا مجيء سعاد من الغرفة على صوت سارة لتتجه نحو الباب وحينما رأته تعجبت ولكن أردفت بهدوء مرحبة :
- كيف حالك يا سيف ، تفضل يا بني .
تنهد سيف ونظر نحو سعاد بهدوء ثم تحدث بجدية :
- شكرًا لكِ ، أنا جئت لآخذ ابني وأغادر .
هاجت سارة مجددًا لتردف بغيظ وشراسة ومع ذلك تحافظ على مستوى صوتها الهادئ :
- لا تقل آخذه لأن هذا لن يحدث .
- سيحدث
نطقها بتحدٍ وهو يحدق بها فاغتاظت لتوقفها سعاد بنظرة محذرة ثم عادت تنظر نحو سيف قائلة بتروٍ :
- تفضل يا بني ، ادخل لنتحدث .
أفسحت له المجال وأزاحت بيدها سارة المتسمرة لا تود أن يدخل ليطالعها بتشفي ويعبر للداخل ثم اتجه يجلس وجلست سعاد ثم رفعت أنظارها نحو سارة تردف بنبرة آمرة :
- اذهبي يا سارة واحضري قدح قهوة سادة لسيف .
طالعت والدتها بتعجب فهي رحبت به واستقبلته بعد كل ما فعله ولكنها في النهاية أومأت بحنق وتحركت طواعية برغم رغبتها في البقاء ولكن لتحضره وتعود سريعًا .
نظرت سعاد إلى سيف وتحدثت بتروٍ :
- أين كنت طوال هذه المدة يا ابني ، وكيف تترك طفلك هكذا دون سؤالٍ ؟
تنهد سيف ونطق بمراوغة يتقنها وهو يجلس بأريحية :
- كنت في رحلة عمل يا سيدة سعاد ، والآن عدت وجئت لأصطحب صغيري معي ، هل هناك مانع ؟
قطبت سعاد جبينها تطالعه بتعجب ،، ربما يكون هذا حلًا مناسبًا كي تعود ابنتها إلى رشدها ولكن كيف ستترك الصغير يذهب معه ، هي أيضًا تعلقت به ناهيك عن مشاعر سارة وعليه أن يعلم ذلك جيدًا لذا تحدثت بتأنٍ موضحة :
- لا يا بني ليس هناك مانع ولكن لا تنسى أننا تعلقنا بالصغير ، ثم أنك لن تستطيع مراعاته بنفسك وأنت دومًا تسافر .
تحدث بنبرة واثقة وباردة :
- لا تقلقي حيال ذلك ، لقد جلبت له أفضل مربية وأما عن تعلقكما به فتستطيعان رؤيته وقتما تشاءان .
جاءت سارة تحمل القهوة وتحدثت برفضٍ قاطعٍ بعدما سمعت جملته الأخيرة :
- لا يا سيف يا دويري ما سيحدث هو العكس ، أنت حينما تود رؤيته ستأتي وتراه هذا إذا كنت تود رؤيته حقًا ، هل تظنني غبية لأصدق أنه بعد أربعة أشهرٍ من تركك له وعدم سؤالك عنه ولا حتى رؤيته أنك فجأةً هكذا أحببته واعتبرته طفلك ؟
كانت تتحدث وقدح القهوة في يدها بينما هو رفع نظره يطالعها ببرود ثم ابتسم ساخرًا وتحدث :
- نعم بالفعل أنتِ غبية .
فرغ فاهها الذي لم يره ولكنه تخيل ملامحها من أسفل النقاب فإذا كانت عيناها ترسل شرارات لو تجسدت لحرقته ما بالك بملامحها كاملة ولكن ما كان منها إلا أن تدعي الانحناء لتضع قدح القهوة أمامه ولكن بدلًا عن ذلك سكبته عمدًا على ساقه لينتفض واقفًا بعدما شعر بالاحتراق وهو يحاول أن ينفض القهوة عنه لتنصدم سعاد وتسرع في إحضار محارمَ ورقية له بينما هي ابتسمت بخبث وتحدثت معتذرة :
- آسفة ، لم أقصد .
طالعها شزرًا لتعود إليه سعاد تناوله المحرمة ثم تنظر لابنتها بضيق لتطرق سارة رأسها حتى لا تميز سعاد ابتسامتها بينما حاول سيف تجفيف القهوة ولكن عبثًا لذا تحدث بنزق وهو ينظر نحو سعاد :
- هل يمكن أن أذهب إلى الحمام ؟
أومأت له قائلة وهي تتقدم وتشير له نحو موقعه :
- نعم بالتأكيد تفضل يا بني .
تحرك نحو الحمام وغاب به لتعود سعاد نحو سارة تطالعها شزرًا قائلة :
- سارة هل جننتي ؟ ، ما تصرفات الأطفال هذه ؟ ، عيب عليكِ ما فعلتيه ، هذا والده ويحق له أخذه في أي لحظة .
- لا ، لا يحق له أخذه ، لا يحق له أبدًا ، هو من البداية لم يكن يريده وأنا أقنعته لإبقائه ، ثم بعد ولادته ووفاة أختي غادر في اليوم الثالث دون رؤيته ودون الحزن على من ماتت ودفنت وكأنه قال بركة يا جامع ، ويأتي الآن ليأخذه ؟ ، يأخذ من أصبح قطعة من قلبي ؟ ، لا وألف لا سأقف له بالمرصاد .
نطقتها بقوة لتتكتف سعاد تطالعها بهدوء ثم تساءلت بترقب :
- وكيف ستمنعينه يا ابنة بطني ؟ ، قانونيًا ورسميًا وشرعًا من حقه أخذه .
تعالت نبرتها وهي تهز رأسها وتردف بعيون لامعة وهي على وشك البكاء من شدة الضغط الذي تتعرض له :
- لا ليس من حقه ، لن يأخذه طوال ما أنا على قيد الحياة .
وعلى حين غفلة تحركت تلتقط هاتفها وتهاتف علي ، لا تعلم لمَ ستفعل هذا ولكنها تحتاج إلى شخصٍ يقف له فهي تعلم جيدًا أن والدتها محقة ولكن هل فعلًا تصرفها صائبًا ؟ ، لا تعلم كل ما تعلمه الآن أنها لن تتركه يأخذ الصغير ويغادر .
أجابها على بنبرة باردة متسائلًا :
- أهلًا سارة ، هل أخيرًا جئت على خاطركِ .
لم تكن تحتمل ذرة تأنيب بل كل ما تريده الآن هو حلًا سريعًا لذا تجاهلت ما قاله وقالت بنبرة مترجية مشتتة :
- علي هل يمكن أن تأتي الآن ؟ ، أرجوك أنا بحاجتك .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تعجب علي ولكنه أردف بقلقٍ وهو يقود سيارته :
- ماذا حدث يا سارة طمئنيني !
- لا شيء ولكن فقط تعال .
- حسنًا أنا بالقرب منكِ أساسًا ، سآتي على الفور .
أغلقت معه وعادت إلى والدتها لتجدها تقف تتحدث مع سيف الذي خرج لتوه من الحمام ويتحدث بنفاذ صبرٍ :
- هل يمكنكما أن تعطياني الصغير لأرحل ؟
لم تجد سعاد بدًا من الرفض ولكن حاولت استعطافه بطريقة أخرى لذا قالت بهدوء :
- اسمعني يابني الصغير الآن نائم ومن المؤكد إن استيقظ ولم يجدنا سيفزع ويصرخ ، دعه أسبوعًا على الأقل وتعالى يوميًا لزيارته حتى يعتاد عليك .
لم تحتمل سارة رضوخ والدتها له لذا تحركت تقف جوارها وأمامه وتردف بنبرة أقل حدة لعله يقتنع :
- اسمع يا سيف ، الصغير ابني ، وصية أختي لي ، وعدتها ألا أتركه أبدًا كما طلبت مني ، لا يمكن أن تأخذه ، يمكنك زيارته وقتما تشاء أرجوك .
قالتها بعيون لامعة فتعمق بها لثانية ثم تجاهلها تمامًا وعاد يتطلع إلى سعاد ثم تحدث كأنه لم يسمعهما :
- الوقت تأخر ، وأنا لدي مواعيد عمل فضلًا يا سيدة سعاد أحضري الصغير .
شعرت سعاد بالضيق والحرج لذا تحركت طواعية تجلب له الصغير متجهة إلى غرفتها وحينما رأتها سارة جن جنونها ولا تعلم ما أصابها لتصرخ في وجهه بغضب واندفاع قائلة :
- لن تأخذه ، أقسم بربي إن لم تغادر الآن يا سيف سأتصل بالشرطة .
وقف يتابعها بصمت بينما هي أسرعت نحو سعاد التي أتت تحمل الصغير النائم لتسرع سارة تنتزعه منها وتعانقه بقوة وتردد وهي تدفن رأسها فيه بهستيرية :
- لن تأخذه ، هذا ابني أنا ، سأموت بدونه .
- ماذا يحدث هنا .
قالها علي الذي أتى من خلفهم ليلتفت له سيف يطالعه بطرف عينه بضيق وحقد ليلتفت ويتقدم نحو سارة بعدما تملك منه الغيظ ومد يده يحاول أخذ الصغير الذي استيقظ يبكي ولكنها تكبله بقوة بأحضانها وتردف بصراخ زاد من بكاء الصغير :
- ابتعد عني ، ابتعد لا تلمسني .
تفاقم الغضب في جسد علي الذي اشتعل ليسرع إلى سيف ويدفعه بعيدًا عن سارة فتعثر سيف للحظات قبل أن يباغته بكره ويبادله علي نفس النظرات قائلًا بشراسة :
- ابتعد عنها .
صرخت سعاد بقهرٍ وهي تطالعهما :
- كفى ، كفى ، هل ستتعاكران في بيتي ؟.
التفتت تنظر إلى علي قائلة بعيون محذرة :
- إجلس يا علي .
زفر علي بقوة ثم أومأ لها واتجه يجلس لتلتفت تطالع سيف الذي يلجم غضبه بصعوبة ثم تحركت نحو ابنتها التي باتت تهدهد الصغير حتى عاد للنوم في حضنها ، نظرت لها بحزنٍ فهي تعلم جيدًا قوة تعلقها به ، وتعلم أنها ستعاني وستتألم ولكن هذا أفضل قرار كي تلتفت إلى حياتها .
تحدثت بنبرة لينة حنونة وهي تمد يدها لها :
- أعطني الصغير يا سارة .
رفعت سارة نظراتها إلى والدتها تترجاها ألا تفعل وقلبها ينبض بعنف رافضًا ما يحدث برمته لتومئ لها سعاد وتردد بحزن :
- هيا يا سارة هذا والده ما تفعلينه خاطئ يا ابنتي .
هزت رأسها برفضٍ لتلتفت تنظر نحو علي عله ينجدها أو يدعمها ولكنه عاد يتوقف ويردف مؤيدًا لقرار سعاد :
- أعطيه ابنه يا سارة ليأخذه ويغادر .
هاجمها وحش الصدمة وهي تطالعه بخيبة أمل وحسرة وفجأة ارتخت قبضتها من حول الصغير فتناولته سعاد وانحنت تقبله بعمق وبكت وهي تلتفت تناوله لوالده الذي أخذه منها يتطلع عليه بتعجب ومشاعر مختلطة من الحيرة والألم والخوف والحزن والحنين .
رفع نظره يطالع سعاد وهي تردف بنبرة حزينة :
- اعتني به .
أومأ لها ثم التفت يلقي نظرة أخيرة على سارة التي وقفت لا حول لها ولا قوة وعيناها مثبتة على الصغير الذي بدأ يتحرك والده به لتشعر كما لو أنّ أحدهم يسحب روحها منها .
غادر بالصغير ليمر ثوانٍ وتسقط أرضًا فلم تعد قدماها تحملاها وانهارت تبكي وتنتحب وتنادي بأعلى نبرة صوتٍ تملكها :
- نـــــــــــــــــــــــوح .
❈-❈-❈
غادر به يستقل سيارته ويأمر السائق بالانطلاق وكل ما يفكر به هي وهيئتها وحالتها التي تركها عليها شاعرًا بالذنب من أجلها ولكن لقد أقسم على ألا يترك صغيره مجددًا .
بعد وقتٍ ترجل حاملًا الصغير ودلف فيلته ينادي على العاملة التي أتت تجيبه بهدوء :
- تفضل سيد سيف .
تساءل وهو ينظر للصغير الذي فتح عينه يطالعه بغرابة كأنه يتعرف على هويته :
- أين السيدة براء ؟
- في الأعلى سيدي ، في الغرفة التي تم تجهيزها للصغير .
تحرك للأعلى يسرع خطواته حيث بدأ الصغير يبكي وهو لا يعلم كيف يتصرف في هذه الأمور .
وصل للغرفة لتتجه له السيدة براء وتأخذ منه الصغير تحاول تهدئته ووقف يتطلع عليه بتعجب وحيرة من أمره ، هذا ابنه من صلبه ؟.
هدأ الصغير قليلًا خاصة وأن الغرفة ألوانها هادئة وملفتة لعينيه في آنٍ واحد وممتلئة بالألعاب والكريستالات المعلقة كالنجوم والتي حدق بها يحاول استكشاف هويتها .
❈-❈-❈
مرت ليلة عصيبة على سارة ، ليلة لم تذق فيها طعم النوم ولا الراحة .
قلبها يتألم ورأسها تتألم وعيناها لم تتوقف لحظة عن الدموع .
حتى برغم محاولات سعاد في مواساتها وطمأنتها ولكن عبثًا .
لم تحتمل فقدانه ، ليس بعدما تعلقت به ، لن تخلف وعدها أبدًا .
لذا ما إن حل النهار حتى ارتدت ملابسها ونقابها سريعًا ثم اتجهت لوالدتها النائمة تحاول إيقاظها فتململت سعاد تطالعها بتعجب لتتحدث سارة بعيون منتفخة ووجه محتقن ونبرة متحشرجة :
- أمي سأذهب لأرى نوح .
تطلعت عليها سعاد بحزنٍ ثم أومأت لها فهي لن ترتاح حتى تراه لذا ما إن أخذت الإذن منها حتى أسرعت خطاها تغادر نحو الأسفل وتستقل سيارتها متجهة إلى فيلا سيف .
❈-❈-❈
على الجهة المقابلة كان الجميع مستيقظين نسبةً لبكاء هذا الصغير الذي لم يهدأ منذ ساعات إلا دقائق فقط يغفو بها ثم يستيقظ مطالبًا برؤيتها هي فقط حتى يهدأ ويشعر بالأمان الذي يفتقده في هذا المكان .
وهذا ما قالته السيدة براء لسيف حينما تساءل عن سبب بكائه وعدم استطاعتهم إسكاته .
حمله بنفسه وحاول أن يهدهده كما فعلت براء أمامه ولكن الصغير يبكي ويتحشرج أمامه ليجن جنونه ولكن ما إن لامس وجنته حتى وجد حرارته عالية لذا لم يحتمل الصبر أكثر من ذلك وتحرك ينزل الدرج ويتجه نحو الخارج وهو يمد يده ليفتح الباب ولكنه تصنم حينما وجدها أمامه تنوي طرق الباب في نفس اللحظة .
وقفا يحدقان ببعضهما لثوانٍ قبل أن تنتبه للصغير الذي عاد يبكي ويشير إليها كي تأخذه فبرغم نقابها الذي يمنعه من رؤيتها إلا أنه يعرفها جيدًا .
أسرعت تنتشل الصغير برقةٍ متناهية والتمعت عيناها وهي تعانقه وتقبله تحت أنظار سيف الذي ابتلع لعابه بتوتر وتركها تفعل معه ما تريد يكفيه أن يهدأ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ظلت تبث في الصغير الطمأنينة والأمان ليستكين قليلًا ويهدأ ولكن تحدث سيف بنبرة متوترة :
- حرارته عالية .
لم تنظر نحوه ولكنها تحسست جبينه لتستنتج أن حرارته تلك ليست ناتجة عن فيرس وإنما نتجت من شدة بكائه لذا طالعته شزرًا وتحدثت بنبرة تحمل اللوم والغضب :
- هذا لأنه يبكي منذ ساعات ، هل أنت راضٍ الآن ؟ ، ماذا إن حدث له مكروه ؟
رفعت سبابتها في وجهه وتابعت بتحذير ووعيد :
- حينها لن يمنعني أحد عنك .
تعجب من جرأتها في تهديده ولكنه صب تركيزه على الصغير الذي هدأ لتعاود تتحسس وجنته ثم تردف متسائلة بنزق :
- أريد أن أبدل له ثيابه وأطعمه ، من المؤكد أنه لم يتناول شيئًا .
أومأ لها فهو بالفعل لم يتناول سوى القليل من الطعام نسبةً لبكائه لذا أفسح لها المجال يردف بغموض :
- حسنًا أدخلي .
دلفت بخطى متوترة من نظراته ثم أشار لها نحو الأعلى قائلًا :
- غرفته على اليمين في الأعلى ، والسيدة براء ستساعدكِ في الاعتناء به .
- لا أريد مساعدة من أحدٍ .
نطقتها بحدة وهي تصعد الدرج لتتحرك نحو الغرفة تحت أنظاره الشاردة ليعاود عقله يفكر مجددًا في ذات الأمر الذي يراوده قبل أن يعود ، هل يمكن أن يحدث ؟
❈-❈-❈
بعد وقتٍ استرخى الصغير معها بعدما أبدلت له ثيابه وحفاضته وأطعمته وناغشته كما تفعل دومًا وكما يحب أن تفعل .
ظلت معه تدندن له وتقهقه معه حتى غفا بين يديها لتنحني تقبله قبلة هادئة ولكنها عميقة ملتاعة لذا زفرت بقوة وأبعدت وجهها عنه ثم تحركت تضعه في سريره لتتركه وتنزل كي تتحدث مع سيف في أمره ، يجب أن تجد حلًا مناسبًا فهذا الوضع لا يمكن تحمله لكليهما ومن المؤكد بعدما رأى حالة الصغير سيتنازل قليلًا .
هكذا ظنت لذا تحركت للأسفل تبحث عنه وسألت العاملة فأخبرتها أنه في غرفة المكتب .
تحركت صوبها ثم طرقت الباب فسمح لها لتفتح الباب على مصراعيه وتدلف تطالعه وهو يجلس يتصفح حاسوبه ويرتدي نظارته .
تحمحمت قائلة بجدية :
- هل يمكن أن نتحدث .
- يُمكن .
قالها وعينه على الحاسوب فاغتاظت ولكنها تحركت نحو المقعد تجلس عليه وتفرك كفيها بتوتر ثم تنهدت وتحدثت :
- حينما حملت أختي في نوح وحينما أجبرتها على الإجهاض طلبت مساعدتي كي أقنعك ، وحينما جئت إليك وتحدثت معك وبعدها علمت أنك تراجعت عن قرارك سعدتُ جدًا بهذا الخبر وأيقنت أنك صاحب ضمير .
تنهدت بقوة ثم تابعت بشرود وحزن :
- وحينما علمت بمرض فريدة وأخبرتك وجدتك حزينًا والحق يقال لم تقصر معها في التكاليف ولكنك لم تراعِ خاطرها ومشاعرها بل اهتتمت بعملك وسفرك وصفقاتك وتركتها وهذا جعلني أبدل كلمتي بعكسها واكتشفت أنك بلا ضمير .
تعجب مندهشًا من تصريحها لتتابع بنبرة أشد حزنًا وتأثرًا متجاهلة دهشته :
- قبل أن تتوفى أختي أخبرتني وصيتها بألا أترك صغيرها لك ، قالت أنك لن تهتم به ولن تراعيه ووعدتها أنني لن أتركه .
رفعت نظرها إليه تطالعه بغضب امتزج بحزنها وتابعت :
- وأكد لي صدقها حينما سافرت بعد وفاتها بثلاثة أيام وتركت صغيرك ، أربعة أشهر أنت لا تعلم عنه شيئًا ، أربعة أشهر تركته لي أنا من راعيته واهتتمت به ولم أفكر في نفسي أو مستقبلي أو زفافي الذي اقترب ، لذا فأنا من أستحق حضانته وليس أنت ، أرجوك أثبت لي أنك ذلك الرجل صاحب الضمير ولا تعترض على ذلك ، دع نوح لي وتستطيع رؤيته وقتما تريد .
انتهت تطالعه منتظرة قراره بأعصابٍ مشدودة بينما هو فقط يطالعها لثوانٍ ثم تساءل :
- وهل يهم ؟
- ماذا ؟
تساءلت مستفهمة ليتابع موضحًا :
- هل الأمر مهم بالنسبة لكِ إن كنت صاحب ضمير أو لا ؟
نظرت له بيأسٍ وتحدثت بنبرة متحشرجة وهي على وشك البكاء :
- كل ما يهمني هو نوح ، نوح فقط .
- لنتزوج إذًا .
نطقها فجأة ليختفي تحشرجها وتغادر نظرة اليأس للبعيد وتحتل مكانها نظرة العدائية والشراسة وهي تنهض متحدثة بذهول :
- ماذا ؟ ، مــــــــاذا ؟ ، أي زواج هذا يا حقير .
- صوني لسانكِ .
قالها محذرًا بعينين ثاقبتين ولكنها لم تبالِ حيث أطلقت العنان للسانها تردف موبخة :
- صُن أنت العشرة والحب يا ابن الدويري ، صُن الذكريات يا منعدم الضمير والأخلاق ، أقول لك أختي وذكرياتها وتقول لي نتزوج ؟ .
هب واقفًا وأردف بحدة أفزعتها :
- كفى .
أجفلت تطالعه بغضبٍ وصدرها يعلو ويهبط بصخب وعقلها لا يستوعب مطلبه ليتابع بجدية :
- حاولت أن أجد لكِ حلًا كي لا تبتعدي عن الصغير حتى لو كان حلًا فوق طاقتي ولكنني صاحب ضمير لذا طرحته ، ولكن كفى الآن غادرى من هنا بلسانكِ السليط هذا .
وجدت نفسها في وضعٍ لا تتمناه لعدوٍ لها ، التزمت الصمت وبرغم رغبتها في الفرار إلا أن قدميها التصقتا في الأرض كأنهما ترفضان مغادرتها ، تجبرانها على التروي لتجد حلًا من أجل نوح .
تلعثمت ونطقت بهمس وقد باتت تبكي مما تتعرض له من صغطٍ وتجبر وقسوة :
- لمَ تفعل معي هذا ؟ ، هل أسأت لك يومًا ؟ ، ألم ترى أن الصغير يحتاجني ؟ ، أرجوك لا تبعدني عنه ولا تطلب مني الشيء المقزز هذا مرة أخرى ، ثم أنني على خطبة رجلٍ آخر فكيف تريدني أتقبل ما تقوله ، أرجوك سيف .
نطقتها بانكسار وتذلل وهي التي لم تنكسر يومًا ولكن لم يعد يهمها نفسها بقدر اهتمامها بالصغير .
ظل يحدق بها ويفكر ثم تابع ببرود ظاهري :
- الصغير يحتاجكِ اليوم ولكنه لن يحتاجكِ غدًا ، هو مازال صغيرًا جدًا على تعلقه بأحدهم ، ولكن هذا الحل من أجلكِ أنتِ لتعلمي أنني لا أحمل ضغينة تجاهك ، إما أن نتزوج ويتربى نوح بيننا كعائلة وإما أن تبتعدي عنه .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
شراء الخواطر غالي وثمين لذا فمن يشتريها يكون من أثرى الناس .. وأفضلهم على الإطلاق .
بعد أن غادرت من فيلته منكسرة وهي تقود بغير هدى .
مهما بلغت توقعاتها لم تتوقع أبدًا أن يعرض عليها الزواج لتجد نفسها فجأة محاصرة بين جدران اليأس والحسرة والمنفذ الوحيد هنا كي لا تفقد الصغير هو الزواج به .
كيف تعقلها ؟ ، ستجن حتمًا لا محالة ، كيف تتزوج بزوج شقيقتها والإنسان الوحيد الذي تبغضه .
ماذا عن علي ذلك الشاب الذي تحمل الكثير من أجلها كيف ستغدر به وتتركه بعدما اقترب موعد زفافها منه .
كيف ستخون عهدها مع فريدة بعدما وعدتها ألا تترك الصغير له .
كيف سيربطها بهذا الرجل رباطًا قويًا كالزواج .
ليحتل رأسها صوتًا آخر يخبرها أنها بالفعل ارتبطت به سواء تقبلت هذا أو أبت .
لقد ربطها القدر به عن طريق نوح الذي تحبه كما لو كان قطعة منها ليكن هذا الرجل من بين رجال الكوكب جميعهم هو والده لذا فهما بينهما رباطًا مهما حاولت فكه ينعقد أكثر .
مشتتة بعدما كانت رافضة تقَبّل ما قاله لتفكر في العواقب التي لم تحتملها أبدًا لذا عادت تقود إلى منزلها لتتحدث مع والدتها وتخبرها بمَ حدث لتجد حلًا سريعًا فهي لم تحتمل أن تبتعد عن الصغير ليلة ، ستتخلى عن أي شيء حتى لو كانت سعادتها ومستقبلها فـ راحتها الآن هو فقط نوح .
❈-❈-❈
منذ أن غادرت وهو يجلس في مكتبه يفكر لمَ عرض الزواج عليها .
كان بإمكانه إيجاد حلٍ آخر لن يعجز عن إيجاد حلًًا خاصةً وأنه رجلًا رحالًا يسافر دومًا .
ولكنه يقنع عقله أن هذا الأنسب لطفله الذي يخطط له ولمستقبله من الآن وبأسرع وقتٍ فيجب أن يضمن له أكبر قدرٍ من الاستقرار والسلام لعل القادم لعنة جديدة .
أطرق رأسه بحزن على ما آلت إليه الأمور ، لم يرغب في حدوث ذلك ولكنه حدث وسواء رفض أو تقبل فالقدر واقع لا محالة .
يتذكر ملامحها وحدتها وصدمتها ولسانها السليط ، لا يعلم لما يمتلك فضولًا لرؤيتها ولكنه يخفيه وراء قناع جليدي من البرود .
عيناها قويتان لا تنهزمان ونظرتها تشبه نظرة فرسة شامخة مدللة تنصر فارسها على أي عدو .
هل ستقبل بعرضه وتوافق على الزواج الذي لا يعلم كيف ستكون ملامحه ؟
أم سترفض وتتخلى عن الصغير .
وبجزءٍ من خبرته الخبيثة يستطيع توقع ردها حيث رأى جيدًا هي من تحب أكثر .
لقد رأى نظرتها نحو علي ، نظرة ميتة لا تحمل مشاعر حبٍ ، يعلم جيدًا هذه النظرة وكيف لا يعلمها وهو عاشها دومًا .
زفر ونهض بعد برهة من التفكير ليرى الصغير الذي هدأ معها بل وحينما رأى عيناها توقف عن البكاء ، هل لتلك الدرجة عيناها آمنة ! ، ليعود مجددًا يحتل الفضول عقله لرؤيتها .
❈-❈-❈
في منزل علي
يتناول الفطور هو ووالدته التي تطالع شروده بضيق حيث أصبحت هذه حالته مؤخرًا وهذا الأمر لم يعجبها أبدًا بل يخيفها عليه .
نادته تردف بحنان متسائلة :
- ما بك يا علي ؟
رفع نظره يطالعها بترقب ثم تنفس يبتسم ويردف بهدوء :
- لا شيء يا أمي أنا فقط شردت .
- هل أنت وسارة على ما يرام ؟
تساءلت بشكٍ فتنهد يتكتف بعدما ترك طعامه قائلًا وهو ينظر أمامه :
- سنصبح على ما يرام يا أمي لا تقلقي ، اقترب زواجنا وبعدها سنصبح على ما يرام .
التفت يطالع والدته وابتسم قائلًا بغموض :
- لقد تحملت الكثير ولكن لا بأس .
شعرت بالقلق حياله لذا تساءلت بترقب :
- وماذا عن ابن شقيقتها يا بني ؟ ، ماذا إن قررت ألا تتركه .
ضحك يعتدل ثم تحدث بأريحية ظاهرية تخفي وراء جدرانها توعد :
- لا لا ، لقد أخذه والده أمس وانتهى الموضوع ، وحتى إن لم يأخذه فلن أقبل بتربية طفل ليس لي ولكنني كنت فقط أنتظر بعد الزواج .
أومأت له متفهمة ولكنها أيضًا لم تشعر بالراحة لذا تساءلت بملامح يتجلى فوقها التوتر :
- أنت تحب سارة يا بني أليس كذلك ؟
- أحبها جدًا يا أمي ، أحبها كما لم أحب إحداهن من قبل ، أفعل أي شيء لأحصل عليها .
نطقها بملامح حادة ليتهاوى قلب والدته خوفًا عليه ، لم يقل أفعل أي شيء لأجلها بل قال أفعل أي شيء لأحصل عليها وهذه الجملة أبدًا لم تطمئنها وباتت تخشى وترتعب من عودة أيامٍ لا تريدها أبدًا .
❈-❈-❈
دلفت سارة منزلها لتجد والدتها تقف في المطبخ فنادتها لتجيب سعاد عليها لذا اتجهت سارة إليها وجلست على المقعد تنزع نقابها وتلقيه على الطاولة ثم نظرت لوالدتها نظرة ضائعة مشتتة أدركتها سعاد ولكنها ظنتها حزنًا على الصغير لذا اتجهت تجلس مقابلها وتتحدث بتروٍ :
- هل ستظلين هكذا يا سارة ؟ ، ستضيعين شبابكِ في الحزن يا ابنتي ؟ ، الصغير لن يبتعد عنكِ وسترينه وقتما تشائين ولكن الأفضل له ولكِ أن يظل مع والده ، سيكون بحاجته حينما يكبر يا سارة وحينها سيلومكِ وأنتِ ستعانين .
- سيف طلبني للزواج .
قالتها لوالدتها التي جحظت متجمدة لثوانٍ قبل أن تردف بصدمة :
- ماذا ؟ ، متى ؟
وضعت وجهها بين كفيها تدلكه كأنها تحاول الاستيقاظ من كابوسٍ مزعج لتجيب بزفرة حادة خرجت من جوفها :
- منذ قليل ، أخبرني إما أن أتزوج به أو أبتعد عن نوح لا خيار ثالث .
وضعت سعاد كفها على فمها بصدمة لا تستوعب ما تخبرها به ابنتها ثم عادت تطالعها متسائلة بتيه :
- وبماذا أجبتيه ؟
نظرت لوالدتها بعمق وأجابت بسؤالٍ إجابته واضحة :
- ماذا برأيك يا أمي ؟ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
عاد الصمت يلتهم كلٍ منهما ، تفكر ولكن أفكار سعاد سبحت للبعيد لتبدأ في رؤية مستقبلٍ مختلف عما تراه سارة .
تعلم أن ابنتها لا تحب علي برغم أنها تراه شابًا جيدًا تحمل معهما الكثير ولكن ليس على القلوب سلطان .
ابنتها لا تحبه ولكنها كانت تراه الخيار الوحيد الأنسب لها وحاضرًا معلوم أفضل من مستقبلٍ مجهول .
ولكن الآن هل يمكن أن تتزوج ابنتها بسيف ويتربى الصغير بينهما ، على الأقل هي ستضمن نصف سعادتها .
ولكن هل ستتقبل سارة هذا الحل ؟ ، هل ستتقبله زوجًا ؟ ، خاصةً وأنه كان زوج فريدة ؟
التفتت إليها سارة حينما طال صمت سعاد وتساءلت بتيه وتشتت :
- ماذا أمي ، ماذا أفعل ، أنا تائهة وكل ما أريده هو نوح ولكن كيف يمكنني أن أقبل بالزواج من زوج أختي وأنا أعلم أن اختي كانت تحبه كثيرًا ، سيجن عقلي يا أمي .
نظرت لها سعاد بحزن تدرك جيدًا صراعها فهي بالأساس ما زالت في صدمتها لتتنهد بعمق وتتساءل بسؤالٍ لم تتوقعه سارة :
- هل أحببتي علي يا سارة ؟
تعجبت تقطب جبينها وتنظر لوالدتها بصدمة ثم قالت بتجهم :
- ما هذا السؤال يا أمي ؟ ، ماذا تقصدين ؟
راوغت سعاد بعاطفة وقالت بهدوء :
- أقصد هل ستتألمين إن ابتعدتي عن علي أم عن نوح ؟ ، فكري جيدًا يا ابنتي فكلاهما مستقبلكِ أنتِ .
تطالع والدتها بصدمة ، لم يكن هذا حديثها من قبل فماذا تغير ؟ ، باتت تهز رأسها ثم قالت باستفهام :
- هل أنتِ مقتنعة بعرض سيف ؟ ، أولم تكوني أمس توبخيني من أجل علي ؟ ، ماذا أمي أنا لم أعد أفهمكِ .
زفرت سعاد وحاولت التحلي بالهدوء وقالت موضحة بصدق :
- أنا لا يهمني مشاعر أحدٍ سوى ابنتي في المقام الأول ، نعم أوبخكِ من أجل علي لأنني كنت أريدكِ أن تخططي لحياتكِ مع شابٍ يحبكِ وتحبيه وتسعدي معه ، ولكن إن كنتِ لا تستطيعين التعايش من دون نوح فيجب عليكِ أن تفكري في عرض سيف .
ظلت محدقة في والدتها ببلاهة كأن من أمامها ليست والدتها التي تعلمها جيدًا بل هي شخصًا آخر يرى الأمور بمنظورٍ جديد عليها .
لقد أتت لتشاركها كي تعزز وتقوي موقفها ولكن يبدو أن سعاد مثل بعض الأمهات كل ما يهمها أن تتزوج ابنتها برجلٍ جيدٍ ولكنها تناست أن سيف الدويري ليس ذلك الرجل ، ليس هو أبدًا .
❈-❈-❈
مر يومين
قضتهما سارة في النوم مجددًا كي لا تفكر ، جسدها مرض وامتنعت عن تناول الطعام فلم تستطع إكمال حياتها دون نوح ، تتساءل في كل دقيقة كيف حاله الآن .
تشتاق لرؤيته حد الموت ولكنها تحاملت على نفسها لترى هل ستحتمل هذا ؟
لتجد أنها لن تحتمل لذا مرضت وبرغم ذلك تصارع صوتًا داخلها يخبرها بالموافقة على الزواج من سيف الدويري .
حزينة سعاد من أجلها ، حزينة جدًا ولكنها تحاول أن تهيأها لتتخذ قرارًا هو الأصعب في حياتها .
على الجهة الأخرى كان الصغير دومًا يبكي برغم محاولات براء البائسة في هدهدته ليسرع إليه سيف يحمله ويفعل معه مثلما فعلت سارة في ذلك اليوم .
يحممه ويبدل له حفاضته ثم يظل يناغشه بنفس الطريقة التي رآها تفعلها خفيةً من خلال كاميرا المراقبة التي لاحظتها لذا لم تتخلى عن نقابها آنذاك .
ليجد الصغير بديلًا مؤقتًا يهدأ معه وهو والده الذي سعد كثيرًا باستجابة نوح معه ، بل لأول مرة ينشرح قلبه وهو يراه يضحك له .
ظل يفعل معه نفس الأمر طوال اليومين ولكنه برغم ذلك يفكر ويتعجب من صمتها ، هل قررت التخلي عن الصغير ؟
يبدو كذلك له فها هي ليومين لم تسأل عنه لذا فمن المؤكد أنها رفضت عرضه لذا فهو يشعر بالحزن والغضب الذي لا يعلم لهما سببًا .
كان في منزله كعادته مؤخرًا حينما أتاه اتصالا من سعاد تعجب له ولكن هناك شعاعًا سطع داخله فجأة ليجيب على الفور متسائلًا :
- أهلًا بكِ يا سيدة سعاد ، كيف الحال .
تنهدت سعاد بهدوء تجيبه بحزن نسبةً لحالة ابنتها :
- أنا بخير يا بني ، ولكني أريد أن أطلب منك طلبًا .
ضيق عيناه يجيبها بترقب وقلبه بات ينبض بصخب كأنه يعيش قصة حبٍ جديدة على قلبه المتصحر :
- تفضلي ، ما هو !
- هل يمكن أن تحضر نوح إلى سارة لتراه ؟ ، منذ يومين وهي مريضة ولم تأكل ونائمة طوال الوقت حزنًا عليه وأنا لا أعلم كيف أخرجها من هذه الحالة ، فضلًا أحضره لتراه ربما انشرح فؤادها برؤيته .
لم يعترض بل أصابه الهم لحالتها وشعر بالحزن يتفاقم داخله لذا قال بهدوء ينافي لهفته :
- حسنًا سيدة سعاد سأحضره بعد قليل .
❈-❈-❈
كانت نائمة تحلم بالصغير يقهقه معها ويمد يده يلامس ملامحها وهي تناغشه كالعادة .
حلمًا بدى لها جميلًا وليته يتحقق .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
لتشعر بلمسة الصغير على وجهها أكثر وأكثر حتي سحبتها تلك اللمسة من نسيج عقلها الباطن لتستيقظ تجده ينام جوارها وبالفعل يده تلامس وجهها بينما يبتسم لها ويصدر أصواتًا تدل على وجوده بالفعل ، إذا هذا ليس حلمًا ، نوح هنا ينام بجانبها .
انتفضت بطاقة مضاعفة تجلس تحدق به بذهول ثم التقطته تحمله وتعانقه تارة وتقبله تارة أخرى وتحدثه باشتياقٍ بلغ منتهاه .
دلفت سعاد تطالعها بفرحة تجلت في نبرتها وهي تقول متجهة نحوها :
- هل تحسنتِ يا سارة . كنت أعلم ذلك .
عانقته سارة وهي تنظر نحو والدتها بانتعاش وأمل تضخم بها فالتهمها وأنساها الواقع قائلة :
- لقد عاد نوح لي يا أمي ، عادة لي مجددًا يا سعادة .
أحبطت ملامح سعاد وزفرت بضيق ثم ربتت على ظهرها لتقول بهدوء وهو تجاورها :
- لا يا سارة ، لقد هاتفت سيف ليحضره إليكِ قليلًا يا ابنتي فحالتكِ كانت بائسة وقلبي انفطر عليكِ .
سحقت أمالها وذابت فرحتها وهي تطالعها بحزن وتبتلع غصتها المُرة قائلة باستنكار عاد إليها :
- ماذا ؟ ، أيعني أنه سيعود معه ؟ ، سيأخذه وأبقى من دونه مجددًا ؟
أبعدت الصغير عنها تحدق به بقوة ثم عادت تحتضنه وتغلق عيناها وقلبها عليه قائلة برفضٍ لمَا تعيشه :
- لا أرجوكم لا تأخذوه مني ، أتركوه لي واتركوني له ، أرجوكم .
نظرت لها بحزن ولكن ما باليد حيلة والقرار لها في النهاية لذا تحدثت سعاد مجددًا بنبرة مختنقة معاتبة :
- يكفي يا سارة ، ستنهين نفسكِ يا ابنتي ، يكفي فقلبي لم يعد يحتمل رؤيتكِ هكذا ، لقد تحملت موت والدكِ ولم أنهَر لأجلكِ وتحملت موت فريدة ولم أنهر لأجلكِ ولكنني لم أحتمل أبدًا رؤيتكِ هكذا وأنت تقتلين نفسكِ ، حرامٌ عليكِ صحتكِ ومستقبلكِ وحياتكِ ، حرامٌ عليك ما تفعلينه بنفسكِ وبي .
نظرت لوالدتها بحزنٍ والآن أدركت فداحة ما تفعله بحق نفسها ، الآن أدركت أنها أحزنت والدتها كثيرًا في خضم أحزانها وتقلباتها لتتابع سعاد بنبرة جادة وعيون ثاقبة :
- إن كان الحل هو زواجكِ من سيف فتزوجيه وكوني أمًا لنوح وكفى بكاءً على اللبن المسكوب .
❈-❈-❈
في اليوم التالي تقود في طريقها إلى فيلا سيف بعدما اتخذت قرارها واستخارت ربها فيما هو قادم .
ملامحها خالية من أي تعبير فقط تقود بصمتٍ ينافي ضجيج أفكارها .
لقد أتى ليلًا واصطحب الصغير معه مجددًا بصمتٍ تام حتى أنها لم تخرج لمقابلته ولم تره ولم تعد تريد رؤيته ولكنها مجبرة .
وصلت إلى الفيلا واتجهت تطرق الباب لتفتح لها العاملة مرحبة .
ابتسمت لها وتساءلت بتوتر :
- أين سيف ؟
- السيد سيف غادر إلى الشركة منذ ساعة ، قال أن لديه اجتماعًا عاجلًا وسيأتي بعد انتهاءه .
أومأت بتفهم ثم نظرت للأعلى نحو غرفة نوح وعادت تطالعها متسائلة بترقب :
- هل نوح نائم ؟ ، سأذهب لأراه إلى أن يأتي سيف .
أومأت لها العاملة باحترام وأشارت لها بالدخول قائلة :
- بالطبع تفضلي آنسة سارة .
دلفت سارة واتجهت على الفور للأعلى نحو غرفة الصغير لتراه وتلعب معه وتنسى همومها لبعض الوقت إلى أن يأتي سيف .
❈-❈-❈
كان يجلس في عزبته يستمع إلى حديث الرجل الذي كلفه مؤخرًا بمراقبة سارة والذي أبلغه للتو أنها دلفت فيلا سيف الدويري .
أغلق معه واستشاط غضبًا ، يريد أن يطفئ النيران الساعرة التي تحرقه وتحرق جسده ، لمَ باتت تذهب مؤخرًا إلى فيلا ذلك الرجل .
هل بينهما شيء ؟ ، تهمله وتتجاهل حديثه واتصالاته وحينما يهاتف سعاد تخبره أنها مريضة والآن تركض متجهة نحو سيف الدويري .
الأمر برمته لا يدخل عقله المشكك لذا فهو الآن في قمة غضبه الذي لو تجسد لأحرقهما ولينهي هذه المسألة التي طالت كثيرًا .
ظل طوال خطبته يتحامل ويضغط على نفسه فقط لكي يحصل عليها ويتزوجها ولكنها باتت تتجاهله للحد الذي جعله على حافة الجنون .
يفترض أن يتزوجا بعد أقل من شهرين ولكنها تتصرف وكأنها ليست على خطبة رجل ، تتعامل معه كما كانت تتعامل مسبقًا قبل خطبتهما .
كان يتقبل هذا ولكن بعدما ظهر سيف للساحة لم يعد يحتمل وعليه أن يتحدث معها في أقرب وقت لينهي مسألة سيف للأبد وإلا فهو لا يتوقع ردود أفعاله .
❈-❈-❈
بعد حوالي ساعة عاد سيف من عمله وحينما وجد سيارة سارة لا يعلم لما انشرح صدره وبات يتحرك نحو الداخل بحماس يخفيه وراء جدران الثبات والبرود الخاصة بشخصيته .
استقبلته العاملة بينما هو تحرك للأعلى نحو غرفة صغيره ليراه أو ... يراها .
كانت تلف وجهها عن الكاميرا بعدما رفعت نقابها كي يتسنى لها اللعب مع الصغير بأريحية .
تناغشه والآخر يبتسم ولكن أجفلتها طرقة واحدة على الباب تبعها فتحه فورًا لتسرع في إنزال نقابها قبل أن يراها ليرى فقط فمها وهذا كل ما استطاع رؤيته .
وقف متجمدًا لثوانٍ يتمنى لو كان فتح دون استئذان ولكن عاد سريعًا ينهر نفسه على أفكاره ولم يكد يتحدث حتى وجدها تردف بنبرة موبخة خانقة :
- ألا تعلم عن الأصول شيئًا ؟ ، من المؤكد أنك تعلم أنني هنا لذا فاطرق الباب وانتظر وتذكر أنني متنقبة .
تحرك يتقدم بثبات نحو الصغير الذي يجاورها ثم دنا يقبله من وجنته واعتدل يحدق بها ويتحدث ساخرًا بوقاحة وبرود مستفز :
- لا تقلقي يا آنسة سارة لم أرَ شيئًا وحتى إن رأيت فأنا لا أميل للملامح الشرقية والعيون السوداء .
نظرت له شزرًا ولكنها أرادت أن ترد له الصاع صاعين لذا أومأت وقالت بشموخٍ :
- وأنا مثلك لا أميل للرجل الذي يقيم المرأة حسب ملامحها أو لون عينيها ، لا أميل له أبدًا .
صمت يبادلها النظرات الثاقبة المتحدية قبل أن يبادر هو بإطراق رأسه قائلًا ببرود ظاهري :
- إذا كلانا متفقان وكلٍ منا يعلم ماذا يريده .
عاد يملس بإصبعه على وجنة صغيره الناعمة ثم التفت يغادر الغرفة ولكن قبل أن تخطو قدماه للخارج أوقفته قائلة بتوترٍ جعل نبرتها مرتعشة :
- انتظر .
توقف مكانه وتعالت نبضاته ولم يلتفت لها لتنهض واقفة تردف بشموخٍ برغم بنبرتها الحزينة والواهنة :
- أنا موافقة .
للحظات لم يستوعب مقصدها لذا التفت يطالعها قاطبًا جبينه باستفهام فتابعت بأنفاسٍ شبه معدومة كأنها تسحبها من سم خياط :
- أنا موافقة على الزواج بك .
لم يصدق ما قالته لذا وقف بصمتٍ يحاول الاستيعاب لتتابع هي بنبرة ذات مغزى :
- من أجل نوح أفعل أي شيء ، من أجل ألاّ أنقض وعدي لأختي أفعل أي شيء حتى لو كان هذا الشيء هو الزواج منك ، لا تتأمل ولا تحلم أن يصبح هذا الزواج حقيقيًا يومًا ما ، هو فقط من أجل نوح .
- حسنًا ، كلانا متفقان على ذلك أيضًا .
نطقها بثباتٍ ظاهري فقط وعينيه مسلطة على خاصتها لتسرع في الإلتفات نحو الصغير وتفيض منها دمعة خائنة أسرعت تلتقطها ثم عادت إليه تردف بنبرة متحشرجة حزينة :
- حسنًا دعنا لا نطيل هذا الأمر ، ولكن فقط انتظر كي أخبر علي بقراري ، من حقه أن يعلم .
لا يعلم لمَ شعر بنارٍ تنهش قلبه جديدة عليه حينما ذكرت اسم علي لذا وضع كفيه في جيبي بنطاله وتحدث بصرامة :
- دعيه لي ، أنا سأخبره ، لا تلتقي به أنتِ .
استشاطت غضبًا وغيظًا من هذا الرجل لذا تحدثت باندفاع :
- ليس من شأنك ، لا تتدخل فيما لا يعينك ، سألتقي به وأخبره بنفسي .
تقدم خطواتٍ منها يضغط على أسنانه بتحدٍ ويردف بنبرة تحذيرية :
- إلى الآن أتعامل معكِ بهدوء ، لا تلتقي به ودعيني أنهي أمره بنفسي ، أنا لا أثق به أبدًا .
نظرت له شزرًا ولم تهدأ ولم تخشه بل هاجمته تلوح بيدها بغضبٍ قائلة :
- لأنه ليس مثلك ، هو لم يتخلّ عني أبدًا وتحمل كل ما مررت به ، هو الوحيد الذي أحبني وسأخسره بسببك أنت .
تقدمت منه قليلًا وتكتفت تحدق به وتتابع بمغزى لترد كرامتها :
- هو الذي أحبني دون أن يراني ، ولهذا أنت لا تثق به ، لأنه لا يشبهك .
قالتها وتحركت تغادر وتركته يقف مكانه يعيد كلماتها في رأسه ويرددها ليزفر بضيق ويلقي نظرة على الصغير ثم ينادي بعلو على المربية التي أتت من غرفتها تطالعه بتساؤل فقال :
- اهتمي بالصغير .
التفت بعدها يغادر الفيلا كما غادرتها هي متجهة إلى العزبة كي تتحدث إلى علي وتخبره بإنهاء الخطبة ، من المؤكد سيكون وقع الخبر صادمًا ولكن ليس بيدها حيلة .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
لا تقل أنا أعلم كل الحقيقة ، فالحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا من أوحي له .
قادت حتى وصلت إلى العزبة حيث صفت سيارتها بالجوار وترجلت تتجه نحو الداخل لترى علي وتتحدث معه .
طوال طريقها تحاول ترتيب الحديث ولكن الآن كأنها تشعر بتبخر كل ما رتبته .
كان يقف مع عمال المكان يرشدهم على عدة أمور لذا أرادت أن تودع رشيدة بقلبٍ منفطرٍ لذا تحركت نحوها أولًا ولكنه لمحها لذا أشار للعمال ليغادروا ويتجه يرحب بها بملامح متجهمة حيث يعلم أنها آتية من عند سيف .
تنهدت وتوقفت تطالعه بثقب ثم تحدثت وهي تنظر نحو المقاعد المرصوصة على بعدٍ مناسبٍ منهما :
- كنت سأرى رشيدة ، تعالى لنجلس يا علي هناك ما أود إخبارك به .
أومأ بثقب وتحرك معها يجلسان لينتظر حديثها بترقب شاعرًا بشيء من الغموض .
أما هي فتخلت عنها فصاحتها وتعالت وتيرة أنفاسها وهي تحاول بدء الحوار وأخيرًا نطقت بهدوء :
- علي لا أعلم حقًا كيف أقولها ولكن أنا مضطرة للأسف على فعل ذلك ، أنا آسفة .
تهاوى قلبه واستشف ما تود قوله لذا تساءل بترقب وغضبٍ خامد :
- ماذا هناك يا سارة ، لم تعتذري ؟
زادت نبضات قلبها توترًا وخيفة ثم تحدثت بتروٍ ليقينها أنه عقلاني :
- لا أستطيع تكملة الخطبة يا علي أنا أسفة ، صدقني الأمر خارج إرادتي .
أطرق رأسه يبعد نظراته عنها يبحث عن الهدوء كالباحث عن إبرة داخل كومة قش لذا عاد يرفع رأسه ويطالعها بعيون حمراء أخافتها :
- ما السبب ؟
يعلم السبب جيدًا أو هكذا هيأ له عقله لذا زاد توترها وزادت نبضاتها لتجيبه بنبرة متعثرة :
- نـ نوح ، أقصد لا أستطيع الابتعاد عنه ، إن تزوجت بك سيبعده والده عني .
ابتسم باستهزاء وبدأ يجمع خيوط أفكاره الخاطئة ويستنتج استنتاجات غير محسوبة قائلًا :
- والآن ؟
قطبت جبينها بعدم فهم ليتابع بنبرة محتدة أجفلتها :
- والآن بعد أن فسختِ الخطبة هل سيعطيكِ الصغير؟.
أومأت له مرارًا بتوتر دون التفوه حيث شعرت بالخوف ولم ترغب في الإفصاح عن عرض سيف لذا تحدثت بتعثر :
- أرجوك علي لا تصعب الأمور أكثر ، أنت تستحق الأفضل مني ، الخاسر هنا هو أنا صدقني ولكني لا أستطيع الابتعاد عن نوح أبدًا .
استيقظ وحش غضبه الذي ألجمه لأشهرٍ لينتفض ويخطو نحوها منحنيًا نحوها يقول بفزع وجحوظ أرعبها :
- هل تسخرين مني ؟ ، هل ترينني غبيًا أمامكِ ؟ ، كنتِ عنده منذ قليل وكان عندكِ أمس وتأتين الآن تخبريني بفسخ الخطبة ؟ ، هل أعجبكِ ؟
برغم رعبها منه إلا أنها لم تحتمل اتهامه لذا نهضت تزيح المقعد وتبتعد خطوة للخلف حيث كاد أن يلتصق بها وتقول بعيون محذرة قوية :
- إياك يا علي ، إياك وقول أشياءً ستندم عليها ، ثم كيف علمت أنني كنت عند سيف ؟ ، هل تراقبني ؟
تساءلت بشكٍ ليضحك بملامح مخيفة ويومئ موضحًا بعدما سقطت الأقنعة :
- نعم ، أراقبكِ ، أنتِ تماديتي معي كثيرًا يا سارة ، تماديتِ بالقدر الذي يجعلني أريد معاقبتكِ .
هزت رأسها بصدمة تجيبه بعدم استبعاب :
- ماذا ؟ .
امتدت يده تقبض على ذراعها بقوة قائلًا بتجهم وغضب :
- مثلما سمعتِ ، لن تتركيني هكذا بسهولة ، والخطبة لن تفسخ وزواجنا سيتم في موعده .
نفضت يدها بعنف منه حتى أنها تألمت ولكنها لم تبالِ وهي تطالعه شزرًا قائلة :
- أنت تحلم ، يبدو أنني أخطأت في معرفتك .
تحركت تغادر ولكن قبل أن تكمل خطواتها وجدت يده تقبض مجددًا على ساعدها يلفها بعنف إليه ويقول بشرٍ :
- لا تجعليني أريكِ الوجه الآخر لي الذي سعيت لإخفائه .
حاولت نزع يدها منه بصدمة وعيونها امتلأت بالغيوم ليأتي من خلفها صوت سيف يقول بنبرة هادئة وهو يتقدم منهما :
- أترك يدها يا علي .
مال علي يطالعه ليبتسم ساخرًا ثم نفض يدها لتلتفت تطالع سيف بدموعٍ قد سقطت ليبادلها النظرة التي تخبرها ب ( هل صدقتيني الآن؟ ) .
ابتعدت حينما تقدم سيف من علي ووقف أمامه يطالعه شزرًا ثم تحدث دون النظر إليها :
- هيا يا سارة غادري أنتِ وأنا سأتحدث مع علي .
تجمدت مكانها لثوانٍ ليقول علي بحقدٍ بيّن يقطر من نبرته :
- واو ، أرى قصة حب تلوح في الأفق .
ابتسم سيف باستفزاز ثم تحدث وهو يقف بثقة :
- نظرك جيد ، وهناك زواج أيضًا سيتم بعد يومين ، سنتشرف بعدم حضورك .
لم يتمالك علي نفسه إلا وهو يهجم على سيف ليسدد له ضربة تفاداها سيف ليتعثر علي ويسقط أرضًا تحت أنظار سارة الجاحظة والتي لم تعِ سوى على صوت سيف الغاضب وهي يعيد جملته مجددًا :
- قلت لكِ اذهبي وانتظريني خارجًا .
أومأت له وحلت وثاق قدميها وهي ترى علي ينهض ويتقدم من سيف الذي يستعد لمهاجمته بترحابٍ وثأرٍ دام لأشهر .
أما هي فلم تلتفت حيث ركضت للخارج واستقلت سيارتها تقودها وتغادر ، حتى أنها لم تنتظره كما أخبرها .
دام بينهما عراكًا حادًا أنهاه العمال ليفرقاهما ويبعدا علي عن سيف ليتوعد له علي من بين قبضة رجاله قائلًا بتهديد صريحٍ وهو يرفع سبابته :
- سأريك من هو علي يا سيف يا دويري ، أقسم سأجعلك تندم على فعلتك هذه .
نفض سيف كفيه باستفزاز كأنه انتصر ليشرع في فتح ذراعيه ويقول ببرود ثابت :
- سأكون في انتظارك .
تحرك سيف بعدها يغادر المكان بملامح متجهمة حادة ومتوعدة ليتجه يبحث عنها في الخارج ولكنه لم يجدها لذا أومأ مرارًا واتجه يستقل سيارته ويقود متوعدًا ليرى أين ذهبت تلك العنيدة سليطة اللسان صاحبة أجمل عيون سوداء رآها .
❈-❈-❈
صعدت شقتها بجسدٍ مرتعشٍ تبكي على ما حدث ، اتجهت تجلس على أقرب مقعدٍ وأزاحت نقابها تضعه جانبًا ثم وضعت رأسها بين راحتيها تفكر هل سيصبح لها ذنبًاج في ما وصل إليه علي ؟
ماذا إن عاد للمخدرات بسببها ، ما رأته منذ قليل لم يكن هو نفسه علي الذي تعرفه أبدًا ، كان شخصًا آخرًا تمامًا .
هل تسببت في ظهور هذه الشخصية ؟ ، ضميرها يؤنبها على ما فعلته به ولكن ليس بيدها شيءٍ لتفعله ، ليتها رفضت من البداية ، ليتها لم تقابله يومًا .
تحاول التماس العذر له فيما فعله وتلقي باللوم على شخصٍ واحد فقط وهو سيف .
عادت تهاجمها كلمات علي حينما شكك بأخلاقها واتهمها بعلاقة بينها وبين سيف ، تذكرت عيناه وقبضته ليتحول حزنها على حاله إلى غضبٍ منه وتردد لتقنع نفسها :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- لا ، أنا لم أخطئ في حقه ، يبدو أن هذه شخصيته الحقيقية وأنا التي لم أكن أعرفها .
تنفست بقوة ثم نظرت حولها تلاحظ عدم وجود والدتها في المنزل
نهضت تناديها بصوتٍ واهن واحتياج قائلة :
- أمي ، أين أنتِ ؟ .
لم يأتِها ردًا لذلك أيقنت أن سعاد ذهبت للتسوق لذا عادت ترتد على المقعد وتفكر مجددًا في أمر علي ولكن طرأ على عقلها حضور سيف إليها ، كيف علم مكانها وكيف ظهر في الوقت المناسب ؟ ، أخبرها أنه لا يثق في علي فهل كان محقًا ؟.
ابتسمت ساخرة وتحدثت بهمس مؤلم :
- وأنت محل الثقة جميعها يا سيف يا دويري ، يبدو أن صنفكم كله متشابهًا .
زفرت بعبث ثم نهضت لتبدل ثيابها وتصلي ولكن طرقات على الباب أوقفتها لتشعر بأنه الطارق لذا انحنت تلتقط نقابها وتعاود عقده حول رأسها ثم أنزلته على وجهها وتحركت تنظر لهيئتها في المرآة قبل تنظر من العين السحرية وما إن رأته حتى مدت يدها تفتح الباب لتجده أمامها يطالعها شزرًا ويقتحم المنزل دون مقدمات حتى أنها لم تستطع مواكبة حركاته أو إيقافه ليتحدث بنبرة حادة :
- أولم أقل لكِ انتظريني ، لِم غادرتي ؟
تطلعت على ملامحه المبعثرة وتأكدت أنه تعارك مع علي لتشعر بالضيق وتجيبه بثباتٍ ظاهري وهي تتكتف :
- ولِم أنتظرك ؟ ، ولِم أطيعك ؟ ، لا تظن أنّ بزواجي منك سيصبح لديك سلطة علي ، إنك مخطئٌ .
تقدم منها خطوتين فتوترت ولكنها تدعي الثبات الذي تظهر عيناها عكسه لذا حدق بها وتحدث متسائلًا :
- هل وثقتِ بكلامي؟ ، هل رأيتِ الوجه الحقيقي لذاك الخطيب ؟ .
أومأت تردف بشفاهٍ مزمومة وهي على وشك الانهيار :
- نعم رأيت ، رأيت أنه لا يمكن الوثوق في صنفكم أبدًا ، والآن مع السلامة فأمي ليست هنا .
توترت نظرته ووقف لثوانٍ قبل أن يقرر الرحيل خشيةً عليها من القيل والقال فهو لم يكن يعلم بعدم وجود سعاد .
تحرك نحو الباب ولكنه تذكر شيئًا ما لذا التفت يطالعها وهي تواليه ظهرها حينما شعرت بالبكاء ليردف بنبرة لا تقبل نقاشًا :
- أبلغي الحاجة سعاد أن كتب الكتاب سيتم بعد يومين وستنتقلان أنتِ وهي للعيش معي في الفيلا .
التفتت تطالعه بصدمة فابتسم يغادر وتركها تقف مغتاظة من تحكمه الذي تعلم جيدًا كيف تروضه ، عن أي إقامة يتحدث ؟ هل يظن أنه بات ولي أمرهما ؟ ، هه إنه يحلم ، صبرًا علي يا ابن الدويري .
❈-❈-❈
انقضى اليومين واتهجت سارة مع والدتها إلى فيلا سيف .
لقد ظنت أن والدتها لن تقبل بهذا العرض أبدًا ولكنها صدمتها حينما وافقت على المكوث هنا معهما وبجوار الصغير ، لقد باتت والدتها تتصرف مؤخرًا بطريقة لم تعهدها ولم تفهمها .
جلست سارة تحمل الصغير على ساقيها وتلاعبه بشرود في ركنٍ في هذا الغرفة مع سعاد التي تجاورها وعلى الطرف المقابل يجلس الرجال .
طلبت سعاد من جارها الحاج محمد النعماني ليأتي ويكون هو وكيل ابنتها سارة ولبى هذا الرجل الطيب الدعوة على الفور وها هو يجلس بجوار المأذون والشهود وسيف .
عُقد القران بهدوءٍ تام ووجوه الجميع هادئة لا يبدو عليها أي معالم للفرح .
ليلتفت المأذون للعروس قائلًا بنبرة هادئة :
- مبروك يا ابنتي .
أومأت له دون أن ترفع نظرها وتحدثت بهمس :
- شكرًا لك .
بارك لها أيضًا الحاج محمد وغادر حزينًا على حالتها فهو يعلم الظروف التي أودت بها إلى هذا الحال بينما غادر الشهود والمأذون ونهضت سعاد عن عمدٍ تحمل الصغير من ابنتها وتتحرك به للخارج لتعطي لهما فرصة الحديث .
كان يجلس بصمتٍ ينتظر هذه اللحظة ، يحدق بها وهي مطرقة رأسها بصمتٍ مماثلٍ لصمته .
لا يعلم ما هذه المشاعر التي هجمت عليه ولكنه أراد رؤيتها وتضاعفت رغبته كثيرًا الآن لينهض ويخطو بخطواتٍ مدروسة نحوها وهي كانت غارقة في دوامة أفكارها لذا لم تشعر به حينما جلس أمامها يتابعها بهدوء ليسمع هدهدة خافتة تخرج منها ويعلم أنها تبكي .
خانته يده التي امتدت لترفع وجهها فأجفلت تطالعه بصدمة تحولت إلى نظرة عدائية غاضبة بعينين سوداويتين ممتلئتين بالدموع .
أسرته نظرتها عن قرب وبرغم أن الوقت لم يتجاوز الثانيتين إلا أنه شعر به قد توقف وامتدت يده الأخرى لترفع نقابها ليرضي رغبته اللحوحة ولكن قبل أن يصل إليه كانت تقبض على يده تمنعها من الوصول إليها وتنفض وجهها مبتعدة عنه ثم نهضت تتحرك خطوتين وتطالعه بغضبٍ من أسفل نقابها وتردف بنبرة حزينة منكسرة وحادة في آنٍ واحد :
- إياك أن تفعلها مجددًا ، وإياك أن تنسى أن هذا العقد ما هو إلا ورقة وقعنا عليها من أجل نوح ، لا شيء آخر بيني وبينك ولن يكون .
تحركت تغادر على الفور نحو الخارج وتركته يجلس يطالع أثرها بغضبٍ وضيقٍ وضجر ، يحاول استيعاب صدمتها ويحاول التماس العذر لها ولكنها أحبطت لهفته ورغبته في رؤيتها وعليه أن يدعي الثبات واللا مبالاة وألا يظهر ما يشعر به ، بالأساس ما يشعر به هو مجرد فضول لا أكثر ولا أقل وما إن يراها من المؤكد سينتهي فضوله هذا .
مر اليوم دون جديدٍ يُذكر حيث غادر سيف إلى عمله وانشغلت هي مع الصغير ووالدتها التي حاولت التحدث إليها عن سيف ولكنها كانت صارمة في هذا الأمر بطريقة جعلت سعاد تأجل أي حديث الآن .
❈-❈-❈
يومان آخران مرا على الجميع في الفيلا .
تتعمد تجاهله وتتعمد المكوث في غرفتها التي أعدها لها مصطحبة معها الصغير بتملك ولا تخرج إلا بعدما تتأكد من مغادرته الفيلا .
لم يبدِ أي ضيقٍ من تصرفاتها أو ينزعج ولكن هذا ظاهريًا فقط ، هو يريد أن يذهب إليها ويعلمها كيف تتعامل معه ولكنه اعتاد الثبات والتحلي بالصبر .
دلفت والدتها الغرفة تطالعها بضيق فلم تعد تحتمل تصرفات ابنتها الهوجاء التي لم تكن هوجاء يومًا لذا تحدثت بدون مقدمات بنبرة مندفعة :
- كفى يا سارة ، كفى ما تفعلينه خاطئًا ، بسبب أفعالك تلك اضطر الرجل لترحيل المربية ، لمَ تتصرفين هكذا ؟ ، هل ستظلين طوال عمرك تعامليه كالغرباء ؟ ، هذا زوجكِ يا بنتي .
- أمي لا تبدئي أرجوكِ أنا لا أريد نقاشًا في هذا الأمر .
- بلا أمي بلا يحزنون ، أنتِ لم تُبقِ فيها أم ؟ ، الرجل إلى الآن لم يرَ وجهكِ حتى .
قالتها سعاد بانفعال لتزفر سارة بضيق وتطالعها بتعجب قاطبة جبينها ثم تساءلت بتجهم :
- هل اشتكى لكِ يا أمي ؟ ، أنا سعيدة هكذا وهو كذلك لمَ أنتِ غاضبة ؟
- غاضبة لأن ما تفعلينه لا يجوز شرعًا ، سيغضب عليك الله .
جحظت سارة تطالعها بصدمة ثم شردت تفكر بخوف لتقول بعدها في محاولة منها لإقناع عقلها :
- حاشا لله يا أمي ، لمَ تقولين هذا ، أنتِ تعلمين جيدًا أسس وشروط هذا الزواج ، هو ليس زواجًا حقيقيًا أبدًا .
جلست سعاد أمامها تطالعها وتحدثت بلومٍ صريح :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- أنتِ يا سارة ؟ ، أنتِ التي تقولين هذا ؟ ، حسنًا أين كلامكِ عن الشرع وأنه لا يوجد زواجًا مشروطًا وإلا فهو باطل ؟ ، الزواج زواج يا ابنتي وبمَ أنكِ قبلتِ بسيف زوجًا لك فعلى الأقل تعاملي معه كأنه صديق ، لن تخسري شيئًا فقط كصديق لتمر الأيام بينكما بخير وحتى لا يتأثر نوح بعلاقتكما ، دعيه يراكِ ويعتاد على وجودكِ هنا ليكبر الصغير بين أسرة حقيقية وإلا فالزواج هذا ليس له داعٍ أبدًا ، تقولين أنكِ وافقتي من أجل نوح ولكن إن استمريتي على هذا الحال فصدقيني أنتِ هكذا تؤذين الصغير أولًا ونفسكِ ثانيًا .
أنهت سعاد حديثها ونهضت لتلتفت ترى الصغير الذي يتمسك بالعضاضة يقضمها لتعود تنظر نحو ابنتها التي شتتتها كلمات والدتها وتقول قبل أن تغادر :
- فكري جيدًا في كلامي يا سارة ، تصرفي حسب إحساسكِ واتركي الخوف جانبًا ، الخوف عدو الإنسان يا ابنتي .
تركتها وغادرت ، تركتها تفكر وتعيد الحديث على عقلها وكأن والدتها وضعتها أمام المرآة التي كانت تتجنبها لتواجه مشاعرها .
نعم هي خائفة ، تخشى رؤيته ، تتجنبه ، تتجنب الحديث معه ، تخفي وجهها عنه ، كل هذا هو في الحقيقة خوف ، خوف من الانجراف خلف مشاعر لن تتقبلها أبدًا ، لقد كان سيف زوج شقيقتها وحبيبها وأصبح الآن والد نوح وسيظل كذلك دومًا ، لن تضعه في مكانة أخرى أبدًا ، لن تفعل كما قالت والدتها وتعتبره صديقًا فالصداقة أحيانًا تتحول إلى .... حب .
❈-❈-❈
في اليوم التالي سافر سيف خارج البلاد في رحلة عمل .
سفرًا مفاجئًا ولكنه اضطر لذلك تاركًا نوح بأمان مع السيدة سعاد ومع تلك التي تتعامل معه كأنه شفافًا لا يُرى .
حسنًا ليصبح شفافًا إذا وليبتعد بحق .
أما هي فتحركت بأريحية في الفيلا منذ أن غادر ، كانت ترفع نقابها فقط داخل حدود غرفتها ولكن الآن ترفعه في الأماكن الخالية من كاميرات المراقبة كالمطبخ وغرفة المعيشة والصالة وباقي الغرف عدا غرفة المكتب وغرفة نوح وكل شبرٍ في الحديقة .
باتت سعاد تُظهر استياءها منها ولكن سارة تستطيع بمرحها كالسابق أن تلين قلب سعادة كما تطلق عليها .
وها هي بعد يومين تعود لعملها حيث نقلت أغراضها هنا في مطبخ الفيلا وعادت لترى متابعيها الذين افتقدوها كثيرًا وأرسلوا لها أكثر من ألفي رسالة .
جاءت سعاد إليها وهي تقف في المطبخ تبدأ في تجهيز أغراضها لتصنع الشكولاتة بينما تحدثت سعاد متسائلة :
- أين ذهبت نورا ؟ .
تحدثت سارة وهي تجمع الأشياء أمامها :
- في الأعلى يا أمي تنظف الغرف ، هل نام نوح ؟
أومأت سعاد واتجهت تجلس أمامها قائلة بتنهيدة مجهدة :
- نعم لقد نام للتو ، لا يوجد أخبار عن سيف ؟
هزت رأسها بلا دون النظر لوالدتها التي اغتاظت وتحدثت بتجهم :
- ولمَ لا تهاتفيه وتطمئني عليه؟ ، أنتِ ستتسببين لي في سكتة قلبية .
أسرعت ترفع نظرها وتطالع سعاد بنظرة عتاب مردفة بلهفة :
- أبعد الشر عنكِ يا أمي سلامة قلبكِ ، حقًا أحزنتيني .
- أنتِ من تحزنيني يا سارة ، ليتكِ تريحين قلبي .
زفرت سارة بضيق يعتليها لتنهض سعاد من أمامها وتغادر المطبخ وتتركها تشعر بثقل في صدرها وضغطٍ بات يلازمها من حديث والدتها المُلِح .
زفرت بقوة تستدعي التروي ثم بدأت تحضر القوالب المطاطية لتصب بها خليط الشوكولاتة علّ عقلها ينشغل عن التفكير .
بعد عدة دقائق استمعت لخطواتٍ تأتي من الخارج لتتوقف خلفها مباشرةً لذا التفتت تحمل ملعقة ممتلئة بخليط الشوكولاتة التي أعدتها وتبتسم قائلة بتباهي :
- افتحي فمكِ يا نوــــــــــــ.
جحظت عيناها وبقى فمها معلقًا على حرف النون المضموم وكأنها ستقبل أحدهم بينما الملعقة وجدت طريقها إلى فم هذا الواقف يحدق بها بصدمة وبرغم أن فمه تلطخ بالشوكولاتة الشهية إلا أنه لم يجد أشهى من ملامحها .
عينان سوداوان كالليل وأنفٍ مستقيمٍ رأسه شامخًا وشفتين مضمومتين تطالبان بتقبيلهما فهل يلبي .
هل هذه هي ؟ ، هل هي سارة التي قيل أنها ليست جميلة ؟
إذًا من الجميل بعدها ؟ ، هل هذه سارة التي توبخه وتقف له بالمرصاد ؟ إذا لما الآن بريئة تشبه الفراشات ، هل هذه سارة نفسها التي اشترطت ألا يكون هذا الزواج حقيقيًا ؟ إذا لماذا تضم شفتيها هكذا وكأنها تطالبه بقبلة عودته من السفر ؟
لم يستوعب هذا الحسن كله والذي سقط على قلبه كمشغل موسيقى صاخب جعله يتراقص فرحًا .
منذ يومين وهو مشغول في التفكير بها ولم يهدأ لذا عاد حينما انتهى عمله ليتحدث معها وليضعا النقاط على حروف علاقتهما ، كان سيجبرها أن تتخلى عن نقابها أمامه بذريعة أن هذا يضر بطفله ولكن الآن بات يريد العكس ، يريد تخبأتها من عينيه فرؤيتها هكذا دون الاقتراب منها عذاب .
ظلا كليهما على هذا الوضع لثوانٍ مرت على قلب سيف بتمهل قبل أن تتوتر سارة كليًا وتبعد الملعقة عن فمه وتهتز يمينًا ويسارًا تحاول الابتعاد ولملمة نفسها ولكنه أسرع يتمسك بيدها التي تحمل الملعقة ويعاود رفعها إلى فمه متناولًا كل محتواها من الشوكولاتا بعيون معلقة عليها يتذوقها باستمتاع تام وهي متجمدة تطالعه بعيون متسعة وقلبٍ يكاد يتوقف من فرط حركته ليردف بنبرة تحمل شيئًا من الانتشاء والرضا :
- لم أكن أعلم أنها بهذا الجمال كله ... أقصد الشوكولاتة .
تركها مجبرًا وتحرك بهدوء يبتعد برغم أنه كان يود لو لم يبتعد أبدًا ولكنه رحم قلبها الذي شعر بصخبه ولم يبالِ بقلبه الذي يئن .
بينما هي وقفت تحاول تجميع شتات نفسها عبثًا ، فكل ما بها يرتعش وها هو ما خافت منه يحدث ، ولكن لا لن تسمح بحدوثه أبدًا
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
جميلة .. لو كان للسعادة ملامح فستكون ملامحها .
منذ أن رآها وهو يتخبط بغير هدى .
ملامحها طُبعت في ذاكرته ليشعر كما لو كان في غرفة مظلمة والإضاءة تنبعث من صورتها فقط .
ملامحها أجمل مما كان يتخيل ، جمالها ليس غربيًا ولكنها مميزة وساحرة و ... شامخة تشبه الفرسة الأبية .
لم تغب عن عقله هيئتها وتوترها وعيناها وشفتيها المضمومتين .
ابتسم بتعجب من حالته تلك ومشاعره التي كادت أن تجبره على تقبيلها وكم تمنى لو فعلها .
ما هذا الذي يشعر به معها ؟ ، ما هذا الأمر الجديد عليه وعلى قلبه ؟
هل يمكن لأنها دومًا تتحداه وتعانده ولا تخشاه ؟
كانت داخله رغبة ملحة في رؤيتها وظن أنه بعدما يراها ستهدأ رغبته بها ولكن ما يحدث معه الآن هو العكس تمامًا .
بات يطالب برؤيتها مجددًا بالرغم من أنها لا تغيب عن عقله .
حتى منذ قليل وهو يناغش الصغير كان يراها وهي مصدومة ويبتسم .
حتى الآن وهو يهاتف أحد العملاء ويتحدث معه عن العمل كان يرى شفتيها المزمومتين ويبتسم .
في الوهلة الأولى تساءل من هذه وكاد أن يظنها غريبة احتلت بيته ولكن نبرة صوتها ونظرة عيناها حينما التفتت جعلته يتأكد أنها هي نفسها سارة التي احتلت عقله بأفعالها .
ابتلع لعابه وأنهى مكالمته ثم تحرك خارج مكتبه ليراها ، يريد رؤيتها مجددًا .
ولكنها عكس حالته ، منذ أن فرت هاربة وقد لجأت إلى غرفتها تبكي شاعرة أنها ارتكبت خطأ فادحًا ، ألقت بنفسها داخل فوهة الذنب والندم اللذان تشعر بهما .
خائفة بل مرتعبة من فكرة وقوعها في حب هذا الشخص خاصةً وأن عقلها الباطن يفرض عليها خيالات تخشى حدوثها .
لمَ هو ؟ ، لمَ هو تحديدًا ، لقد كانت تبغضه ، كانت تراه شخصًا عديم الضمير ومتبلد المشاعر وإلى الآن تراه هكذا إذًا لمَ باتت تفكر فيه وتتهرب منه وتصبح أمامه عنيدة حادة سليطة اللسان بالرغم من رتابة كلماتها مع الجميع .
اعتدلت في جلستها ثم مدت يدها تنتشل هاتفها وتعبث به حتى ظهرت أمامها صورة فريدة .
تحسستها بأصابعها وانهمرت دموعها وتحدثت من بين شهقاتها بعيون منتفخة :
- لا يا فريدة ، لن يحدث هذا أعدكِ ، أنا لم ولن أخون ثقتكِ بي ، كل ما فعلته لأجل نوح ، نوح فقط يا فريدة صدقيني .
رفعت كفها تجفف دموعها ثم زفرت بقوة وتحدثت بشموخٍ كعادتها ونظرة تحدي صريحة :
- كفى يا سارة ، كفى هروبًا وكفى خوفًا من وجوده ، دعيه يراكِ وتعاملي معه كأنه رجلًا من محارمكِ وانتهى الأمر ، لا خوف ولا هروب ولا أي مشاعر أخرى ، هو والد نوح وبينكما عقدًا من أجل الصغير وكفى .
نهضت تتجه للحمام الملحق لتغسل وجهها وتعود إلى المرآة تنظر لهيئتها .
ترتدي منامة قطنية التصقت بها وخصلاتها الغجرية السوداء تركتها للعنان .
ليصطبغ وجهها بحمرة الخجل وهي تتذكر كيف التفتت له ظنًا منها أنها نورا لتذيقها خليط الشوكولاتة ولكن كان هو .
عادت نبضاتها تتسارع لتضع كفها على قلبها توبخه بهمس :
- كفى يا هذا توقف عن الخفقان ، اهدأ أنت فقط تشعر بالتوتر ، نعم هو كذلك ، كل ما في الأمر أنه رآني للمرة الأولى ولكن ما بعد ذلك سهلًا .
حاولت تعزيز طاقتها لتعود ملامحه تحتل عقلها ، لقد تجمد يطالعها بذهول كأنه لا يصدق أنها هي سارة ، رأت في عينيه الدهشة ونطق بجملته التي كانت سببًا في مشاعر لا تريدها أن تتحكم بها .
ابتسمت فجأة بل وصدرت منها ضحكة خافتة حينما تذكرت ملعقة الشوكولاتة التي التصقت بفمه فتركت أثرًا مضحكًا ولكنه تذوق المزيد ولم يعترض بل أعجب بها ، هل يحب الشوكولاتة ؟ .
زفرت بقوة تنهر نفسها مردفة بغيظ :
-ايوووووه أيتها الغبية توقفي ، كلما قلتِ لا تفكري تعودي وتفكرين ! ، كفى يا سارة كفى .
ارتدت إسدالها ولفت طرحته حولها وجهها بعدما جمعت خصلاتها .
نظرت لنقابها تطالعه بعمق ثم قررت التخلي عنه ، ستظر بإسدالها فقط من الآن وصاعدًا داخل هذه الفيلا .
خرجت متجهة إلى غرفة الصغير لتراه ، ما إن فتحت الباب حتى وجدته أمامها يحمل الصغير ويدلله .
التفت على الفور يطالعها بعيون ثاقبة محدقًا بها بتعجب فهي جميلة في كل الأحوال .
جميلة بنقابها وجميلة بحجابها هذا ويزداد جمالها وهي بدونهما .
ابتسم لها وقرر إظهار التجاهل وعدم التأثر بملامحها التي يكتشفها حديثًا لذا التفت يطالع الصغير قائلًا بنبرة خبيثة :
- ما هذا الجمال كله يا صغير ، أنت تشبه أباك يا ولد .
برغم توترها الذي تجاهد لتخفيه واستطاعت ذلك وهي تتجه نحوه وتحاول أخذ الصغير منه قائلة بغيظ من ثقته العالية بنفسه :
- لا هو لا يشبهك ، هو جميل جدًا ولهذا هو لا يشبهك بالطبع .
تعلم جيدًا أنه يشبه والده ولكنها لا تعلم حينما تراه تود إثارة حنقه بأي شكل وكأنها إن حدثته برتابة سيقع في حبها ، لا تعلم هذه العنيدة أن هذا ما يجذبه إليها ولو تعلم ذلك لاخترعت له أسلوبًا مخصصًا من الرتابة تحدثه به .
ابتسم عليها وأبعد الصغير عنه يلف به قائلًا بخبث مستفز :
- من سيشبه إذا لم يشبه أباه ؟ ، لا تحاولي لأنه وسيم مثلي ، يكفي أن عيناه ملونة .
ضحكت دون إرادتها فأشرقت الشمس على ليله الحالك لينتفض قلبه في نبضة جديدة عليه من مجرد ضحكة سريعة صدرت منها وهي تقول بثقة وثبات بعدما التقطت منه الصغير الذي تهاوى ناحيتها لتبتعد به وتطالعه بانتصار :
- لا تحاول عبثًا ، معايير الجمال هذه وضعوها أصحاب العيون الملونة بعدما اهتزت ثقتهم بنفسهم نسبةً لسحر العيون السوداء .
- نعم هي ساحرة بالفعل .
قالها كالمسحور حقًا وهو يباغتها بنظرة شاملة لتتوتر لذا ابتعدت تغادر الغرفة بالصغير قاصدة الأسفل وتتركه يحدق في أثرها بشرود .
نزلت لتجد سعاد تطالعها بابتسامة مشرقة حينما وجدتها قد تخلت عن نقابها في وجوده لذا تحدثت حينما اتجهت سارة تجلس جوارها :
- ما هذا القمر .
نظرت لها سارة بمغزى فابتسمت سعاد والتفتت تنحني وتقبل يد الصغير قائلة بخبث :
- ما هذا القمر يا نوح .
ضيقت عيناها تطالعها بشكٍ ثم قالت ما جال في عقلها :
- ما بكما اليوم ؟ ، هل اكتشفتما للتو جمال نوح ؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
قطبت سعاد جبينها تردف باستفهام وتمنى :
- بكما ؟ ، وهل قالها أحد غيري ؟
توترت واكتشفت زلة لسانها لذا ادعت انشغالها بالصغير ليأتي سيف من خلفها مردفًا وهو يجلس بالقرب منها :
- نعم أنا قلت أيضًا .
ابتسمت سعاد له وانتعش داخلها بأمل وسعادة تقول بهدوء لترفع الحرج عن ابنتها :
- هل أخبر نورا بتجهيز العشاء لك يا بني ؟ ، أنت لم تتناول وجبة غدائك أيضًا .
شكرها سيف قائلًا وهو ينظر نحو تلك التي اندمجت مع نوح ولكن أذنها معهما فسمعته وهو يقول :
- لا شكرً لكِ ، يجب أن أذهب بعد قليل سأتناول العشاء في الخارج مع بعض الشركاء .
أومأت له بتفهم ولكنه لا يعلم لمَ فعل ذلك وتساءل بشرود وهو يحدق في سارة :
- هل تأتين معي ؟
للحظة ظنت أنه يطرح السؤال على والدتها ولكنه يقصدها بنظراته لذا رفعت رأسها تطالعه للحظات بعدم فهم ثم مر على عقلها شقيقتها وحديثها عنه ورغبته في ظهورها بكامل أناقتها بين مجتمعه لذا احتدت نظرتها وتملكها غضبٌ عاصفٌ تجيبه بحدة قاسية :
- لا مؤكد أنك تمزح ، افهمها جيدًا يا سيف نحن لسنا زوجين حقيقيين وأنا لن أكون تلك الواجهة العملية التي تبحث عنها ، أنا لن أسمح لك بأن تعاملني كالسلعة بين هؤلاء الرجال .
تجهمت تعابير وجهه بالكامل حينما استمع إلى ما قالته لينهض يطالعها بعيون حادة مردفًا بجمود ومحذرًا إياها بسبابته وهو يرفع حاجباه :
- تماديتي كثيرًا ، تماديتي معي كثيرًا جدًا وهذا ما لن أسمح به ، من الآن وصاعدًا ستلتزمين حدكِ معي .
تحرك بعدها يغادر بخطوات غاضبة وملامح مكفهرة تاركًا خلفه عقلًا يشعر بالندم على ما تفوه به لتزيدها سعاد عليها وتردف معنفة بكلمات كانت تشبه سياط الجلد التي لا ترحم :
- أنتِ مجنونة ؟ ، ما هذا الكلام السيء الذي قلتيه في حق الرجل ؟ ، هل هو ديوث أمامكِ ، بتِ لا تحتملين .
نهضت سعاد تغادر من أمامها حتى لا تعنفها أكثر ولكنها تناولت الصغير منها وتركتها تجلس نادمة على كلماتها ولكن أولم يكن هذا ما تخبرها به فريدة ؟ ، أولم تخبرها أنه أرادها أن تتخلى عن حجابها لأجل حفلاته ومجتمعه ؟ ، أولم تخبرها فريدة أنه كان يطلب منها الظهور بكامل أناقتها بين عالمه ! .
زفرت بقوة ووضعت وجهها بين كفيها تستغفر نادمة على ما قالته ، حتى وإن أخبرتها فريدة بذلك ولكن لم يكن عليها أن تبصق تلك الكلمات المؤذية خاصةً وأنها لم ترَ بنفسها تصرفًا قبيحًا منه وهي من اعتادت ألا تحكم على أحدهم من خلال الآخرين .
❈-❈-❈
قارب الوقت على الثانية صباحًا وهو لم يعد .
جميع من في الفيلا نام إلا هي تجلس تنتظره لتعتذر منه عما صدر منها بعدما عاشت تأنيب ضمير لم يسبق له مثيل .
تجلس في غرفتها تُرفه السمع جيدًا ولكنه تأخر كثيرًا على العودة فهو يعود باكرًا عن هذا الوقت .
انتفضت حينما سمعت خطواته يتحرك بثبات نحو جناحه المتطرف في آخر الردهة .
كادت أن تفتح الباب وتوقفه لتعتذر ولكن منعها توترها من فعلها خوفًا من رؤية أحدٍ لها .
لتعود وتتذكر ما عاشته من ندم وتتذكر ملامحه ووقع كلماتها الثقيلة عليه لذا فعليها أن تحسم أمرها وتعتذر منه .
زفرت بقوة ثم التفتت تطالع هيئتها عبر المرآة ، كانت ترتدي إسدالًا قطنيًا منقوشًا بورود صغيرة وتلف حجابها حول خصلاتها بإحكام .
عادت تتنهد ثم أومأت تقوي نفسها وتحركت بخطوات هادئة نحو الخارج تفتح الباب بهدوءٍ وحذر حتى لا يسمعها أحد .
خطت حتى وصلت أمام بابه وعاد التوتر يلتهمها ولكنها رفعت يدها تطرق الباب بخفة وتتمنى ألا يفتح ولتكن فعلت ما عليها .
ولكن خاب أملها وهي تراه يفتح الباب ويطالعها بهيئة مشعثة وفى يده لفافة تبغٍ تحترق كحال قلبه بينما أزرار قميصه الأبيض مفتوحةً جميعها لتظهر تفاصيل جذعه بوضوح كأنه كان على وشك نزعه .
وقف يطالعها بعيون حمراء غاضبة وأنفاس ملتهبة ينتظر حديثها الذي تبخر تمامًا وتجمدت من هيئته وحالته وجذعه المكشوف .
حاولت ابتلاع لعابها ولكنه توقف في حلقها فكادت أن تختنق لذا تحمحت بقوة وحاولت التحدث ولكن حروفها خرجت مبعثرة وهي تقول :
- سـ أ ، سيف أنا أعتذر منك عما قلته .
زفرت بعدما انتهت من قولها وكأنها كادت أن تغرق لتجده لم يحرك ساكنًا لذا التفتت تنوي العودة ولكنه أسرع يقبض على معصمها ويسحبها إلى الغرفة فجأة دون سابق إنذار لتخرج منها شهقةً كادت أن تصرخ ولكنه أسرع يغلق الباب ويحتجزها خلفه ثم ألقى السيجارة ودعس عليها بقدمه ليحرر يده الأخرى مكممًا فمها بها قائلًا بنبرة هامسة وعيون محذرة :
- لا أريد أن أسمع صوتكِ .
تهاوى قلبها وجحظت عيناها وهي تجد نفسها محاصرة بين جسده لتومئ له مرارًا لذا أبعد يده عن فمها ثم اتكأ بيديه من حولها ليصبح قريبًا جدًا منها وأنفاسه تلفحها لتلعن نفسها على قدومها إلى وكر هذا الذئب الماكر ، لقد أتت لتعتذر له ولكن ليذهب هو واعتذاره إلى الجحيم .
لم تتعرض في حياتها لمثل هذا القرب والنظرات من رجلٍ لذا فهي أصبحت على وشك البكاء بينما هو يجول بعينيه فوق ملامحها ثم تحدث بألمٍ داخلي ونبرة صوتٍ لم يتحدث بها من قبل :
- لمَ تصرين على جرحي ؟ ، لمَ تتلذذين بألمي ؟ ، ما الذي سمعتيه عني لتصدري علي أحكامًا قاسية هكذا ؟ ، هل ترينني حقيرًا أمامكِ لأعرض زوجتي على الرجال كسلعة ؟ ، هل عيناكِ تراني هكذا ؟
نطق الأخيرة وهو يكور قبضته ويلكم الحائط المقابل له بقوة جعلتها تجفل ولكنها حزنت لأجله بالرغم من رغبتها في التحرر وتوترها إلا أن نبرته دلت على تألمه من كلماتها ليتابع وهو يراها تلف وجهها عنه وتغمض عيناها بانكماش وتحاول بجسدٍ متشنجٍ أن تلتصق في الباب حتى لا تلتصق به :
- أخبريني ماذا تعلمين عني ، أخبريني يا سارة .
تغيرت نبرته من الألم إلى شعورٍ آخرٍ اجتاحه من قربها هكذا ليتابع بنبرة خافتة متحشرجة :
- أعلم أنكِ سمعتي الأكاذيب عني مثلما سمعت حيث قيل لي أنكِ لستِ جميلة .
التفتت تقابله بعدم فهم مما يقوله لتصبح في مواجهة وجهه ولكن لسانها معقود وجسدها متجمد ليتابع هو وعيناه ترتكز على شفتيها :
- أنتِ أجمل إمرأة رأيتها في حياتي .
شعرت بخطرٍ جسيمٍ يقترب منها لذا أسرعت تنتفض في محاولة منها للهروب ولكنه الآن بات في حالة سحر بها ، تفاقمت مشاعره وتهاوى قلبه وارتفعت يده لتقبض على كفيها وترفعها للأعلى مقيدًا حركتها بالكامل بينما هي تهز رأسها بهستيرية وصدمة عقدت لسانها ليردف بخفوتٍ :
- هششششش ، اهدئي .
وكأنه فرمان من الملك لتهدأ فورًا تطالعه بعيون لامعة وقوية ومتحدية برغم وضعها الذي لا يعبر عن أي قوة ولكنها تخبره بنظراتها أنها لن تخضع لسطوة عشقه أبدًا ليبادلها بنظرة تحمل تحدٍ أكبر وإصرار أكبر ولم ينتظر أكثر إذ انحنى يلصق شفتيه في خاصتها مقبلًا إياها قبلة ناعمة رومانسية متمهلة وهو يغمض عيناه مستمتعًا بمذاقٍ أروع من مذاق شوكولاتتها المميزة .
صدمتها فيمَ يحدث جعلتها لا تشعر بشيء سوى الغضب لذا ما إن حرر قبضته تأثرًا بمشاعر جسده حتى كورت قبضتيها واعتصرت عيناها لتدفعه بكل ما أوتيت من قوة فارتد فجأةً للخلف بعدما سقط من جنته يطالعها بعيون راغبة وتطالعه شزرًا ولم تتفوه بحرف بل التفتت تفتح الباب وتندفع مغادرة بغضبٍ كرياحٍ عاصفة .
أما هو فوقف يطالع أثرها بتعجب مما أصابه ، هل حقًا قبلها ؟ ، كان ينوي معاقبتها على ما قالته فهل هذا هو العقاب ؟.
قلبه يقيم حفل زفاف داخل صدره ولا يعلم ما أصابه ، لا يعلم ما بها فكلما وقفت أمامه يجد شيئًا داخله يهفو إليها .
مد يده يغلق الباب وزفر بقوة ليحاول تحجيم مشاعره ثم اتجه للمرآة يطالع هيئته ليعود طعم قبلتها يسيطر على عقله فيعزز مشاعره لذا زفر بقوة وتحرك نحو الحمام ليستحم .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
❈-❈-❈
بعد أسبوع
عادت لوضعها السابق في تجنبه بل زاد الوضع عن حده ولكنها أصرت على ألا تستسلم مجددًا .
منذ ذلك اليوم وبعد أن عادت إلى غرفتها مأخوذة وقلبها يكاد أن يقفز منها بشعورٍ مختلطٍ من الغضب والصدمة والخجل والخوف .
لا تصدق أنه قبلها ، لا تصدق أنه للتو سرق أول قبلة منها .
كيف سمحت له ، غاضبة من نفسها أكثر من غضبها منه فكان عليها أن تعنفه ولا تسمح له بفعلته هذه أبدًا .
لذا فهي لم تعد تبالِ بحديث سعاد وتوبيخها لها بل تفعل فقط ما تراه مناسبًا .
أسبوعًا حرم من رؤيتها بعدما تعمدت الاختفاء من أمامه وعدم الظهور في وجوده أبدًا .
تحرمه من رؤيتها بعدما تذوق شهدها ؟ ما هذا العذاب ؟ ، أي امرأة هذه ؟ ، بحياته لم يرَ شخصية شامخة وأبية مثلها .
❈-❈-❈
تجلس في غرفتها كالسجينة وهي تعلم أنه في الخارج .
تشعر بالملل الشديد ولكنها تجاهد ألا تستسلم ، تتصفح هاتفها بعدم تركيز وعقلها يفكر فيه مجددًا وهذا يشعرها بالضيق .
انتبهت حينما وجدت إعلان عن مسابقة خيول لصالح جمعية خيرية لذوي الاحتياجات الخاصة .
توغلها الحماس والحنين لركوب الخيل وخاصة رشيدة لذا لم تترد لحظة في إرسال رسالة تطلب فيها بنود المشاركة في هذا السباق والتي لن تكون صعبة على الإطلاق لذا فها هي تجد شيئًا ينسيها ما حدث وفي ذات الوقت سيعم بالخير على غيرها لذا سجلت اشتراكها عبر الإنترنت بعدما أرسلت لهما تقارير تثبت أنها فارسة ماهرة .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام توجهت بسيارتها إلى مكان السباق بعدما أخذت الإذن من والدتها التي لم تعترض وهذا أثار دهشتها ولكنها فرحت ولم تفكر في الأسباب .
وصلت إلى المكان واتجهت لترى الحصان الخاص بها ولتحاول بث الطمأنينة فيه ومصاحبته كي يأمن لها .
تعجب المشاركين حينما وجدوها منقبة فبرغم وجود مشاركات سيدات إلا أنها الوحيدة بينهن صاحبة الوجه المغطى .
استعد المشاركين يصطفون بجوار خيولهم في نقطة البداية ليبدأ الإنذار الأول لذا صعد كل مشتركٍ على ظهر حصانه .
لم تكن تهتم سوى بنفسها ولم تلحظ أو تدقق في أحد المشتركين ولكن أثار انتباهها صوتًا صدر من الحصان المجاور لحصانها لذا التفتت تطالعه لتجد صاحبه يدلكه بحنو فابتسمت قبل أن يرفع وجهه ويطالعها لتشهق جاحظة حينما وجدته سيف .
صدمة أفقدتها النطق ولم تنتبه على الإنذار الثاني إلا حينما تحرك الحصان فجأة ولولا تثبيت قدميها في سرجه لكانت قد وقعت لذا أبعدت الصدمة عنها وحاولت الاندماج مع السباق فتمسكت بلجام الحصان بقوة والتمع التحدي في عينيها وهي تراه يجاورها ويتسابق معها وكأن السباق كله قائمًا بينهما فقط .
مرت دقيقة والأحصنة في حالة تحدٍ مستمتعة وهي تركض بفرسانها ولكنها تلاحظ تفوقه عليها وعلى الجميع وهذا أثار تعجبها فلم تكن تعلم أنه يجيد ركوب الخيل لذا أومأت مبتسمة بخبث وشددت من قبضتها تنفض اللجام ليسرع حصانها بقوة يسابق الريح حتى استطاعت تخطيه وتخطي الجميع وابتسمت بتعالٍ وهي ترى أنها باتت في المقدمة ولكن فجأة تعثرت قدم الحصان الأمامية ليرتطم في الأرض الترابية بقوة وتنقلب سارة من فوقه وسط الأتربة التي أخفت معالمها تحت أنظار ذلك الذي جحظت عيناه وهو يصرخ باسمها ويشد لجام حصانه ليوقفه فجأة ولم ينتظر حتى أن يتوقف بل قفز من فوقه وأسرع يركض نحوها ينادي باسمها مرارًا ولم تكن هي التي وقعت من فوق الحصان بل كان قلبه الذي وقع .
وفي هذه اللحظة تحديدًا أدرك شيئًا كان يهرب منه طوال الفترة المنقضية وهو أن قلبه بات في رحالها .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تظهر المحبة أو العداوة من حولك حينما تتعرض للأذى وهذه إحدى الجوانب الإيجابية له .
تهاوى قلبه وهو يراها تسقط أمامه مرتطمة بقوة في الأرض لتنتشر الأتربة من حولها وتخفيها عن عينيه .
لم يحتمل سقوطها ولا يعلم ما هذا الشعور الموحش الذي هجم عليه ، لذا جن جنونه وقفز من فوق ظهر الحصان الخاص به قبل أن يتوقف ليسرع متعثرًا نحوها مناديًا باسمها حتى وصل إليها ليجدها شبه فاقدة للوعي لذا أسرع يرفعها ويرفع عنها نقابها ليتفحص ملامحها ثم بات يناديها ويربت على وجنتها بقلقٍ بالغ حينما وجد جبينها ينزف :
- سارة ، هيا افتحي عينيكِ أنتِ بخير وأنا معكِ .
تأوه خرجت منها وهى تحاول النهوض بجسدٍ متألمٍ لتفتح عيناها و تجده أمامها بل وجدت نفسها ترتكز عليه ليسرع المسعفين إليها بينما هو زفر براحة حينما طالعته ليقول متسائلًا بقلق :
- أنتِ بخير أليس كذلك ؟ ، ليس هناك ما يؤلمكِ ؟
أومأت له بتيه مما حدث بالرغم من الألم في سائر أنحاء جسدها ورأسها وحاولت التحرك ولكنها صرخت حينما تضخم الألم في ذراعها الأيمن لينهض ويحملها دون نقاش متجهًا بها نحو عربة الإسعاف وخلفه المسعفين الذين يرون أن لا داعي لوجودهم هنا بسببه ..
لا يعلم لمَ شعر بنار الغيرة تحرقه من ظهور وجهها أمام الجميع ولكن كان عليه أن يطمئن عليها ويفحص وجهها لذا حملها ودلف بها سيارة الإسعاف يمددها ليبدأ المسعف في فحصها حيث وجدها تعاني من كسر في الذراع الأيمن لذا تحركت السيارة على الفور تنقلها إلى أقرب مشفى .
جلس يطالعها وهي تحاول أن تتماسك ولكنها تشعر بآلامٍ قوية بينما المسعف يحاول تضميد جبينها النازف .
بعد وقتٍ وصلوا المشفى وترجل سيف أمامها ليسرع إليها المسعفين مجددًا ولكنه اعترض طريقهم يمد له يدها فناولته اليسرى وتحركت معه حينما شعرت أنه يود حملها وهي ليست بحاجة لذلك يكفي أنه حملها منذ قليل .
دلفت معه نحو غرفة الفحص وهو يسندها بحذرٍ حيث تشعر بالدوار ليبدأ الطبيب في فحصها وسماعها عن كيفية ما حدث .
وقف متنهدًا بقوة ينظر لها بعمقٍ حيث كانت تتحدث مع الطبيب وتشرح له الأمر بطريقة بسيطة ولكنها كانت بالنسبة له سحر خاص .
يتأملها ويتأمل شفتيها التي تتحدث بهما وملامحها التي سحرته واستحوذت على قلبه بالرغم من تفضيله للجمال الغربي .
أي لعنةٍ هذه التي وقعت عليه ، هل هو موعود باللعنات لتأتي هذه العنيدة وتفعل بقلبه الأفاعيل .
كانت تلاحظ نظراته عليها ولكنها تتجاهلها بحجة الألم ، لا تعلم لمَ يحدق بها هكذا بعدما تسبب في سقوطها .
ليعود ضميرها يوبخها ويردد عليها أنه ليس السبب وأنها من أخطأت حينما أرادت تحديه ولكن عاد عنادها يجابه ضميرها لتقول في داخلها أنه السبب ، لمَ جاء إلى السباق من الأساس ؟
عادت تتأوه لذا اقترب منها أكثر وتمسك بكتفها يملس عليه وأراد أن يعيد إنزال نقابها ولكن تمنعه حالتها وجرح جبينها لذا بات يزفر بقوة أمام الطبيب .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ تجلس في المقعد الأمامي لسيارته التي أتى بها السائق إليه ويجاورها يقود بصمت متجهان نحو الفيلا .
كان يريد أن يقطع هذا الصمت لذا نظر لها حيث تحتضن ذراعها الأيمن الذي تم تجبيره وتميل برأسها مستندة على طرف المقعد ووجهها مغطى بالنقاب من يراها يظنها نائمة ولكنه يعلم أنها تفكر لذا تساءل بترقب :
- هل هناك شيء يؤلمكِ ؟ .
تحمحمت بهدوء وتحدث وهي على وضعها :
- لا أنا بخير ، شكرًا لك .
التفت ينظر أمامه ولا يعلم لمَ أراد إثارة حنقها ، فجوابها عليه هذا ليس كالمعتاد ، لقد اعتاد أن تثور لذا تحدث بنبرة خبيثة وهو يقود :
- لا أعلم لما تركب النساء الخيل ! ، هل رأيتِ نتيجة تهوركِ .
نجح في استفزازها وهي التي تحاول جاهدةً أن تتجنب نقاشه ولكن ما تفوه به جعلها تعتدل في جلستها ويحل عنها الألم والنعاس لتطالعه شزرًا قائلة :
- وهل هو حكرٌ على الرجال فقط ؟
التفت يطالعها بابتسامة نجح في إخفائها وهو يقول بهدوء مبطن بالاستفزاز :
- نعم ، كل شيء فيه سرعة وحركة هو حكرٌ على الرجال فقط ، انظري حولكِ ستجدين أن معظم حوادث الطريق سببها النساء ما بالكِ بسباق الخيول؟.
نزل بنظره لذراعها وتابع ساخرًا :
- ولمَ ننظر للبعيد ها هو ذراعكِ خير دليل .
عاد ينظر أمامه ليخفي تبسمه حيث اغتاظت كثيرًا من حديثه الغير عادل فهو يستهين بقدراتها ولولا وجوده لكانت هي الفائزة بهذا السباق لذا نطقت بنزق :
- سبحان الله ، يأتي على الدنيا طفل صغير لا حول له ولا قوة ليجد نفسه بين يدي أنثى تطعمه وتشربه وتحممه وتهدهده وتعتني بنظافته وتعالجه إن مرض وتعلمه الصواب من الخطأ وكل هذا في آنٍ واحد وتفضله على نفسها وراحتها وتصبح بسببه هشة العظام والأسنان والشعر وتقدم كل هذا بالحب الخالص ليكبر هذا الصغير ويصبح طول الباب ويرزقه الله بحفنة من العضلات تجعله يظن أن كل شيء فيه حركة حكرٌ على الرجال فقط .
طالعها بصمتٍ وتعجب ولكن داخله معجبٌ بها ، سعيدٌ بإغاظتها وإثارة حنقها ، لم يغضب حتى وهي توبخه بينما هي عادت تستند على المقعد حينما شعرت بالدوار ومع ذلك تابعت بنبرة محتدة برغم وهنها :
- قال حكرٌ على الرجال قال ، من يراك يظن أنك اخترعت الذرة وأنا لا أعلم .
كاد أن يضحك ولكنه التزم بثباته وتنفس بقوة ثم فرد نفسه على المقعد يقول بهدوء تام ليصيبها بالحنق أكثر :
- هذا لا يخفي حقيقة أنكِ كنتِ على بعد خطوة من الفوز وبسبب تحديكي لي خسرتي السباق .
داخلها ثائرٌ وتريد أن تخنقه بيدها غيظًا ولكن بدلًا عن ذلك نطقت بنبرة لا تحمل خبثًا :
- لعلمك أنا أمتلك عدة شهادات في الفروسية والتي لا تستطيع أنت امتلاكها ، كان علي يدربني عن كيفية التعامل مع الخيول وكل شيءٍ خاص بها ولهذا أنا واثقة أن ما حدث اليوم مجرد حادث لا ذنب لأحدٍ فيه .
ذكرها لـذلك المدعو علي أثار غيرته بل أشغل النيران فيها ليتخلى عن استمتاعه وتخيل كيف كان يدربها وكيف كانت تتعامل معه وبرغم أنه يعلم تحفظها إلا أنه شعر بالضيق الشديد لذا زفر والتزم الصمت إلى أن وصلا الفيلا .
❈-❈-❈
ليلًا
كانت تستند على الفراش تشعر بالضيق والضجر خاصةً وأنها لم تستطع فعل شيء بسبب تجبير ذراعها .
حتى الصغير لم تستطع حمله جيدًا ولا الاعتناء به لذا أخذته سعاد لتهتم هي به بعدما شعرت أن ابنتها على وشك البكاء من شدة الغيظ .
طرقات على الباب نبهتها لتردف بترقب :
- ادخل .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
دلفت نورا تحمل حساءًا لها وتبتسم متقدمةً منها متسائلة وهي تضع الحساء على الكومود بجوارها :
- كيف حالك الآن يا سارة ؟ ، أعدت لكِ الحساء تناوليه ثم تناولي الدواء بعده .
أومأت لها مبتسمة وقالت بامتنان :
- شكرًا لكِ يا نورا أتعبتكِ معي .
هزت نورا رأسها تردف بلطف :
- تعبك راحة يا صانعة ألذ شوكولاتة ، وهيا تعافي سريعًا كي تعودي للعمل فأنا بتُّ مدمنة على تذوقها .
ابتسمت سارة بسعادة وانشرح صدرها من مدح نورا فيما تصنعه لذا تحدثت بوجهٍ بشوش :
- شكرًا لكِ يا نورا حقًا رأيكِ هذا خفف عني الألم .
ابتسمت نورا ثم نظرت للحساء ثم تساءلت بترقب :
- هل تستطيعين تناوله أم أساعدك ؟
لوحت سارة بيدها اليسرى ورأسها تقول برفضٍ هادئ :
- لا لا سلمتي يا نورا سأتعامل معه لا تقلقي .
أومأت لها مبتسمة وغادرت تغلق الباب خلفها بينما التفتت سارة تنظر للطعام ومدت يدها اليسرى تحاول تناوله بحذرٍ .
❈-❈-❈
كانت سعاد في غرفة الصغير تهدهده وتدندن له الأغاني المعروفة حينما دخل سيف ليراه بعد عودته من عمله .
ابتسم لها وهو يتجه يقبل الصغير الذي بدأ النوم يغلبه فرحبت به سعاد فبادلها وقال وهو يحاول أخذ الصغير قائلًا :
- كيف حاله اليوم .
ناولته إياه وقالت وهي تطالعه بحب :
- بخير للغاية ، صحيح أن مزاجه كان معكرًا لأن سارة لم تستطيع حمله وتدليله ولكنه الآن بخير .
شرد مجدّدًا في أمرها وتحدث وهو يتجه بالصغير الذي نام إلى سريره :
- وكيف هي الآن ؟
أومأت سعاد ثم تحدثت بنبرة هادئة مبطنة بالخبث :
- بخير ، ولكنها تشعر بالضجر ، آهٍ منها ابنتي العنيدة ، حاولت مساعدتها في تبديل ملابسها أو إطعامها ولكنها رفضت بشدة ، لا تحب أن يساعدها أحد وأعلم أنها لم تتناول الطعام جيدًا ولكن ماذا أفعل بها .
حن قلبه وتساءل وهو يعتدل بعدما أراح الصغير في فراشه :
- كيف هذا ؟ ، يجب أن تأكل جيدًا حتى تأخذ أدويتها وتتعافى ، الطبيب قال أنها ستعاني من دوارٍ إن لم تأكل جيدًا ويمكن أن يتسبب في سقوطها .
هزت سعاد كتفيها تدعي قلة الحيلة قائلة بمسكنة أمٍ تريد السعادة لابنتها :
- ماذا أفعل معها يا بني ، عنيدة ترفض الظهور بشكلٍ ضعيف .
أومأ سيف وتحدث بنبرة تحمل تحدي وثقة :
- عنيدة على نفسها ، اتركيها لي سيدة سعاد لا تقلقي .
أومأت سعاد تبتسم بهدوء وداخلها تتمنى وتدعو الله أن يلين قلب ابنتها ويعترف بمَ يشعر به تجاه سيف ومن يعلمها أكثر منها؟ .
تركها سيف وتحرك نحو غرفة سارة التي يقف أمامها للمرة الأولى .
دومًا يمر من هنا ولكن لأول مرة سيدخلها لذا تنفس بقوة يدعم رئتيه وطرق الباب ولم ينتظر سماحها له بالدخول بل لف مقبضه ودلف لتجحظ حينما رفعت عيناها ووجدته أمامها وهي تحاول حمل الملعقة بيدها اليسرى وتناول الحساء .
احتقن وجهها غيظًا من رؤيته لها هكذا واقتحامه لغرفتها لذا تحدثت وهي تحاول أن تهدأ بعدما أنزلت الملعقة :
- طرقت الباب مشكورًا أكمل جميلك هذا وانتظر إلى أن أسمح لك ، لا تطرق وتدخل هكذا دون إذنٍ عيب .
أغلق الباب وتقدم منها بخطوات واثقة ثم تحدث بثبات وهو يجلس جوارها على طرف الفراش وعيناه تطالعها بتسلية :
- هذا سيحدث لو دخلت على امرأة غريبة عني وليست زوجتي .
تهاوى قلبها من جملته التي تزامنت مع نظرة عينه الثاقبة عليها وأدركت أنها تجلس أمامه بشعرها ومنامته التي كشفت عن ذراعيها ومقدمة صدرها لتعجز عن الرد فجأة وتتوتر بخجل وتجلى ذلك في وجهها الذي تصبغ بالحمرة ليتابع بنبرة حنونة وعيناه تجول على ملامحها :
- كيف حالك الآن ؟ .
كيف ستغضب عليه الآن وتبصق الكلمات وهو يتحدث بهذه النبرة ؟
كيف يحق لها أن توبخه وهو يطالعها بهذه النظرة ؟
لذا عصف قلبها وشعرت بالخطر وأجابته وهي ترفع يدها اليسرى تعيد بها خصلاتها المتطايرة إلى خلف أذنها كأنها تعاقبها على تطايرها أمامه :
- أنا بخير شكرًا لك .
تحمحم وتعمق فيها وهو يراها أمامه بهذه الرقة والخجل ليتعجب من هذه الأنثى ، تحمل طباعًا تعاكس بعضها .
تخجل وتتورد وتلين وتحمل نبرة همسٍ يكاد أن يسمعها وحينما تغضب تصبح أكثرهن شراسة واندفاع وسلاطة لسان .
نبضات قلبه في حضورها باتت صاخبة تعلن عن حبه لها ، أحبها واليوم اعترف لنفسه بذلك بعدما كان ينكر ، هذا هو الحب الذي ظل يبحث عنه دومًا .
هذه هي المرأة التي نسجها عقله الباطن واستنكرها عقله العملي كرجلٍ أعمالٍ بارد وروتيني .
هذه هي المرأة التي فتح قلبه باب على مصراعيه سامحًا لها بكل ترحاب أن تسكنه وحدها ليوصده تمامًا بعدما دخلت .
زفر بقوة ثم نظر للحساء ومد يده يحمل عنها الصينية ويضعها على ساقيه ثم بدأ يغمس الملعقة به ويرفعه إلى فمها قائلًا بهدوء يحمل صرامة :
- هيا افتحي فمكِ .
صدمة جعلتها تطالعه ببلاهة ويفرغ فاهها دونًا عنها لذا أسرع يدخل الملعقة به قائلًا بابتسامة خبيثة وهو يراها تجحظ وتضطر لمضع الحساء :
- نعم فتاة مطيعة .
كادت أن تثور ليسرع في ملء الملعقة مجددًا وقبل أن تفتح فمها لتوبخه كان يضع بها الحساء تحت دهشتها وهو يومئ مكررًا جملته بطريقة أخرى :
- جيد فتاة رائعة .
زمت شفتيها تمامًا وقررت الصمت فيبدو أنه سيطعمها ما إن تفتح فمها لذا ابتسم حتى ظهرت أسنانه يطالعها بعمق لتجده رجلًا وسيمًا بملامح هادئة جذابة .
هذه ثاني مرة تحدق به وتركز في تفاصيله ، المرة الأولى حينما قبلها في غرفته ولكن الآن تركيزها أعلى قليلًا حيث لا مشاعر خوفٍ منه .
تحولت نظرة الغضب في عينيها إلى نظرة حيرة وهي تتساءل داخلها هل يمكن أن تكون أخطأت في معرفته ؟ هل ظلمته بحكمٍ مسبقٍ أم أنه ممثل بارع ؟
أطرق رأسه يتنفس برضا وسعادة سكنت خمائل قلبه حينما لاحظ تحديقها به ولكنه لم يرد أن يخجلها ويفقد متعة هذه اللحظة لذا تحدث وهو يرفع الملعقة مجددًا قائلًا بنبرة حنونة :
- هيا يا سارة يجب أن تكملي طعامكِ هذا كله حتى تتناولي دوائكِ .
يعاملها كالطفلة ولكنها قررت ألا تغضب لذا تحمحمت وأخيرًا حررت شفتيها تقول بهدوء ينافي نبضاتها العنيفة :
- لقد شبعت ، شكرًا لك .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
حدق بها جيدًا ثم تنهد يومئ ووضع الملعقة في الطبق ثم حمل الصينية يضعها على الكومود وعاد إليها يطالعها بعمق قائلًا بتروٍ :
- ما رأيكِ أن نتحدث يا سارة ؟
شعرت بقلبها يقفز إلى حلقها لذا توترت كليًا وتساءلت بتوجس :
- فيمَ ؟
لم يرحم توترها حيث أكمل بنبرة معذبة لم يعد يحتمل :
- أخبركِ حقيقتي ، لم أعد أحتمل تلك النظرة من عينيكِ .
تهاوي قلبها في قدميها بعدما شعرت به يصعد لتتبعثر مشاعرها وتسرع في إخفائها خلف ابتسامة خافتة تقول ساخرة :
- أي حقيقة هل أنت دراكولا مثلًا .
لم يبتسم بل يحدق بها فقط لذا وجدتها مقولة خاطئة في الوقت الخاطئ فأرادت الهرب بأي وسيلة فأسرعت تتملل وتترجل من الجهة المقابلة لتشعر بالدوار يهاجمها ولكنها تحاملت ووقفت لثوانٍ تتمسك برأسها وحينما لاحظت حركته ينوي النهوض والاقتراب منها حتى تحركت تقول وهي تتجه بخطواتٍ متعثرة نحو الحمام :
- أنا ذاهبة إلى الحمام .
دلفت الحمام وأغلقت الباب واتجهت تجلس على حافة حوض الاستحمام وتملس على قلبها ليهدأ ورأسها تهتز برفضٍ تؤكد بلسانها قائلة بخوفٍ وهمس :
- لا يا سارة ، لا يجوز يا سارة إياكِ ، إياكِ والوقوع في حبه .
أما هو فتنهد بضيقٍ حينما لم يستطع البوح بمَ في مكنونه لذا نهض يغادر الغرفة فهي ليست على استعداد لسماعه الآن .
❈-❈-❈
مرت الأيام وبعدما كانت تتجنب رؤيته وتجلس بمفردها باتت تتعمد التواجد مع والدتها ونوحٍ في وجوده حتى لا يستطيع التحدث معها .
ولكنه كان يعاملها بلطفٍ كما لم يعاملها من قبل ، رأت في تصرفاته خوفًا عليها ، رأت لهفة حينما كادت أن تسقط من أعلى الدرج نسبةً لعدم تناولها الغذاء بشكلٍ كافٍ لذا أسرع إليها يسندها ويوبخها بحنانٍ أمام سعاد التي تبتسم وتشجعه بقولها أن ابنتها مهملة .
طوال هذه الأيام ترى وجهًا مختلفًا منه خالف كل ما سمعته عنه .
وجهًا جعلها تود استكشافه من جديد وبرغم ذلك تجد نفسها معذبة بين رغبتها في استكشافه والابتعاد عنه .
توقفت عن صنع الشوكولاتة بشكلٍ مؤقتٍ إلى أن تتعافى وباتت تحاول إشغال وقتها في تعلم وصفات أكثر من خلال كورسات عبر الإنترنت .
كانت تراقب خفية صفحة الخيول الخاصة بعلي لتتابع أخبار رشيدة التي تشتاق لها كثيرًا .
❈-❈-❈
أما هو فكان جالسًا في مكتبه يفكر بها ، استحوذت على قلبه وكيانه وأفكاره ولم تتركه لحظة حتى كاد أن يفقد صفقة هامةً نسبةً لصراع عقله في إيجاد حلٍ معها .
لم يعد يحتمل ، لم يعد يحتمل رؤيتها أمامه وهي في الحقيقة بعيدة عنه كل البعد ، يريد أن يعيش معها ما يشعر به ، باتت كل أمنياته فقط أن تبادله الحب وتتخلى عن عنادها هذا .
صوتًا داخله صرخ به يحثه على التحدث معها بأي شكلٍ كان .
صوتًا يجبره على النهوض الآن والانطلاق إليها وحبسها وعدم تحريرها إلى أن يخرج كل ما في جوفه .
هل تظنه جمادًا ليراها هكذا بهيئتها وملامحها وشموخها وخصلاتها المموجة وضحكاتها التي تتعالى مع صغيره ولا يتأثر ؟ ، هل تظنه قديسًا كي تكون أمامه فاكهته وتحرمه من تذوقها ؟.
تضاعفت طاقته لذا انتشل أغراضه من فوق مكتبه وتحرك يغادر الشركة ويستقل سيارته عائدًا إلى فيلته ، سيتحدث معها ولن يوقفه شيء بعد الآن .
❈-❈-❈
كانت تملأ حوض الاستحمام لتستحم وتشعر بالاسترخاء قليلًا كعادتها كل يومٍ قبل أن يأتي وتضطر لمغادرة غرفتها حتى لا تعطي له فرصة بالاستفراد بها .
انتهت ونهضت تجرد نفسها من ثيابها بصعوبة ولكن بالأخير نجحت لذا انسدلت تتمدد داخله حتى غمرتها المياه بالكامل وأخفتها الرغاوي عدا ذراعها الأيمن الذي أسندته على الحافة وباتت تستمتع بالروائح والمياه من حولها .
أما هو فوصل إلى فيلته يصف السيارة ويترجل منها نحو الداخل بعدما قرر عدم التراجع مهما كانت العواقب .
دلف فوجد نورا تنظف المكان وسعاد تجلس مع الصغير في بهو الفيلا تطعمه بحنانٍ فألقى السلام ثم نظر نحو سعاد وتساءل بثقب :
- أين سارة ؟ ، أريد أن أتحدث معها .
أشارت سعاد برأسها للأعلى تقول بنبرة حماسية وهي تراه يعود مبكرًا :
- في غرفتها يا ابني اصعد لها .
أومأ وتحرك يصعد بالفعل متجهًا إلى غرفتها ، طرق الباب وفتح كالعادة يقتحم الغرفة باحثًا بعينيه عنها فلم يجدها لذا تقدم بخطواتٍ مترقبة نحو باب الحمام ليجده مواربًا ولا إراديًا نظر منه فوجدها تسترخي في حوض الاستحمام مغمضة العينين .
حبس أنفاسه وتجمد جسده لثوانٍ لا يعلم ماذا يفعل ، هل يغادر من حيث أتى ويتركها تستحم وينتظر خروجها ثم التحدث ... أو .
تلاعبت الأفكار في رأسه ورسم خطةً سريعة ستجعلها ترضخ لسماعه دون الهروب منه لذا طرق الباب يبتعد عن عينيها فأجفلت تفتح عينيها بتوتر وتخفض نفسها أكثر بين الرغوات متسائلة بتوجس :
- مَن ؟
تحمحم يجيبها بابتسامة تلاعبت بملامحه :
- أنا سيف .
جحظت بصدمة لثوانٍ قبل أن تنطق صارخة :
- إياك أن تدخل .
ومنذ متى وهو يطيعها لذا تقدم يفتح باب الحمام ويدخل يطالعها بثباتٍ ينافي صخب قلبه وأفكاره من هيأتها هكذا قائلًا بحروفٍ ثاقبة :
- يجب أن نتحدث .
شهقت بفزغ وكادت أن تغرق نفسها وهي تقول بترجٍ بعدما أصبحت على وشك البكاء :
- سيف أرجوك أخرج الآن .
لم يرحمها بل تقدم وجلس على الحافة حتى بات على قرب خطيرٍ منها يقول بعيون ثاقبة لا تعرف الاستسلام :
- لن أبرح هذا المكان إلا بعدما أفصح عما بداخلي
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
استسلم أيها القلب ، حينما يتعلق الاستسلام بشخصٍ نبيل .
عندما لمحت التصميم في عينيه لم تعد تحتمل وتجلى الخجل في عينيها فأصبح يمثل دموع تلألأت وهي تقول بنبرة متحشرجة راجية :
- سيف أرجوك أخرج ، أعدك سأسمعك ولكن انتظرني في الخارج .
نظر لها ولانكماشها أسفل المياه والرغاوي حتى كادت أنفاسها أن تتلاشى لذا زفر وحن قلبه فرفع سبابته يحذرها بعينين ثاقبتين قائلًا :
- وإن لم تسمعيني ؟
- أعدك سأسمعك
زفر مستسلمًا لذا نهض يطالعها قائلًا بترقب :
- حسنًا أنا في الخارج انتظركِ ، أمامكِ دقيقتين بالتحديد وأراكِ أمامي وإلا عدت إليكِ هنا .
تحرك يغادر الحمام وتركها ترفع رأسها وتسحب نفسًا قويًا كانت قد حبسته وكم شعرت بأنها باتت ضعيفة أمام سطوة عشقه التي تحاوطها من كل جهة وتجبرها على الاستسلام .
جلس هو على فراشها ينتظر خروجها بترقب ويرتب في عقله الحديث الذي رتبه عدة مرات من قبل .
مرت ثلاث دقائق حتى وجدها أمامه ترتدي منامة قطنية بيضاء بنقوشٍ وردية تخطو نحوه دون النظر لعينيه خجلًا منه .
كانت تلف خصلاتها بمنشفة وتفرك كفيها بتوترٍ وهي تقف أمامه ثم رفعت نظراتها إليه قائلة بهدوء على غير عادة :
- ماذا تريد يا سيف ؟
حدق بها ، لأول مرة تنطق اسمه بهذه الرقة ليجد أن اسمه بات رائعًا لذا تحمحم ثم ربت جواره قائلًا بأمرٍ لين :
- اجلسي يا سارة .
توترت ولكنها جلست مبتعدة عنه قليلًا تنتظر حديثه بينما هو التفت لها ليبدأ في ترتيب كلماته ثم قال :
- أريد أن أخبركِ عني ، عن حياتي ، عن مخاوفي ، عن أفعالي التي ربما فسرتيها بشكلٍ خاطئ طوال تلك الفترة .
تنهد بعمقٍ ليتابع بنبرة مؤثرة وعيناه مصوبة عليها كسهامٍ صائبة :
- وعن مشاعري تجاهكِ يا سارة .
عاد التوتر يلتهمها لذا تعالت وتيرة أنفاسها ولاحظ سرعة نبضاتها لذا تحدث ليهدئ من حالتها :
- أنا لدي لعنة يا سارة ، عائلتي لديها لعنة تصيب أجيالها ، وهذه أكبر مخاوفي .
بالفعل هدأت نبضاتها ورفعت أنظارها تطالعه بتعجب ولم تفهم عليه مرددة بجبينٍ قاطب :
- لعنة ! ، ماذا تقصد؟ .
عاد يلتقط أنفاسه ثم أبعد نظره عنها وبدأ يشرح مخاوفه وعقدة حياته قائلًا بشرود :
- جدي والد والدي تربى يتيمًا على يد مربيته بعدما ورث عن والده ثروة طائلة استطاع أن يديرها في سن المراهقة ، كبر وتزوج بإنسانة أحبها وأحبته وأنجب والدي ولكن جدتي توفت في عز شبابها وتركت والدي وجدي الذي حزن عليها حتى لحق بها ، ليكرر الزمن نفسه ويكبر والدي يتيمًا ويرث ثروة والده عنه وهكذا حتى تزوج والدي بأمي ، لم تكن علاقة حبٍ في بادئ الأمر ولكنه بعد ذلك أحبها وأنجباني ، كنت أعيش بينهما بسعادة خاصة وأنهما يغرقاني بالحب والعاطفة إلى أن توفت أمي فجأةً وتركتني صغيرًا مع أبي الذي عم الحزن حياته ولكن كأنه بدأ يدرك اللعنة التي أصابت عائلتنا لذا بدأ يعلمني أصول العمل بعدما أنشأ شركته بورثه وأنا مازلت في الثالثة عشر ، أخبرني عن اللعنة التي أصابت عائلتنا وعن مخاوفه وعن المصير الذي يلحق بنا ، كنت أدرس وأتعلم وأذهب للشركة معه حتى مات وتركني في الواحد والعشرون من عمري .
تستمع إليه بصدمة وعدم استيعاب ليعود إليها محدقًا بها يكمل بنبرة متألمة تائهة بين أمواج الخوف :
- كبرت يتيمًا يا سارة واستطعت النجاح في العمل وحققت سمعةً طيبة ولكنى كنت ما زلت أشك في أمر تلك اللعنة برغم أنني أيضًا لم أقتنع أن ما حدث على مر السنوات مجرد صدفة ومع ذلك أكملت حياتي وتعرفت على فريدة .
صبّت كامل اهتمامها عند هذا الجزء وأومأت له تحثه على استكمال الحديث فتنهد بقوة وابتلع لعابه المتحجر ثم تابع موضحًا دون تجمل :
- كنت ألاحظ أنها تحاول معي ، تسعى للإيقاع بي بشكلٍ غير مبتذل لذا قررت ألا أجعلها تنتظر أكثر وصارحتها برغبتي في الزواج منها وصارحتها أيضًا أن زواجنا سيكون واضحًا أنا أريدها كواجهة مجتمعية نظرًا لرتابتها وجمالها وهدوءها وكذلك لأنني شعرت أنها ستقبل بشرطي ، وهي تريدني لعيش حياة الرفاهية واتفقنا على ذلك وكان شرطي ألا تحمل أبدًا ، قررت التخلي عن حقي في أن أصبح أبًا خوفًا من اللعنة وحينما قبلت بشرطي تزوجتها فورًا .
انقشع الغمام من على عقلها وبدأت تدرك حقيقة الأمر ، لهذا لم يرد أن تحتفظ بالحمل .
كانت ساكنة تطالعه ومعالم الصدمة والاندهاش بادية على ملامحها لتردف بشرودٍ :
- لأجل هذا ! ، لأجل هذا كنت تريدها أن تجهض الجنين .
أومأ يردف بنبرة معذبة :
- لم أرد لصغيري أن يعاني مما عانيت أنا منه ، سعيت أن تنتهي لعنة عائلة الدويري عندي ولكن كان للقدر رأيٌ آخر .
مأخوذة بدوامة اعترافه ولم تستطع إقناعه أنه مخطئ بل تعاني من الشتت والحيرة في أمره ليتابع هو حينما لاحظ صمتها مستكملًا آلامه :
- حينما جئتِ إلى مكتبي وتحدثتي معي عن نعمة الابن خشيت أن أعاند الله فيه فيعاقبني بشيءٍ أشد ألمًا لذا استسلمت للقدر وقررت أن أترك الأمور تسير كيفما يشاء ولكن .
صمت يطرق رأسه ويهزها يمينًا ويسارًا مسترسلًا بألمٍ يلتف حول عنقه فيخنقه :
- حينما توفت فريدة تجسدت أمامي أسوء مخاوفي ، تحققت اللعنة ولم أتحمل ما يدور من حولي لذا ابتعدت .
عاد يطالعها فوجدها تبكي فتابع كأنه يؤنبها على ما فعلته به :
- قلتِ أنني لم أحزن على موت فريدة وكأنها لن تكن زوجتي يومًا ولكن الحقيقة أنني حزنت حزنًا مضاعفًا ، حزنًا على موت فريدة وحزنًا على يتم صغيري وعلى عجزي في إيقاف ما يحدث من حولي ، فريدة كانت زوجتي وكنت أعاملها بكل ودٍ وكنت أعلم أنها تحب وتتباهى بجمالها لذا كنت أود أن أعوضها على عدم انجذاب قلبي لها بالهدايا والعزومات وكل ما كانت تريده ، فريدة كانت سيدة مجتمع راقية وزوجة جيدة لذا كان من حقها علي أن أحزن عليها ولكنني ابتعدت .
أكد على حديثه وهو يعتدل في جلسته متابعًا :
- ابتعدت يا سارة ولكنني وجدت أن صغيري بحاجتي ، بحاجة قربي معه ، مثلما فعل أبي معي واجبي أن أفعل معه كذلك ، وجدت أن بعدي ما هو إلا أنانية مني في حقه لذا بعد أشهرٍ من التفكير والصراع عدت إليه ... وإليكِ .
نطق الأخيرة بهمس فقطبت جبينها من بين دموعها وتساءلت بتحشرج ومعالم الحزن بادية على ملامحها :
- كيف لي .
أومأ مؤكدًا يضيف باستفاضة وعذاب :
- نعم إليكِ ، فكرت طوال تلك الفترة أنكِ الوحيدة القادرة على انتشال صغيري من هذه اللعنة ، حتى لو متُّ أنا سيبقى معه أمًا مثلكِ ستعتني به وترعاه ، أمًا قوية شامخة تواجه الصعاب وفي ذات الوقت هو ليس من رحمكِ لذا فأنتِ خارج تلك اللعنة .
هزت رأسها حينما تذكرت وكفكفت بكفها الأيسر دموعها تقول :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ليس صحيحًا ، أنت أخذته مني .
ابتسم من وسط آلامه وتابع بنظرة تكشف عن نواياه :
- ألم يحن الوقت لاكتشافكِ حقيقة الأمور بعد ؟
ضيقت عيناها بعدم فهم ثم بدأت تفهم مقصده لذا بدأت عيناها تتوسع حتى شقهت تقول بصدمة :
- لااا ، لا يمكن ، أنت تعمدت هذا ؟
أومأ مرارًا ليبدأ حزنه في التلاشي ويحل محله مشاعر مختلطة من الحب والحيرة والقلق والخوف لذا تحدث موضحًا بتأنٍ :
- لنقل أنها كانت خطة نسجها عقلي الباطن ولكني كنت أقنع نفسي بغير ذلك ، كنت أريد كسر القواعد معكِ ، أنتِ مختلفة عن عالمي ، تمتلكين أخلاقًا وثوابت دينية يمكنها مساعدتي من الغرق في محيط أفكاري الخبيثة ، أنتِ مميزة يا سارة وأنا دومًا أردت شخصًا مثلكِ في حياتي التائهة في بحور الخوف .
انتقلت بمشاعرها من قسم الحزن والصدمة إلى قسم التأثر والحب لتطالعه بعيونٍ حائرة فيتابع ويده امتدت لتتمسك بكفيها المصاب والسليم معًا وعيناه تعترف قبل لسانه بفائضٍ من الحب :
- أنا أحبكِ يا سارة ، أحبكِ ولم أحب قبلكِ أبدًا ، أنا معكِ مختلفٌ تمامًا ، لا أعلم عواقب هذا الحب ولكن معكِ لا أريد أن أخاف ، لا أريد أن أفكر ، نعم ربما اللعنة قائمة وربما أموت وأترك صغيري ولكن لا يهمني ما يحدث بعد ذلك يكفيني أن أحبكِ وسيكفيني أن تقوليها يا سارة ، سيرضيني أن تبادليني نفس المشاعر حتى لو زُهقت روحي بعدها ، ربما هذه قمة الأنانية ولكني أخبرتكِ بحقيقتي وهذا ما أنا عليه وأعلم أن ابني سينجو معكِ .
صمت تام منها إلا من نبضاتها الخافتة ، وجدت نفسها أمام رجلٍ يشبه الأطفال ، رجلًا يبحث عن الأمان وسيدفع الخوف في المقابل ، رجلًا يبحث عن الحب وسيدفع القلق عوضًا ، رجلًا يخبرها أنه يعشقها ويتمنى عشقها حتى لو مات بعدها .
كل المشاعر التي تخفيها تجاهه تبدلت بعدما علمت حقيقة أمره ومخاوفه ، تبدلت بأخرى حائرة مشتتة كسفينة صيدٍ تبحث عن منارتها وسط العاصفة .
تساءل بقلقٍ حينما طال صمتها :
- سارة هل يمكن أن تخبريني ما يجول في عقلكِ ولا تصمتين هكذا؟ .
هزت رأسها وسحبت يدها من بين يديه بتوتر وتحدثت بحيرة أصابتها وهي تخفض بصرها عنه :
- لا أعلم يا سيف ، ما يجول في عقلي أمورًا كثيرة لا أعلم كيف أعبر عنها ، أنت فاجئتني كثيرًا بم قلته الآن .
مد يده مجددًا أسفل فكها ليرفع وجهها إليه ويجبرها على النظر له قائلًا بتأكيد وثبات :
- حسنًا من بين كل تلك الحيرة هناك حقيقة مؤكدة وهي أنني أحبكِ .
وجدها صامتة تطالعه بحيرة فسحب كفها الأيسر يضعه على قلبه ويردف بعيون ثاقبة وبنبرة تحمل لهفة باتت واضحة بعدما اعترف بحبه :
- سارة انظري ، هنا قلبًا ينبض حينما يراكِ ، ويتألم حينما تتألمين ، ويقفز فرحًا حينما تضحكين ، وكاد أن يتوقف حينما وقعتِ ذاك اليوم وكأنكِ أخذتيه في رِحالكِ وانتهى الأمر .
أطرقت رأسها بتوترٍ وحاولت سحب يدها وظلت هكذا لا تعلم بماذا تجيبه ولكنها تشعر بقلبها يعنفها على صمتها هذا و توبخه خجلًا وحيرةً .
حينما وجدها صامتة زفر بقوة وشعر باليأس لذا نهض يقف قائلًا بنبرة هادئة تحمل حزنًا :
- حسنًا يا سارة سأترككِ تفكرين فيما قلته ، يبدو أنكِ مشتتة الآن .
هي بالفعل كذلك لذا لم تمانع أو توقفه حينما تحرك يغادر الغرفة شاعرًا بالراحة من الإفصاح عن مكنونه وكذلك شاعرًا بالخوف من احتمالية عدم تقبلها لحبه وماضيه .
❈-❈-❈
بعد يومين
تقلبت فيهما في دوامة الأفكار ، حتى أنها شاركت سعاد الأمر كله .
سعاد التي دومًا تود قربهما وتتمنى أن تعترف ابنتها بحب سيف لذا كان يجب أن تساعدها في الوصول لبرٍ آمن .
برغم تفهمها لأفكاره ولكن عليه أن يتوقف عن التفكير بهذه الطريقة ، هذا ليس صحيحًا والقدر واقع وهو مسلم ولابد أن يسلم أمره لله دون خوف لذا فهي كانت خير داعمٍ لها في مسألة اللعنة هذه .
اعتادت سارة أن تفكر جيدًا في أي قرارٍ تتخذه ولكنها وقفت عاجزة عن أخذ قرارٍ في هذا الأمر خوفًا من خيانتها للعهد .
كانت ترفض فكرة وقوعها في حب سيف زوج شقيقتها التي حتى لو كذبت عليها في الكثير من الحقائق تظل أختها التي تعلم جيدًا أنها كانت تحب سيف .
والآن اعترف سيف بحبه لها واعترف بكل تأكيد أنها الأولى في قلبه ولكنها لا تستطيع تجاوز نقطة الخوف داخلها برغم أنها باتت مقتنعة أن مشاعرها نحوَهُ فريدةً من نوعها .
لم تشعر بهذا الشيء مسبقًا ، خطبتها من علي كانت روتينية بحتة وكانت تحاول إقناع نفسها بالراحة نحوه ولكن مع سيف الوضع مختلفٌ تمامًا .
هي تهرب منه وهذا يخيفها أكثر ولكن ليس بعد الآن ، لتعترف أنها تحبه وتترك لمشاعرها العنان وكفى .
وأما بالنسبة لموضوع اللعنة هذا فهي لديها ثقة متناهية في قضاء الله وقدره في ترتيب الأمور حسب مصالح عباده لذا فتلك النقطة محسومة لديها وعليه أيضًا أن يؤمن مثلها ومثل والدتها أن ما يحدث هو مكتوب سواءً تقبلناه أو حاولنا الفرار منه فهو واقعٌ لا محالة ومن المؤكد أن خلفه حكمة وخير لا يعلمها سوى الله .
وأخيرًا حسمت أمرها بعد أربعة أيام لتخبره بقرارها ، لن تعترف بحبه فهي ما زالت تخجل منه كثيرًا ولكنها ستخبره بتقبلها لوجوده في حياتها وبإعطاء زواجهما فرصةً ليحيا .
تجلس على فراشها تتصفح هاتفها ويجاورها الصغير ينام بعمق بعدما أخذ منها قسطًا مناسبًا من الدلال .
رأت مقطع فيديو للفرسة رشيدة وهي تتريض ويجاورها علي ممسكًا بلجامها وكتب في العنوان بأنها معروضة للبيع .
حدقت بها وتذكرت لحظاتها معها ليتملكها الحنين لها والحزن على فقدانها لذا وجدت يدها تضع تفاعل الحب مع المقطع الذي لم تلاحظ حتى وجود علي به .
تنهدت وظلت تعيده ثم فجأة وعت من سطوة حنينها لها على ما فعلته لتقوم سريعًا بحذف التفاعل وتنهر نفسها على تصرفها المتهور هذا .
أسرعت تغلق الهاتف وتلقيه جانبها وهي تزم شفتيها بعتابٍ مما فعلته لذا تنهدت بقوة ثم عادت تنظر للصغير الذي فقط برؤيته تختفي خطوط الضيق من وجهها ويحل محلها الانشراح .
رن الهاتف لتمد يدها تتناوله فتفاجأت باتصالٍ من رقمٍ غير مسجلٍ .
شعرت بعدم الراحة لذا تجاهلت الاتصال الذي انتهى وعاد يكرر الرنين لتعاود إغلاقه مقررة تجاهل هذا الاتصال .
دثرت قليلًا لتجاور الصغير ثم أغمضت عينيها لتغفو معه قليلًا وسريعًا سحبها النوم .
❈-❈-❈
كان سيف يخطط لمفاجأة لها حيث فوّض شخصًا موثوقًا منه ليشتري الفرسة رشيدة التي عرضها علي للبيع فهو يدرك جيدًا أن ذلك العلي لن يبيعها له أبدًا .
رن هاتفه برقم ذلك الشخص فأجابه سيف وهو يقود بسيارته متجهًا نحو الفيلا ليقول الرجل بهدوء :
- تم الأمر سيد سيف ، الآن أصبحت الفرسة ملكي وسأنقلها لك وقتما تريد .
ابتسم سيف برضا وتحدث وهو ينعطف بسيارته :
- شكرًا لك فؤاد ، انتظر مني اتصالًا في المساء .
أغلق معه وأسرع يقود بحماس ليراها ويخبرها بأنه يخطط لمفاجأة ويريدها أن تذهب معه .
حسنًا ربما ما زالت تتخبط في أفكارها بعد لذا عليه بذل المزيد من الجهد كي يجعلها تعترف بحبه .
هو بحياته لم يحب لذا لن يقف هكذا مكتوف الأيدي ، سيفعل كل ما بوسعه لتعترف بحبه تلك العنيدة حتى في مشاعرها .
وصل إلى الفيلا وصف سيارته وترجل نحو الداخل .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
دلف يلقي السلام على نورا التي استقبلته ثم صعد للأعلى واتجه لغرفتها .
طرق الباب بخفة ولف مقبضه بعدما اعتاد على اقتحام غرفتها عنوةً وكأنه يتمنى رؤيتها بأي هيئة تكون عليها .
وها هو يجدها تنام بجوار صغيره في لوحةٍ رائعة تمناها دومًا وتمنى بأن تكتمل ويصبح بجوارهما .
تحرك بخطواتٍ هادئة نحوهما وابتسامته تتسع ثم جلس على الطرف الآخر للفراش ومد يده يتحسس كف صغيره الناعم بحبٍ وانحنى يقبله ثم عاد يعتدل ويحدق بها .
نائمة بسلام كأنها لم تتسبب في فوضى داخل قلبه وكيانه
مسترخية وغافية وملامحها مسالمة جميلة كأنها لم تشتت أفكاره كل ليلة وتحرفها إلى أشياءٍ كانت لا تعنيه مسبقًا .
تنهيدة قوية خرجت من جوفه وهو ما زال يطالعها بينما هي رن هاتفها مجددًا لتمد يدها بنعاسٍ بعدما أيقظها لتنتشله قبل أن يوقظ الصغير وتجيب بتخبطٍ قائلة بتحشرج ولم تشعر بوجود سيف بعد :
- السلام عليكم ، من معي ؟
- أنا علي يا سارة .
لم تشعر سوى بيدٍ قوية تنتزع منها الهاتف لتنتفض تطالع هذا الذي نهض يتجه نحو الشرفة ويبصق كلماتٍ جعلتها تجحظ وتنهض بعدم استيعاب حينما قال :
- ماذا تريد من زوجتي أيها ال*** ، لمَ تهاتفها يا *** .
وها هي الفرصة تأتي لـ علي على طبقٍ من ذهب حيث أجابه ببرودٍ مستفزٍ شاعرًا بالانتصار :
- أنا لا أريد من زوجتك شيئًا ولكن يبدو أن زوجتك ما زالت تفكر بي ، منذ قليل تفاعلت مع صورتي ثم قامت بحذف التفاعل ، يبدو أنك تخيفها يا سيف .
تملكه غضبًا عاصفًا جعله يسبه بألفاظٍ بذيئة ويردف محذرًا بتوعد :
- إن حاولت الاتصال بها مرة أخرى سأدفنك حيًا ، ابتعد عن زوجتي .
أغلق الهاتف ورطمه بقوة في الشرفة ثم عاد للغرفة ليجدها تقف مذهولة تطالعه بجسدٍ مرتعش ولا تصدق أن هذا نفسه سيف صاحب البرود والكلمات الرتيبة .
أما هو فاندفع نحوها بعدما أعمته غيرته وتحدث وهو يقبض على ذراعها بقوة :
- عمّا يتحدث هذا ال **** ؟
اعتصرت عيناها بعدم تقبل لكلمته الأخيرة وتحدثت بخوفٍ وألمٍ من قبضته على ذراعها الأيسر :
- سيف أترك ذراعي أنت تؤلمني .
لم يتركها بل أصبح لا يرى أمامه وهو يهزها ويريدها أن تريحه من عذاب أفكاره قائلًا بنبرة قاسية :
- لن أترككِ ، هل حقًا تحبينه ؟
فتحت عيناها تطالعه بعمق لتريحه وهي تهز رأسها قائلة بصدقٍ برغم تألمها :
- لا ، بالطبع لا ، أترك يدي واسمعني يا سيف .
كأنها ألقت تعويذة على قلبه فهدأ وترك يدها وتكتف قاطبًا جبينه بتجهم ينتظر تفسيرها لتحرك ذراعها قليلًا ثم تنفست تحدق به وتحدثت بصدق :
- هو يكذب يا سيف كل مافي الأمر أنني شاهدت مقطع فيديو عن الفرسة التي أحبها والتي كنت أقتنيها دومًا وأخذني الحنين إليها وبدون قصدٍ مني ضغطت على التفاعل وحينما أدركت فعلتي حذفته على الفور .
حدق بها وسريعًا تأكد من صحة كلامها لذا رفع يده يمسح عن وجه مستغفرًا ليعود لتعقله برغم النار التي اشتعلت به من كلمات هذا الحقير .
تنهد يومئ لها ثم تحدث بهدوء بعدما ألقى نظرة على الصغير النائم :
- حسنًا ، ولكن بعد ذلك لا تجيبي على أي اتصالات .
تكتفت بعدما شرحت له الأمر وتملكتها القوة وتحدثت بشموخٍ يليق بها :
- لا أنتظر منك أمرًا كهذا ، أنا بالفعل لا أجيب على أحدٍ لا أعرفه ولكنني كنت غافية ولم استيقظ بعد حينما أجبت عليه ولو لم تنتشل مني الهاتف كلصوص الطريق كنت سأوقفه عند حده .
أعجب بها للمرة التي لم يعد يحصيها لذا تقدم منها فتوترت وتحمحمت ولكنه بات أمامها ثم حاوط كتفيها بيديه وتحدث وعيناه تجول فوق ملامحها :
- حسنًا ، ما رأيكِ في موعد عشاء في الخارج مع لص الطريق الماثل أمامكِ هذا ؟
توترت من قربه وتوردت وجنتاها خجلًا لذا تحمحمت تتساءل :
- بمناسبة ماذا ؟
- مفاجأة .
نطقها بهمسٍ حينما استقر بنظراته على شفتيها لذا أومأت دون النظر له تقول بهدوء وقلبها ينبض بعنف :
- حسنًا موافقة .
لم تكن تتوقع أن ينحني ويطبع قبلة على شفتيها ، لم تكن تنتظرها أبدًا لذا تصنمت أمامه وهذا أعطاه الحق في التعمق أكثر بعدما فقد سيطرة الابتعاد ليتذوق رحيقها بحبٍ فائضٍ يبثه داخلها فيجعلها أكثر حماسًا للقبول به .
ابتعد عن شفتيها يتركهما منفرجتين واتكأ بجبينه على خاصتها يردف بتأثرٍ وابتسامة رضا حينما لاحظ عينيها المغلقة واستسلامها له وعدم دفعه كالسابق :
- أحبكِ يا سارة ، وسأنتظركِ في السابعة مساءًا .
ابتعد عنها وتركها تشعر بالخواء من دونه ، باتت على شفا الذوبان في عشقه كما تفعل هي مع حبات الشوكولاتة التي تصنعها .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
من يحبك بصدق سيصنع من المستحيل سبيلًا كي يأتي لك بشيءٍ تحبه
قبّلها وتركها واختفي ، تركها تتخبط في أمواج مشاعرها المتلاحقة .
رفعت كفها تتحس شفتيها بخجل مختلط بشعورٍ ممتع يراودها خاصةً بعدما شعرت بغيرته عليها .
اعترف بحبه لها مجددًا ، يجهز لها مفاجأة .
بات عليها أن تتوقف عن الانحراف بأفكارها نحو اتجاه يثبط وقوعها في حب سيف الدويري .
كانت بحاجة دفعة أخيرة لتقع في العشق وهي التحدث مع والدتها لذا زفرت بقوة ثم نظرت للصغير النائم بحب وتحركت نحوه تحمله وتتجه بعدها نحو غرفة والدتها .
وصلت وطرقت الباب فسمحت لها سعاد بالدخول .
دلفت تمدد الصغير على سرير سعاد ثم اعتدلت تطالعها حيث كانت ترص ثيابها المطبقة في خزانتها وشعرت بشيء ما يجول في خاطر ابنتها لذا تساءلت وهي تلتفت تحدق في عينيها بمكر :
- احكي يا بنت سعاد ، وجهك يضحك هذه بشرى خير .
ابتسمت سارة ثم اتجهت تجلس على المقعد وتقول لوالدتها بتعنت :
- حسنًا يا سعادة هل سأتحدث وأنتِ ترصين الثياب ؟ ، تعالي هنا كي تركزي فيمَ سأقوله .
زفرت سعاد وتركت ما في يدها ثم اتجهت تجلس أمام ابنتها وتضع كفيها على ساقيها بترقب قائلة :
- أسمعكِ ، هيا أخبريني يا آخرة صبري .
زمت سارة شفتيها بنظرات حانقة ثم زفرت وتحدثت بتوتر وعيون وديعة :
- سأخبركِ ولكن لا توبخيني ، عامليني بلطفٍ يا سعادة .
أومأت والدتها تطالعها بشكٍ وتضيق عينيها مصدرة تمتمة خافتة لتتحمحم سارة وتبدأ في شرح ما بها قائلة وهي تطرق رأسها وتفرك كفيها :
- أمي أنا وقعت في الحب .
- أعلم .
قالتها سعاد بسعادة لترفع سارة رأسها تطالع والدتها بعمق وتبادلها بتحدٍ قائلة :
- وأنا أعلم أنكِ تعلمين ، ولكن تنتظرين اعترافي وها أنا أقولها ، والآن لا أعلم ما علي فعله يا أمي أنا خائفة وقلبي صاخب وضميري يؤنبني كثيرًا ، ولكن بعد كل ما قاله لي سيف بتُّ أشعر نحوه بانجذاب قوي لا يمكنني تجاوزه ، أريد كلمات منكِ تريحني يا أمي .
شعرت سعاد بمَ يدور في ذهن ابنتها ، تعلمها جيدًا وتعلم كيف تفكر ومما تخاف لذا تحدثت بدون مراوغة :
- لا تتجاوزيه إذا يا سارة ، أريحي قلبك وقلبه وصارحيه كما فعل معكِ يا ابنتي ، تعلمين أن الله سخر لنا الدنيا وفي كل حدثٍ حكمة حتى لو كان موتًا ، إرادة الله يا ابنتي وخططه كلها خير وعوض عن كل المتاعب والأحزان ، تظنين أن الأمور انقلبت رأسًا على عقب والحقيقة أنها تعتدل .
مدت سعاد يدها تقبض على كفي ابنتها المتشتتة وتتابع بنظرة ثاقبة ونبرة لينة :
- استسلمي يا سارة ، استسلمي لمشاعركِ يا ابنتي فهذا الرجل أصبح زوجكِ وحلالكِ ، دعيه يعلم بحبك ربما كنتِ عوضًا من الله عن خوفه ويتمه ، ربما أرسلكِ له الله عن طريق فريدة لنفض أمر تلك اللعنة عن رأسه ، أنا لم أرَ منه سيئًا قط ، بت أحبه كأنه ابني وأتمنى أن أراكِ معه سعيدة ، لا تكابري وكفى عنادًا أنتِ لستِ مذنبة في حق فريدة يا سارة ولا يجب أن تفكري بهذا الشكل أبدًا ، أنتِ أحببتِ فريدة أكثر منها يا سارة لا تلومي نفسكِ أبدًا ، دعي قلبكِ يطمئن يا ابنتي واعترفي لزوجكِ بمَ يتمنى سماعه فهو يحبكِ ، ينظر لكِ نظرة مختلفة صدقيني يا قلب أمكِ .
تعمقت في عيني والدتها تعيد كلماتها على عقلها لذا تنهدت تنهيدة قوية ثم تحدثت بترقب وهي تشعر بأن كلمات والدتها هي التي كانت تنقصها :
- سيف دعاني الليلة على العشاء يا أمي ، أخبرني أنه يود مفاجأتي بشيءٍ ما .
شجعتها سعاد ولكزتها في ساقها بخفة ثم ابتعدت تطالعها بثقب قائلة :
- حسنًا اليوم ستعترفين له بمشاعركِ ، ستخبرينه بحبكِ سارة .
- ولكنني متوترة يا أمي وأشعر بالخجل والتلعثم حينما أشعر أن علي قولها ، أريد طريقة ليست مباشرة لقولها ، أرجوكِ يا سعادة ساعديني .
زفرت سعاد بيأس على حالة ابنتها ثم فكرت لثوانٍ قبل أن تقول بتحفيز :
- حسنًا اكتبيها يا سارة ، إن لم تستطيعي قولها اكتبيها في ورقة وليقرأها هو بنفسه ، ولكن اكتبي معها كلمتين لطيفتين ترطبان حلق الرجل أيتها الشاعرة .
نهضت تنحني على والدتها وتقبل وجنتها بقوة حينما أعجبتها فكرة الاعتراف في مكتوب ، حقًا هذا أفضل حلٍ لتتجاوز خجلها .
اعتدلت تزفر بقوة ثم التفتت تنظر نحو نوح لتعود لوالدتها قائلة :
- أمي ستعتني بنوح إلى أن أعود ؟
طالعتها سعاد بحنق ونهرتها قائلة :
- لا لن أعتني به ، سأتركه في غيابة الجُب ، غادري يا بنت من هنا وإلا كسرت رأسكِ هذا .
ابتسمت سارة وتحركت تسرع نحو غرفتها لتستعد لهذا اللقاء .
❈-❈-❈
مساءً توقف بسيارته أمام الفيلا بعدما أبدل ثيابه في مكتبه .
رفع هاتفه وحاول الاتصال بها لتجيبه بهدوءٍ :
- نعم يا سيف .
بدأت نبضاته ترقص على أوتار صوتها وتنهد يجيبها بنبرة رخيمة :
- أنا في الأسفل يا سارة أنتظركِ .
- حسنًا سآتي في الحال .
أغلق معها وترجل يغلق الباب ثم استند على السيارة ووجهه يقابل باب الفيلا ينتظر ظهورها بترقب وشرودٍ فيها وفيما فعلته بقلبه .
دقائق مرت حتى لمح الباب يفتح لذا رفع أنظاره نحوه يترقب النظر لتلك التي بدأت تظهر بفستانها الأبيض ونقابها الأبيض كذلك لا يظهر منها سوى عينان سوداوتان تطالعانه ليرتد قلبه صريعًا في سحرهما .
تخطو نحوه على استحياء بخطواتٍ هادئة وعيناها تنظر فيه عينيه برغم أنها ودت لو تخفض نظراتها ولكن خالفتها عيناها.
اعتدل يستقبلها بابتسامة مشرقة ونظراته ترسل لها سهامًا محملة بالحب والهيام حتى وصلت إليه وتحدثت بهدوء مبطن بالخجل :
- كيف حالك ؟
- لم أكن بخير قبلكِ .
لا يعلم كيف أجابها بجملته هذه كان يظن أنه لا يمتلك أي كلمات غزلٍ وحب لذا نطقها لسانه لتطرق رأسها بخجل فتنهد بعمق ثم مد يده لتناوله كفها ففعلت فانحنى يقبله بنبلٍ ثم عاد يردف بترقب :
- هل نذهب ؟
أومأت لها لذا تحرك معها نحو الجهة الأخرى وفتح لها الباب لتستقل السيارة بعدها أغلق الباب والتفت لجهته ثم ركب يطالعها بقلبٍ متضخم بالعشق وتساءل قبل أن ينطلق :
- هل تريدين أغنية محددة ؟
- لا أنا لا أفضل الأغاني ، يمكننا أن نتحدث عنا أفضل .
قالتها بهدوء فأعجبه اقتراحها كثيرًا لذا أومأ وبدأ يقود في مساره نحو وجهته ثم قرر سؤالها يردف بهدوء :
- ماذا تريدين أن تعرفي عني ؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تحمحمت ثم نظرت له بشرود فالتفت يطالعها فأسرعت تنظر أمامها بتوتر وتساءلت :
- هل تحب الشوكولاتا ؟.
ما هذا الغباء الذي تتفوهين به ؟ ، هل هذه هي الأسئلة التي تودين طرحها عليه ؟.
هكذا نهرت نفسها بعدما ألقت سؤالها المفاجئ هذا نسبةً لتوترها بالرغم من أنه أخبرها مسبقًا بحبه للشوكولاتة التي أعدتها ولكنه ابتسم وأدرك توترها لذا أجابها بصدقٍ وهو ينظر أمامه :
- نعم من قبل كنت أفضلها من بين الأطعمة ، مثلًا كنت أحب الكيك بالشوكولاتة والمثلجات بطعم الشوكولاتة ولكن بعدما تذوقت خاصتكِ بت أحبها هي فقط وتعهدت ألا أتذوق شوكولاتة إلا من يداكِ ، أنتِ بارعة في صنعها .
استطاع أن يجعل قلبها يقفز فرحًا ورضا بعد تصريحه هذا لذا تحدثت بسعادة وحماس كأنها عادت طفلة :
- حسنًا سأعد لك كل ما تشتهيه .
ابتسم وعاد يطالعها بشرودٍ فوجدها تنظر للأمام ثم قرر سؤالها عن شيءٍ ما طرأ على عقله :
- سارة متى ارتديتِ النقاب ؟
تنهدت لتعود لجديتها وتحدثت متذكرة :
- ارتديته قبل وفاة أبي بعامين .
لفت نظرها تطالعه ثم تابعت بترقب :
- هل تعلم أنني كنت أخرج بشعري حتى وأنا في الجامعة ؟
تعجب بحق حتى أن عيناه توسعتا والتفت يطالعها بتعجب ظهر في نبرته وهو يقول :
- حقًا ، وماذا حدث ليتحول الأمر معكٍ إلى نقاب؟ .
عادت بذاكرتها إلى بضع سنوات لتتنهد ولا تعلم هل تخبره أم لا ولكن نظراته دلت على انتظاره لإجابتها لذا تحمحمت تجيبه بتوترٍ دون مبالغة وهي تطالعه بطرف عينيها ثم تعود للأمام :
- لأنهم في الجامعة كانوا يخبرونني أن ملامحي وتفاصيل وجههي شرقية جذابة ، كنت أتعرض للمضايقات من بعض الشباب وبرغم أنني كنت أعلم جيدًا كيف أوقفهم عند حدهم ولكن قررت أن أكمل جزءًا هامًا في ديني وهو أن أتحجب ثم طرأ لي فكرة النقاب بعدها بعدة أشهر وها أنا أرتديه .
شعر بالغيرة تنهش قلبه العاشق لذا تساءل بمَ خطر على ذهنه دون تريث نسبةً لغيرته :
- ولمَ يخبرونكِ هكذا من الأساس ؟
عاد شموخ الأنثى يتوغلها لتتكتف وتجيبه بنبرة قوية متباهية :
- لأنني بالفعل أمتلك تفاصيل وجهٍ وملامح جذابة يا ابن الدويري .
انفلتت منه ضحكة أظهرت أسنانه فجعلتها تشرد به بينما هو التفت يطالعها بثقب وتبسم ليردف مؤكدًا وعيناه متعمقة في عينيها :
- نعم أعلم ذلك جيدًا ، تمتلكين عينان سبحان من خلقهما .
خجلت وارتخت أعصابها لتعود تنظر للأمام وهو كذلك عاد يتطلع أمامه بصمتٍ بينما يردد على عقله كمالة حديثه بصوتٍ داخلي ( وتمتلكين شفاهًا مهلكة أريد أن أتذوقها دومًا ، وتمتلكين أنفًا لا تستحقه امرأةً سواكِ ، بشرتكِ الخمرية تصيب قلبي في مقتل وضحكتكِ تأسرني مدى الحياة ) .
تنهد بحرارة ليتابع ( أنتِ ربيع قلبي يا سارة ) .
التفتت تطالعه وتحدثت بتوترٍ وخجلٍ :
- شكرًا لك .
كلمتها جعلته يدرك أنه نطق الأخيرة بصوتٍ سمعته ، نطقها دون أن يدري وأخبرها أنها ربيع قلبه الذي كان يعمره الحزن .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
توقف سيف في مكانٍ صحراوي هادئ لتتعجب سارة وتنظر حولها بتساؤل ، لقد ظنت أنه سيصطحبها إلى مطعمٍ ما أو ما شابه ولكن هنا ؟
انتبهت له وهو يقول بترقب :
- هيا ننزل ؟
شعرت بالتوتر وهي تلتفت له تطالعه لثوانٍ ثم أومأت وترجلت مثله تلتفت حولها مجددًا لتجد الأنوار خافتة لذا طالعته وتساءلت بتوتر بعدما أصبحت أمامه :
- سيف ما هذا المكان ؟
حدق بها قليلًا ثم تحدث وهو يدس يده في جيبه يخرج شريط قماش أسود :
- مفاجأة .
رفع الشريط أمام عينيها مسترسلًا بترقب :
- هل تسمحين لي ؟
نظرت للشريط في يده وللحظة شعرت بالرهبة لذا تفوهت بمَ يجول في عقلها برغم اقتناعها التام بالمبالغة :
- ما هذا الرعب ؟ ، هل تود قتلي ؟ ، جئت بي لمكان صحراوي والإضاءة شبه معدومة ، هل تنوي سرقة أعضائي وخاصة عيناي اللتان مدحتهما منذ قليل ؟ .
تعجب ذاهلًا ثم تساءل بقلقٍ راوده :
- حقًا ، ألا تثقين بي ؟
زفرت تغمض عينيها ثم لوحت بيدها مشيرة تقول :
- هيا هيا يا سيف اربط عيناي هيا ، لقد فات الآوان وانتهى .
ضحك عليها وعلى جملتها التي أظهرت ثقتها به حتى لو عن طريق المزاح لذا لف خلفها ورفع يده يحاوط عيناها بالشريط الأسود ثم عقده من الخلف وتقدم يتمسك بيدها قائلًا بنبرة حاول بها بث الأمان داخلها :
- تحركي معي .
أومأت تطيعه وبدأت تتحرك معه بثقة نبعت من داخلها ، لا تشعر بالخوف وإنما بالتوتر فقط لذا ظلت تتقدم خطواتٍ معه حتى سمعت هليل حصان تعلمه جيدًا ، صوتًا تميزه من بين الأصوات ولكن ربمَا تتخيل ! .
توقف بها ثم انحنى يهمس عند أذنيها بحب :
- مستعدة ؟
تعالت وتيرة أنفاسها وأومأت له فرفع يده يحل عقدة الشريط ويسحبه لتعتصر عينيها ثم تنظر أمامها .
ذهلت حينما وجدتها أمامها في صندوق خشبي كبير بثلاث جدران خشبية ثابتة والرابع قصير ومتحرك كالباب لتظهر منه رشيدة مصهللة أمام نظرات سارة الجاحظة .
ظلت تتأملها لحفنة من الوقت ثم التفتت تنظر نحو سيف بعينين متسائلتين ليبتسم لها ويتساءل :
- هل أعجبتكِ المفاجأة ؟
هزت رأسها باندهاش ثم تساءلت ببلاهة :
- ماذا فعلت ؟ ، كيف فعلتها ؟
تحرك حتى وقف أمامها ومد يده يحاوط خصرها بجرأة عاشق ثم تحدث بحبٍ خالص :
- أصبحت ملككِ ، تستحقيها يا صاحبة العيون الليلية التي أسرتني .
لا تعلم ماذا تفعل في هذه اللحظة وكيف تعبر عما تشعر به لذا تلألأت عينيها بالدموع وهي تطالعه وتتساءل بنبرة متحشرجة :
- ماذا فعلت بي ، ماذا فعلت يا سيف .
لم يجبها بل سحبها إليه يعانقها عناق رجلٍ باحثٍ عن الطمأنينة والحب ، رجلٍ يتمنى أن تفتح له أبواب الترحاب نحو قلبها .
لم تبادله بل تجمدت حينما وجدته يحاوطها وتبعثرت في حزمة قوية من المشاعر التي لا تعلم كيف تنظمها لا هي ولا نبضات قلبها .
بينما هو غارقٌ بها مستمتعًا بوجودها في كنفه لتصدر رشيدة صوتًا كأنها تعبر عن استياءها من هذا العناق فهي تود أن تعانق صديقتها لذا تحمحم سيف يبتعد ثم أشار لها قائلًا :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- هيا رحبي بصديقتكِ .
نظرت له بامتنان شديد لا تعلم ماذا تقول ثم تقدمت من رشيدة تدلك رقبتها وتحدثها والأخرى تصهلل بسعادة .
بعد ترحيب حافل التفتت تنظر نحو سيف الذي يقف يتابعها لتتجه له حتى توقفت أمامه قائلة بنبرة متحشرجة باكية وسعيدة :
- هذا كثير يا سيف ، حقًا كثيرٌ جدًا ما فعلته .
رفع يده يزيح بإبهاميه دمعتين معلقتين في عينيها قائلًا بتروٍ وحب :
- الدنيا جميعها قليلة أمام عينيكِ يا سارة ، هذه الفرسة هدية أخذت مقابلها حبًا لم أعترف به يومًا .
ابتسمت له بتنهيدة وتوتر ليتابع بنبرة رخيمة :
- هيا تعالي لنتناول العشاء سويًا .
تعجبت وهي تجده يتمسك بكفها ويسحبها معه عدة خطواتٍ أخرى لتتفاجأ بطريقٍ مضيء بخفوت وسط الرمال يؤدي إلى طاولة طعامٍ مميزة تتلألأ بالشموع وصممت خصيصًا لهما .
تحركا سويًا نحوها واتجه سيف يسحب المقعد لها فجلست بقلبٍ متضخمٍ بالحب واتجه يجلس قبالتها محدقًا بها وهي تطالعه بامتنان يخفي وراءه حبًا يتصاعد رويدًا رويدًا .
مد يده يرفع الأغطية عن الطعام ويردف برتابة :
- سألت السيدة سعاد عن الطعام الذي تفضلينه لذا أتمنى أن يعجبكِ .
نظرت للأطعمة مبتسمة ثم عادت له تردف مستفهمة :
- يبدو أنك أعدت لهذه الليلة جيدًا ! .
- نعم هو كذلك ، وأتمنى أن تنتهي كما خططت لها .
كانت نيته خبيثة بعض الشيء وهذا ما شعرت به سارة لذا أطرقت رأسها خجلًا تطالع الطعام وتتجاهل نظراته التي تسألها عن جوابها .
❈-❈-❈
بعد ساعتين عادا سويًا إلى الفيلا ، صف سيارته يطالعها بترقب منتظرًا ومتلهفًا لأي شيء تقوله ولكنها صامتة تمامًا وهذا أشعره بالضيق قليلًا ولكنه يحاول التحلي بالصبر ولكن أي صبر وهو الذي كان يظنها ستنطق لا محالة ، هل عليه بذل جهدٍ أكبر من هذا يا ترى ؟.
التفتت تطالعه بامتنان وتحدثت بتوترٍ وهي تفتح حقيبتها وتتناول منها شيئًا ما :
- شكرًا لك يا سيف ، كانت مفاجأة حقًا سارّة لم يفاجئني أحدٌ بمثلها من قبل ، وشكرًا على الطعام أيضًا ، عن إذنك .
فتحت الباب تترجل وتخطو أمام عينيه متعجبًا من فعلتها ، هل هذا كل ما في الأمر ، ألن تعترفي بحبكِ وتبادليني القبل وتخبريني بإعطاء زواجنا شكلًا آخر ؟
ظل يتابعها وهي تلتفت لتتجه إلى الداخل ولكن بدلًا عن ذلك توجهت تقف أمام نافذته ومدت يدها بمكتوبٍ تناوله له وتضعه في يده قائلة بتوترٍ بالغٍ :
- لا تقرأه إلا بعدما أختفي .
قالتها واندفعت هاربة نحو الداخل لتختفي بالفعل تحت أنظاره ودهشته .
ظل يطالع أثرها بذهول ثم التفت ينظر إلى المكتوب بقلبٍ صاخبٍ ثم فتحه ليقرأ ما به .
تنهدت بقوة وابتلع لعابه وهو يقرأ ما كتبته .
( سيف أنا أحبك ، نعم أحبك لا أعلم كيف ولا متى ولكنك جعلتني أقع في حبك ، وإياك أن تلحق بي لأنني لا أستطيع النظر إليك الآن ، أنا فقط أحبك )
ظل يقرأ تلك الكلمات البسيطة التي كتبتها والابتسامة تزين ثغره على حبيبته المميزة حتى في اعترافها ولكن كيف له ألا يلحقها ، كيف له أن ينام ويهدأ بعد اعترافها هذا ؟ .
لقد كانت هذه أسمى أمانيه لذا تنهد بقوة ليهدئ من صخب نبضاته ثم طبق الورقة ودسها في جيبه يفكر لثوانٍ ثم ابتسم بخبث وترجل يغلق سيارته ويتجه إلى الداخل ومنه إلى غرفتها ليراها الآن وفورًا .
كانت في غرفتها تجولها بتوترٍ وتفكر وتفرك كفيها بعدما نزعت نقابها وحجابها ، الآن قرأ اعترافها ، فهم وأدرك أنها ستعطي زواجهما فرصة ، تُرى كيف استقبل كلماتها ، كيف هي ملامحه ؟ ، هل فرح أم شعر بالضيق من فعلتها وطريقة اعترافها وظنها عدم اهتمام بمشاعره ؟ .
باتت حائرة وبرغم طلبها في المكتوب إلا أنها أرادت أن تعرف بماذا يشعر الآن .
تجمدت حينما سمعت طرقات هادئة على الباب ، من المؤكد أنه هو ، لمَ جاء أخبرته ألا يأتي لا تستطيع الظهور أمامه الآن .
زفرت تهدأ نفسها ثم تحركت تقف خلف الباب متسائلة بترقب :
- مَن ؟
تعلم جيدًا من لذا ابتسم عليها وقال :
- أنا سيف يا سارة افتحي الباب .
تحدثت بتوترٍ :
- ألم أخبرك في المكتوب ألا تأتي الآااااان .
تحدث بنبرة خبيثة :
- المكتوب اختفى يا سارة ، بعدما ذهبتِ فتحته لأقرأه ولكن الهواء جاء شديدًا فتهاوت مني الورقة وبحثت عنها لم أجدها ، ماذا كتبتِ فيها يا سارة ؟.
تفاقمت داخلها طاقة اندفاعية جعلتها تفتح الباب وتطالعه بغيظٍ ثم تكتفت قائلة بنزق :
- اختفت ؟ ، تركتها تختفي يا سيف ؟ .
حدق بها بعينين ماكرتين يضيقهما ثم أومأ يتساءل :
- نعم ، أخبريني ماذا كتبتِ فيها ؟
ضيقت عينيها هي الأخرى تطالعه بتفحص تريد استكشاف هل يراوغ أم يقول الحقيقة وحينما لم تستطع إدراك نواياه تحدثت بغيظ :
- اذهب وابحث عنها إذا إن كنت تريد أن تعلم .
كادت أن تغلق الباب ولكنه صدها بيده ثم اقتحم الغرفة فجأة يغلق الباب ويقف أمامها حتى كاد أن يلتصق بها قائلًا بعينين ثاقبتين :
- تحبينني إذًا يا سارة ؟
رفعت عينيها تطالعه ثم ارتعشت من قربه وتحدثت بهمسٍ وتوترٍ بالغ :
- قرأتها إذًا ؟
رفع يده يعيد خصلاتها للوراء وتحدث بهمس وقلبه يتبعثر في عدة مشاعر :
- نعم قرأتها والآن أريد أن أسمعها منكِ صريحة ، أسمعها من شفتيكِ يا سارة وليست مكتوبة يا بخيلة .
ابتلعت لعابها ولم تعد تشعر بنفسها وتتمنى أن تختفي الآن ليسرع في لف ذراعه حول خصرها يجذبها إليه أكثر ثم تابع بنبرة آمرة مغلفة بالعشق :
- انظري لي سارة .
فعلت من بين زحام مشاعرها ورفعت عينيها تحدق به فتابع وعيناه ثاقبة على خاصتها :
- قوليها يا سارة .
لم تعد تحتمل ولم تعد تستطع الصمت لذا تحدثت بحروفٍ متقطعة وهمس مستسلمة لدوامة المشاعر وسامحة لعشقه أن يتوغلها :
- أنا أحبك يا سيف .
نسي نفسه والمكان والزمان وانحنى يقبل هذا الثغر الذي اعترف بحبه .
يقبلها كما لم يقبلها مسبقًا ، قبلة تتناسب مع استقباله لهذا الاعتراف وتجعلها تشعر بشيء ما لم تستطع تحديد كنهه ولكنها فقدت سيطرتها معه وباتت لا تمنعه وكأنها مخدرة عن الدفاع تعيش تجربة تجربة جديدة كليًا عليها .
جحظت حينما وجدت نفسها ممدة على الفراش لا تعلم متى وكيف حدث هذا ، حقًا لا تعلم كيف انتقلت من هناك إلى هنا دون أن تشعر ولكنها باتت خائفة برغم سعادتها ونبضاتها المتراقصة ، توغلها الخوف من بين مشاعرها خاصة وهو يندمج في سطوة مشاعره لذا تحدثت بضعفٍ ورجاء :
- سيف أرجوك .
لم يكن يسمعها بل يعيش معها مشاعر جديدة ليصبح أكثرهم طمعًا وطلبًا في المزيد وحينما دقت نواقيس الخطر تحدثت بنبرة أعلى وهي تدفعه بهدوء :
- سيف أرجوك توقف .
ابتعد يلتقط نفسًا قويًا بعدما حبس أنفاسه في خضم مشاعره ليحاول السيطرة على نفسه لذا انحنى يطبع قلبة هادئة فوق شفتيها ثم اعتدل يطالعها وهي تخفي وجهها عنه بخزيٍ أصابها من استسلامها المفاجئ هذا .
وبينما هو يبتسم بسعادة على خجلها تذكر شيئًا ما ، شيئـا جعله يلعن غباءه ويحمد الله أنه ابتعد في الوقت المناسب .
لذا زفر بضيقٍ وعاد يفكر بأن عليه فعل هذا الأمر قبل أي شيء
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
إن أحببت لا تخفْ
إن وقعت في الحب غامر
إن عشقت عبّر
تحكم كليًا في نفسه بعدما تذكر هذا الشيء ولكنه قرر تجربة النوم بجوارها فقط لذا انسدل يتمدد على الفراش ويسحبها من نهر خجلها الذي كادت أن تغرق به إلى أحضانه ويده تربت على خصلاتها بحنانٍ يقول :
- اهدئي سارة ، فقط سأنام بجواركِ ولن أتمادى إلا حينما تكونين مستعدة لذلك .
وجدت نفسها تنسدل في أحضانه لذا جحظت وحاولت التحدث بنبرة متوترة :
- سيف أرجوك ، ماذا سأقول لأمي ونورا إن وجدتاك هنا ؟
اقترب أكثر يقيدها بذراعيه ثم أغمض عينه وتحدث ساخرًا :
- معكِ حق ، كيف ستبررين لهما النوم في أحضان زوجكِ ، نامي يا سارة وإلا أكملت ما كنت أفعله .
انكمشت تومئ له باستسلام وتركته يغفو مستمتعًا بقربها وحينما وجدته يذهب في سباتٍ عميقٍ بعد عدة دقائق أخرجت رأسها من بين ذراعيه تطالعه بتعجب ، متعجبة من نفسها ومنه ومن هذا الوضع برمته .
من هذا وأين هي وما هذا القدر الذي وقعت فيه ؟ ، حدقت في ملامحه وهو نائم ، تفاصيل وجهه ، يحمل وسامة لم تكن يومًا تفضلها ولكن الآن باتت تعشقها .
نزلت بنظرها إلى شفتيه وتذكرت قبلته لها لذا أسرعت تغمض عينيها موبخة نفسها سرًا .
تنهيدة حارة خرجت منها لتهجم عليها فجأة فكرة سلبية وأن هذا النائم كان في يومٍ من الأيام زوج شقيقتها ، كانت فريدة تمكث مكانها هنا لذا تجمدت وحاولت ابتلاع غصة حلقها المُرّة ثم بدأت تتململ بهدوء من عناقه لتنجح في التحرر وتفلت نفسها حيث نهضت ووقفت تطالع أثره بحزنٍ من هواجس الماضي التي لا تريد تركها حتى في قمة سعادتها .
تحركت بعدها نحو الحمام لتغسل وتبدل ثيابها ثم تتجه لترى نوح وتحاول اللهو معه قليلًا علّ عقلها يهدأ من طرح هذه الأفكار .
❈-❈-❈
طرقت باب غرفة والدتها ودلفت لتجد سعاد تقرأ وردها وتومئ لها أن تتقدم .
تقدمت حتى وصلت إلى نوح النائم في سرير جدته ثم دنت تقبله بحبٍ ونهضت تتجه نحو والدتها التي تجلس أرضًا فوق سجادة الصلاة لذا تمددت سارة تجاورها ثم مالت تضع رأسها في حجر والدتها كطفلة صغيرة مشتتة وحزينة .
صدّقت سعاد ووضعت مصحفها جانبًا ثم بدأت تملس بيديها خصلات ابنتها وتساءلت بترقب وقلق :
- ما بكِ يا سارة ؟ ، هل حدث شيء ؟
أغمضت سارة عينيها تهز رأسها وتمنع دموعها من السقوط وهي تقول بتحشرج :
- لا يا أمي لم يحدث أي شيءٍ سيء ، كل ما حدث اليوم هي أشياء لم أكن أتخيلها ، لقد أهداني سيف رشيدة يا أمي ، اشتراها لي وهذا الأمر فاق استيعابي ، سيف رجلٌ رائعٌ يا أمي وأنا نادمة على إصداري أحكام مسبقة في حقه ، اليوم أثبت لي أنه إنسان نبيل يستحق الحب والراحة ... ولكن .
- ذكريات فريدة تؤرقكِ .
هكذا أجابتها سعاد وهي تعلم يقينًا أن ما يمنع ابنتها عن سعادتها خوفها المتكرر من ذكريات فريدة مع سيف لذا أومأت سارة وهي ما زالت نائمة على ساق والدتها لتتنهد سعاد بقوة ثم تملس على خصلاتها وتبدأ في قراءة آيات من القرآن الكريم على عقل ابنتها حتى تطمئنه وتبعد عنه الأفكار السيئة التي تؤرقها .
دقائق مرت وسارة مستكينة تشعر بالراحة حتى انتهت سعاد ثم تحدثت بنبرة لينة حنونة :
- يا سارة يا حبيبتي ، ألم ترِ طوال حياتكِ زوجة تموت ويتزوج زوجها بشقيقتها من أجل الأطفال؟ ، هل هذا مخالفًا لشرع الله يا ابنتي ؟ ، هل لو أحب الزوج شقيقة زوجته بعد وفاتها وبعد أن تزوجها هل هذه خطيئة ؟ ، لا يا قلبي هذا كله تدبيرٌ من صنع الله ، أنتِ لم تُحبِ سيف أبدًا ولم تنظرِ نحوه وهو زوج شقيقتكِ ولا حتى هو ، ودعيني أخبركِ أن هذا خير وليس كما تقولين أنكِ نادمة على حكمكِ عليه ، لأن هذا دليل يؤكد عدم تقبلكِ لسيف الذي ربما لو كنتِ تعلميه جيدًا لوقعتي في الخطيئة ولكن الله عافاكِ من حبه وهو زوج شقيقتكِ ليضع حبه في قلبك بعد موتها ، ولستِ بمفردكِ بل هو أيضًا مثلكِ ، لم يحاول قط ولا مرة أن يتقرب منكِ بالرغم من أنه لم يتزوج فريدة عن حب ، أنا وأنتِ كنا نراه رجلًا غامضًا من كثرة تحفظه معنا فلمَ هذا الشعور بالذنب يا ابنتي ؟ ، أنتِ لستِ مذنبة أبدًا ، الذنب الوحيد الذي تفعلينه هو أن يكون سيف زوجكِ يحبكِ وتحبينه وترفضين الاستجابة لهذا الحب ، لم تخونِ فريدة يا سارة ولكنكِ الآن تخونين ميثاق الزواج الغليظ ، يجب أن تتركي هذا الأمر كليًا وتبدئي مع سيف حياتك فالعمر يمر لا تفقدي حلاوة الأيام هذه .
نهضت سارة بهدوء تجلس أمام سعاد وتطالعها بعيون لامعة باكية ثم رمت نفسها في حضنها لتستقبلها سعاد وتعانقها بحب وأمومة بالغة وهي تمسد خصلاتها بحنانٍ وتدعو الله لها ، تعلم إن ابنتها تستحق حياة سعيدة وهنيئة مع سيف .
ظلت سارة تعانقها وتشكرها بصمتٍ على وجودها معها ف لولاها لَمَا وصلت لمرسى آمن مع كل رحلة في حياتها .
تنهدت تبتعد عن والدتها ثم نظرت لها بامتنان تحول إلى خجلٍ وهي تقول بتوترٍ :
- أمي ، سيف ينام في غرفتي الآن .
ابتسمت سعاد بسعادة على ابنتها وتحدثت توبخها بهدوء :
- هل هناك زوجة جيدة تترك زوجها ينام بمفرده وتأتي إلى أمها شاكية باكية ، الرجل اشترى لكِ رشيدة التي هي أكثر منكِ رشدًا وكان يجب أن تشكريه ، هيا الآن عودي لغرفتكِ وجاوري زوجكِ إن استيقظ ووجدكِ هنا ربما قال عني حماة متسلطة وأنا لستُ كذلك .
ابتسمت لها سارة وتحدثت بحبٍ وهي تقرص وجنتها :
- أنتِ حماة كما يقول الكتاب ، ولو أنه دار في الدنيا بحثًا عن حماة مثلك لن يجد .
بادلتها سعاد قرصة وجنتها وتابعت بصدق :
- وأيضًا لو دار الدنيا بحثًا عن قلب مثل قلب ابنتي لن يجد ، وهو يعلم هذا جيدًا ، هيا الآن اذهبي لزوجكِ أرهقتيني .
أومأت لها سارة ونهضت تتنهد بقوة ثم نظرت نحو نوحٍ وقالت بحنين :
- ولكنني لم ألهُ مع الصغير جيدًا اليوم .
التفتت سعاد حولها تبحث عن شيءٍ تقذف به ابنتها التي أسرعت تركض ضاحكة قبل أن تجد سعاد ما تبحث عنه ونجحت في مغادرة الغرفة وتحركت عائدة نحو غرفتها ثم دلفت تنظر نحو هذا النائم لتتنهد بقوة ثم تقرر مجاورته بخجلٍ جعل وجنتيها تتورد ولكنها الآن تريد فعل هذا وتريد الاستمتاع بالنوم في أحضانه .
كانت ترتدي منامة حريرية ناعمة ولكنها اتجهت نحو مرآة الزينة تطالع هيئتها برضا وامتدت يدها تتمسك بزجاجة العطر ثم نثرت منها القليل فوق ملابسها وهي تقضم شفتيها بخجل ممزوج بالسعادة مما تفعله ومن هذه الحالة الجديدة عليها .
تركتها وتحركت نحو السرير ثم بحذرٍ وبهدوءٍ شديد تمددت عليه تتجنب الالتصاق به وتتسطح على ظهرها ناظرة للأعلى وقلبها صاخبٌ يطالبها بالمزيد ولكنها أغمضت عينيها تعنفه قبل أن تتفاجأ بغزوٍ هجم عليها هجوم مغلف بالحنان ويسحبها إليه .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
قيدها بذراعيه وقدميه ودفن رأسه يستنشق رائحتها بعمق وعيناه مغمضة واقترب من أذنها وهمس بسحرٍ جعلها تتخبط في ثورة مشاعرها الجديدة :
- تركتكِ تغادرين كما رغبتِ والآن عدتي لحضني برغبتكِ لذا فلن أترككِ ، لن أترككِ أبدًا يا سارة .
قبل أذنها ثم عاد لنومه بينما هي أغمضت عيناها كذلك لتهرب من خجلها ومشاعرها هذه في النوم وقلبها يتخبط بين نبضاته من فرط السعادة .
❈-❈-❈
استيقظت صباحًا تتململ ولكنها تذكرت سريعًا أن سيف كان يجوارها ولكنه الآن ليس موجودًا ، هل كانت تحلم ؟
نهضت تدلك رقبتها ثم تثاءبت بنعاس لتسمع صوتًا يأتي من الخارج لذا قطبت جبينها وترجلت من السرير تتجه نحو الباب لترى ماذا يحدث وحينما فتحت الباب اصطدمت بظهره يقف أمام باب غرفتها فتعجبت تناديه :
- سيف ؟
التفت سريعًا يمد يده ويمسك مقبض الباب ليعاود إغلاقه ولكن قبل ذلك جعله مواربًا ونظر لها من فتحته الصغيرة يردف بنبرة تحمل عشقًا وغيرة :
- ارتدي نقابكِ يا سارة هناك عمالًا ينقلون أغراض غرفتي .
أغلق الباب بعدها وتنهد ثم خطا ليرى العمال فهو يقف هنا منذ أن جاؤوا وبدأوا في نقل الأغراض حيث يعلم أنها لا تعلم بوجودهم وربمَا خرجت بوجهها أمامهم ولم يرد إيقاظها لذا وقف كالحارس أمام باب غرفتها وما إن أخبرها حتى تحرك ليرشدهم على التعليمات اللازم تغييرها في جناحه ليهيئه لاستقبالها فيه .
أما هي فدلفت غرفتها تبتسم بسعادة جعلتها تقف أمام المرآة تنظر لنفسها برضا وثقة وراحة ، كل ما يفعله يجعلها تحبه وتتعلق به أكثر .
تنهدت ثم تحركت نحو حمامها لتبدأ روتينها اليومي.
❈-❈-❈
بعد وقتٍ وبعد أن غادر العمال يجلسون حول مائدة الطعام يتناولون وجبة الغداء فتحدث سيف برتابة وهو ينظر نحو سارة :
- سارة بعد قليل ستأتي مهندسة الديكور ، اجلسي معها واختاري ما تريدينه وهي ستنفذه .
نظرت سارة نحو سعاد تبتسم ثم عادت له قائلة بحب وخجلٍ وهدوء :
- لم يكن هناك داعٍ للتغيير يا سيف ، كانت جميلة .
باغتتها سعاد بنظرة لومٍ فهي تعلم جيدًا أن ابنتها كانت تود ذلك لذا تحدثت بروية :
- لا يا سارة سيف معه حق يا ابنتي ، اختاري الألوان والتصميمات التي تحبينها .
أومأت سارة بتفهم لتعود إلى طعامها بينما نهض سيف يردف بلطف :
- عن إذنكما يجب أن أذهب إلى الشركة .
تحرك نحو سارة ودنا يقبل رأسها وودع سعاد التي انشرح قلبها خاصةً بعدما رأت وجه ابنتها .
غادر وتركهما تتحدثان لتردف سعاد بهدوء :
- اسمعي يا سارة ، أنتِ لم تطلبِ شيئًا بل هو من أراد ذلك وهذا يعني أنه يتبع الأصول ويعلم جيدًا ما عليه فعله ، ليس من الجيد يا ابنتي أن ينام معكِ في غرفتكِ لذا فمن الأفضل تجديد جناحه وانتقالك أنتِ معه .
أومأت سارة بتفهم وشردت تفكر لينتشلها صوت الصغير الذي استيقظ لذا نهضت من مكانها تتجه نحو سريره لتحمله وتهدهده وتناغشه بسعادة وطاقة جديدة اقتحمت حياتها .
❈-❈-❈
مر ثلاثة أيام .
استطاع فيهم سيف تجهيز الغرفة لتصبح جديدة تمامًا .
لم تختر سارة كل ما تريده ولكنها اكتفت بترك الأمر للمهندسة التي أتقنت عملها وجعلتها غرفة رائعة بأثاثٍ جديد وألوانٍ هادئة تبعث الراحة في النفس .
وقفت سعاد ونورا ترصان أغراض سارة في مكانها الجديد والأخرى تجلس مع نوح تطعمه وتتركهما تفعلان ما تريدانه فهي تشعر بشيء غريب يحدث مع سيف .
خلال الثلاثة أيام المنقضية لم يحاول التقرب منها ، بل أغرق نفسه في العمل وعندما يعود يرحب بها ترحيبًا هادئًا مثلها كمثل صغيره ثم يتجه نحو غرفة جانبية وينام بها وهذا ما أثار حنقها .
فإذا كانت غرفته تحت التجديد فلمَ لا ينام في غرفتها كما فعل تلك الليلة ؟
أسئلة لم تجد لها جوابًا سوى أنه ربمَا أراد مفاجأتها ولكن هذا لا يعفيه من الخطأ في حقها لذا فيجب أن يتحدثان .
انتبهت لصوته فرفعت وجهها لتجده يقف أمامها يحدق بها بعينين ثاقبين كأنه علم بماذا تفكر لذا تحدث وهو ينظر نحو سعاد بنبلٍ :
- سيدة سعاد بعد إذنك أريد أن أتحدث مع سارة .
أومأت سعاد واتجهت تحمل نوح من جوار ابنتها بعدما غمزت لها ثم تحركت خارج الغرفة هي ونورا لينتظر مغادرتهما ثم يغلق الباب ويتجه نحو سارة التي تجلس على الأريكة المرتكزة أسفل النافذة .
جلس يحدق بها فوجدها تخفض رأسها بهدوءٍ وحزنٍ منه لذا عاد يرفع رأسها بيده وتحدث أمام عينيها :
- أنا آسف .
حسنًا ها هو يا سارة يبادر ويعتذر قبل حتى أن تعاتبيه فهل ستسامحيه أم لا ؟
تنهدت تطالعه بعمق ثم تحدثت بتأنٍ معبرة :
- أنا لا أريد منك اعتذارًا يا سيف أنا فقط أريد سببًا ، لمَ أشعر أنك تتجنبني عن عمد ؟
تنهد بقوة لا يعلم بمَ يجيبها وكيف يفصح عما به ليجعل خوفه يجيب بمراوغة مؤقتة :
- لا يا سارة ، كل ما في الأمر أنني أردت أن أبدأ معكِ حياتي هنا ، كنت فقط أنتظر إلى أن ينتهوا منها واليوم انتهوا لذا فدعيني أخبركِ أن الليلة ليلتنا ، ستصبحين ملكي قولًا وفعلًا وأنا كذلك .
توترت وأطرقت رأسها مجددًا خجلًا ولكنه عاد يرفعها ويتعمق في عينيها قائلًا بنبرة غامضة :
- أنتِ كل ما أريده يا سارة ، لا أريد سواكِ ونوح في حياتي ، أنا أحبك جدًا .
لم يمهلها لحظة لتفكر في حديثه بل أسرع يقبلها قبلةً يسكت بها ضجيج أفكارها ويخبرها بأنه خائف ، يخشى أمرًا تحاول استيعابه .
بعد ثوانٍ تركها مجبرًا وابتعد ليجدها مغلقة العينين فابتسم لها ثم نهض من جوارها وتحدث بعدما بدأت تفتح عينبها وتطالعه بخجلٍ :
- سأذهب الآن فقط لساعتين وسأعود ، كوني مستعدة .
غمزها بعينه ووسامته وتركها تتعثر في حزمة مشاعرها المبعثرة وغادر يقضي عمله ويعود .
❈-❈-❈
كان يقود بشرود متجهًا إلى الفيلا ، يفترض أن يكون الآن في أقصى درجات سعادته ولكن ما يحدث داخله الآن برغم سعادته وحماسه إلا أنه خائفٌ من ردة فعلها .
لا يعلم هل ما سيفعله ستتقبله أم لا ولكنه حاول ولم يفلح ، لم يفلح الأمر معه أبدًا ، هي الوحيدة التي بات يخشى فقدانها وهذا الخوف المتوحش هو من قاده لما سيفعله ويتمنى ألا تغضب أو تحزن منه .
أما هي فكانت تجلس أمام مرآتها تتزين بعدما ارتدت ما ناولته لها سعاد بعد إلحاحٍ وتوبيخٍ كاد أن يصل للضرب لترضخ في نهاية الأمر وترتديه وفوق منه مئزره تربطه بإحكام .
تركت لخصلاتها العنان وزينت عينيها الساحرتين بالكحل الأسود ووضعت أحمر شفاهٍ وردي على شفتيها ثم نثرت العطر حولها وعادت تطالع هيئتها بتوترٍ وخجلٍ وتتمنى أن تمر الليلة بسلام فهي تشعر أن قلبها سيتوقف من فرط حركته نسبةً لتوترها.
طرقات على الباب جعلتها تجفل وتلتفت لتجده يفتح باب الغرفة ويدلف ثم رفع عيناه ليراها ، أغلق الباب وتوقف مكانه يتأملها ، لأول مرة يراها على هذه الحالة التي ضخت فيه الرغبة بها أكثر والاشتياق لضمها ، جميلة بكل ما تحمله الكلمة من معاني ، جميلة ومن حولها هالة جمال خاصة بها تجعله مفتونًا ومتيمًا بها .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
نهضت تفرك كفيها وتبتسم له مردفة بتوتر :
- حمدالله على السلامة .
ابتسم لها وتقدم منها حتى وقف أمامها يحدق بها ثم تحدث معبرًا عن مشاعره :
- ما هذا الجمال ؟ ، هل أخذتِ كل جمال النساء لكِ وحدكِ أم ماذا ؟
ابتسمت برضا وسعادة ثم تحدثت وهي تنظر له :
- تبالغ كثيرًا .
- هذه عيناي وهذه رؤيتها لم تتدخلين بين رجلٍ وعينيه ومشاعره ؟
ابتسمت بخجل من جوابه بينما تابع وهو يحاوط خصرها ويقربها إليه :
- هل تناولتِ العشاء ؟
هزت رأسها بلا ثم نظرت لليمين وقالت مشيرة :
- أمي جهزت لنا وجبة .
أومأ وابتعد قليلًا يردف بقلبٍ متضخمٍ :
- حسنًا سأذهب لأغسل يداي وأعود إليكِ .
تحدثت قبل أن يتحرك :
- سيف .
توقف يطالعها فتابعت بخجلٍ :
- هل يمكن أن نصلي قبل أي شيء ؟
تعمق فيها وتعجب من هذا الأمر فهو برغم التزامه ببعض الأمور إلا أنه ليس ملتزمًا بشكلٍ كافٍ ولكنه أومأ يجيبها بطاعة شاعرًا بشيءٍ من الراحة الجديدة على حياته :
- نعم أكيد .
أومأت له فابتسم وخلع جاكيته يلقيه على المقعد ثم تحرك نحو الحمام ولم يلحظ ما وقع من جيب جاكيته بالقرب منها .
دلف وأغلق الباب خلفه بينما هي خطت خطوة فلاحظت أسفل قدميها هذا الشيء لتنحني تلتقطه بين يديها وتطالعه بتعجب دام للحظات قبل أن تتسع عينيها بصدمة ، هل أحضر معه أقراص منع للحمل ؟
دقائق مرت حتى خرج يجفف يداه ويتجه نحو غرفة الملابس ينتشل منها تي شيرتًا وسروالًا ويبدلهما سريعًا ثم يعود إليها .
وجدها تجلس على المقعد الذي ترك عليه جاكيته فاتجه نحوها وجلس جوارها يردف متسائلًا حينما وجدها شاردة :
- ما بكِ يا سارة .
رفعت نظرها إليه تتعمق فيه ثم فتحت يدها ليرى شريط الأقراص مرتكزًا في كفها لذا توتر وزفر يطالعها وهي تتساءل بهدوءٍ :
- ما هذا يا سيف ؟ ، لمَ هو معك الآن ؟
أطرق رأسه قليلًا يرتب ما يود قوله ثم عاد يطالعها قائلًا وهو يهز كتفيه :
- لا أستطيع يا سارة ، لا أستطيع أن أخاطر بكِ ، لن أحتمل هذا الشيء ، أرجوكِ أفهميني .
هي تحاول ، تحاول فهمه ولكن عجز عقلها عن ذلك لذا تحدثت باستهزاء وهي تلوح بالشريط بيدها :
- وهل هذا هو ما سيحميني من الموت ؟ ، هل تصدق ما تقوله يا سيف ؟
أطرق رأسه بعجزٍ فهو حتى وإن لم يصدق ولكن هناك حقيقة واقعية تصيب عائلته والتاريخ خير دليل وعليه أن يأخذ حذره لذا زفر بقوة وعاد يطالعها قائلًا بتروٍ :
- الأمر ليس هكذا يا سارة ، ولكن أخبرتكِ أن هذه لعنة تصيب عائلتي .
ضحكت بخفوت وألم لتتابع بعقلٍ مستنكرٍ :
- سيف توقف أرجوك ، سمعت قصتك وقدرت حالتك ولكن أنت مخطئ تمامًا ، يجب أن تدرك أننا مسلمين نسلم الأمر كله لله ، نحن لا نؤمن بأي لعنة ، نحن نؤمن فقط بالقضاء الواقع لا محالة وبالقدر الذي يمكن تغييره بالدعاء ، وأما عن اللعنة فهذه عمل شيطاني ليس إلا ، أرجوك يا سيف إياك أن تصدق هذا الأمر .
نظر لها بعمق وابتلع غصة حلقه المرة وبات في تشتتٍ وصراعٍ وخوفٍ ولم يعد يعلم أي قرارٍ يتخذه ولكنه يخشى هذه التجربة معها ، يخشاها ويخشى عواقبها بشدة .
حينما طال صمته توغلتها قوة اندفاعية لذا امتدت يدها تتناول كفه ثم قامت بوضع الأقراص به قائلة بتصميم قاطع :
- أنا لن أتناول هذه الأقراص أبدًا يا سيف ، أنت طلبت مني زواجًا رسميًا وأنا الآن أطلب منك زواجًا حقيقيًا بكل تفاصيله ، ما تفعله ذنبًا كبيرًا لن أشارك فيه
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ربما لم تنل من دنياك سوى حبًا صادقًا لذا حافظ عليه بكل ما أوتيت من قوة .
نظر للشريط في كفه وأصبح حائرًا خائفًا ضائعًا بين أمواج التفكير .
هل يترك هذا الأمر خلفه ويسمع لها ويتوكل على الله متجاهلًا كل مخاوفه
أم يحاول إقناعها مجددًا ليكون أكثر طمأنينة وراحة ؟ ، زفر وعاد يطالعها قائلًا بنبرة تحمل الترجي والقلق :
- سارة أعلم أنكِ محقة ولكن أرجوكِ ضعي نفسك مكاني ، أنا لا أستطيع المجازفة ، أخشى العواقب يا سارة ، إلّا أنتِ صدقيني لا يمكنني .
تعمقت في عينيه فوجدته يعاني حقًا لذا مدت يديها تتمسك بكفيه وتحدثت بنبرة لينة حكيمة تبث بها الطمأنينة إلى قلبه الخائف :
- سيف هيا حبيبي لا تفسد بدايتنا ، دعنا الآن نصلي سويًا ثم أسجد له وادعُ بكل ما تريده ، أدعوه وسيستجيب واعلم أن الدعاء يرد القدر ويريح القلب .
نبرتها ولمستها سحقتا مقاومته ليجد نفسه يومئ فابتسمت تنهض ثم سحبته ليقف وتحدثت وهي تنظر له بحنانٍ بالغٍ كأنها أمه :
- توكل على الله يا سيف ، أترك الأمر لله ، ثِق به ولا تخف .
ابتسم لها ثم سحبها يقبل جبهتها ثم عاد يطالعها قائلًا بلطفٍ لتندثر مخاوفه شيئًا فشيئًا :
- هيا ألبسي إسدالكِ لنبدأ .
أسرعت تخطو نحو غرفة الملابس لترتدي إسدالها ثم عادت إليه بعد دقيقة لتجده يقف عند سجادة الصلاة ينتظرها .
وقفت على بعد خطوة من ظهره ليتنفس بقوة ويبدأ في تأدية ركعتين سنة الزواج .
❈-❈-❈
بعد عدة دقائق
جلس بعد أن انتهى شاعرًا بالراحة التي لم يشعر مثلها من قبل .
سقطت مخاوفه وهمومه مع سجوده واكتسب السكينة .
وجدها تربت على ظهره وتطالعه بتساؤل قائلة :
- كيف تشعر الآن .
التفت لها يحدق بها بتمعن شاردًا ، يفكر هل حقًا يا سارة ستتغير الأقدار معكِ ، هل حقًا ستختفي مخاوفي ؟
مد لها يده فناولته كفها لذا توقف لتتبعه وتقف أمامه بترقب حيث بدأت نبضات قلبها تنبض بصخب وتخلت عنها فصاحتها لتقف أمامه خجلة بوجنتين تشعان تحمرارًا وهي ترى نظراته عليها .
تحركت يداه نحو إسدالها يجردها منه فتوقفت عن التنفس للحظاتٍ وشعرت بقلبها يتضخم واجتاحتها مشاعر الرهبة لذا حاولت إيقافه قائلة بتلعثم ويديها تصدانه بوهن :
- سـ ، سيـ ، سيف ، د دعنا تناول الطعام أولًا .
استطاع تجريدها من إسدالها بينما هي تتحدث ليلقيه أرضًا ثم أحاط ذراعيه حول خصرها وسحبها لتلتصق به قائلًا وهو ينحني نحو رقبتها ليجد متاعه في رحل عنقها ورائحتها فيغمض عينيه مستمتعًا ليقول بتأثرٍ وهمس :
- لنتذوق الحب أولًا .
لم يمهلها حق الاعتراض أو التحدث بل هجم على شفتيها يقبلهما بنهمٍ وجوعٍ وعطش وقد سقطت كل مخاوفه ليقذفها في ركن الزاوية ويعيش معها الآن الحب فقط .
الحب الذي يشعر به للمرة الأولى ، الحب الذي يتذوقه من قبلاتها ولمساتها .
باتت مستسلمة بل فقدت السيطرة على سائر جسدها الذي ينجرف خلف أفعاله طواعيةً .
ليسقيها من نهر العشق ألذ شَربة وليرتشف من نفس النهر شربةً لم يتذوق مثلها قط .
فحينما يجمتع الحب الحلال مع العلاقة الزوجية يبعثان في الروح سكينة وفي الوجدان متعة وفي الجسد لذة وفي الفؤاد نبضة خاصة باسم الحبيب فقط .
أصبح شغوفًا أكثر ، ملحًا أكثر ، يريد المزيد فلم يكتفِ ولن يكتفي من هذا النهر الذي وجد مجراه حديثًا ليأخذها في سطوة عشقٍ منفردة بهما فقط لتجد أنها تنتقل من مكانٍ إلى مكانٍ دون أن تشعر بالزمان وتكتشف أنها تتجرد من موانع الوصول دون أن تدرك وتتفاجأ بكمٍ هائلٍ من القبل موزعًا بإتقان أفقدها الاتزان ولمساتٍ ناعمةٍ تطوف بمهارة فوق أرضٍ غضة وخصبة ومتوردة وبالونًا ممتلئًا بالسعادة انفجر لتوهِ .
يتذوق حبًا كمسكين كافئوه بقطعة نادرة من الشوكولاتة وما إن استطعمها حتى بات يطالب بالمزيد فيأخذها فيسكر بها أكثر ثم يطلب أكثر فيأخذ فيعجز عن التوقف فيطلب المزيد فيأخذ حتى بات لا يمكنه تذوق غيرها أبدًا .
حزمة قبلات وضمة حنونة كانتا هما مكافأتها على تلك المشاعر وكأنه لم يقبلها أو يعانقها كل لحظة .
يبتسم برضا وسعادة سحقت كل مخاوفه ، يشعر بها منكمشة داخله ليعاود التبسم والضم والتقبيل .
مستكينة في كنفه والخجل مع المتعة يغمرانها لذا فهي ساكنة مغمضة العينين بهدوءٍ تام .
يحتويها بين ذراعيه كمن يخفي كنزًا ثمينًا عن العالم ، ليس بعد الآن ، لن يتركها ولن يحل وثاقه معها بل باتت هي ملاذه ومتعته وراحته وسكينته التي سيلجأ إليها دومًا .
ليناما بعدها نومةً هنيئة كما لم يناما من قبل .
❈-❈-❈
استيقظ شاعرًا بالسعادة والراحة يتنفس عشقًا ثم التفت ينظر نحو سارة التي تنام بعمقٍ .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
نهض يستند على ساعده ثم تعمق في ملامحها وابتسم وامتدت يداه تتحس وجهها وخصلاتها بحبٍ وعيونٍ هائمة في حبيبته وزوجته وروح فؤاده .
نزلت يده تتحسس ذراعها ثم بطنها ولكنه قطب جبينه حينما لاحظ انتفاخ بطنها بشكلٍ ملحوظ .
صدم مما رآه وللحظة ردد داخله كلمة واحدة فقط ( حامل ؟ )
تعجب مما يراه وتساءل كيف ومتى حدث ذلك ليتفاجأ ببقعة من الدماء تتسع من أسفلها لتتحول إلى بركة تغرق بها أمام عينيه الجاحظة وهو يحاول سحبها وإيقاظها ولكن صوته مكتومًا وجسده مقيدًا فبات لا يستطيع مساعدتها وهو يراها نائمة وشاحبة كأنها تفارق الحياة
ظل يحاول الصراخ دون جدوى وكأن أحدهم يقبض على عنقه ويكمم فمه ليتنفض فزعًا صارخًا باسمها :
- ســـــــــــــــــارة .
انتفضت على صرخته تطالعه بجحوظ لتجده يجلس مصدومًا متجمدًا يعاني من كابوسٍ متوحش لذا امتدت يدها تربت على كتفه قائلة بحنانٍ وطمأنينة :
- سيف حبيبي اهدأ أنا هنا .
التفت يطالعها بذعرٍ وأنفاسه تتسابق كماراثون للركض ليجدها أمامه تهدئه وتطالعه بترقب لذا أسرع يسحبها إليه ويضمها بقوة كادت أن تسحق عظامها ورأسه يهتز رافضًا ما رآه ويردد :
- لن يحدث ، لن يحدث هذا .
تعجبت ولكنها تركته يعانقها وحاولت أن تهدئه بيديها ونبرتها التي أتت هادئة :
- حبيبي اطمئن يبدو أنك رأيت كابوسًا مزعجًا .
ظل يعانقها ويبحث عن السكينة ولكن قلبه بات خائفًا ملتاعًا لذا تحدث بتشتتٍ وحزنٍ أصابه بعدما كانت هذه الليلة هي أسعد لياليه على الإطلاق :
- أخبرتكِ يا سارة ، قلت لكِ ، لم يكن علي فعل ذلك ، أنا أخطأت .
ماذا يقصد ؟ ، أي فعل ؟ ، هل يقصد ما حدث منذ قليل ؟ ، هل يهدم سعادتهما بهذا الشكل ؟
ابتعدت عنه تطالعه بتعجب متسائلة بترقب :
- كيف أخطأت يا سيف ؟ .
تعمق فيها بثقب ثم تحدث وهو يهز رأسه رفضًا لما رآه في كابوسه :
- لا أستطيع يا سارة ، هذا الكابوس تنبيهًا لي .
هزت رأسها برفضٍ قاطعٍ وتحدثت موبخة :
- لاااا ، سيف توقف ، هذا عمل شيطاني لا تنجرف خلفه ، أرجوك لا تثبط سعادتنا بكلمات غير متزنة .
نظر لها بعمق يفكر ويبتلع لعابه ، نعم كان أكثرهم سعادة ولم يكن هناك ما يضاهيه فرحةً ولكن كيف يكمل كأن شيئًا لم يحدث .
هز رأسه مرارًا وتكرارًا ثم قرر النهوض فلم يحتمل نظرة الحزن في عينيها ولم يستطع مواساتها لذا نهض يتحرك نحو الحمام وتركها تعاني ويلات أفكاره .
❈-❈-❈
صباحًا .
اغتسلت وأدت روتينها وتحركت للخارج لتراه فهو منذ ما حدث ليلًا وقد تهرب بحجة الأعمال التي سينهيها في المكتب .
خطت نحو غرفة الصغير لتراه فتفاجئت به يحمله ويخطو مربتًا على ظهره بعدما أطعمه .
اتجهت له فرآها ولكنه لم يستطع التحديق بها بل صفوه معكر تمامًا لذا تنهد حينما اقتربت منه ثم ارتفعت قليلًا تقبل الصغير وتبتسم له ثم التفتت تطالعه وتحدثت بترقب :
- كيف حالك الآن ؟
- بخير .
نطقها وهو يتجنب النظر إليها بينما الصغير أشار بيده نحو سارة لتلتقطه فناولها سيف إياه فباتت تناغشه وتضحك معه ليسترق النظر إليها ، يطالعها بنظراتٍ محبٍ حزين ليتفاجأ بها تبادله النظرات لذا أبعد عينيه عنها وتحدث وهو ينظر لصغيره مجددًا :
- لدي اجتماعًا هامًا في الشركة ، يجب أن أذهب الآن .
قالها وتحرك بعدها وتركها تلتفت وتطالع أثره بتنهيدة مختنقة وصدرٍ ضيق من تجاهله لها ، هل هذا هو الحب الذي كانت تنتظر رؤيته في عينيه صباحًا ، هل هذا هو الدلال الذي سيغرقها فيه بعد ليلتهما الأولى معًا ، هل هذه صباحيتها ؟
تجهمت ملامحها بعدها اجتاحتها مشاعر سيئة لذا باتت تتنفس بقوة كي تهدأ وقررت ألا تخبر أحدًا عن شيءٍ حتى تتحدث معه أولًا .
ناغشها الصغير وكأنه أدرك حزنها وأراد التخفيف عنها لتنظر له فيبتسم ليجعلها تبتسم له عنوةً وتحاول أن تلهي عقلها معه قليلًا .
❈-❈-❈
أتى المساء ولم يهاتفها طوال اليوم وحتى أنه لم يأتِ للغداء كعادته .
علمت سعاد بشيء ما حينما رأت ملامح ابنتها لذا سألتها عما بها فأخبرتها سارة بهدوءٍ أنها ستتحدث مع سيف أولًا ثم ستخبرها وبرغم رضوخ سعاد لذلك إلا أنها وجدت تصرفات سيف في هذا اليوم غريبة وغير مقبولة .
كانت تجلس على المقعد في الجناح بعدما أخذت حمامًا ترتدي مئزرًا وتدلك كعبها بمرطب القدمين ولكن عقلها سابحًا للبعيد .
أجفلت حينما وجدته يدلف الغرفة ليتوقف ثوانٍ حينما رآها ولمحته يتنفس بقوة زادت من تضخم عضلاته كأنه يستدعي الثبات لذا تحدث وهو يجبر نفسه على الالتفات :
- مساء الخير يا سارة .
وضعت المرطب على مرآة الزينة ونهضت تطالعه بضيق ولكنها تحدثت بهدوء :
- مساء الخير .
تحمحم ثم تحرك نحو غرفة الملابس تحت أنظارها المتعجبة ليغيب عن أنظارها لذا لم تحتمل كم هذا التجاهل وقررت التحدث معه .
توجهت خلفه لتتفاجأ به ينتشل حقيبة سفرٍ صغيرة ويضعها على الطاولة الموجودة في المنتصف ويفتحها لتجحظ وتقترب حتى باتت أمامه متساءلة بشكٍ وهي تميل برأسها قليلًا :
- ما هذا ؟
تعالت وتيرة أنفاسها وهي تنتظر رده وتحدق به وتعالت وتيرة أنفاسه وهو يستجمع طاقته ويحدق بها ليردف بأسفٍ ظاهر في عينيه :
- هناك سفرٌ مفاجئ خاصًا بالعمل ، يجب أن أسافر بعد ساعة .
جحظت تطالعه بصدمة لثوانٍ قبل أن تتحدث وقلبها ينبض غضبًا :
- أنت تمزح أليس كذلك ؟
لم يحتمل نظرة الخذلان في عينيها لذا أبعد نظره يلتفت لتتابع بحدة وهي تلف وجهه إليها بيدها :
- أنظر إلي يا سيف وتحدث ، ماذا تفعل بنا ؟
تحدث بمراوغة تنطق عيناه عكسها :
- لا شيء يا سارة فقط صفقة عمل سأقضيها وأعود على الفور .
جن جنونها وهي تراه يهرب كما كان يفعل في السابق لذا امتدت يدها تنزع الحقيبة وتلقيها أرضًا بعنف قائلة بحدة :
- لن تسافر ، لن تهرب مجددًا كما كنت تفعل مسبقًا ، لن تهرب يا سيف وستواجهني وإلا سينتهي كل شيء بيننا قبل أن يبدأ .
وقف أمام سطوة غضبها عاجزًا وهي تعريه أمام حقيقته ، هو بالفعل اعتاد الهرب من مخاوفه ، كلما شعر بالخوف يهرب بحجة السفر ولكن ليس بعد عشقها وما زاده صدمةً هي جملتها الأخيرة التي أنطقته ليردف بألمٍ وخوف :
- سارة أفهميني أرجوكِ ، أنا أحاول حقًا ، أنا معكِ أحاول ولكن دعيني أختلي بنفسي قليلًا ، أعدك سأعود أفضل .
نظرت له بتصميم وتحدثت بقوة وهي على وشك البكاء :
- أنا لستُ بخير ، أنت تحول أسعد لحظاتي إلى أسوأها ، تركتني مع أفكاري وأهملتني طوال اليوم ، والآن تخبرني أنك تريد أن تختلي بنفسك ؟، لا تجعلني أندم يا سيف أنا إلى الآن أحاول تفهم ما تمر به .
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
أطرق رأسه ولم يحتمل نظرتها وكلماتها ولم يجد حديثًا يقوله فهي محقة ، محقة في كل حرفٍ تنطقه .
أما هي حينما وجدته صامتًا مطرقًا رأسه تحدثت بنبرة جادة تحمل بين طياتها الكثير من الحزن والأسف :
- حسنًا القرار لك ، إما أن تصلح ما أفسدته طوال اليوم أو تفسد ما عشناه أمس .
مدت يدها تنتزع ملابس خاصة بها ثم تحركت بخطوات متعثرة نحو الخارج ودلفت الحمام تصفع بابه وتتركه يقف كما هو يفكر ويفكر .
خرجت بعد دقائق مرتدية منامتها ثم أرادت أن تعطيه فرصة وألا تشارك أحدًا ما يحدث بينهما لذا بدلًا من خروجها من الجناح الذي كانت تقرره منذ دقائق اتجهت إلى السرير الخاص بهما وتمددت عليه تدثر نفسها بالغطاء وتدعي النوم .
تخفي وجهها الباكي وتترقب السمع جيدًا حيث هناك أصوات عبث صادرة منه ليتهاوى قلبها خوفًا من احتمالية تجهيزه للحقيبة حقًا وسفره ، ستكون بالفعل صدمة حياتها .
عم الصمت في الغرفة ثم استمعت إلى صوت الباب يغلق فشعرت بصدرها يضيق ذرعًا ولكن لحظة هذا الصوت ليس من باب الغرفة ولكنه من باب الحمام لذا ظلت على وضعها أسفل الغطاء تنتظر قبل أن تقرر .
دقيقة ، اثنتان ، ثلاثة .
فتح الباب مجددًا وما هي إلا ثوانٍ حتى شعرت بثقله وهو يتمدد بجوارها ثم يزيح الغطاء لينسدل فيها ويعانقها ليصبح ظهرها مقابل صدره ثم دفن رأسه في عنقها يغمض عينيه ويردف بهمسٍ وقلبٍ ملتاع باحثًا عن الطمأنينة :
- أنا آسف يا سارة ، صدقيني ما عشته معكِ أمس لا يمكنني وصفه ، أنتِ الجنة التي كنت أسعى لأصل إليها ، لم أرد إحزانكِ أبدًا لذا كنت سأبتعد لأفكر ولكن يبدو أن خوفي أنساني أنكِ سارة ، أنا آسف حقًا .
التفتت له تقابله فوجدته يفتح عينيه ويبادلها النظرات لذا تحدثت بهدوء مغلف بالجدية والثبات برغم تأثرها بحالته وحيرته :
- اسمعني يا سيف ، مهما كان ما رأيته أمس في منامك فتأكد أنه مخاوفك تتجسد بسبب تفكيرك بها ، عقلك الباطن يوهمك بأشياءٍ ليس لها أساس من الصحة ، أنت فقط تحتاج أن تعزز إيمانك بالله أكثر ، ثق في الله أكثر وأكثر يا حبيبي ، أعلم بأنك رجلٌ نبيل وما يراودك هي مخاوف سنتغلب عليها يا سيف ، سنتغلب سويًا ونحن نتشابك معًا لذا إياك والهروب مجددًا ، ليس معي سيف أنا لا أحب الهروب من المخاوف .
تعمق فيها جيدًا وأدرك أن هذه هي المرأة التي كان بحاجتها في حياته ، هي القوة الناعمة التي ستصلح كل شيء .
مد يده يسحب رأسها ويقبلها ثم أدخلها فيه يعانقها ويتنهد بصمتٍ لتعلم أنه الآن يحاول تجاوز أفكاره المزعجة ، يتصارع معها في حلبة عقله والبقاء سيكون للواثق في أمر الله .
لم تحاول أن تضغط عليه بل دست نفسها في عناقه وحاوطته بذراعيها لتنام وتعطي له وقتًا يريده .
❈-❈-❈
مرت الأيام وهو يمنع نفسه بطاقة قصوى من الاقتراب منها .
سردت على والدتها ما حدث لتحاول سعاد بعقلها وحكمتها تفهم وضعه وتنصح ابنتها بالصبر عليه خاصة وأنه رضخ طواعيةً لحبها وبات لابنتها سطوة على قلب ذلك الرجل .
نصحتها أيضًا أن تستغل أنوثتها لتوقعه في شباك الأمل ولتثبت له أن لعنته ليس لها أساسًا من الصحة .
في بادئ الأمر كانت سارة تخجل من استعمال هذا السلاح ولكن بعدما اعتادت عليه وباتت تنام في حضنه كل ليلة قررت خوض هذه التجربة بتوترٍ وقلق .
انتقت ثوبًا جريئًا لونًا وتفصيلًا ولكنها عزمت أمرها ألا تتراجع .
ارتدته وتهيأت تضع زينتها وعطرها ثم ارتدت فوقه مئزرًا طويلًا بأكمام حتى تفاجأه .
وقفت تطالع هيئتها في المرآة برضا وترقب وتوتر ولكنها تتمنى أن يأخذها لتجربةٍ تنسيهما ما عاشاه في الأيام المنقضية .
عاد من عمله يتجه نحو غرفة سعاد ليرى صغيره وما إن رآه واطمأن عليه حتى ودع سعاد وصعد إلى جناحه .
كانت تجلس على مقعدٍ جانبي مريح تقرأ كتابًا وتنتظره .
فتح الباب ودلف ليجدها تجلس تتمسك بالكتاب لذا ابتسم لها بحبٍ فبادلته الابتسامة ولم تتحرك من مكانها بل ظلت كما هي فاتجه لها ثم انحنى يقبل جبينها واعتدل يتساءل بهدوءٍ :
- ماذا تقرئين ؟
لفت له الكتاب ليقرأ عنوانه وتعمقت في عينيه قائلة بمغزى :
- قواعد الحب الأربعين .
ابتسم وغمزها بطرف عينيه قائلًا بمساكشة :
- ولكن هذا العدد معكِ يتضاعف .
ابتسمت برضا وعادت تنظر نحو الكتاب لتتابع قراءته واتجه هو يبدل ثيابه ويغسل ويعود إليها .
عاد بعد دقائق يرتدي تي شيرت رياضي أظهر عضلات ذراعيه وكتفيه وسروالٍ طويل ليجدها منشغلة في القراءة فتحدث بترقب وهو يقف بالقرب منها :
- في أي قاعدة أنتِ الآن ؟
رفعت نظراتها إليه ثم تركت الكتاب جانبًا ونهضت تتجه إليه لتقف قبالته ثم حاوطت رقبته بذراعيها وتعمقت في عينيه التي وجدت بهما رغبة يجاهد ليلجمها ولكن تلك المليحة لم ترحم جسده بل تمسكت باللجام لتدير السباق وهي تقول بنبرة هامسة بالقرب من شفتيه :
- في القاعدة الثلاثين ، التي تقول أن القبلة مهمة في علاقة الزوج بزوجته لأنها تحقق لهما المتعة الحلال وتوصلهما إلى العفاف وهو مقصد شرعي .
اندلعت النيران في جسده وانحبست أنفاسه فبات وكأنه يتنفس من ثقب إبرة ولكنها لم ترحمه بل تابعت وهي تتعمق في عينيه وتوترها يزداد ولكن حماسها ورغبتها كانا في زيادة أكبر :
- وأيضًا هناك القاعدة التي تسبقها والتي تنص بأن العناق يعزِّز الثقة بين الزوجين وهو نوعًا جميلًا من المداعبة كما أن المختصين في العلاقات الزوجية ينصحون الزوجين به لحل المشاكل بينهما .
لم يعد يحتمل أكثر ، هو بالأساس يتقلب على جمرٍ ملتهبٍ منذ أيام لذا فلتذهب اللعنة للجحيم ولينعم بحلاله .
رفع كفيه يحاوط رأسها ثم انحنى مقبلًا إياها تلك القبلة التي تحتاجها بل كان سخيًا وأعطاها عددًا لا يحصى من القبل الرومانسية التي بالفعل حققت لهما المتعة كما قالت لذا بات يتنقل من مكانٍ إلى آخر كأنه رحالٌ يبحث عن المزيد من المتع .
امتدت يداه تحل وثاق مئزرها وينزعه ليتفاجأ بمَ ترتديه وسط حزمة مشاعره لذا التهبت أنفاسه أكثر وحاوط خصرها بذراعيه يضمها ليعطيها القاعدة التاسعة والعشرون ويعانقها عناقًا شغوفًا متلهفًا لتتعزز الثقة بينهما وتبدأ المداعبة كما وضح النص وبعدها لم يعد أيًا منهما يعلم أين هو .
تجربة ثانية يعيشانها بشغفٍ وعشقٍ ولتكن هذه الثانية والتي من بعدها سوف تتبخر المخاوف وتحل اللعنة عن رأسه وحياته .
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
بعد أسبوع
التزم فيه سيف بالصلاة وتقرب إلى ربه أكثر حتى اندثرت مخاوفه بالفعل واستطاع أن يعيش من حياته أسبوعًا لم يعشه من قبل .
أسبوعًا من الشغف والمتعة والراحة ، لم ترحم سارة قلبه حيث هجمت عليه بسلام ضحكاتها ورقتها وشموخها وأبسط حركاتها .
يشعر بأنه يعيش معها حياة كان يخاف تمنيها .
ابنه نوح ووالدتها سعاد وهي ، عائلة صغيرة احتوته كليًا بعد يتمٍ رسم الحزن في حياته لتتورد وتنتعش من جديد .
أخذ هذا الأسبوع أجازة من العمل ليقضيه معها ، لم يكن يريد مغادرة جناحه أبدًا ولكنه يضطر لذلك ليرى صغيره وحتى لا تفضحه مشاعره التي ولدت حديثًا مع دخول سارة إلى قلبه .
أصبح متيمًا بها ، بل بات يخاف من هذا التّتَيُّم وقوة الحب .
فحينما يعيش الإنسان حياة باردة ويعتاد على الصقيع من حوله ويهيء حياته ليكمل ببروده متجاهلًا أحلامه الدافئة ثم يجد فجأةً الربيع قد جاء ليذيب صقيع قلبه وينعش جسده ويزهر مشاعره ويسعد كما لم يسعد من قبل ،،، من المؤكد سيخاف ، سيخاف من عودة الجليد مرةً أخرى وسيسعى بطرقٍ شتى بأن يحافظ على ربيعه .
أما هي فباتت أكثرهن سعادة وحما.سًا وحيوية ، لم تكن تتوقع أن تحب شخصًا بالقدر الذي أحبت سيف به ، وسيف بالتحديد لم تكن تظن أنها ستراه رجلًا مختلفًا .
حنونًا مراعيًا لينًا وحكيمًا يحبها بل يغمرها بعشقٍ جديد .
لتشعر بأنها مدللة ، مشبعة بالحب والاهتمام ، متوردة ومتجددة لتصبح كل يومٍ بحالة حبٍ جديدة .
لم تبخل عليه بمشاعرها وهذا لأنه كان كريمًا أولًا .
تراها سعاد أمامها بهذا الحماس والشغف وتراه بهيئة جديدة وابتسامات وليدة فترفع يدها وتدعي لهما بكل خير .
حتى أن الصغير بات في حالة ملحوظة من السعادة فيبدو أن سعادة الجميع عادت عليه
ها هي تقف في المطبخ تعد وصفة من الشوكولاتة لمتابعيها في بثٍ مباشرٍ بعدما طلبن منها أن تطمئنهن عنها بعد غيابٍ طال بسبب إصابتها وما إن تخلت عن تجبيرة ذراعها حتى عادت .
كانت ترتدي نقابها وخلفها يصدح صوت التواشيح الخاصة بالشيخ النقشبندي وهي مندمجة في وضع الأطعمة والحشوات بعدما نام الصغير .
اليوم ذهب سيف إلى العمل لذا فهي تعمل بأريحية واندماج .
ولكنه لم يحتمل البعد عنها لفترة طويلة لذا عاد سريعًا على غير عادة ودلف يبحث عنها وحينما سمع صوت التواشيح من المطبخ تتبعه ليجدها تقف بنقابها تعد الشوكولاتة فتعجب وتقدم منها وهو يلاحظ الهاتف وظنها تسجل مقطعًا ولم يعلم أنها في بثٍ مباشر ومن بين اندماجها وجدته يعانقها من ظهرها مردفًا بحبٍ :
- هل تسجلين ؟
جحظت وأسرعت تمد يدها تغلق الهاتف ثم التفتت إليه شاهقة وتحدثت بصدمة :
- سيف ماذا فعلت أنا كنت في بثٍ مباشر .
قطب جبينه ثم تساءل بينما هي أسرعت تلتقط الهاتف لترى :
- أيعني هذا أن عناقي لكِ ظهر لمتابعينك ؟
عبثت به لتزفر بتنهيدة متوترة حينما وجدتهن بالفعل تتابعن البث وترسلن التعليقات الهائمة والرومانسية في حب عناق زوج سارة ومشاعره لها لتقول ببعض الضيق :
- نعم يا سيف ظهر ، سأحذف البث حالًا .
أسرعت تحذفه بالفعل قبل أن ينتشر أكثر ولم تكن تعلم أن هناك شخصًا آخر يتابعه ، شخصًا لم يفوت لها مقطعًا قط وبعدما رأى هذا العناق شعر بالحقد يتضخم في جسده وعقله ، شعر بالنيران تتوغله وهو يفكر أنه لولا سيف وذلك الطفل كانت سارة ستصبح معه وبين يديه هو .
كان يتمسك بلفافة تبغٍ يدخنها بقوة ساحبًا محتواها ولم يكتفِ بها بل أسرع يدس يده في جيبه ويخرج شريط أقراص ينتزع منه قرصًا ويلوكه في فمه لعله ينتشله من هذا الواقع وإلا لا يعلم ماذا سيفعل ولكن ثوانٍ فقط حتى قتمت عيناه والتقط هاتفه وطلب رقم عامل ممن يعملون لديه ليجيب الآخر مترقبًا فيتحدث علي بنظرة شاردة متوعدة :
- استعد يا حمّاد كي تقوم بمهمة وستحصل على كل ما تريده ، فقد أريدك أن تضع عينيك على شخصٍ ما وتخبرني بالمفيد .
❈-❈-❈
أما سارة فبعد أن حذفت الفيديو أسرعت تنزع نقابها وحجابها وتحدق ب سيف الذي وقف ينتظرها لتبتسم له وتتجه تعانق كتفيه قائلة بلومٍ لذيذ :
- هل يجوز ما فعلته يا ابن الدويري ، من المؤكد تعلم أنني أُصوّر .
حاوط خصرها برغم ضيقه من الظهور الغير مقصود لعناقهما بينما تنفس يقول بتروٍ :
- ظننتكِ تسجلين وقلت أفاجئكِ وستحذفين هذا الجزء لم أكن أعلم أنه بث مباشر ، هل رآه الكثير ؟
مطت شفتيها تقول بصدقٍ وترقب :
- لنقل أنهن حوالي أربعةُ آلاف متابعة كنّ معي على البث ، حسنًا حدث ما حدث وحذفته والآن أخبرني لمَ عدت مبكرًا ؟
حدق فيها وهو يسحبها إليه أكثر ثم قال وعيناه تجول فوق ملامحها :
- اشتقت لكِ ، وجئت لآخذكِ في جولة بمَ أنكِ تخليتِ عن التجبيرة ، ما رأيكِ أن نذهب لنرى رشيدة ؟
شهقت بسعادة جعلتها تسرع في ضمه وتقبيل رقبته قائلة بنبرة طفولية متحمسة بعدما قبلته وابتعد :
- بالطبع هيا بنا .
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ابتسم عليها ثم سحبها معه نحو غرفتهما بالرغم من أنها لم تكمل وصفاتها بعد ولكن الشوكولاتة لن تذوب حتى وإن ذابت ستصبح ألذ لذا ستذهب وتعود لها .
❈-❈-❈
في منزل علي
دلف يلقي السلام على والدته التي كانت تجلس وتتحدث مع ابنتها عما تشعر بها من تغيرات في وضع ابنها .
أغلقت معها حينما جاء ونظرت له وهو يجلس جوارها ثم تحدثت :
- وعليكم السلام يا ابني ، حدث شيء ؟
هز منكبيه يطالعها قاطبًا جبينه يجيبها باستفهام :
- لا شيء ، لمَ تسألين ؟
- لأنك على غير عادتك منذ عدة أيام ، علي إياك يا علي .
احتدت نظرته وتحدث بانزعاج وهو يلوح بيده :
- أمي أنا على آخري لا تتحدثين بكلامٍ خاطئ .
نظرت له بثقب وتحدثت بلا مبالاة لحالته :
- ولمَ تبيع خيولك وتهمل مصلحتك ؟ ، حتى ملامحك تغيرت ، أقسم يا علي إن فعلتها سأختفي ولن تعلم مكاني .
كانت تقصد عودته للمخدرات لذا نظر لها ونهشه الخوف فهو يعلم جيدًا عواقب فعلته ويعلم ما كانت تعانيه والدته معه ، يعلم إنّ عودته ستكون مدمرة لها لذا تحدث وهو ينهض ليهرب من مواجهتها :
- أنا سأغادر ، يبدو أن شقيقتاي دستا السموم في عقلكِ تجاهي .
غادر وتركها تعاني ويلات عودته للمخدرات ، عليها أن توقفه بأي شكلٍ كان لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تراه يدمر نفسه مجددًا .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
صف سيف سيارته وترجل هو وسارة في مكانٍ هادئ قريبًا من الأهرامات .
ابتسمت بسعادة حينما لمحت رشيدة تقف مع أحدهم تتروض منتظرة وصول سارة إليها .
أسرعت تخطو نحوها حتى وصلت وباتت تدلكها مرحبةً بها على طريقتها والفرسة تود لو تعانقها .
وصل سيف إليها وبات هو الآخر يدلك رقبة رشيدة فتقبلته بهدوءٍ فيبدو أنه محل ثقةٍ نسبةً لوثوق سارة به .
نظرت سارة نحو سيف وتحدث بنبرة لطيفة :
- أحتاج لأخذها في جولة سريعة .
أومأ لها فابتسمت له والتفتت مسرعة تصعد على ظهر فرستها أمامه بكل سهولة كما اعتادت ثم انحنت تقبلها ليبتعد السائس عن طريقها وتبدأ سارة رحلتها مع فرستها تحت أنظار سيف الذي يقف يحدق بها بعيون عاشقة .
كانت جولة ممتعة ، انتهت منها بعد عدة دقائق لتعود إلى سيف الذي وقف يطالعها بفخرٍ وإعجاب حتى وقفت أمامه فتحدث أمام عينيها :
- ماذا فعلتي بقلبي يا سارة ؟ ، أي مسرّة تلك التي أدخلتيها على روحي ؟
ابتسمت له من أسفل نقابها ولكن لمعة عيناها وانكماشها أكدت له ابتسامتها ليتنهد بعمق وتجيبه هي بنبرة هائمة يغلفها الهدوء :
- بل أنت يا سيف ، أنت من قلبت حياتي رأسًا على عقب ، أنت أثبت لي أن الحب لا يعرف المستحيل ، كنتُ أهرب منك ومن حبك ولكن في الحقيقة كان هروبي يجذبني إليك أكثر ، الآن أنا أقولها من كامل قلبي أنني أحبك ، أحبك أنت أولًا وأخيرًا .
سحبها يكافئها بعناقٍ لطيف مهذب إلى أن يعودا ثم سيبقى لكل مقامٍ مقال وليريها مكافئة تليق بحديثها الذي استقر في صميم قلبه وغزى روحه وكيانه .
لم يكن من الصعب نقل ما يحدث في مقطعٍ مصور إلى علي الذي ما إن رأى رشيدة معهما حتى جن جنونه .
لقد باعها لآخر حتى يحسرها عليها خاصة وأن الرجل الذي اشتراها أخبره أنه سيأخذها معه إلى خارج البلاد ولكن الواضح أنهم تلاعبوا به واشترى سيف رشيدة لتصبح ملك سارة .
طفح كيله ، أخذ منه حبيبته وفرسته وسعادته ، أخذ نصيبًا لم يكن له لذا عليه أن يدفع الثمن والثمن هنا لن يسترد إلا بالانتقام .
❈-❈-❈
بعد مرور شهر .
سافر سيف مضطرًا إلى خارج البلاد لإبرام صفقة سريعة والعودة بعدما وعد سارة ألا تطول رحلته عن يومين .
قررت سارة أن تخرج هي ووالدتها ونورا لتصطحب نوح في نزهة مرحة حيث أن الصغير لم يغادر المنزل منذ أن دخله .
صفت سيارتها أمام مدينة الألعاب وترجلت واتجهت تحمل الصغير من والدتها وتضعه في عربته ثم تحركت تدفعه أمامها وتوجهن جميعهن للداخل .
كان هناك زحامًا نسبةً لتوافد الزوار من جميع الأعمار على هذا المكان .
كان الصغير مستمتعًا بمَ يراه من حوله بالرغم من عدم إدراكه لماهية هذه الأشياء الملونة ولكنه كان في حالة سعادة وكذلك سارة التي توقفت أمام متجر الدمى تنتقي دمية مناسبة لنوح وتجاورها والدتها ونورا .
ناولت عربة الصغير لوالدتها ثم اعتدلت تبحث بعينيها عما يناسب الصغير لتشير إلى دمية قطنية ملمسها ناعم وخضراء بعينٍ واحدة .
ناولها البائع إياها فالتقطتها ثم انحنت تعرضها على الصغير وتسأله بحبٍ :
- ما رأيك يا نوح ؟ ، أتعرف ما اسمها ، هذه تدعى مارد وشوشني .
كانت تقولها وهي تناغشه فضحك الصغير يهجم على اللعبة بكلتا يديه فابتسمت ثم اعتدلت والتفتت تنظر مجددًا للدمى وتسأله عن بقية شخصيات الفيلم الكرتوني الذي تحبه لتجلبها للصغير ظاهرًا بينما لها في الخفية .
كانت سعاد تتمسك بالعربة وتتحدث مع نورا عن ابنتها الطفولية التي اعتادت شراء الدمى وكم كان والدها يغرقها بهذه الأشياء دومًا .
فجأة هجم بعض المارة على المتجر ليتعثروا محدثين فوضى بين سعاد ونورا اللاتان ابتعدتا حتى لا تلتصقان بهم حتى أنهما تحركتا لأقصى اليمين تنتظران سارة حتى تنتهي وتعود إليهما
ابتاعت سارة الدمى ودفعت حسابهم ثم التفتت تبحث بعينيها عن سعاد ونورا حتى وجدتهما لذا اتجهت إليهما تبتسم حتى وصلت وانحنت لترى الصغير فلم تجده لا هو ولا دميته .
ارتفعت تطالع والدتها بعيون جاحظة وتساءلت بنبرة مرتعبة :
- أين نــــــــوح ؟
نزلت سعاد بنظرها نحو العربة وصعقت حينما لم تجد الصغير فيها لتصرخ بفزغ وتتعالى صرخاتها منادية باسمه بينما سارة وقفت تدور حولها بعينين جاحظتين تبحث عن الصغير وللحظة هيأ لها عقلها احتمالية تحركه لتستنكر تمامًا احتمالية خطفه .
هزت رأسها بجنون وانطلقت منها صرخة تناديه وسط تجمع الناس :
- نـــــــــــــــــــوح .
تساءل المارة وتجمهر الناس حولهن بينما هي أسرعت تطوف بين الجموع بغير هدى وتناديه بنشيجٍ حاد ليوقفها أحدهم قائلًا بتريث :
- اهدئي يا مدام حالًا سنفحص تسجيلات المراقبة .
تعلقت به تومئ مرارًا بجنون وقد هجمت عليها أسوأ الاحتمالات لتسرع معه نحو غرفة المراقبة بينما تحركت سعاد مع رجل أمنٍ تبحث بقلبٍ منفطر وبكاءٍ حاد وكذلك نورا تحركت مع رجلٍ آخر تبحث أيضًا وسط الزحام ولكن دون جدوى .
وقفت تتمعن في التسجيلات التي أظهرت هجومًا متعمدًا لعدة أفراد يفرقون بينها وبين سعاد ونورا وفجأة جاء رجلًا يرتدي كابًا ويخفي ملامحه عن الكاميرا ثم انتشل الصغير واختفى مسرعًا قبل أن ينفض الزحام .
تهاوى قلبها وهي تراه يُخطف من قبل رجلٍ غامض لتشعر أنها ستغيب عن الوعي ولكن ليس أوانه لذا تحاملت بصعوبة ونظرت للأمن تستنجد به قائلة بوهن بعدما ضاق صدرها والتوت أحشاءها :
- أرجوك جدهُ لي أرجوك .
هدأها الرجل وأسرع يتحدث مع الشرطة ليتم التحقيق سريعًا في الأمر بينما رن هاتفها فالتقطته لترى اسم حبيبها .
وقفت تطالعه بأنفاسٍ شبه معدومة ثم أجابت قائلة بضياع استحوذ على عقلها وقلبها :
- نوح خُطف يا سيف .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
❈-❈-❈
بعد ساعتين في مركز الشرطة
تجلس هي ووالدتها ونورا .
ثلاثتهن في حالة حزنٍ ولكن أكثرهن حزنًا وضياعًا وقلبًا متفحمًا هي سارة ، تجاهد لتتغلب على سوء أفكارها فلم تعد تحتمل سيناريوهات عقلها .
ستجن إن أصابه مكروه ، لمَ خطفوه ؟ ، هل هم أعداء سيف أم لصوص يريدون فدية أم ماذا ؟ ، لِم ابنها تحديدًا ، لِم يتلوى قلبها وتعيش هذه الحرقة المؤلمة ؟
كانت منهارة تمامًا ولكنها تتحامل كي لا تفقد الوعي ، ليس وقته الآن لتجده وتعانقه أولًا .
دلف سيف بخطوات اندفاعية نحوهن يردف بنبرة غاضبة جافة :
- أين ابني ، كيف حدث ذلك ؟
كانت سارة مطرقة الرأس تضعه بين كفيها وبرغم أنها تتمنى وجوده إلا أن ذلك لم يظهر عليها حيث ظلت على حالتها بينما توقفت سعاد تطالعه ببكاءٍ حاد وتقول :
- اهدأ يا بني سيجدوه ، لا أعلم كيف حدث ذلك .
نظر لهن شزرًا ثم تحرك نحو الشرطي يطلب رؤية المحقق فدلف فأخبره الشرطي أن ينتظر قليلًا إلى أن يغادر من في الداخل .
وقف مشدوهًا يطالعهن بغضبٍ لم يستطع لجمه لذا عاد يقف أمامهن وتساءل بتجهم :
- كيف حدث ذلك ؟
ما زالت سارة كما هي على وضعها بينما تحدثت سعاد تشرح له ببكاء :
- أخذناه إلى مدينة الألعاب لنرفه عنه ولكن في لمح البصر لم نجده في عربته .
- كيف لم تجدوه في عربته ؟
نطقها باستنكار وقسوة لتومئ سارة مؤيدة نبرة اللوم في حديثه فهي الملامة بالفعل ولن تغفر لنفسها ما حدث أبدًا بينما تحدثت سعاد بانفطار :
- صدقني هذا ما حدث ، الكاميرات أظهرت شخصًا قام باختطافه من بين الزحام ، ربمَا كان هذا عدوًا لك ؟
باغتها بنظرات حارقة ثم التفت للجهة الأخرى حتى لا يغضب ليعود مجددًا ينظر نحو سارة التي لا حول لها ولا قوة ليشعر بمَ تشعر به ويتألم لألمها بجانب ألم فقدانه لطفله ولكنه لم يستطع منع نفسه من قول :
- كيف تخرجين بالصغير دون أذني ؟
لم تنظر له ولم ترفع رأسها بل تبكي بنحيب وتشعر أن عقلها سيتوقف والصداع هجم عليها من كل حدبٍ وصوب ليتابع بنبرة عنيفة من صمتها الذي يؤلمه أكثر :
- أجيبيني يا سارة .
رفعت نظراتها إليه تطالعه بتشتت وضياع وأسرعت تتمسك برأسها بكلتا يديها وتجيبه بهمسٍ وبكاء حاد :
- أنا آسفة ، فعلتها من أجله ، أرجوكم ردوا إليّ نــــــــوح وبعدها عاقبوني ولكن ردوه إليّ أولًا .
لم يحتمل انهيارها ولا حطام روحها لذا تغلبت عاطفته وحبه على قسوته ولومه وأسرع يسحبها إليه ويعانقها عناقًا هي في أمس الحاجة له ويداه تربت على ظهرها قائلًا بنبرة مطمئنة برغم كل مخاوفه وظنونه :
- حسنًا اهدئي ، أعدك سنجده ونعيده .
ناداهم الشرطي يطلب منهم الدخول إلى المحقق الذي يريدهم لذا أسرعوا جميعهم إلى الداخل ليطالعهم المحقق وخاصة سيف الذي عرّف عن نفسه فعامله الآخر باحترام وجلس سيف بعدما أجلس سارة التي كانت في حالة من التيه والضياع بينما تساءل سيف بترقب :
- هل علمتم شيئًا ؟
أومأ المحقق وتحدث وهو يشبك كفيه :
- هل تعرفون شخصًا يدعى علي ؟
جحظت سارة ترفع نظراتها إلى المحقق وتجلت معالم الصدمة فوق وجه سعاد بينما اقتتمت عين سيف وتحدث متسائلًا :
- أي علي ؟
زفر المحقق يتابع برسمية :
- قبضنا على مشتبه به كان بين الزحام وحينما استجوبناه اعترف بأنهم قاموا بخطف الصغير بناءً على رغبة شخصًٍ يدعى علي نعمان ولكنهم سلموه الصغير حيث كان ينتظرهم خارجًا وأخذه منهم وغادر لذا أتساءل ما علاقتكم بذلك الشخص .
وضعت سارة كفها على وجهها لا تصدق ما يحدث بينما تحدث سيف وهو ينظر نحو المحقق بجسدٍ متأهبٍ على أهبة الاستعداد لأي شيء :
- نعم أعرفه .
حدق المحقق به وحينما وجد إجابته ناقصة تساءل هو بترقب :
- وما علاقتك به ليخطف الصغير؟ ، ما علمته أنه ليس فقيرًا وليس بحاجة فدية ومن المؤكد هناك دافعًا .
نكس سيف رأسه لا يعلم ماذا يقول بل أصبح في حالة داخلية تنافي تمامًا ثباته هذا لذا تحدثت سارة بوهن وتحشرج بدلًا عنه :
- كان خطيبي قبل أن أتزوج سيف ، هذا كل ما في الأمر .
أومأ المحقق متفهمًا ثم تحدث بهدوء :
- حسنًا نحن سنصل إليه في أقرب وقت وسيعود الصغير لا تقلقوا .
عن أي قلق يتحدث ، هو لن يشعر بمَ يشعر به سيف لذا نظر له بعيون قاتمة وتحدث بنبرة تحمل غضبًا خامدًا :
- كيف لا نقلق ، ابني بحوزة شخصٍ مختلًا عقليًا يتعاطى المخدرات ، عن أي قلقٍ تتحدث .
زفر المحقق يحاول تفهم حالته وقال بتريث :
- حسنًا دعني أقول لك إقلق ولكن التهور لن يعيد لك صغيرك ، نحن نتتبع أثره وسنصل إليه وليس أمامكم سوى الانتظار .
باغته سيف بنظرة تأكيدية ثم نهض يندفع نحو الخارج دون إضافة حرف لتنهض سارة بصعوبة ومعها سعاد ونورا تساندانها ولكن أوقفها المحقق يتابع :
- أخبري زوجكِ أن تهوره سيجعل حياة الصغير في خطر ، من المؤكد ذلك الشخص له مطالب فلو كان يريد قتله لفعلها دون خطف .
لم تحتمل ما يقوله لذا تحركت تغادر المكتب مع والدتها ونورا لتبحث عن سيف الذي انطلق بسيارته ولم ينتظر أحدًا .
❈-❈-❈
في شقة ما .
يقف علي أمام النافذة يتطلع نحو الخارج حيث النهر أمامه ، يدخن بشراهة ويفكر في الخطوة التالية وماذا يفعل مع ذلك الصغير الذي ينام في الداخل .
يتوعد بالانتقام من سيف الدويري وزوجته سارة على ما فعلوه به ولكن هل قتل الصغير سيشفي غليله ؟.
اعتصر عينيه يجاهد مع شياطينه ونفسه ، يتمنى ألا يقتله ولكن هناك صوتًا خبيثًا يخبره بفعلها فالنهاية واحدة وهما دمرا حياته وأعاداه إلى النقطة التي انتشل نفسه منها بصعوبة .
رن هاتفه فانتشله ينظر به ليجدها والدته فأغلق المكالمة والهاتف وعاد ينظر ويدخن ويفكر ماذا يفعل وكيف يجعل قلبيهما يحترقان مثلما فعلا به .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تحركت خارج مركز الشرطة مع والدتها ونورا ولكنها توقفت تطالعهما بعيون مرهقة وجسدٍ على وشك الانهيار قائلة :
- أمي خذي نورا وعودا أنتما إلى المنزل .
نظرت لها سعاد بحزن وتساءلت بترقب :
- كيف نعود بدونك ؟ ، أين تودين الذهاب ؟
تنفست ببطء وإجهاد ثم تحدثت وهي تحاول الاستناد على طرف سيارتها :
- سأذهب إلى منزل علي ، يجب أن أفعل شيئًا ، لا يمكنني الجلوس هكذا مكتوفة اليدين .
تحدثت سعاد برفضٍ قاطع :
- لا يمكن يا سارة ، لا يمكنكِ الذهاب إلى هناك أبدًا ، من المؤكد أنه ليس في منزله ولن تصلي لشيء ، دعي سيف والشرطة يحلان الأمر يا ابنتي فضلًا عن إصابتك بأي أذى .
انهال عليها البكاء والألم والخوف على الصغير لذا تحدثت مترجية وهي لم تعد تشعر بقدميها :
- أرجوكي أمي دعيني أذهب ، أعلم أنه ليس في منزله ولكن دعيني أتحدث مع والدته من المؤكد لديها أي معلومة أو يمكنها الحصول على أي شيء ، صدقيني لا أستطيع الجلوس هكذا وابني في قبضة مختل ، أشعر أن روحي تغادر جسدي .
لا تعلم سعاد ماذا تفعل وهي ترى حالة ابنتها هكذا وبالأساس هي تتخبط في حزنها وتصارع البقاء ثابتة لذا نظرت إلى نورا وتحدثت بهدوء :
- نورا خذي أنتِ سيارة أجرة وعودي إلى المنزل وأنا سأذهب مع سارة .
أومأت نورا ببكاء وتحركت تغادر بينما تحدثت سعاد بنبرة ثابتة من وسط حزنها ودموعها :
- هيا ابنتي اركبي أنتِ هنا وأنا من ستقود .
أطاعتها سارة باستسلام تام واستقلت السيارة بطواعية حزينة والتفتت سعاد لتتولى هي القيادة متجهة إلى منزل علي .
❈-❈-❈
كان سيف قد سبقهما إلى هناك وها هو يترجل مندفعًا إلى الأعلى يطرق الباب بعنف فأسرعت والدة علي تفتح الباب وتطالعه بانزعاج وتعجب للحظات ثم تحدثت مستفهمة :
- ماذا هناك ؟ ، ولم تطرق بابي هكذا ؟
هكذا سألته بعد أن تذكرته ليتحدث من بين أسنانه متسائلًا بانتفاضة تدل على غضبه :
- أين ابنكِ ، أين ذهب وأخذ طفلي ؟
تجهمت ملامح السيدة وسألته بتوجس وقلق :
- ماذا تقصد ؟ ، أي طفل ؟
زفر بنفاذ صبر ثم تعمق فيها وتحدث بشراسة :
- ابنك خطف ابني وإن لم يعده في أقرب وقت أو مسه بسوء سأقتله ولن يوقفني عن قتله مخلوقًا ، والآن أخبريني أين ذهب ابنك وأخذ صغيري معه .
وقفت متجمدة لثوانٍ تحاول استعياب كلمات سيف ثم شهقت تضع يدها على فمها حينما أدركت أن علي خطف ذلك الصغير وبرغم ذلك حاولت الإنكار قائلة :
- لا من المؤكد هناك خطأ ، ابني علي لن يفعلها .
- فعلها .
نطق بها سيف صارخًا لتشهق السيدة بفزغ ثم حاولت التحدث بقلب أمٍ ملتاع :
- من قال لك ذلك ؟ ، أخبرني أرجوك هل أنت متأكد أم أنك تقذف ابني بالباطل ؟.
زفر يستغفر ويحاول أن يهدأ وهو يلتفت ويمسح وجهه ثم عاد يطالعها وتحدث بنبرة أقل حدة :
- اسمعيني جيدًا ، ابنكِ خطف ابني وهذا ما وضحته الكاميرات واعترف به أحد رجاله للشرطة .
صفعت صدرها بكفها حينما ذكر اسم الشرطة وما فعله ابنها ، سيسجن ؟ ، خطف طفل صغير ؟ ، عاد لتناول المخدرات ؟
كل هذه الأسئلة جعلتها تترنح ليسرع سيف يسندها تلقائيًا فحاولت الاستناد ثم ابتعدت عنه تنظر له بتشتت وتحدثت وهي تستند على باب منزلها :
- ضاع مستقبله ، ماذا أفعل يا ربي .
ضاق صدرها بشعورٍ منقبض وهذا جعل سيف يرأف لحالتها وهو يطالعها ويتابع حسرتها وللحظة تمنى لو كان يمتلك أمًا تخاف عليه هكذا لكان فعل كل ما بوسعه حتى لا يرى انكسارها هذا ، لم يكن ليخذلها أبدًا .
عاد حنينه لصغيره وقلقه عليه يلتهمانه لذا تحدث بتريث ولم تخلُ نبرته من الجدية :
- اسمعيني ، يجب أن أصل لطفلي قبل أن يؤذيه ابنكِ وهذا جيدٌ لي وله صدقيني ، وأنتِ يجب أن تساعديني ، من المؤكد يمكنكِ توقع الأماكن التي سيحاول الذهاب إليها .
وقفت تطالع سيف وتفكر ، تعصر عقلها أين يمكن أن يكون ذهب بالصغير ، تذكرت العزبة لتنفض على الفور رأسها فمن رابع المستحيلات أخذه هناك .
تحدثت بنبرة مشتتة حزينة :
- حسنًا أدخل ودعنا نهاتفه؟
كأنها تترجاه ، تريده أن يعامل ابنها كأخٍ ويتفهم موقفه ولكن كيف يحدث ذلك وصغيره في قبضته ولا يمكن لأحدٍ توقع ماقد يفعله ذلك العلي .
حدق بها سيف لثوانٍ ثم تحدث وهو يشير برأسه للداخل :
- أحضري هاتفكِ ودعيني أحدثه بنفسي .
أومأت له وأسرعت للداخل وتبعها هو يعبر حتى يتحدث معه بأريحية داخل المنزل وليس خارجه .
❈-❈-❈
وصلت سعاد إلى البناية وتوقفت تطالع سارة التي لم تتمهل بل فتحت الباب وترجلت بخطى مترنحة وبرغم ذلك تسرع نحو الداخل ولم تلحظ سيارة سيف هنا .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
بل لاحظتها سعاد لذا هدأت قليلًا وصفت السيارة وقررت أن تتبعها .
وصلت سارة أولًا ووجدت الباب مواربًا لتستمع إلى صوت سيف لذا دفعت الباب فرآها وهي تندفع نحو السيدة تردف بنبرة قاسية وعيون تطلق شرارًا :
- أين ذهب ابنكِ وأخذ ابني ؟ أين هو هذا المجنون لص الأطفال ؟ أنا أريد ابنـــي ، أريـــــده حـــــــــــالًا .
تحرك سيف نحوها يحاول أن يهدأها قائلًا من بين أسنانه :
- لمَ جئتِ؟ اهدئي وانتظريني في الأسفل .
نظرت له بتشتت وتيه والصداع يضرب جانبي عقلها بضراوة وتحدثت بترجٍ ووهن :
- أرجوكم أريد نوح ، الآن هو يبكي وخائف أرجوكم أريد أن أعانقه حتى يطمئن .
شعر بغصة متحجرة تتملك من حنجرته لذا عاد يلتفت إلى السيدة ومد يده يتحدث بعجالة :
- ناوليني هاتفكِ .
أومأت السيدة وهي في حالة تشتت أيضًا حيث لا تريد مما يحدث سوى سلامة ابنها مثلها كمثل سارة وسيف .
عبث سيف بالهاتف وطلب رقم علي ووقف ينتظر رده بتأهب .
كان يحاول إسكات الصغير الذي بدأ يبكي ولا يعلم ماذا يفعل به حيث أنه يحاول هز لعبته أمامه ولكن الأمر لم يفلح مع هذا الطفل الزنان .
شعر بالضيق والغضب حينما رن هاتفه فأخذه يطالعه ليجدها والدته .
لم يفكر مرتين حيث فتح ليجيبها ويسألها كيف يسكت هذا الصغير ولكنه حينما فتح الخط استمع إلى صوت سيف وهو يقول بشراسة :
- أين ابني ؟ ، أين أخذت ابني يا *** ، إن لم تعده لن تتخيل ماذا سأفعل بك .
تهاوى قلب سارة خشيةً من جنون علي لذا أسرعت تنتشل الهاتف من سيف على حين غرة وتحدثت برجاءٍ وتوسل وتلعثم :
- علي ، علي أرجوك ، أرجوك أنا أسمعه يبكي لا تؤذيه يا علي أنت لست كذلك ، أرجوك أعده إلي وسأفعل ما تريده ولكن لا تمسه بسوءٍ أرجوك ، إنه يبكي .
تعالى بكاء الصغير لتشعر بأحشائها تتلوى لذا باتت تتابع بترجٍ وتوسل أكبر وهي تبكي مثله :
- أرجوك دعه يسمع صوتي هو خائف ، دعني أتحدث إليه يا علي أنت لست مجرمًا ، هو طفل صغير لم يفعل لك أي شيء ، أرجـــــــــوك يا علي .
وقف سيف يتابعها ويتلوى على صفيحٍ ساخن وهو يراها تترجاه ولكن بكاء صغيره وحالته يمنعانه من التصرف وخاصة حينما تحدث علي بجمود :
- هو يسمعك .
التقطت نفسًا قويًا وكانت سعاد قد وصلت إليها فباتت تربت على ظهرها وهي تقول بصوتٍ حنونٍ هامس موجهة حديثها للصغير وعيناها تبكي بنحيب وباتت تدندن :
- نوح حبيبي ، أتسمعني ؟ ، هيا يا روح الماما نام ؟ ، هيا نــــــــام هيا نـــــــــام واطهيلك طير الحمام ، روح يا حمام لا تصدق بضحك على نوح لينام .
ظلت تكررها بصوتٍ هادئ حتى هدأ الصغير وتوقف عن البكاء وبات يناغش لعبته التي اشترتها له قبل الخطف ليتركه علي ويتحرك بالهاتف خارجًا ويتحدث بحقدٍ دفين :
- اسمعاني جيدًا ، الصغير لن يعود إليكما إلا إذا نفذتما ما سأقوله بالحرف الواحد ، أنتما دمرتما حياتي ، أنتِ يا سارة سحقتي قلبي بقدميكِ ومررتي كأنه لم يكن شيئًا ، أنا أحببتكِ .
هاج سيف ولم يحتمل كلمات هذا العلي لذا نزع الهاتف من سارة التي تبكي وتحدث بشراسة وغضبٍ :
- أحببت مَن يا *** ، أقسم إن لم تعد ابني سأقتلك وأرمي لحمك للكلاب ، أتظن نفسك رجلًا يا **** .
تملك علي غضبًا عاصفًا ولكنه أجاب ببرود ظاهري وضحكة متوعدة :
- لا أعلم من أين اكتسبت الثقة لتقول هذا الكلام وتظن أن ابنك سيكون بمأمن معي ، أنت لا تعلم ما يمكنني فعله بعد ، أنا لست باقي على شيء أو شخص .
تهاوى قلبها مجددًا ونظرت إلى سيف بقوة قائلة بترجٍ حاد :
- اصمت أنت ، أرجوك اصمت أنت ، سيؤذي صغيري .
تحدثت أخيرًا والدته قائلة بصوتٍ عالٍ متحشرج :
- أحضر لهما صغيرهما يا علي وإلا سيغضب عليك قلبي ، ما هذا الذي تفعله ؟ ، هل ابني يخطف ويروع الأطفال ؟ ، لمَ يا بني تفعل هذا وتحرق قلبي عليك ، هل أنا أستحق منك ذلك ، أرجع لهما الصغير يا علي أرجوك أنا لن أحتمل فقدانك .
ابتلع علي لعابه بضعفٍ بعدما استمع لصوت والدته ووقف صامتًا ثم بدأ يخبرها بألمه وتحولت نبرته إلى مسكينة كأنه يعاني انفصام :
- ولكنهما دمراني يا أمي ، أنا أحببتها جدًا ، هي كانت سببًا لحبي للحياة ، أنا كنت أخطط معها لأحلامي يا أمي ، كنت أراها مثالية ولكنها دعست قلبي وتزوجته هو ، أنا تحملت تقلباتها وحزنها وتجاهلها وأقنعت نفسي أنني سأحظى بها في النهاية وأتزوجها ولكنها تركتني بسبب هذا الصغير الذي لم يكن طفلها من الأساس ، لم اهتمت به وتركتني ؟ ، لمَ أحبت هذا الرجل ولم تحبني ؟ ، كنت سأهديها رشيدة ولكنه فعل هذا أيضًا ، هما دمرا حياتي وأنا سأدمرهما مثلما فعلا بي ، لن أعيد لهما الصغير بل سأحرق قلبيهما عليه مثلما فعلا بقلبي .
اسودت نظرته ونطق الأخيرة بشراسة وعدائية وأغلق المكالمة بعدها لتصرخ سارة مستنجدة بأي أحدٍ ووقف سيف عاجزًا عن مواساتها .
بكت والدته أيضًا وسعاد والكل في حالة تأهب وحزن لتردف الأولى بعدما تذكرت لتوها :
- شقته ، شقته التي اشتراها على النيل ، يمكن أن يكون ذهب إليها .
نبت الأمل في قلب سيف وهو يتساءل :
- أخبريني العنوان بالتحديد .
أسرعت تملي عليه العنوان فاندفع لتوقفه سارة وتركض خلفه تتمسك بذراعه قائلة بترجٍ :
- سآتي معك .
حدق بها وكاد أن يعترض ولكن حالتها لا تقبل ذلك لذا أومأت واندفع الاثنان نحو الأسفل ليستقلا السيارة بينما ظلت سعاد مع والدة علي تواسيها كما تفعل الأخرى معها .
❈-❈-❈
أما علي فبعد أن أغلق دس يده في جيبه وانتشل إحدى الحبات ثم حدق بها لثوانٍ يفكر بنسبة رفضٍ لا تتعدى ال ١٠ ٪ سحقها وهو يضعها في فمه أسفل لسانه وبدأ يمتصها ويفكر كيف ينتقم منهما وهل سيقدر على تنفيذ ما قاله ، هل هو قادر على قتل طفل صغير ؟
تحرك نحو الغرفة يطالع الصغير فوجده يعبث مع لعبته كأنه يحدثها ويحركها بيديه فوقف يتأمله ويفكر .
ماذا إن كان هذا الطفل ابنه هو وسارة ، ابتسم على هذا التخيل ونسج خيالًا على أساسه ووقف يشاهد فيلمًا ألفه عقله وساعدته في إخراجه تلك الحبة التي تذوب في فمه .
❈-❈-❈
رن هاتف سيف فأجاب ليجده شرطيًا يخبره بأنهم استطاعوا الوصول إلى عنوان علي بعدما راقبوا إحداثيات هاتفه من خلال مكالمة حدثت منذ قليل .
أومأ سيف وأخبره أنه في طريقه إليه وأغلق وتحرك مسرعًا يريد أن يصل إليه قبل وصول الشرطة ، يريد أن ينقذ صغيره وينقض عليه يسدد له الضربات حتى يطفئ لهيب نيرانه المشتعلة داخله ، لقد قال أمامه أنه يحب زوجته وكان عليه أن يصمت لأجل حياة صغيره .
كانت تجاوره مستندة على المقعد بعقلٍ شارد تدعو الله أن ينجي صغيرها من أي سوء وأن يرده إليها سالمًا .
التفاتة سريعة منه إليها لم تلحظها ولكنه كان غاضبًا ومشتعلًا لذا تحدث ينفث عما بداخله :
- لمَ تتوسلين مثل هذا ال *** ؟ ، هل تظنين أنه سيرأف بحالتكِ ، هل تظنين أنكِ تستطيعين التأثير عليه ؟
كانت مرهقة جدًا ولكنها تحاول أن تظل منتبهة إلى أن يعود الصغير لها لذا ابتلعت الغصة المتحجرة في حلقها وتحدثت بوهنٍ ملحوظ ودموعها لم تجف أبدًا :
- كل ما أريده هو نوح ، لا يهمني لا هو ولا بماذا سيتأثر ولكني فعلت ذلك لأجل سلامة ابني ، كان يبكي ، نوح خائف وأنا أعلم أنه سيعاود البكاء بعد قليل لذا أسرع أرجوك ولنترك الحديث لحين عودته .
كانت محقة لذا تحكم في نفسه وأسرع قيادته متجهًا نحو العنوان المنشود .
❈-❈-❈
وصلا بعد وقتٍ إلى المكان الذي قالت عنه والدة علي وترجلا من السيارة نحو المبنى العالي .
استعملا المصعد ليصلا إلى الطابق المنشود ووصلا بعد دقائق .
بحثت بعينيها عن رقم الشقة وكاد سيف أن يندفع نحوها ولكنها أوقفته تطالعه وتحدثت بترجٍ :
- سيف أرجوك اهدأ ، إن رآنا سويًا لن يفتح الباب وربما تعرض للصغير بسوء ، دعني أطرق أنا أولًا وأخبره أنني أتيت بمفردي حتى يطمئن ويفتح .
تملكه غضب أعمى وتحدث بنارٍ ورفضٍ :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- لا لن يحدث .
عاد يتحرك فأسرعت تتمسك بذراعه بقوة وتحدثت مترجية بقلبٍ ملتاع :
- أرجوك يا سيف أرجوك لا داعي لتهورك الآن ، لأجل سلامة نوح يا سيف ، أنت ستختبئ فقط إلا أن يفتح ثم ستهجم عليه وتقيده أرجوك .
هدأ قليلًا وبدأ يفكر ليجد أنها محقة لذا أومأ لها وتحركا سويـا وبالفعل اختبأ هو خلف أحد الفواصل العامودية وطرقت هي الباب ووقفت أمامه تنتظر .
كان يقف يتطلع على هذا الصغير الذي عاد يئن ويتلوى ويبكي حينما رن الجرس فتعجب وقطب جبينه وتحرك نحو الباب ينظر من العين السحرية ليجدها هي .
تجمد مكانه وعاد ينظر لها ثم حولها ثم توقف ثابتًا يفكر كيف وصلت إلى هنا ليأتيه صوتها وهي تردف بتوسل :
- علي أنا سارة ، أخبرتني والدتك بالعنوان وجئت بمفردي ، افتح أرجوك لنتحدث يا علي .
وقف مكانه لثوانٍ يفكر ثم تحدث من خلف الباب متسائلًا بهدوء عجيب :
- سارة ؟ ، هل تخدعيني ؟ هو معكِ أليس كذلك ؟
بكت وهزت رأسها وتحدثت بنبرة واهنة متألمة وسيف يختبئ يتابعها ويتوعد لعلي :
- لا أنا بمفردي ، هو ذهب لقسم الشرطة وأنا أتيت دون علمه ، افتح أرجوك لنتحدث ، الصغير يبكي أنا أسمعه افتح وسنتفق على ما تريده .
صدقها هذه المرة بل تحمس لأن يفتح لها ويعيش معها ذلك الفيلم الذي نسجه منذ قليل لذا امتدت يده يفتح الباب ويستقبلها لتندفع نحو الداخل على الفور وحينما كاد أن يغلق وجد سيف يدفع الباب بقوة ويقتحم المكان ولم يمهله فرصة حيث انقض عليه يسدد له اللكمات بقوة والآخر يعيش الصدمة قبل أن يحاول مجابهته بينما اندفعت سارة نحو الغرفة تلتقط الصغير وتهدهده وتعانقه بقوة وتقبله وتركتهما يتشاجران في الخارج .
عبرت بالصغير ليراها سيف وهو يتمسك بعلي الذي يصرخ به غضبًا ليتحدث سيف بلهاثٍ من بين ضرباته :
- خذيه وغادري .
تجمدت حينما سدد علي لكمة قوية استهدفت أنف سيف ليباغته الآخر بلكمة استهدفت عينه تحت أنظارها الجاحظة ورعشتها ولم يدم الأمر ثوانٍ حتى اقتحمت قوات الشرطة المكان وهجمت عليهما تخلصهما من بعضهما لتتنفس سارة بقوة عوضًا عن راحتها ويداها تحمي الصغير بشدة .
❈-❈-❈
بعد ساعات
ترجل سيف من سيارته واتجه يفتح الباب ويلتقط الصغير من سارة لتترجل بتمهل تجاوره متجهان نحو الداخل بعدما عادا من قسم الشرطة وتم حبس علي على ذمة التحقيق .
يحمل الصغير ويتمسك بها ودلفا لتستقبلهما سعاد التي عادت منذ قليل وكذلك نورا .
أسرعت سعاد تلتقط الصغير وتقبله وتبكي وتجاورها نورا تربت عليه ووقف سيف يطالعهما بهدوء بعدما حرر يد سارة التي تنظر لهما بطمأنينة بعد أن عاد الصغير لها ولكن باتت الأرض تميد بها بسرعة عالية ولم تعد تشعر بشيء وقد استجابت لنداءٍ يريد أن يسحبها للمجهول لتقرر فقدان الوعي بعد يومٍ عصيب عاشته .
جحظ حينما وجدها مرتطمة في الأرض وتهاوى قلبه بشعورٍ متوحش وجلس مسرعًا يرفعها من وسط صرخة سعاد باسمها بينما يداه باتت تتفحص ملامحها الشاحبة بعدما نزع نقابها ويربت على وجنتها ويناديها بحروفٍ مبعثرة بينما قلبه يتلوى :
- سارة افتحي عينيكِ ، سارة أنا هنا ونوح هنا ماذا حدث ؟
لا يعلم ما الذي أصابها ولكن أسرع يحملها ويتحرك بها نحو الأريكة يمددها عليها وناولت سعاد نوح لنورا وتحركت تتفحصها بقلبٍ ملتاع بينما نهض هو يلتقط هاتفه ويتحدث مع أحدهم طالبًا طبيبًا في الحال .
❈-❈-❈
فتحت عيناها بوهن تنظر بضعفٍ حولها لتجد نفسها في غرفتها وأحدهم يفصحها .
ابتلعت لعابها وقطبت جبينها بتعجب ثم التفتت للجهة الأخرى حينما شعرت بيدٍ تربت على يدها لتجد سيف يقف فوق رأسها يطالعها بحبٍ وابتسامة هادئة فتساءلت بصوتٍ متقطع :
- أين نوح .
أومأ مطمئنًا وتحدث وهو يملس على جبينها :
- هو مع والدتكِ في الخارج لا تقلقي .
استكانت والتفتت تنظر للطبيب الذي يفحص ضغطها ويضع السماعة على مقدمة صدرها ثم فحص عيناها ليسأل سيف بترقب وقلق :
- ماذا أيها الطبيب ؟ ، فقدت الوعي بسبب الإجهاد أليس كذلك ؟
كان يريد أن يؤكد الطبيب على حديثه ولكنه اعتدل بعدما دون الأدوية وناولها له قائلًا بعملية :
- نعم بسبب الإجهاد ولكني أظن أن المدام حامل وسنتأكد بعد إجراء الاختبار الذي دونته مع الأدوية .
اتسعت عين سارة ورددت بذهولٍ :
- حامل ؟
ابتسم لها الطبيب وتحدث بلطفٍ :
- نعم يبدو كذلك ، وسنبارك لكِ بعد إجراء الفحص .
جمع أغراضه وودعهما وتحرك متعجبًا من جمود سيف الذي وقف يردد الخبر على مسامعه وعقله ويفكر
( سارة حامل ؟ ، حامل بطفله ، ماذا عن اللعنة ؟)
للحظة عادت مخاوفه تهجم عليه بل أصبح أسيرًا لها وتجمعت من حوله كل ظنونه وتخيلاته التي أطاحت بفرحة الخبر عرض الحائط .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
مر الماضي من أمام عينيه كاملًا ، تذكر حديث والده عن اللعنة وتذكر حياته بدون والدته
مسبقًا كانت مخاوفه لأجل صغيره ويُتمه ولكن الآن مخاوفه كلها انحصرت لأجلها .
حتى عقله يرفض تقبل فكرة رحيلها ، ليس بعد أن أتت ، ليس بعد أن أحبها وأراد أن يعيش معها حياة كاملة كعامة البشر
أكثيرًا عليه أن يحيا معها ويشيب معها دون الخوف من فقدانها ؟
- سيف ؟
هكذا خرج من شروده على صوتها ينظر لها فسألته بتوجس بعدما استشعرت ما به :
- ماذا بك ؟
حدق بها ثم اقترب منها وسحب رأسها يقبل جبينها ثم عاد يكور وجهها ويتعمق فيها لتردد أمامه مترقبة :
- ألن تقول شيئًا ؟ ، أنا حامل .
ظل على صمته يخشى نطق ما يفكر به ولكن نظراتها أجبرته على الحديث لذا تحمحم وقال بتوترٍ :
- حبيبة قلبي ، سارة ومسرة حياتي ، لنكتفي بنوحٍ يا سارة ، أرجوكِ !.
قال الأخيرة بترجٍ وترقب ولكن في أقل من ثانية التمعت عيناها بغيوم الحزن والصدمة ونطقت محذرة :
- إياك أن تكسر فرحتي يا سيف .
تنفس يطالعها بتشتت ، آخر ما يمكنه فعله هو كسر فرحتها ولكن كيف يتجاوز شعوره الموحش هذا ؟
لم يجد جوابًا سوى عناقها ، أدخلها بين ضلوعه يعانقها بقوة باحثًا عن الاطمئنان وليته يغلق قلبه ويمحو ذاكرته فينسى تلك اللعنة الملعونة .
ابتعدت عنه بعد وقتٍ وبعدما بدأت تتفهم مخاوفه ثم حدقت به قائلة بنبرة لينة حنونة مطمئنة :
- فلنتوكل على الله في أمرنا يا سيف ، لا أفضل من تسليم الأمور له وحده وأنا كلي ثقة ويقين أن مخاوفك ستندثر مع الزمن ، ألا تحب أن ترى ذريتك تركض حولك في كل مكان ، أنا لن أكتفي بنوح أو بهذا الصغير الذي ينمو داخلي أنا أريد الكثير من الأطفال فهم عشقي ، هل تمانع ؟
رسم في مخيلته حديثها ، ما تقوله هذا يعد أقصى أحلامه .
عادت تكمل بثقة عالية :
- حسنًا دعني أخبرك أمرًا ، تلك اللعنة ستنكسر عندي أنا وسيعيش أطفالي وأطفالهم وأطفال أطفالهم حياتهم بشكلٍ طبيعي .
تعمق فيها كأنه يتأكد لتكن نظرتها قوية مؤكدة لذا تنهد بقوة وقبل شفتيها قبلة ناعمة لطيفة ثم حاول أن يبتسم وتحدث أخيرًا بتمني :
- وأنا أريد ذلك كثيرًا ، أريدك معي بين أولادنا وزوجاتهم وأطفالهم .
- سيحدث إن شاء الله يا سيف .
❈-❈-❈
بعد شهر
اليوم موعد نطق الحكم على علي بعدما تأكدوا من عودته للمخدرات .
كانت تجلس والدته في المحكمة تطالعه من خلف القضبان بعيون باكية معاتبة ، نظرة كلها حسرة وقهر يبادلها إياها بعجز وندم متجاهلًا نظرات سيف له الذي أتى متعمدًا ليتأكد من نيله العقاب الذي يستحقه
لم تكن سارة سببًا في عودته لتلك السموم ، ولم يكن عدم حبها سببًا ، ولا حتى سيف الدويري ، ولكن السبب الحقيقي في عودته لتلك اللعنة هي نفسه الضعيفة الأمارة بالسوء ، هو الذي تسبب في نظرات الحسرة التي يراها الآن في عيني والدته .
هي التي تسببت في وضعه خلف القضبان ينتظر حكمًا قضائيًا ربما أضاع مستقبله للأبد ، ناهيك عن حالته الصحية والنفسية والمادية .
وهذا ما يخبره به القاضي الآن بعدما سمع مرافعة الدفاع .
يطالع هذه السيدة التي لا يعرفها بحزنٍ لا يظهر على ملامحه حيث اعتاد الحكم في قضايا موجعة كهذه والألم الأكثر هنا يتمركز في قلب الأم .
تحدث القاضي بنبرة تحمل من اللوم والجلد ما يكفي ليأكل أصابعه ندمًا وبرغم ذلك كانت نبرته دافئة :
- لما يا ابني ؟ ، لما بعدما أنقذك الله منها تعود إليها مجددًا ؟ ، أنظر أين أنت الآن ، أنظر إلى وجه والدتك .
نظر علي مجددًا إلى وجه والدته فوجد نظرتها كما هي فأطرق رأسه بحزنٍ ليعاود القاضي جلده قائلًا بصوتٍ عالٍ وسط القاعة ليسمعه الجميع :
- المخدرات قذائف قوية المفعول ، دقيقة في إصابة الهدف أطلقها الأعداء لإصابة قلب الأمة ، حرب المخدرات أبشع من حرب الجيوش لأن حرب الجيوش رغم بشاعتها محددة بزمنٍ معين فقط وهو زمن الحرب ومكانٍ معين وهو ساحة القتال ولكن في حرب المخدرات فإن الزمان هنا لا ينتهي والمكان الأمة بأسرها والهدف قلب الأمة ، ما أصعب أن يغرق شباب أمةٍ كاملةٍ في وحل الإدمان ، شبابًا في عمر الزهور يغروقون سرًا ربما لم يبحثوا عن المخدرات ولكنها هي من تطرق أبوابهم إلحاحا ، وللأسف فإنها أصبحت متوفرة في كل مواقع الشباب ، في الجامعات والمدارس ، في الأندية والشوارع ، وحتى أنها طالت المرأة وهذا أخطر أنواع الإدمان لأنها بسبب المخدرات يمكنها التخلي عن أي شيء في المقابل ، الإدمان يدفع الشباب إلى حالة من الجنون لا يستطيع أن يفرق فيها بين أمه وبغية وبين أخيه وعدوه وبين أبيه وحيوانٍ يريد افتراسه ، الإدمان يحولنا إلى وحوشٍ كاسرة لا قانون لها ولا دين وهو خطة خبيثة وضعوها لاندثار الشعوب ، محاولة استنزاف كل موارد الأمة والسيطرة عليها واقتيادها إلى القاع ، ويؤسفني أن أقول أن وصول هذه المخدرات إلى الشباب لابد أن يكون وراءها بائعًا فاسدًا ومسؤولًا فاسدًا وقاضيًا فاسدًا وأُشهد الله أنني بريء مما يحدث ، هذه القضية تحتاج إلى جهودًا مخلصة وأفرادًا يخافون الله ، ولابد أن نضرب بيد من حديد ليكون المعتبر عبرة لغيره .
نظر القاضي نحو علي وجده يبكي ويردد بقهرٍ تملك منه :
- لم أكن أريد ذلك ، لم أكن أريد العودة سامحيني يا أمي .
باتت تبكي وتجهش أكثر ، باتت تنظر له وتتمنى أن تأخذه معها وتعود للبيت وتعانقه وتعنفه على ما فعله بنفسه ثم تسامحه وتنسى كل شيء ولينسى هو أيضًا تلك السموم ، يمكنه التوبة والتعافي مجددًا .
عاد القاضي يقرأ ما أمامه ثم قال بأسف :
- حكمت المحكمة وبجميع الآراء على المتهم علي منصور عبد البار بالسجن ثلاث سنوات ، رفعت الجلسة .
خرجت من جوفها صرخة استنكار تبعها شهقة حسرة وهي تقف ترى ابنها يغادر القفص مع رجال الشرطة لتسقط مرتدة على المقعد مجددًا في مشهدٍ يفطر القلوب .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
❈-❈-❈
عاد سيف من المحكمة إلى فيلته ، طوال طريقه يفكر ، لقد ذهب ليحضر الجلسة ويتشفى في من خطف طفله وهدد أمنه وأمانه ولكنه الآن شاردًا يفكر في حالة تلك السيدة .
هي أم وقلبها ملتاع لأجل ابنها الوحيد ، لقد افتقد هذا الشعور ويخشى أن يفقده أبناؤه .
إلى الآن هو قلقٌ حيال حمل سارة برغم أنه يظهر لها عكس ذلك حتى لا تحزن .
إحساس اليتم من الجهتين من أبشع أنواع المشاعر ، إن لم تحصل على كفايتك من حب الأهل واحتواءهم فلن تجده طوال حياتك .
يعترف أن سارة تغمره بالحنان والمحبة وتغرقه من أنهار السعادة منذ أن دلفت حياته ولهذا يخشى فقدانها .
دلف فيلته فوجد سعاد تجلس في بهو الفيلا تقرأ آيات الله فألقى السلام واتجه يجلس جوارها فصدقت ونظرت لوجهه فوجدت رسمة الحزن واضحة لذا تحدثت متسائلة :
- ماذا حدث يا بني ؟
تحمحم وابتسم ثم تحدث وهو يتجنب النظر في عينيها :
- أخذ حكم بثلاث سنوات ، أين سارة والصغير .
أشارت نحو الأعلى قائلة :
- هما في الأعلى ، هل يمكن أن تخبرني لما وجهك حزين ؟ ، لعلمك أنا مستمعة جيدة ويمكنني أن أصف لك وصفة ناجحة .
وهذا ما يحتاجه الآن ، يحتاج إلى التحدث مع شخصٍ موثوق يمكنه بث المزيد من الطمأنينة داخل قلبه لذا تنهد بعمق واعتدل في جلسته مستفيضًا :
- أنا فقط خائف ، وهذا ما يزعجني لأنني أعلم أن خوفي يعد ذنبًا ولكن لا أعلم كيف أتخلص منه ، منذ أن دخلت سارة حياتي وبت المطمئن الخائف لا أعلم كيف ، أفكر في الآتي بشكلٍ لحظي وأنا لا أريد ذلك ، هل يمكنكِ إخباري كيف أتوقف عن ذلك ؟
ابتلعت سعاد لعابها وابتسمت تتنهد ثم طالعته بحبٍ فهو يخبرها من بين كلماته كم يعشق ابنتها وباتت جزءًا هامًا في حياته لذا تحدثت بروية وإيمان :
- حسنًا أخبرني يا بني كيف تفكر في المستقبل وتخشاه وأنت لا تعلمه بل هو بيد الله وحتى أنه يعد ماضي .
قطب جبينه متعجبًا وتساءل :
- كيف ذلك يا سيدة سعاد ؟
استرسلت حديثها بمغزى إيماني :
- نعم يا حبيبي ما نعيشه يعد ماضي ، كتبه الله علينا وانتهى ونحن فقط نعيشه كما كتب سواءً رضينا أم لم نرضَ هو واقعٌ لا محالة ولهذا فإن الخوف لن يزيدنا إلا ضيقًا وعجزًا وحزنًا وقد استعاذ رسولنا الكريم من العجز والحزن والقهر لذا يجب علينا أن نؤمن ونثق في قدرة الله على ترتيب الأمور .
عادت تلكزه بخفة لينتبه أكثر وهو بالفعل كذلك واسترسلت :
- أتعلم يا بني لقد سمعت شيخ الإسلام يقول أن القدر هو أفعال العبد التي سيقوم بها في مستقبله والتي يختارها بكامل إرادته ولكن بعلم الله المسبق سبحانه وتعالى فقد منح الإنسان إرادة حرة لتكون أساس التكليف والابتلاء ، أما القضاء فهو مآل الحدث والوقائع المنقضية والأحكام الإلهية النافذة ، أي أن القدر هو الكيفية والقضاء هو النتيجة ، أي أفعل ما تؤمر به وستأخذ نصيبك .
وجدته يطالعها بثقب وكأن أنظاره ثبتت عليها لتتابع وهي تمد يدها وتربت على كفه بحنانٍ أمومي تريد أن تهديه له :
- أنت تحب ابنتي ، ويعلم الله ما في قلبك لذا أسجد له وأخبره بما تريده وادعوه من داخلك بأمنياتك وكن على يقين أنه سيلبي دعوتك ولن يخذلك أبدًا وانسَ الماضي يا بني فلن تجني من الماضي سوى عازلًا بينك وبين أحلامك .
ظل محدقًا بها يفكر ، ربما ما تقوله صحيح بل ما تقوله هو الصح بعينه ، إن أراد أن يطمئن عليه أن يلجأ ويعود لربه .
ابتسم لها ابتسامة تحمل بين طياتها الكثير وبعينين لامعتين قال وهو ينهض :
- شكرًا لكِ على هذه الوصفة يا أمي .
تحرك بعدما رأى في عينيها فرحةً لكلمته ، ناداها بأمه إذا استقر حديثها في قلبه .
تحرك للأعلى وفتح باب جناحه ودلف ليجده خالٍ فسارة الآن في غرفة الصغير لذا اتجه إلى الحمام ليتوضأ ويصلي ويدعو الله بما يريده .
❈-❈-❈
مرت الأيام والشهور .
مرت شهور الحمل على سارة بوهنٍ وتعبٍ وكان سيف خير معين لها .
كان يخشى عليها من نسمات الهواء ، كان حنونًا للدرجة التي لم تكن تتوقعها .
لم تكن تتوقع أن سيف الدويري يمتلك هذا القلب واللين والمرونة حتى في تقلباتها المزاجية حتى انتهت شهور الوحم والآن ها هي تستعد لدخول غرفة العمليات لتلد صغيرتها .
كان يقف يراها وهي تخطو نحو غرفة العمليات ويود لو باستطاعته انتشالها والمغادرة .
يخشى دخولها تلك الغرفة كأن أحدهم سينتزع قلبه ، هجمت عليه مخاوفه مجددًا لذا أراد أن يلازمها ويظلا يتحدثان سويًا حتى تأتي تلك الصغيرة ويسعدان بها .
وبالفعل بعد الحاحات ومحسوبيات وتمرير مبالغ نقدية استطاع إقناعهم بالدخول معها وها هو يجاورها حتى دلفا سويًا غرفة العمليات وجهزوها ووقف هو لا يرى ولا يسمع سواها .
وقف عند رأسها بعدما أنزلوا ستارًا فاصلًا وبات يتحدث معها عن أمورًا عامة كي يلهيها ويحاول أن يظهر ثباته وهو أبعد ما يكون عنه .
نبضات قلبه عنيفة ولسان عقله يردد الدعاء بينما لسانه يقول بترقب :
- هل تشعرين بألمٍ ؟
تحمحمت وتحدثت بوهن وانكماشة في عينيها :
- وكأنهم يسحبون معدتي وأنفاسي تتلاشى .
تهاوى قلبه بشعورٍ مرعب وانتفض يتحرك نحو الطبيب متسائلًا بلهفة :
- ماذا بها ــــــــــ .
قطع بقية حديثه حينما وجده يخرج للتو صغيرته ويرفعها عاليًا أمام عينيه التي سلطت عليها لثوانٍ لينتعش قلبه برؤيتها وتتجدد داخله طاقة إيجابية مرحبة ثم عادت تهجم عليه مخاوفه لذا أسرع نحو سارة يطمئن عليها فوجدها تتنفس بارتياح بعدما خرجت تلك المشاغبة فأسرع نحوها يمسح بيده جبينها قائلًا بحبٍ وقلقٍ في آن واحد :
- أنتِ بخير ؟
أومأت له بعدما سمعت بكاء صغيرتها ومباركات الطبيبان والممرضات لتردد بنبرة فرحة مطمئنة :
- بخير يا حبيبي ، أنا الآن بخير لا تقلق .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
حدق بها وابتسم وعاد يردد الدعاء داخله ليخرجا بعد مدة من الوقت إلى غرفة عادية وعيناه لم تفارقها وكأنه يخشى حدوث أي مضاعفات يمكنها أن تنتزع سعادته .
كانت سعاد تلاعب الصغيرة وتدللها ونورا تحمل نوح وتجاورها .
جلس يطالعهم بشرود أخرجته منه سارة تناديه فانتبه ومال عليها متسائلًا لتقول بنبرة هادئة :
- سنكون بخير ، سنكون بخير نحن وأولادنا ، هيا ابتسم ودعني أرى ذلك في عينيك .
❈-❈-❈
بعد خمسة وعشرين عامًا
تقف تقى ذات الخمسة والعشرون عامًا مع والدها تتطلع على شقيقها نوح وهو يؤدي الرقصة الرومانسية مع عروسته الجميلة في جوٍ ممتلئ ٍ بالسعادة .
تبتسم وتلتمع عيناها تارة وتنظر لوجه والدها تارة أخرى لتراه يقف يتطلع عليهم بسعادة .
يتذكر الماضي ويبتسم ساخرًا ، الآن فقط أدرك أن عقله لم يكن قد وصل لمرحلة النضوج آنذاك حينما كان يفكر في أن هناك لعنة تصيب عائلته .
تحدثت تقى حينما لاحظت شروده وهي تميل عليه مبتسمة حيث أنها الأقرب لقلبه :
- ترى من هي تلك التي استولت على عقل السيد سيف الدويري ؟
ابتسم بعدما سمعها والتفت يطالعها قائلًا :
- ومن غيرها تقى أبيها الغالية .
غمزته مشاكسة تنطق وهي تشير بذقنها نحو ركنٍ ما :
- هذه هي التي أخذتك مني ، برغم أنها تركتك وذهبت لترحب بالضيوف وأنا هنا لم أتركك ثانيةً ولكن عيناك لم تتركها ، لا أعلم ما هذا السحر الذي تمتلكه أمي لتظل عيناك عليها أينما ذهبت .
ابتسم حتى أشرق وجهه وتحدث وهو يعاود النظر نحو قلبه سارة التي برؤيتها يسُر قائلًا بحبٍ صافي :
- إنها حبيبتي ومأمني وشريكة حياتي ورفيقة دربي وأم أولادي ، هل هناك سحرٌ أقوى من ذلك ؟
نطق الأخيرة وهو يعاود النظر لابنته التي ابتسمت بسعادة تجيبه :
- لا هذا كافٍ جدًا ، حسنًا دعني أذهب لأرى أين ذهب ماجد وليان .
أومأ لها وتحركت تبحث عن شقيقيها التوأم اللذان أتما عمرهما الثامن عشر منذ أسبوع وتركت والدها يقف ينتظر عودة سارة إليه وها هي تترك الضيوف وتعود إليه تناظره من أسفل نقابها وتخطو نحوه كأنها فرسة تتريض على قلبه بخطواتها الناعمة .
يعلم أنها تبتسم له من خلال نظرتها ، وأخيرًا وصلت إليه ووقفت تجاوره قائلة بحبٍ :
- اشتقتُ لك .
تلك الكلمة أشبعته عن غيابها الذي دام لدقيقتين فقط لذا انفرجت ملامحه عشقًا وتحدث بنبرة رخيمة :
- وكيف سأرضي اشتياقي الآن وأمام الناس ؟
حذرته بعينيها ولكنه مد يده يطلب كفها فناولته على استحياء فسحبها إلى المكان المخصص للرقص وحاوط خصرها بكفيه وبات يجاور ابنه ويرقص معها مستعيدًا الجزء الأجمل من ماضيه ليعيش معها الحاضر ويحلم بالمستقبل بعقلٍ عم التفاؤل أرجاؤه فبات لا يعترف بقاموس اليأس .
اقترب منه نوح الذي يطالعهما بسعادة وهمس بالقرب من أذنه :
-ستأخذان منّا الأضواء هكذا يا أبي واليوم زفافنا نحن .
مال سيف أيضًا عليه يجيبه بهدوء وابتسامة واثقة :
- ما رأيك أن تذهبا وتجلسا مكانكما وتتركاني أنا وزوجتي نكمل عنكما الرقصة !
نظر نوح لوالده متفاجئًا ثم نظر لوالدته يستنجدهد بها فابتسمت وتحدثت وهي تومئ مؤيدة لزوجها :
- أنا أوافقه الرأي يا نوح .
- اتفقتما عليا إذًا .
نطقها نوح بمرح وهو يرى سعادة والديه لتبتسم عروسه وتخبره حينما ابتعد بها قليلًا :
- والدتك ووالدك حقًا رائعان يا نوح ، أحببتهما كثيرًا ، قصتهما تطمئنني حقًا وأريد أن أحظى معك بحبٍ مماثل .
ابتسم لزوجته وتحدث بحبٍ وتأكيد :
- إن شاء الله يا حبيبتي سنعيش قصة حبٍ ليس لها مثيلًا وسيحكيها أولادنا لأولادهم .
تمت بحمد الله