رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير بقلم امل نصر
رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير هي رواية من كتابة امل نصر رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير
رواية افترسها الذئب من الفصل الاول للاخير
اسفل مياه الأمطار التي كانت تهطل في هذا الوقت بغزارة، تتشربها التربة الصفراء ولا تؤثر فيها، نظرًا لشدة الجفاف بها، لطبيعتها الصحراوية القاحلة، لكنها تروي النباتات التي وهبها الله القدرة في التحمل، والانتظار حتى يأتيها الغيث، فتزهر وتنبت داخلها الحياة لتصبح ظلًا او طعامًا للبشر احيانا إن ضلوا الطريق، أو مرعى للحيوانات الأليفة،
كانت هذه الصغيرة، رافعة وجهها المستدير لأعلى، كي يتلقف المياه التي تهطل فوق بشرتها، فيبلل ضفيرتيها، وتلتصق غرتها الامامية بجبهتها، مستمتعة بالبرودة اللذيذة، تاركة أمر الغنم التي ترعاها تأكل في حشائش الأرض كيفما تشاء، حتى لا تفوت هذه الفرصة في المرح كعادتها، ومن ناحية أخرى تخاطبها شقيقتها الأصغر:
- ياللا بينا يا زينب أبوي جال لما تنطر تعالوا على طول.
استفاقت الأخيرة من متعتها لتلتف نحو شقيقتها المتخصرة ترد بسأم:
- ويعني شوفتينا هنبيت يا مريم، ما النطرة مسيرها تبطل والشمس تظهر من تاني، العصر مبجالوش ساعة مأدن، ولسة بدري جوي ع المغرب .
جادلتها بعدم رضا:
- وافرضي مظهرتش تاني الشمس والدنيا ليلت علينا، نجعد بجى لحد ما تطلع ديابة الجبل وتهجم علينا! أنا همشي بالبهايم وإنتي اجعدي مع نفسك.
قالتها مريم وتحركت على الفور، تهش بعصاها الرفيع على الاغنام ، كي تجعلهم بصف واحد يسبقونها نحو المنزل، لتضرب زينب بقدمها على الأرض بضجر مغمغمة:
- يا بوووي، طب حتى نصبر شوية، الدنيا مطرتش يا مريم .
سمعت منها لتلتف رأسها نحوها بتسلية ، تسرع بقيادة الغنم في الركض، لتضطر زينب لملاحقتهم بخطواتها السريعة مجبرة، خوفا من أن يصيبها شيء، فهي الأكبر والأجدر بحمل المسؤلية، حتى لو كان عمرها لم يتخطى السابعة بعد، ولا تفرق عن شقيقتها ذات الخمس سنوات سوى عامين.
وفي خضم غضبها وحنقها من فعل شقيقتها، وقعت عيناها على تلك التلة البعيدة عن مرعاهم الدائم، كلما نظرت إليها ينتابها الفضول في معرفة ما خلفها، والتحذيرات الدائمة من والديها، بألا تصعدها، مما زاد بداخلها الشغف عدة مرات لاستكشافها، ولكن كلما اقتربت منها دفعها الخوف إلى التراجع قبل ان تصل إليها ، ترى سوف سيأتي هذا اليوم الذي تغلب فيه ضعفها وتنفذ رغبتها؟
❈-❈-❈
واصلت الصغيرتان بدفع الغنم حتى اخترقا الشارع، الذي يوجد به منزلهما، وكانت المفاجأة انه تقريبا كان مغلقًا بأعداد البشر الضخمة والتي جاءت اليوم لتحضر ذبح الذبائح وتوزيعها من قبل زيدان الدهشوري، كبير البلدة وأغناها على الإطلاق، فهو الوحيد الذي يملك منزلا ضخما كالقصر، بفرق شاسع عن بقية سكان البلدة الصغيرة، فمعظم المباني بها مبنية بالطين ، وعدد قليل بالطوب الاحمر ولكنها لا تضاهي نصف منزل زيدان، الذي يملك معظم الأرض التي يعمل بها أفراد البلدة المتواضعة في الموارد.
لدى زيدان العديد من الأبناء، ولكن أفضلهم هم أبناء زوجته الأولي، حامد اليد اليمني لأبيه، وضاحي المدلل صاحب الحظ الأوفر عن جميع أقرانه، بما وهبه الله من وسامة، وبنية جسدية متناسقة في الطول والعرض، بشرة بيضاء تقارب أهل المدينة، نظرًا للرفاهية التي يتنعم بها، مهما حدثت منه أخطاء، ونال السخط على أفعاله، ينال الحظ الأوفر بأقل مجهود كما يحدث الآن، فهذا الاحتفال اليوم هو من أجله، بعدما نجح أخيرا، بعد سنوات من الرسوب ليدخل الجامعة، والمؤكد هو مساعدة أبيه وشقيقه الأكبر له.
- بعدوا يا اخوانا شوية، البهايم معدية
هتف بها احد الأشخاص، ليفسح الرجال لقطيع الاغنام تخترق الصفوف في طريقها الموجه نحو المنزل، وخلفهما الصغيرتان، يصيبهم الحرج الشديد وقد وجدوا أنفسهم محط أنظار الجميع .
️
بهدوء شديد واصلتا المرور حتى قُطعت نصف المسافة، وقبل الوصول الى المنزل، شهقت زينب بإجفال حينما وجدت نفسها رفعت لأعلى وأقدامها معلقة في الهواء، ، لتجده صاحب الإحتفال، يطوق خصرها الصغير بذراعه الكبيرة يردد بمرح للشباب من أصدقائه:
- وادي عروستي اها، ايه رأيكم بجى، بلا تعليم ، بلا كلام فارغ.
ضحك الشباب من أقرانه فصاحت به تنهره رغم فزعها من فعلته:
- نزلني يا ضاحي، عيب عليك أنا كبيرة مش صغيرة.
- إنتي إيه؟
ازدادت ضحكاته صخبًا لتذمرها، مرافقًا لتعليق أحد أصدقاءه:
- طب اختار البيضة الحلوة، مختار السمرة يا ضاحي!
قالها بإشارة نحو شقيقتها مريم التي سبقتها بالغنم نحو المنزل.
- البياض في الحيطان على رأي جدتي، أنا عجباني دي.
ختم يخطف قبلة من وجنتها، لتندفع الدماء برأسها، شاعرة بأنها أصبحت أضحوكة بينهم، فجاهدت بقوتها الواهيه، تطوح أقدامها في الهواء تهدر بغضب:.
- نزلني يا ضاحي، والله لو ما نزلتني لاجول لابويا ، عيب كدة عيب.
شدد ذراعه عليها يردف بسماجة:
- بجولك عروستي وهتجوزك يا بت، فينه العيب ده؟
كادت ان تبكي لولا تلك الصيحة القوية التي صدرت من الخلف:
- سيبها يا ضاحي بلاش غلاسة، ولا عايزها تجيبلك أبوها صح.
قال الأخيرة بلهجة مرحة، ضحك لها ضاحي بسخرية:
- ايوة صح واحنا مش كد زعل عم مطاوع الجفاص.
أنزلها على الأرض بعد ذلك تنفيذًا للأمر، فالتفت هي إلى الآخر، شقيقه الأكبر حامد، الرجل الثاني بعد أبيه، بهيبته الطاغية ، وشاربه ذو الخط المستقيم، بواجهة تصلح للقيادة والوجاهه الإجتماعية التي لطالما سمعت بها، رمقته بامتنان، قبل ان تطلق ساقيها للريح، وتطير إلى والديها ومنزلهم
❈-❈-❈
- هدومك كلها مبلولة يا جزينة، دي عمايل برضو يا بتي، عايزة تتزكمي ولا تاخديلك دور ينشفك وتموتي فيها يا زينب، إحنا فينا حيل إحنا للدكاترة ولا الكشوفات.
هتفت بها والدتها عزيزة تعاتبها بلوم، وهي تخلع عنها ملابسها وتجفف جسدها بمنشفة قطنيه، ثم تبدلها بأخرى جافة، وكالعادة جادلتها زينب:
- ياما ما أنا زينة جدامك اها، هي النطرة عمرها موتت حد .
صاحت عزيزة بضجر وهي ترفع الملابس المبتلة عن الأرض لتذهب بها؛
- موتت كتير يا مضروبة الدم، بطلي مجاوحة، انا دماغي مش حاملة اللت معاكي يا زينب..... سرحيلها شعرها يا عمة.
توجهت بالاخيرة نحو جدة زينب الجالسة بزاوية المنزل، رحبت المرأة على الفور بحفيدتها الغالية:
-،تعالى يا عين ستك وهاتي المشط من ع التسريحة في أوضة امك.
نفذت زينب لتأتي بطلبها، ثم جلست أمامها مستسلمة لاختراق المشط الخشبي شعر رأسها من الخلف ، والجدة الحنون كالعادة، تردف بكلمات الدلال لها:
- يا حلاوة يا حلاوة ع الشعر السبيب الناعم، حتى من غير دهين بيتسرح بسهولة،
حينما لم تعقب زينب استرسلت الجدة باستغراب تلكزها بخفة على كتفها :
- مالك يا بت مكشرة ليه؟
- مش مكشرة يا جدة.
قالتها بفتور وعيناها منصبة على مدخل المنزل والباب الخشبي الكبير، مفتوح على مصراعيه، يظهر في الخارج لها وبكل وضوح، والدها وشقيقتها بجوار الأقفاص والأشياء الأخرى التي يصنعها من فروع النخيل والسعف، حيث يقع منزلهم على مساحة شاسعة نصفها تم بناءه لسكنهم، وحظيرتان للغنم والبهائم والطيور، وما تبقى اصبح كفناء مفتوح لوضع الأقفاص والأشياء التي تصنع للزبائن، ثم بعض المزروعات والأشجار التي تم زراعتها على مدار السنوات.
كان في هذا الوقت متوقفًا عن العمل بين أدواته، مشغولا في الحديث مع مريم ومداعبتها، مما أثار الفضول داخل زينب لتسألها:
- هو ايويا بيحب مريم عشان احلى مني يا جدة؟
توقفت المرأة عما تفعل ، لتسألها باندهاش:
- مين يا بت اللي جالك الكلام ده؟
اعتدلت زينب لتواجهها ، تقول بعبوس طفولي:
- انا بسمعهم دايما بيجولوا عليا السمرة يا جدة ومريم البيضة، وابويا على طول يحب يهزر معاها .
تبسمت المرأة الحنون تمسكها من طرف ذقنها مداعبة، لتعقب على كل ما اردفت به:.
- يا عبيطة يا مخبلة افهمي، هي البيضة بس انتي برضو الاحلى، سمارك دا اللي فاكراه عيب اكتر حاجة حلوة فيكي، مفرودة وملامحك مسمسمة، عليكي مناخير منصوبة كيف القلم وضحكة تخطف جلب اللي يشوفها .
تبسمت زينب لوصف جدتها ، وقد أسعدها الغزل ، لتسترسل العجوز بإقناع:
- أما عن ابوكي، فهو من امتى فرق ما بينكم؟ لو كان بيجلع مريم زيادة عنك فدا عشان هي الصغيرة، نفس الأمر كان بيعمله معاكي ، ياما لف بيكي على كتفه، وبكره يجى عيل تاني ياخد الزهوة من مريم ، كل واحد بياخد دوره يا جدتي.
اومأت برأسها وقد هدأت سريرتها بكلمات العجوز المريحة، ثم ما لبثت تتذكر ما حدث معها اليوم:
- صح يا جدة البت دي حكتلك ع اللي عمله ضاحي النهاردة معايا؟
قطبت المرأة بريبة:
- عمل ايه يا بت معاكي؟
- شالني وانا جاية من المرعى بالبهايم يا جدة، وف وسط اصحابه اشتغل يقول دي عروستي.
- عروسة في عينه جليل الحيا، الشالح دا كمان مش ناوي يبطل مسخرته، سحبتها لتعاود تصفيف شعرها مردفة:
- انتي شدي حيلك عشان تطلعي أبلة، والجواز ياجي بعد كدة براحته.... المهم بس تبطلي شجاوة، عمايلك بتزعل ابوكي وامك منك .
دافعت عن نفسها ببرائة:
- وانا بعمل ايه بس يا جدة، دا هما اللي بيتعصبوا على اجل حاجة اعملها .
زامت من خلفها باستنكار:
- اممم يعني هما بيتبلوا عليكي، يا بت اسمعي الكلام من سكات ومن غير رط أنا جدتك وبجولك، مينفهش بجى تسمعي الكلام زي العيال الهادية المأدبة؟
رددت من خلفها بمرح:
- حاضر يا جدة هبجى مأدبة.
❈-❈-❈
️
في المساء كانت الليلة العامرة بمنزل زيدان الدهشوري، والنصب الضخم في استقبال المدعوين وغير المدعوين، يقف في استقبالهم جميع أبناءه الرجال ، وفي مقدمتهم حامد وضاحي، والذي كان يوزع جلسته ما بين أصدقائه، وصفوة الحاضرين الجالسين مع والده في ركن خاص به.
دلفت زينب وشقيقتها بملابسهم التي تم تفصيلها حديثًا، بصحبة عزيزة والدتهما، والجدة روحية والتي كانت لها الحفاوة بترحيب سيدة الدار الأولى، التي كانت جالسة في رأس المجلس مع السيدات، والدة زيدان دهشوري وجدة أحفاده، الحجة فضيلة، وصاحبة سلطة على قلوب الجميع .
كالعادة تتم التحية بين المرأتين، بعادة قديمة مازالت تصر عليها النساء العجائز، ان تُقبل كل واحدة ظهر كف الأخرى، ويتم ذلك عدة مرات، وكأن تقبيل الوجنتين شيء حديث لا يعترفن به في التحية ما بين بعضهن البعض.
- اجعدي جمبي يا غالية، وحشتني جعدتك وكلامك يا حبيبة.
تمتمت فضيلة بالكلمات لها وهي تجلسها بالفعل بجوارها، قبل ان تتجه وترحب بعزيزة والدة الصغيرات بمودة لا تخلو من عتب:
- وانت يا عزيزة، ياللي رجلك تجلت من الجية عندينا.
بررت الأخيرة ردًا لها:
- لا والله يا خالة ما تجلت، انا بس مطحونة في شغل البيت ومساعدة مطاوع ، ما انتي عارفاه اليوم كله شغال..
- يا ختي ربنا يعينك ويعينه
تمتمت بها فضيلة بادعاء الاقتناع، قبل ان تنتبه للصغيرات الملتصقات بجلباب الأم، لتسحبهم إليها وتمازحهم:
- لازجة في أمك كدة ليه يا بت انتي غريبة؟ سلمي عليا ووريني جرأتك.
استجابت زينب لها وكانت لها الاسبقية حينما رفعت كفها بحماس تصاحفها، فلحقت بها مريم.
- ازيك يا جدة
- اهلا يا عين جدتك .
- ازيك يا جدة.
- وانتي كمان! طب تعالوا بجى.
قالت الأخيرة لتقرب الاثنتين منها، ثم تقبلهم على وجنتيهما بصوت عالي، اخجل الفتيات، لتعقب هي بافتنان:
- يا حلاوتكم وانتوا بتتكسفوا وخدودكم تحمر، عزيزة... احجزي البتين دول انا هدخهم لاتنين من العيال، خلاص دول بجوا من أهل البيت رسمي
ضحكت عزيزة معلقة:
- وه يا حجة هتحجزيهم دلوك، طب استني حتى لما يكبروا ولا يتمو خمستاشر ولا ستاشر.
- مش محتاجين نستني يا ختي، البنتة بنتتنا ولا انتي ليكي رأي تأني، والنعمة ما اسمع انك ليكي غاية لحد من عيال خواتك، لاعلجك من رجليكي.
ضحكت عزيزة بسعادة لإطراء المرأة، عكس روحية التي جذبت الاثنتان بلطف تصرفهم، تكتم رفضها بالداخل:
- خلاص يا بنات، روحوا انتوا العبوا ولا اتفرجوا ع الزمارة ولا رجص الحصنة
سمعت الفتيات، ليركضن سريعًا نحو ما أتين من أجله مخصوص، لتقف زينب بجوار شقيقتها بفاه منفرج ببلاهة، يشاهدن بانبهار، تحكم الرجال بسرج الحصان والرقص به، وعليه أيضًا.
المتعة الشديدة في التركيز مع افعال الحصان المدرب وما يفعله الفارس في السيطرة عليه، كان ضاحي وشقيقه من اشد الناس تمكنًا ولكنهما اليوم ، في انشغال حتى عن المشاهدة، حامد يباشر على اخوته ويوزع اهتمامه على الجميع، أما ضاحي صاحب الليلة نفسه ف........
انتبهت زينب على رؤية المذكور واقفًا بمكان مظلم قريب من ساحة النساء ، وعيناه مباشرة نحو إحداهن..... من نظرة واحدة تبينت الى ما يرنو إليه، إنها حربية ابنة عظمة جارهم الأعمى، والملقبة بتفاحة نظرا لحمار بشرتها وجمالها الفاتن ، تبادله هي الأخرى الهمسات والابتسام بدلال دون حياء أو خجل برد فعل تتوقعه زينب من كل الفتيات حينما يجدوا من يشاغلهن هكذا وفي الظلام.
التوى ثغر الصغيرة بعدم رضا، ثم سرعان ما انصرفت عنهم ، مع انتباهها لوابل الأعيرة النارية التي اطلقت لتنير ظلمة السماء بالشرار المحترق
❈-❈-❈
بعد انتهاء الليلة ورجوع الأسرة للمنزل ، كانت الجلسة في هذا الوقت فوق السطح، متربعين على فراش النوم الذي تفرشه والدتها كل مساء، بغرض المبيت ولكن بعد مرور فترة من السمر والأحاديث في موضوعات شتى .
والكلام الآن كان متوقعًا:
- وه يا مضاريب، يعني الحجة فضيلة بنفسها حطت عينها عليكم.
قالها مطاوع بمرح نحو صغيراته بعد سماع زوجته والتي تابعت بحماس:
- البنتة عجبوها جوي يا مطاوع، مرة عشان حلوين، ومرة عشان مأدبين.
- يا حلاوتهم.
تمتم بها مطاوع يدغدغ مريم التي اصبحت تقهقه بصوت عالي، قبل ان تصدمه والدته بردها:
- ومالك فرحان جوي كدة يا خوي، انا بس ربنا يديني طولة العمر واحصلهم عرايس، والنعمة ما اجوزهم لاي حد منهم، ما بنتتهم كتير مالهم ببنتتنا.
تطلع إليها بصدمة يسألها امام الوجوم الذي حل على فتياته وزوجته:
- ليه ياما الكرهه دي، هو احنا نطول نناسب زيدان الدهشوري عين أعيان اليلد وكبيرها، ولا هو أساسا يرضى بينا اصلا؟ دا كلام واد عم حديت يا غالية.
- يا سيدي ولا احنا نرضى بيه، مش هما ناس عليوي ومالكين البلد باللي فيها، احنا بجى ناس على كدنا، نحب الغلابة اللي زينا، بلا دهشوري بلا بهبوري.
قالت الأخيرة بنبرة كوميدية أثارت ضحكات الجميع، ليتحول الحديث بعد ذلك الى مواضيع اخرى، قبل ان تذهب عزيزة بصحبة روحية، ويهبطن للأسفل، تاركين الفتيات الصغيرات بصحبة ابيهم الذي يضمهم اليه على الفراش للمبيت به، هروبًا من حر الصيف في المنزل المغلق، يسكرهم هواء الطبيعة، أسفل السماء ونجومها التي كانت تبهر الصغيرة، وتحفظ اماكنهم وتحركاتهم، حتى يغلبها سلطان النوم في حضن أبيها مع شقيقتها،
....يتبع
داعبت نسمات الصباح بشرتها الرقيقة، لتتململ مع اختراق الضوء اجفانها المغلقة، حتى استسلمت في الأخير، لتفتح اهدابها للنور ، وتنهض جالسة بجذعها توقظهم:
- ابوي، جوم يا بوي، مريم، جومي يا خيتي الشمس بجت تنزل على الحيطان،
سمع منها مطاوع لينهض جالسًا هو الاخر، ثم يوقظ الصغيرة:
- مريم، جومي يا بتي، خلينا نلم الفرش، جومي يلا.
تفوه بالاخيرة يداعبها بأنامله في تجويف عنقها حتى تخلت عن التمثيل بادعاء النوم لتكركر بضحكاتها ثم تنهض سريعًا، ليرفعها والدها ثم يخاطب زينب:
- ارفعي معايا الحصيرة والغطا يا زينب نسندهم ع الحيطة عشان ننزل نفطر، زمان امك حلبت الجاموسة وفورت اللبن كمان.
- يارب يا بوي انا جعانة
تمتمت بها زينب بعفويتها وقد اتمت ما أمرها به، لتنال منه قبلة على وجنتها قبل ان يسحبها من يدها ويهبط بها مع شقيقتها الى الطابق الأرضي في المنزل والإفطار قبل ان يذهب كل فرد الى شئونه
❈-❈-❈
أنهى مطاوع وجبة إفطاره ، ليسحب على الفور حماره نحو مهمته الصباحية في الذهاب الى الحقل لرعاية عدد من المزروعات بقطعة الأرض التي يملكها ، فتكفيه بإنتاجها في سد احتياجات المنزل من الخضروات والثمار وإطعام الماشية ، ثم في الأخير يأتي بفروع النخل والسعف ليعود بها إلى المنزل ، ويقضي باقي يومه في صناعة الأقفاص للطيور والمقاطف والسلال، حرفة ورثها من أبيه، وتساعده بها زوجته وبناته الصغار ، حتى أذان العصر فيأتي وقت المرعى، وهو ذهاب الفتاتين بالغنم إلى الأرض القريبة منهم ، تلك التي تنتشر بها الحشائش مصدر أساسي للطعام لهم.
ندهت عزيزة على الفتيات وهي تفتح الباب الخشبي للحظيرة:
- بت يا زينب إوعي تنسي زمزمية المية وتاجي من غيرها، انا مش كل شوية هدورلك على واحدة.
- حاضر
تمتمت بها الأخيرة بتركيز تام مع صغار الحملان التي كانت تشرد بعيدا عن القطيع، وشقيقتها من الناحية الأخرى نفس الأمر، ثم يتم السير بهم في صف مستقيم، حتى الوصول لوجهتهم
اثناء المرور بهم قابلت زينب صديقتها نورا والتي اوقفت بمشاكسة صف القطيع كي تصافحها
- بس اجفوا هنا على ما اسلم على صاحبتي.
تبسمت لها الأخرى لتقترب منها وتصافحها بتقبل ، عكس مريم التي زفرت بعبوس طفولي، غير راضية عن هذا التعطيل.
- عاملة ايه يا صاحبتي، محدش شايفك
- انا يا إما في البيت يا في المرعى .
- انتي كل عيشتك في المرعى، ولا بشوفك خالص.
قالتها نورا تؤديها بفكاهة استجابت لها زينب لتضحك، حتى انتبهت على فزع الغنم باقتراب الأحصنة التي تركض بخفة باتجاههم، فانتفضت تأمر شقيقتها.
- سوجيهم معايا يا مريم نبعدهم بعيد عن الطريج.
دبت المذكورة اقدامها على الأرض، تحدج نورا بنظرة غاضبة:
- ابويا كذا مرة ينبه علينا الوجفة في نص الطريج اساسًا غلط.
قالتها وانكفئت تنفذ الأمر بسوق الغنم:
- هرررر ، هرررر.
ساعدتهم نورا حتى حشروا القطيع في ركن واحد كي تمر الاحصنة دون أن تؤذيهم، والتي ما أن اقتربت منهما حتى تبين اصحابها:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- حامد الدهشوري والذي مر بظهر منتصب وغرور ليس بغريب عنه، يوزع أبصاره في كل النواحي، بجولة يفعلها دائما لمباشرة زراعاته، ومن خلفه ضاحي، ذاك الذي يتخذ الجولة بلهوه كعادته، حتى أبصر زينب وشاكسها كعادته:
- بعدتي النعاج ليه يا زينب؟ كنت عايز اخدلي واحدة منهم، ولا اخطفك انتي بدالهم........
عبست زينب بضجر قابله هو بضحكاته الصاخبة حتى اختفى عنهم بحصانه، لتعلق نورا:
- ضاحي بيهزر معاكي يا زينب
- بيغلس مش بيهزر، دا واد لطخ أساسًا تمتمت بها، لتعود لغنمها فتوجههم لنفس الطريق الاول، فسارت هي معهم ترافقها وشقيقتها الساخطة لوجودها معهم من الأساس:
- نفسي انا كمان ارعى معاكم، كذا مرة اتحايل على ابويا يشتري حتى عنزتين، يجولي احنا مش كد وكلهم، اجولوا هرعى بيهم مع زينب صاحبتي، يجولي وغداهم وعشاهم نجيبوا منين؟
- زني عليه تاني يا نورا وانا ابجى اديكي حشيش من عندينا توكليهم. نفسي تروحي معانا يا صاحبتي.
- وانا كمان والله يا صاحبتي نفسي جوي.
قالتها نورا، قبل ان تنتبه على نظرة الأخرى والتي تعلقت بجهة منزل عمتها حيث كان واقفًا بانتظارها بابتسامته الحلوة، ذاك الوسيم الصغير ابن عمتها المقارب لها في نفس العمر.
بادلته نفس الابتسامة، قبل ان تعود لصديقتها التي لكزتها بمرفقها على خصرها بمرح، ثم يستمر الحديث الطفولي البريء بينهما حتى تتفرقا، تعود نورا ادراجها نحو منزلهم، وتتابع زينب وشقيقتها حتى يصل القطيع الى الأرض الشاسعة، فتجد الصغيرتان الفرصة مرة أخرى باللعب حولهم ، بالركض او إدخال أقدامهم في حوض مياه الزرع المالحة بعض الشيء نظرا لطبيعة الأرض، وهنا المتعة الخالصة، ضحكات تصدح وتبادل رشها على بعضها حتى يقترب موعد غروب الشمس، فيتم جمع القطيع نحو الذهاب .
فتتعلق زينب عينيها كالعادة بهذه التلة
- نفسي اعرف ايه ورا الجبل ده هناك يا بت يا مريم.
- اكيد ديابة وعفاريت، امال ابويا بيحذرنا منها ليه؟
كانت هذه الاجابة الروتينة من مريم والتي تلقيها بوجه شقيقتها في كل مرة ذكرت امامها امنيتها، لتعبس ملامح زينب بضجر، وتلتف نحو طريقها دون رد ، ولكن هذه المرة لفت نظرها شيء ما، لتهتف بلهفة:
- ارنب جبل يا مريم؟
نظرت مريم نحو ما تشير لتقفز هي الأخرى بلهفة:
- اه والله صح، تعالي نمسكه يا زينب، ونروح بيه على بيتنا، دا بيجولوا لحمه حلو جوي .
- وكبير كمان، شايفة ازاي؟
اضافت بها زينب قبل أن تصدر امرها لشقيقتها:
- تعالي بسرعة نحلج عليه.
- طب والبهايم.
- اهي جاعدة في الحشيش وبتاكل، همي معايا يا مريم.
سمعت منها الأخيرة، وصارت تفعل مثلها في ملاحقة الأرنب الجبلي المراوغ بطبيعته، فكلما اقتربن منه بعد تربص، يركض سريعًا، حتى ابتعد بهن بمسافة بعيدة عن القطيع ، ليلتفتا فتجدا الاثنتين نفسها امام التلة المحظورة مباشرة، فخرج صوت مريم بفزع.
- وبعدين يا زينب، احنا كدة بجينا عند التلة بتاعة العفاريت وزمانهم هياجوا يا خدونا، اول ما الشمس تغيب والدنيا تضلم.
صاحت بها زينب بحنق:
- عفاريت ايه يا مجنونة انتي كمان؟ انتي صدجتي خليكي هنا استني مكانك، وراجبي البهايم، انا هطلع وراه، دا دخل في الجحر بتاعه، يعني بسرعة هيبجى في يدي .
لم تعترض مريم، ف الشغف داخلها هي الأخرى كان يقتلها نحو الإمساك بهذا الارنب الضخم ، ولكن الخوف يمنعها من الفعل مثلها:
- ماشي بس بسرعة عشان بخاف
اومأت رأسها زينب بعجالة:
- هوا
قالتها وانطلقت على الفور تعرج هذه التلة بالدعس على الأحجار بها ، أبصارها على الجحر ، تخفف من خطواتها حتى لا يشعر ويهرب قبل الإمساك به، خطوة، اثنان، وفي الثالثة، حطت قبضتيها عليه، ولكنه انزلق منها سريعًا هاربا منها، فصرخت بغيظ:
- والله لاطبك النهاردة، مش هسيبك.
قالتها واصبحت تركض خلفها فوق التلة، وقد اخذها العند وروح التحدي ، للقبض على هذا المراوغ، فلم تعطي بالا لشقيقتها وهي تنادي عليها من الأسفل:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- انزلي خلاص يا زينب، بلاها منه الارنب ده.
- كفاية يا زينب، ابويا هيدبحنا لو عرف ان احنا قربنا من التلة
في الاخير حينما ضجت من تحذيراتها، التفت إليها صارخة
- لا يا مريم ، النهاردة مش هروح غير وهو في يدي، لازم...... ااه
قطعت في الأخيرة، بصرختها، وقد وجدت نفسها تنزلق دون ارادتها، ثم تتدحرج بجسدها عدة مرات، وهي تصرخ مع دفعات الالم تشعر بتكسر عظامها، حتى انتهي بها الأمر ليستقر مقرها خلف التلة من الجهة الأخرى، غير قادرة على الوقوف او حتى تحريك ذراعها الايمن، وقدمها اليسرى، تتوجع بضعف شديد بألم لا يمكنها وصفه، عيناها تجول في الخلاء الغريب حولها، ودموعها تسقط بعجز، تشعر أنها نهايتها
- ااه، اااه، مريم..... مريم.... حد ينجدني
طال مكوثها بهذا الوضع، حتى اصوات شقيقتها التي كانت تأتيها مع تردد الصوت، صمتت منذ لحظات، والرؤية أمامها اصبحت تتشوش، لحظة لحظتان، فجأة ظهرت شقيقتها الصغرى أمامها فوق التلة:
- انتي ايه حصلك؟ مالك؟
أخرجت صوتها بصعوبة، رغم الدوار الذي بكتنفها:
- ارجعي يا مريم ع البيت بالبهايم، واندهي حد ياجي يرفعني من هنا.
- ليه انتي حصلك ايه؟ اجي انا ارفعك.
تحركت رأسها تحذرها وتنهيها، لكن الأخرى رفضت ان تذهب وتتركها.
- انا هاجي ارفعك، وانتي هتتسندي عليا، مش هسيبك لوحدك ياخدك العفريت ولا ياكلك ديب .
- بجولك روحي اندهي ابويا.
ظلت تردد بها وصورة شقيقتها التي تحاول النزول على الاحجار الزلقة، تزيدها دوارا وتشوشا، خوفا ان يحدث وتقع هي الأخرى، رويدا رويدا حتى غطت عينيها سحابة سوداء، ولم تعي بأي شيء آخر.
❈-❈-❈
استيقظت اخيرا لتفتح عينيها للنور ، ترفرف اهدابها وتجول مقلتيها على السقف الغريب وهذا الجدار الذي يختلف تماما عن منزلهم، كادت ان تفزع ولكنها انتبهت على وجود جدتها بالقرب منها، والتي هللت فور ان اصطدمت عيناها بها مستيقظة:
- حمد الله ع السلامة يا بنيتي اخيرا صحيتي.
- صحيت.
تمتمت زينب بغرابة، وجدتها الحنون تقبل رأسها، وكفها وظهر كفها، لتستدرك الآن لوضعها بداخل مشفى الوحدة الصحية، فهذه الغرفة تعرفها جيدا، هي غرفة الطبيب الذي تدخلها للكشف حينما تكون هي مريضة او شقيقتها....... شقيقتها.
عاد إليها وعيها جيدا لتتذكر ما حدث وتتذكرها؛
- مريم يا جدة، فينها مريم؟
تحركت شفتي جدتها بعجز لم تفهمه مع هذه النظرة الغريبة والغامضة، وقبل ان ينبت فمها بكلمة مفيدة، وجدت والدتها تخرج من حمام الغرفة، بشرود غير مفهوم ، قبل ان تسألها مباشرة:
- انتي متعرفيش مريم راحت فين؟ دا احنا مستنينك تصحي عشان نسألك.
- تسألوني على ايه؟
سقطت عزيزة تجيبها ، وقد خارت قوتها عن الصمود والوقوف:
-،عن اختك يا بت.... اختتتك.
اردفت الأخيرة بشفاه مرتعشة، لتنطلق في بكاء مرير، ادخل في قلب ابنتها الرعب بعدم فهم، فالصورة ما زالت غير واضحة امامها، تريد الاستفسار، تريد التذكر ، حتى اندفع باب الغرفة فجأة يلج منه اباها بهيئة غاضبة، وأعين حمراء تفزعها بالسؤال دون مقدمات:.
- اختك فين يا بت؟ كيف انتي جاعدة وهي اختفت ؟
انكمشت زينب مرتعبة منه، حتى حاولت التحرك، ولكن اوقفها الوجع الشديد في يدها وقدمها الملتفة حولهم الجبيرة فتأوهت بألم،
اشفقت عليها جدتها لتنهض فتحول بينها وبينه:
- براحة يا مطاوع، البت توها فايجة
صرخ بها مقاطعًا:
- لكن حية ياما، اما اختها بجى مختفية من ليلة امبارح، من ليلة امبارح ياما ما حد عرفها عايشة ولا ميتة،
انطجي يا بت اختك فين وايه اللي وداكي عند التلة.
ابتلعت ريقها بجزع ودموعها تسقط بغزارة تجيب بما تتذكره:
- والله يا بوي انا جولتلها امشي وهاتي ابويا، هي اللي اصرت تنزلي، بعد كد معرفش ايه اللي حصل.
افلت مطاوع من قبضة والدته المتشبثة به خوفا على حفيدتها، ليلتف نحو التخت من الناحية الأخرى
بصيحة غاضبة ارتجفت لها الصغيرة:
- وانتي ايه اللي وداكي عند التلة من اصله؟ عملتي ايه في اختك يا بت؟
نهضت عزيزة أيضًا لتحمي ابنتها من الفتك بها ، فتحول بينهما مع روحية التي حشرت نفسها بجوار الصغيرة تضمها جسدها إليها بحرص
- البت جسمها متكسر، هتطلع روحها كمان!
زجرها على الفور دون تردد:
- بعدي يا عزيزة بدل ما ارمي عليكي اليمين، خليها تنطج وتجول ودت اختها فين، بدل ما اخلص عليها
خرج صوت زينب بصعوبة من فرط خوفها منها، لتقر بسجيتها عما حدث:
- كنت بفر ورا الارنب، واتزحلجت من فوج التلة ، نزلت مكحكلة، لجيت نفسي ع الارض في الناحية التانية من التلة،.... بعدها جات مريم تشوفني، انا كنت بصرخ عليها متنزلش بس هي جالت هنزل اسندك تروحي معايا..... وبس كدة..... مش فاكرة اي حاجة تاني والله .
- أرنب! ضيعتي اختك عشان بتجري ورا أرنب؟
صارت صرخاته تصدح لاخر المشفى، لا يستطيع التحكم في غضبه يريد ان ينقض عليها، حتى وهو
يراها في هذا الوضع، حتى اجبر الرجال في الخارج، ليلجوا اليه ويسحبوه بقوة للخارج.
- تعالى معانا يا مطاوع، مينفعش العمايل دي.
- يا عم سيبوني، سيبوني ادعكها بت الكلب دي...
خرج اخيرا وابتعدت عنها عزيزة لتسقط على الأرض تنتحب وتولول، فظلت زينب لمدة من الوقت ترتجف بحضن جدتها ، وهي تهدهد فيها رغم حزنها، حتى اذا هدأت قليلا خرج صوتها الى المرأة ببرائة:
- هو ابويا بيصرخ ليه يا جدة، ما تخليه يدور عليها مع البهايم، يمكن نامت على النجيل من الخوف للعفريت يطلعها ولا الديب ياكلها .
ربتت المرأة على رأسها بحنان تعقب بحسرة:
- ابوكي ويا رجالة العيلة كلهم من امبارح بيدعكوا ويدورا على شجيجتك، مخلوش حتة في الجبل مدورش فيها، اما عن البهايم، فدول رجعوا لوحديهم ع البيت لما الدنيا ليلت عليهم.
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ما أصعبها من أيام، تلك التي كانت تمر بها تلك الصغيرة ذات السبع سنوات، انها لأكبر من المحنة ان تجد نفسك مسؤول عن مصيبة كبيرة كهذه وضياع اعز الاشخاص بفضل اهمال من جانبك، ياله من حمل ثقيل، وضع فوق كاهلها وعظامها لم تشتد بعد لتتحمله .
حتى الآن لا تصدق اختفاء شقيقتها، حتى والرجال ظلوا في البحث عنها أكثر من شهر حتى أيقن الجميع ان الصغيرة قد أكلها الذئب، مادامت قد اختفت في هذه المنطقة وكأن الأرض انشقت وابتلعتها، اما هي فالبتأكيد لم يقربها بظن منه انها ميتة حينما كانت فاقدة للوعي، هذه الرواية التي اجمع الجميع عليها ، لتزيد بقلبها الحسرة، وتأنيب الضمير انها المتسببة فيما حدث:
كيف لعقلها ان يستوعب؟ في كل ليلة تبكي دون توقف، كلما تخيلت خوف شقيقتها من مشهد الذئب حينما يحاصرها، او حينما يكسر عظامها بين انيابه ويأكلها و..... تبكي وتبكي .
لقد ذبلت بشدة، وأصبح الجميع يشفق عليها ويهون، فهي في الأصل صغيرة ولم تقصد، فلا تستطيع تحمل كل هذا الذنب، هذا ما يقال لها دائمًا. رغم نظرات اللوم التي كانت تتلقاها من معظمهم في البداية،
فالقدر بيد له وحده، والرحمة بها كانت اولى من أي تأنيب،
اشفقوا عليها جميعهم، وسامحوها، الا هو ، فلم يرأف بها ولم يرق قلبه القاسي ابدا، لم تتغير معاملته الجافة يومًا، لا يطيق النظر إليها ، حتى وان حدثته لا يرد يلومها دائما بنظراته القاتلة لها،
حرم عليها النوم فوق سطح المنزل معه، ليحرمها من دفء حضنه الى الأبد ، مرت الايام الثقال تتجرع مرارتها والحزن يكسو المنزل دائمًا حتى جاء العوض من الله، وولدت عزيزة بطفل اخر ولكنه لم يكن فتاة بل كان ولد .
رغم الفرحة بمجيئه، إلا انها تمنت لو كانت فتاة لتعوضه عن الفقيدة، ولكن ورغم ذلك كان بمجيئ الشقيق تغيرا ما في المنزل واصبحت الحياة تعود إلى طبيعتها بعض الشيء بفرحة الصبي، سلمت والدتها بأمر الله وصبت اهتمامها عليه وعادت معاملتها لها دون حواجز ، وجدتها الحنون فهي لم تتغير من الأساس، بل كانت دائمًا في ظهرها والسند الحقيقي لها، اما عنه فبعد فترة من الوقت قاربت العام اخذها الوهم انه ربما قد تغير واستطاع التعايش ، لتعيش هي أيضًا وتمضي في حياتها التي لم تبدا من الأساس.
ولكن كما سبق كان وهمًا، كشفته حينما استيقظت ذات مرة في إحدى الليالي لتشرب، فوصلها شهقات مكتومة تحركت على اثرها لتصعد الدرج بخفة كي تستطلع، وكانت الفاجعة حينما ابصرته من وسط الدرج ممسكًا بملابس الراحلة يبكي بحرقة شقت قلبها، ووهنت عظامها لها، حتى لم تقوى على التحمل اقدامها، فجلست محلها تكتم فمها من البكاء الحارق هي الأخرى، تتمنى من الله الموت والراحة من هذا العذاب ، تشعر وكأن جلدها قماشة مهترئة، مقطع بسكين حامي لألف قطعة، لم تعد قادرة، لم تعد لديها طاقة للتحمل، رفعت رأسها للسماء تدعو من قلبها الرحمة، تدعو الموت لتذهب الى شقيقتها،
ظلت على وضعها حتى غلبها سلطان النوم محلها في وسط الدرج، فلم تستيقظ سوى بعد ان انجلى الظلام وسقط نور البداية الجديدة للنهار على الأرض، فاعتدلت بجذعها تفرد ذراعيها التي اصابها التنميل من النوم عليها واتخاذها كوسادة، وفي اثناء ذلك ، لاحظت حركة ما تصل إليها من الخارج،
دنت بسيطًا حتى تنظر من الطاقة المفتوحة بوسط الحائط اللبني، بعد ان ابعدت القالب الذي يسدها، لترى بوضوح منها للى الخارج ، وكانت المفاجأة ، وهي وقوف ضاحي ابن زيدان الدهشوري في مقابل حربية ابنة عظمة الأعمى جارهم والملقبة بتفاحة في منطقتهم، تتشاجر معه بصوت خفيض ، بل تجذبه من ياقتي قميصه.
- لازم تتجوزنى وتعجد عليا يا ضاحي، يا إما هفضحك في البلد كلها، انا مش هشيل النصيبة دي لوحدي.
نزع ذراعيها عنه بعنف:
- نصيبة لما تاخدك، انا مالي انا ، شيلتك وتشيليها، حد جبرك على حاجة؟ ولا انتي عايزة تلبسيني نصيبة وخلاص، انا مش اهبل ليكي يا بت عظمة. عشان اصدج اني الوحيد.
صرخت به بصوتها الهامس بقهر:
- وربنا انت الوحيد، محدش في الدنيا جربلي غيرك، ليه بتعمل معايا كدة بعد ما اتلطيت، اخويا لو سمع هيدبحني وهيدبحك.
تبسم باستهزاء:
- اخوكي مين يا بت؟ هو لو راجل من الأساس كان سابك تمشي على حل شعرك وتعملي ما بدالك عشان توجعيني وادبس، لا يا تفاحة مش انا اللي اكل الطعم والبس نصيبتك، روحي يا بت دوري ع اللي يشيلها غيري، بعدي عني.
بصق كلماته الأخيرة، ينفض جلبابه ويرحل بخطواته السريعة يتركها في احزانها تكتم بكاءها الحارق بكف يدها على فمها، وهذه المصيبة التي جلبتها لنفسها بتساهلها.
لترتد بأقدامها وتغلق بابها عليها، وعادت زينب برأسها تغلق بقالب الطوب تلك الطاقة المفتوحة والتي جعلتها ترى ما سوف ينطبع بذاكرتها حتى وان لم تفهم معناه الآن بحكم عمرها الصغير، ليكشف حقائق أمامها لو تفوهت بكلمة واحدة منها سوف تطير الرؤوس وتتقطع الرقاب ، يالها من مصيبة قد اوقعت نفسها بها تلك البلهاء بإهمالها وتسيبها مع شاب عابث كهذا .
- جاعدة كدة في نص السلم ليه؟
وصلها الصوت من خلفها لتتوسع عينيها بعدم تصديق نحو أباها الذي كان يهبط امامها ولاول مرة منذ الحادث يخاطبها، حتى كذبت اذنيها ولكنه عاد يثبت لها وعينيه في عينيها دون ان يحيدها:
- جومي اغسلي وشك وتعالي عشان تفطري.
يدعوها للفطور أيضًا! يا إلهي، لابد أنها تحلم!
❈-❈-❈
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
هذا بالفعل ما كانت تشعر به هذه الايام، ذهول يكتنفها كلما توجه اليها بالكلام او سؤال ما بنبرة عادية، خالية من اللوم او الكره الذي كانت تراه جليا منه في الشهور السابقة، سألت نفسها كثيرا عن سر تغيره، وحينما تعبت من البحث عن الاجابة ، حمدت الله على هذا التغير ، حتى وهو لم يعد يفيض عليها بحنانه السابق او المرح او الضحك الذي افتقدته كثيرا منه، لتمضي قدمًا في الحياة الطبيعية وتتابع دراستها باجتهاد علّها تنال درجة من النجاح امامه، وهدأت الاحوال الى حد ما في منزلهم عكس ما كان يحدث حولهم، من نيران تشتعل بهدوء، مع هذه الأخبار التي تتواتر عبر الالسنة عن فضيحة على الأبواب في منزل عظمة الأعمى جارهم،
وكانت البداية لمعرفتها هي بما يقال، حينما استمعت لحديث والدتها مع تلك المرأة المدعوة خضرة، تلك التي تتاجر في كل شيء تحتاجه المنازل، تأخذ الغلال وما يصنع من لبن الجاموس او ينتج من تربية الطيور في منازل المزارعين وتبيعها في السوق، فتتربح هي بالعمولة وتنفع النساء اللاتي لا تجدن المقدرة او الجرأة كوالدتها على الخروج والتعامل المباشر مع الاشخاص الغرباء، فتسهل على المرأة التي تريد في الأساس مساعدة زوجها في تدبير احتياجات المنزل، أو العكس ايضا فخضرة تمثل اهمية اقتصادية قصوى للبلدة
ولكنها أيضًا معروفة بنقل الكلام من بيت إلى بيت، تكشف الأسرار ، وتعلمها النساء جيدًا وتعلم طبعها، ومع ذلك يفتحن بيوتهن لها، لعدم مقدرتهم على الاستغناء عنها، او ربما لعدم وجود البديل، فمهتنها تحتاج الجرأة والتفرغ او ربما الوجه المكشوف ، وهذا كله بها.
كان الحديث خافتًا لدرجة أثارت فضول زينب للأقتراب والجلوس بجوراهما للسماع جيدًا، ومع اندماج الاثنتين، لم ينتبها لها:
- بجولك البت بطنها في الرابع يا عزيزة ، دا اللي أكد عليه الدكتور، لما أغمي عليها في بيتهم ، وخدها اخوها وداها الوحدة
- يا مري، طب وانتي عرفتي منين؟
- جالتلي البت بهانة الممرضة، ما هي كانت هناك وشافت كل حاجة، دي جالتلي اخوها ومرت اخوها خرصوا مبلمين زي اللي نزل عليهم سهم الله، بعد الكلام اللي جالوا الدكتور.
سحبوا البت ومشوا بيها وما حد يعرف عنها حاجة دلوك، اصلها من يومها مطلعتش واصل ولا حتى شوفنا وشها
ضربت عزيزة بجزع على صدرها:
- يا ساتر يارب من الفضايح، طب وبعدين محدش عارف عملوا ايه فيها؟ ليكون اخوها جتلها ولا تواها.
تمتمت خضرة بمكر:
- هيجتلها ولا يتاويها من جبل ما يعرف باللي عملها، ما تفتحي مخك يا عزيزة؟
سألتها بارتياب:
- شكلك عارفاها دي كمان، اتكلمي يا خضرة في سنينك السودة دي.
مالت نحوها بتأكيد :
- الكلام اللي شايع على لسان الكل ، هو ان اللي عملها يبجى ضاحي ولد زيدان الدهشوري. .....
خرجت شهقة من عزيزة كالتي لسعت على يدها، لتهتف بارتياع:
- يا مري، الكلام اللي بتجوليه ده تطير فيها رجاب ، واولهم رجبتك.
- ورجبتي انا ليه بجى؟ هو انا اللي مطلعة الكلام؟ دا طلع من بيت الدهشوري نفسه، بيجولك حميد واد عظمة الاعمى كان عند زيدان في بيته امبارح، وبعد ما خلص جعدته معاه، طلع من عنده وشه مغبر واسود زي الطينة، اما زيدان بجى فلم عياله الكبار حامد وضاحي، في اوضته لوحديهم وجفل عليهم، وبعدها حسهم كان طالع لاخر البيت في الزعيق مع بعض التلاتة.
- كمااان.
تمتمت بها عزيزة، واناملها تربت على وجنتها بتوتر، لتردف بحنق:
- اكيد اللي واصلك الكلام ده حد من البنتة الخدامين هناك، ياكش اللي بلغتك تتجاب في الكلام والحديت عشان تغور فيها، دي اعراض ناس يا مري.
التوى ثغر خضرة بعدم رضا، لتردف بعد ذلك بتملق:
- يا عزيزة ما هي مابلغتش حد غريب، وانا برضك مش دايرة انشر في الحديت دا لولا معزتك انتي وعارفة انك تصوني السر، ما كنت اتكلمت ولا خشمي اتفتح.
بملامح متشككة عقبت لها بتحذير رغم انتقاء الكلمات:
- اممم ياريت يكون كلامك صح يا خضرة، وتاخدي بالك ان الحجة فضيلة ماتفوتش عليها تايهة، حذري المضروبة اللي فتنت تخرص خالص، وانتي يا غالية برضك خلي بالك، سوا زيدان ولا عياله ولا حريم عياله ولا حتى عيالهم الصغيرين، البيت دا كلهم واعرين ، مفيش ساهل منهم واصل، واحنا غلابة.
اصابت عزيزة الوصف عن أهل هذا المنزل، هذا ما تأكدت منه زينب ، والتي كبرت قبل اوانها بهذه الاحداث التي تتوالى امامها، فهي الاعلم بصدق الرواية، بما رأته وسمعته بنفسها واصبحت تفهمه الآن
حديث حربية وضاحي كان واضحًا وضوح الشمس ، هو المتسبب لما يحدث للفتاة، ومادام ابيه قد علم، لابد انه سيحكم بالعدل، كما تسمع دائمًا من ابيها عن حكمة الرجل في حل مشاكل البلدة ، فما بال مشكلة تحدث في منزله؟
هذا ما توقعته زينب، ولكن ما تم كان غير ذلك على الإطلاق، فقد توالت ايام التوتر والحديث المنتشر كان يتوسع والسؤال عن الفتاة كان الشغل الشاغل للجميع، بعدما علم اهل البلدة بسفر ضاحى المفاجئ ليكمل تعليمه في الخارج
لقد فعلها زيدان الدهشان بأن ابعد ابنه عن البلدة بأكملها ولا احد يعلم كيف تم ذلك؟ اما عن الفتاة التي استمر السؤال عنها لمدة جاوزت الشهر، فقد انتهت حكايتها بخبر وفاتها الذي اعلنه شقيقها بعد ذلك ، ان اصابتها حمى شديدة لم يحتملها جسدها، ورغم تشكك الجميع في صدق الرواية، الا ان الامر اتخذ وضعا طبيعيا بشكل يفوق المعقول، فقد تمت الجنازة وخرجت الفتاة بكفنها محمولة دون ان يعلم احد السر الحقيقي للوفاة ، ونصبت جنازة حضرها زيدان الدهشوري نفسه وابنه الأكبر، وكأنهم لا صلة لهم بما حدث للفقيدة
وطويت الصفحة، وصمتت الافواه، كعديد من القصص المشابهة، وتروح ضحيتها الفتيات اللاتي يتحملن الذنب من اوله لاخره وحدهن، والرجل دائما في منأى عن الحساب.
لتدور السنوات وتكبر زينب حتى استطاعت التخرج من سنتها الاخيرة من الجامعة بعد اصرار والحاح ومثابرة ، ومعارك خاضتها لتحقيق ذاتها، ولكنها فقدت اهم داعم وهي جدتها، بعدما ساندتها في دخول الكلية رغم رفض ابيها الذي كان يبتغي زواجها في سن صغيرة كباقي الفتيات من اهل البلدة، وذلك لطرق الخطاب المستمر على بابه من أجل خطبتها.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
فقد تحولت كليًا بعدما كبرت من فتاة رفيعة تحرقها شمس المرعى ، الى انثى كاملة ذات جمال ساحر وخاص ، فقد صدقت جدتها حينما أنبأتها عن ذلك وهي طفلة ولكنها لم تكن تصدق.
- سرحانة في ايه يا زينب؟
صدر الصوت من عزيزة وهي تلج إليها بداخل غرفتها،
لتنزعها من شرودها ، فتلتف اليها تجيبها:
- مش في حاجة مهمة ياما، كنت بفكر بس في حاجة تخص البحث االي شغالة فيه.
التوى ثغر عزيزة لتعلق بامتعاض:
- تاني برضو بحث وكلام مش جايب همه، يا بتي ما تهمدي بجى وخلينا نجوزك، مش خلصتي الكلية الخربانه ايه باجي تاني؟ مينفعش تتطولي اكتر من كدة،
قالت الأخيرة بما يشبه النصح، بعد استرسالها في الانتقاد، لتقطب زينب بفراسة وتعقب:
- المجدمة دي انا عارفاها ياما، اكيد وراها عريس صح؟
لم تنكر عزيزة،، فقد تكلمت على الفور تجيبها:
- ايوة يا عين امك، واد زين ابن خالة امي، شافك وانتي راحة تزوري خالتك، سأل واطجس لحد ما عرف عنوانك، ودلوك باعتلي امه تشوفك
- تشوف مين؟
خرجت منها باستنكار جلي قابلته عزيزة بضجر:
- تشوفك انتي يا وش النصايب، بس انا فهمتها انك مش جاعدة عشان متسوديش وشي زي كل مرة ومترضيش تطلعي للولية تشوفك.
- عملتي خير عشان انا فعلا مكنتش هرضى اطلعلها.
- ضربة دم تاخدك، خبر ايه يا زينب؟ زودتيها جوي يا بت بطني، طب تعليم وخلصتي، ايه حجتك تاني،
- اتوظف.
سمعت عزيزة ليزداد انفعالها:
- بوووه عليا وعلى سنيني، وهي الوظيفة دي متنفعش تاجي وانتي متجوزة، ولا في حد اساسًا بيتوظف في البلد الفجرية دي؟
زمت شفتيها صامتة عن الرد لتواصل والدتها وتسألها بارتياب:
- ولا يكون في حد في مخك يا بت وانتي مستنياه.
لم تتواني زينب هذه المرة عن الرد بجرأة:
- ايوة في ياما، وانتي عارفه وبتنكري
اغمضت عزيزة عينيها بتعب وقد فهمت ما تعنيه ، لتضغط ساحبة شهيق كبير ثم تطرده، لتتماسك قليلًا ف الرد كازة على أسنانها بصوت خفيض:
- تاني برضك الموضوع الماسخ ده يا زينب؟ يا بت انا مش عايزة اعلي حسي عشان ابوكي ميسمعش برا، واد فهيمة اللي لسة مدخلش الجيش وكدك في السن، هيتجوزك ازاي وهو لسة متوظفش حتى ولا راضي يشتغل ويجيب لجمته.
دافعت زينب:
- مختار بيسعى ويدور على وظيفة، هو بس موضوع موقفه من الجيش اللي معطله شوية، زني على ابويا يرضى ويستنى عليه، مش كل مرة يكسف اخته ويلاوعها في الكلام، دا برضك واد عمتي ومش غريب عني.
زمجرت المرأة تنهي المناقشة بنهوضها فجأة:
- انتي راسك فيها مركوب جديم، ودايما تاعبة جلبي، انا جايمة وسايباهالك خالص، حتى البيت مش جاعدة فيه .
ضحكت زينب تشاكسها:
- ناجص كمان تسيبي البلد وتمشي، هتروحي فين يا عزيزة وتسيبي جوزك وعيالك؟
التفت إليها برأسها تجيب عن السؤال:
- راحة بيت عمك زيدان، الراجل المرض شد عليه، وبيجولوا، حتى كلام مش جادر،
- يا ساتر ربنا يلطف بيه.
تمتمت في اثرها زينب، تشرد في حال الرجل الذي كان يملأ الدنيا بأخباره، وقد دار به الزمن وحط عليه المرض ، ليصبح لا حول له ولا قوة، والمتحكم الآن في كل شيء هو ابنه الأكبر حامد،
تنهدت لتترك محلها، وتتجه نحو النافذة، وتفتح شراعها لتنظر الى الخارج، حيث منزل زيدان الدهشوري المقترب من منزلهم المتواضع وعدد البشر التي تدخل وتخرج اليهم من البوابة الرئيسية للاطمئنان على الرجل.
تبسمت ساخرة فلو كان هذا الرجل فقيرا او مواطنا عاديا ما كان الوضع سيصبح هكذا ابدا، تذكرت ابنه ضاحي وسفره الذي طال بالسنوات، ترى ما موقفه الآن؟ هل سيترك غربته ويأتي بعد كل هذه السنوات؟ ام وجد موطنه المناسب لعبثه ومجونه؟
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
خرجت زينب من غرفتها متجهة نحو موقد النار في الفناء الخلفي ، لتغسل شعرها من الماء الساخن الذي تركته لها والدتها بعدما حممت اشقائها الصغار منه، لتأخذ هي المتبقي في الإناء النحاسي الكبير.
رفعته من موضعه لتضعه على الأرض بجوار وعاء بلاستيكي كبير، ثم جلست هي على وسادة من القماش، لتميل رأسها للأمام ، وبدأت لتغرف من الماء على الشعر، تمرر عليه بالصابون العادي حتى انتهت من تنظيفه تماما، ثم تناولت المنشفة لتجففه جيدًا، وتنتبه اخيرا حينما ارتفعت عينيها للأعلى، لمن وقف منذ فترة يتطلع اليها من داخل شرفة المنزل الكبير والكاشف لكل بيوت القرية لعلوه المميز عن الجميع، لتشهق بخضة تركض نحو الداخل صارخة:
- يا مري، إلحجيني ياما، في راجل غريب واجف في بلكونة بيت الدهشوري، كان بيبص عليا بغسل شعري في الحوش.
....يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ضاحي! ، يعني اللي كان واجف في البلكونة من شوية يبجى ضاحي، ودا رجع امتى من سفره؟
تسائلت بها مندهشة نحو والدتها التي كانت تعد في طنجرة كبيرة الطعام على الموقد الغازي بداخل المطبخ المتواضع:
- ايوة يا بت، ما هم بيجولوا انه رجع من سفره امبارح عشية عشان ابوه.
- يا سلام.
تخصرت تردف بسخرية :
- يعني افتكر ابوه دلوك عشان يرجع من غيبته بعد سنين معتبش فيها البلد ، وابوه بجالوا اكتر من سنة تعبان،
- اهو اسمه افتكروا وخلاص، واحنا مالنا اصلا ؟
قالتها عزيزة لتصيح بها زينب غاضبة:
- ياما بجولك كان بيبص عليا وانا بغسل شعري من غير خشا ولا حيا.
- يا بتي اكيد كان طالع بالصدفة ومكانش جاصد
قالتها عزيزة ثم التفت نحوها توجه اللوم لها:
- وانتي برضك غلطانة يا زينب، حبكت تغسلي شعرك النهاردة في الحوش جمب الكانون؟ امال الحمام عندينا بيعمل ايه؟ على العموم هو هيعرفك منين اصلا؟
رغم حنقها من توجيه اللوم لها، الا انها لا تنكر اهمالها في هذا الأمر، ولكن هذا ما اعتادت عليه، نبتت داخلها القوة لترد بدفاعية رغم ارتباكها في بداية الأمر :
- وهي دي اول مرة يعني، ما انا طول عمري بحب اغسل شعري من المية السخنة جنب الكانون، ثم ان الجهة دي من بيتهم بجالها سنين مهجورة، وانا خدت اماني بكدة .
- واديكي عرفتي ان صاحب الجهة دي رجع، خلاص بجى حرصي وخدي بالك، حوشنا نصه مكشوف زي ما انتي عارفة.
- عارفة.
رددت بها زينب بقهر تدب قدمها على الأرض بعدما حملتها والدتها الذنب وتحركت تشرع بالذهاب نحو غرفتها حصن أمانها، ولكن عزيزة اوقفتها فور ان استدارت:
- بت يا زينب، متجربيش ع اللبن اللي في التلاجة، انا بحوشهم عشان ناوية أوفي بالندر اللي عليا بكرة إن شاء الله
- إن شاء الله.
غمغمغت بها زينب قبل ان تتركها وتذهب .
❈-❈-❈
في وقت لاحق
وبداخل غرفتها كان الحديث مع صديقتها نورا التي أتت لزيارتها:
- نشف دمي والله، انا مش عارفة طلعلي منين؟
والمصيبة اني معرفتهوش
- معرفتهوش كيف ؟ شكله اتغير يعني؟
- انا لحجت اشوف شكله انتي كمان؟ اللي شوفتو واحد غريب جدامي، ساعتها فريت على امي وانا مفزوعة.
زامت نورا بفمها لتتكئ على الوسادة خلفها تردف:
- اممم بس انا سمعت انه بجى حاجة تانية، جيمة وسيمة ولا اللي بنشوفهم في التليفزيون، دا غير انه عجل جال وبجى رزين وهيبة.
رددت خلفها بعدم تصديق:
- هيبة كمان، ضاحي بجى هيبة يا نورا؟ والله ما اصدج .
- يا بت امي حكتلي وابويا كمان، الناس كلها بتروح تسلم عليه، ايه رأيك نروح احنا كمان؟
- ريح لما يمسك في ضلوعك، مين دي اللي تروح يا زفتة؟ عايزة تشليني يا نورا؟
ضحكت الأخيرة تضرب كفًا بالآخر تردد باندهاش:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، طب وفيها ايه يا بت الناس؟ دا حتى يعتبر من عيلتك واسمه واد عمك حتى لو من بعيد، يعني واجب عليكي تروحي تباركي لناسُه على رجوع ولدهم من الغيبة الطويلة، يعني الغريب يعمل الواجب، والجريب لاه.
- يا ستي انا معنديش اصل.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تمتمت بها زينب بضيق، تشيح بوجهها للناحية الأخرى بتنهيدة خرجت من العمق، والذكرى القديمة تلوح بعقلها ، وقتها كانت صغيرة ولم تكن تعي جيدًا معنى ما سمعته، لكن مع مرور الزمن ونضوجها فهمت جيدًا الذنب العظيم الذي راحت بسببه الفتاة، وما اَلمها بشدة هو ما علمته بعد ذلك حينما تسربت الإشاعات عن تجويعها بالأيام قبل موتها من قبل أهلها، شيء تقشعر له الأبدان.
وهو لم يمسه شيء سوى الإقصاء بعيدًا يفعل في بلاد الغربة ما يبتغيه دون حساب او مراقبة، ويأتي الآن يقابل باستقبال الفاتحين، نسي الجميع فعلته .
❈-❈-❈
صممت زينب على عدم الذهاب رغم محايلة صديقتها وتوبيخ والدتها؛ التي تتخذ الامر بحساسية تقديرا للحاجة فضيلة المرأة الثابتة كالوتد، حتى وهي تخطت الثمانون من عمرها الا نها صاحبة الكلمة العليا على الجميع في المنزل إلا طبعا هذا المدعو حامد ، وريث السلطة والهيبة وكل شيء بعد ابيه.
عادا الاثنان من زيارتهم والساعة تتعدى الحادية عشر مساءًا، كانت زينب في هذا الوقت قد انتهت من جلي الصحون وترتيب المنزل ، بعدما اطعمت اشقائها الصغار ليناموا مبكرا ككل يوم، ووقفت تتابع دخولهم المنزل والحديث بينهم.
- يا وعدي يا مطاوع الواد بجي حاجة تانية.
- طبعا يا اختي، لهو كان شغال فاعل، دا كان في بلاد برة بيصرف على كيفه وعايش برنس.....
- بس انا سمعت من جدته الحاجة فضيلة انه كان فاتح شركة لعيلته هناك وبيديرها، يعني مكانش جاعد صايع، بدليل الوجاهة اللي هو فيها دلوك .
- بجى هي جالتلك كدة، الله اعلم، اصل انا سلمت عليه وبعدها سيبتهم هو واخوه والرجالة اللي معاه، كملت جعدتي مع مجموعة حبايبي كانوا بيشربوا جوزة على جمب لوحديهم في المندرة .
التوى ثغر عزيزة ومطت شفتيها بحنق لتعقب قبل ان تجلس على اقرب وسادة وجدتها امامها غير منتبهة لزينب:
- وانت وراك وراك الجوزة حتى عند الناس وفي الجعدات المهمة اللي زي دي.
عبس مطاوع وهو يجلس ايضا بالقرب منها ، ليرد بضيق:
- ومالها يا اختي الجوزة، على الاجل الواحد بيطلع همه فيها.
اقتربت منهم زينب لتنتبه عليها والدتها فتخاطبها بضيق:
- وانتي يا محروسة كنتي هتخسي لو جيتي معانا، جدتك فضيلة سألت عليكي، معرفتش ارد عليها اجولها ايه؟
- جوليلها نامت بدري عشان مصدعة ياما، مش مستأهلة تتلخبطي ولا تًحرجي منها هو استجبال الزناتي خليفة يعني؟
قالتها زينب بتهكم، فأتى الرد من والدها :
- انتي بتجولي فيها، رجعة ضاحي دلوك بعد رجدة ابوه وكل شيء بجى في يد اخوه، معناها كبير،
ودا باين جوي من معاملة حامد ليه وتكبيره في الجعدة، الواد الكبير شكله هيحط اخوه على راس الكل.
وافقته عزيزة القول :
- طبعا ما هو جاتله الفرصة دلوك بعد عيا الراجل الكبير، اخوه شجيجه اولي من عيال نبيهة ولا ستهم ، حريم ابوه. وحامد دا مش هين.
- ايوة عندك حق، مش هين واصل .
قالها مطاوع بيقين شعرت به زينب، فهي لطالما سمعت عن المدعو حامد هذا وشدته، حازم وصارم، ورث عن اباه الهيبة والحسم، والآن جاءته الفرصة ليزيد من فرض سلطته على اخوته من اباه، ترى ماذا يخطط ايضًا بمجيء ضاحي شقيقه العابث الفاسد؟
❈-❈-❈
في اليوم التالي
قامت عزيزة بإعداد طنجرة ضخمة من الارز المختلط بالحليب، لتوفي نذرها، وتوزع منه على جيرانها والأقارب، تحمله بنفسها او يتكفل اطفالها الصغار بالمهمة عنها ، حتى أتى الدور على المنزل الأهم، فتوجهت بالطلب من ابنتها التي كانت تساعدها:
- بت يا زينب، خدي انتي الحلة الصغيرة دي ووديها لبيت عمك الدهشوري.
- انا ياما!
- ايوة انتي يا عين امك، مينفعش اشيل الحلة لحد من اخواتك لا يدلجها، دا غير ان الحجة فضيلة ممكن تزعل.
- يا دي الحجة فضيلة.
تمتمت بها زينب بضجر قابلته والدتها بغضب:
- اياكي تغلطي يا زينب، دي كانت حبيبة جدتك الله يرحمها ولا ناسية.
- الله يرحمها ويسامحها ، في حد ينسى حبيبه ياما؟
قالتها زينب بشجن واشتياق حقيقي لجدتها الحنون ، التي كانت الداعم الاساسي لها وسندها في الايام الصعبة التي مرت بها في السنين الفائتة.
❈-❈-❈
بعد قليل
كانت امام المنزل ، وما همت ان تشرع بالطرق على بابه متوقعة ان تخرج اليها أحدى الخادمات من المنزل الكبير، او على الاقل سيدة من سيدات الدار او الاحفاد، ولكن من خرج لم يكن احد منهم:
- انتي مين ؟
تفاجأت به أمامها بهيئته الجديدة يرتدي حلة بيضاء ، عليها عباءة بنية زاهية، تغلب في أناقتها كبار رجال الأعمال والهيبة في بلدها، وملامح الوجه التي نحتت لتبرز وسامته بوضوح تام ، حتى انها كادت الا تعرفه في البداية، لولا سؤاله المقتضب ونبرة الصوت التي تحفظها عن ظهر قلب، بحديثه الاخير الذي يتكرر بأسماعها رغم مرور عدد لا بأس به من السنوات.
عند خاطرها الاخير وجمت تجيبه على مضض ، متجنبه النظر اليه:
- انا بت مطاوع الجفاص، وكنت جاية بحلة الرز بلبن دي لجدتي فضيلة، ندر امي بتوفيه.
توقعت ردا مفاجئ ولكنه انتظر قليلا، وزوى ما بين حاجبيه يتمعن النظر بها، وبعدم استيعاب خرج صوته:
- انتي زينب؟! معجول؟ لدرجادي كبرتي واتغيرتي يا زينب، انا معرفتكيش واصل.
عبست بضيق متعاظم تكتمه داخلها، ليخرج صوتها بجملة مقتضبة كي تنهي هذا اللقاء وتعود الى منزلها:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ما الصغير بيكبر ومفيش حد بيقعد على حاله، معلش ممكن تنده لحد من الشغالين ياجي ياخدها مني عشان اروح...
هتف يفسح لها الطريق:
- تمشي فين يا زينب وانتي ع الباب؟ خشي الاول .
- مش لازم يعني، ممكن انت تنده بس......
قاطعها بحزم :
- جولت ادخلي يا زينب، ولا انتي مش عايزة تسلمي ندر امك لجدتك فضيلة؟
في الاخير اضطرت مذعنة لتدلف الى داخل الدار، يصلها صوت خطواته من خلفها، واستغرابها من عودته، الم يكن في طريقه للخروج؟!
ثقل يجثم على انفاسها ودت لو استدارت تخرج بما تحمله،
- جدتك جدامك اها يا ستي .
قالها مشيرا بذراعه للأمام، وتقع عينيها على المرأة التي كانت جالسة بوسط الدار كعادتها وكأنها ملكة تحدد مكانها المظبوط لمباشرة كل شيء حولها ، دخل الاكسجين رئتيها، وخف التوتر قليلا برؤيتها ، لتخطو بسرعة نحو المرأة تخاطبها بلهفة وعجالة:
- صباح الخير يا جدة، امي بعتالك الرز بلبن ده.
خرج صوت فضيلة لها بدهشة:
- صباح الخير يا ست زينب، طب مش تاخدي نفسك الأول وكلميني براحة، رز ايه اللي بعتاه امك؟
انفرج فاهاها بنية الرد ولكنه كان الاسبق:
- بتجولك ندر وبتوفيه امها يا جدة .
قالها ثم اقترب فجأة ليتناول منها الصينية بالطنجرة الصغيرة التي تحتوي بداخلها على الأرز بالحليب،
كفه الكبيرة كانت على وشك ان تلامس كفها او ربما لامستها ، وهي أبعدتهم على الفور ، لتشيح بوجهها عن مرمى عينيه الوقحة، وهذا القرب قد اثار استفزازها،
- عن اذنكم بجى
استدرات على الفور تهم بالذهاب، وتستأذن بالإنصراف ولكنه اوقفها بقوله:
- استني يا زينب، هو انتي مستغنية عن الحلة ولا مش جادرة تنتظري ندوق منها ونجول رأينا في عمايل امك .
اجفلها بقوله لتلتف إليه بلمحة من ارتباك اصابتها كنتيجة طبيعية بعد قوله، وهي لا تجرؤ على الرد بحرية في حضرة جدته، والتي لاح العتب على ملامحها:
- دا برضوا كلام يا زينب، عايزة تسلمي الحلة وتفري زي العيال الصغيرة، هو انا بايتة في حضنك يا بت عشان متسلميش عليا بيدك؟
- تبًا هذا ما كان ينقصها.
غمغمت بالكلمات داخلها، لتضطر على مضض التراجع عن الذهاب ، والعودة الى المرأة وترضيتها، لتقترب منها متمتمة بأسف:
- لا والله يا جدة ما اجصد، انا بس عايزة ارجع عشان اساعد امي.
جذبتها من كفها التي امتدت نحوها بالمصافحة، لتجلسها بجوارها، وتقبلها من وجنتيها، تزيدها حرجًا امام هذا الذي جلس هو الآخر مقابلًا لهم بجرأة يهتف مناديا على الخادمة لتأتي له بطبق وملعقة كي يتناول من الأرز.
عاتبتها المرأة العجوز كالعادة تلكزها بخفة على ذراعها:
- كبرتي على جدتك يا بت ورجلك تجلت علينا، كدة برضو يا زينب تزعليني منك .
ردت بخجل شديد:
- يا جدة وانا اجدر برضو اتكبر عليكي، بس الدراسة في الكلية هي اللي كانت لهياني، ودلوك يدوب مخلصاها من شهرين تلاتة.
جاءها التعقيب من خلفها:
- خلصتي كلية كمان يا زينب؟ دارسة ايه بجى؟
ردت تجيبه على مضص دون ان تلتف نحوه:
- تربية انجليزي.
- يعني تطلعي مدرسة انجليزي.
اكتفت بإماءة برأسها ردًا له، فتابع بإطراء:
- يا ماشاء الله عليكي يا زينب، يا زين ما خلف ابوكي.
تدخلت فضيلة توافقه القول:
- ايوة اومال ايه يا واد، دي زينة البنتة كلها، نص البلد اتجدمت لها، وابوها بيرفض ويتشرط عليهم بكيفه، حقه بجى.
- اه والله يا جده حقه.
ردد بها من خلف جدته بنبرة لم تعجبها مع شعورها بنظراته التي تخترقها من كل جانب، ليتحول الخجل داخلها لحنق شديد تجاهد لكبته، فنهضت فجأة تستأذن:
- طب يا جدة تبجي تبعتي الحلة مع أي حد من العيال، مينفعش اتأخر عن امي اكتر من كدة، عن اذنكم.
قالتها واكتفت بإماءة تلقتها من المرأة مع ابتسامة رضا لتلتف سريعًا نحو المغادرة ، ولكنه ايضا اوقفها للمرة الثانية بإطراءه:
- بلغي امك يا زينب ان الرز حلو جوي .
- حاضر .
صدرت منها سريعًا كرد له، لتسرع بخطواتها في المغادرة، خشية ان يوقفها مرة أخرى، حتى كادت ان تصطدم بأحد ما :
- حاااسب.
صدرت من احد الرجال، لم تتبين صفته سوى بعد ان رفعت ابصارها إليه، لتصعق بهوية الشخص، وقد كان الرجل الأخطر كما تسمع من والديها ، الشقيق الأكبر لضاحي ذاك الذي يستولي على كل شي في ملك اباه حتى قبل موته:
- انا أسفة مكنتش واخدة بالي.
غمغمت بها بعجالة، لتكمل طريقها دون ان تسمع رده، حتى تطلع في اثرها باندهاش:
- دي مالها دي؟
غمغم بها حامد وهو يقترب من جلسة شقيقه مع جدته والتي جاء ردها بابتسامة:
- تلاجيها مكسوفة بس، اصلها مبتطلعش كتير من بيتهم ولا ليها اختلاط بحد .
تسائل حامد:
- مش دي زينب بت مطاوع الجفاص برضو ولا انا مش واخد بالي؟
- هي بعينها يا ولدي.
قالتها فضيلة ليعقب ضاحي خلفها:
- بس دي اتغيرت خالص يا جدة، البت اتبدلت، بجى دي اللي كنت اشيلها على يدي اخاف عضمها يطق في يدي من ضعفها، زينب ام عرجوب ناشف تبجى بالحلاوة دي .
قارعته فضيلة بمنطقها:
- وايه العجيب في كدة؟ دي معروفة من زمان، البت ليها سابع وانت سايبها عيلة تمن سنين ، طبيعي يا ولدي تستغربها، بس هي زينة صح، ياما كان غرضي اجوزها لحد من خواتك من عيال نبيهة ولا ستهم، بس كلهم مشو ورا امهاتهم، واتجوزو من ناسهم.
صمت ضاحي بشرود دون ان يعقب، فهتف حامد موجهًا الحديث له:
- ايه يا واد ابوي، هو انت هتجعد يومك كله تاكل في الرز ابو لبن جدامك، انا بجالي ساعة مستنيك في العربية، ولما زهجت جولت ادخل اشوفك .
تبسم يجيبه بنظرات ذات مغزى؛
- معلش يا واد ابوي، بس الرز طالع حلو جوي .
- الرز برضو.
قالها حامد ليضحك عليها الاخر، قبل ان ينهض ويعدل من اناقة ملابسه، فسألت فضيلة بفضول :
- الا صح مجولتوش، لابسين كدة انتوا الاتنين ورايحين على فين؟
خرج الرد من حامد :
- هنجولك يا جدة واحنا لينا بركة في الدنيا غيرك، اصبري على ما نرجع بس ونبلغك كل حاجة على نور .
.... يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
صوت الاعيرة النارية التي كانت تدوي في هذا الوقت بصخب وضجيح الأصوات المهللة التي تصل إليها، حتى جعلها تخرج من داخل غرفتها مجفلة لتستطلع الامر ، لتجد والديها وأشقائها الصغار جميعهم يقفوا خارج المنزل كباقي افراد المنطقة، وأعينهم منصبة نحو المنزل الكبير، والذي بدا كما يشبه الفرح.
- ايه في ايه، ايه اللي حصل لضرب النار دا كله؟ مالهم بيت الدهشوري؟
تساءلت بها فجاء الرد من أحد اشقائها الصغار بسجيته:
- عمي ضاحي هيبجى نائب في مجلس الشعب .
- ضاحي مين اللي هيبجى نايب؟
ردت والدتها وهي تعود اليها لداخل المنزل بابتسامة لاحت على ملامحها:
- ضاحي الدهشوري يا ست زينب، جدم ورقه للترشيح في الحكومة واتجبل، ومدام إتجبل ترشيحه اعرفي انه ناجح ناجح، عشان تتأكدي بس انها مش بالعلام ولا الكلام الفارغ بتاعك.
اعتلت الصدمة معالمها، تزبهل لبعض اللحظات ف محاولة للاستيعاب، ثم رددت بعدم تصديق:.
- انتي بتتكلمي جد ياما؟ يعني ضاحي..... هيبجى نايب في المجلس الموقر.
ضحكت عزيزة بمرح:
- ومالوا يا بت لما يبجى سيادة النايب ؟ ان مكانش هو ولا اخوه البيه التاني حامد حد فيهم يا خدها، مين في بلدك كلها يستاهلها؟
- حامد
غمغمت داخلها كلمة السر فيما يحدث، انه هو من أتى بشقيقه من اجل ان يضعه على رؤوس الجميع كما قال والدها، لكن هذا تعدى التصور ، وبهذه السرعة يريد ان يضعه في منصب هام كهذا؟
- طب وحامد باشا دا ان شاء الله، متجدمش هو ليه؟ على الاجل هو ليه ارضية وهيبته واصله لبرا البلاد اللي حوالينا؟
صدر منها التساؤل، وكأنها تحدث نفسها، فجاء الرد من والدها الذي دخل بالصدفة اثناء الحديث:
- وهو حامد محتاج هيبة يا بت؟ ولا معاه وجت اساسًا للمجالس والكلام الفاضي دي؟ دا راجل عملي وبتاع فلوس ماليها عدد...
تنهد يجلس على الارض ويتابع:
- العز وز يا عم، فلوس ووجاهة وكله، احنا نحمد ربنا اننا عايشين فيها اساسًا .
علقت على قوله زوجته:
- بس برضك اهي فايدة للعيلة يا مطاوع، دلوك اللي عايز خدمة هيروحله يخلصهالو بسهولة، واللي عايز وظيفة كمان، انت اول حاجة تعملها بعد ما تباركله، تطلب منيه يوظف بتك.
- يوظف مين ياما؟
صرخت بها وكأن عقرب لسعها، لتعبر عن رفضها بوضوح تام:
- ضاحي دا لو اخر واحد في الدنيا انا مش عايزة مساعدته، إن مكانتش تاجي الوظيفة من عند ربنا مش عايزاها.
بصقت كلماتها وتحركت نحو غرفتها على الفور، لتردد في اثرها باندهاش:
- لو اخر واحد في الدنيا مش عايزاها، طب ياختي خليكي في خيبتك كدة على ما ربنا يفكها عليكي.
اضاف مطاوع على قولها:
- بتك فجرية يا عزيزة، سبيها في هبلها دا مرنخة من غير فايدة، مفكرة ان في حد اساسا بيتوظف في الزمن ده من غير واسطة، هي اللي خسرانة.
❈-❈-❈
دلفت لداخل الغرفة تغلق بابها عليها بحالة من الغضب تكتنفها حتى تجعل الدماء تغلي برأسها، وعدد من الأسئلة تصدح داخلها، لماذا لا يوجد ميزان عدل في بلدهم؟ كيف يخطأ اثنان، فيتحمل الذنب جميعه شخص واحد والأخر يقضيها دون حساب او عقاب، رغم معرفة الجميع بخطيئته
تفاحة ماتت وووالدها الأعمى مات خلفها، شقيقها الذي عاش من بعدهم الحياة بطبيعية رغم جرمه هو الاخر ، ترك البلدة الان للعمل في إحدى المحافظات الحدودية، ولا احد يعلم كيف تم ذلك في يوم وليلة.
وهو المجرم الاكبر، قضى العديد من السنوات بعيدا عن اي منغصات، والآن يعود لينول الوجاهة بمنصب هام، يالها من كوميديا سوداء ، ذلك الذي يعيشه المرء الآن.
تنهدت بأسى تتذكر الرجل المريض الآن زيدان الدهشان والده، حينما اصدر امره بإبعاد ابنه عن البلدة، انه لم يكن عادلا في هذا الأمر، ولكنه كان مراعيًا على الاقل لمشاعر الخلق.
تنهدت بضيق متعاظم مع تذكرها وقوفه بالشرفة وتحديقه بها دون مرعاة اثناء غسل شعرها بغفلة منها قبل ان تنتبه له، لقد تكرر الموقف يوم امس، حينما دخلت خلف والدتها تساعدها في اعداد الخبز بالفرن الطيني خاصتهم، وقد كانت منهمكة معها وللمرة الثانية انكشف شعرها وهي غافلة ولم تنتبه الا بعد فترة من الوقت، لتجده بنفس الوقفة، فبرقت عينيها بغيظ تنبه والدتها ، والتي ما ان رفعت رأسها إليه، حتى لوحت له تحيه بعفويتها ، ليبادلها هو الاخر بمكره، ثم ينسحب للداخل، ليبدو الأمر عادي ويمر كما يمر كل شيء من حولها.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
❈-❈-❈
في المساء
وكما توقعت ازدحم المنزل من الداخل والخارج بأعداد البشر التي أتت تبارك لمجرد قبوله بالترشيح للمجلس الموقر، حتى والديها ذهبا هما الاخران وأشقائها الصغار مع باقي الاطفال هناك، ينالون جانب من الاحتفال بالحلوى والمشروبات الغازية التي توزع عليهم،
اما هي فظلت على عهدها ولم تتحرك من منزلها إلا اذا جاء احد الزبائن لاستلام حاجته من الاقفاص التي صنعها والدها، ، أو يسجل طلبه معها حتى يأتي والدها وتخبره، فما بالها ان كان الطالب من تنتظر اللقاء به يوميا،.... ابن عمتها
لتخرج إليه خارج عتبه المنزل، في الجزء الذي يعمل به والدها، بابتسامة، لا تخفي لهفتها في لقاءه:
، ايه اللي جابك دلوك يا مختار؟ ابويا مش جاعد .
قابلها بابتسامته الحلوة:
- طب وانا ايش عرفني ان خالي مش جاعد، انا جاي مرسال من امي ، اصلها بتستعجله على طلبها ، يا ترى خلص اللي جالت عليه؟
نفت بهزة خفيفة بكتفها، وكأنها لا تتذكر الدلال إلا بحضوره:
- بصراحة معرفش يا استاذ مختار انت جصدك على ايه بالظبط؟
طالعها بافتنان يجيبها:
- والله حلوة منك استاذ دي، بس انا بسأل ع الكفاية ( شيء يشبه القفص، ولكن اكبر واضخم) اللي طلبتها امي منه عشان فروجها اللي بينزل عليه الصيد كل ليلة،
نقلت بعيناها نحو احد الاركان لتشير بكفها والابتسامة لم تغادر شفتيها:
- اممم افتكر يعني اللي جاعدة هناك دي، كان ابويا نبه انها بتاعة عمتي وخلصت، يعني لو عايز تاخدها خدها.
- اخدها وامشي على طول
غمغم بها بضيق، شاعرًا بعدم الاكتفاء بعد من رؤيتها، ليعبر عما يعتريه من حزن:
- اه انا دلوك بس اتمنى عمي يبجى حاضر، ع الاجل هجعد براحتي وتطول شوفتي ليكي.
اسبلت اهدابها عنه بخجل، فهي أيضًا ينتابها الشوق للجلوس والحديث معه بحرية كما كان يحدث ايام الجامعة، وفي سنين التعليم التي مروا بها معًا.
ردت حينما طال صمته:
- مينفعش الوجفة كدة في الشارع، الكفاية جاهزة ان كنت هتاخدها معاك.
اومأ رأسه بتفهم ليقول ببعض الجدية:
- تمام، انا برضوا عامل حسابي وجيبت عربية النص نقل عشان اخدها.
لم تجد ما ترد به، ليتنهد هو بقلة حيلة ويتوجه نحو ما أشارت إليه، ليغمغم بداخله:
- الله يسامحك يا خالي، وانت محيرني كدة ومش راضي ترسيني على بر واصل.
️
رفع القفص الضخم وما هم ان يتحرك به ، حتى وجد ان طرفه انزلق منه، ليتمتم بحرج:
- يا دي الكسوف.
ضحكت هي من خلفه مهونة:
- لا متتكسفش انا برضو ستر وغطا،.
رمقها بغيظ زاد من تسليتها، لتضحك غير قادرة على التوقف، حتى فوجئت بالسيارة الضخمة التي هدأت سرعتها لتبطئ بالقرب منهما ، وصاحبها من الخلف يطالعها بنظرة غير مفهومة قبل ان ينقل نحو ابن عمتها الذي اعطاها ظهره في هذا الوقت ، قبل ان ينتبه لهويته، ويومئ له بالتحية والتهنئة:
- عجبال ما يبجى الفوز رسمي يا سيادة النائب.
اومأ له بتعالي دون رد ، ليخطف بنظرة اخيرة نحوها ، وكأنه ينتظر منها التهنئة هي الأخرى، ولكنها ادعت عدم الفهم، لتشيح بوجهها ناحية منزلهم، وانتظرت حتى اختفى صوت مرور السيارة، لترفع رأسها وتتأكد
فتزفر بارتياح متمتمة:
- يا سااتر.
❈-❈-❈
كان ضاحي في هذا الوقت، قد وصل منزلهم، ليقابل بالتهاني والمباركات من حشد لا بأس به خارج المنزل،
كان يبادلهم المصافحة وعيناه تنقل كل لحظة نحوها وهي تتحدث مع هذا الشاب الصغير الذي لم يعرفه، حتى غادر من أمامها بسيارته العتيقة نصف نقل، لا تصلح سوى لحمل الغنم الصغيرة
وهي ظلت للحظات تتابع مغادرة السيارة باهتمام، عكس ما فعلت معه، حين تجاهلت مروره، لتبعد عيناها عنه تماما، هل كان نكرة امامها لتفعل ذلك ولا تعطيه اهتمام كباقي فتيات القرية التي تتلهف على رؤيته، كلما مر طيفه امامهن، انها حتى لم تكلف نفسها لتهنئته كما فعل ويفعل الجميع الآن ومنهم...... كما يرى اباها الآن.
في خاطره الاخير، كان قد وصل الى المذكور وقد وجده جالس مع مجموعة يدخنون الشيشة، لينتفضوا جميعا في استقباله، ف اقترب يصافحهم ويبادلهم التحية حتى اتخذ مقعده بجواره، فلم يكن يصدق نفسه.
- لو تحب تاخدلك حجر جوزة معانا يا سيادة النايب؟
رد ضاحي بابتسامة ماكرة:
- لا يا سيدي انا مش عايز اشرب ، لأني مليش في الدخان اصلا، لكني كنت عايزك في طلب.
سمع منه مطاوع ليتمتم ردا له بحماس:
- أؤمر طبعا يا ضاحي بيه، رجبتي سدادة.
- الأمر لله وحده يا مطاوع، انا بس كنت عايز أسألك في البداية، بما انك خبرة تعرف تعمل كراسي حديثة من الجريد؟
رد بحماس:
- طبعا امال، دي صنعتي ابًا عن جد، انا بس اللي بشتغل على حسب طلب الزبون.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
وكما تفعل دائما ف الاستيقاظ متأخرا، الا انها في هذا اليوم اضطرت للنهوض من تختها مبكرا على غير ارادتها، مع سماع أصوات الجلبة التي كانت تصلها من الخارج، لتنهض عن تختها مغادرة الغرفة نحو مصدر الصوت بالخارج، لتجد الحركة الغير معتادة، وابيها يعمل في هذا الوقت من الصباح بجد ونشاط على اعداد من السعف وفروع النخيل كثيرة وجديدة، وكأنها قطعت للتو ، ينظفها بالالة الحادة قبل ان تدخل على مراحل التصنيع، ووالدتها هي الأخرى تساعده، والتي ما ان انتبهت لوجودها حتى بادرتها بالقول :
- صحيتي يا زينب، زين جوي، روحي وكلي الطير والبهايم، انا مش فاضية خالص النهاردة اشتغل في البيت واسيب ابوكي.
خرج رد زينب باندهاش:
- وليه الهمة الزيادة النهاردة ياما؟ انتوا اصلا من امتى بتشتغلوا من صباح ربنا كدة؟ دي مش عادته اصلا يشتغل جبل ما يروح الزرع..
صدر الرد من اباها اثناء انهماكه بما يعمل عليه:
- لا ياست ابوكي ما انا طلعت النهاردة من الفجرية على زرعتي، جطعتلي شوية الجرايد الحلوين دول واديني شغال عليهم، عشان اخلص الطلبية اللي قي يدي، حكم دي كبيره وربنا يرزقني منها جرشين حلوين.
- امين يارب، يفتحها عليك يا بوي
تمتمت بها زينب بابتهاج، وقد اسعدها حماس ابيها، لهذه الطلبية التي يبدوا ان بها رزق جيد له، ليدب النشاط بداخلها هي ايضا، ثم تدخل المنزل وتنوب عن والدتها في فعل الأشياء التي تقوم بها يوميا تجاه الغنم والطيور وما يتعلق بطعامهم وشرابهم، ثم ترتب المنزل وتجلي الأواني، وقبل ان تهم بإعداد طعام الغذاء وصلها الصوت المحبب إليها في الخارج يشاكس اباها كعادته:
- علمني صنعتك يا خال، انا راجل عاطل ومش لاجي حد يشغلني.
- بعد ما شاب ودوه الكتاب، يعني بعد ما خيبت نفسك في المدارس، جاي دلوك تتعلم الصنعة؟
ضحكت عزيزة على مناكفة الاثنان، ثم انتبهت بقدوم ابنتها والتي القت التحية بلهفة:
- صباح الخير يا مختار، انت كمان بتساعد ابويا .
قالتها بإشارة نحو الفرع الذي يقوم بتقشيرة من الخوص بيده، ليستغل هو بدرامية:
- خدتي بالك يا بت خالي، شغال بيدي اها، وهو ياجي بعد دا كله يجولي خيبت نفسك في المدارس، بجى انا راجل خريج حقوق ومحترم يتجالي كدة يا ناس؟
- مدام عاطل يبجى خايب
قالها مطاوع وانطلقت الضحكات على رد فعل الاخر ، حينما عبس بمظلومية، جعلتها تضحك بمرح ، تؤازره بنظرتها وكأنها تصبره على جفاء ابيها معه، رغم مزاحه معه، ولكنه لم يوافق حتى الآن على طلبه بالزواج منها، يراوغه بالحديث ولا يعطيه رد حاسم، وكأنه يستمتع بعذابه.
واصل مختار ووالدها تبادل المزاح وانضمت هي معهم في تجهيز الفروع وتقطيعها باَلة مخصصة لذلك، والبدء في التصنيع، حتى اجفلت على صاحب الصوت الذي تمقته :
- الله ينور يا عم مطاوع، دا الشغل ماشي تمام .
انتفض المذكور يستقبله بالترحاب والتهليل:
- سيادة النايب، اتفضل يا باشا، المكان مكانك.
رد التحية ضاحي يصافحه بكفه، ثم اتجه لعزيزة يصافحها أيضًا، لينقل بنظره نحوها وقد كانت جالسة على الأرض ولم تكلف نفسها بالنهوض في استقباله، لتضطره ان يومئ بذقنه نحوها كتحية من محله، غمغمت بهمهمة غير مسموعة كرد له، لتعود لعملها على الة التقطيع وينتبه هو على نفس الشاب الذي رأه بالأمس معها، يستقبله بحفاوة هو الاَخر:
- منور يا سيادة النايب.
اومأ له بتعالي ثم التف نحو مطاوع بنظرة استفسار فهم عليها الاخير ، ليجيبه على الفور :
- دا مختار واد اختي يا ضاحي بيه، كلية حقوق هو التاني، مخلص مع زينب في نفس السنة ، مستني عقد الوظيفة على ما يحدد موقفه من الجيش الاول، اتفضل اجعد معانا، دا لو وجتك يسمح يعني؟
قال الاخيرة مطاوع وهو يشير على احد المقاعد التي صنعها بنفسه من الجريد ، وعلى عكس ما توقعت، وجدته يوافق على الفور:
- يسمح يا عمي ما يسمحش ليه.
جلس ضاحي مقابلا لها ولمختار الذي كان يتحدث بسجيته:
- والله دا تواضع منك يا سيادة النايب
اغتاظت داخلها من بلاهته في التحدث الى هذا الرجل ، ولكنها اعطته عذره في عدم معرفته الجيدة به، لتظل على صمتها تسمع الحديث وتركز فيما تعمل، حتى ثقلت يدها وتجمدت محلها حينما علمت انه صاحب الطلبية التي ينكفئ عليها اباها منذ فجر اليوم.
- وانتي يا زينب كمان جدمتى على شغل ولا مستنية المسابقة الحكومية؟
توجه بالسؤال لينزعها من شرودها، فنظرت له بحدة لتنهض مستئذنة بإجابة مقتضبة:
- ربنا يسهل ان شاء الله، عن اذنكم هروح اطل ع الطبيخ .
- طب ممكن لو فيها رزالة تعملي كوباية شاي معاكي يا زينب.
اجفلها بطلبه حتى انها لم تجد الفرصة في الرفض مع ترحيب والدها:
- وه يصح يا ضاحي بيه، هو انت هتستأذن كمان؟ دا احنا نعملك براد بحالة لو عايز؟ دا الواجب علينا نحضر فطور ، حضري فطور يا زينب .
جلجلت ضحكته الصاخبة بالرفض :
- لا يا عم مطاوع، كتر خيرك والله هي بس كوباية شاي لو تسمح الأبلة زينب .
بصعوووبة جمة كبتت رفضها، لتضطر مزعنة على مضض لأمر والدها، وتدخل لإعداد الشاي، لتخرج إليه بعد دقائق حاملة عدة اكواب على صنية صغيرة، له ولوالدها ولمختار الذي وجمت ملامحه، وكأنه بدأ يستشعر عدم الراحة، اما اهو فقد كان يرتشف بتمهل وتلذذ وعيناه تتابعها ، حتى ان همت بالدخول اوقفها بقوله:
️
- انا سألتك يا زينب عن موضوع الشغل، عشان لو عايزة من بكرة الاجيلك وظيفة هنا في مدرسة البلد، بدل ما تستني ولا ياجي حظك في بلد بعيدة
يدعي الحديث برزانة وعيناه الوقحة تشملها بنظرة لا يفهمها الا رجل مثله، يغفل عنها مطاوع بسجيته، لكنها لفتت انتباه مختار الذي اسقط أعواد الجريد دفعة واحدة بصورة عنيفة اجبرت الجميع أن يلتفت له، فتمتم مبررًا بحجة واهية:
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- معلش يا جماعة فلتو مني مخدتش بالي .
قالها ثم توجه اليها بملامح ممتقعة فهمت عليها لتسأذن خشية غضبه دون ان تجيب الاخر:
- عن اذنكم يا جماعة، شكل الطبيخ فار ع البوتجاز.
حركت قدميها سريعا في الذهاب، ليتوجه مختار الى الاخر بتحفز اثار تسليته ليناكفه بابتسامة مستترة:
- نسيت أسألك انت كمان يا مختار لو عايز وظيفة في الحكومة او خاص، انا احب اخدم كل اهالي الدايرة.
صدر رد مختار برفض قاطع:
- لا متشكرين يا سيادة النايب، انا اصلا وظيفتي محجوزة في مكتب الدكتور اللي كان بيدرسلي، محامي تحت التمرين، وان شاء الله اتطور عنده وابجى محامي كد الدنيا.
❈-❈-❈
- كل دا جعاد عند مطاوع الجفاص يا ضاحي؟
هتف بها شقيقه يستقبله بها فور ان صعد اليه في الطابق الثاني في منزلهم والذي لا يضم سوى جناحين كبيرين لهما دونا عن باقي الاخوة، قام بتصميمه حامد بنفسه..
وجاء رد الاخر بابتسامة غير مفهومة:
- ومالوا مطاوع الجفاص، ما هو راجل زين وعال العال، دا كفاية انه من العيلة. دا انا حتى حبيته، حبيته جوي
زوى حامد ما بين حاجبيه يطالعه بتمعن ومغزى كلماته المكشوف لا يحمل الا معنى واضح، لينتصب بجذعه بعد ان كان متكًئًا على سور شرفته، يخاطبه بحدة:
- ضاااحي، كلامك مش عاجبني يا واد ابوي، اتعدل الله يرضى عنك وافتكر زين العهد اللي واخده عليك، انك تلف الدنيا كلها وتعمل اللي انت عايزه، لكن عند بنات العيلة لا، مطاوع راجل خفيف وبته من الأساس عيلة صغيرة عليك .
- ومين جالك اني عايز العب ببته؟ ثم حكاية صغيرة دي متنفعش يا عمنا طول ما عدت العشرين ، يعني عزها في الجواز وانا في عز شبابي
ازبهل حامد يردد بعدم تصديق:
- جواز مين؟ وتتجوزها كيف يعني؟ انت بتتكلم جد؟
- اه والله بتكلم جد
قالها ببساطة أثارت غضب الاخر:
- عايز تتجوز بت الجفاص؟ ضاجت عليك يا واد ابوي؟ ولا انت ناوي تمشي ورا كلام جدتك؟ طب دي كان جصدها على عيال ستهم وبهانة، انما انت كبير وبكرة تبجى نايب في مجلس الشعب يعني عايز واحدة تليجلك.
انتظر ضاحي حتى توقف شقيقه ليرد بجدية خلت من عبثه الدائم:
- وان جولتلك ان ميهمنيش رأي حد، يجولوا ابوها جفاص ولا كناس، انا ميخصنيش الا البت، بصراحة بجى داخلة مخي ومعششة، ومش هستريح غير لما الاقيها في بيتي وعلى فرشتي.
- اتعدل يا ضاحي ونجي كلامك.
هدر بها حامد بغضب لم يكترث له الاخر فتابع بتصميم:
- ماااشي يا سيدي هنجي كلامي، المهم بجى انت افتكر زين الوعد اللي وعدتني بيه عشان ارجع البلد ، جولتلي هنفذلك كل اللي انت عايزه يا ضاحي، مش ده كان كلامك؟
اضطرب حامد بتذكيره بالوعد الذي قطعه عليه، ليتراجع عن حدته مخاطبًا له بعتب:
- انا فاكر ومش ناسي يا ضاحي، انا فعلا جولت كدة عشان عايزك جمبي، انت شقيقي، يعني مفيش اي حد يسد مكانك، لا خوات ولا اصحاب ولا حتى حريم ، انا جربت الجواز مرة واحدة، ومتحملتش بت الناس رغم انها كانت كاملة من كله جمال وعز وأصل، ومع ذلك مطجتهاش .
- اديك جولت بنفسك.
تمتم بها ضاحي، يلوح بكفيه امامه، ليواصل اثبات وجهة نظرته:
- كان فيها كل المميزات وبرضك مطيجتهاش، يبجى انا ايه اللي يغصبني، انا راجل بدور على راحتي، والبت دخلت مزاجي يبجى استنى ايه؟
ظل حامد صامتًا للحظات ، يبحث عن حجة تقنعه، ولكن في النهاية امام تصميمه خفف حدته في الحديث:
- طب وهتعمل ايه في موضوع الانتخابات؟ انا من رأيي تخلص خالص وبعدها تشوف موضوع الجواز ده.
قهقه ضاحي ضاحكا :
- يعني عايزنى استنى شهور يا حامد يمكن انسي، لا يا حبيبي دا انت اللي تنسى، انا من بكرة هكلم ابوها، والم الموضوع ع السريع اخدلي يومين حلوين معاها جبل ما اتلهي في انتخاباتي، جولت ايه بجى؟
صدر رد حامد بقلة حيلة:
- يعني هجول إيه وانت مرتب وعامل حساب كل حاجة، مبروك يا ضاحي
صاح ضاحي بتهليل:
- ايوة كدة، هو دا اللي انا عايزه، عجبالك يا واد ابوي.
....يتبع
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ضاحي مين؟
تمتمت بالإسم بعدم استيعاب، بعدما أخبرها والدها وهو يزف البشرى عليها وعلى والدتها التي صاحت بتهليل وتكبير:
- الله اكبر الله اكبر، انت بتتكلم جد يا مطاوع، ليكون بيهزر معاك ولا انت اللي عامل فينا مجلب؟
دوت ضحكة صاخبة من الاخير ليعقب على قولها:
- يا مرة يا مجنونة، والكلام ده فيه هزار برضو، بس اجولك؛ انتي فعلا معاكي حق، اذا كنت انا بلمت معاه وخليته يعيد عليا الحديت كذا مرة عشان اصدق، دي حاجة ولا في الخيال والله .
رددت خلفه عزيزة توافقه الرأي بتأثر وحماس :
- دا عشان ربنا بيحبنا يا مطاوع، وبتنا برضك زينة وتستاهل، اه امال ايه، ربنا عايز يعوض صبرك خير يا حبيبتي .
توجهت بالأخيرة نحو ابنتها التي تجمدت تنقل بنظرها بينهما وتسمع الحديث وكأنه يخُص واحدة غيرها، لا ليست هي المقصودة، لا يمكن ان تكون هي المقصودة.
- مالك يا بت مبلمة كدة؟ لتكوني انتي كمان مش مصدقه زينا؟
عقبت بها عزيزة بابتسامة ممازحة لها، والحماسة تتراقص بمقلتيها قبل ان تصدمها ابنتها والتي هبت تنفض عنها تأثير الصدمة، لتعبر عن رفضها:
- وحتى لو صدقت ياما الكلام دا لا يمكن يحصل، ضاحي الدهشوري اخر واحد ارضى بيه يتجوزني.
- هو مين اللي اَخر واحد ترضي بيه؟
صدر الرد من والدها الذي برقت عينيه بغضب يسترسل باستفساره نحوها، يسبق عزيزة التي تصنمت بذهول:
- انتي واعية يا بت للي بتجوليه؟ بجى انتي يا بت مطاوع الجفاص، مش عاجبك ضاحي الدهشوري؟ ليه؟ هي الدنيا اتشجلب حالها اياك.
ردت بحدة وثقة:
- ايوة يا بويا واعية للي بجوله، انا افضل الموت على اني اتجوز النايب الباشا بتاعك، هو باشا ومفيش منه يروح يدور على واحدة تليق بيه، ضاجت عليه الدنيا، وملجيش غير زينب عشان يتجوزها؟
خرجت الاخيرة بصيحة غاضبة لتنهض من جوارهم تود الذهاب، ولكن والدها أبى ان ينهي الحديث:
- اجفي مكانك يا بت، عايزة تمشي بعد ما بخيتي في وشنا وقطعتي فرحتنا.
ياله من تعبير موجع، ان تتسبب بقطع فرحتهم، ولكن أين هذه الفرحة من الزواج بشخص مثل هذا الفاسد؟ لانت لهجتها لتخفف من حدتها:
- بعد الشر عليكم يا بوي من جطع الفرحة، بس الجواز اساسه الجبول، وانا عمري ما جبلت الراجل ده، دا غير انه كبير عليا في السن
خرج صوت عزيزة هذه المرة بمقاطعة:
- سن ايه يا جزينة؟ هو كان عجوز؟ دا بنات البلد كلها هتموت على نظرة منه، ضاحي الدهشوري ده يتجالوا لاه ازاي يا بت الفجرية؟
أومأت لها بهز رأسها:
- هو فعلا كدة ياما، انا فعلا واحدة فجرية، يعني مفيش داعي تتعبوا وتحطوا امل على شيء لا يمكن يحصل إلا على جطع رجبتي.
سمع منها مطاوع، لينفجر غاضبًا، بملامح ذكرتها بالذنب القديم وكرهه لها وقتها:
- مش انتي اللي فجرية، دا احنا اللي ولاد ستين كل...... اللي تعسنا الزمن وبلانا بواحدة زيك، كل البنتة فرحة إلا انتي، كل البنتة بتحس وعندها دم إلا انتي؟
ابتلعت بصمت وقد تحجر الدمع بعيناها، لا تتحمل نعته القاسي لها، ليسترسل بحزم يأمرها:
- اسمعي يا بت راجعي نفسك زين جوي، عشان انا يستحيل ارفض واد الناس اللي اتنازل من مجامه عشان يناسب واحد زيي، مين انا عشان اجول لضاحي لا؟ جاكي نصيبة تاخدك طول عمرك مشيلاني الهم.
بصق كلماته وتحرك يستدير مغادرًا المنزل بأكمله، يغمغم بالسباب والشتائم، لتنهار هذه المسكينة وتنطلق نحو غرفتها، تفرغ قهرها بالبكاء دون توقف، تنعي حظها وهذه الكارثة التي حطت فوق راسها بدون سابق إنذار.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
وبعد أن اهلكها البكاء، لم تجد إلا صديقتها، تستدعيها كي تشكي لها وربما تفهمها:
- معجول يا زينب، كل المناحة اللي انتي عملاها دي عشان ضاحي الدهشوري اتجدملك؟ ليه يا حبيبتي؟ عينك مدغششة ولا مبتشوفيش اصلا؟
تمتمت بالكلمات نورا بعدم تصديق لتزيد من قهر الأخرى:
- انتي كمان هتبكتيني يا نورا، طب ياريتني ما بعتلك، شالله كنت موت حتى من الزعل.
رددت نورا ببعض اللطف:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبتي اعذريني وسامحيني، بس انتي عارفاني صريحة ومدب، ومعلش يعني اي واحدة في مكاني هتجولك كدة، انا مش فاهمة ايه سر كرهك لضاحى بالشكل ده؟
ترددت داخلها بحيرة ما بين اخبارها عن السر الذي تكتمه داخلها منذ سنوات، وضمير يؤنبها اذا افشت وتحدثت عما اندثر مع الزمن وماتت صاحبة الأمر .
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ايييه يا بنتي انتي سرحتي؟
- لا مسرحتش بس انا فعلا كارهة الراجل ده، ثم كمان متنسيش اني جلبي ميال لمختار، واد عمتي اللي اتربيت معاه وخدنا كل سنين الدراسة مع بعض.
عبست نورا بضجر لا تخفيه:
- مختااار، مختار يا زينب؟ بجى دا واحد يتقارن اصلا بضاحي، مختار اللي لسة بيدور على عتبة يجف عليها ويبني نفسه بتفضليه على ضاحي اللي بكلمة منه يجلب حال بلدك بحالها، طب حتى خديها بالشكل ولا المظهر ، دا واد عمتك الهدوم بتسقط فيه ، انما ضاحي عليه جسم ولا اللي بيرحوا الجيم، دا غير الصورة ولا الهيئة، مال وجمال تبارك الله .
توقفت نورا على استرسالها، حينما انتبهت بنظرة العتب التي تطل بعيني صديقتها ، لتخفف من عدتها باعتذار:
- انا أسفة يا حبيبتي للمرة الالف ، بس صدقيني انا بتكلم كدة عشان مصلحتك والله، عايزاكي تشوفي اللي الناس شايفاه وتعيشي الواقع، الحالمية والمثالية اللي انتي عايشة فيها دي متنفعش
توقفت برهة ثم تابعت:
- ثم كمان متزعليش مني يعني، انا لازم اجولهالك في وشك، ابوكي مينفعش يجوله لا، صعبة جوي انه يرفض
ضاحي الدهشوري.
رغم عقلانية المنطق الذي تتحدث به صديقتها، إلا ان روح التمرد داخلها ابت الاستسلام، لتحتد لهجتها بتحدي:
- صعب ليه ان شاء الله؟ كان الباشا، هو السلطان واحنا عبيد ومنجدرش على رفض طلبه، طب ايه رأيك بجى، انا هصمم على رأيي، وان شالله حتى ابلغه بنفسي، اشوف الباشا يجدر يغصبني ازاي؟ ولو حصلت اني ابلغ عنه عشان احمي نفسي واهلي منه هعملها، عشان يعرف بس ان مش كل الناس خاضعين لجنابه، ولا كل الطير يتاكل لحمه.
كان هذا هو الرأي الي صممت عليه بالفعل، بثقة وعند غير طبيعي، فتحملت كل اشكال الضغط والالحاح من والديها، حتى حينما كان ابيها يضج منها ويسبها بالشتائم، تمسكت زينب بموقفها، بل وكانت تصر عليهم بالرد عليه بالرفض، ولكن مطاوع ورغم يأسه من موقفها ظل لعدة ايام يماطله في الرد دون ان يملك الشجاعة لإبلاغه بالامر، على أمل ان يلين رأسها اليابس، او تقتنع، ليظل الوضع هكذا معلقا ، ما بين استعجال الاخر على معرفة الرد وما بين استماتتها هي لإبلاغه برفض الشرف العظيم بالارتباط به، حتى التقت بخضرة نقالة الكلام كما تسميها اثناء ذهابها الى المدينة وتقديم اوراقها في إحدى مسابقات التوظيف، لتوقفها المرأة اللئيمة بأسلوبها الملتوي في معرفة الحقائق من اصحابها:
- يا بسم الله ما شاء الله ع الحلوة اللي لابسة ومتأنتكة ولا بنات البندر، ايه يا بت عزيزة الحلاوة والجمال ده.
جذبتها من مرفقها نحوها لتحتضنها وتقبلها من وجنتيها ، فتبسمت لها زينب بامتعاض تتقبل غزلها:
- من بعض ما عندكم يا خالة خضرة، معلش بس مستعجلة عايزة ألحق مشواري .
قالتها وشرعت بالتحرك إلا ان الأخرى اوقفتها:
- استني بس دقيقة، دا انا مصدجت اشوفك يا زينب، دا انتي حتى ما بتطلعيش خالص من بيتكم زي باجي البنتة في البلد، اكنك عايشة في بلد تاني مش معانا .
اومأت بابتسامة صفراء تريد التخلص منها حتى تذهب:
- معلش يا خالتي، انا فعلا تعتبريني زي اللي عايشة في بلد تاني، اصلي بصراحة بجيت اتخنج من الناس وكهنهم ف الحديث معايا ولا في أذيتهم للبشر.
قالت الأخيرة بمغزى نحو الأخرى، ولكنها وكالعادة تتجاهل لتواصل ضغطها ببرود متناهي؛
- جدعة يا بت دا انا اللي اسمي مرة كبيرة مبخلصش منهم وكل شوية يدخلوني في كلام وحديت، الا صح بمناسبة الحديت والرط.
توقفت تميل عليها وتهمس بصوت منخفض وكأنها ستخبرها بسر حربي:
- انا سمعت جال ان ضاحي الدهشوري بجلالة جدره اتجدملك يا زينب.
تبسمت زينب بفراسة وقد فهمت على مكر المرأة، وعلمت داخلها انها لن تهدأ الا بمعرفة الجديد، لذلك لم تجد غضاضة من اخبارها حقيقة موقفها وربما كانت فرصة ليصل الى الاخر ردها وتتخلص من طلبه:
- ايوة يا خالتي، هو فعلا اتجدملي، بس انا رديت وجولت لابويا لأ، بس لسة مردش.
شهقة بصوت عالي خرجت من فم خضرة، لتضرب بكفها على صدرها تستنكر:
- يا مرك يا خضرة، كيف يا بتي؟ هو معجولة في واحدة في الدنيا كلها ترفض ضاحي بيه؟ لا يا زينب انتي شكلك بتضحكي عليا، كيف يعني انا عمري ما اصدجها دي.
- لا يا خالتي صدجي، ضاحي باشا تتمناه اي واحدة، بس انا جولت لابويا لاه ومش عايزاه، يروح للبنات اللي هتموت عليه ، ولا اخطبيلوا انتي يا خالتي، دا انتى تعرفي بنات البلد كلهم حتى. عن اذنك بجى عشان متأخرة على مشواري.
تحركت زينب تترك المرأة فاغرة فمها بدهشة، بعدما باحت لها برفضها لضاحي الدهشوري، بعلم تام منها انها لن تغلق فمها وتكتم المعلومة داخلها، سوف تنشر الخبر لكل الدنيا ان لم تكن تخبره هو نفسه، فيصله رفضها فتتخلص منه مادام ابيها لم يملك الشجاعة حتى الآن لإخباره.
كان هذا ظنها والفكرة التي طرأت برأسها في هذا الوقت، لتذهب وتتقدم بأوراقها للمسابقة التي تنظمها الحكومة لتوظيف المعلمات، ثم عادت لتسلك نفس الطريق الوحيد المؤدي لمنزلها، بجانب زراعات اشجار الموز التي تمتد بالفدادين وعلى مد البصر، وكانت المفاجأة حينما شعرت بيد احدهم تجذبها وعلى حين غفلة وقبل ان تتمكن من الصراخ او طلب النجده وجدته امامه، لتتوسع عينيها بفزع حينما علمت هويته ، حتى همت ان تصرخ ولكنها لحق على الفور ليكتم بكفه على فمها فيطل عليها من مستوى طوله المهيب، ويخاطبها بتحذير:
- اياك اسمعك تصرخي ولا تطلعي حس، لتخسري نفسك وسمعتك بالمرة، خليكي هادية عشان نتكلم بهدوء واحترام.
طالعته بازدراء تود الهجوم عليه وخدش وجهه بأظافرها، ولكنها تعلم ضعف موقفها في هذه اللحظة ان قاومت او صرخت ، لذلك أبدت من الاستكانة بعض الشيء، لتوميء له بريبة حتى يرفع كفه عنها، وفور ان فعل وهمت بتوبيخه، اجفلها بفعله لتشهق بفزع حينما وجدت نفسها تسحب من خصرها على حين غرة، ليلصقها بالشجرة خلفها، فهتفت بوجهه ناهرة:
- شيل يدك عني ، انت اتجننت ولا مخك طار منك، وديني لو ما سبتني لكون مصرخة ولامة عليك خلق الله.
ضحك بصوت ليقول:
- يبجى انتي كدة فعلا هتفضحي نفسك يا زينب وتعجلي بأمر جوازي منك
شحب وجهها وتوسعت عينيها باستيعاب قاتل، ليتابع لها بتسلية:
- متخافيش يا جلبي ولا تجلجي عشان انا مش هأذيكي ولا امسك دلوك
قالها ونزلت عينيه عليها بوقاحة يتابع:
- حتى والشوج هيموتني دلوك، لكن انا مضطر استنى لحد ما تبجي حلالي وبين يدي، عارفة ليه ، عشان متأكد اني لا يمكن هشبع منك واصل .
- شهقة بجزع خرجت منها، لتدفعه بكفيها حتى يبتعد عنها، ولكنه كان كالصخر لم يتزحزح عن موضعه ولو إنش واحد، لتهتف به بغضب، تخفي خلفه بصعوبة ارتجاف جسدها من الخوف:
- انت جليل حيا ومش متربى، بعد عني يا جدع انت ، بتعمل معايا كدة ليه؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ردد خلفها بملامح تحولت وقد ذهب منها العبث
- بعمل معاكي كدة عشان تعرفي ترفضيني زين يا زينب، وتروحي تبلغي خضرة عشان تيجي هي توصلي بعدها.
توقف يزأر كالوحش أمامها متسائلًا:
- كيف جاتلك الجرأة تعمليها؟ بجى ضاحي الدهشوري يترفض من عيلة زيك؟
تتماسك بصعوبة عن السقوط أرضًا، فكيف لها اذن الاستمرار في مواجهته؟ وبرغم ذلك أبت ان تظهر له ضعفها:
- ولما انت عارف اني عيلة، بتتجدملي ليه؟ ما تخليك في اللي يناسبك؟
تبسم بشراسة صدر منها التصميم بشكل جلي ووجهه يزداد قربا منها:
- عشان دخلتي دماغي، وانا عمري ما عوزت حاجة ومطولتهاش يا زينب، وبعد اللي عملتيه شعللتيها في راسي اكتر.
إلا هنا وانفرط العقد لتنفجر به وتفرغ ما في جعبتها:
- تشعلل ولا تولع في راسك حتى، انا لا يمكن هرضى بواحد زيك، واحد عمل عملته وسافر يسيب المسكينة تتحمل ظلم العار والنصيبة لوحدها.
تجمد لوهلة يستوعب مغزى حديثها، ثم تسائل بارتياب:
- تجصدي مين بكلامك ده؟ وضحي اكتر.
قابلت صيحته الأخيرة بشجاعة قائلة:
- جصدي انت عارفه كويس جوي يا ضاحي، انا كنت عيلة صغيرة وجتيها لكن سمعت كل كلامك انت وتفاحه الله يرحمها، وان كنت ساعتها مفهمتش، لكن الزمن خلاني عرفت زين بندالتك، ذنبها في رجبتك يا ضاحي.
بدت على ملامحه الصدمة حتى فك كفيه عنها، يطالعها بصفحة مغلفة بصمت مهيب، لتتنفس هي بعض الارتياح، وقد ظنت انها نالت منه، لتردف بأنفاس لاهثة:
- انا خبيت السر عن الناس كلها عشان عارفة ان مفيش منه فايدة، لكن ربنا مطلع وشايف.
حينما ظل على وضعه، متجمدا محله، مضيقًا عينيه بغموض لم تفهم منه أي تفسير، تحركت قدميها تشرع بالذهاب ، ولكنه اوقفها بعد عدة خطوات قليلة، يهتف بلهجة حملت الاستخفاف:
- متشكر جوي يا زينب انك عرفتيني على سر رفضك ليا ، نلتقي جريب يا زوجتي العزيزة.
- دا في المشمش.
هتفت بها بتحدي قبل ان تلتف مغادرة بخطواتها المسرعة ، لتصدح ضحكاته خلفها بصخب، غير أبهًا بكل الحديث السابق منها، مظهرا عدم اكتراثه بثورتها .
❈-❈-❈
تحرك اخيرا بعد عدة ساعات من التفكير، ليمتطي حصانه حاسمًا الأمر بداخله، على التنفيذ في اقرب وقت، وقد تشبث بها أكثر بعدما كشفت له عن معرفتها بالسر القديم، بعقلية طفلة ظنت انها نالت منه ليبتعد عنها، ولا تعرف انها زادته تعلقا ليقترب اكثر وكانت فرصته حينما تذكر حضور معظم افراد العائلة في هذا الوقت عقد قران أحد أبنائها فلم يضيع الوقت، ليغير اتجاه السير نحو دار المناسبات المُقام فيها الحفل.
❈-❈-❈
- السلام عليكم عقبال البكاري يا شباب.
هتف بها فور ان طل بجسده من مدخل الحفل بصوته العالي لينول الرد من جميع الأفراد بنفس الحماس والترحيب بحفاوة ، ثم يتبادل التهنئة والمباركات مع أهل العروسين وباقي الحضور الذي كان يوزع ابصاره عليهم حتى وقعت عيناه على شقيقه ، الذي كان جالسًا في موقع متميز يليق بمقامه وسط اعداد البشر التي تتملق القرب منه كالعادة، لوح له يده ، ليرد الاخر برزانة وهيبة، قبل ان يعود ضاحي نحو الحضور وعيناه تبحث في الأجواء، حتى اذا عثر على وجهته هلل بصوته العالي مخاطبًا له:
- منور يا عم مطاوع، عامل ايه يا غالي؟
توجهت الأبصار نحو الرجل الذي ذهل بالتقدير المميز من شخص كضاحي، فتبسم منشكحًا بزهو يرد التحية:
- تشكر يا سيادة النايب دا من زوقك.
تابع ضاحي استعراضه:
- دا من بعض زوقك انت يا سيد الكل،
توقف متوجهًا نحو النادل:
- انت يا واض راعي عمك مطاوع، نفذلوا كل اللي يطلبه، جوزة، قهوة، شاي، ساقع، متخليهوش محتاج لحاجة واصل، اهم شيء راحته عندنا، يمكن يحن ويرضى علينا.
اثار بكلماته حالة من الصخب والهمهمات المتسائلة بفضول نحو الرجل الذي تسمر بارتياب رغم سعادته بهذا الاهتمام ، ليبتلع ريقه بتوجس امام النظرات المصوبة نحوه قائلًا:
- العفو يا ولدي، وانا اجدر برضو؟
تدخل احد الأشخاص معقبًا؛
- ما تفهمونا يا جماعة، ايه الحكاية امال؟
هم مطاوع ان يرواغ الرجل ولكن ضاحي كان الاسبق بصياحه شاكيًا بدراما:
- الحكاية اني عايز اتجوز يا عم خليفة، راجع من الغربة وعايز استقر، اريح جلبي عشان اشوف اللي جاي وامر الانتخابات، اتجدمت لعمي مطاوع عشان يجوزني بته اللي بجت عروسة تشرح الجلب، هكمل سبوع دلوك وهو لسة مردش عليا، شكلي كدة مش عاجبه وعايز يرفضني.
- وه
- يرفضك كيف هو اتجن؟
- ولما انت متعجبوش امال مين اللي يعجبه؟
- جرا ايه يا مطاوع؟ هتستخسر بتك على واد عمها واللي هيبجى نايب ديرتنا
تلك الجمل وما يشبهها من عبارات الاستنكار التي توجهت نحو الرجل الذي تعرق بحرج شديد حتى تلجلج بعدم مقدرة على رد مناسب على أي أحد منهم ، باضطراب طبيعي بعد هذه المفاجأة الغير متوقعة على الإطلاق، والأخر يدعي المسكنة رغم ابتسامته الثعلبية، حتى انه لم يكترث لتوبيخ شقيقه بالنظرات المعاتبة، والذي لم يعجبه هذا الأمر وظل على صمته، ليواجه باستفسار احد الوجهاء من عائلته:
- ساكت ليه يا حامد يا ولدي؟ ما تشوف شكوى سيادة النايب.
اضطر ان يخرج عن صمته ليرد:
- وانا هجول ايه بس يا جدعان؟ عم مطاوع حر ان كان يقبل بنسبنا او يرفض، دي حاجة مفيهاش الجبر.
بكلماته القليلة استطاع ان ينهى الأمر ليبرر مطاوع بدافعية امام الجمع الغفير الذي يشاهد ما يحدث بذهول:
- وانا اجدر ارفض برضو يا ولدي؟ انا بس كنت مدي البت فرصة تفكر وتاخد وجتها مش اكتر، دا انتوا نسبكم على عينا وراسنا والله.
هلل ضاحي مستغلًا زلة الرجل:
- يعني موافق اها، طب ما تبلغني وتريح جلبي يا راجل بدل ما انت معلجني كدة بجالي اسبوع، حيث كدة بجى، يبجى خير البر عاجله ونتمم على طول .
ازبهل مطاوع بارتباك ملحوظ، لا هو بقادر على مجاراته، ولا يملك الشجاعة لإبلاغه برفض ابنته، امام هذا الحشد الغفير من البشر، لقد اوقعه بالفخ وهو رجل متواضع الفهم، بماذا يرد؟ وكيف يلين رأس ابنته العنيدة؟
- ربنا يقدم اللي فيه الخير ان شاء الله.
تمتم بها كرد محايد واضعًا في ذهنه ان يغادر الجلسة سريعًا ولكن ضاحي أبى إلا أن يستغل الفرصة
- وهو في خير اكتر من كدة يا عم مطاوع، العيلة تقريبا كلها متجمعة، بكبارها وصغارها، وفي مناسبة فرح مفيش احسن منها، يبجى نستنوا ايه؟ يدكم معايا يا رجالة نجروا الفاتحة بالتوفيق.
قالها وارتفعت كفيه على الفور يتمتم بأيات القران الكريم، لينصاع خلفه الرجال، فلم يتبقى سوى حامد، الذي عض على نواجزه من الغيظ لفعل اخيه، ولكنه في الاخير اضطر الا يخذله، اما مطاوع والذي تجمد لحظات لم يجد مفرا هو الاخر من ان ينصاع لهذا الماكر، ويذعن لمطلب الجميع، حتى اذا انتهوا من قراءتها، اطلقت الأعيرة النارية والتهليل بالمناسبة الجديدة بخطبة احد وجهاء العائلة من ابنة الرجل المتواضع الحال مطاوع القفاص، وبدأت التهاني والمباركات.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- اتجننت يا ضاحي، بتنزل من مجامك جدام الخلق عشان بت الجفاص، بتعمل لمطاوع جيمة وتترجاه جدام عمامك وكبارات العيلة
هدر به حامد فور ان اختلى بشقيقه عقب عودتهم الى المنزل، بعد صمت دام ساعات، وقد ضغط على نفسه بصعوبة لألا ينفجر به امام البشر المهنئين والمباركين من عائلته وباقي الأفراد التي كانت تقابلهم ، وقد انتشر الخبر بسرعة البرق
قابل ضاحي ثورة اخيه بهدوء يجيبه:
- وفيها ايه يعني؟ ثم عن نفسي مش شايفه رجاء ، انا بعتبره بس ضغط عليه جدام الخلق عشان اخلص موضوعي معاه.
- وتضغط ليه من الأساس؟ هو يطول اساسًا النسب بينا ولا هيتجلع علينا بالسفيرة عزيزة بتاعته؟
قالها حامد بتهكم اضحك شقيقه الذي جلس على احد المقاعد يرفع ذراعيه متمطعًا،
- هي فعلا تعتبر كدة في نظري فمتستغربش بجى تمسكي بيها.....
- ليه يا حبيبي ان شاء الله كانت ملكة جمال الجمهورية، خبر ايه يا عم؟ دا انت لافف وداير وجعدت سنين في بلاد الخواجات يعني شوفت كتير واكيد كانوا احلى منها، مجيتش في مرة وجولت اتجوز.
رد بهدوء يقارب البرود:
- ما هو انا عشان لفيت وشوفت كتيييير جوي، حريم من كل صنف ولون، احب أكدلك ان زينب احلى منهم كلهم، وانا حطيتها في دماغي تبجى مرتي وام عيالي .
ان كان برضاها او غصب عنها.
تمتم الاخيرة داخله ، قبل ان ينهض من جوار شقيقه ، يتثاءب بخمول:
- عن اذنك بجى اروح انام عشان اصحى بدري واشوف اللي ورايا واللي ناجص واللي مطلوب للجوازة والفرح.
قالها وانصرف من امام شقيقه الذي ظل ينظر في اثره لدقائق بعدم استيعاب، لا يصدق حتى الآن هذا التمسك الغريب منه من ابنة القفاص، متى رأها وعشعشت بعقله لهذه الدرجة لا يعلم؟ وهو الساكن بالقرب من منزلهم، حتى الآن لا يحفظ ملامحها جيدًا، ربما لانه لم يهتم في مرة بالنظر إليها او نحو منزلهم المتواضع، رغم مروره عليه يوميًا بحصانه، اثناء جولاته .
❈-❈-❈
والى الأخرى التي كان وقع الخبر عليها كالصاعقة التي ضربت رأسها، ولم تسقطها على الفور، بل ظلت تترنح بعدم استيعاب وعدم تصديق ، حتى وهي تتأكد من والدها الآن بصحة المعلومة، شيئًا ما داخلها يكذب ان يكون هذا مصيرها:
- انت أكيد بتهزر يابا صح، الواد محمد اخويا لما جالي مصدجتهوش، وحريم الجيران لما دخلوا يباركوا لامي برضو مصدجتهمش، اكيد الموضوع فيه سوء تفاهم، ما هو مش معجولة يعني، انت رايح تجامل في كتب كتاب، ترجع تجولي جريت فاتحتك!
زفر مطاوع يطرد انفاس محملة بإجهاد تملك منه، ليعيد عليها من جديد:
- يا بت افهمي، ارجع واعيد عليكي من تاني مدام مخك وجف عن الفهم النهاردة.... ضاحي احرجني ولبسني في الحيط جدام عيلتك وعمامك، لو كنت رفضت طلبه جدامهم بحجة ان بتي مش موافجة كان الكل هيعتبرني راجل هفية ومليش كلمة، ترضهالي دي يا زينب؟
- لا يابا ارميني في النار وموتني احسن عشان تبجى صاحب كلمة جدامهم.
صرخت بها وقد وعت الاَن فقط على الحقيقة التي تخشاها:
- كيف طاوعك جلبك يابوي تعملها ، الرفض والجبول في شرع ربنا ، وهو مهما كان منصبه ولا مركزه، برضك يترفض عادي .
انفعل بها مطاوع بعدم تحمل:
- ما تفهمي بجى يا بت، رفضك ده كان هيسود وشي جدام ناسك، دول هجموا يجطموني في الكلام عشان بس عرفوا انه مرديتش بالمواجفة على طول، اشحال لو جولت ان رافض عشان البت كان ساعتها هيعملوا ايه معايا؟
بلدك كلها رجالة وحريم يستمنو ضفره، جوم انا يا مطاوع يا غلبان اجول لا.
- ايوة يابا تجول لا، عشان بتك كارهة الراجل ده، ويستحيل اخلي الجوازة دي تكمل ولو على جطع رجبتي.
هتفت بها تشعل مراجل الحريق بقلب والدها الذي انتفخت اوداجه واحمرت عيناه بخطر اجبر زوجته التي كانت صامتة من البداية للتدخل مهادنة:
- استهدي بالله يا زينب وانت يا مطاوع، صوتكم لو وصل للشارع ولا الناس سمعتوا هتزيدوا الطين بلة.
تجاهل مطاوع قول زوجته ليلتف نحو ابنته العنيدة بحزم قاطعًا:
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- انتي كد كلامك ده يا بت؟ يعني ناوية تمشي عليا حتى وانا جاري فاتحتك؟ طب اعمليها يا زينب وكسري كلمتي وركبيني العار حتى لو تعرفي، ما انا هستني ايه منك؟ خسرتيني اختك الصغيرة من جبل ما تطلع، تمي عليا بالمرة ، ما هو دا اللي ناجص منك .
هل شعرت بالرخو للتو في أقدامها، ام انها لم تقوى على تحملها لتسقط على الأرض أسفلها بانهيار، انه يذكرها بعقدتها القديمة، يعيد عليها ذاك الذنب الذي يسحق كل مقاومتها كلما ذكرها به او تذكرته هي، مهما كبرت ومهما مرت عليها من السنوات، يظل محاوطًا عنقها .
بصق كلماته وذهب، يتركها تنتحب على الارض بشهقات من البكاء المرير، لقد عادت إليها الاَن اسوء الليالي واسوء الأوقات، تلك الفترة العصيبة التي ذاقت فيها مرارة الذنب وتأنيب الضمير، رغم صغر سنها، ورغم ان الفقيدة كنت اقرب الاشخاص اليها ، شقيقتها .
❈-❈-❈
مرت الليلة السوداء عليها لتستقيظ على اصوات الزغاريط التي كانت تملأ المنزل، وأحاديث نساء تسأل وتنادي عليها من اجل التهنئة والمباركة لها، رغم تحذير الوالدة لهم انها نائمة، ولكن يظل فضول النساء يدفعهم لمقابلتها ومعرفة السر بها، لتوقع ابن كبير البلدة والمرشح لنيل منصب النائب ف المجلس الموقر،
ظلت حبيسة غرفتها ولم تعطي بالا لهم، رغم دخول اشقاءها اليها ووالدتها العديد من المرات لحثها على الخروج او تناول الطعام، ولكنها ابت مفارقة التخت، تتمنى من الله ان يأخذ روحها بالموت وتستريح من هذا الواقع البائس.
ولكن حين جاء وقت العصر جاءت الزيارة التي لم تجد منها مفر ، الحاجة فضيلة بذات نفسها في المنزل، من يصدق هذا الشرف؟
❈-❈-❈
اضطرت ان تغصب على نفسها لتخرج اليها بعدما ارتدت عباءة استقبال جيدة تصلح لهذه المقابلات، وقدميها تحركها بصعوبة حتى وصلت الى المرأة التي اتخذت جلستها بوسط الدار ، رافضة غرفة الاستقبال والمعاملة معاملة الضيوف، فهي تعتبر نفسها من اهل المنزل، نسبة الى الصداقة القوية التي كانت تجمعها مع جدتها الراحلة،
وبحفاوة شديدة انارت وجهها لتستقبل عروس حفيدها التي فور ان اقتربت منها للمصافحة، جذبتها اليها تجلسها بجوارها، لتضمها اليه وتمطرها بالعديد من القبلات:
- حبيبة جلبي الغالية ريحة المرحومة، عروسة الغالي واد ولدي.
اغتصبت زينب ابتسامتها بصعوبة في التعامل مع المرأة التي تكن لها التقدير والاحترام والمعزة المتبادلة:
- اهلا يا جدة نورتي بيتنا وشرفتيه.
- البيت منور بأهله يا بت، والله وحشني اشوف المرحومة وتحكي معايا زي زمان جمب الطلمبة اللي كانت في الحوش الشرقي، بس هانت، ان شاء الله اروحلها انا قريب.
- بعد الشر متجوليش كدة يا جدة .
خرجت من زينب كرد طبيعي ليضيف على قولها مطاوع :
- انتي الخير والبركة يا حجة، ربنا يطول في عمرك يارب.
دخلت عزيزة تحمل صنية عليها العديد من اكواب العصير التي استغربت لعددها زينب، لتقترب منهما بترحيب مبالغ فيه:
- والله لو نعرف بمجيتك لكنا دبحنا دبيحة يا حجة، هي جيتك عندنا دي هينة.
ضحكت المرأة لترد بسجيتها:
- اينعم انا خطوتي بجت تجيلة ومبطلعش من البيت الا نادر بس في مناسبة زي دي استني كيف، حبيبتي الغالية هتتجوز واد ولدي الزين، دا انا الفرحة مش سايعاني من امبارح والله.
قالتها المرأة بفرحة حقيقية لم تخفى على زينب التي ابتلعت الغصة، تنقل ببصرها نحو أباها الذي بادلها بنظرة صارمة بوجه مشتد لتتيقن ان الأمر اصبح واقع تعيشه، ضاحي الذي تمقته اصبح خطيبها في يوم وليلة، كيف السبيل للهروب؟ كيف تقدر على الاعتراض الاَن وكلمة والدها اصبحت طوقًا في رقبتها، حتى لو خنقها لن تستطيع خلعه.
- سلام عليكم يا مطاوع نخش ولا نستأذن الاول.
وكأنه سمع ما تفكر به، أتى صاحب الصوت البغيض، يطل من مدخل الباب وكأنه من أهل المنزل ، ليستقبله مطاوع بالترحاب والتهليل:
- يا اهلا يا سيادة النائب، نورت البيت ، ادخل يا باشا هو انت مستني استئذان.
دخل ضاحي يصافح الرجل ليدخل خلفه عدد من الرجال يحملون العديد من اقفاص الفاكهة والدواجن حتى ملئت الردهة، ليردد مطاوع بحرج:
- ولزومو ايه بس يا بوي دا كله؟ هو احنا غرب ما بين بعضينا.
جاءه الرد من فضيلة:
- واحنا مالنا بالغرب، دي حاجة كدة تفاريح ما بينا .
ليضيف على قولها ضاحي:
- ايوة يا عم مطاوع، دي حاجة بسيطة تقدر تعتبرها هدية بسيطة.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
قال وعيناه ذهبت نحوها بتركيز وكأنه يخاطبها ، ثم ينتبه على قول مطاوع:
- طب وانت هتفضل واجف كدة، ما تتفضل يابوي معانا .
- لا ما انا مش جاي لوحدي
قالها والتفت ابصاره نحو الباب ، ليطل شقيقه الأكبر بهيبته ملوحًا بالعصا الابنوس كتحية، ليتلقفه مطاوع بعدم تصديق ، ثم يدخل هو وشقيقه يصافحا اشقاءها الصغار اولا، ووالدتها وحين جاء دورها ، اضطرت ان تمد كفها اليه ليطبق عليها بنظرة انتصار لم يفهمها سواها، لتسحبها بخفة وتشيح بوجهها قبل ان يأتي الدور على الشقيق الاخر، ذاك الذي اول مرة تتقابل معه وجها لوجه بهذا القرب، منذ أن كانت صغيرة،
- ازيك يا عروستنا
قالها لتقابل عينيها خاصتيه ، وهذا الغموض الذي يطل منها، لماذا شعرت بذبذبات الخطر في حضوره الاَن؟ لا تعلم.
جلست اخيرا لتحضر مضطرة وتشهد بنفسها على بؤسها، وقد علمت وتأكدت الاَن انها هزمت، وضاعت إرادتها الحرة، ولا تعلم الى ماذا سيؤول مصيرها؟
كانت مطرقة رأسها بشكل لفت ابصار الاثنان، الفرحة على وجه ضاحي وأفعاله كشروق الشمس واضحة، لا يشغله هيئتها فهو يعلم بماذا تفكر وقد عرفت ان رفضها له ما كان إلا وهما في خيالها، وقد نفذ هو ارادته عليها.
، كان عكس شقيقه الأكبر والذي ظل يحدق بها بتمعن رغم اندماجه في الحديث مع الجميع، لم يخفى عليه حزنها، تململها في جلستها وكأنها لا تحتمل المزيد، تريد النهوض وتركهم، كما انه لاول مرة يركز في ملامحها، لم يكذب شقيقه الخبير بأمور النساء حينما قال أنها تبدلت، هذه لم تكن ابدا زينب الصغيرة التي يعرفها، كيف غابت عن ابصاره رغم قرب المسافة بينهم؟ لتصبح بهذا الجمال الخاطف، فتوقع شقيقه ليتوق للفوز بها؟ تبًا.
تمتم بالاخيرة داخله حينما التقت عينيها بعينيه بنظرة خاطفة اثناء اجابتها على احد اسئلة جدته، والتي تتولى المهمة بحماس ولهفة وقد اقتربت اخيرا من تنفيذ امنيتها بضمها إلى عائلة الدهشوري بزواجها من أحد افرادها.
- انت فين يا خال.
صدح الصوت الغاضب من الخارج لتجفل متوسعة العينان بفزع نحو مدخل المنزل ، وقد علمت بهوية صاحبه من قبل ان يدفع الباب ويلج للداخل بدون استئذان، يلفت انظار الجميع نحوه ، وينتفض هو من داخله وقد تيقن من صحة الحديث الذي وصل لأسماعه فور ان حطت قدميه داخل المنزل بعد عودته من رحلة سفر سريعة خارج البلدة.
اجتماع الوجهاء الاثنين في منزل خاله المتواضع وبحضور الحاجة فضيلة تلك التي لا تتحرك من منزلها إلا في الضرورات القصوى ، وهي حاضرة بينهم الجلسة، اذن ماذا متبقى للتشكيك في الامر؟
- مختار كنت عايزني في حاجة يا ولدي .
تمتم بها مطاوع بتوتر بعد ان اقترب منه فجأة، ليسحبه من مرفقه، يود الخروج به، ولكن الاخر نفض يده قائلًا بتحفز:
- بس انا عايزك هنا ، ع الاجل تعرفني على ضيوفك، ولا انت تعرفهم عليا، وبالمرة اعرف ايه المناسبة لحضورهم، ولا يكون اللي سمعته صح يا خال
بدا من كلماته انه على وشك ان يفقد رشده، لم تكن لهجته طبيعية مما زاد على جرح قلبها أضعاف، عيناها منصبة عليه بإشفاق وشعور بالألم يقلص امعائها من الداخل.
توجس مطاوع من افتعال هذا الاحمق بفضيحة له امام نسائبه الجدد، لذا لم يجد بدا من ان يسحبه بعنف ليجبره على التحرك معه للخارج، ليردد الاخر برفض:
- بتسحبني ليه يا خال؟ ما تعرفني على نسايبك، ولا انا مش كد المقام!.
صار يهذي بالكلمات حتى وصل الى الخارج، ليغلق الباب مطاوع، حتى لا تصل الأصوات الى الحاضرين، بصورة اثارت الارتياب، الأمر الذي استفز حامد ليسأل شقيقه:
- ماله الواد ده؟ شكله مش طبيعي.
تبسم ضاحي يجيبه ببساطة هامسًا:
- اصل كان عينه على زينب، وانا غفلته وخدتها منه.
برقت عيني حامد باستيعاب سريع لحال الشاب المتهور، فتجعدت خطوط وجهه بضيق لا يعلمه، لينقل ابصاره نحوها بغضب غير مبرر، وقد وضح جليًا ارتباكها في الرد على جدته ، قبل ان تستأذن بحجة اختلقتها لها ثم تغادر الجلسة، ليتبعها ناظرا في اثرها، وشيء ما يحثه على ايقافها، ليسألها عن صحة المعلومة التي تفوه بها شقيقه، لكن سرعان ما عاد لرشده، ليتحمحم مذكرا نفسه ان صاحب الأمر ومن له الحق في ذلك هو ضاحي نفسه، ولكن يبدو ان الاخر لا يعنيه الأمر، او ربما هو مستمتعًا بذلك.
❈-❈-❈
في المساء وقد خارت قواها، ولم تعد بها طاقة للمقاومة او حتى الصراخ ، ولم يتبقى لها سوى سيل الدمعات التي لا تتوقف، حتى وصديقتها بجوارها تسمع منها لتهون عليها:
- كان عامل زي المدبوح يا نورا، ابويا سحبه لبرا، خاف ليعمله فضيحة وهو اللي عليه، انا ايه اللي ناقصني عشان ترفضني يا خال؟......
قطعت لتشهق بنشيج بح به بصوتها:
- وفي الاخر باعتلي ع الوتس رسالة يجولي، كيف طاوعتي ابوكي وخنتيني؟.
زفرت نورا صامتة لعدة لحظات ، لتنتقي كلماتها وقد استفزها الأمر:
- متزعليش مني يا زينب ، بس انا شايفة ابن عمتك مزودها يعني، هو هيقارن نفسه بضاحي بيه ابن الاكابر، مفيش اب يجدر يرفضه في بلدنا كلها، هو ماله ده.؟ يا زينب سيبك منه، يا حبيبتي انتي في نعمة كل الناس حاسدينك عليها .
اغمضت عينيها بتعب، ف صديقتها كالعادة، هي الأخرى لا تقتنع، بل وتسير على منهج الجميع:
- اللي حاسديني عليه ياخدوه يا نورا، هو انا ليه محدش حاسس بيا؟
تنهدت نورا بقنوط، لتقترب منها وتضمها اليها بحنان :
- اسم الله عليكي يا حبيبتي من كل شر ، انا والله حاسة بيكي، بس عايزاكي تعيشي الواقع، خصوصا ان الواقع ده حلو ، عكس ما في دماغك خالص، حاولي تدي لنفسك فرصة يا حبيبتي، بتجولي عليه صايع وضايع، مش يمكن يكون ربنا هداه، جربي يا زينب تتأقلمي وتعيشي ، مدام اتكتب عليكي، يبجى تاخديه بالرضا احسن من الغصب
... يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
واقفة كالتمثال، بأعين كالزجاج فاقدة للحياة، تتأمل نفسها امام المراَه بفستان الزفاف وقد حسم الأمر وانتهى الجدال بعقد قرانها بالأمس عليه، لقد نفذ وعده، وأصبح زوجها على ورق رسمي وحكومي، بعدما افقدها سلاحها الوحيد في المقاومة.
استسلمت لقدرها بعدما نفذت منها كل طرق النجاة، لم يتبقى لها شيء، حتى افكار الهروب التي طرأت بعقلها عدت مرات لم تقوى على تنفيذها، ان تصرخ بعلو صوتها معبرة عن رفضها له، لم تتمكن منها هي أيضًا،
وكلمة السر بالتأكيد هو والدها، بعد أن طوق رقبتها بكلمته، كيف لها ان تنقص من مقداره امام الخلق، ليت زمام امرها كان بيدها، لكانت وقفت، وتحدت، وواجهت بشجاعة اشتهرت عنها..... ولكنها أيضا كانت السبب فيما اَل اليه حالها الاَن، بعد تهورها الغبي في الصغر وضياع شقيقتها بفضلها.
اغمضت عينيها بألم ينخر في كل خلية داخلها، تلك الذكرى التي تعيش معها وتمنع عنها الحياة والفرح منذ تلك الحادثة.
- خلصتي يا عروسة ولا لسة؟ الناس بيستعجلوكي من برا
التفت بعيناها نحو مصدر الصوت وتلك المرأة التي تنادي عليها من الخارج، حيث صالون التجميل الذي تم تزينها به، من اجل الزفاف الليلة.
جاءها صوت صديقتها نورا هي الأخرى:
- ياللا يا زينب العريس وصل برا وكل عيلتك وعيلته مستنينك عشان الزفة يا عروسة،
تنهدت بقنوط لترد عليهما باستسلام:
- اديني طالعة يا نورا
سمعت منها الاخيرة لتردد بلهفة:
- طب استعجلي ياللا ، دا باينها هتبجى ليلة ولا الف ليلة وليلة، عريسك النهاردة ولا نجوم السيما يا بت.
قالتها نورا بلهفة شديدة يتخللها الحماس، وكأن كل ما تسرده يوميًا عليها من كلمات شكوى وكره لهذا البغيض لا تدخل عقلها، يبدو أنها سوف تظل وحيدة على هذا الحال، ولن تجد احد يصله ما تشعر به، والان قد حان وقت التكيف مع الواقع.
سحبت شهيق طويل لتزفره بعدها، كي تدخل بعض الهدوء داخلها، ثم تتحرك بخطواتها لتدفع باب الحمام الى الداخل وتخرج اليهم، وكما توقعت؛ الصالة كانت ممتلئة على اخرها بعدد النساء من اهل العائلة التي صاحت تطلق الزغاريط فور رؤيتها، وكلمات التهليل والتكبير تُسمع بالصوت العالي منهن، لتقع عينيها على والدتها التي شلت المفاجأة حواسها لحظات وهي تستوعب ببطء المفاجأة، وصغيرتها التي بدت كالاميرات تغلب بجمالها كل نساء عائلة الدهشوري المعروفين بجمالهن من الأصل.
اغرروقت عينيها بالدموع لتقترب وتحشر نفسها وسط حشد النساء اللاَتي التفت حول ابنتها يهنئنها بالتناوب ويلتقطن معها الصور، لتخطفها من بينهن وتضمها بقوة مرددة:
- يألف نهار لبن يا حبيبتي، ولا بدر البدور في زمانها.
ردت بابتسامة لها، فقلبها رغم كل شيء مازل يرق لأبسط الأشياء التي تتلقاها منها ومن والدها .
خطفت عزيزة بخفة على جانب وجهها عدة قبلات صغيرة كي لا تفسد زينة وجهها، حتى توقفت على صوت أتى من الخلف محملًا بالعتاب:
- الف مبروك يا بت اخوي.
ابتلعت زينب غصتها نحو المرأة التي كسى اللوم ملامحها، وكأنها تحملها كل ما جرى لابنها الذي سافر الى العاصمة ولم يتحمل البقاء في البلدة بعد خطبتها وضياع حلمه في الارتباط بها، مما زاد على زينب لترد عليها بحزن غلف نبرتها:
- الله يبارك فيكي يا عمة.
قالتها وصدحت زغروطة عالية تُنبئ بحضور العريس ، ولاول مرة تكن ممتنة له، بعدما ساهم بشكل غير مباشر في ابتعاد عمتها عنها ، والتي أوشكت على جلدها بالكلمات المؤنبة، دون مراعاة لوضعها الحالي ولا بضعف حيلتها الذي اجبرها على فعل ذلك.
انتبهت اليه وهو يدلف لداخل الصالون نحوها بخيلاء، وشهقات المراهقات والنساء المتزوجات ايضا مع بعض التعليقات المعبرة عن انبهارهن به تشق اسماعها، وهو بخبثه لا يغفل عنهن، ليقترب منها باستعراض، وبدون استئذان وجدته يخطف قبلة رومانسية على وجنتها
صدحت لأثرها اصوات النساء ما بين اعجاب وخجل، عكس ما شعرت به هي، فقد ارتجفت بارتباك استلذه بها، ليهمس في اذنها بعبث:
- لا اجمدي كدة، دا احنا لسة مبدأناش اصلا ولا اتجفل علينا باب واحد
ختم بضحكة اثارت غضبها لترمقه بحدة، تشرع ان ترد عليه، لولا تعليقات النساء المشاغبة معه:
- ما تمسك نفسك يا عريس، خضيت البنية
جاء رده عليهن بزهو وتفاخر وهو يعدل من وقفته ، ليلف ذراعها حول مرفقه :
- انا عريس ودي عروستي، مالكم انتو يا جدعان .
قالها وانطلقت تعليقات النساء حتى خرج بها لتتلقفهم فرقة الزفة التي كانت في انتظارهم، فيقف بها لعدة دقائق ، كانت هي محط انظار الجميع ، وقد كانت مفاجأة بحق، معظمهم يعلم بأنها جميلة تلك التي اوقعت ضاحي العابث المرشح بقوة للمجلس الموقر، لكن ان تكون بهذه الروعة، لم يتخيلها احد،
خصوصا هذا الذي انصبت عينيه عليها بتركيز شديد، لا يصدق ما تراه عينيه، انها بالفعل تفاجئه، وتجعله يتسائل للمرة الالف، كيف غفل عنها رغم قرب المسافة بين المنزلين،
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ان تعجبه امرأة بهذه الصورة، وتجعله يتسائل بداخله عنها، انها بحق تشكل حاله نادرة في شرعه.
تحمحم يستدرك نفسه ووضعها كزوجة لشقيقه، فتوقف يباشر مهمته كمسؤول وكبير عائلة، فيزيح بابصاره عن العروسين، ويتوجه الى عدد من اشقاءه وشباب العائلة، مصدرا بعض التعليمات في إطار استعدادهم للمغادرة نحو القاعة .
❈-❈-❈
توقف حشد السيارات بجوار المنزل الكبير، لينزل الشباب مطلقين الاعيرة النارية في الهواء احتفاءًا بانتهاء الليلة الأسطورية، وقرب دخول العريس على عروسه، وقد توقفت سيارتهم اخيرًا ، لتشرد هي بخوف احتل كيانها، وقد حان وقت ترجلهم من السيارة والدخول الى منزله، لتعيش معه تحت سقف واحد، وباب يغلق عليها وعليه
وكأنه قرأ افكارها، أمر ضاحي سائقه بالنزول قبله:
- انزل انت يا عم عبده وانا هساعدها في الفستان.
استدركت لقوله، تهم بالاستعداد للنزول، ولكنه فاجئها حينما باغتها ، بضمها اليه من خصرها، ليميل عليها مهسهسًا بجوار اذنها:
- انا ماسك نفسي من اول الفرح بالعافية، عمال اعد الدجايج والثواني اللي هتبجي فيها ليا لوحدي.
انتفضت داخلها من تصريحه الفج، ولكنها أبت ان تعطيه غرضه بتأثرها او خجلها منه، لتحدجه بازدراء ، ثم تنفض ذراعه عنها، وتفتح باب السيارة الخلفي لتنزل فستانها وتحاول بعجالة لملمة القماش الضخم عن الأرض حتى تبتعد عن محيطه، ولا تعلم ان تلك التصرفات منها تزيد من تسليته، ليعلق بسخرية:
- وماله يا جميل، يعني هنروح من بعض فين.
جزت على نواجزها من الغضب، وهذا الفاسق لا يكف عن اثارة فزعها ، وما كادت ان تحط قدميها على الأرض حتى تفاجأت بوالدتها وصديقتها نورا التفتا حولها ليساعدنها برفع الفستان الضخم عن الأرض، ثم انتبهت للزغاريط التي ملئت الأجواء من حولها، وجمع النساء من عائلته وقفن على مدخل المنزل ينتظرنها مع عريسها الذي اقترب يتناول يدها ، ويسحبها نحوهم، حتى اذا وصلوا اليهن، توقفت احدى النساء من عماته الكبار تحيل بينهم وبين الدخول قبل ان يرتشفو من كوب الحليب الذي تمسكه بيدها، في تقليد متوارث يقمن به
تناول منها ضاحي ليقربه نحو فمها ، همت ان تعترض ولكن التحذير من الجميع الا تخالف التقاليد جعلها ترتشف نقطتين بصعوبة، بالكاد وصلو حلقها، ليرفعه ضاحي بعدها الى فمه فيتجرعه دفعة واحدة لتصدح اصوات النساء المهللة، وهو يلج بها لداخل المنزل بعد ان افسحت له المرأة وذهبت معها باقي النساء نحو منازلهم في المباني الملحقة بالمنزل الكبير ، لتلج معه وحدها تجر اقدامها بصعوبة من ثقل يصيبها، قلبها يسقط مع كل خطوة تخطوها.
وقعت عينيها على والدها يجلس في انتظارها مع الجدة فضيلة والتي تحاملت على عكازها لتستقبلهما بزغروطة قديمة مختلفة عما تفعله نساء اليوم، تعبيرًا عن فرحتها الشديدة،
ليقترب منها ضاحي يقبل رأسها بتملق او ربما محبة حقيقية للمرأة التي ضمته اليها تهنئه بحب، اما زينب فكان نصيبها حضن والدها الذي فاجئها بضمها إليه، وقد غاب عن عينيها معظم الوقت في القاعة، بجلساته المختلفة مع الرجال الحاضرين.
وقد كانت في أمس الحاجة له، اطبقت ذراعيها حوله ، تتنعم بدفء حنانه الذي حرمت منه طويلا، لينطلق سيل عبراتها ويبلل هذا الجزء من جلبابه، وكأن بغمرته نست وضعها وما تمر به الاَن.
ربت مطاوع على كتفها وظهرها، يحاول التصرف بطبيعية، وقد اربكه فعلها، ليردد ممازحًا:
- وه يا بت ابوكي، اخدك وارجع بيكي يعني ولا ايه؟
تدخل ضاحي يسحبها من بين يديه بخفة، ليرد على مزاحه ضاحكا:
- ايه يا عم انت تاخدها فين؟ هو دخول الحمام زي خروجه، ولا هي ليها طلعة تاني اساسا من البيت ده.
رمقته زينب بشزر وقد استفزها تصريحه، ولكن فضيلة لطفت تطمئنها وهي تسحبها اليها:
- بطل يا واد متخوفهاش، ولا انت فاكر هتقدر تزعلها طول ما انا عايشة، دي هخليها الجلوعة ع البيت كله، ريحة الحبيبة الغالية دي.
تبسمت لها زينب بضعف ممتنة لها ولحنانها معها، لتفاجأ بالصوت الأجش من خلفها:
- ويعني هي محتاجة حد يطمنها يا جدة.......
توقف حامد حينما وجدها التفت اليه، والتقت عينيها بخاصتيه ليسترسل مخاطبًا لها:
- انت هنا وسط ناسك، رغم ان بيتنا ميفصلش عن بيتكم غير مسافة الشارع، لكن لازم تبجى متأكدة ان ده مقرك الأصلي.
الطبيعي ان تشعر بالإطمئنان خلف كلماته، لكن ما شعرت به كان غير ذلك على الإطلاق، أومأت رأسها إليه تدعي الاقتناع، كي تهرب بابصارها عنه، فتحدث والدها مودعًا:
- انا سايبك وسط اهلك وناسك يا زينب، وحامد بيه جالهالك اها البيت جصاد البيت ، جميع ما تطلي من البلكونة هتلاجينا في وشك.
- يا جماعة ما الكلام ده معروف، انتوا جاين تفكروها دلوك وفي الليلة دي، كدة هندخل امتى؟
قالها ضاحي بوقاحة اخجلتها لتغمض عيناها بضيق، وسخط شقيقه الذي ود ان يلكمه حتى يصمت، لينال التوبيخ من جدته بعد استئذان مطاوع الذي شعر بالحرج، تاركًا ابنته التي ظلت تتطلع في اثره تود ان يلتف اليها او ينفذ مزاحه في ان ياخدها معه الى منزلها، واحة أمانها .
- مش جادر تصبر يا مضروب الدم، خليت الراجل يتكسف ويطلع .
قهقه ضاحي بضحكة صدحت في قلب الردهة مرددًا بعجل:
- لاه يا جدة مش جادر اصبر، تعالي يا زينب.
شهقة خرجت من الاخيرة حينما اجفلها بسحبها من يدها ليتحرك بها سريعًا نحو الدرج، غير مراعي لفزعها ولا بهيئته امام جدته وشقيقه، والذي اوقفه بنصف الدرج هاتفًا:
- ادخل لابوك، خليه يفرح بيك انت وعروستك يا ضاحي.
شعرت زينب بتخشبه، وتبدل ملامحه للضيق، يرمق شقيقه بضجر وكأنه يكره تذكيره بهذا الأمر من الأساس.
❈-❈-❈
بعد قليل
وقفت امام الرجل الراقد على سريره بلا حول له ولا قوة، هذا الذي كانت تهتز له البلاد وتقف تبجلا واحتراما له اعتى الرجال، كان كالخرقة القديمة الان على الفراش، لا يوجد شيء يتحرك به سوى اهدابه، ونصف فمه الذي يخرف بكلمات غير مفهومة ، يرد على قول احدى زوجاته الملازمة له:
- دي عروسة ولدك يا زيدان، بت مطاوع الجفاص.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
غمغم الرجل بأعين دامعة نحو زينب، وكأنه يعبر عن فرحته بها .
لتدنو هي اليه وتقبل كف يده بتقدير اثر بالرجل حتى سال خطين من الدموع على بشرته، بصورة اوجعت قلبها عليه، لتلتف نحو ضاحي الذي كان واقفا قرب باب الغرفة مربع الذراعين بعدم اكتراث ، تحثه بأعينها كي يتقدم ويرضي والده،
فجاء رد ضاحي بزفرة قانطة، ليقطع الخطوتين ويسحبها من يدها مخاطبًا ابيه:
- نستأذن احنا بجى خلي بالك منه يا نبيهه،
قالها وتحرك بزينب المصدومة، يسحبها بعجالة نحو جناحه في الطابق الثاني.
❈-❈-❈
دلفت الغرفة بخطوات متأنية تتأمل الغرفة الأسطورية كما وصفتها لها صديقتها ووالدتها وكل من قامت بترتيب الأثاث، تبتلع ريقها بصعوبة، وقد بات الأمر الاَن في أصعب مراحله، فتلك غرفته وذاك التخت....
انتفضت لخاطرها الاَخير لتتحرك بفستانها الضخم نحو المرأة تخلع عنها الحجاب ، عازمة برأسها على شيء ما، غافلة عنه بقصد، وقد كان خلفها تماما يتربص حركتها ببطء وتأني باستمتاع، ليتفكه معقبًا :
- احب انا السرعة، هتخلعي على طول كدة من غير كلام.
التفت رأسها بحدة اليه، ف انتفضت داخلها حينما وجدته يخلع سترته ويشرع في خلع القميص ٢الابيض بفك ازراره، لتكبت ارتجافها قائلة بقوة واهية:
- انا داخلة اغير هدومي والبس الاسدال عشان اصلي .
ضحك مستخفًا:
- صلى والنهارده يا زينب
تقدم ليقف مقابلها، يمرر بسبابته على بشرتها يسترسل:
- الليلة دي مسموح فيها التأجيل لكل شيء يا غالية، دي ليلة.......
قاطعته بضيق تنزع كف يده عنها:
- الصلاة في اي وجت وفي كل مكان، ممكن بجى تبعد من جدامي.....
شهقت بالاخيرة بإجفال اصابها، حينما باغتها بضمها اليه من خصرها، فور ان شرعت بالتحرك، ليقرب وجهه منها وبأعين أظلمت بالرغبة يردد بهسيس وانفاسه الخشنة تلفح بشرتها:
- حاولي يا جلبي تبطلي محاولاتك المكشوفة دي عشان انا فاهمك اكتر من نفسك، وبصراحة صبري نفد ومعنديش اي وجت للعب دلوك.
حاولت دفعه بكفيها على صدره لتبعده عنها مرددة بضجر:
- وانا معنديش حاجه ادهالك، انت عارف من الاول انك واخدني غصب، يعني لو حصل اللي في مخك هبجى جتة من غير روح، جماد بالظبط زي السرير اللي جمبك ده من غير اي ذرة احساس.
توقعت بعد كلماتها المهينة ان يدفعها عنه او يبغضها كرد طبيعي، ولكنه فاجئها بضحكة مجلجلة صدحت في قلب الغرفة، ليردد من خلفها بمرح:
- جماد زي السرير، انتي غلبانة جوي يا زينب، وناسيه انك اتجوزتي ضاحي الدهشوري اللي عرف من اصناف الحريم بعدد شعر رأسه....... يعني الأحساس دا شغلتي انا مش انتي.
لم يصل اليها معنى عبارته الاخيرة، لتسهم بنظراتها نحوه بعدم فهم بصورة زادت من تسليته ليردف:
- اهو انا اللي شدني ليكي هي برائتك دي، ولو على معنى الجملة دلوك افهمهالك زين جوي.....
لم يكد ينهي كلماته حتى وجدته يطبق بشفتيه على ثغرها، يبتلع شهقتها في جوفه، يطوق بذراعيه حولها بقوة، لتتمالك هي بعد لحظات قليلة، فتحاول بكل عزمها دفعه عنها والفكاك منه، بالضرب بكلتا يديها على اكتافة وساعديه وظهره، ولكنه ابى الا يتركها إلا حين شعر بحاجتها للهواء
ليردف بلهاث خشن:
- كنت عارف اني هنبسط معاكي يا زينب ، اضربي بكل جوتك ، ليلتنا لسة في اولها.
قالها وتحرك على عجالة، يفتح سحاب فستانها الضخم ليقع تحت اقدامها، ثم يرفعها من ملابسها الخفيفة ليسقط معها على التخت رغم كل محاولاتها في ضربه بقبضتيها للأفلات منه، وهو يردد بمرح بحماس يقارب الجنون:
- اضربي وقاومي كمان يا زينب، متوجفيش ولا تمنعي يدك عني ابدا.
وكأنها كانت إشارة البدء في الخوض لمعركة غير متكافئة على الإطلاق، هي بقوتها التي لا تعادل ربع قوته، تضرب وتقاوم بكل خلية من جسدها، وهو يواصل ما بدأ فيه باستمتاع وهوس، حتى تعبت وخارت قواها لترفع راية الاستسلام مجبرة، وتصدح صرخاتها العالية على غير أرادتها.
لتصل لذلك الشقيق الساكن في الجناح المقابل لجناحهم، ليرهف السمع لحظات حتى تأكد من مصدر الصوت، فتنعقد ملامحه، ويتمتم بسبة بذيئة وقد اصابه الغضب بحق.
.... يتب
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
اختلطت الزغاريد التي صارت تصلها من الخارج مع اصوات العصافير التي استيقظت على زقزقتها منذ مدة من الوقت، بعد اختطافها لساعتين غفت فيهم بصعوبة نتيجة التعب الجسدي والصراخ الذي شق حلقها مساءًا، لتفتح اجفانها للنور البكر ، فتعي على وضعها الجديد بهذه الغرفة الغريبة عن غرفتها وهذا البغيض الذي يتقاسم التخت معها ويطوقها بذراعيه، ورائحته تزكم انفها، يمنع عنها الراحة حتى في نومه.
لقد جاهدت عدة مرات للفكاك منه، ولكن في كل مرة كانت تتوقف ، خشية ان توقظه، وهذا اخر ما ينقصها الاَن، ان تصطبح بالشجار معه، وقد نفذت طاقتها ونال الإجهاد منها وبلغ مبلغه.
انتفضت على صوت الجرس الذي تم الضغط عليه بقوة حتى جعل هذا المزعج يتململ، وهي تراقبه عن كثب، وحين شعرت بارتخاء ذراعه عنها، شرعت في النزول عن التخت، لتعتدل بجذعها على الفور ، قاصدة الخروج من دائرته الخانقة ، ولكنه أبى ان يعطيها غايتها ، لتصدر شهقتها بزعر حينما وجدت نفسها تعاد للاستلقاء مرة أخرى، يطل عليها بوجهه من علو وذراعه التي أسقطتها عادت تطوقها مرة أخرى، يهسهس قرب بشرتها بصوت متحشرج وابتسامة اصبحت تثير ضيقها:
- رايحة فين؟ هتسيبي حضن عريسك من غير ما تستأذني؟
عبست ملامحها بضجر، متجنبة الرد على سخافته، لتذكره بالأهم الاَن:
- الجرس بجالو ساعة بيرن يا ضاحي، ودي أكيد أمي.
- جاية تطمن!
عقب بها بعبث وعيناه تطوف على وجهها وجيدها وما ظهر من بشرتها من تحت غطاء الشرشف، ليسترسل بوقاحة:
- اظن ان الست الوالدة هتفرح جوي لما تشوفك، ياريت تبلغيها كمان ان عريسك انبسط جوي منك.
تفوه الاخيرة بتلميح سافر كاد ان يجعلها تصرخ بوجهه، وقد ذكرها بما تتمنى محوه من عقلها، ليصدر صوتها بقهر:
- بعد عني يا ضاحي، مش وجت حديتك الماسخ، دي تالت مرة الجرس يرن ويبطل، عايزهم يجولوا علينا ايه؟
- ما يجولوا اللي يجولوه، ما كله في صالحنا برضوا يا زوزو.
تفوه بها بضحكة منتشية ليعتدل فجأة متابعًا:
- بس عشان خاطرك انا هطلع اشوفهم، حتى عشان نخلص منهم بسرعة ونفضوا لبعض.
قال الاخرى غامزًا بطرف عيناه، ثم نزل سريعًا، يتناول شيئًا ما يرتديه على الصدر العاري.
لتظل هي متطلعة في اثره لحظات فتسقط دمعة حارقة لما اَل اليه حالها الاَن، وما ينتظرها من شقاء بزواجها من هذا البغيض.
❈-❈-❈
بداخل غرفتها، وقد اختلت بها بعيدا عن الجميع لتمارس دورها كأم في هذا اليوم، تنفيذا للعادات والتقاليد المتوارثة، وبعد أن اطمأنت منها بأن رأت دليل عفتها بأم عينيها، جاء دور زينب الاَن لتشتكي لها وتوضح الصورة كاملة .
لتشير لها وتريها اثار هجومه الغاشم عليها:
- شايفة ياما، بصي كويس اللي ع الرجبة هنا واللي ع الصدر والدرعات، انا مكسوفة اكشفلك الباجي.
ارتبكت عزيزة وهي تتمعن النظر بالبقع المنتشرة على جيد ابنتها ورقبتها، لتتلبك لحظات قبل ان يخرج ردها بتلعثم:
- اا يا بتي دا اكيد من لهفته عليكي، الجدع باين عليه جوي انه فرحان بيكي، انتي مش شايفة عمايله مع اخواته البنات وحريم خواته، بالضحك والهزار،
رددت خلفها باستنكار وعدم تصديق:
- انتي بتسمي اللي شيفاه جدامك دا لهفة ياما؟ انا صوتي كان طالع لآخر السريا الليلة اللي فاتت، ودلوك مش عارفة اوري وشي للناس دي ازاي؟
تبسمت عزيزة بحياء تفسر الاشياء بمنطقها:
- ويعني انتي كنتي غريبة عنه، دا جواز على سنة الله ورسوله، وهما كلهم كبار مفيش حد صغير منهم، انتي بس اللي مأدبة جوي وهما عارفينك كدة يعني اطمني.
ابتعلت زينب بعدم تصديق ، لا تستوعب تبرير والدتها والإصرار العجيب منها، ان كل ما يحدث هو أمر طبيعي، اذن اين يوجد الرفق والمودة بين الزوجين، الا يكفي ما تكنه داخلها نحوه؟!
❈-❈-❈
وفي ناحية أخرى
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
استفرد حامد بشقيقه في غفلة من جمع الشباب من اقربائه والاصدقاء، والذين أتو لتهنئة العريس بصباحية العرس ، وقد اندمج معظمهم في الأحاديث الجانبية وتناول الحلوى بأنواعها المختلفة والمرتصة على الطاولة الزجاجية التي تتوسط جلستهم.
فخرج استفسار حامد يهمس بصوت خفيض منتقيًا كلماته، مجاهدًا الا يخرج ما اعتراه من مشاعر غاضبة منذ الأمس:
- ايه يا عمنا؟ اشحال ما كنت مجطع السمكة وديلها ، يعني مش غشيم ولا عيل في تجربته الاولى، الصوت امبارح كان يودي لآخر السراية.
شدد على احرفه الاخيرة بقصد التقطه ضاحي، ليفتر فاهه بالضحكات المنتشية اثناء تناوله لإحدى الحلوى،
- تجدر تعتبرها اول تجربة،
- يعني ايه؟
تبسم ضاحي بوسع فمه ، ليجيب عن السؤال بتنهيدة تسبقه:
- يعني اخوك فرحان ومبسوط يا واد ابوي، مش دي تكفي؟
بحنق داخله، وغيظ لا يعلم سببه، تمتم حامد يجامله:
- يارب يزيدك فرح يا واد ابوي، المهم ما تنساش تفضي السكة بعد شوية عشان اسلم عليها وانجطها.
قطب ضاحي بعدم تصديق :
- تسلم عليها وتنجطها بنفسك، دي اول مرة تحصل.
زفر حامد يعقب على قوله:
- واديها هتحصل يا سيدي، انا هنجط مرة اخويا شجيجي، مش عيل من عيال نبيهة ولا ستهم.
❈-❈-❈
تنفيذا للعادات، تزينت زينب لتتلقى المباركات والتهنئة المتتالية من نساء المنزل وعدد من النساء الاقارب ، والاتي اتين مخصوص من اجل نقوطها في الاصل، حتى الجدة الكبيرة، اوقت بعدها واعطتها مبلغ لا بأس به ، لتسجلهم عزيزة في دفترها، ينتابها الفرح والتفاخر، فما يحدث في الخيال لم تكن تتصوره،
لتتمتم بفرح غامر اختلط بانبهارها وهي تقلب في لفات النقود المرتصة على طاولة السفرة، بعد خروج اخر وفد من النساء:
- واعية يا زينب، كل دي الالفات لمتيها في صبحية واحدة، مش بجولك يا بتي ربنا عوضك.
اومأت لها زينب بفتور، تتجنب الرد بما يحزنها، رغم استنكار يسري داخلها من هذا الفرح المبالغ فيه من أجل حفنة نقود، مهما كان عددهم.
لتردف عزيزة بتفكير:
- بصي يا زينب الفلوس دي تشيليها بخيرها كدة ، واول ما تنزلي تشوجي السوق، هنروح انا وانتي على محل هاني الصايغ، نجيب بيهم كلهم دهب، اينعم هو جابلك كتير بس برضك البحر يحب الزيادة، وعشان تبجي باينة وسطيهم ولا تنجصيش على واحدة منهم هنا.
قالت الأخيرة بالإشارة نحو زوجات الأشقاء الآخرين وشقيقات ضاحي ممن امتلأت ايديهن بعدد الاساور الذهبية.
وعلى نفس الوتيرة، أومأت لها زينب بابتسامة باهته لتنهض وتستأذنها:
- طب معلش سامحيني، انا هروح اريح شوية، احسن عنيا بتجفل لوحديها .
رددت عزيزة بلهفة،
- من غير استئذان يا حبيبتي، روحى ريحي وانا هرتب المطبخ والم كل حاجة وانضف الصالة، روحي يا بتي، جبل ما ياجي ويجلجل نومك.
ختمت بضحكة مرحة، تغطي بكفها على فمها ، بمزاح لم تتقبله زينب على الإطلاق، لترد بتجهم:
- انا راحة على اوضتي ياما.
وما كادت ان تنهيها حتى وصلها صوته:
- زوزو.
اغمضت عينيها بتعب ووالدتها علقت بسخافة:
- جيبنا سيرة الجط جه ينط، يا حظك يا زينب.
ضحكت مرة ثانية وابنتها ترمقها بغيظ شديد ، تكبح نفسها بصعوبة حتى لا تنفجر بها، فولج اليهم بابتسامته، يمازح عزيزة في البداية:
- منورة يا ام الغالية.
- دا نورك يا حبيبي .
قالتها عزيزة بلهفة قبل ان تنتبه لكلماته وهو يخاطب ابنتها:
- البسي حجابك يا زينب اللي جلعتيه، اخويا جاي ينجطك.
- اخوك مين؟
صدرت منها باستفسار قبل ان تجفل على حمحمة خشنة ، ف استدارت على الفور تلف الحجاب فوق رأسها، وضاحي يهتف مستقبلا للآخر:
- خوش يا اخوي انت مش غريب.
سمعت زينب صوت طرق العصا على الأرض تزامنا مع خطواته التي تقترب ، حتى اذا طل امامها بهيبته الطاغية، لتبث داخلها خوف لا تعلمه.
- صباح الخير يا عروسة
كانت تلك الكلمات التي بادرها بها، قبل ان يفاجئها بمد كفه اليها ليصافحها، لترفع هي الأخرى كفها كي تبادله المصافحة بخجل، وقد لاح بعقلها صورتها امامه بعد صراخ الأمس،
شعرت بقرصه على كفها ام انها كانت تتوهم، كل ما تعلمه، هو انه اجبرها على رفع ابصارها اليه، لتقابل بعينيها سوداوتيه المظلمة بشدة، ونظرة لم تجد لها تفسيرا على الإطلاق، ثم فاجئها بوضع لفة كبيرة من النقود ذات الفئة العالية، وقد لامست كفه رسغها اثناء ذلك ، لتزداد اضطرابا وهو يتحدث بنبرة عادية مع والدتها ويرد على مزاح شقيقه الذي لم يتوقف:
- ما كنت وفرتهم يا واد ابوي النجطة الكبيرة دي، بدل ما تشيلني هم ان هياجي يوم ولازم اردها لك..
- لا يا خوي متشيلش هم، انا مليش غاية اعيدها اساسا.
- تشيلها من دماغك ليه؟ دا انت في عز شبابك، وبدل الواحدة تتمناك الف واحدة ، لا والله واكتر كمان .
عقبت بها عزيزة على قوله بعفوية اثارت استياء ابنتها، والتي غمغمت لها بتحريك الشفاه ونظرة محذرة كي تكف عن التدخل فيما لا يعنيها، لتلفت انتباه الآخر فيفاجئها برده:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- بتبحلجيلها ليه يا زينب؟ الست مجالتش حاجة غلط.
كان يحدثها ببساطة لأول مرة تشهدها منه مع ابتسامة اظهرت الغمازة الوحيدة بوجنته، ليزيدها خجلًا في ردها بصوت خفيض:
- انا مجولتش حاجة، انا بس عايزاها متتدخلش في الامور الشخصية مع الناس.
قهقه يزدها اندهشًا بهذه الضحكة النادرة ، فتدخل ضاحي بسماجة يلف ذراعه حول كتفها ويضمها اليه قائلًا بوقاحة:
- اتجوز يا ولد ابوي، يا محلى الجواز لما تاخدها صغيرة وحلوة كدة، انا بجولهالك آها الجواز حلو جوي.
اسبلت اهدابها زينب بخجل شديد تود الأرض ان تنشق وتبتلعها، وغيظ يفتك بها بأفعال هذا المتبجح معها دون ادنى ذرة من الحياء.
لتغفل عن الحجاب الذي سقط جزء منه في الأمام، ليكشف جزء من رقبتها ، وظهرت تلك العلامة البارزة والتي انتبه عليها ذاك الواقف امامها، ليتجهم وجهه على الفور ، فهو ليس صغيرا كي لا يعلمها دون توضيح، ليطرق عصاه على الارض بعنف يجفلهم بالصوت المزعج قائلًا:
- طب استأذن انا ، عشان ورايا مصالح.
قالها وخرج على الفور يشعر بنيران تسري بداخله، لا يعلم سببها، واستأذنت عزيزة هي الأخرى خلفه مستشعرة الحرج:
- انا كمان يادوبك اروح.
- استني ياما انتي مش جولتي انك لسة مطولة...
تفوهت بها زينب قبل ان تجفل على قرصة بخصرها جمدتها لتطالعه بإجفال، قابلها هو بابتسامة عابثة اثارت استياءها امام والدتها التي كتمت ضحكتها لترفع ملائتها وتخرج على الفور متجاهلة النظر نحو ابنتها التي كانت تتمنى لو تغادر معها، تتبعها بأبصارها حتى خرجت تصفق بالباب خلفها، لتجده على الفور يرفعها عن الأرض يحملها بمرح:
- اخيرًا خليلنا الجو يا زوزو
تمتمت برفض وقلة حيلة:
- انا تعبانة وعايزة أنام، دا غير اني مكلتش لجمة من الصبح اساسًا.
تبسم يتحرك بها غير ابهًا باعتراضها قائلًا اثناء سيره:
- يا سلام يا ستي، دا انتي هتاكلي وتشربي وتنامي على كيفك، هو احنا ورانا حاجة غير الأكل والنوم.
❈-❈-❈
. بعد مرور اسبوع
كان خروجها الاول من الجناح الذي ظلت حبيسة فيه مع ضاحي زوجها او عريسها كما يقولون، لا يفارقها سوى عند الزيارات التي كانت تأتي للمباركة والتهنئة،
لتتنفس اخيرا هواء عادي ، غير هذا المتشبع برائحته، وحضوره الملازم لها.
لتهبط الدرج بصحبته، وقد فرض عليها كما يفعل دائمًا، لأن تتأبط ذراعه ويلصقها به في النزول الى الطابق الأسفل بناء على طلب الجدة لحضور مأدبة غداء أعدت خصيصاً للإحتفال بالعروسين. بحضور حامد الشقيق الأكبر والذي كان في انتظارهم في الأسفل مع المرأة العجوز، والتي اشرق وجهها تستقبلهم بزغرودتها القديمة المميزة، لتصدح ضحكات هذا المتغطرس فيلوح بكف يده الحرة يحييها:
- كمان يا فضيلة، علي ومتوجفيش.
- ايوة يا خوي، عيدك انت في الزيطة.
علق بها حامد ردا له، قبل ان يقف يستقبله بعناقه ثم يمد كفه لزينب التي صافحة لتهرول بعيدا عنهم لتبتعد عن حصار زوجها الخانق، وترتمي بحضن فضيلة والتي تذكرها بحنان جدتها الراحلة،
لتربت على ظهرها تردد بعتاب مرح:
- كدة برضوا يا بت عزيزة، لازم ابعتلك عشان اشوفك .
شرعت زينب بالرد عليها ولكن ضاحي سبقها بوقاحته:
- اعذريها يا جدة، اصلنا مكناش فاضين.
للمرة الألف تغمض عينيها تكبت داخلها سبه وشتمه،
فجاء الرد من شقيقه الحانق بتحذير:
- ضاااحي، امسك لسانك دا شوية، واهمد، مينفعش تبجى مأدب ولو نص ساعة حتى.
- لااا.
تمتم بها بهز رأسه وضحكته العابثة لتعلق جدته:
- سيبو يا ولدي دا من يومه مجلجز، بس اجولك هو المرة دي معذور برضو، زنوبة جمر وبدر في تمامه.
تبسمت للجدة بخجل، احمرت له وجنتاها، لتشيح بوجهها قليلًا عنها، فتقابلت عينيها بثاقبتي ذلك الجالس بالقرب، وكأنه كان في انتظارها ، لتبتلع رمقها بارتباك ثم تعتدل بجلستها ، متجنبة النظر نحوه، تدعي الاندماج بحديث زوجها الذي كان يسهب كعادته بالمزاح والنكات العادية والسخيفة .
بعد قليل كان الأربعة على طاولة الطعام التي استغربت زينب على خلوها عليهم فقط، حتى عندما شرعوا في تناول الطعام ظلت على وضعها في الانتظار لتلفت انتباه الجدة والتي أمرتها :
- مدي يدك يا زينب، مستنية ايه؟
انفرجت شفتيها لتتحرك بتردد في طرح السؤال كان يلح عليها في هذا الوقت لتتمتم :
- لا يعني، اصل انا مستغربة،..... كنت فاكرة العزومة... للبيت كله.
جاءها الرد من زوجها:
- بيت كله مين؟ جصدك على عيال نبيهه وستهم ، هو احنا ناقصين صداع، مخليهم في شججهم احسن، أهي اولى بيهم.
لم تكد زينب تستوعب كلماته حتى فاجاءها الاخر بحدته
- دا غير انهم خمس رجال...... أكيد كنتي هتتسكفي منهم يا زينب يجعدوا جبالك على سفرة واحدة
قالها ثم تابع بنظرة تخترقها وكأنه قرأ افكارها:
- لا طبعا انا غيرهم، هما عيال نبيهة وستهم، لكن انا وضاحي من بطن واحدة وشققا، يعني مينفعش تتكسفي مني يا زينب، مش كدة برضوا؟
هل هو يسألها؟ ام يفرض عليها قواعد وعليها الالتزام بها، في كلتا الحالتين، اضطرت هي التزام الهدوء وعدم المجادلة، رغم انها كانت تتأمل الاندماج في الحديث مع سيدات الدار او المشاكسة مع اطفالهن، اي شيء ينتشلها من احضان ضاحي، ولو لدقائق او يسعدها الحظ وتكن ساعات.
قطع شردوها كالعادة، بسماجته:
- كلي زين يا زينب، ولا اوكلك بنفسي هنا كمان جدامهم.
ختم غامزًا بطرف عيناه، لتعض هي على نواجزها من الغيظ او القهر بتذكيره الوقح وبما يفعله دائمًا معها في الفرض والجبر، حتى في تناول الطعام مهمها اعترضت ،
وكالعادة كلما اشاحت بأبصارها عنه، وجدت زوج أعين أخرى تتلقف نظرتها، بغموض لا تفهمه على الإطلاق
....يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
مستندة بجذعها على قائم التخت ، تراقب استعداده للخروج وهو يتزين امام المراَه ويعدل من هيئته ليتلبس ثوب الهيبة والوقار من اجل حضور مؤتمر دعائي لأجل الترشيح للمجلس الموقر.
لقد مر شهر على زواجها به وقد استسلمت لقدرها ومسايرة الوضع القائم، ولكن الواقع مؤلمًا، مؤلما بشدة معاشرة رجل لا يلتفت سوى لشهواته، غير مراعيًا لها او احتوائها بما يهون عليها، بإصرار غير طبيعي منه على ان يفرض نفسه عليها، وكأنه لم يعرف من النساء غيرها.
تشعر وكأنها في كابوس دائم تتمنى الاستيقاظ منه، لا تصدق انها سوف ترتاح اليوم منه، سوف تنعم بالراحة بعيدا عن احضانه الخانقة ولمساته التى لا تتوقف.
- حلوة البدلة يا زينب.
هتف بها يخاطب انعكاسها في المراَة، لينتشلها من شرودها، وتنتبه جيدا للحلة التي يرتديها وتلك العباءة على الكتفين بهيئة راقية لا تليق بشخصيته العابثة التي تعرفها جيدًا، ولكنها لا تنكر أناقته:
- زينة وشيك طبعًا، أكيد دي ماركة صح؟
- صح
أومأ مرددًا بها، ثم تحرك من امام المراَة، لتجده جلس بجوارها على الفراش، يجذبها اليه فجأة، فصدر اعتراضها على الفور بإجفال:
- هتعمل ايه؟ مش بتجول انك ماشي.
ضحك بتسلية مقربًا وجهها منها:
- بصراحة لو عليا ما انزل ابدا ولا اسيبك، بس اعمل ايه بجى مضطر..
ظلت صامتة بتوجس، ليسترسل هو مداعبًا:
- هتوحشيني يا زينب الكام ساعة دول، لولا اهمية الترشيح عندي، والله ما كنت اتنازلت عن شهر عسل طويل في قرية سياحية ولا برا البلد حتى معاكي.
دار برأسها السؤال والحيرة التي اصبحت تطل بعيناها، لتبوح بما يدور داخلها:
- أكيد طبعا كنت بتعمل كدة مع كل النسوان اللي عرفتهم.
لم يتخلى عن عبثه، ليعلق بتسلية:
- يا عبيطة، هو انا كنت اتجوزت اساسا جبلك عشان اعمل شهر عسل ولا غيره، يا عسل انتي.
لم يترك لها فرصة لاستيعاب كلماته او مواصلة الجدال، وقد اقتطف ثغرها بقبلة شغوفة سحبت انفاسها كالعادة بضمة قوية جعلتها تأن بين يديه حتى أفلتها بصعوبة ، ليردد بأنفاس خشنة:
- دي حاجة كدة تصبيرة على ما ارجعلك،
نهض سريعًا بعد ذلك ليلحق بالسيارة التي كانت تنتظره في الأسفل، لتوصله مع جمع من اشقائه الآخرين ورجال من العائلة والمسؤولين عن حملته الى عدد من البلاد المجاورة وحضور المؤتمر الشعبي بواحدة منهم،
أما عنها فقد نهضت عن الفراش تتنفس براحة اشتاقت اليها ، لتتصل على صديقتها الوحيدة تطلب منها الحضور في التو واللحظة، تريد ان تستغل هذا الوقت في القيام ببعض الاشياء التي تستعيد بها نفسها وحريتها ولو لسويعات قليلة بعيدا عن حضوره الخانق.
❈-❈-❈
بعد قليل
كانت نورا متربعة على احدى مقاعد الصالون تشاهد معها على تلك الشاشة الكبيرة المعلقة على الحائط، احد الافلام الهندية التي تعشقها، وتتناول بشهية مفرطة كل ما تقع عينيها عليه من خيرات ارتصت امامها على الطاولة الزجاجية:
- يا لهوي على العز يا زوزو، كل دي اصناف انا معرفاش اسمها، بسم الله ما شاء الله يعني لا تفتكريني بحسد.
عارضتها زينب موبخة:
- بطلي هبل يا بت، وانا لو عارفاكي بتحسدي كنت جيتك ولا اتصلت بيكي اصلا، ثم يعني هتحسدي ايه؟ الهنا اللي صاحبتك عايشة فيه، اتنيلي، انا عندي ارجع على حصيرة بيتنا ولا الجعدة هنا.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
سمعت منها ليفتر فاهها ببلاهة والطعام بفمها، ثم خرج ردها بعد لحظات بعتاب:
- وه، ما تجوليش كدة يا زينب لا ربنا يرفع منك النعمة، هو في واحدة في البلد كلها خدت حظك ما شاء الله يعني، عريس طول وعرض وشباب يفرح ، غني ومرشح لمجلس الشعب .
تطلعت اليها صامتة دون تعليق لتستدرك الأخرى وتلطف قائلة:
- انا عارفة انه اتجوزك غصب، بس برضو يا زينب ، كل العز اللي انتي فيه ده اللهم صلي ع النبي يعني، يخليكي تغيري رأيك، ولا عايزة تفهميني كمان انه مدلعكيش ولااا
قالت الأخيرة بغمزة فهمت عليها زينب، لتتنهد بيأس من اقناعها، رافضة اطلاعها على الصورة الحقيقية لما تعيشه، وفضلت تغير دفة الحديث الى المزاح، فلا فائدة من الكلام:
- انتي بت فتاية يا نورا، عيب تفتحي عينك يا ماما .
شهقت الاخيرة بشغف لتقترب منها تلح بقولها:
- يعني فيه اها، طب ما تحكي يا بت بلا عيب بلا زفت ، احكي يا زوزو شالله يرضى عنك.
خرج رد زينب بضجر، فهذا ما ينقصها:
- احكي ايه يا نورا ما تخليكي في طبق الكاجو اللي على حجرك ولا اتفرجي على شاروخان حبيبك في التليفزيون ولا اجولك انا هروح اجيبلك جاتوه شيكولاتة من التلاجة احسن، هيعجبك جوي.
قالتها ونهضت على الفور ، لتعلم نورا ان صديقتها ترواغها كي تتجنب اجابة اسئلتها، فتزفر بإحباط مرددة في اثرها:
- ماشي يا زينب هاتي الجاتوه اهو احسن من مفيش.
❈-❈-❈
قضت معها نصف اليوم تقريبا، لا يشبعن من السمر والتحدث في شتى المواضيع، دون كلل او ملل ، حتى أتى وقت ذهاب نورا، لتتشبث بها كالطفل الصغير:
- اجعدي معايا وكملي اليوم
- ايوة يا اختي عشان أبويا يدبحني ولا يمشيني من البيت
- هجيبك تسكني معايا.
- لا يا شيخة، على اساس اني لقيطة يعني، ولا بسة وهتربيها.
قالتها نورا بلهجة مرحة تسبقها بصوت مستنكر جعلها تضحك مقهقهة قبل ان تتوقف فجأة مع انتباهاها لمن فتح باب الجناح المقابل وقد سمع بعض من الحدث وضحكتها التي صدحت في أجواء الدرج الخالي.، لتسهم نظراتها نحوه بإجفال جعلها تغفل عن رأسها المكشوفة وقد كانت من دون حجاب، فتلكزها نورا وتنبهها بعيناها، مما جعلها تهرول سريعًا للداخل فخرجت به تلفه على عجالة، فوجدته على نفس وقفته، لم يتزحزح للأمام أو للخلف، فسارعت هي مبررة:
- معلش مكنتش اعرف انك جاعد، كنت فاكراك روحت مع ضاحي.
صمت محدقًا بها يومئ برأسه بصمت زادها اضطرابًا، حتى غيرت تعرفه على صديقتها:
- دي نورا بت الحج صديق، صاحبتي وساكنة في الشارع اللي ورانا بالظبط.
- اهلا يا نورا.
تمتم بها نحو الفتاة دون اهتمام ، لتقابل هي تحيته بلهفة مرددة:
-'يا اهلا بيك يا حامد بيه، دا انا زميلتها من ابتدائي واكتر من الأخوات والله حتى اسألها.
اومأ بجلافة دون ان يلتف لها وقد تركزت ابصاره على زينب ليسألها:
- انا كمان كنت برا البلد بجضي مصالح، هو جوزك طلع الساعة كام؟
- الساعة تمانية الصبح
قالتها بعجالة تنقل بابصارها نحو صديقتها التي بدأت تشعر بالحرج لتضطر للأستأذان:
- طب انا ماشية بجى يا زينب ، هبجى اجي اطل عليكي تاني ان شاء الله.
لم تستطع زينب ان تمنعها هذه المرة، ولكن ظلت تتابع خروجها، وكأنها تود الركض خلفها واللحاق بها، قبل ان تلتف للرد على سؤاله:
- نزلتي لجدتك فضيلة؟
- هاا
قالتها بدون تركيز مما جعل ابتسامة عابثة تلوح على طرف ثغره، ولكنه كبت بصعوبة حتى لا يحرجها، وتابع يعيد عليها بسؤاله وقد اقترب بخطواته ليصبح مقابلا لها:
- بسألك عن الحجة فضيلة يا زينب ، هل نزلتي تطمني عليها ولا تقعدي معاها شوية؟
اربكها بشدة لتنفي بهز رأسها، مسبلة اهدابها عن مواجهة ثاقبتيه، لتبدو امامه كطفلة مذنبة ، فواصل ما بما يشبه التوبيخ:
- كان المفروض تنزليلها يا زينب انا برا البلد وجوزك كذلك، ودي حاجة مفيش اسهل منها .
بررت بما طرأ برأسها:
- مخدتش بالي ، لأن انا ما بنزلش اصلا من شجتي، وبرضك على حسب علمي، البيت مليان، اينعم هما عازلين قي شججهم بس برضك بيجوا يطلوا عليها.
صدر صوته بنبرة حازمة اجفلتها:
- ما تتكليش على عيال نبيهة وستهم، انا خليتهم في مبني لوحديهم عشان يفضل البيت هنا هادي بعيد عن الدوشة، اخرهم يجوا يطلوا وبعدها يرجعوا بيوتهم، يبجى انتي مسؤولة كدة عنها وعن كل صغيرة وكبيرة في البيت ومن واجبك تشوفيها ، تطمني عليها كل يوم وتشرفي على أحوال البيت.
ارتفعت عيناها الجميلة اليه تشير نحوها بسبابتها مرددة خلفه بعدم استيعاب:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- انا مسؤولة عن البيت هنا! ازاي يعني؟
صمت قليلًا وكأنه يتأملها وهذه الهالة الجاذبة بها، ولكن الحديث لم يحتمل فخرج رده :
- ازاي دي يفهمهالك جوزك، المهم تنزلي دلوك تراضي جدتك فضيلة واتغدي معانا بالمرة.
شرع بالذهاب وفور ان التف عنها ردت خلفه باعتراض:
- لكن انا شبعانة ومش عايزة اكل.
عقب دون ان يكلف نفسه عناء الالتفاف:
- انا جولت تراضيها يا زينب، يعني مش لازم تبجي جعانة عشان تأنسبها في الاكل.........، متنسيش .
ختم بالأخيرة ليهبط الدرج، وقد لاح برأسه صورتها الاَن وهي حانقة بعد التوجيه لها بتعليماته، وهذه الاشياء المفاجئة، يعلم ان لها الحق، لكن من غيرها يستحق الاَن.
وصله صوت غلق الباب بعنف، ثم خطواتها وهي تهبط الدرج من خلفه، ليمط شفتاه بابتسامة جانبية وقد اسعده طاعتها.
❈-❈-❈
بعد قليل
على مائدة السفرة، اجتمع الاثنان مع المرأة العجوز والتي اشرق وجهها بفرحة لانضمام زينب معها لتناول الطعام، حتى اشعرت الاخيرة بتأنيب الضمير، لأنها بالفعل غفلت عن السؤال عنها، حتى الطعام لم تكن لها شهية به، وذلك لانها سبقتهما بتناوله مع صديقتها، لكن فضيلة لم تكف عن توجيه العتاب لها وهي تراها تتلاعب في طبقها :
- تاني هنبهك ع الوكل يا زينب، يا بتي لو مش عاجبك جولي ع اللي نفسك فيه متتكسفيش، كل اللي بيخدموا هنا تحت امرك.
تبسمت بحرج وقد التقت عينيها بذاك الذي كان يتناول الطعام بصمت ، لتبرر للمرأة:
- يا جدة مفيش داعي نتعب الناس، ما السفرة عليها خيرات ربنا، انا باكل اها.
قالتها ثم وضعت قطعة صغيرة من الدجاجة ثم تلوك بها داخل فمها حتى تصرف المرأة عنها ، وامامها من الناحية الأخرى حامد يأكل بشهية ذكرتها بزوجها العزيز، فهو الأخر اكثر نهمًا في كل شيء، انتفضت داخلها مع تذكره ، وقد عاهدت نفسها ان تريح عقلها منه اليوم بغيابه، لتعود عن شرودها، ولكن هذه المرة انتبهت على مرور احدى العاملات تقترب من المرأة لتضع امامها طبق ما ، وفور ان انتبهت زينب على محتواه، هلل وجهها بلهفة:
- دا رايب يا جدة، انتي بتاكلي رايب ع الغدا زي جدتي روحية الله يرحمها.
تبسمت العجوز بمودة توميء برأسها:
- وه يا زينب، لساكى فاكرة عوايد جدتك، روحية كانت بتحب العادة دي ع الوكل، وانا يعني لما تهفني نفسي بطلبه من البنتة، لو عايزة يجيبولك انتي كمان.
كانت اللهفة مرتسمة على ملامحها هي الدليل الكافي على رغبتها، ولكن التردد جعلها تتأخر لحظات، فجاء هتاف الاخر يجفلها بحزمه:
- بت يا وهيبة.
حينها اتت الخادمة سريعًا تلبي النداء، فوجه لها الأمر على الفور:
- هاتي طبق رايب لستك زينب، ومتنسيش بعد كدة تطلعيلها بواحد كل يوم.
اومأت الفتاة رأسها سريعا بطاعة لتجيب مطلبه، أمام دهشة زينب التي افتر فاهها بدهشة، لا تعلم ان كانت تشكره ام ماذا؟
ولكنه عاد يواصل طعامه، ثم يرفع عيناه فجأة يلتقط نظرتها بغموض يكسو ملامحه، فخجلت هي لتسبل اهدابها عنه، قبل ان تنتبه على قدوم الفتاة العاملة، تضع امامها طبقها، فتهللت اساريرها بفرحة لم تخفى على الاثنين، لتضع ملعقتها به وتتناول بتلذذ جعل فضيلة تعلق بحنين:
- الله يرحمك يا روحية، صحيح اللي خلف ما ماتش.
تبسمت ترفع ابصارها اليها ف اصطدمت بنظرة الاخر، وقد كان متابعًا ، ليدنو نحو طعامه بعد ذلك يلوكه ببطء وكأن عقله مشتتا بأمر ما.
ثم يتلقى فجأة اتصالا مفاجئا، لتعلم زينب بهوية المتصل فور ان اجابه:
- ايوة يا ضاحي عملت ايه عندك......... امممم،...... زين زين، انا كمان كلمت اخوك راجح وهو طمني ان البلد هناك ان شاءالله في إيدينا....... يا سيدي ربنا يوفقك...... مين؟......
انتقلت عيناه في الاخيرة نحوها قبل ان يجيب الاخر:
- ايوة هي جاعدة بتتغدى معانا...... حاضر.
قال الاخيرة ثم امتدت يداه نحوها بالهاتف:
- خدي يا زينب عايز يكلمك.
ابتلعت لتتناول الهاتف منه، تخفي بصعوبة ضيقها، امام الاثنان:
- الوو ايوة يا ضاحي،.......
وصلها الصوت الغاضب:
- من الصبح برن ما بتروديش ليه يا زينب، كدة من اول يوم اغيب فيه.
نهضت عن مقعدها، لتبتعد عنهما بمسافة كافية، حتى لا يصلهم الصوت المحتد، وتجيب بصوت خفيض حذر:
- اخوك هو اللي جالي انزل لجدتي فضيلة ووانسها يا ضاحي، والتلفون كان ع الكومدينو ونسيت اجيبه معايا، بس انت لو مش عايزني اجعد معاها، اطلع على طول ومنزلهاش تاني .
لانت حدته بعد كلماتها، وقد استوعب عذرها الان ثم يلطف بقوله:
- ماشي يا زينب ليكي عذرك المرة دي، المهم عملتي ايه النهاردة من غيري؟
ارتفع.طرف شفتها بعدم استيعاب ليخرج ردها بدهشة:
- ايه السؤال ده يا ضاحي؟ هو انت في إيه ولا في أيه؟
وصلها صوت الضحكة التي جلجلت في أسماعها ثم يقول:
- حتى لو مش فاضي يا زينب ، انا اعرف زين اخطف لي عشر دجايج بعيد عن الكل اناكفك فيهم، مش بجولك وحشتيني دا انا كمان........
أكمل بعبارات وقحة، لتزفر هي شاعرة بالاختناق من اسلوبه واصراره المستفز كي تجاريه في مجونه، ضارباً بعرض الحائط رفضها له هو من الأساس، ولكنه لما قد يهتم مادام يحصل على ما يبتغيه منها دائمًا ان كان بالرضا استسلامًا أو بالجبر.
- قطعت فجأة استرساله لتنهي المكالمة الثقيلة:
- جدتي فضيلة بتسأل عليا، سلام بجى وروح انت شوف اللي وراك.
انهت على الفور دون انتظار اجابته، لتعود نحو الطاولة، فتعيد الى حامد هاتفه، والذي تركزت ابصاره بها، وكأنه يستشف حالتها .
لتجلس هي امام طبقها وقد ذهبت شهيتها، فتزيد عليها فضيلة بسجيتها :
- شوف الملعون يتصل عشان يكلمك ويطمن عليكي، ونسي جدته، اه يا بت عزيزة نسيتي الواد اسمه، والله دي عجوبة يا ولاد.
قالتها المرأة وصدرت ضحكتها ترن بصخب، ف استجابت لها زينب بابتسامة اغتصبتها بصعوبة. ولكن ملامحها الحزينة كانت ابلغ رد لهذا المتابع جوارهم بصمت، وكأنه علم ما بها.
...يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
لكل حادث حديث، هذه هي الجملة التي كانت ترن في اذنيها، و تراها تنطبق عليه بالفعل، فمن يراه الاَن مندمجًا مع جمع الشباب العاملين على حملته ، والمؤيدين لترشحه من شباب العائلة والبلدة، وقد اقام لهم جلسة اجتماع في حديقة المنزل الشاسعة، بحضور اشقاءه وازواجهم وبالطبع كل هذا تحت رعاية الرأس الكبرى، شقيقه الداهية حامد، لا تستغرب وصف والدها له الاَن بعد معاشرتها لهؤلاء القوم في هذه الشهور القليلة.
رغم انشغاله معظم الوقت ، لكن لمسته موجودة في كل شيء، تذكرت في مرة حينما سألت والدها، لماذا حامد يقف خلف اخيه وهو الاحق ، بل الاسهل والأجدر ان تكون له، نظرا لمكانته الشهيرة وهيبته امام البلدة بل والمحافظة بأسرها، فجاء رد والدها:
- اديكي جولتيها بنفسك ، عنده الهيبة والمكانة والسلطة دا غير انه المتحكم الرئيسي في كل املاك ابوه ، وخواته كلهم تحت طوعه، اما ضاحي فدي فرصته عشان يثبت نفسه جدام الناس، ياخد مكانته بعد البعاد سنين عن البلاد والناس اللي كانت على وشك تنساه.
- وتنسي عملته.
غمغمت بها زينب داخلها وقد لاحت كل الذكريات القديمة امامها ، مع من اصبح زوجها رغما عنها وهو في طريقه الحين، في ان يكافأ بمنصب هام، عكس التي تساوت بالتراب الاَن، تلك التي تشاركت معه في الخطيئة، ونالت العقاب وحدها، رغم معرفة الجميع بالحقيقة.
استفاقت من شرودها تنتبه على قدوم حامد امامها، بوجه تجهم، وابصاره منصبة عليها، وهي تقف خلف احد الاعمدة اسفل المظلة الخشبية التي تغطي مخرج المنزل،
توجست حينما اقترب وطاقة من الغضب تنتشر في الأجواء مع كل خطوة يخطوها نحوها، حتى اذا وصل إليها تمتم ضاغطًا على أسنانه:
- اتحركي من مكانك ده، وتعالى ورايا.
انتفضت داخلها لهذه النبرة المريبة منه، فتضطر لاتباعه، حتى اذا دلف امامها واقترب من نصف الردهة التف اليها فجأة بأعين حمراء مخاطبًا لها:
- واجفة في مدخل البيت يا زينب والرجالة في وشك تبص عليكي.
اجفلها بحدته لتضطرب على الفور، فصدر ردها بارتباك:
- وانا مالي بالرجالة؟ انا وجفت اتفرج شوية، زي باجي حريم البيت، يعني عادي.
- لا مش عادي يا زينب.
هتف بها يعض على نواجزه ليردف بغضب مكتوم:
- حريم البيت متجمعين كلهم في البلكونات، ومحدش واخد باله منهم ولا باصصلهم اساسا، انما انتي واجفة لوحدك ، لافتة النظر من غير ما تدري، انا نفسي انتبهت من نظرة الشباب ناحيتك.
قال الاخيرة بانفاس خشنة، وعروق بارزة حتى شعرت بالرعب يزحف داخلها، فهذه اول مرة يقابلها بهذا الوجه، حتى جعلها تتلعثم في الرد بشفاه مرتعشة تبدي اعتراضها:
- انااا.... انكسفت ما اروح للجهة التانية عند الستات، وكنت زهجانة من الجعدة لوحدي بعد جدتي فضيلة ما نامت، انا مغلطتش، اللي يبص ناحيتي هو اللي غلطان.
اشفق حامد وقد علم انه اثار فزعها بهيئته، ليزفر انفاسه بضيق، يحاول السيطرة على هذه النيران التي تأكله من الداخل، من وقت أن انتبه لرؤيتها شاردة بجوار العمود الخرساني، غير منتبهة لنظرات الهمج من ابناء عمومته ناحيتها، والغبي شقيقه مندمجًا في دور النائب وتوزيع الادوار علي اعضاء الحملة، غافلًا عمن اصبحت للفتنة عنونًا، تلك التي جعلت حامد الدهشوري يكتنفه الندم الاَن، وشيء ما يحثه على التخفيف من حدته وقد رأى بأم عينيه تأثير كلماته بها.
- انت دخلت امتى يا حامد؟ انا كنت بسأل عليك برا؟
جاء صوت شقيقه من مدخل المنزل يقطع عنه فرصته، وهو يلج بخطواته المسرعة نحوهم، حتى اذا وصل اليهم التفت ذراعه حول كتفها قائلًا بعجالة:
- اطلعي فوق حضريلي غيار عايز اتشطف بسرعة عشان طالع .
سمعت منه توميء برأسها وتتحرك على الفور وكأنها كانت في انتظار الفرصة لتهرب من امام الاخر ، ترمقه بنظرة سريعة قبل ان تختفي وتغادر ليتبع اثرها بطرف عيناه، ثم تحمحم مجليًا حلقه ليجيب شقيقه:
- لا ما انا نفسي طمت من الجعاد برا، جولت اخش اريح من خلجتهم..........، وانا داخل زينب وجفتني تسألني.
اومأ ضاحي على عجالة دون ان يعطي اهتمامًا ليركز في مضمون ما يدور برأسه:
- هي عيال تجرف صح، بس هما اللي نافعني وانا دلوك محتاجهم جوي عشان اللي جاي، نتحمل شوية على ما نوصل، اسيبك بجى عشان اشوف مشواري مع رئيس الحزب، اصله طالبنا انا وباجي المرشحين.
اوقفه حامد قبل ان يصل للدرج يأمره:
- ضاحي،.... ياريت المرات اللي جاية تعمل اجتماعاتك في المندرة من جوا، او الاحسن تخليها برا البيت في مقرك الانتخابي.
- ليه؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- من غير ليه، انا بجول دا افضل .
❈-❈-❈
بعد قليل
كان يرتدي ملابسه ليتجهز بعدما اخذ حمامه على السريع استعدادا للمقابلة الهامة، ولسانه لا يتوقف عن اللغو كالعادة:
- عايزك تخلي بالك الايام الجاية لطلبات الناس والحريم اللي جاصدين خدمات، طمنيهم وجيدي في الورجة على اساس انه هنفذ واحقق رغباتهم، فهماني يا زينب؟
صاح بالاخيرة ليخرجها من صمتها ووجومها، خرج ردها بضجر:
- فاهماك يا ضاحي، بس على الله تنفذ وتوفي بوعودك، ميبجاش كلام في الهوا، وضحك ع الدجون.
اطلق ضحكة مجلجلة وهو يرتدي الحذاء في قدميه قبل ان ينهض ليقربها فجأة ، يتمتم بمرح اختلط بغيظه من ردها، ضاغطا على اسنانه:
- ولو ضحك ع الدجون برضو يا زينب تجولي امين وتنفذي، دا واجبك كزوجة تجفي في ضهر جوزك دلوك، محدش علمهالك دي؟
قال الاخيرة بقرصة على طرف ذقنها ، لتدفع يده عنها مرددة باعتراض:
- اجف في ضهرك لما تكون على حق، مش تعشم الناس وتخلى بيهم.
استطاعت بالاخير ان تخرجه عن طوره العابث، ليزفر دفعة من الهواء المحمل بغضبه، ثم يباغتها بالقبض على ساعديها يردف بوعيد:
- بلاش تعصبيني يا زينب دلوك واسمعي الكلام من سكات، بدل ما اتهور عليكي، والغيها من المشوار خالص....
توقف يقترب بوجهه منها ، تلفح انفاسه الساخنة بشرتها، ليسترسل بتهديده:
- ولا شكلك اشتجتي لايام الجواز الاولى، لما كنتي زي الفرسة الحرنانة، وانا الفارس اللي بيروضك.....
قال الاخيرة بمغزى فهمته، فوقع قلبها بين قدميها، لتبتلع ريقها بنظرة رعب لم تخفى عليه، ليبتسم بانتشاء، فيقتطف ثغرها بقبلة قوية، ثم يتركها ويعدل العباءة فوق حلته، ليردف بغمزة بعدما رأى بأم عينيه تأثير تهديده السريع:
- حاولي ما تناميش غير لما ارجع من مشواري، يا اما اصحيكي انا بمعرفتي.
قال الاخيرة وصدحت ضحكاته المجلجلة وهو يغادر، تاركًا لها الغرفة والمنزل ، فتمتمت هي في اثره بقهر:
- روح يا ضاحي، الهي يارب ياخدني من وشك عشان استريح منك
❈-❈-❈
في اليوم التالي
مر والدها ليطمئن عليها ويأخذ جلسته مع الحاجة فضيلة، والتي لا تمل من ذكر حكايات الراحلين والتسامر والمزاح مع الرجل الذي يغمره الزهو امام الجميع الاَن ، بعدما نال الحظ الأوفر بمصاهرة اقوى العائلات واغناهم، من كان يصدق ان يحدث هذا مع القفاص المتواضع.
ينغص عليه فقط الشكوى المستمرة من ابنته، والتي تصله عن طريق زوجته، ليأتي اليوم اليها ويراها بنفسه، وفور ان اختلى بها بعيدا عن الجميع، بادرها بسؤاله:
- مالك يا زينب؟ لساكي برضك رافضة الوضع؟ ليه يا بتي عايزة تزعلينا عليكي، ما الحال عال وتمام التمام اها، ليه البطر بس وانتي في نعمة كل الناس حاسداكي عليها:
- بطر !
غمغمت بالكلمة، تبتلع الغصة المسننة بحلقها، فما فائدة الشرح والبداية خير دليل على عدم جدوى الشكوى من الأساس، لتزفر انفاس محملة بقنوطها:
- لا يا بوي ولا يهمك، ربنا ما يجيب بطر ولا كفر بنعمته، انت جولت بنفسك، انا في نعمة.
تأكيدا لمنطقه، واصل مطاوع الضغط بنعومة:
- اه امال ايه؟ في نعمة ونعمة وكبيرة جوي كمان، لكنك يا بتي صغيرة ولسة عجلك ما استوعبش، انتي بكرة هتبجي مرة النائب، فاهمة معناها دي؟ زينب بت مطاوع الجفاص هتبقى مرة النائب، دي معناها كبير جوي، وبكرة الزمن هيعرفك اكتر بكلامي ده.
اومأت بابتسامة اغتصبتها بصعوبة، ليضمها من كتفيها اليه ويقبل أعلى رأسها منه متمتمًا:
- الله يرضى عنك يا بتي، اعجلي وافهمي معنى كلامي، اللي يجي بالغصب خده بالرضا.
يبدو صحة منطقه هذه المرة، بعد تورطها وزواجها من ضاحي لا يوجد اي مهرب عنه، انه نصيبها وقدرها.
رفعت رأسها حينما انتبهت على صوت حمحمة خشنة من خلفهم، وقبل ان تلتف برأسها كان ابيها مهللا:
- حامد بيه، يا مرحب يا مرحب.
سمع منه الاخير وتقدم نحوهما ليرحب به ويصافحه بحفاوة:
- يا اهلا بيك انت يا مطاوع، عامل ايه؟ وكيف أحوالك.
بمبالغة اعتادت عليها، صاح يجيبه:
- احنا في نعمة والله بحسكم، ربنا ما يحرمني منكم، اجعد يا بيه احنا هنفضل واجفين.
القى حامد بنظره نحوها وجدها مطرقة رأسها وكأنها تتعمد او تتجنب مقابلة عيناه، ليزفر بتنهيدة مطولة مخاطبًا ابيها:
- يا سيدي مش عايز ابجى متطفل، ليكون في كلام سر بين الأب وبته:
- هيبجى سر عليك، ابدا ما يحصل، اجعد يا باشا وأنسنا دا البيت بيتك.
قالها مطاوع وهو يشير له على احد المقاعد المقابلة، فجلس عليه الاخر دون انتظار لينضم معهم ، على غير رغبتها، وقد بدا ذلك من امتقاع ملامحها، ولكنه تجاهل، يتصرف بطبيعية، فيتحدث مع الرجل بمودة زائدة وتباسط اذهل الاخر، بأن يجد روح الدعابة في رجل مثل حامد والذي لم يغفل تململها طوال الجلسة، بدعوة مكشوفة بضيقها منه،
حتى اذا نهض والدها فجأة ليغادر:
- طب امشي انا بجى اشوف مصالحي، الجعدة معاك ميتشبعش منها يا حامد بيه.
تبسم له برزانة يدعوه:
- طب وجايم ليه؟ ما تجعد اتغدى معانا، ولا خلاص الشغل مجطع بعضه.
- لا والله ما مجطع بعضه، انا بس رايح مشوار عند اختي اصلها كانت طلباني اروحلها من الصبح.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
عند ذكر شقيقته، التف حامد نحوها يشاهد انتباهها الشديد، عند ذكر عمتها فجاء عقله سريعًا بصورة الشاب المتيم وثورته يوم خطبتها، ليعض باطن خده ويخرج زفرته بهدوء مناقض لما بداخله، فيتابع مع مطاوع ف الإلحاح عليه لتقضية المزيد من الوقت معهم، وإصرار الاخر للخروج الاَن، ثم العودة في وقت لاحق، حتى اذا انصرف وصاحبته ابنته الى باب الخروج، ثم عادت لتتخذ طريقها نحو الصعود لجناحها مباشرة ، اوقفها بصيحته:
- زينب.
انتظرت برهة بوقفتها حتى اذا التفت اليه بتساؤل، خاطبها على الفور بمكر:
- معلش يعني جبل ما تطلعي ممكن خدمة صغيرة لو مفيهاش تعب.
❈-❈-❈
هذه اول مرة تطأ قدميها ارض هذه الغرفة، والتي لطالما انتابها الفضول لمعرفتها،
تطلعت جيدا في الأجواء حولها، لتتاكد من فخامة المكان ورقي الديكور ثم هذه المكتبة الضخمة للالاف من الكتب، فتتاكد بالنظر، انها ليست غرفة عادية، لا ابدا، هذا شيء يفوق كل توقعاتها، ولكن كيف لها أن تستغرب الأمر؟، فهذا حامد ، رجل الغموض والاختلاف عن الجميع.
استفاقت من شرودها السريع على صوته من الخلف يدعوها:
- اجعدي يا زينب، هتفضلي واجفة كدة كتير.
التفت نحو المقعد الذي اشار عليه، لتجلس وتصبح مقابله، وقد اتخذ وضعه خلف مكتبه، ليهتز بمقعده قليلًا قبل ان يسألها:
- عجبك المكتب يا زينب؟
اومأت رأسها كإجابة، ثم غيرت على الفور:
- انا كنت عايزة اعرف عن الأمر اللي عايزني فيه.
تبسم بتسلية، وقد راقه غضبها المتخفي، يذكره بعبوس الأطفال، ليتنهد قليلًا، يخرج من درج مكتبه ملف بلاستيكي، به بعض الاوراق ، قرب أحدهما نحوها قائلًا:
- اهي دي يا ستي الرسالة اللي وصلت من الشركة الفرنسية، عايزين الرد بسرعة، وانا بصراحة مش ضليع باللغة دي
- بس انا خريجة اداب انجليزي.
- ما انا عارف، جولت اسألك لو عندك خلفية بسيطة تترجميه، انا اللغة دي محبتهاش نهائي عشان افهم فيها.
سمعت منه زينب ورفعت الورقة نحوها تترجم بداية النص:
- كاتبين من فوق اسم الشركة وشعارها، وبعدها التحية الروتينة،
- اهلا مسيو حامد ، وبعدها بيجولك نحن اطلعنا على الملف الذي أرسلته للشركة بخصوص عقد.......
واصلت بتركيز شديد، وهو ايضا ليس اقل تركيزًا، ولكن بملامحها وجديتها، وجاذبيتها الغريبة،
حينما انتهت اخيرا بعبارتها.
- بيجولك نرجو الرد في اقرب وقت
نفض عنه الشرود سريعًا ليحدثها بطرافة:
- يعني ترجمتي اها ما شاء الله، واضح ان اللغة كانت ساهلة معاكي عكسي أنا.
استجابت بابتسامة ضعيفة لتنهض عن مقعدها فجأة:
- دا بس بفضل دروس الثانوي مع الاستاذ عبد المتجلي، الحمد لله الحفظ معاه بيجيب فايدة .
قالتها تهم بالاستئذان ولكنه لحق عليها بقوله:
- استني جبل ما تمشي يا زينب.
تطلعت إليه باستفسار، ليفاجأها بسؤاله:
- هو انتي لساكي زعلانة من موقف امبارح ؟
انزلت ابصارها عنه في رد غير مباشر فهم عليه، قبل ان تجيبه بانفعال:
- ايوة عشان أنتوا تعرفوا اخلاجي كويس ، يستحيل اكون جاصدة الوجفة عشان الفت نظر الرجالة ناحيتي.
عقب بهدوء:
- ومين جال اني واخد عنك الفكرة دي، انتي لو مكنتيش دهب صافي، مكنتيش دخلتلي البيت ده اساسا يا زينب.
ما هذه الاجابة الغريبة؟
هذا ما طرأ بعقلها، لتسهم بنظرها نحوه، لا تعرف ان كان اطراء منه او سخرية مبطنة، ولكنه كالعادة كان اذكي من ان يوضح ما يقصده، لينهض من أمامها ثم يلوح لها بيده امام المكتبة قائلًا:
- اجيبلك انا الفايدة يا زينب، المكتبة دي كلها بالكتب اللي فيها تحت امرك، في اي وجت انتي كنتي زهجانة ولا عندك شغف للقراءة،
ردت بأعين توسعت باللهفة وعدم تصديق:
- ازاي؟ يعني انت ممكن تسيب حد اساسا يدخل هنا ولا يلمس حاجتك.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
تبسم بثقة لينزع من علاقة مفاتيحه مفتاح صغير، ثم يلقيه امامها على سطح المكتب قائلا:
- الكلام ده مش مع كل الناس.
قالها وتحرك يذهب من أمامها مغادرا الغرفة، لتقف هي متسمرة لعدد من اللحظات بدهشة جمدتها، حتى اذا استوعبت بعدها، خطت نحو المكتبة بلهفة تتحسس الكتب وتستكشفها ، من روايات اجنبية وعربية قديمة وجديدة وكتب عالمية لطالما سمعت عنها ، والعديد والعديد، تتساءل داخلها ان كان يضعها هنا للديكور ام بالفعل يجد الوقت ليقرأ بها، ولكن في كل الحالات يزداد يقينها بأنها ابدا لم ولن تقابل ابدا رجل في مثل غموضه وشخصيته الفريدة عن الجميع.
❈-❈-❈
في المساء
عاد ضاحي من الخارج ، ليجدها منكفئة على إحدى الروايات التي خرجت بها من المكتبة، وقد اخذها الشغف لتكملة القراءة بها اليوم حتى انها لم تنتبه على دلوفه، ليقطب موجها حديثه بتهكم نحوها:
- مساء الخير يا برنسيسة، لتكوني رجعتي الدراسة من تاني؟
استفزها بكلماته لترفع رأسها اليه بحنق:
- مساء الخير يا ضاحي، ايه لزوم التريقة على المسا.
تبسم بسخرية ليخلع عنه ملابسه قائلًا:
- معلش لو ازعجناكي، بس ده الرد الطبيعى لحضرتك، جوزك راجع من برا، اجل حاجة تستجبليه زين، ولا دي كمان عايزة علام ؟
تركت الرواية من يدها، تكتم زفرتها داخلها، لتنهض، تسأله بسجيتها:
- ماشي يا ضاحي حقك عليا، تحب احضرلك الحمام ولا اسخن حاجة تاكلها .
تبسم بانتشاء، وقد راقه طاعتها ، ليشملها بنظراته من شعر رأسها، ذاك المنطلق خلف ظهرها وحول وجهها، وهذه البيجاما القطنية ذات الربع كوم، ملتصقة بجسدها الغض، نزل بأبصاره الى البنطال القصير الذي يعلو ركبتها الناعمة، سال لعابه بنظرة فهمت عليها، ليباغتها برد فعله، حينما جذبها فجأة اليه يضمها بقوة من خصرها، يردد بأنفاس ساخنة:
- ما انتي حلوة وعسل اها، مينفعش ادخل كدة في مرة، الاقيكي لابسالي حاجة حلوة من اللي معبية الدولاب، ولا عايزة البسك انا بنفسي؟
ابتلعت داخلها، تحاول دفعه عنها بضعف متمتمة ردا له:
- لا كدة ولا كدة، انت عارفني من الاول محبش البس الحاجات دي.
زادت ابتسامته اتساعا ليعلق بمشاكسة:
- لازم تحبيها يا زينب، امال هنخلف عيال ازاي؟ ولا انتي مش واخدة بالك ان بجالنا شهور ولسة لا في حس ولا خبر.
وجمت بصدمة ، فهذا اخر ما كانت تتوقعه، هو ان تنجب منه ، ويصبح زوجها ووالد ابناءها الى الأبد، وقد وضعت برأسها منذ البداية ان يمل منها كما فعل مع من سبقها،
لتستدرك فجأة لحلمها والوعد الذي قطعه قبل زواجه بها، فتذكره به الاَن:
- خلفة ايه دلوك يا ضاحي؟ هو انت مش جولت انك هتوظفني الاول في المدرسة اللي اشاور عليها؟
رفع رأسه عن تجويف عنقها وقد كان مندمجًا في تقبيله، ليطالعها رافعا حاجبيه باستهجان مرددًا:
- دلوك عايزة مني الوظيفة يا زينب؟ الكلام ده كان جبل الجواز ، انما حاليا وظيفتك هي بيتك يا حبيبتي، تهني جوزك بيكي وتخلفي له العيال يا غالية، بس.... هي دي وظيفتك.
وكأنها كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، دفعته عنها بقوة لم تعرف من أين قد أتت ، لتهدر به غاضبة:
- يبجى بلاها منه خالص يا ضاحي، لو هتحرمني من الوظيفة اللي بحلم بيها، يبجى ننهيها احسن، انا لا عايزاك، ولا عايزة الخلفة منك، طلقني يا ضاحي.
.....يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كان جالسًا مع جدته في بهو المنزل يتسامران بأحاديث عدة حينما وصل لأسماعهما صوت الصرخات من الطابق الثاني ، لتنتفض العجوز من محلها بفزع ناظرة له باستفسار جعله ينهض من جوارها ليستكشف الامر ويصعد اليهم، فقد كان هذه المرة اقوى من كل المرات السابقة، وكأنه شجار قوي بين الاثنان، وبالطبع ليس هناك اي تكافؤ،
ليدفعه القلق نحوها ان يطرق على باب جناح شقيقه بعنف لعدة مرات، خوفا من حدوث مصيبة.
- افتح يا ضاحي...... افتح بجولك،..... افتح يا زفت الصوت هيوصل لأهلها، مش ناقصين فضايح.
فتح المذكور اخيرا، بهيئة زادت من ارتيابه، عاري الصدر بشعر رأسه المشعث، أنفاسه هادرة كفهد مفترس، خارج من معركة حامية،
وقع قلب حامد ، ليتمتم بفزع:
- الله يخرب بيت سنينك، عملت في البت ايه؟ لتكون موتها.
دفعه بعنف ليلج داخل الجناح مناديًا بإسمها:
- زينب، اطلعي يا زينب انتي فين.
وصله صوت شهقاتها من داخل غرفة النوم، تزامنا مع دخول الاخر ليتخذ جلسته على أحد المقاعد:
نقل نحوه بنظرة حادة قبل ان يصيح بها من محله:
- اطلعي يا زينب انا مينفعش ادخلك اؤضة النوم، ولا تحبي ابعتلك حد من الشغالين؟
- لاه مفيش داعي.
قالتها بصوت ضعيف بالكاد وصل اليه، قبل ان تخرج من غرفتها بعباءة منزلية فضفاضة ارتدتها سريعًا وعليها لفت الحجاب على عجالة ليغطي نصف وجهها المغرق بالدموع، تسير بصعوبة ممسكة رسغ اليد اليمي بالأخرى .
وصوت شهقاتها قطع نياط قلبه، ورغم انه لم يتبين جيدا من ملامحها، إلا ان هيئتها كانت أكبر دليل على معاناتها، ليحدج شقيقه بنظرة نارية قبل ان يأمرها:
- انزلي تحت عند جدتك فضيلة يا زينب.
اومأت بطاعة دون ان ترفع رأسها نحوه ، لتجر اقدامها جرا نحو باب الجناح، حتى اذا خرجت التف بغضبه المتعاظم نحو شقيقه الأحمق:
- انت اتجننت يا ضاحي، عايز حريم ابوك وعيالهم يفرحوا فينا لو البت جرالها حاجة وروحت انت في داهية بسببها .
- مش هروح في داهية يا حامد، عشان انا عارف بعمل ايه زين جوي، رأسها ناشفة ولازم اعدلها .
سقط حامد بجسده جالسا مقابله، يردد باستنكار:
- تعدلها كيف يعني بالعافية، ثم ان هي عملت ايه عشان تضربها؟
- مكنش ضرب بالمعنى المعروف
تمتم بها بخفوت، يشيح بوجهه للناحية الأخرى، وكأنه يحدث نفسه، ولكنها وصلت لشقيقه الذي فهم عليه ليزجره بحنق:
- ابو برودك وجلة حياك يا اخي، اظبط يا ضاحي واتكلم عدل، انت مش عيل صغير ع المسخرة دي ولا حتى في سنها اصلا.
سمع منع الاخير ليصيح بسخط:
- ما هو انا عشان مش عيل صغير ولا في سنها، يبجى هي تجدر وتسمع الكلام، مش اجولها مفيش شغل، تجولي طلجني، بت الجفاص عايزة تشوف نفسها عليا، دا انا اكسر رقبتها لو كررتها.
سأله قاطبًا :
- شغل ايه اللي هي عايزاه ، فهمني اكتر .
❈-❈-❈
نزل الاثنان بعد لحظات، ليستئذنا جدتهم في الدخول اليها داخل غرفة النوم، حيث تتواجد زينب بجوارها على الفراش، والتي رفعت ابصارها، فور دخولهم لتبادر ضاحي بقولها:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- جاي ليه؟ انا مش عايزة صلح معاك، هبيت ليلتي مع جدتي، وبكرة الصبح هروح على بيت ابويا.
- شايف جلة الحيا، انا جولتلك من الأول.
تمتم بالكلمات ضاحي موجها حديثه نحو شقيقه، فجاءه الرد من جدته، والتي كانت تضم زينب اليها:
- بطل انت جلة حيا ، وجدر انها جاعدة معايا وفي حمايتي.
زفر ضاحي بعنف لينفض جلبابه معبرا عن حنقه، فتدخل شقيقه متوجهًا لزينب، والتي لم ينتبه لملامح وجهها سوى الاَن، ليصعق بهيئتها، حيث خط الدموع الذي حفر اثره على بشرتها، عيناها الذابلة من كثر البكاء، ثم شفتيها وهذا الجرح بها....... تبا،
تمتم بها يسب شقيقه بأبشع الألفاظ داخله ، والكلمات تخرج من فمه برزانة يصطنعها بصعوبة:
- معلش يا زينب هو جاي عشان ياخد بخاطرك......
- وانا مش جابلة.. مش عايز.. ة
صرخت بها بصوت متقطع تحول لشهقات متتالية، لتدفن رأسها بحضن فضيلة، تواصل البكاء مرة أخرى، بضعف غلب القوة التي كانت تتسلح بها،
ليثير غضب الاثنان نحوه، مما اضطر حامد ان يسحبه ليخرج به على غير رغبته واعتراضه على المبيت خارج غرفتها، اما فضيلة واصلت هدهدتها:
- خلاص يا زينب، اخوه سحبه وطلع بيه، اهدي يا بتي، دا المرة ياما بيحصل بينها وبين جوزها.
تتحدث فضيلة وكأنه زواج عادي، ليس شيء فرض بالقوة، واضطرت هي للتعايش وتقبله، ثم كانت القاسمة، بأن يحرمها من آخر امل تعلقت به، وهو العمل واثبات الذات. أن تكون خاضعة له، جارية وقت ما يطلبها لإسعاده، ووعاء لانجاء الاطفال، وهذا اكبر كوابيسها.
لقد تحلت اليوم ببعض القوة والتحمل، كي لا تتركه ينالها كما يفعل كل مرة، وحتى وان لم تنجح في ذلك، ولكنها استطاعت ان تظهر صورته المخزية امام شقيقه وجدته، لن تصمت بعد اليوم عن حقها وتتركه يهنأ بانتصاراته الدائمة عليها.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
هبط ضاحي من جناحه بالطابق الثاني، يبحث عنها بعيناه، وحينما لم يجد إلا شقيقه الجالس في انتظاره، اقترب يلقي عليه التحية:
- صباح الخير، هما لسة مصحيوش؟
قال الاخيرة يشير بذقنه نحو غرفة جدته، ليجيبه الاخر بغموض:
- لا صحيوا من زمان يا سيدي، بس كل واحدة راحت في حتة.
قطب ضاحي يقابله جالسًا على احدى مقاعد الصالون امامه:
- فين بالظبط يعني؟ البت دي مطلعتش عندي الاوضة، انا متأكد منها دي.
زفر حامد يكتم غيظه:
- لاه يا ضاحي طلعت عندك، سحبت عبايتها وشنطتها والطرحة وانت نايم، وبعدها راحت على بيت ابوها .
- بتجول راحت فين؟
تسائل بها بأعين تلونت بالدماء ليهدر بشقيقه:
- وانت ازاي تسيبها تمشي؟ كنت كسرت رجلها يا حامد او صحيتني، بجى عيلة زي دي تغلبك يا حامد.
قابل الاخير ثورته بكل هدوء يرد:
- وهي ليه هتغلبني؟ اذا كنت انا بنفسي اللي صرحتلها تزور أهلها.
-صرحت لها من غير شورة جوزها، بتعصيها على اخوك يا حامد.
صدى صرخته القوية كادت ان تهتز له جدارن المنزل من قوته، ورغم ذلك لم يؤثر بالاخر والذي أمره بحزم:
- اجعد يا ضاحي وبلاش هلفطة بكلامك الماسخ ده، راعي وضعك، وانت راجل خلاص.... بينك وبين المجلس خطوة.
ردد خلفه باستهجان، تكتنفه السخرية:
- هه وهو فين وضعي ده ولا هيبة المجلس؟ كنت راعيتها انت الاول .
ضاق ذرعاً يقلب عيناه، يزفر بقنوط قائلًا:
- للمرة الألف بجولك اهدى واسمعني، ليك غرض تسمع وتفهم، تمام خالص، عايز تجضيها تهليل وصياح برضو انت حر.
رمقه ضاحي بملامح ساخطة يزفر انفاس هادرة، وكأنه يمنع نفسه بصعوبة الا يتجاوز في الحديث معه، حتى استقر اخيرا ان ينصاع ويسمعه:
- اديني اتنيلت وجعدت، اشجيني يا واد ابوي.
سمع منه حامد ليلتف نحوه متغاضيًا عن السخرية قائلًا:
- من البداية كدة انا عايز اعرف منك سبب رفضك شغلها ، هي وظيفة المُدرسة عيب لا سمح الله؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- لاه مش عيب بس انا مش عايز يا سيدي، مالها هي بالكلام الفاضي ده، هي ناقصة فلوس؟ ما كفاية عليها تشوف طلباتي وتخلف العيال وتربيهم.
- وايه المشكلة؟ ما تخلف وتربي وتشتغل برضو، هي الحريم الموظفة ما بتخلفش؟ في ايه يا ضاحي دا انت راجل بجالك سنين في بلاد برا، يعني الكلام ده شيء طبيعي بالنسبالك.
- حتى لو كان طبيعي يا حامد وانا اتعودت عليه طول سنيني في الغربة، لكن برضو مش عايزها تشتغل، انا حر يا ناس.
صدرت منه بانفعال، جعل الاخر يتأمله بتمعن ليستدرك اخيرًا السبب الحقيقي لرفض شقيقه:
- تصدج انا دلوك بس اللي فهمتك يا ضاحي....
تمتم بها بفراسة، يسترسل بالعد على اصابعه امام ترقب الآخر:
- يعني انت يا ضاحي، عايزها حلوة عشان مزاجك، ومتعلمه عشان تنفعك كواجهة مشرفة لزوجة النائب، ومأدبة وخام عشان اللي في دماغك.
قال الاخيرة بمغزى فهمه الاخر، ليزداد اشتعالا وغضب ، وهو يواصل بحدة:
- وفي نفس الوجت عايزها معون لخلفة العيال وتربيتها، لكن لما تيجي عند حتة الشغل ترفض بالثلث، ليه بجى؟ عشان ما تختلطش ولا تطلع من تحت طوعك،...... طب انا اجيبلك الفايدة واقولك لاه يا ضاحي، عشان مش كل حاجة تيجي بالعافية، اتجوزتها غصب وبالحيلة والبت سلمت بالامر عشان هيبة ابوها وصورته جدام الناس، عايشة معاك بالجبر وساكتة، لكن تضغط عليها اكتر من كدة هتجيب اخرها.
الى هذه النقطة وانفجر ضاحي بعنجهية مرددًا:
- طيب توريني بت الجفاص هتعمل ايه يا حامد، وانا ان ما كنت اجيبها تحت رجلي تنفذ المطلوب منها زي المركوب مبجاش انا ضاحي.
- يبجى هتجيب نهايتك انت.
صاح بها حامد وقد فاض به، ليزفر بعدها ويتراجع عن حدته في مهادنة شقيقه الأحمق:
- افهم يا ضاحي، انا مش واجف معاها ضدك، انا اللي هممني دلوك هو فوزك بالكرسي، والشوشرة دي يا واد ابوي ضدك،.... وانت جولت بنفسك ان رأسها ناشفة وعنيدة، يعني هتكبر الموضوع وانت شوفت بنفسك امبارح بهدلت الدنيا كيف وطلبت الطلاج.
توقف برهة وقد لاحظ صمت اخيه وكأنه بدأ يستوعب، ليتابع بنبرة ناصحة:
- هاودها على كد عجلها المرة دي، ووافق على شغلها، وليك عليا اشوفلها انا الوظيفة بمدرسة البلد، منها تبجى جريبة ومنها ساهلة لو وجفت وبطلت خالص بعد كدة لما تتلهي في الخلفة والعيال زي ما انت عايز.
زفر ضاحي انفاس قوية من انفه، يفرك كفيه ببعضها بتفكير وقد بدا انه لان قليلًا، ليستغل حامد قاطعًا:
- على فكرة انا صرحت لها انها تروح زيارة، يعني مرحتش زمجانة، دا غير اني نبهت عليها متتكلمش ولا تجيب سيرة جدام ناسها عشان الموضوع ميكبرش .
سمع منه ضاحي، ليثور بتعالي:
- ولو جالت جدام ناسها، حد فيهم هيقدر يجف جصادي ولا يمنعني عنها ، عشان ساعتها اعرفهم مجامهم.
ضرب حامد كفيه ببعضها يعلق بنفاذ صبر؛
- لا إله إلا الله ، في ايه يا ضاحي؟ متعرفش تبجي سياسي واصل؟ امال ايه لازمة الترشيح في المجلس على كدة؟
❈-❈-❈
وفي منزل والديها
وبعد انقضاء نصف اليوم معهم ، حيث كانت في أمس الحاجة للابتعاد عن الدائرة الخانقة بمنزل زوجها، ان تتنفس هواء اخر بعيدا عنه، ان تعود لذاتها ونفسها الابية، ولو بداخل غرفتها فقط، بعدما فقدت الامل من والديها ووقوفهم معها،،فلم يتبقى لها سوى الجلسة مع صديقتها الوحيدة، كي تتسامر وتتحدث معها، رغم ضجرها من اسئلتها الفضولية طوال الوقت:
- خلاص الانتخابات على الأبواب، يعني بكرة يفوز وتبجي مرة النايب يا زينب، والله وربنا كرمك يا صاحبتي عشان نيتك صافيه وجلبك ابيض.
رددت خلفها وقد استوقفها فهم الكلمات:
- نيتي صافيه وجلبي ابيض، معجولة يا نورا ، يكون اللي بيحصل عشان كدة ولا العكس.
- عكس ايه مش فاهمة؟
سألتها بتيه في معنى ما تقصده، لتغمغم زينب وكأنها تحدث نفسها:
- جصدي يكون بسبب الذنب الجديم...... مريم.
- زيييينب
جاء صوت نورا بنبرة تحذيرية، حتى تفيقها، ولا تتطرق لنفس الموضوع القديم وعقدتها الأزلية، ان كل ما يحدث معها هو تكفير عن ذنبها.
- اصحي يا حبيبتي وخليكي في الواقع اللي احنا عايشينه، اللي فات فات يا جلبي، خلينا دلوك في اللي جاي ، نسيت اجولك ان نتيجة المسابقة هتظهر جريب ، ادعيلنا نتجبل ونبجى انا وانتي في مدرسة واحدة، نروحو مع بعض وناجوا مع بعض.
تبسمت زينب تعلق بسخرية:
- مش لما سيادة النايب يرضى الاول، الباشا رافض شغلي من اساسه يا نورا.
خرج رد الاخيرة بدهشة:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- معجولة يا زينب،، وانتي راضية بكدة؟
- لا طبعا، ولا هسكت ان شالله حتى اعمله فضيحة في المجلس الموقر، إلا مستجبلي يا نورا، لا يمكن افرط فيه ابدا
قالتها بتحدي اثار ذهول الأخرى وتخوفها ايضًا، حتى همت ان تخاطبها بالنصح كعادتها، حتى لا تتهور بشيء ما لا يحمد عقباه، ولكن قطع شرودها نداء احد اشقائها:
- زينب يا زينب، كلمي عمي حامد مستنيكي برا
لتتسائل قاطبة:
- ودا عايزني في ايه دا كمان؟
❈-❈-❈
بقلب يتراقص فرحًا، خرجت خلفه من إحدى مدارس البلدة بعدما انهت إجراءات تعيينها بها، كمعلمة بعقد مؤقت حتى يتم تثبيتها قريبًا، لقد تم الامر سريعًا، بصورة لم تكن تتصورها بأقصى خيالها، حين جاءهم هذا المدعو حامد يطلبها لترتدي ملابسها على عجالة لتخرج معه في امر هام ، ثم تكتشف المفاجأة حينما وصل بها هنا، الى مدرستها قديما ،
تعامل من استاذتها كزميلة الاَن، كيف تصف الفرحة وقد طغت على ملامحها لتفضح ما يكتنفها من لهفة:
- فرحانة يا زينب؟
صدر السؤال منه حينما استقل السيارة ليتخذ موقعه خلف عجلة القيادة بجوارها، ليأتيه الرد على الفور:
- بصراحة جدا ، ان الواحد يطول الحلم اللي بيتمناه، دي حاجة مجدرش اخبيها.
استوقفته عبارتها الاخيرة، ليرمقها بصمت، ثم يدير محرك السيارة ليذهب بها، وشرود يعتلي ملامحه، يعيد الجملة برأسه مرارًا وتكرارًا , ليخرج رده اخيرا:
- المهم تكوني مبسوطة يا زينب، شدي حيلك وثبتي رجلك في المدرسة، وليكي عليا اخليكي مديرة المدرسة اللي تحت الإنشاء حاليا.
بلهفة لم تقوى على اخفاءها:
- ياريت والله انا نفسي اعمل حاجات كتير لبلدنا، وبتمني فعلا الاجي الفرصة، الف شكر بجد.
️
ترك القيادة والتفت رأسه اليها، ليقابل بنظراتها نحوه، وهذا الامتنان الذي تنضح به عيناها، وبراءة تناقض تمامًا القوة التي تدعيها، ليتجمد لحظات، عيناه لا تحيد عن خاصتيها، وصفحة مغلفة ليس بها اي تعبير يخبرها برده، حتى خجلت، لتسبهل اهدابها عنه وتلتف امامها، فلم تشعر متى عاد لطريقه، ولكنها انتبهت لحمحمة يسبقها تنهيدة قوية، قبل ان يوجه قوله لها:
- كملي يومك عند أهلك وتعالي جبل العشا على بيتك.
- بس انا كنت عايزة ابيت النهاردة مع اخواتي ولا اجعدلي يومين تلاتة معاهم.
صدرت منها بتذمر ونبرة يشملها الرجاء، ولكنه تجاهل يأمرها بحزم:
- دي رغبة جوزك يا زينب، تبعي الكلام من سكات، مش عايزين شوشرة لحد ما تخلص الانتخابات واديكى خدتي اللي انتي عايزاه.
....يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
صوت الطلقات النارية التي صارت تطلق ابتهاجًا وفرحًا بعد سماع البشرى بالفوز المحقق، كانت تصم الاذان.
لقد فعلها ونجح ، حصل على مقعده بالمجلس الموقر، بعد ليالي من السهر والتعب والحشد والإغداق بالاموال ، في منافسة شرسة مع المرشحين القدامى، وقد استطاع بمهارته ونفوذ شقيقه، وتاريخ والده، ان يفوز ويحل محلهم، دائرة وتدور بدوران الارض، لا شيء يظل على حاله .
داخل المنزل الكبير وخارجه اكتظ بعدد المهنئين لهذا الفوز العظيم، أعداد هائلة من العائلة وابناء البلدة، وممثلين عن البلاد القريبة منهم.
لقد فعلها ونال المكانة العالية امام البشر، فعلها العابث الفاسد كما كانت تصنفه زينب قديما، ليحصل الاَن على المكانة العالية، ولا عزاء لمن عارض او رفض الترشيح له من الأساس.
اما عنها فلم تجد الراحة او النوم منذ مساء الأمس، استقبال المهنئين والقيام بالواجب مع الضيوف التي تهل دون توقف، حتى جعلها ترتمي على التخت بتعب ولا تقوى حتى على رفع اصبعها، لتخطف سويعات قليلة تريح بها الجسد المنهك، تاركة والدتها تنوب عنها مع نساء الدار في استقبال المهنئين.
ولكنها لم تكمل الساعة حتى وجدته يوقظها من النوم بعجالة:
- جومي يا زينب، عندنا زيارة مهمة، جومي يلا .
لتفتح عيناها بتعب ورأس مثقل ، تناظره بترجي:
- بتصحيني ليه يا ضاحي؟ انا ما صدجت اريح شوية.
- ما انا زيك مشوفتش النوم من امبارح، اخلصي يلا مفيش وجت.
- مفيش وجت لإيه؟
تمتمت بها، وهي تعتدل بجذعها، تشاهد ارتباكه في التقليب بين الملابس، وحيرة في اختيار الاصلح للمقابلة الهامة :
- بجولك ايه يا زينب، البس بدلة ولا الجلبية الصوف ع العباية السودة هتبجى احسن.
- ما اتنين حلوين ، انت كل حاجتك غالية يا ضاحى.
ثار بها بعصبية:
- وانا بسألك على تمنهم؟ انا بسألك ع اللي يليج، باستقبال الباشا شريكنا في مصر، جاي بنفسه يباركلي، وانتي لسة بتكلميني وانتي نايمة ع السرير، ما تجومي يا زينب ، ألولية مرته واصلة معاه.
رفعت الغطاء عن اقدامها، تتمتم بتذمر:
- وافرض يعني مرته واصله معاه، ما البيت مليان حريم تستجبلها وتجعد معاها.
قالتها وهي تتحرك بعدم اتزان لثقل رأسها وما همت ان تتخطاه بخطواتها نحو المرحاض، حتى وجدته يوقفها ، بلف ذراعه حول خصرها مرددًا بتشديد:
- افهمي زين جبل ما تروحي على حمامك واصحي كدة واستوعبي ، عشان الكلام دا مش هكرره تاني، الراجل اللي تحت ده اهم من المحافظ نفسه، والست مراته بيضرب لها تعظيم سلام في اي مكان تخشه، يعني لا امك ولا اي واحدة من اخواتي انا ولا حريم الولد هتنفع تجعد معاها، وانا مجداميش غيرك يا زينب .
- يعني ايه؟
سألته بعدم فهم، لتجد الرد الفوري منه:
- يعني احسن حاجة عندك في الدولاب، تتهندمي وتعدلي نفسك، وتبجي احلى منها، تضايفيها وتجعدي جصادها هانم زيها ، وزيادة عليها مرة النائب، فاهمة يا زينب؟
سمعت منه وسهمت بنظرها نحوه تحاول الاستيعاب، هزهزها بعصبية يخاطبها بتحذير:
- ردي يا زينب دا مش وجت توهة ولا سرحان، كلامي هيتنفذ ولا ايه ظروفك معايا.
همت ان تعترض وتخبره بعدم رغبتها ف تمثيل دور لا تتقنه، ولكنها تذكرت الشرط الذي اخذه عليها ، فور تقبله لتوظيفها، وهو ان ترضيه وتفعل كل ما يأمرها به، وهي وافقت لقلة حيلتها مع شخص مثله، يفعل ما يريد وينالها وقت ما يريد حتى لو اعترضت، لا يعير رفضها اعتبارا، لذلك اختارت الطاعة كي لا يحرمها من وظيفتها الجديدة والتي وجدت بها ذاتها المهدرة ، فلعلّها تجد الخلاص يوما ما .
- حاضر يا ضاحي هنزل والبس واجابلهم بأحسن صورة ، فيه أوامر تانية؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
نفى لها بابتسامة منتشية ليخطف قبلة سريعة من وجنتها ، مرددًا برضا:
- وانا واثق فيكي يا حلوة.
❈-❈-❈
بعد اقل من نصف ساعة، هبطت من طابقها لترحب بالرجل صاحب المكانة الهامة وزوجته، وقد علمت من النساء العاملات انه قد تم وضعهما بغرفة استقبال خاصة بهما، بعيدًا عن جمع البشر التي تملأ المنزل بأعدادهم الكثيفة.
وقد كانت اصوات الضحكات منهم تصدر لخارج الغرفة بصخب.
القت بالتحية بعدما طرقت بخفة على الباب:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
خرجت من افواه الجميع، وقد ازبهلت ابصار معظمهم في التطلع اليها، بهذه الهيئة الخاطفة التي طلت بها، وقد جمعت بين البساطة والأناقة والجمال الخالص في اَن واحد، تنفيذًا لتعليمات زوجها الذي اشرق وجهه بزهو لا يخفيه لينهض اليها، فيسحبها من يدها ليقدمها الى شريكه وزوجته.
- استاذة زينب معلمة الانجليزي وزوجتي يا جماعة.
كانت المرأة اول المرحبين لتقابلها بابتسامة متوسعة، وتقبلها بتباسط على جانبي وجهها بإعجاب:
- واو مراتك تجنن يا ضاحي، هو الصعيد بقى فيه بنات حلوين كدة، دا انتي تستاهلي بوسة بقى.
بادلتها زينب على مضض، لتردد بابتسامة مصطنعة:
- واحلى من كدة كمان، في الصعيد الجمال كله يا هانم.
- طبعا بعد ما شوفناكي دي مش محتاجة كلام.
عقب بها الرجل زوجها، قبل ان تمتد كفه نحو زينب، فتبادله المصافحة على استحياء، ثم تسحب يدها سريعًا، بخجل من نظرات الرجل الجريئة نحوها، لتصطدم عيناها بثاقبتي شقيق زوجها حامد، وتجهم يعلو قسماته ، يطالعها بحدة لا تعلم سببها، لتشيح ابصارها عنه ، وتدعي الاندماج مع زوجها الذي اجلسها بجواره، يتحدث مع شريكه وزوجته، بلهفة واضحة عن امر زواجه بها والأشياء الرائعة التي يعشقها بشخصيتها المتزنة المحبوبة، وذراعه من الخلف لا تكف عن ضمها اليه تارة، او جذبها من خصرها لتلتصق به، وكأنهم حبيبين بالفعل ، وهي بالطبع، تتصنع الابتسام استجابة لحديثه وتعليقات الرجل وزوجته.
حتى اذا جاء الدور على هذا المدعو حامد، قلب دفة الحديث لموضوع اخر مختلف، فيناقش الرجل في امر ما بالعمل جذب انتابهه، ليندمج معه، فيرفع عن كاهلها مهمة التمثيل الردئ، وادعاء شيء ليس بالحقيقي.
وعلى حين غرة التفت لها يجفلها بفظاظته وكأنه كان منتبهًا لتركيزها في حديثه، ليأمرها:
- جومي شوفي الأكل جهز ولا لسة؟
- هاا
صدرت منها كرد طبيعي بعدم انتباهها، ليفاجأها بنبرة خشنة تحمل في طياتها غضب مستتر:
- جومي طلي ع الأكل اللي البنات بيجهزوه عشان العشا، او شوفي الحجة فضيلة لتكون عايزة حاجة.
ما هذه الجلافة وقلة الزوق؟ لقد احرجها بالفعل بقوله وهذه النظرة العدائية نحوها، يجمد الدماء بعروقها وكأنها فعلت جرم ما لا تتذكره،
لتبتلع غصتها فتستأذن من الجميع بدموع ترقرقت بعيناها مهددة بالنزول وفضح ضعفها امامهم:
- عن اذنكم يا جماعة طيب.
تمتمت بها بصوت خفيض، وما كادت ان تقف حتى وجدت زوجها يشدد عليها من خصرها، ليعقب بصوت واضح:
- طلي عليهم واستعجليهم، عشان احنا الخمسة هناكلوا مع بعض، ويا جدتك فضيلة.
اومأت بهز رأسها تدعي الموافقة، متجنبة النظر نحو هذا البغيض الذي احرجها، ورغم ذلك كانت تشعر بسهام ابصاره الحادة نحوها.
بعد قليل
كان جلوس الجميع على مائدة الطعام ما عدا هي، فقد تعذرت بالتعب وعدم المقدرة على تناول الطعام، لتلتزم غرفتها ، مفضلة عدم النزول مرة اخرى ومقابلة هذا الرجل المخيف حتى لو مر امامها بالصدفة،
حتى حينما غادروا بصحبة زوجها الذي فضل ان يرافقهم بنفسه الى مقر سكنهم المؤقت بالفندق، ثم عاد اليها بعد منتصف الليل وجدها مستيقظة وقد جافى عينيها النوم، ليعلق هو بمرح:
- يا مساء الهنا ، جاعدة صاحية وفي انتظاري كمان؟ دا ايه الحلاوة دي؟
قالها ليهم بخلع جلبابه على الفور، فعقبت هي بفتور:
مجانيش نوم يا ضاحي، كنت مخنوقة.
- سلامتك من الخنقة
تفوه بها، ثم ارتمى على التخت بجوارها ليضمها اليه بمرح:
- انا دلوك هخليكي تفرفشي وتبجي عال العال يا مرة النائب.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
↚
تأففت بضجر تحاول نزع ذراعيه عنها:
- يوووه يا ضاحي بجولك مخنوقة، يعني مش طايجة نفسي.
تسرب الحنق داخله، ليزجرها محذرًا:
- ومش طايجة نفسك ليه يا برنسيسة؟ انا معنديش خلق للدلع وانت عارفاني.
هتفت به، تعبر عما يعتريها :
- عارفاك، بس انا مش بدلع، انا فعلا مضايجة من ساعة ما اخوك احرجني جدام الضيوف، يعني انت يرضيك يعاملني بجلة زوق جدامهم ومن غير سبب .
- لا ميرضنيش، وانا اتفاجأت زيك بفعله.
تمتم بها ليضجع بجسده على الفراش ، ثم تابع بمرح:
- بس انا مش عايز انكد ولا حتى عندي وجت اسأله، لأني مش فاضي للرغي معاه، وعشان كمان هرمي حملي عليه الايام الجاية، يعني هحتاجه، وانا وانتي مش فاضين يا زوزو، ورانا سفر .
قطبت تستوعب قليلًا، قبل ان تسأله باستفسار:
- سفر ايه؟ انا وانت هنسافر مع بعض فين يعني؟
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
تجهزت وجهزت حقيبة كبيرة لملابسها وملابسه، ثم بعض المتعلقات الخاصة داخل حقيبة اخرى صغيرة، بحماس دب داخلها، بعدما اخبرها عن وجهتهم اليوم،
رحلة للترفيه بداخل احدى الجزر الخاصة، والتي لطالما رأت اعلانها في التلفاز، شيء ليس بالهين حتى ترفضه، حتى لو كان بصحبة زوجها المزعج المُتطلب.
كان قد نزل قبلها ليدير محرك السيارة ويخبر شقيقه بالامر، وهذه أيضًا حسنة لا تنكرها، الابتعاد عن محيط هذا الرجل بعد فظاظته بالأمس معها.
سارت لتستطلع الأمر وتخبر احد العاملين بحمل الحقائب، فوصل لأسماعها الصوت المحتد من داخل غرفة المكتب خاصته، والتي اندفع بابها فجأة يخرج منها زوجها وهو يردد:
- محسسني اني مهاجر، ولا مسافر مش راجع تاني.
خرج صوت الاخر من خلفه:
- لاه مش موضوع هجرة يا ضاحي، الموضوع انك خدتني على خوانة، جاي تبلغني دلوك على اخر لحظة، وانت ساحب مرتك معاك، في ضيافة راجل غريب عنينا، وفي مكان زي ده، انت الأدرى بيه وبالفساد اللي فيه، كان اخوك دا ولا واد عمك عشان تديله الأمان؟
قالها حامد والتقت عينيه بخاصتي زينب ، التي انكمشت رعبًا من هيئته، فقد كان مكفهر الوجه بغضب غير مسبوق، يطالعها بجمرات مشتعلة، وكأنه على وشك أحراقها لأنها وافقت زوجها.
فأتت النجدة من جدتها فضيلة، والتي خرجت من غرفتها على الصوت تتسائل بفزع:
- في إيه كفى الله الشر؟ صوتكم موصل لاخر البلد .
تولى ضاحي مهمة الرد بدرامية لكسب تعاطفها:
- تعالي يا ست الكل وشوفي بنفسك، حامد معارض اخدلي يومين اجازة مع مرتي في ضيافة الباشا اللي كان عندنا امبارح، جبل ما انشغل بأمور البرلمان والترتيبات اللي انتى عارفاها، طب بذمتك احنا حتى خدنا شهر عسل زي بقية الخلق؟
طقطقت فضيلة بفمها تخرج صوت مستهجن، لتسحب زينب وتضمها اليها:
- لا لا لا يا ضاحي اخوك اكيد مش جصده كدة، تلاجيه بس زعلان عشان هترمي الحمل عليه اليومين دول وهو مش ناجص مسؤوليات، بس هو اول واحد يفرحلك وبرضك هيسد مكانك، مش كدة برضو يا حامد .
سمع منها ولم يجيبها، بل استدار يغادر المنزل بغضبه ، يصفق الباب الخارجي بعنف اهتزت له جدران المنزل، ليتجمد الثلاثة مزبهلين لفعله الغريب، قبل ان تتدارك فضيلة وتخاطب الأثنان:
- روح انت ومرتك يا ولدي، وهو هيصفى لوحده، ما انت عارفه.
لم بنتظر ضاحي المزيد، بل تحرك يسحب زوجته للخارج، يهتف على الرجال العاملين كي يأتوا بالحقائب، حتى يغادر بعدها الى وجهته في المدينة الساحلية، حيث الجزيرة الخاصة برجل الاعمال صديقه، والتي لا يطأها الا الصفوة، او العاملين فقط على خدمتهم
❈-❈-❈
وعلى قدر ما توقعت من وصف زوجها للترف وجمال الجزيرة الساحرة، فاقت الحقيقة كل تصورها، وتخطت خيالها لمراحل عدة.
من معاملة خاصة في السكن واماكن تناول طعامهم المختلفة مع كل وجبة، ثم التسكع بداخل الجزيرة الصغيرة وقضاء معظم الوقت امام البحر ، والسهرات الليلية والشواء في الخلاء ،
لا يعكر صفوها سوى جرأة النزلاء من سياح اجانب ومصريين وعرب ، ملابس شبه عارية طوال الوقت تصدم بأجساد النساء المكشوفة وأفعال الرجال معهن ع الملأ وكأنه مجتمع اخر مختلف تماما عن مجتمعنا الشرقي.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ورغم ذلك كانت هي تحاول الاستمتاع دائما وارتداء الملابس المناسبة مع احتفاظها بحشمتها التي ابدا لن تتخلى عنها.
عدة أيام مرت كالخيال حتى انقلب كل ذلك في تلك الليلة، حينما خرجت من غرفتها باليخت الذي كان يقلها مع زوجها في رحلة في عرض البحر، وبصحبة رجل الاعمال صديقه وزوجته،
كان قد غاب عنها لفترة اثارت ضيقها، لتصعد الى السطح وتبحث عنه، وكانت الصدمة، حينما رأته بصحبة المرأة زوجة صديقه التي اعماها سكرا شرب الخمر، وسماعها الحديث الذي كان يدور بينهما وهي مائلة بجسدها عليه بشكل لا يليق، وهو واقف شامخا يستلذ ضعفها:
- قولي ان انت كمان مش مبسوط مع مراتك يا ضاحي، ما هو مش معقول دا يكون احساسي انا بس، واكون الوحيدة اللي بتتعذب في غيابك.
- لا انا مبسوط مع مرتي يا ماهي، ولا مش واخدة بالك.
قالها بتسلي اثار غيظها لتواصل:
- لا واخدة بالي يا ضاحي انها صغيرة وخام كمان، عجينة طرية تشكلها على ايدك، بس بذمتك بقى، مشتاقتش لليالينا مع بعض، ولا وحشك حضن ماهي......
قالت الأخيرة وقد قربت وجهها اليه بشدة حتى كادت ان تلامس شفتيها شفتيه، وهي تواصل بإغواء، حينما شعرت بتأثيرها عليه:
- قولي يا دودو انا ولا هي الاحسن في السرير؟ ...... انا بقترح نعمل جولة سريعة دلوقتى عشان تبقى المقارنة عادلة.
الى هنا ولم تملك الصمود اكثر من ذلك، لتهتز بوقفتها تأثرا بدوار مفاجيء، ليسبقها الهاتف في الوقوع أرضًا، ويصدر صوته ينبه الاثنان بوجودها، ليصعق ضاحي بهيئتها الغير متزنة وترنحها قبل السقوط فاقدة الوعي، ولحسن حظها انه لحق عليها يتلقفها بذراعيه.
❈-❈-❈
عادت لوعيها اخيرا على اثر الرائحة القوية التي اخترقت حواسها ، لعطر زوجها الثقيل الذي تعرفه،
لتفتح اجفانها للنور ، فتجده جالسًا مقابلها على الفراش، ليزفر انفاس الراحة اخيرًا، بعد لحظات من الترقب والقلق عليها، ليعقب مخاطبا لها:
- اخيرا فوجتي يا زينب.
تطلعت إليه بتيه، ثم دارت مقلتيها من حوله، لتكتشف المكان الجديد لكنه كان مألوف لها، فتذكرت وجودها في اليخث وما سبق فقدها الوعي، لتنكمش ملامحها بازدراء ثم تدفعه ليبتعد عنها وهي تحاول الاعتدال بجذعها، تنهره:
- بعد عني، انا مش طايجة ابص في وشك.
وقبل ان تنزل بأقدامها من التخت، اوقفها هو مشددا على كتفيها بحزمه:
- اهدي وبلاش تهور، عشان افهمك الوضع ال.....
- وضع ايه؟
هتفت بها تحاول التملص من بين يديه،
- بتسمي الخيانة للراجل اللي واكل معاه عيش وملح وضع، بتستغفل الراجل اللي عازمينا وب.......
- بسسس
هذه المرة كانت المقاطعة من نصيبه هو يضغط بأصابعه على عظام فكها ليهمس محذرا:
- انا لحد دلوك مطول بالي معاكي يا زينب، عايزك تسمعي مني وتفهمي، الكلام دا كان جبل جوازي منك ، انا من ساعة ما اتجوزتك ما جربتش لمرة تانية غيرك.
تطلعت له بقهر واعين يفيض منها الاتهام وعدم التصديق، لينفي عنه على الفور:
- دلوك هي اللي حاولت تتحرش بيا ، زي ما عملت جبل سابق، بس انا ساعتها كنت ضعيف وجبلت، لكن النهاردة كنت رافض، ولا انتي مخدتيش بالك انا جولت عنك ايه؟
نزع يداه، ليسمع ردها الذي خرج ترافقه الدموع:
- حتى لو حبيتني صح، لكنك عمرك ما هتتغير، ضاحي بتاع زمان هو نفسه بتاع النهاردة، الخيانة بتجري في دمك.
زمجر بوجه تلون بالأحمرار مرددًا:
- متستغليش حبي ليكي يا زينب وتنخوري في الجديم، ضاحي بتاع زمان مكنش هيسيبك اساسًا تردي عليه كدة.
تبسمت بسخرية ودموع لا تتوقف تنهي الجدال العقيم:
- لو عندي ليك شوية معزة، روحني يا ضاحي.
...يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كان الوقت مساءًا حينما خرج حامد من جناحه على صوت الجلبة التي كانت تأتيه من الخارج، بصورة على غير المعتاد عليها من الهدوء ، ليفاجأ بعودة الزوجين وتقع عينيه عليها فور ان طل برأسه من الباب، وهي تشكر احد العاملين بالمنزل، وهو يضع الحقائب على الأرض فتقابلت ابصارها بخاصتيه، وقد وقف متجمدا امامها دون ان ينطق ببنت شفاه، لتبادر هي بإلقاء الاعتذار بعدما انتبهت للملابس التي كان يرتديها وهي عبارة عن بنطال بيتي مريح وعليه قميص قطني بنصف اكمام، متخليا عن جلبابه الذي يرتديه في الطبيعي، ويبدو انه كان على وشك الخلود الى النوم.
- معلش لو ازعجناك وطيرنا نومك، بس احنا حالا راجعين من السفر.
تحمحم يجلي حلقه في البداية، ليخرج صوته بتحشرج:
- حمد الله ع السلامة، بس انا مش شايف ضاحي معاكي يعني؟
- انا جيت اها يا عم حامد، كنت بسلم بس ع الرجالة برا.
قالها الاخر وهو يصعد الدرجات حتى وصل الى شقيقه يعانقه عناق رجوليا، ويتبادلا حديثًا وديًا على عجالة:
- يا سيدي الف حمد الله على سلامتك، اهم حاجة بس تكونوا انبسطتوا.
قال الاخيرة متوجهًا نحو زينب التي اطرقت رأسها بصمت، فتكلف ضاحي بالرد بمرح وذراعه التفت حول زوجته التي تشجنت وانكمشت ملامحها باعتراض لم يخفى على الآخر:
- انبسطنا جوي يا واد ابوي، كانت ناقصاك الرحلة دي يا حامد .
- ليه؟ عشان ابجى عزول .
نطق بها المذكور لتجلجل ضحكات ضاحي معلقًا:
- يا راجل بعد الشر عنك ما تبجى عزول، بكرة تتجوز وتروح بعروستك ونبجى لمة.
- اممم
زام بها حامد بسخرية مبطنة، فجاء قول زينب بنزق:
- طب انا تعبانة وعايزة اريح شوية، افتح الباب يا ضاحي.
توجه حامد لشقيقه وقد انتبه لتغيرها على عكس المتوقع والأخبار التي كانت تصل منهما بالوصف في جمال الرحلة:
- افتحلها يا ضاحي خليها تريح، وبعدها تعالى انت عندي حكي براحتك وبالمرة تطلع تسلم على ابوك.
عبس وجه الاخير، ليلتف ويضع المفتاح في مغلق الباب وعيناه مثبتة عليها ، وهي تبادله بتحدي وكأنها الحرب الباردة بين الطرفين ، هذا ما التمسه حامد من مشهدهم، قبل ان يدفع شقيقه الباب للداخل، بعدما تمكن من فتحه، لتسبقه هي في الدخول ، فيسحب الحقائب من خلفها ليدخلها الجناح، ويدلف خلفها.
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
هبط من طابقه على موعده اليومي في الاستيقاظ مبكرًا والذهاب نحو اعماله الكثيرة، فتفاجأ بها تضع الافطار مع باقي عاملات المنزل، ترتدي ملابس الخروج، وتتحدث مع جدته التي اتخذت موقعها على رأس المائدة ، تغازلها كالعادة:
- خلاص يا بت يا حلوة، كفاية تتعبي نفسك في التحضير وتعالى ونسيني اللحظة دي جبل ما تمشي.
- تمشي تروح فين؟
تسائل بها حامد قبل ان يلقي التحية نحوهما، ليأتيه الرد منها بفتور :
- رايحة مدرستي، يعني هكون رايحة فين؟
تتجنب النظر اليه، في رسالة واضحة لغضبها منه قبل سفرها، يعلم انه كان فظا وأحمق فيما فعله معها امام الاغراب، ولكن ماذا كان بيده؟ وقد كان في حالة من الغليان لا يعلم بقدرها غيره، نظرات الرجل الغريب بجرأة لها، وابداء الاعجاب الواضح نحوها دون خجل، ثم لمسات شقيقه المستفزة امامه، كلها امور كانت تثير اعصابه وتدفعه للقيام بفعل مجنون لسحبها من بينهم واخراجها، ليزيد عليه بعد ذلك هو أمر الرحلة المفاجأة، مع نفس الرجل وامرأته.
ولكن كما يظهر الاَن، انها لم تستمتع، او ربما هناك شيئًا ما حدث بينها وبين شقيقه وكأنها خصومه كبيرة.
تنهد يجلي افكاره ، لينضم معهما على مائدة الطعام، كي يتناول فطوره، معلقًا بتلطيف معها:
- معلش يا ست زينب متأخذيناش، بس انا افتكرتك واخدة اجازة طويلة
ردت دون رفع رأسها عن الطعام:
- ما انا جطعتها، كفاية كدة وخليني انتبه للحاجة الوحيدة اللي بحبها.
كان صوتها ضعيفًا في الاخيرة ، ولكنه استطاع تمييز الكلمات جيدا، فلم يعقب وفضل الاستمتاع بتناول الطعام ومتابعة حديثها المسلي مع جدته دون ان
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
يزعجهما بتدخله، حتى أتى صوت اخيه ، لتعبس ملامحها بضيق واضح:
- صباح الخير يا جماعة.
- صباح النور ع البنور.
تمتمت بها فضيلة ، كما فعل حامد في رد التحية، إلا هي فلم تكلف نفسها حتى بالتمثيل، ليحدجها ضاحي بنظرة مشتعلة موجها الحديث لها:
- انا مسافر مصر اشوف امر البرلمان يا زينب، ارجع الاقيكي صفيتي وهديتي.
قالها وتحرك مغادرا بعدما وضح الخلاف امام الاثنين ، ليرمقها حامد وجدته باستفسار عبرت عنه فضيلة بتساؤلها:
- هو انتوا متعاركين مع بعض يا بت؟ طب لحجتوا امتى؟ ولا هي العين مش سيباكم .
تبسمت لها زينب بمودة وهي تنفض كفيها من الطعام، لتنهض وتقبلها اعلى رأسها قائلة:
- متشغليش انتي نفسك يا جدة، بالعراك ولا من غيره، كله واحد.
قالتها وتحركت مغادرة لوجهتها، ليطالع حامد اثرها، وقد وصله طعم المرار في كلماتها، ولكن كالعادة لا يجب عليه ان يعلق او يتسائل او يتدخل فيما لا يعنيه.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
بداخل المدرسة التي اصبحت المكان الاحب لقلبها، حيث تجد ذاتها وزينب التي تعرفها جيدا، بعيدا عن ضاحي وهذا المنزل الكئيب الذي زرعت على غير ارداتها به،
كانت الاَن في غرفة التدريس الخاصة بها وبصديقتها التي تم تعيينها معها، وقد جاء وقت الراحة للطلاب والاساتذة، فكان الحديث الدائر بينهما:
- يعني انتي دلوك غضبانة من اللي اسمه حامد ولا من جوزك؟ عشان افهم بس
جاء رد زينب بقنوط:
- انا مخنوقة من كله، البيت دا كله مش طيجاه، لولا بس جدتي فضيلة هي اللي بتصبرني بحكاويها اللي بتفكرني بالمرحومة جدتي روحية.
عبست نورا بملامح ممتعضة:
- متزعليش مني، بس انتي فجرية يا زينب، يعني الهيلمان دا كله اللي ربنا كرمك بيه، وجوزك اللي كنتي مسمياه الصايع ورفضاه الاول عشان سمعته، دلوك بجي نايب كد الدنيا والناس كلها فرحانة بيه، مش عاجبك، حتى حامد اللي وظفك في اجدع مدرسة في البلد ووظفني انا كمان اكراما لصحوبيتنا برضك حطاه فوق راسك عشان بس موقف بسيط وممكن يعدي.
- هو ايه اللي يعدي يا نورا؟ انه أحرجني جدام الناس الغريبة دا بالنسبالك عادي؟
تفوهت بها زينب ردا لها، لتتابع بعد ذلك مسترسلة:
- ثم كمان حامد ده مش طيب زي ما انتي فاكرة ، لو اجولك اني بخاف منه اكتر من جوزي نفسه يمكن متصدجيهاش دي........
توقفت برهة ثم تابعت بشرود:
- يمكن انا حكيتلك كتير عن الاحلام اللي كنت بحلمها بعد حادثة مريم ، والديب اللي كنت برسمه في مخي، واحلم بيه، تعرفي بجى ان الصور دي بترجع تاني في خيالي بس كل مرة بشوف عين حامد مش عين الديب.
شهقة عالية خرجت من نورا لتعلق باستهجان:
- حرام عليكي يا زينب، بجى حامد اللي عامل زي بشوات زمان في هيئته وحسنه وجماله، تشبيهه بالديب، طب وربنا حرام عليكي، طب اجولك على فكرة تخلصك منه، جوزيهوني وانا اخليه يلف حوالين نفسه، الا هو ايه اللي مانعه عن الجواز صح؟
- معرفش، بس انا سألت ضاحي عنه جبل كدة، جالي انه طلج مرته الأولى عشان محبهاش.
- يا سلام وافرض يعني محبهاش، يجوم يطلجها، دا باين دماغه لاسعة.
قالتها نورا بفكاهة اضحكت زينب، حتى توقفت فجأة بانتباهها للزيارة الغير متوقعة:
- مختار.
تمتمت بالأسم بعدم تصديق، نحو الذي ولج اليهم بداخل الغرفة، ليتقدم مبادرا نورا بالمصافحة، قبل ان يقترب منها هي الأخرى قائلًا بشوق تنضح به عيناه:
- عاملة ايه يا زينب؟
اومأت بارتباك تبادله المصافحة:
- كويسة والحمد لله.
اطرقت رأسها بعد ذلك بحرج شديد، فهذا اول لقاء يجمعها به منذ زواجها، ولا تدري كيفية التعامل معه الاَن، بعدما كان رفيقها الاول طوال سنوات دراستها ونشأتها معه،
- انا كنت معدي جريب جولت ادخل اطل ع الاستاذة وأسلم عليكم بالمرة.
قالها لفتح حديث معهما، فجاء الرد من نورا التي كانت منتبهة لرد فعل صديقتها:
- فيك الخير يا مختار، بس انت امتى وصلت البلد، انا اعرف انك مسافر بجالك شهور برا البلد .
- انا فعلا بجالي شهور برا البلد، لأني مكنتش طايق الرجعة ليها تاني، بس الصراحة الشوق غلبني ومجدرتش ع البعد اكتر من كدة.
قال كلماته وابصاره لا تحيد عن زينب بصورة كاشفة، زادت من توترها، وجعلت نورا هي الأخرى تقلق، لتلتقط صوت جرس الفسحة المدرسية وكأنه النجدة:
- الفسحة خلصت، ااا احنا يدوبك نحصل حصصنا، مش كدة يا زينب، نشوفك وجت تاني ان شاء الله يا مختار.
سمعت منها الاخيرة لتتناول دفترها وحقيبتها، وشرعت ان تتبعها في المغادرة، ولكن وما ان تحركت خطوتين حتى تفاجأت به يوقفها:
- دجيجة يا زينب، مش هاخد من وجتك كتير.
ابتلعت تنقل بنظرها نحو نورا تبتغي الدعم، وما همت الأخرى بالرد حتى اوقفها بقوله:
- امشي انتي يا نورا انا واد عمتها مش غريب عنها.
امام اصراره اضطرت نورا للذهاب، رغم عدم رغبتها في ترك صديقتها وحدها معه، والتي خرج صوتها بالاعتراض نحوه:
- عايز ايه يا مختار؟ مينفعش ما بينا الكلام اصلا.
تطلع إليها بعتاب قائلًا؛
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- ومينفعش ليه يا زينب؟ هتجطعي صلة الدم اللي تجمعنا مثلا؟ ولا هتمحي التاريخ والذكريات اللي ما بينا.
زمت شفتيها بضيق ملحوظ، لتصحح له على الفور مشددة:
- مختااار......، انا لما جولتلك مينفعش كان كلامي واضح، انا ست متجوزة، ودي تكفي اني اجفل على اي موضوع يخصك مهما كان له اهمية عندي، ومدام اتكلمت على تربيتنا سوا ، فدي تفكرك كويس عن أخلاقي اللي عارفها زين .
قالتها وهمت ان تتحرك، ولكنه تهور يمسكها من رسغها معقبا ردا لها:
- عارفها يا زينب، وعارف زين جوي انك مغصوبة على جوازتك بواد الدهشوري، لذلك انا جاي اجولهالك اها، خدي حريتك واطلجي منه، انا لسة مستني ورهن الإشارة .
الى هنا وغلت الدماء برأسها ، فمن كانت تظنه حبيبها في يوم ما، يأتي الاَن ويمحي كل تاريخه الجميل معها، بفعله، هل يظنها بهذه الوضاعة، فمهما كان الخلاف او الكره الذي يجمعها مع زوجها ابدا لن تتدنى بأخلاقها ان تتركه من اجل رجل اخر ، حتى وان كانت رغبتها في الانفصال هي اكبر امانيها.
لتبرق عينيها بالاشتعال، وتنكمش ملامحها برفض واضح، وما ان شرعت بأن تقرعه بحديث قاسي ، حتى تفاجأت بالصوت القوي لطرق العصا الغليظة على الأرض، ف التفت لتفاجأ بهذا الضخم المخيف شقيق زوجها ، يقف بمدخل الغرفة، يزمجر بصوت بث الرعب بقلبها مرددًا بنبرة هادئة، إنما حازمة، تحمل في طياتها التهديد والوعيد:
- شيل يدك عنها لاجطعهالك.........، وانتي..... تعالي ورايا .
❈-❈-❈
دلفت لداخل السيارة تنضم معه، ليقودها بغضبه مغادرا بها، دون ان يلتف نحوها، فخرج صوتها بعد فترة طويلة من الصمت:
- على فكرة انااا.......
- مش عايز اسمع حرف،
هتف بها مقاطعا بحدة ليتابع بأمر:
- وفري كل كلامك على ما اوصل بيكي البيت.
تطلعت إليه بحنق، وداخلها اعتراض تام لهذه المعاملة منه، فهو بالأصل ليس زوجها، ولكن ورغم ذلك تقدر غضبه ، فهذا الأحمق ابن عمتها جعلها بالفعل في موضع شك كانت في غنى عنه.
❈-❈-❈
- انا مغلطتش عشان أتعامل بالأسلوب ده، دا غير اني كنت هردله اساسًا.
تفوهت بالكلمات فور ولوجها لغرفة مكتبه، بعدما عاد بها الى المنزل، لتجد فرصتها الاَن في الدفاع عن نفسها بحرية بعيدا عن اعين المتربصين والعاملين، وقد احترقت اعصابها من الانتظار والترقب.
ليلتف اليها الاَن قائلًا بهدوءه المستفز:
- ويا ترى بجى ردك ده كان هيبجى ايه على واد عمتك اللي بيطلب منك تطلجي من جوزك عشان ترجعيله يا زينب؟
باغتها بالسؤال المباشر، لترمش باضطراب لحظي، قبل ان تستدرك لصحة موقفها:
- طبعًا مكنتش هوافج.
- وتكسري بخاطر حبيب الجلب.
- لو سمحت انا مسمحلكش.
هتفت بها بحدة نحوه، وقد فاض بها ومن مراوغته معها وهذا الكلام الذي لا يليق، لتزيد من اشتعال جذوة الغضب بداخله، فلم يشعر بنفسه، حينما امتدت يده تقبض على رسغها، ليهدر بفحيح:
- امال سمحتيلوا هو ليه يمسك يدك وادتيله الفرصة كمان عشان يفتح بحديته البارد معاكي يا زينب؟
شعرت بالرعب من هيئته وضغط قبضته القوي، وكأنه على وشك ان يكسرها، ليخرج صوتها بضعف رغم روح التحدى التي تدعيها:
- انا مسمحتش ولا عمري هسمح، انا بس اتفاجأت، لكني بت اصول وبراعي حق جوزي عليا مهما كان ما بينا من خلاف، ثم انت كمان ملكش انك تحاسبني كدة، لانك مش جوزي .
قالت الأخيرة باستهجان جعله يستفيق لوضعه وصحة قولها، ولكن مراجل الغليل بداخله، يزداد وهيجها، كل ما عاد برأسه مشهد هذا الاحمق، وقربه منها:
- فعلا مش جوزك يا زينب عشان احاسبك، بس انا راجل كبير عيلة ومسؤول اني احاسب اللي يغلط، وواد عمتك غلط في حق اخوي، يبجى يستاهل العقاب.
صاحت بهلع حل بها على الفور، نحو ابن عمتها الأحمق، لا تريد له الأذية من رجل مثل هذا تعلم جيدا مدى قسوته وجبروته، لتترجاه بتوسل:
- لا وغلاوة اعز ما عندك، واد عمتي دا وحيد امه على خمس بنات، هو غلط انا عارفة، بس اقسم بالله ما في حاجة ما بينا، من ساعة ما اتخطبت لضاحي وانا منعت حتى الكلام معاه، رغم اني كنت حاطة في دماغي ان هو نصيبي، لكن دلوك والله لا يمكن يحصل، حتى لو اطلجت من ضاحي، لأني كرهت صنف الرجالة كله.
قالتها بانهيار وصل اليه، حتى اهتز داخله من فرط الخوف عليها، وقد انطلقت في نوبة حارقة من البكاء، قطع نياط قلبه، لما وصلت اليه من ضعف، ليرق فؤاده فيحاول التخفيف عنها:
- خلاص يا زينب، اطلعي شجتك وارتاحي.
مسحت دمعاتها تسأله برجاء:
- طب جولي مش هتأذيه.
ولأول مرة تحدث في تاريخ حامد الدهشوري ، يتراجع عن قرار ياخذه وبكل عزيمة من داخله يريد تنفيذه، ولكنه فعل من أجلها:
- مش هأذيه يا زينب، بس لو كررها ما يلومش الا نفسه...
سهمت بالنظر اليه تريد ان تستشف الصدق بكلماته، ليعود بضجر مؤكدا لها:
- خلاص يا زينب، انا مبجولش كلمة وارجع فيها، اطلعي على شجتك دلوك وسبيني في حالي .
سمعت منه هذه المرة لتذهب من أمامه بالفعل، وتصعد الى جناحها، فتتركه يتلظى بلهيب يحرقه، منذ متى كان بهذا الضعف؟ ولما يحدث له هذا من الاساس؟ لقد تأكد الاَن من صدق ما يشعر به، هذا الشيء الذي ظل يبحث عنه طوال سنوات عمره، يجده الاَن في غير موضعه ولا يصح له من الأساس،
ظل قابعًا في غرفة مكتبه لهذا التفكير المستمر لمدة تجاوزت الساعتين، حنى اصابه الملل، فقرر الصعود الى جناحه وتبديل ملابسه، كي يخرج ويصرف عن رأسه التفكير بمباشرة اعماله،
صعد الدرجات بخطوات مثقلة بالهموم بعد هذا الاكتشاف المرير، متوقعًا بؤس ايامه القادمة ولياليه، فالباب مقابل الباب، والأصوات تصل إليه في بعض الاحيان، تبًا، فليهئ نفسه للأسوء الاَن.
سقط قلبه حينما وقعت عينيه على الجسد المكوم خارج جناح شقيقه، والباب المفتوح على مصراعيه، وكأنها:
- وه ، ايه اللي حصلك؟
تمتم بها بهلع، ليركض اليها شاعرا بتوقف قلبه عن النبض.
- زينب.
....يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
زينب ايه اللي حصلك؟
صعد اليها بسرعة البرق ليتفقدها، وقد كانت متسطحة على الارض بلا حول لها ولا قوة، نصف جسدها في داخل الجناح، والأخر خارجه، رفع جذعها بحذر ، ليعدل وجهها اليه، ويزيح عنه الشعر المسترسل الذي كان يغطيه، فوجدها فاقدة الوعي تماما، ولا تدري بالعالم.
قلب الحجر الذي لم يهتز يوما، شعر به على وشك الخروج من صدره، وعقله يصور ابشع الصور عما أدى بها الى ذلك، ليربت بكف مرتعش على وجنتها عدة مرات كي يفيقها:
- زينب، اصحي يا زينب، فهميني بس لو حد أذاكي، زينب يا زينب.
اخيرا استجابت لندائه، لتهتز اجفانها المغلقة، ببطء شديد، فخرج منها صوت أنين مرددة بنصف وعي:
- فين امي، انا كنت عايزة اروحلها، انا كنت دايخة.
اطمئن بعض الشيء ، بعدما استمع لهمهمتها، ولكن تبقى الاَن معرفة السبب لما أدى بها الى ذلك
. ليتأمل وجهها عن قريب وما ترتديه من عباءة منزلية بنصف اكمام، اظهرت جمالها المخفي دائما عنه، خلف الحجاب والملابس الواسعة، وجسدها الغض بين ذراعيه،
لا يدري كيف طفت هذه المشاعر، في وقت كهذا مع واحدة من محرماته، تبا، انها الفتنة بحق .
اغمض عيناه، ليبتلع ريقه الذي جف، في مجاهدة لشياطين نفسه ، فوضعها بخفة على الارض ، ليبحث عمن يساعده من النساء في افاقتها، يكبت داخله الصوت الذي يدعوه لحملها والذهاب بها الى المشفى، كي يطمئن عليها دون اللجوء لأحد.
❈-❈-❈
بعد قليل
وامام غرفة الكشف في العيادة الخاصة بالطبيبة النسائية، توقف منتظرا بقلق يكاد ان يفضح الثبات الذي يدعيه، كم ود ان يكون بجوارها الاَن، لكن للأسف لا يصح، كما لا يصح له اشياء كثيرة محرمة عليه كالتهوين عليها او حتى اظهار ما يشعر به الاَن.
انتبه فجأة لباب الغرفة الذي فُتح من قبل الممرضة ، في إشارة له ليلج الى الغرفة .
وبالفعل كان بالداخل في اقل من لحظات ، لتقع عينيه عليها اولا ، وقد كانت تلف حجابها بمساعدة احدى عاملات المنزل التي أتى بها معهما في السيارة، مطرقة رأسها وكأنها تحجب عينيها الحزينة عنه.
ازاح ابصاره عنها بصعوبة، ليخاطب الطبيبة بصوت خرج متحشرجًا:
- طمنينا يا دكتورة .
سمعت المذكورة لتجيب بابتسامة بلهاء:
- يا سيدي اطمن وافرح كمان، مش حضرتك جوزها برضو؟
راقت له الجملة، حتى ود ان يخبرها بنعم، عكسها هي التي ارتفعت ابصارها للطبيبة تنفي على الفور بحرج وضجر:
- مش جوزي دا اخوه.
ابتلع غصته ليرتدي ثوب الجمود متسائلًا:
- زي ما جالتلك كدة، جولي بجى عايزانا نفرح ليه؟
- تفرح عشان حامل طبعًا، ما هو الإغماء ده نتيجة الدوخة والوحم.
قالتها الطبيبة ليشعر وكأن دلوا من الماء البارد سقط عليه، كان لابد له ان يعلم الاجابة من البداية، ولكن عقله المشتت لم يجمعها او بالاصح لم يتقبل حتى التخمين بها.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كان يقودها للعودة بها، الصمت كان هو سيد الموقف، هي بالوجوم الذي كسى ملامحها، تنظر من نافذتها بسكون مريب، وهو يوزع ابصاره ما بين متابعة الطريق وبينها.
وقد تيقن بداخله ان الخبر كان مفاجأة ولم تعمل له حساب، ولكن يا ترى، هل هي مفاجأة سارة لها ام حزينة؟
- للدرجادي الفرحة مخربطاكي يا زينب؟.
تهكم، قاصدًا ان يلفت انتباهها، فعلم انه نجح حينما التفت زامّة شفتيها بضيق واضح تبادله بسخرية قاتمة:
- طبعا اومال ايه؟ دا انا هموت من الفرحة.
صمت حامد وقد تأكد الاَن من صدق حدسه، فاستطردت هي بخجل وقد استدركت الاَن لوضعها:
- صحيح انا نسيت اشكرك ع اللي عملته معايا،
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
جاء رده بفتور وابصاره مرتكزة على الطريق امامه:
- مفيش شكر يا زينب، انا معملتش غير الواجب، وع العموم الف مبروك ع الحمل، دا ضاحي هيفرح جوي.
قال الاخيرة بثقل يجثم على أنفاسه، ولم تنتبه هي، فقد توترت بتوجس مع تذكيره لرد فعل الاخر، وما ينتظرها من مصير مأساوي حينما يمنعها عن الوظيفة وعن الحياة، وقد تحققت غايته بأن تصبح وعاء لانجاب الاطفال ، وجارية كما يحب .
اغمضت عينيها بألم تمنع بصعوبة سقوط سيل الدمعات التي تحرقها، لسوء الحظ الذي يلازمها عكس زوجها الذي يفعل كل المنكرات ومع ذلك ينال كل ما يريده.
يبدو انه علم بما تفكر به، فسألها بقلق لا يخلو من مراوغة:
- انتي دوختى تاني يا زينب؟ تحبي ارجع بيكي ع الدكتورة.
نفت بهز رأسها، لتبلل شفتيها بطرف لسانها، قبل ان تخاطبه برجاء:
- ممكن متبغلش اي حد في البيت بحملي حتى ضاحي.
تطلع اليها باستفسار، فتابعت موضحة:
- اصلي عايزة اعملها مفاجأة.
اوما يزفر انفاس ساخطة، ليجاريها:
- اللي تحبيه يا زينب، مش هتكلم ، وهنبه ع البت اللي جات معانا كمان متتكلمش، وانتى براحتك تختاري الوجت اللي تعلني فيه.
طالعته بامتنان ، ثم عادت للنظر نحو البراح خارج محيط حياتها الخانق، تتنهد بعمق، تتمنى من خالقها الراحة.
❈-❈-❈
في المساء
وبعد تفكير طويل ومرهق، نهضت من محلها لتبدل ملابسها، مع قرب قدوم زوجها، لتجد نفسها تلج لداخل المطبخ، تعد لنفسها مشروب النعناع الساخن .
وكأن شيئًا ما يحركها ، غير العقل، فقد بلغ بها الاحباط مبلغه، تشعر ببودار اكتئاب ان لم تكن دخلت به بالفعل
- زينب انت فين؟
سمعت النداء بإسمها، لتعلم بعودته من سفرته، وها هو الاَن يطل عليها من مدخل المطبخ ، بعدما شعر بوجودها فيه.
- انتي هنا وانا بنده عليكي يا زينب؟ طب مش تردي وتحسسيني بوجودك.
قالها بنبرة متلاعبة، مع شعورها بنظراته المتفرسة لها ولما ترتديه:
- معلش مسمعتكش، حمد لله ع السلامة.
تمتمت بها ردا له، لترتشتف من المشروب الساخن في الكوب الزجاجي، قبل ان تتحرك به وتتخطاه في الخروج، مرددة:
- تحب احضرلك حاجة تاكلها؟
وصلها صوت صفيره من الخلف، وعيناه تلتهم تفاصيلها:
- دا ايه الرضا السامي، بيجامة حمالات ولفوق الركبة، هو انا وحشتك ولا ايه يا زينب؟
قال الاخيرة بغمزة وقحة استفزتها، لتعبس بوجهها قائلة بضجر:
- هو انا عشان لابسة ومخففة في شجتي ، يبجى جصدي اللي في دماغك ، ما كنت لبستلك قميص نوم احسن ، عشان تبجى الدعوة صريحة.
جلجل ضاحكًا ليعقب بمرح:
- ما دي مش محتاجة صراحة منك يا زينب، عشان انا عارف الكرامة والعنجهية اللي عندك، ع العموم انا هوفر عليكي التعب .
قالها وتحرك نحوها، يسقط عن اكتافه العباءة السوداء، ويحاول بفك ازرار سترته، لتردد هي باعتراض:
- تعب ايه وكلام فارغ ايه؟ انا مليش خلق للي في دماغك اساسًا.
اقترب منها غير مباليًا، ليتناول الكوب الساخن من يدها، يضعه على الطاولة، والذراع الأخرى التفت حول خصرها ليقربها اليه مغمغمًا بإغواء امام بشرة وجهها:
- ما جولنا مالوش لزوم، انتي مكسوفة وانا راجل فاهم وبحب اجصر المسافات .
دفعته بقبضتيها على صدره تنهره بشراسة:
- مسافات ايه وزفت ايه؟ بجولك تعبانة ومش طايجة، ما تفهم بجى؟ ولا انت مخك وجف ع التفسير الزفت اللي انت عايزه وبس، بعد عني يا ضاحي .
زمجر بغضب وحنق يهزهزها:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
- امممم وبعدين بجى؟ ما تهمدي كدة وارسى على حيلك، انا هدبحك.
صرخت به بقهر:
- اكترررر ...... انت بتموت روحي في كل مرة تجبرني على حاجة مش عايزاها لا متحملاك ولا متحملة عيشتك، امتى هتفرج عني اطلع من سجنك؟ انا تعبت.
ذهب عنه العبث ، ليحتل معالمه الجدية والتجهم، فيرمقها بنظرات مشتعلة، متحدثًا بلهجة خطرة:
- يعني انتي عايزة تنفصلي يا زينب؟ عشان تاخدي حريتك وتهجي بعيد عني .
ابتلعت تشد بيدها على البيجاما التي ترتديها، بعدما ارتخت ذراعيه عنها، لتقول بحدة غير مبالية للعواقب:
- ايوة عايزة اطلج، انت تعيش حياتك وتاخد اللي تناسبك وتناسب الوضع الجديد، وانا اتنفس نفس حقيقي يدخل صدري بعيد عنك، حتى لو هجعد من غير جواز نهائي، المهم الاجي زينب اللي ضاعت مني، مش جادرة اتعود على عيشتك اللي غاصبني عليها....
خرجت الاخيرة بصيحة نابعة من القلب، لتزيد من جذوة غضبه، وقد طال صمته يحدق بها بأعين حمراء وملامح مخيفة، ليخرج صوته اخيرا:
- هو انا للدرجادي دلعتك في الفترة الأخيرة يا زينب؟
للدرجادي اتساهلت معاكي لحد ما حسك طلع وبجيتي تجفي جدامي كدة وتتحديني.
صاحت به:
- فين التحدي ده؟ هو انا اول ولا اخر واحدة تطلب الطلاج؟ ولا انت اللي الغرور عمى عنيك عن كله..... بعد عني يا ضاحي، وروح لصف الحريم اللي منتظرين الرضا السامي منك، مالك بالجواز اصلا وانت طول عمرك مجضيها...... اه
صدر صوت صرختها الاخيرة، بعدما باغتها بلطمة قوية على وجنتها ليجذبها من شعرها ويقرب وجهه منها متمتمًا بفحيح:
- انا فعلا طول عمري مجضيها، بس برضك يا زينب مش هتطلجي، ولا هتشمي ريحة الحرية اللي بتتكلمي عليها، يبجى احسنلك تحبيني يا زينب، عشان انا مش هتغير وانتي هتفضلي لحد ما تموتي مرتي؛ اللي وجت ما اعوزها هاخدها.
قال الاخيرة ليرفعها عن الأرض ويحملها بين يديه، يردد بهوس امام انهيارها وقد اصبحت تضربه بقبضتيها على صدره:
- اضربي يا زينب، اضربي بكل جوتك، عشان انا الليلادي مش هرحمك .
بعد وقت ليس بالقليل انتفض عن الفراش مفزوعًا ، يبرق بعينيه نحو بركة من الدماء اسفلها، وهي تتلوى من الألم وبالكاد يخرج صوتها:
- اااه، وديني لامي انا عايزة امي.
......يتبع
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
دلف اليه بداخل الشرفة، بعدما بحث عنه في ارجاء المنزل ، ليجده الاَن جالسًا بترقب، يدخن سجائره بنهم وعصبية، حتى صار الدخان يغطي الأجواء من حوله، ليعلق حامد بعد ان سعل متأثرًا:
- خبر ايه يا واد ابوي، انت بتدخن ولا عاملها حريجة؟
زفر ضاحي، قائلًا بقنوط:
- دي حاجة بطلع فيها غلي يا حامد، اجعد انت اجعد.
جلس الاخير على الكرسي المقابل له، ليطل من الشرفة نحو الجهة المقصودة، وهي منزل مطاوع القفاص، المكشوف معظمه امام ابصارهم من هذا العلو.
فقال بغيظ مكتوم:
- انت لساك برضو بتبص على بيتهم، ايه يا عم؟ لدرجادي الشوق واخدك؟
زم ضاحي شفتيه، يخرج دخان من انفه واذنيه، وهو يطفأ سيجارته في المطفأة:
- انا فعلا الشوق جاتلني، بس عشان اربيها، اخليها تتعلم الادب من اول وجديد، جزاء عملتها اللي عملتها فيا .
تطلع اليه بعدم تصديق يعقب باستهجان:
- مين اللي عمل في مين؟ انت اللي مسجطها يا واد ابوي، وهي اللي خسرت الجنين بسببك......
قاطعه بحدة:
- لا بسببها هي.... عشان لو كانت خبرتني من الاول انها حامل، انا كنت عملت حسابي ومأذيتهاش، انا مستني الخبر ده بفروغ الصبر، جوم هي تخبي عليا وتخلي ضياعه يبجى على يدي، تخلي ضياع الواد على يدي يا حامد.
سمع منه الاخير، ليزفر ماسحًا على شعر رأسه بضجر ، يزيح ابصاره عنه، كي يستجمع افكاره المتشتتة،قبل ان يعود اليه سريعًا، وينتقده:
- بصراحة انا كد ما متعاطف معاك، بس برضو مش جادر اديك الحق ولا اجيب اللوم عليها، عشان اسلوبك نفسه مينفعش، ربنا جال الجواز مودة ورحمة، مش غالب ومغلوب، ولا سيد وخاضع، هي مهمها كان غلطها، برضو مينفعش التعامل معاها كدة وفي الاخر كمان تجيب اللوم عليها .
- جلبي محروق ع الجنين اللي راح يا حامد، ولو اطول اخنجها بيدي دلوك مش هتأخر.
- استغفر الله العظيم .
تمتم بها حامد ردًا على شقيقه، ليستطرد معترضًا:
- والله الخلفة دي رزج من عند ربنا، ومدام انت شايفها كدة مش معدولة معاك...... ممكن تطلجها وتجيب اللي تخلفلك بالعشرة كمان .
خرجت منه الاخيرة، يعبر عما بداخله بعدم سيطرة، ليتجمد الاخر في النظر اليه لحظات باستنكار لا يخفيه، ثم قال بتحدي:
- مش هيحصل يا حامد، انا مش هتجوز غيرها، وهي مجبرة تخلفلي العيال اللي عايزهم، الكلام دا مفيهوش رجوع.
لاح على وجه الاخير، نظرة غير مفهومة، يرد على قول شقيقه:
- انت حر يا سيدي، نشف راسك واعمل اللي انت عايزه، يعني انا هكرهلك الخير.
اومأ ضاحي بتصميم مرددًا:
- طبعا هعمل اللي انا عايزه، ونظامي معاها هيمشي من النهاردة،..... انا من شوية جابلت ابوها جبل ما اوصل البيت، وشددت عليه يرجعها الليلادي، كفاية عليها خمستاشر يوم في بيت ابوها تتعالج. انا مش هصبر عليها اكتر من كدة .
❈-❈-❈
والى زينب التي انهت صلاتها بالسلام على الجهتين، ف انتبهت لدخول والدتها، لتقف وتطوي السجادة، متمتمة ببعض الأذكار قبل ان تخلع عنها الاسدال وتجلس بجوارها على التخت تخاطبها:
- نعم ياما، دخلتك كدة بتجول انك جاية على حاجة.
فركت عزيزة كفيها بحرج، لتتمتم بتعلثم:
- خير يا بتي ان شاء الله، هو بس اا... جوزك يعني....
تجهمت ملامح زينب، مرددة خلفها:
- جوزي ماله ياما، اتكلمي على طول عشان انا معنديش حيل للمناهتة ولا التخمين.
ترددت والدتها قليلًا، قبل ان تستجمع شجاعتها تخبرها:
- طلب من ابوكي تروحي على بيتك النهاردة، وابوكي قال امين .
تطلعت لها بصدمة:
- جال امين من غير ما ياخد شورتي ياما؟ ولا يعترض من نفسه اني لسة عيانة ومحتاجة الراحة، هي دي كمان عايزة تنبيه؟
جادلتها عزيزة في محاولة منها للتبرير:.
- يا بتي ما هو دا الطبيعي ، راجل وعايز مرته مينفعش نجوله لا.
- طبعا ولا ينفع تعاتبوه ولا تجيبوا حقي منه لانه ميصحش اساسًا، دا جوزك يا بتي.
خرجت الكلمات منها بقهر وصل لعزيزة التي واصلت بأسف:
- دا الحال في الدنيا كلها، واحنا مينفعش نتحدى ولا نغلطه، لأن جوزك مش هين، دا غير انه جايب الغلط عليكي عشان خبيتي عليه خبر الحمل، ودا اللي مزعله.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
اومأت توافقها بدموع تهدد بالسقوط:
- اه صح فكرتيني، دا حاطط في مخه ان الحق معاه، وابويا راجل غلبان ميجدرش يعارضه ليأذيه.
صمتت عزيزة ولم تعلق، لتستطرد زينب:
- روحي ياما دلوك وسبيني في حالي، عايزة اجعد لوحدي.
افتر فاهها، تهم بالكلام، ولكن زينب اوقفتها؛
- وصلت خلاص ياما اطمني، انا ميرضنيش أذية ابويا.
سمعت عزيزة لتغادر على الفور، مفضلة الهروب من جلد ابنتها لها، وهي لا حول لها ولا قوة.
وعادت زينب رأسها للخلف تعتصر عينيها بألم، تعلم ما ينتظرها على يد زوجها الذي أوجعته خسارة الطفل على يده، واخذها كصفعة منها له.
تستعيد بذهنها ما حدث منه، في عيادة الطبيبة النسائية المختصة، التي قامت بعمل اللازم بعد سقوط الجنين، لتفتح عيناها على وجهه ، وقت ما فاقت من المخدر.
يرمقها بأعين قاتمة وعروق نافرة من فرط الغضب، يخاطبها بتوعد؛
- حمد الله ع السلامة يا زينب، اخيرا صحيتي يا غالية.
كانت بنصف وعي حتى افاقها يهدر بفحيح وملامح توحشت فجأة:
- تبجي حامل وتخبي عني يا زينب، تشربي نعناع وتستفزيني اطلع عليكي غضبي، عشان تسجطي، واتحمل انا المرين يا زينب.
دنى فجأة يحاصرها بذراعيه، يضغط بيداه على الفراش من الجانبين، ليزيد من بث الرعب بقلبها:
- وحياة امك لدفعك تمنها دي، العيل اللي راح مش هيكفيني عشرة منك جباله، هتفضلي كدة تكفري عن ذنبك بالخلفة لحد انا ما استكفى، سامعاني؟
هتبجى دي شغلتك ف الايام الجاية، بس ترضيني وتخلفيلي، لا احول ايامك سواد انت وعيلتك يا زينب ، انتي وعيلتك.
لم تكن لها مقدرة على الصراخ ، كانت فقط تناظره بأعين تملأها الدموع، والفزع منه يكاد ان يوقف قلبها، ليزيد على الامها الجسدية بفعله، وهو من فرط غضبه يود الفتك بها،
ليتوقف كل ذلك مع سحبه بعنف من قبل شقيقه، الذي دلف الغرفة فجأة، ليصعق بالمشهد ، فصار يزجره بانفعال محذرا:
- انت ايه ياخي معندكش رحمة، البت هتخلص في يدك وهي فيها اللي مكفيها، بعد عنها وسيبها في حالها، سيبها في اللي هي فيه.
صرخ به ضاحي:
- والنار اللي بتاكلنى اطفيها كيف؟ الواد اللي راح بسببي ارجعه كيف؟ انا اللي حايشني عنها حالتها دلوك، لكن لو بصحتها، والله ما كنت سيبتها.
- طب وتجعد جبالها ليه؟ ما تغور وتسيبها في اللي هي فيه، اطلع برا الاوضة يا ضاحي، خلص يلا روح.
صار يدفعه بعنف حتى تمكن من إخراجه من باب الغرفة بقوة، ليتجه نحو زينب يطالعها بإشفاق وقلب يتمزق لدموعها وحالتها تلك، ف اقترب بأسف يخاطبها؛
- متزعليش يا زينب، انا طلعتهولك اها، عايزة حاجة تاني اعملهالك؟
أومأت بضعف، وصوت بالكاد يخرج؛
- وديني عند امي، مترجعنيش البيت معاه تاني.
ابتلع غصته، يراضيها بقوله:
- حاضر يا زينب هروحك على بيت ابوكي، بس الاول ابعت للدكتورة تاجي تشوفك.
اسرعت على الفور تناجيه، قبل ان يشرع في الذهاب.
- لا متسبنيش وتطلع، لا ياجي تاني ويدخلي.
صمت للحظات لا تعرفها، ليرد بنبرة لأول مرة تسمعها منه:
- اطمني يا زينب، انا جاعد جمبك، يعني مش هخليه يجرب منك ولا يأذيكي واصل.
عادت من شرودها واحتدت عينيها بتصميم، مقررة انهاء الأمر، وهذا قرار لا رجعة فيه.
❈-❈-❈
في المساء
وقد علم بقدومها من جدته، دلف لداخل الجناح بخطوات واثقة مغترة، وقد أتى تهديده مفعوله، لتأتي اليه راكعة.
بحث بعيناه عنها، حتى وجدها الاَن جالسة في انتظاره امام شاشة التلفاز العملاقة المعلقة بالحائط، لتلتف له، فتقف في استقباله بوداعة.
وقف يتأملها جيدًا، بزينة وجهها التي اضافت له بعض المساحيق التجميلية، والشعر الناعم المسترسل على الجانبين، ثم هذه المنامة النصف العارية، والتي تغطي عليها بالمئزر الشفاف، فبدت فتنة خالصة امام عينيه، لتبزغ ابتسامة جانبية على طرف فمه، يعلق بلؤم:
- حمد الله ع السلامة يا زينب ، نورتي بيتك.
اومأت بهز رأسها مرددة بصوت خرج بصعوبة:
- الله يسلمك.
انتفضت داخلها حينما وجدته يقترب بخطواته البطيئة نحوها، لتبتلع ريقها بتوتر تحاول بيأس السيطرة عليه،
حتى وقفت امامه للحظات ، ثم امتدت يده تقبض على شعرها من الخلف مرددًا:
- وحشتيني يا زينب، ووحشني كل حاجة فيكي، انا كمان وحشتك ولا لاه؟
اغمضت عينيها بألم، متمتمة بضعف:
- شعري يا ضاحي، انا طالعة من دور تعب اساسًا.
غمغم بأسف مصطنع،:
- اه صح دا انا نسيت انك مخسرة ولدي، سامحيني يا جلبي.
قالها بهدوء ترتخي يداه عنها، ثم ما لبث ان يرفعها فجأة من خصرها ليستطرد بغل:
- بس عارفة طبعا ان دورك دلوك تعوضيني ع اللي راح؛ بعيال كتيرة زي ما اتفجنا مش عيل واحد.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
اومأت رأسها بدمعة محتجزة، فتابع بتشديد يقارب الجنون:
- وهتحبيني يا زينب زي ما انا بحبك، وأكتر كمان .
حينما صمتت بذهول من فعله هزهزها بعنف:
- جولي حاضر .
- حاضر
رددت بها سريعًا ترضيه، ليحتجزها على الفور فوق صدره بضمة قوية ، كادت ان تكسر عظامها مغمغمًا بهذيان وصوت انفاسه الحادة ، يخترق اسماعها بصورة تزيد من بث الرعب بقلبها:
- جدعة يا زينب جدعة.
تمتمت بألم ترجوه، وقد كانت على وشك الانهيار:
- طب سيبني اتعشى الاول معاك دلوك، دنا جعانة بجالي مدة وجاعدة مستنياك.
- وانا كمان جعان يا جلب ضاحي.
زفر انفاسه القوية يفك اسرها، ليتابع بأعين تطل بها الرغبة:
- هدخل اغير بسرعة على ما حضرتي، نبروا نفسنا الاول زي ما جولتي، عشان ليلتنا طويلة.
وضعت يدها على صدرها تحاول السيطرة على خفقان قلبها المتسارع، فور ان استدار عنها، تناجي الله القوة في هذه اللحظات، فما ينتظرها ليس بالهين .
❈-❈-❈
بعد قليل
اجتمع الاثنان على طاولة السفرة ، كان هو يتناول بنهم ويرتشف من زجاجة العصير الطازج كعادته، وهي تلوك الطعام بفمها بصعوبة، ولحظات من الترقب تمر عليها كالدهر .
حتى اذا انتهى اخيرا نفض كفيه ببعضهما يطالعها بنظرات مفهومة:
- لمي الأكل وتعالي ورايا انا مستنيكي.
اومأت بطاعة ونهض هو على الفور ، لتلملم من خلفه الاطباق بتمهل، تأخذ وقتها في الذهاب والإياب الى المطبخ، حتى انتفضت على صيحته:
- اخلصي يا زينب.
ابتلعت تجسر نفسها وتتمتم بالادعية، لتضع اخر طبق في البراد، ثم تذهب اليه داخل غرفة النوم، بخطوات مترددة، حتى اذا وقفت بمدخل الغرفة تفاجأت بعدم وجوده، ولكن سرعان ما خرجت شهقتها، تزامنا مع زمجرة خرجت من حلقه، وقد فاجئها من الخلف، يرفعها من خصرها :
- ايه رأيك في المفاجأة دي
- انت كنت مدسي فين
- في البلكونة يا زينب.
هتف بها وهو يضمها اليه، يشدد ذراعيه عليها بعنف، وقبلات قاسية تعلم انه يفرغ غضبه بها، ولكنها تتمنى الخلاص، استمر يسير بها نحو التخت، حتى اصابها اليأس وفقدت الأمل، لتسيل دمعاتها بقهر، ولكن وفور ان سقط بها على الفراش ، وجدت نفسها تتحرر منه، وقد ارتخت ذراعيه عنها، ليتكيء بجانبه على مرفقه ، يفرك كفه الحرة على جبهته، وعينيه تفتح وتغلق باستمرار ، لتنهض هي من جواره سائلة ببارقة نور تلوح امامها:
- ايه مالك؟ لتكون تعبت؟
غمغم بعدم تركيز:
- مش عارف.... بس حاسس اني دايخ، والصورة في عيني مغبشة.
نفض رأسه يحاول النهوض مرة ثانية ولكن وفور ان اعتدل بجذعه سقط مرة اخرى ، ليردد بذهول :
- وه، انا ايه اللي حصلي؟ جسمي كله سايب وراسي تجيلة.
حينما استمر على حالته واستمرت هي على صمتها، تراقب وفقط ، رفع رأسه إليها سائلًا بارتياب وانفاس غير منتظمة:
- انتي مالك ساكتة ليه؟ لتكوني انتي السبب؟
خرج صوتها اخيرًا حينما تأكدت من قرب الوصول:
- ما انا اللي حطتلك في الأكل سم.
برقت عيناه بشر لينهض متحاملا بصعوبة على ذراعيه:
- بتجولي ايه، دا انا اااا..... انااااا
صار يردد بتقطع ، واقدامه تتقدم خطوة ثم تقف لعدم المقدرة ، وهي تتراجع الى الخلف، حتى خارت قواه ليسقط بثقله على الارض، حتى احدث اصابه بجبهته، والدم اصبح يسيل منها.
ووقفت هي تراقبه للحظات بجمود، ثم غمغمت بحسرة:
- ياريته كان سم صح.
تحركت بعد ذلك تبدل ملابسها، وترتدي فوقهم عباءة سوداء، ثم الشال الاسود، كي يغطي على رأسها وجميع وجهها ، لتتسحب بعدها في هدوء الليل ، وتتخذ طريقها من باب الخدم ، فتركض نحو الجبل حيث الطرقات خالية من البشر، غير ابهة بخوف ولا اي شيء، المهم هو ان تذهب الى وجهتها.
لتصل بعد اقل من ساعة وتطأ اقدامها العلو من فوق التلة، لتعيد التاريخ مرة اخرى ، ولكن هذه المرة هي على أتم الاستعداد.
لهثت وتعبت وافترشت جالسة بملابسها السوداء في انتظاره، من يراها الاَن من مسافة بعيدة، يجزم انها شبح فعلي.
لقد اخذت القرار ولن تترك مكانها اليوم .
مر الوقت رويدا رويدا، حتى استفاقت على رؤيته امامها، يطالعها من الظلام بعيناه التي كانت تلمع بخطورة، مكشرا بأنيابه الحادة ،
ابتلعت بخوف غريزي، لكن سرعان ما استعادت بأسها لتخاطبه بقوة وعزم،
- واجف ليه؟ جدم ومتستناش، تعالي واغرز انيابك وكسر العضم، كيف ما بيكسر ابوي عود الجصب في موسم الحصاد، شبع جوعك من اللحم،
اهضم لحد ما تتوه اشلائي في معدتك وبعدها اتساوى بالتراب اللي واجف عليه،
مستني ايه ما تجرب، انا جاية ومسلماك امري ، يمكن اخلص من عذابي ومن عجدة الذنب اللي وجفت عليها حياتي .
حينما ظل واقفًا دون حراك ، وكأن حديثها شتته، صرخت به:
- جرب بجولك، وخلصني، هو انا هترجاك فيها دي كمان؟
اتت صرخاتها بنتائجها على الفور ، حينما كشر الذئب مرة أخرى كاشفا عن كل انيابه، ليتقدم بخطواته المدروسة امام صمتها ، فاستسلمت هي مغمضة عيناها للنهاية، تتمتم بالاستغفار وان يقبل الله توبتها، لتبدء بالعد بعد ذلك، تترقب الهجمة الاولى منه على اي جزء من جسدها،
حينما وصلها صوت انفاسه الشرسة زادت بالتمتمة تفتح نصف عين فصدق ظنها حينما وجدته أمامها تماما،
ليرتعش جسدها من الرأس حتى اطراف الاصابع استعداد للقاء الخالق بأصعب الطرق، لتجفل فجأة بصوت طلق ناري، تنهى الأمر على الجانبين.
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وبداخل المشفى المتخصص ، كانت صرخاته تصل لاخر الرواق، رغم اصابة رأسه التي التفت بالأربطة الطبية.
- يعني ايه محدش لاجيها؟ هي ايه فص ملح وداب يا حامد؟
زفر المذكور يجيب بسأم :
- هو دا اللي حاصل يا ضاحي، انا مسلط الرجالة تجلب عليها الدنيا ولحد دلوك ما حد جاب نتيجة، ابوها نفسه بيلف معانا ويدور عليها زي المجنون، ولسان حاله يتهمنا بوضوح اننا مخبيينها عنه.
صاح به بانفعال:
- هو كمان اللي بيتهم، دا بته من فجرها جالتهالي بخشمها، انا حطيتلك السم في الوكل. .
- بس هو مكانش سم، وانت شوفت بنفسك الدكتور لما جال انها مادة منوم بتأثير قوي، هي اللي خلتك تجع من طولك وتتصاب راسك، يعني هي كان كل غرضها انها تهرب منك وبس.
شدد حامد على الاخيرة ليزيد من حنق الاخر، والذي دمدم بغل:
- فاكرة نفسها خلصت مني، بكرة اجيبها تحت رجلي، وهتشوف بنفسك، البلد في يدي والمحافظة وكل المسؤولين، دا انا نائب مجلس.
قلب حامد عينيه بسأم، ليعقب بلوم:
- تاني برضو عايز تجبرها؟ ما انا جولتلك يا واد ابوي، مش كل حاجة تاجي بالشدة، دا غير ان الدنيا مفتوحة جدامك.
فهم ضاحي على مقصد اخيه، ليردف بتصميم:
- حتى لو كانت مفتوحة جدامي، برضو مش هحلها، ولا هخلي حد يشيل عيالي غيرها.
- انت حر.
غمغم بها حامد ينهي الجدال العقيم، ليطرق احد الرجال على باب الغرفة، ثم يدلف بعد ان يأذن له بالدخول، فتقدم نحو حامد يحمل كيس بلاستيكي، اخرج منه شال اسود وخف منزلي، ليهتف ضاحي بانتباه:
- دا شبشب زينب وشالها، لجيتهم فين يا واد .
اجابه الشاب على الفور:
- جماعة مزارعين، طار عليهم الشال من فوج التلة، ولما طلعوا لجيو الشبشب ، واثر زحف لجسم كبير على التراب، ولما سألوا وانتشر الخبر راح رجالتنا مع مطاوع الجفاص اللي جعد يصرخ ويجول دي حاجة بتي، ومرته عاملة جنازة في بيتهم دلوك.
صاح به ضاحي بنفاذ صبر:
- يعني ايه يا واد انت ؟ انا مش فاهم .
خرجت اجابة الرجل بأسف امام ترقب الرجلان:
- يعني الخبر اللي شايع دلوك في البلد، هي ان الست زينب طلعت التلة والديب جرها وكلها زي المرحومة اختها.
- بتجول ايه يا زفت الطين انت؟
ردد بها ضاحي بأعين جاحظة بالذهول وعدم تصديق، ليحسم حامد الجدل بقوله:
- روح ياض وجمع من الرجالة على كد ما تجدر، تجلبوا التلة من الجهتين وتدورو على اي اثر ليها متهمدوش.
❈-❈-❈
بعد شهر من البحث المضني وتناقل الاقأويل وتأولها والاشاعات العديدة ، حتى تيقن الجميع ان مصير زينب ببطن الذئب، كما حدث لشقيقتها قديما، لتتجدد احزان العائلة الملكومة وقد اصبحت محط انظار الجميع، مع افتقادهم لزوج من البنات وبنفس النهاية، الأولى هي الطفلة مريم والثانية هي العروس الجميلة زينب ، والتي كانت محط حسد الجميع بزواجها بسيادة النائب ابن العائلة الكريمة، والذي لم يتواني حتى الاَن في البحث خارج وداخل البلدة .
اما مطاوع، والذي فقد الاحساس بكل شيء من حوله مع تجدد الحزن، فقد انتفض اخيرا من كبوته، ليتحرك ويذهب بنفس الطريق الذي ذهب به منذ عدة سنوات، كي يبحث في الجهة الوحيدة المتبقية الاَن.
توقف في نفس النقطة التي وقف سابقًا، ليفاجأ بسيارة تقترب منه لنقله وكأنها كانت في انتظاره.
سارت به بعد ذلك لتقف بجوار نفس المنزل الذي دخله سابقًا في هذه الواحة.
- يا اهلا بيك يا حج مطاوع ، نورت الواحة .
هتف بها الشيخ ذو اللحية البيضاء، بترحاب مبالغ فيه ، قابله مطاوع بكل مودة ، وقبل ان يفتر فاهه، يشرع بالسؤال الملح، كان الشيح نعمان هو الاسبق.
- روح مع الرجال وهو راح يوصلك ويجيب على سؤالك.
بالفعل تحرك مطاوع بعدم فهم، يتبع الرجل حتى توقف به امام فصل مدرسة اهلية، اطفال يستمعون لشرح المعلمة بتركيز، والتي عرفها مطاوع من ظهرها، حتى كاد ان يسقط بقدميه على الأرض لرؤيتها، لولا ذراعي الرجل البدوي، الذي أسنده بدعم، قبل ان تلتفت اليه المرأة متمتمة بدموع :
- أبوى.
بعد قليل، وبعد أن استوعب مطاوع المفاجأة، كان النقاش الدائر بينه وبين ابنته، بعدما حكت له عن كل ما حدث، وكيف تم انقاذها وقتل الذئب من قبل رجال الواحة التي كانت تمر بالصدفة بسيارتهم في هذا الوقت:
- ليه مبلغتيش حد فينا؟ هان عليكي امك وابوكي يا زينب؟
رددت بتأثر:
- عمركم يا بوي ما تهونوا علي، بس انا كان ليا ظرفي اللي انت عارفه زين، ضاحي لو شم خبر بس هيجلب الدنيا فوق راسي وراسك، وانا ما صدجت اخلص منه .
عبس والدها بجمود معقبًا:
- ويعني دلوك هيسيبك؟ ما انتي لساتك على زمته، بس يشم خبر بوجودك هيطربجها وهيرجعك تاني ليه.
- ومين هيسيبه؟
هتف بها الشيخ المسن وهو يلج بداخل الغرفة الفسيحة، لينضم معهما في النقاش متابعًا:
- متأخذناش يا حج مطاوع، بس انت عارفنا وعارف طبعنا، زينب استجارت بينا، واحنا لا يمكن نخذلها، هنجف في ضهرها لحد ما نطلجها منه، ولو رجال بصحيح يورينا هيقدر يعمل ايه معانا واحنا جبيلة تسد عين الشمس.
بملامح متجهمة، صار يتطلع اليهما بعدم رضا ، ليتسائل بحيرة :
- وليه تدخل نفسك في مشاكل يا حج نعمان انت في غني عنها، والاهم من دا كله، عرفتوا تنجدوا زينب ازاي من انياب الديب؟
جاءه الرد من زينب بنبرة لائمة:
- نفس ما عملوا ما اختي يا بوي، مش برضك الشيخ نعمان حكالك زمان عن مريم وكيف لجيوها في الصحرا بعد ما تاهت في الجهة التانية من التلة وهي بتدور على حد ينجد اختها الغمرانة........
قالت الأخيرة وأصبحت تبكي بحرقة، وتردد بصوت مبحوح:
- ليه خبيت عني يا بوي وسيبتني اعيش واتعذب بذنبها، خليتني افتكر ان الديب كلها ، والحقيقة انها ماتت من السخونة والدور اللي صابها من برد الصحرا، زينب اللي اعرفها ضاعت بسبب الذنب ده يا بوي، ليه خبيت عني حرام عليك .
امتقعت ملامح مطاوع بغضب واسف، ليرد بدفاعية:
- انا معرفتش غير بعديها بسنة واسألي الشيخ نعمان ، كان هيبجى فايدته ايه الكلام ، ما في الحالتين ماتت.
تدخل الشيخ نعمان يدلي بدلوه:
- معلش يا بنتي، يمكن ابوكي ما انتبهش عليها دي، واحنا كمان كان لازم ندور اكتر على اهل مريم، انشغلنا في تعبها وكان همنا نعالجها، لكن ربنا خد أمانته جبل ما نعرف ولا نوصل لابوكي، نصيب .
التقطت زينب الاخيرة لتكفكف دمعاتها، ثم تردد بتصميم؛
- وعشان هو نصيب، انا بجى متمسكة بالفرصة يا شيخ نعمان، ابوي حن عليك ما تخبر حد بمكاني ولا اني عايشة اصلا، لحد ما ياجي الميعاد المناسب، واظهر للناس عشان اطلق من ضاحي، انا عارفة زين انه ممكن يرجعني بمركزه، ولا سلطة اخوه المسيطر على بلدنا والبلاد اللي جمبينا، وعشان كمان تبجى انت في مأمن منهم.
والدها لم يكن غبيا حتى لا يفهم مقصدها ، لذلك عبر على الفور بما يدور برأسه :
- يعني انتي لقيتي السند اللي يحميكي ويساندك ضد ضاحي ، ماشي يا زينب.
نهض مغمغما قبل ان يستأذن للمغادرة:
- هعمل المطلوب ومش هتكلم، على الله ربنا ينصرك، ومدوريش بعد كدة على سند تاني، غير ابوكي واهل الواحة.
غادر مطاوع لتقف به السيارة في نفس النقطة التي أخذ منها، وعاد ادراجه سيرًا على الاقدام، حتى تفاجأ بسيارة اخرى تعترض طريقه، ثم خرج منها الداهية الأكبر كما يلقبه دائما مطاوع ، بهيبته الطاغية ونظراته الحادة كالصقر، يبادره الحديث :
- عامل ايه يا عم مطاوع؟ وراجع من فين كدة في عز الجيالة والدنيا الحر.
- انا زين وعال العال يا حامد بيه، ولو على السؤال، انا راجع من الجبل ، كنت بدور كالعادة يمكن الاجي أثر.
تمتم بها مطاوع ردا له، ليزوم حامد، يهرش بسبابته على طرف ذقنه، فيسأله مباشرة:
- وعلى كدة بجى ملجيتش حاجة تدلك ولا تعرفك ان كانت عايشة ولا ميتة؟
صمت مطاوع لحظات يطالعه بنظرات اختلطت ما بين الشك والريبة ، قبل ان يجيبه اخيرًا :
- لا طبعا يا حامد بيه، شكل كدة زي الكل ما خمن، ان اللي حصل مع مريم هو نفس اللي حصل مع زينب، كلها الديب هي التانية....... عن اذنك بجى.
انصرف من أمامه لينظر في اثره حامد ويظل محتفظًا بملامحه الجادة الحازمة، ثم ترتخي رويدا رويدا حتى تبزغ ابتسامة صافية، ابتسامة غير مفهومة، ابتسامة ذئب .
ليتناول هاتفه يضغط على رقم يعرفه، وفور ان وصله الرد تتمتم قائلًا:
- ايوة يا شيخ نعمان انا معاك.
...... تمت.........
تفتكروا ايه علاقة حامد بالشيخ نعمان؟
طيب مصير زينب هيبقى مع مين؟ هتطلق ولا هيرجعها ضاحي تاني ليه؟
تتوقعوا هتفرح ولا هتعيش طول عمرها في الحزن.