رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم منال سالم
رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39
رواية فوق جبال الهوان الفصل التاسع والثلاثون 39
في حالة ما بين الحياة والموت تم نقله إلى أقرب مشفى حكومي، احتجز بغرفة الطوارئ لإجراءات المطلوب من أجل إنقاذه، لينقل بعد ذلك إلى الرعاية الحرجة، وسط استجوابات ملحة لأتباع "العرباني" الذين ادعو بالكذب أنهم وجدوه ملقى على الطريق بعدما هجم عليه اللصوص لسرقة. رواية دارجة، متداولة على الألسن، يسهل تصديقها، وتُبعد الشبهات عن رب عملهم.
ما لم يتم وضعه في الحسبان هي المراقبة الحثيثة لأحد رجال "الهجام" لهم، كان جيدًا في التواري عن الأنظار، واستطاع بخفةٍ أن يتسلل إلى داخل المشفى، وباستخدامه لحافز المال تمكن من الحصول على معلومات مفيدة، وفي الحال أرسلها إلى "عباس".
بأعجوبةٍ تمكن "زهير" من ضبط انفعالاته، والظهور بمظهر المسيطر على الأمور حفظًا لماء وجهه أمام من جاءوا لتقديم المساعدة، بمجرد أن صرفه انطلق تجاه سيارته ليقودها إلى المشفى بعدما صرف غالبية أتباعه لئلا يثير الضجة حوله، وجه أمره إلى "عباس" وقد قست تعابيره للغاية:
-عايزك تعملي حوار في المستشفى، تمويه لحد ما أخلص زيارتي.
أومأ برأسه مؤكدًا استجابته لرغبته:
-عامل حسابي...
ثم أخرج هاتفه من جيبه مكملًا بابتسامةٍ شبه مغترة:
-وحتى كاميرات المراقبة، عندي اللي يولــع في أم اللي حاطينها.
علق عليه "زهير" باقتضابٍ:
-كويس.
ليشرد بعدها في الطريق مدمدمًا بوعدٍ قاطع وهو يكز على أسنانه:
-فكره إنه خلاها تعرف تفلت من إيدي، غلطان، ومايعرفش أنا مين! وأقدر أعمل إيه!
عاود النظر جانبه عندما تحدث إليه "عباس" وهو يمد يده ببطاقة بلاستيكية تحمل هويةٍ مزيفة لضابط شرطة:
-اتفضل يا ريسنا، الكارنيه المضروب.
التقطه بإصبعيه، ووضعه في جيب قميصه الأمامي معلقًا:
-زي الفل، بينفع في الحاجات دي.
أكد له بما لا يدع مجالًا للشك في قدراته على الاستعانة بأمهر محترفي التزوير في الأوراق الرسمية:
-أومال، ده مخدوم، محدش سهل يقفشه.
قال في شيءٍ من التحدي:
-أما نشوف.
..........................................
في ذلك المكان المتواضع، عتيق الأثاث، قديم الطلاء، والمخصص لاستقبال الزائرين من ذوي الدخل المتوسط، تحدث "وهدان" إلى الموظف المتواجد في منطقة الاستقبال -فيما تشبه الصالة الواسعة- عن ضيوفه الذين جاءوا معه، وطلب منه توفير غرفة خاصة لهن، كان ممتنًا لكونهن يملكن هوياتهن الخاصة، وإلا لتعذر عليه تسجيل بياناتهن مثل بقية النزلاء بالبنسيون.
بعد برهةٍ، كن يجلسن معًا في غرفتهن، فاستطردت "دليلة" متسائلة، وهي تزيح الستار قليلًا لتنظر إلى الطريق وتتفقد المارة، فلا زالت نزعة الشك والاسترابة مسيطرة عليها:
-احنا إزاي وافقنا نيجي مع حد منعرفوش؟
ركزت "إيمان" عينيها عليها قبل أن تجيبها بمنطقيةٍ:
-يعني كنا هنعمل إيه ولا نتصرف إزاي وسط العالم اللي معندهاش رحمة.
جاء ردها مثيرًا للمزيد من القلق:
-وهو ده اللي نعرفه؟
تنهدت قائلة وهي تهز كتفيها:
-على الأقل أدينا مداريين لحد ما نطمن على ابن عمنا.
فيما تساءلت "عيشة" بتوجسٍ:
-صحيح يا بنات، هنطمن عليه إزاي؟ ده احنا سايبينه يا كبدي سايح في دمـــه
التفتت "إيمان" ناظرة إلى والدتها الجالسة بجوارها على طرف الفراش، وحادثتها في تخوفٍ:
-لسه مش عارفة، وخايفة أطلبه ألاقي حد تاني يرد عليا.
تفهمت طبيعة مخاوفها، وشددت عليها:
-طب استني جايز هو يكلمنا.
أومأت برأسها قائلة في طاعة:
-حاضر يا ماما.
انتفضت "دليلة" خوفًا وراح قلبها يدق بقوةٍ عندما سمعت صوت الطرقات على الباب، إلا أن توترها خبا سريعًا مثلما اندلع حينما سمعت صوت "وهدان" المألوف يقول من الخارج:
-أنا جبت الوكل يا هوانم.
في التو وجهت "عيشة" أمرها إلى ابنتها البكرية وهي تلكز منبت كتفها بخفةٍ:
-قومي يا "إيمان" افتحيله أوام.
استجابت لأمرها، ونهضت من موضع جلوسها قائلة:
-طيب.
سارت بخطواتٍ متعجلة نحو الباب، حركت المفتاح في قفله لتفتحه بعدما أوصدته به، وكأنها تزيد بذلك من إجراءات الحماية والتأمين الروتينية. استقبلت "وهدان" بابتسامةٍ لطيفة، وأخذت منه الكيس البلاستيكي المملوء بعلب الطعام المغلفة، ثم خاطبته في امتنانٍ:
-شكرًا يا عمدة، تعبناك معانا.
مرر نظراته سريعًا على ثلاثتهن، وكأن الأمر قد جاءه لتفقدهن دون إشعارهن بذلك، ليرد بعدها وقد خفض بصره:
-ده إنتو أمانة في رجبتي.
هذه المرة تكلمت "عيشة" وقد لحقت بابنتها لتستقبله:
-تسلم وتعيش.
أضاف وقد استعد للمغادرة:
-لو في أي حاجة نجصاكم ازعطوا عليا، أنا جاعد برا.
ردت عليه بإيجازٍ:
-ماشي، كتر خيرك.
بمجرد أن ابتعد عاودت "إيمان" غلق الباب بالمفتاح، وناولت كيس الطعام لأمها التي راحت تفرغ ما فيه لتوزعه بينها وبين ابنتيها.
.......................................
طنين الأجهزة الموصولة به كان مسموعًا لكل من يمرق عبر الرواق المؤدي إلى غرفة الرعاية الحرجة. تفقدت الممرضة "فارس" الغائب عن الوهي باهتمامٍ قبل أن تخبر زميلتها في لهجةٍ جادة وصارمة وهي تعيد وصل المحلول بالإبرة الموضوعة في رسغه:
-تابعي حالته كل شوية، دكتور "مجدي" هيفوت عليه لما يخلص العملية اللي في إيده.
هزت رأسها مرددة:
-ماشي.
قبل أن تنصرف استوقفتها زميلتها متسائلة في شيءٍ من الفضول:
-هو مافيش حد من أهل المريض جه ولا سأل عليه؟
أجابتها وهي تواصل سيرها نحو الخارج:
-معرفش حاجة بصراحة، كل اللي اتقالي إنه ناس لاقوه في الشارع، وبطاقته وتليفونه متسابين في الأمانات.
تبعتها زميلتها قائلة في نبرة متعاطفة:
-شكله ابن ناس ومحترم، مسير حد يسأل عليه.
أخبرتها بقليلٍ من الشعور بالأسى تجاه من هو على شاكلته:
-هما ولاد الحـــرام بيميزوا ده ابن ناس ولا لأ؟ أهوو اللي بيقع تحت إيدهم بيخلصوا عليه!
راحت تتضرع زميلتها للمولى في رجاءٍ:
-ربنا يسترها علينا.
كان يقف بالخارج متربصًا ومترصدًا لكل حركة قريبة من غرفة أكثر من يبغض حاليًا، تحين فرصة خلوها من الطاقم الطبي ليتسلل إلى الداخل وهو يخفي وجهه وراء قناع طبي. أعطى إشارته لتابعه لينفذ مخططته في إحداث الفوضى بمنطقة العيادات الخارجية الملحقة بالمشفى، ليجبر كافة العاملين على ترك عملهم، والهروب من دائرة الخطر، فينشغل الأمن والبقية بتفريق الجموع وتشتيت الأشخاص المتناحرين.
وقف "زهير" على رأس فراش "فارس" يطالعه بنظرات نارية، لا تنوي أي خيرٍ على الإطلاق، تقدم ناحيته ببطءٍ وهو يتعمد الضغط على موضع الألم في جسده ليجبره على الاستفاقة، فتجاوب جسد الأخير مع المحفزات الموجعة ليفتح عينيه بوهنٍ، قبل أن يزداد اتساعهما لتعرفه عليه برغم تخبئته لملامحه، انتفض هاتفًا في استنكارٍ كبير رغم حشرجة صوته وضعفه:
-إنت ..دخلت هنا إزاي؟
في غرورٍ مغيظ أجابه:
-مافيش حاجة تستعصى عليا!
لينحني بعدها عليه، ويقبض على عنقه قاصدًا خنقه وهو يسأله بلا تمهيدٍ:
-وديتها فين؟
رغمًا عنه التصق بالسرير بسبب قوته التي تفوقه حاليًا، ومع ذلك تحداه في جراءة واضحة:
-مش هتقدر توصلها.
استفزته ما اعتبرها شجاعته المتهورة، وأخذ يهدده بغلظةٍ:
-روحك في إيدي يا (...)، أحسنلك تتكلم!
استمر على ثباته في مواجهته قائلًا بالرغم من انحباس صوته، وتقطــع أنفاسه:
-ما ياخد ..الروح.. إلا اللي خلقها.
استشاط حنقًا من عدم مبالاته، فزاد من ضغطه على رقبته لتختنق أنفاسه وهو يكلمه بفحيحٍ:
-يبقى إنت اللي حكمت على نفسك بالمــوت.
رغم الوهن العظيم المسيطر على كل ذرة في جسده، إلا أنه تحلى بالشجاعة لمواجهته حتى الرمق الأخير:
-ولا فــارق معايا.
أخرج الوحــش الكامن من قمقمه، فأصبح "زهير" مغيبًا، تستحوذ عليه رغبته العمياء في الانتقـــام الدمـــوي من كل من تسول له نفسه معارضته، أو الوقوف في وجهه، وأخذ ما يملك قسرًا، فأقسم ألا تأخذه به شفقة.
..........................................
في تلك الأثناء، كانت الممرضة قريبة من الغرفة، فلفت نظرها وهي تتطلع بشكلٍ عابر لنافذته من الممر وجود أحدهم بها، أمعنت النظر بتدقيقٍ أكبر، فبدا كما لو كان يهاجم مريضها الضعيف، لم تتردد للحظةٍ، واقتحمت الحجرة صارخة في انفعالٍ:
-إنت بتعمل إيه عندك؟
لم يمهلها الفرصة لطلب النجدة أو الاستغاثة بأحدهم، حيث أخرج مســدسه من جرابه ليصوبه نحوها، ثم ضغط على الزناد، فأرداها قتــيلة في الحال، ليرتد جسدها للخلف وترتطم بالمعدات الطبية، قبل أن تسقط غارقة في دمائها.
صعق "فارس" من ردة فعله غير الرحيمة، وحاول جاهدًا مقاومته، إلا أنه تلقى رصـــاصة في رأسه جعلته يلقى حتفه هو الآخر، وتمــوت معه آماله، وأحلامه، وتطلعاته.
أعاد "زهير" وضع ســـلاحــه النـــاري في جرابه، وضبط من هيئته التي لم تعد مرتبة بعد اشتباكه القصير، تأكد من تغطية وجهه جيدًا، ثم تحرك نحو الخارج وهو يغلي غضبًا لأنه لم يظفر بما جاء من أجله.
.........................................
انحنى على مقدمة سيارته ليتفقد المحرك بعدما أعاد ملء خزان الوقود على آخره ليكفي مسافة الطريق الطويلة طوال رحلة العودة إلى بلدته القاصية، فيما وقف إلى جواره تابعه "وهدان"، واستخدم طرف وشاحه ليمسح تلك البقعة المتسخة عن الزجاج الأمامي، واستطرد يستفهم منه بشيءٍ من التخبط والحيرة:
-متأخذنيش يا بيه، بس احنا مالنا ومال حوارات حريم بحري دول؟!
في رنة معاتبة غليظة وجه "غيث" سؤاله إليه، وهذه النظرة المحتدمة تنبعث من عينيه:
-ومن ميتى مابنجفش مع الحق يا "وهدان"؟
في التو برر له سبب استفساره:
-ماجصدش يا كبير، بس احنا ورانا مصالح، والمفروض نكون عاودنا البلد دلوجيت.
أكد له بعدما تراجع للخلف ليضع غطاء السيارة الأمامي في موضعه:
-وده اللي هيُحصل...
ثم نفض كفيه معًا، وأمره بنبرته التي لا ترد:
-فوت على الحريم جولهم يجهزوا، هيدلوا معانا البلد.
تدلى فكه للأسفل مرددًا في دهشة متعاظمة:
-وه!!
هدر به بغير ممازحة:
-اللي سمعته، فوت أوام.
أطاعه صاغرًا رغم علامات التبرم التي تكسو تعابيره:
-حاضر يا بيه.
.........................................
لبى أمره، واتجه إلى غرفتهن بداخل البنسيون ليخبرهن بما قرره "غيث" نيابة عنهن، فرفضت "دليلة" بشكلٍ قاطع الانصياع له، بل بدت متشددة على الأخير مع "وهدان" وصرفته من المكان وهو في قمة انزعاجه من ردها لمطلب رئيسه.
ذرعت الغرفة جيئة وذهابًا في حركات متكررة وعصبية، وهتفت في إنكارٍ مستاء مستخدمة يدها في التلويح:
-بلد إيه دي اللي نروحها معاه؟ هو احنا نعرفه أصلًا؟ ده باينه مجنون!!
لم تكن والدتها أو حتى شقيقتها معترضتين على ذلك الرفض، فليس من اللائق إثقال كاهل الغريب بشئونهن. اقترحت "إيمان" بعد تفكيرٍ سريع:
-احنا نبعت العمدة ده يسألنا عن "فارس" عند الراجل اللي كنا موجودين عنده الصبح، وأكيد هيوصلونا بيه.
لتتدخل والدتهما قائلة بجديةٍ:
-طب ما الأحسن بدل الدوخة دي تطلبيه على طول، جايز يرد عليكي، أنا قلبي متوغوش عليه من بدري.
استحسنت رأيها، وأيدته:
-ماشي يا ماما، هجرب.
لتمسك بهاتفها بعدها وتحاول إجراء تلك المكالمة، ليأتيها الرد المسجل والمحفوظ عن ظهر قلب بأن الهاتف مغلق أو غير متاح. ألحت "عيشة" في سؤالها:
-ها، في أخبار؟
قالت وقد انعكست الخيبة على وجهها:
-التليفون مقفول.
لتصبح والدتها أكثر ارتيابًا، فهتفت وهي تضرب بكفيها على فخذيها:
-كده أنا قلقت بزيادة عليه، ربنا يسترها ويسمعنا خير.
تنبه ثلاثتهن لصوت الطرقات القوية على باب الغرفة، أتبعها صوت "غيث" الصائح:
-يا رب يا ساتر.
من فورها نهضت "عيشة" لملاقاته، رحبت به قائلة بوديةٍ:
-اتفضل يا حضرت.
خفض من بصره متحاشيًا النظر نحوهن، وتابع في لهجة تعبر عن انزعاجه:
-لا مؤاخذة يا هوانم، "وهدان" جالي إنكم ماعوزينش تاجوا معايا البلد.
حاولت "عيشة" أن تبدو مهذبة معه وهي تبدي اعتذارها له:
-كتر خيرك يا عمدة، إنت عملت اللي عليك وزيادة، وده ما يطلعش إلا من ولاد الأصول، وكفاية إننا دوشينك معانا من طالعة النهار، احنا هنستنى "فارس" هنا، وإنت تقدر ترجع لبلدك تشوف حالك.
خاطبها في تصميمٍ معاند:
-يا حاجة ماينفعش أمشي وأهملكم إكده لحالكم، واد الحـــرام إياه مش هيفوتكم، وتانه وراكم لحد ما يوصلكم.
ردت عليه بعدة تنهيدة متعبة:
-ربنا مع المنكسرين جابر.
أصر عليها بمزيدٍ من الإلحاح:
-ونعمة بالله، بس ربنا أمرنا ناخدوا بالأسباب، والمثل بيجول حرص ولا تخون، فإنتو ضيوفي لحد ما أسلم الأمانة لصاحبها.
ضجرت "دليلة" من مبالغته غير المعقولة في رأيه، فسارت ناحيته لتقف بجوار والدتها، وخاطبته في لهجة رسمية توحي بالاستقلالية:
-متشكرين يا حضرت، احنا مسئولين عن نفسنا.
رفع بصره، واختطف نظرة سريعة تجاهها، قبل أن يوليها ظهره، وكأنه يتجاهلها متعمدًا، ليوجه حديثه إلى والدتها بكلمةٍ لا رجعة فيها:
-إمعاكي يا حاجة ربع ساعة تكونوا ظبطتوا حالكم، وأني هطلع أخدكم، عن إذنك.
ثم انصرف بعدها بخطوات متعجلة، لتفتح "دليلة" فمها أولًا في دهشةٍ، قبل أن تتحول في طرفة عينٍ إلى الغيظ الشديد من تصرفه الفظ معها، حيث راحت تصيح في حدةٍ، وبنبرة قصدت أن تكون عالية حتى تصله:
-هو عامل مش سامعني ولا إيه؟ ولا أنا شفافة قصاده؟
ردت عليها "عيشة" بتحيزٍ، وكأنها تتخذ صفه:
-خلاص يا "دليلة"، الراجل مغلطش، وغرضه يساعدنا إكمنه شايفنا ستات لواحدنا.
بينما همهمت "إيمان" في شيءٍ من السخرية المريرة:
-راجل عنده نخوة بصحيح، مش زي القُلة اللي كنت متجوزاه.
فيما ظلت "دليلة" على رفضها قائلة:
-بس احنا مانعرفوش برضوه، والله أعلم ممكن يعمل فينا إيه!
ليأتي تعليق "إيمان" واقعيًا، ويحمل التحذير في طياته:
-مش هيكون أسوأ من البلطجي اللي وقع في قرعتك.
استاءت من وصفها الأخير، وهتفت في تبرمٍ:
-بس بقى مش ناقصة تريقة.
تابعت "عيشة" ما يدور بين الشقيقتين من شدٍ وجذبٍ عادي في مثل تلك المواقف، فقامت بإنهائه على الفور بقولها الحاسم:
-بقولكم إيه احنا معندناش حل تاني، لا فيه فلوس معانا، ولا عارفين حتى مكان المطرح اللي المفروض نسكن فيه، فخلونا مع الجدع ده مؤقتًا لحد ما نوصل لـ "فارس"، وبعد كده ربنا يدبرها من عنده.
لم تملك "إيمان" من الطاقة ما يجعلها تتجادل في هذا الشأن، لذلك رضخت لما هو متاح، وقالت مخاطبة شقيقتها:
-خلاص يا "دليلة" مش وقت عناد.
اتجهت الأخيرة بخطواتٍ متعصبة نحو النافذة لتقول في تذمرٍ وهي تكتف ساعديها أمام صدرها:
-ماشي، براحتكم، بس ما ترجعوش تندموا.
وكأنها لم تقل شيئًا من الأساس، لتملي والدتها أوامرها مجددًا:
-مش ناقصة خوتة، ظبطوا حالكم علشان نمشي.
........................................
انتشرت أخبار اندلاع الحريق المؤسف في غرفة المراقبة والتحكم بالمشفى التي من المفترض أن يكون "فارس" محتجزًا بها كالنار في الهشيم، وما تبع ذلك من شجارات عنيـــفة بداخل العيــادات الخارجية، لتزداد الأخبار سخـــونة بوقوع جريمتي قـــتل في غرفة الرعاية الحرجة، وتكون الصدمة الأكثر تأثيرًا هو التأكد من كونه الضحية، بجانب ممرضة مسكينة لا ناقة لها ولا جمل تصادف وجودها معه، فقضيت نحبها في هذا الصــراع المؤسف.
بكى "وهبة" رحيله الغـــادر بحزنٍ جلي وحقيقي، ووقف وسط رجاله يردد:
-الله يرحمك يا "فارس"، إيد واد الحـــرام النجــــسة طالتك، وأني معرفتش أدافع عنك.
كفكف دمعه بظهر كفه، وراح يتعهد لنفسه:
-إن شاءالله ربنا هيقدرني وأحفظ الأمانة اللي وصتني بيها.
لتصير نبرته أكثر قتامة، بجانب ملامحه، عندما أطلق وعده الذي لا يُرد:
-قسمًا بالله ما هيطول من اللي يخصك شعرة، حتى لو جبنا عاليها واطيها .................................. !!!
......................................................................