رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير بقلم نور الشامي
رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير هي رواية من كتابة نور الشامي رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير
رواية من نسل الهيبة من الفصل الاول للاخير
" القدر مش موافق... الكون مش سامح... ربنا مش رايد "
ترددت هذه الجملة في ذهنها كصدى بعيد، كأنها تخرج من شاشة قديمة يعمها الغبار... كانت قد سمعتها في أحد الأفلام المصرية يوماً ما ولم تكن تدري أنها ستراها يوما مرآة لحقيقتها..
تمدّدت على سرير المستشفى بفستان زفافها الأبيض، الباهت تحت أضواء النيون الباردة ووجهها شاحب يتأمل السقف كأنها تبحث فيه عن علامة عن إجابة، عن رحمه... كانت الغرفة مليئة بالناس... رجالًا ونساء، وكان الجميع في حالة من التوتر والغضب واصواتهم تتعالى، والجميع يتبادل النظرات المشحونة بالألم والغضب وفجأة، قطع صمت الغرفة صوت جدها، الذي اعتاد أن يكون صاحب القرار في العائلة. وهتف بصوت مرتفع:
ابعتوا هاتوا صخر والمأذون.. دلوجتي حالا
تجمدت قدر في مكانها ولم تصدق ما سمعته، إذ أن صخر هو ابن عمها الذي لم تره منذ سنوات عديدة. ولكن تلك السنين الطويلة لم تنسها ملامحه، ولم تُبعده عن تفكيرها أبدا
وركزت قدر على هذه الكلمة وكأنها رنّت في أذنيها كـ قنبلة انفجرت في داخلها. كانت تلك أول مرة تسمع فيها اسم صخر منذ أن كانا صغارًا حتي قاطع شرودها صوت الجد مرة أخرى، قائلاً بقوة:
هتتجوز صخر... وكفاية علينا فضايح اكده، يا هتتجوزه يا جسما بالله العظيم هجتلها مش علي اخر الزمن بنت زي دي تجيب لعيله الصعيدي العار والفضايج
في تلك اللحظة قامت إحدى السيدات في الغرفة واقتربت منه مردده بتوسل:
بلاش صخر بالله عليك يا حج...ابوس يدك بلاش صخر . ده لو عرف ال حوصل الدنبا هيخرب الدنيا كلها
نظر الجد اليهة بغضب وردد:
تختار.. يا تتجوز صخر يا تتجتل.. ويلا.. كلنا هنخرج ويسيبوها تفكر مع نفسها يا الجواز يا الموت
تمام يا نور، زودت السرد شوية علشان نعطي للمشهد نفسًا أوسع وإحساس أعمق، وطوّلت الحوار كمان علشان يظهر انهيار قدر واحتواء يمنى بشكل حقيقي ومؤثر:
خرج الجميع من الغرفة وأُغلِقوا الباب خلفهم كأنهم أغلقوا عليها العالم بأسره..و خيم الصمت الثقيل على المكان، وتسللت برودة الوحدة إلى جسدها فـ نظرت إلى ذراعها، إلى الإبرة المغروسة فيها ثم نزعتها بعنف، فاندفعت قطرة دم صغيرة، لكنها لم تكترث. الألم الحقيقي لم يكن في ذراعها، بل في قلبها الذي ينزف وتأرجحت على قدميها، و دموعها تسيل بلا هوادة، وصدرها يعلو ويهبط كأنها تغرق. لحظة واحدة فقط كانت كفيلة بقلب كل شيء رأسًا على عقب.وانفتح الباب فجأة، ودخلت يمنى ابنه خالتها، ووجهها مشوّه بالقلق و ما إن وقعت عيناها على قدر حتى اندفعت نحوها بسرعة، واحتضنتها بقوه مردده:
قدر... يا حبيبتي اهدي... أنا جيت اهه أنا معاكي متخافيش مش هسيبك والله.. بس اهدي بالله عليكي.. اي الحاله ال انتي فيها دي عاد
اقتربت قدر اكتؤ منها وانهارت في حضنها مردده'
راح فين سابني اكدن ؟! سابني في نص السكة؟! ازاي يعمل اكده يا يمنى أنا كنت مستنيه اللحظة دي من سنين... كنت فاكرة إننا هنكمل سوا، هنواجه الدنيا مع بعض... بس هو هرب... سابني لوحدي أتحط في الوحل.. ولاوفي دماغه اي ال هيوحصلي
يمنى وهي تمسح دموعها بلطف:
"متجوليش اكده يا قدر... يمكن حوصله حاجه... يمكن اتأخر بس.. او يمكن مثلا فيه اي حاجه.. هو اكيد مش هيعمل اكده
قدر وهي تهزّ رأسها بشدة وتهتف بعينين حمراء من الدموع:
اتأخر؟ اﭢاخر اي دا فرحه..هو عارف قد إي اليوم ده مهم بالنسبالي! ده وعدني جال إنه مش هيسيبني أبداً... أهو سابني وسايبني دلوجتي للناس دي يجطعوني بإيديهم
تنهد يمني وساعدتها لتجلس علي طرف الفرلش مردده:
ما هو أكيد في حاجه... يمكن أهله مثلا حد منهم حوصله حاجه او يمكن حد هدده... بس مينفعش نرميه كده من غير ما نعرف اي ال حوصله.. اصلا اهلك بيدوروا عليه لو لاجوه هيجتلوه من غير ما يفهموا اي ال حوصل حتي
انفجرت قدر في البكاء واردفت بانهيار:
هما بيجولوا هتجوز صخر... صخر يا يمنى! ال مشفتهوش من سنين! ال أنا أصلاً كنت بخاف منه وإحنا صغيرين... أنا مبحبوش... وعايزيني في نص ساعة أوافج وأبصم واتجوز
يمنى بحده:
مش هيوحصل طالما أنا معاكي مش هيوحصل... هنتكلم مع جدك.. هجوله إنك تعبانة، مش جاهزة، إنك محتاجة وجت.. اي حاجه
انهارت قد من جديد ودفنت وجهها في صدرها مردده :
هو مش هيسمع، هو جالها صريحة... يا الجواز يا الموت. وأنا... أنا مينفعش أتجوز غيره يا يمنى. أنا... مش سليمة... لو عرفوا... لو عرف صخر... لو عرف أي حد، هيجتلوني. والله هيجتلوني
وبعد دقائق ثقيلة، بدت وكأنها ساعات، وكل من بالخارج كانوا ينتظرون قرارها... الجميع التزموا الصمت احتراما لهيبة الجد إلا العيون كانت تتحرك بقلق بين الباب المغلق وساعتها التي لا ترحم. وفتح الباب فجأة، ودخل الجد يتقدم من معه بخطى صارمة، عيناه تلمعان بالغضب والقرار القاطع وخلفه رجال العائلة والنساء المتوترات لكن الصدمة ضربت الجميع دفعة واحدة. وهم يرون الغرفة... فارغة والسرير خالي و الغطاء مقلوب و زجاجة المحلول معلقة بلا جدوى وآثار قطرات دم جافة على الملاءة. فـ صرخت إحدى النساء بذهول:
راحت فين؟! كانت اهنيه من شوية! كانت موجوده اهنيه
انتفض الجد وصاح بصوت أجش كالرعد:
مش ممكن... دي مجنونة! هربت؟! هربت من الجواز.. جسما بالله ما هرحمهة
القي الجد كلماته وضرب بعصاه الأرض ثم التفت للحرس الواقفين على الباب ووجهه مشتعلاً بالغضب مرددا :
دوروا عليها في المستشفى كلها... في كل مكان ولو لاجتوها... يا تجيبوها حالاً... يا تريّحوني منها وتجتلوها مفيش بنت في العيلة دي تنزل راسنا وتفلت اكده... فاهمين؟!
تحرك الرجال كالعاصفة وعمّ الفزع المكان، وانهارت امرأة في الخلف وهي تهمس:
ربنا يستر عليكس يا قدر... يا ترى روحتي فين.. هي ذنبها اي بس ان عريسها هرب.. ذنبها اي... ربنا يسترها معاكي يا قدر
القت السيده كلماتها بخوف وفي مكان اخر كانت تركض قدر في الشارع بكل قوتها تفاديا للنظرات المتسائلة والهمسات التي تلاحقها في كل مكان وفستان الزفاف الأبيض كان يعيق حركتها لكنها لم تكترث كانت قدمها تتعثر على الأرصفة المبللة والناس في الشوارع يرمقونها بنظرات مشككة لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها. كانت هي الوحيدة التي ترى كل شيء كسراب، وكل شخص كظل في تلك اللحظة. تسابق خطواتها الزمن وهي تتنفس بصعوبة وفجأة، عبر الصوت القوي الذي كسر سكون المكان. كانت أصوات رجال حرس جدها تتعالى وقد التفوا حولها وأحاطوا بها من كل جانب واردف أحدهم بنبرة حادة:
يا ست هانم ... تعالي معانا علشان عندنا أوامر... يا نجيبك... يا نجتلك واحنا مش عايزين نعمل اكده.. تعالي معانا
سحبت قدر نفسها للخلف وحاولت الهرب بكل ما أوتيت من قوة لكنها وجدت نفسها محاصرة وقلبها ينبض بسرعة، ويديها ترتجفان من شدة الخوف كأن الموت يقترب منها كظل لا يرحم وقبل أن يصوب أحدهم سلاحه نحوها، دوت مكابح سيارة حادة ز توقفت بسرعة بالقرب منها، وخرج منها عدة رجال يرتدون ملابس أنيقة بينهم شاب ذو ملامح صارمة ونظارات سوداء رفعها بهدوء عن عينيه. فـ نظر الجميع نحو السيارة، ثم نحو الشاب الذي تقدم بخطوات ثابتة، يحيط به هالة من القوة والهيبة وتراجعت خطوات رجال الجد على الفور، ولم يعد أحد منهم يجرؤ على التحرك. فـ وقفت قدر في مكانها، قلبها يكاد يتوقف من الصدمة. كانت عيناها معلقتين على هذا الوجه الذي تعرفه جيدًا... الوجه الذي كان منذ سنوات في ذاكرتها، والآن أصبح أمامها كحلم قد تحول إلى واقع فـ همست بصوت ضعيف وفزع:
صخر؟!
توقفت السيارة أمام بيت كبير وفتح صخر الباب بعنف وهتف بحدة:
انزلي يلا.. كفايه اكده انزلي بدل جسما بالله ما انزلك بالعافيه
كانت قدر ما تزال تحت تأثير الصدمة و يداها ترتجفان ولم تستطع حتي علي الحركه فلم يمنحها وقتا للتفكير ومد يده إليها وجذبها من ذراعها بقوة وهبط بها من السيارة كأنها دمية لا حول لها ولا قوة فـ حاولت قدر التملص والصراخ لكنه لم يعطها فرصة وجرّها خلفه وسط ذهول المارة وهدير صوته يسبق خطاه مرددا :
كفاية بهدلة بجا لحد اكده ... الجوازة دي لازم توحصل النهارده غصب عن الكل يا جسما بالله العظيم هدفنك في ارضك ولا يهمني
القي صخر كلماته واندفع بها إلى داخل البيت وفتح الباب الكبير بقوة حتى ارتطم بالجدار فالتفتت العيون إليهما وكانت الوجوه مشدوهة والهمسات ترتفع... لكن صخر لم يلتفت لأحد ودخل ومعه قدر وسحبها إلى منتصف المجلس فنظر الجد، الذي كان على وشك أن يضربها بعصاه و انتفض واقفا وصاح:
كنتي فين يا بت انتي... كنتي فين؟ بتهربي...بجا دي اخرتها عريسك يهرب يوم الفرح وانتي عايزه تعملي زيه...بتعربي ليه يا بت انتي..اي ال حوصل بينكم علشان كل دا يوحصل والله لأربيكي
القي الجد كلماته ورفع يده ليصفعها لكن يد صخر امتدت بثبات وأمسكت يد الجد قبل أن تصل إلى وجهها مرددا بضيق:
لع يا جدي... من دلوجتي... أنا المسؤول عنها... ومحدش هيقرب منها طول ما أنا واجف.. دي هتبجي مرتي وانا مسمحش ان حد يمد ايده عليها حتي لو انت يا حج
سكن الجد لوهلة ثم نظر في عينيه كأنه يختبره... وبعد لحظة اردف بصوت غليظ:
طيب... وريني بجا هتعمل اي عاد
أشار صخر للمأذون الجالس في الركن بهدوء تام ثم دفع قدر لتجلس أمامه دون أن يترك يدها وهتف بلهجة صارمة لا تحتمل :
يلا يا شيخ... اكتب الكتاب خلينا نخلص بجا
رفعت قدر رأسها ببطء والدموع ما زالت في عينيها وصوتها خرج كهمس مبحوح:
لع... مش عايزة... ابوس يدك سيبني.. انا مش عايزه اتجوز.. سيبوني في حالي
انهت قدر كلماتها لكن لم يلتفت صخر اليها وكأن صوتها لا يعنيه.. فقط شدد قبضته على يدها أكثر وردد:
أنا جولت اكتب يا مولانا.. يلا
وفي مكان اخر في ليل هاد يلف سماء القاهرة والضوء الخافت من الأباجورة ينعكس على جدران الغرفة الواسعة و سرير فوضوي وسط الشقة كان "كريم" مستلقيا نصف عاري و صدره مكشوف والسيجارة مشتعلة بين أصابعه بينما كانت فتاة ترتدي قميصه تضحك بجواره وشعرها مبعثر وعيونها تلمع بخبث حتي استلقت على صدره مردده بنبره ساخره:
بتهرب تاني؟ مش هتبطل العادة دي؟ دي كانت ليلتك يا كريم فرحك.. ازاي تعمل كده يا ابني
ضحك كريم ضحكة قصيرة، ساخرة وغمز لها مرددا باستهزاء:
فرحي؟ أنا كنت في جنازتي يا روحي... الحمد لله إني نجيت من الفرح دا.. انا اصلا مش بتاع جواز ويوم ما اتجوز اروح اتجوز من الصعيد لا طبعا
هزت الفتاه رأسها بعدم تصديق مردفه :
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
دول صعايدة يا كريم.. لو أهلها عرفوا إنك هربت دول ممكن يدفنوك حي انت مش مستوعب ال عملته
نفث كرين دخان سيجارته لأعلى وصوته جاء واثقا وهتف :
محدش فيهم يقدر يعملي حاجة... ولا حتي جدها ال نافش ريشه دا أنا عارفهم كويس صيت من غير فعل وبعدين أنا مستحيل أتجوز واحدة حصل بيني وبينها ال حصل دا .. حتى لو كانت بالعافية خلاص مينفعش أبص في وشها.. البنت ال بتتجرّأ تتقرب من راجل قبل الجواز متستاهلش تبقى مراته
نظرت إليه الفتاة بدهشة مصحوبة بابتسامة ساخرة:
يعني أنت مش بس بتكسر القلوب... كمان بتدفنها وبعدين هو احنا هنضحك علي بعض يا كريم انا وانت عارفين كويس اي ال حصل بينكم بالظبط فبلاش تعمل فيها البريئ
ابتسم كريم بسخريه ومال عليها وقبّل جبينها بخفة مرددا :
– أنا بس بخلي ال حوليا يعرفوا حدودهم هي كانت شايفه نفسها عليا وانا اتصرفت وخلاص خلينا نقفل الموضوع دا ومركز في المهم
انهي كريم كلماته ثم سحب الغطاء على جسدهما وانطفأ الضوء وبعد فتره في بيت الصعيدي داخل غرفة صخر ليلا ساد الصمت الغرفة إلا من صوت بكاء قدر المكتوم وكانت تجلس على طرف السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وقد التصقت عيناها بالأرضية الخشبية كأنها تستجدي منها مهربا وفجأة، ارتفع صوت صخر كالصاعقة مرددا بغضب:
كفاية بجا... كفاية نكد.. هو اي انتي مش بتتعبي من العياط
استدارت قدر إليه ببطء وارتجفت من نبرته الغاضبة، لكنه لم يتوقف بل تقدم نحوها وهو يلوح بذراعه وهتف:
انتي لسه بتعيطي؟ بتعيطي على واحد هرب وسابك؟ على كلب؟! دا ميستاهلش حتى تفتكري اسمه. رايحه تختاري كلب وجايه دلوجتي تعيطي ليه.. انا مش عايز عياط.. كفايه بجا صدعتيني.. انتي جاعده تعيطي علي تفاهه وانا حياتي باظت بسببك... انتي عارفة أنا سيبت إي علشانك؟ سيبت شغلي،ط و حياتي وشركتي ومصنعي وكل اللي ليا هناك... وجيت أتجوزك علشان تصرفاتك السخيفة وقراراتك الغلط! علشان غلطة انتي عملتيها... غلطة اسمها "كريم" ال معرفش جبتيه من اي صندوج زباله ويوم ما أنزل الصعيد أنزل علشان واحدة زيك؟ واحدة ضعيفة... بس اصلا بكرهك طول عمري
رفعت قدر رأسها أخيرا وعيناها دامعتان وصوتها خرج هامسا لكنه مشبع بالخوف:
أنا مش ضعيفة ... بس أنا بخاف منك... بخاف من طريجتك، من عصبيتك سيبني في حالي انا مش عايزاك..مش عايزه اتجوزك.. أنا عايزة أروح أدور علي كريم... يمكن كان ليه سبب
وقف صخر فجأة وكأنها صفعت كبرياءه، وصاح بحدة:
أوعي... أوعي تجيبي اسمه تاني... الكلب دا مش عايز اسمه يتجال تاني علي لسانك بدل جسما بالله العظيم هجطلعلك لسانك من مكانه وعلي فكره انا هلاجيه... وهجتله... بإيدي بأيدي دي وبعدها هطلجك وارجع لحياتي تاني ولأمي واصحابي انا مش هسمح ان حياتي تدمر بسبب واحده تافهه زيك ياريت جدي كان جتلك وخلصنا منك
القي صخر كلماته وذهب صافعا الباب خلفه وفي يوم جديد، وعلى شاطئ الإسكندرية الممتد كانت نسائم البحر تداعب وجوه العابرين، إلا أن الغضب كان له رأي آخر في قلب ميّار ابنة خالة صخر التي كانت واقفة بجانب خالتها أم صخر غي شرفة منزل واسع يطل على البحر وعيناها تغليان بالدموع والغضب وهي تمسح وجهها بعنف تهتف بصوت مرتعش:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ـيعني اتجوز اكده بكل بساطة؟ وأنا آخر من يعلم؟! دا أنا وهو ازاي يعمل اكده من غير ما حتى يرجعلي؟
مددت خالته يدها تمسك بكفها برفق محاولة تهدئتها مردفه:
يا بنتي دي ظروف طارئة... الموضوع مش سهل ولا بسيط صدجيني صخر مجبور و...
قاطعتها ميار بانفعال شديد :
مجبور؟! دا حتى لو مجبور كان جالي وبعدين من امتي وصخر الصعيدي بيتجبر علي حاجه يا خالتي .. دا واعدني واعدني يا خالتي! وانا صدجته
زفرت تهاني ام صخر بحزن ومسحت على كتفها مردده:
انا عارفة إنه غلط... بس هو اتصرف حسب الموقف... وأهو لما يرجع هنطعد ونفهم كل حاجة سوا وبعدين متنسيش ان دول اهل ابوه يا ميار والمفروض يعمل واجبه ليهم يا بنتي
شهقت ميار بقهر ودموعها تنهال على خديها وهي تصرخ:
لع مش هستنى يرجع أنا رايحاله الصعيد... رايحة وأعرف منه بنفسي كل حاجة ومش هسكت.. مش هسكت يا خالتي كفايه بجا اكده
اقتربت تهاني منها أكثر تحاول تهدئتها مجددا ولكن فجأة توقفت ميار عن البكاء، وحدقت في خالتها بعينين مشتعلتين وصوتها خرج مزلزلاً وهي تصرخ:
يا خالتي إنتي ناسيه إني مرته و
وفي المساء عند يمني التي دخلت الي الغرفه لتطمئن على قدر ولكنها انصدمت عندما وجدتها ملقاة على الأرض مغشيا عليها فـ صرخت بفزع وهرعت إليها محاوله إيقاظها وبعد لحظات دخل الطبيب مسرعا وبدأ في فحصها بينما كان الجد يراقب بقلق مرددا:
ها يا حكيم... طمني بالله عليك البنت كويسه.. اي ال حوصلها فجأه اكده
ابتسم الطبيب وانتهي من الفحص مرددا :
متخافش اكده يا حج خليل الف مبروك هي حامل و
وفي مكان مظلم يشبه المخازن القديمة، كان الجو خانقا وحجم المكان ضيقا أضاءته خافتة فقط من ضوء شاحب ينبعث من نوافذ صغيرة مغلقة و كان كريم جالسا على الأرض مربوطا بإحكام على أحد الأعمدة الحديدية ووجهه مغطى بالكدمات والجروح التي تنزف بلون داكن... كان يرتجف من الألم، إلا أنه لم يتوقف عن محاولة التنفس بصعوبة وصخر يقف امامه يتفحصه بعيون تمتلئ بالغضب ممسكًا بسلاحه بيد ثابتة وكأنما الهواء نفسه قد توقف أمامه وهتف بغضب:
لسه متخلقش ال يضحك على حد من عيلة الصعيدي ويفضل عايش
انهي صخر كلماته ورفع سلاحه نحو كريم الذي بدأ في توجيه نظراته الضعيفة نحو السلاح وقبل أن يترك له أي فرصة للتنفس أو حتى للتفكير، أطلق صخر عدت طلقات في جسده وفجأه و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
لم يكن الليل قد انقضى بعد والسكون يخيم على الدار إلا من صوت الجد الغاضب يتردد في أرجائها كالرعد فـ وقفت قدر في منتصف الساحه ترتجف ودموعها تنساب على وجنتيها دون توقف بينما الجد ينهال عليها بعصاه الثقيلة كأنها عدو لا حفيدة حتي اردف بصوت غليظ يتقطع غيظا:
انتي جايبه لينا العار برجليكي... وهتدفعي التمن دلوجتي... بجا دي اخرتها.. حامل. حامل. واكيد من الكلب دا ال اسمه كريم صوح.. بجا كل دا يطلع منك.. كل دا منك انتي.. حته بنت متسواش اي حاجه تعمل فينا احنا كلنا اكده.. عيله الصعيدي ال عمر ما حد جاب سيرتها بغلط وال دايما راسها مرفوعه تيجي بنت زيك تعمل فينا كلنا اكده.. تجيبلنا العار.. جيبتلنا العار وبجيتي حامل والله لـ هجتلك
اندفعت زينات عمتها ابنة الجد تقف حائلًا بينه وبينها بذراعيها المرتجفتين مردده:
يا ابووي ... كفاية دي بنت غلبانة، متعرفش حاجة.. بص خلينا نجعد ونشوف اي ال حوصل.. مش يمكن يكون ال حوصل دا كله غلط من الحكيم.. احنا اي عرفنا.. خلينا نسمعها بالله عليك
زفر الجد بقسوة ودفع زينات جانبا فارتطمت بالحائط، لكنها عادت تقف من جديد والدمعة في عينها وهتفت بتوسل:
حرام عليك يا ابوي... دي حفيدتك... لحمك ودمك.. بالله عليك سيبها.. ابوس يدك
كانت زينات تحاول الدفاع عن قدر باي طريقه لكن الجد لم يكن يرى إلا العار ولم يسمع إلا صوت الكرامة الجريحة داخله حتي
مدّ يده إلى الدرج الخشبي وأخرج مسدسا عتيقا و قبض عليه كأنه طوق نجاة من الخزي وصاح بصوت مكتوم بالغضب:
ال تهون على نفسها... تهون علينا... العار مش بتستر.. ال تجيبلنا العار بندوس عليها برجلينا من غير رحمه
شهقت قدر و صرخت زينات بأعلى صوتها:
يا ابوي لع بالله عليك... لع
نظر الجد اليهم بغضب وارتفعت يده وبرودة السلاح تلمع في عينيه وكل من في الدار تجمد في مكانه ولكن قبل أن يضغط على الزناد اندفع ظل من العتمة كأن الليل نفسه تحرك.
وظهر صقر الذي لم يره أحد وهو يدخل زقفز أمام قدر دون تردد حتي دوى صوت الطلقة وصرخة قدر شقت سكون الليل مردده :
ـصقر
ارتطم جسد صخر بالأرض والدم يسيل من ذراعه بينما سقط المسدس من يد الجد بفزع وارتفعت الهمهمات في الدار وتجمع الجميع حول صقر الذي ما زال الدم يتسرب من ذراعه.. ارتعب الكل عليه حتى الجد نفسه اتسعت عيناه على غير عادته بصدمه وخوف وكانت عينا قدر التي أرعبها احتمال أن يكون قد أُصيب بسببها حتي اقتربت منه وهي تنحني بجسده المرتجف مردده :
ـ صخر... بالله عليك ما تسكت... كلمنا يا صخر.. انت كويس.. حوصلك اي... اتكلم يلا جول اي حاجه
نظر صخر اليها بتعب لكنه تحامل على نفسه وببطء شديد جلس أولًا ثم وقف كأنه يحمل الدنيا على كتفيه ز رفع رأسه نحو الجد واردف بثبات رغم الألم:
ال في بطنها دا... ابني أنا يا جدي
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ساد الصمت فجأة وتجمد الكل حتى زينات التي وضعت يديها على فمها وتراجعت قدر خطوة كأن الأرض تميد بها ونظرت له بذهول وهي تهمس:
انت... بتجول اي عاد... بتجول اي
رفع صخر عينه ليقابل عينها وردد بهدوء:
اه... أنا ال خطفت كريم... علشان كنت عارف إنه مش راجل ولا هيتجوزها... ووافجت اتجوزها علطول... عشان بحبها من زمان وعلشان ال حوصل بينا
لم يتحمل الجد ما سمعه فاندفع نحوه ورفع يده وصفعه على وجهه صفعة دوّت في المكان كله وهتف بصوت مبحوح من الصدمة:
كداب.... انت كداااب يا صخر ! مستحيل تعمل اكده! البنت دي هي ال غلطت! هي ال دنست اسمنا... وإنت... بدل ما توجفها عند حدها تيجي تحامي عنها؟!
لم يرد صخر فقط انخفض رأسه ويده لا تزال على الجرح ينزف. أما الجد فكان يكاد يشتعل وهتف :
انا هجتلها... دلوجتي حالا! جيبولنا الحكيم... جيبولي الدكتور يطلعلي بصمة صوابعها اللى على جسدك يمكن تفوق وتعرف إن مفيش حاجه هتخبي العار دا.. يلا بسرعه هاتوا الحكيم علشان يعالج الجرح ويخرج الرصاصه
القي الجد كلماته ثم التفت نحو صخر بعينين تشتعلان قهرا. وردد بقسوة:
مهما حاولت تحميها... هتفضل غلطانه ... وانا هغسل عاري منها... وانت... انت يا صخر... ال هتجتلها بإيدك... بنفسك يا ولدي
انهي الجد كلماته ثم استدار وانصرف بخطوات ثقيلة، والشرر يتطاير من عينيه، تاركا خلفه صمتا أثقل من الرصاص وبعد فتره جلس صخر على طرف الفراش عاري الصدر، والضمادات البيضاء تلتف حول ذراعه التي نزفت كثيرًا. كان الحكيم قد انتهى من ربط الجرح، لكن النزيف لم يكن كله من الجسد، بل من القلب أيضا ونظر إليه الجميع بقلق بينما انصرفوا جميعا وهمست العمه بدعاء ثقيل:
"ربنا يستر عليكم ويهدي النفوس...
نظرت قدر بتوتر ثم اقتربت منه بخطوات حذرة وعيناها لا تزالان متورمتين من البكاء وشفتيها ترتجفان من الخوف والندم. حتي همست بصوت مبحوح:
انت كويس؟ الجرح... عامل إزاي دلوجتي؟
ما إن اقتربت حتى مد يده الجريحة وسحبها من معصمها بقوة حتى كادت تسقط فوقه و ثبت عينيه في عينيها واردف بغضب:
ليه؟ ليه عملتي اكده.. انتي اي شيطانه.. جايبه البجاحه دي كلها منين عاد
شهقت قدر وحاولت أن تتهرب بعينيها لكنها لم تستطع، كأن نظراته مسامير غرست في روحها فانهارت ورددت ببكاء:
غصب عني... مش عارفة حصل ازاي... والله ما كنت عايزة كل دا يوحصل...جسما بالله انت مش فاهم اي ال حوصل بالظبط
صمت صخر للحظة ثم رفع يده فجأة وصفعها بقوة على وجهها حتي دوى الصوت في الغرفة وجحظت عيناها من الصدمة، وارتدت خطوة للوراء، فتابع هو بصراخ :
انا بكرهك... بكرهك يا قدر... أنا ضربت كريم بالنار... فاهمة؟ ضربته بالرصاص وجتلته.. دلوجتي مين هيبجي ابن ال في بطنك ان شاء الله... مين هيبجي ابنه
تجمدت ملامح قدر وارتجف جسدها كأنها سمعت شيئا غير قابل للتصديق وتمتمت بشفاه مرتجفة:
حوصله اي هو... هو مات؟
انتفض صخر من مكانه وصرخ بغضب:
لسه بتسألي عليه؟ بعد ال عمله فيكي؟ بعد ما سابك جدام الناس كلها وفضحك؟! لسه بتسألي عليه.... أنا زهقت منك... ومن دموعك...و من ضعفك... كل مره انا ال لازم اتحمل مصايبك وبلاويكي... يا شيخه ياريتك تموتي واخلص منك بجا
سقطت الكلمات على قلبها كالسكاكين فتمتمت بحزن وانكسار:
أنا... أنا هنزل الطفل...
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
رفع صخر يده بحركة لا إرادية، لكن الدم تساقط من بين أصابعه فجأة فشهقت قدر واقتربت منه بسرعة، وهي تمسك بذراعه المرتجفة مردده :
دم... الجرح بينزف تاني... استنى... خليك جاعد... أنا هجيب حاجة أوجف بيها النزيف
لم يرد فقط ظل واقفا.. ينظر لها بعينين فارغتين كأنها لم تعد قادرة على الوصول إليه بينما هي تتشبث بيده وتحاول تضميد جرحه والدموع تنهمر على وجنتيها وفي صباح يوم جديد تسللت أشعة الشمس بخجل عبر ستائر الغرفة، لتنساب فوق ملامح ليلي المرهقة ووقفت أمام المرآة، تعبث بأطراف شعرها بشرود، وعيناها لا تعكسان سوى قلق دفين لم تستطع إخفاءه، كأنها تنتظر شيئا… أو تخشى حدوثه حتى اقترب منها "آدم" بخطوات هادئة دون أن تنطق و أحاطها من الخلف بذراعيه وأسند ذقنه على كتفها و لم تقاومه بل أغمضت عينيها كأن لمسته تبث فيها دفئا غاب عنها طويلًا وهمست بنبرة ناعمة:
ـ واحشتني جوي علي فكره
اقترب أدم أكثر، وقبل عنقها بخفة:
وانتي كمان واحشتيني جوي علي فكره
استدارت ليلي إليه ببطء ونظرت في عينيه ول فـ اقترب منها، ولمسة شفاهه على شفتيها كانت كأنها محاولة لاسترجاع لحظة لحظاته معها وظلا على حالهما لثواني حتى قطعت ليلي تلك اللحظة الهشة بصوت خافت تردد كالصدى:
صخر اهنيه.. في الصعيد
تجمدت يده على خصرها وابتعد عنها فجأة. لم يتكلم، فقط نظر بعيدا، كأنها أيقظت ألما دفينا في صدره فرددت ليلي بحذر:
ليه اكده؟ والله بيحبك، بيحبك جوي يا آدم
رد ادم بصوت مليء بالخذلان:
هو خانني... مش أنا دا كان أخويا... أقرب واحد لجلبي... بس بعد كل. دا غدر بيا وخاني
اقتربت منه بخطوة ورددت:
بس حاول... كتير حاول يكلمك و يصالحك ويشرحلك... إنت ال مكنتش راضي تسامحه ولا حتي بتسمعه
نظر اليها ادم كأن النار اشتعلت في عينيه وهتف:
ومش هسامحه بعد ال عمله؟ وبعد ما كسر ضهري لع مش ممكن.. مستحيل ارجع اسامحه تاني و
لم تمر لحظة حتى وضع يده على صدره فجأة يتألم، ووجهه شحب وأنفاسه ثقلت فـ اقتربت ليلي منه بفزع تمسك بذراعه مردده:
آدم؟! فيك إي؟! مالك؟
وقبل أن يرد انفتح الباب بعنف ودخلت أمه وعيناها مليئتان بالقلق:
إلحقني يا ابني... الحارس تحت بيجول إن صخر...انزل.. انزل بسرعه شوف في اي
القت الام كلماتها وذهبت وبعد فتره وقف آدم أمام البوابة الكبيرة وإلى جواره كانت ليلى فـ اقترب منهم أحد الحراس وبادره آدم:
صخر عامل إي دلوجتي؟
خفض الحارس نظره وردد بصوت خافت:
الإصابة وحشة... وفي مشاكل كتير جوي يا بيه ... والست الكبيرة والمدام جايين النهارده هيوصلوا الصعيد قبل المغرب ولو وصلوا هتبجي مصيبه كبيره
تنهد آدم بضيق وظل صامتا لـ لحظة، ثم تمتم بنبرة حاسمة:
خلاص... أنا هتصرف.ط و
وقبل أن يكمل كلمته دوى صوت طلقة نارية في المكان و تجمد الجميع في أماكنهم ثم سقطت ليلى على الأرض والدماء تتسرب من جنبها فـ ركض آدم نحوها مذهولا وصرخته اخترقت السكون:
ليلى
وبعد فتره عند صخر كان يقف بغضب ينظى الي الجميع مرددا:
يعني راحت فين... راحت فين عاد وازاي تخرج من غير ما حد يحس ولا يشوفها.. ما تتكلموا واجفين تتفرجوا عليا ليه عاد
نظروا الحرس الي بعضهم بتوتر حتي ردد احدهم:
البيه الكبير هو ال خدها يا بيه وكمان جالنا خبر من المستشفي ان كريم لسه عايش واختفي من المستشفي
نظر صخر اليه بصدمه وركض بسرعه وبعد فتره في قلب الصحراء حيث لا يكاد يرى المرء شيئا سوى الرمال التي تتناثر بلا نهاية... وقف الجد خليل بوجهه الصارم وقوامه المرتكز على عصاه يحرسه حارس ضخم يقف بجانبه بثبات أما قدر، فكانت مربوطة بإحكام وعيونها مليئة بالخوف والتوسل و أمامها حفرة عميقة، كبيرة جدًا وكأنها ابتلعت الظلام كله فتمتمت بخوف:
بالله عليك يا جدي ارحمني.. ابوس يدك.. طيب انا همشي واريحكم مني خالص بس بلاش تعمل فيا اكده بالله عليك
القت قدر كلماتها بخوف وكان الجد خليل يقف صامدا أمامها و ملامحه لا تشير إلى أي نوع من الشفقة بل على العكس كان الغضب يتصاعد في عينيه مع كل كلمة تقولها فـ نظر إليها نظرة قاسية قبل أن يجيبها بغضب:
انتي جيبتلنا العار يا قدر العار ال مستحيل نجدر نغسله مفيش حد هيمحيه إلا بموتك. ده جزاء ال عملتيه
تمتمت قدر وهي ترتجف بخوف:
جسما بالله العظيم ما ليا ذنب والله.. طيب اسمعني.. بالله عليك يا جدي والله ما عملت حاجه زي ما انت فاكر.. جسما بالله
لكن الجد لم يكن مستعدا للرحمة. نظر إلى الحفرة التي أمامه ثم استدار نحو الحارس، الذي كان يراقب المشهد بصمت وردد:
أنتي لازم تموتي... ده مصيرك، ومفيش رحمه
القي الجد كلامه ثم أشار بيده للحارس الذي دفعها الي الحفره فصرخت قدر وبدأ بتغطية الحفرة بالتراب بينما كانت قدر تهمس وصوتها يتلاشى لكن لم يكن هناك أحد يسمع والحارس واصل عمله وصوت التراب وهو يغطي الحفرة يملأ المكان. وبخطوات ثقيلة ابتعد الجد عن الحفرة، تاركا وراءه صوت الرياح الذي يهمس بآلام قدر وأحلامها التي ضاعت و
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
وصل صخر إلى المكان الذي دله عليه قلبه. لم يتوقف حتى لمح الحفرة المفتوحة وتجمد للحظة ثم ركض بجنون ورائها ملقاة داخلها فاقدة للوعي فردد بصراخ:
قـدر
القي صخر كلماته هو يقفز داخل الحفرة يحتضنها ويخرجها وجلس على الأرض وضمها إليه بقلب منهار يربت على وجهها محاولا إفاقتها بأنهيار:
اصحي يا قدر... بالله عليكي كلميني... يلا جوومي قدر... جومي
تحركت جفونها ببطء ثم فتحت عينيها بصعوبة وهمست:
صـخر.. جدي... هو ال دفني اهنيه.. دفني وانا عايشه..جدو دفني والله وحط التراب عليا
نظر إليها صخر بدهشة وردد:
بس الحفرة كانت مفتوحة... دفنك ازاي الحفره كانت مفتوحه.. مين فتحها ولو حد فتحها ليه مخرجكيش منها
هزت صخر رأسها بضعف ورددت ببكاء :
معرفش... فوقت لاجيت نفسي اهنيه ... مش فاكرة حاجة.. بالله عليك خرجني ابوس يدك.... أنا مغلطتش مع كريم... والله ما غلطت... هو ال اغتصبني...عمل اكده غصب عني جسما بالله يا صخر.. طلعني ابوس يدك.. طلعني من اهنيه
تجمد صخر وحدق في عينيها بصدمه ولم ينطق فقط احتضنها من جديد ثم حملها بين ذراعيه مرددا:
هطلعك متخافيش.. اهدي ويلا
القي صخر كلماته وحملها وذهب وفي مكان اخر وفي أروقة المستشفى كان آدم يسير ذهابا وإيابا كمن فقد رشده وعيناه معلقتان بباب غرفة العمليات وكلما سمع صوت أقدام هرع ناحية الباب لكن دون جدوى حتي اقتربت منه والدته بخطى مرتجفة ووضعت يدها على كتفه وهمست:
اهدى يا ابني... كل شيء بإيد ربنا.. هتبجيكويسه والله.. انا مش عارفه اي ال حوصل ومين يتجرأ يعمل اكده.. لا حول ولا قوه الا بالله... اهدي يا ادم
هز ادم رأسه بعنف ورد بعينين دامعتين:
دي كانت بتكلمني عادي.والله كانت واجفه عادي وبنتكلم مع الحارس.... أهل صخر! هما السبب... أكيد هما...هما ال عملوا اكده فيها يا ماما هما السبب
تنهدت نوال بضيق ورددت:
لع متجولش اكده... صخر مش اكده ولا اهله..انت ناسي ان عمته كانت متجوزه اخوي الله يرحمه وهما بيحبوما والله عيب نظلم الناس من غير دليل يا ادم يا ابني.. حرام عليك
صرخ ادم بغضب مرددا:
جسما بالله لو ليلى جرالها حاجة... والله ما هرحم حد مهما كان ميت وهجتل الكل.. مفيش حد ممكن يعمل اكده غيرهم يا ماما.. هما ال عايزين يقهروني ويكسروا جلبي
كادت الأم ترد لكن باب العمليات فتح فجأة وخرج الطبيب منهك الملامح فـ ركض آدم ناحيته وأمسك بذراعه مرددا:
يا حكيم ... طمني عليها؟! حالتها إي هي كويسه صوح
خفض الطبيب عينيه وتنهد بأسى:
انا آسف... عملنا كل ال نجدر عليه... النزيف كان جامد . ومجدرناش ننقذها
نظر ادم بصدده كأنما سقط الكون فوق رأسه وجثا على ركبتيه، ثم صرخ بقوة:
ليلى... لع... ليلي عايشه
اندفع ادم للداخل وهو يدفع الممرضين بعيدا حتي اقترب من الجسد المسجى على السرير زأمسك بيدها الباردة، وصرخ بانهيار:
جومي.. جومي يا ليلى! متموتيش... بالله عليكي متسبينيش اكده... ليلى
بدأ ادم يهز جسدها بضعف، وقلبه يتمزق، حتى خارت قواه فجأة وسقط مغشيا عليه إلى جوارها وبعد فتىه عند صخر كان يقف امام العائله وقدر تختبأ خلفه مرداا:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
دي مرتي انا ... محدش هيلمسها تاني... انا بحذر الكل.. انتوا تجتلوها بتاع اي... لع ومش بس اكده... بتدفنها حيه يا جدي.. للدرجادي مفيش جلب
تراجع البعض وتقدّم الجد بخطاه المتوترة، يضرب بعصاه الأرض بقوة، واردف بصوته الخشن:
ال جابها اهنيه تاني بعد ال حوصل، يبطي ميعرفش الاخلاج ولا الشرف والنخوه... هو دا ال انا جايبك مخصوص علشانه.. علشان تدافع عنها جليلخ الربايه عديمه الشرف دي
رفع صخر رأسه ونظر إليه دون خوف وهتف:
أنا جيبت مرتي بيتي وجسماً بالله ال هيقرب منها تاني لهجتله مهما كان مين عاد.. جدي انا بحبك وبحترمك بلاش تعمل فينا اكده
بدت الصدمة على الوجوه وتقدّم الجد أكثر وهو يصرخ:
إنت بتتحداني يا صخر... بتجولي انا الكلام دا.. عايز تجتلني
ردّ صخر بصوت ثابت ونبراته تتحداه مرددا :
أنا بتحدى الظلم ال بتعمله مش بتحداك انت يا جدي... بتحدى ال بيدوس على الضعيف باسم الرجولة.. وقدر من النهارده تحت جناحي انا.. ومحدش ليه كلمة عليها غيري.. انا المسؤول عنها.. انا بس ال جوزها
كانت قدر تقف خلفه تمسك بطرف قميصه و تنظر أرضا بصمت، لكن جسدها المرتعش فضح خوفها وفجأة توقف الزمن للحظة حين سمع صوت سيارة تقف أمام الدار والتفت الجميع، لترى امرأة تنزل بخطى مسرعة ترفع طرف عباءتها، وقد علت وجهها ابتسامة ممزوجة بالشوق وما إن وقع بصرها على صخر حتى ركضت إليه ورددت بلهفه وهي تحتضنه:
واحشتني يا صخر...واحشتني جوي.. ازيكم يا جماعه عاملين اي عاد.. مش عارفه انتوا فاكريني ولا لع.. بس انا ابجي ميار بنت خاله صخر ومرته
ساد الصمت الدهشة جمدت ملامح الجميع عدا الجد الذي ظلّ ساكنا، كأنما كان يعلم فسحبت قدر يدها من يد صخر ببطء، والدم انسحب من وجهها ووقفت أم صخر على مقربة تنظر إليه بشيء من العتاب حتي هتفت :
هتيجي معانا إمتى؟ احنا جاين علشان نشوف اخرتها واي ال حوصل
هز صخر رأسه وتحدث بصوت خافت وهو ينظر ناحية قدر:
مش وجته الكلام ده يا حجه... انتوا اكيد تعبانين من السفر.. تعالوا ارتاحوا
القي صخر كلماته لكن قدر لم تنتظر وركضت نحو السلالم تسبق دموعها وتدفع الباب خلفها وتغلقه حتي صعد صخر خلفها وما ان دخل الي الغرفه قاطعته وهي تبكي بحرقه:
متجولش حاجه.. انا والله مطلعتش اكده علشان مثلا زعلت او حاجه من دي.. طبيعي تحب وتتجوز.. دي حياتك وميار مرتك... هي اصلا كانو بتحبك من وانتوا صغيرين.. انا بس اتوترت فجأه ومش عارفه اي ال ممكن يوحصل دلوجتي.. انت هتسيبني صوح.. بالله عليك يا صخر.. بلاش تسيبني الايامدي بس. انا هنزل ال في بطني وامشي اشوفلي اي مكان بعيد بس متسبنيش دلوجتي و
لم تنهي قدر كلماتها حتي اقترب منها صخر واحتضنها فجأه مرددا:
اهدي... اهدي وبطلي عياط.. انا مش هسيبك.. مين جال اني هسيبك وانا والله ما اعرف انكم مش عارفين عن جوازي علشان جدي عارف وحضر كل حاجه.. انا او كنا اعرف كنت جولتلك قبل ما نكتب الكتاب علشان انا مش بحب اخدع حد.. انا مش هسيبك اهدي ومتنزليش حاجه.. دا ابنك حرام تنزليه
انهارت قدر بين ذراعيه وهي تبكي بحرقه مردده:
والله غصب عني... جسما بالله غصب عني يا صخر... أنا كنت بكرهه... بكرهه من ساعه ما عمل فيا اكده... بس كنت مضطرة... مضطرة أتجوزه... وأتحايل عليه يفضل معايا... علشان ميسبنيش... كنت لوحدي... خايفة ومكسورة... ومكنش ينفع اجول لحد ... بس طلع غدار وواطي
شدها صخر إلى صدره أكثر وكأنما يريد أن يمحي كل ذلك الألم من روحها ثم همس في أذنها بصوت متهدج:
كفاية بجا... كفاية... أنا اهنيه دلوجتي ، ومش هسيبك... وكل ال فات مش ذنبك... خلاص انا معاكي والله ما هسمح لحد يعمل فيكي حاجه تانيه وال تسمه كريم دا اعتبريه كلب وراح.. اوعي تفكري فيه تاني
انكمشت قدر أكثر بين ذراعيه وكأنها وجدت أخيرًا ملاذها وراحت تبكي بصمت طويل يخرج كل ما خبأته في قلبها لسنوات وفي المساء في غرفة ميار كان صخر واقفًا بجانب الشباك عاري الصدر، وعينيه مثبتتان على الظلام الذي يملأ الأفق. كان يحدق في الفراغ حتي اقتربت منه ميار بخفة وهي ترتدي قميص نوم بسيط وشعرها المتناثر أضاف إلى ملامحها هالة من التوتر والاشتياق و توقفت بالقرب منه، وعندما لاحظها، التفت إليها فـ مدت يديها وأحاطته بذراعيها برقة واردفت:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
واحشتني جوي...اكده اهون عليك كل الفتره دي تسيبني لوحدي
لم يبعد صخر يديها بل ظل هادئًا، وهو يحاول السيطرة على نفسه و همس بصوت عميق:
"وأنتي كمان. واحشتيني جوي .. كنت بحس بوجودك دايما معايا وكنت مفتقدك جوي معايا يا ميار حمد لله علي سلامتك
ابتسمت ميار واقتربت منه وأخذت نفسا عميقا ولامست وجهه مردده:
بجد... اومال مكنتش بترد عليا ليه.. انا افتكرتك نسيتني والله
هز صخر رأسه بلطف لكنه تجنب النظر إليها بشكل كامل. رد بصوت منخفض:
انا اسف..بس والله اهنيه المشاكل كتيره جوي وانا مكنتش فاضي .. معلش متزعليش مني
ميار بضيق :
صخر هو انت فيه حاجه بينك وبين قدر.. انا بتحبها يعني ولا اي عاد.. بالله عليك فهمني
تنهد صخر بضيق وردد بحده:
متخافيش يا ميار. قدر بنت عمي وبس وكان لازم اتجوزها علشان ال حوصل.. انا مفيش بيني وبينها اي حاجه
ابتسمت ميار برقه ثم اقتربت منه وتبادلوا القبلات ولكن فجأه دون سابق إنذار، سمعوا صوت صراخ مدوٍ من الخارج، تلاه صوت طلقات نارية متتابعة فـ جذب صخر ميار إليه بسرعة، وحاول أن يحميها من أي خطر قد يحيط بهما. كان قلبه لا يزال في حالة من الاضطراب ونزل صخر بسرعة من الغرفة بعد أن سمع الصوت المدوي والطلقات النارية المتتابعة وقلبه في حالة من الاضطراب وعيناه تتابعان كل حركة حوله في الظلام و اقترب من مصدر الصوت وفجأة توقفت خطواته عندما رآى آدم يقف هناك وعيونه مليئة بالغضب والألم فـ صدم صخر عندما رأى آدم هكذا وركض نحوه بسرعة وسأله:
إنت كويس؟ إي ال حوصل.. اي الحاله ال انت فيها دي عاد.. مالك في اي وليه بتعمل اكده
نظر ادم اليه بغضب وصرخ بانهيار:
بجد والله..انت مش عارف في اي. . أنت خاين.. انت جتلت ليلى... مرتي ماتت بسببك.. انت ال جتلتها.. جتلت ليلي وخدتها مني
تجمد صخر في مكانه، وكأن قلبه توقف عن الخفقان للحظة، ثم همس بصوت خافت:
إي؟ ليلى ماتت؟!
رد آدم بصوت متألم:
اه ماتت... ماتت وانت ال جتلتها.. ومتعملش فيها البريئ بجا علشان انا متأكد.. انت جتلت مرتي
حاول صخر استيعاب ما يقوله آدم، ثم صرخ في وجهه محاولاً تهدئة الوضع:
انت مجنون! مش ممكن أكون عملت اكده! أنا والله ما عملت حاجة.. جسما بالله ما عملت حاجه.. انا اغلي من اخوي... مستحيل اعمل فيك اكده
لكن آدم لم يصدق وصرخ في وجهه:
– أنت مش كداب وخاين.... بطل كدب.. كفايه انا عملتلك اي.. دا انا لاخر لحظه كنت بحاول اشوف اخبارك واسال عنك.. ليه اكده... ليه جتلت مرتي ليه
شعر صخر بالعجز والصدمة فاقترب من آدم وحاول أن يثبت له براءته وردد بصوت منخفض، وهو ينظر في عينيه:
لو مش مصدجزي... اجتلني. لو كنت أنا السبب فعلا زي ما بتجول اجتلني دلوجتي يلا وانا مش همنعك ولا هحلي حد يمنعك
القي صخر كلماته ثم اقترب منه أكثر وعانقه بحزم في محاولة للتهدئة، لكن فجأة، وبدون أي تحذير اطلق ادم عدت رصاصات في صخر وهو لا يزال بين ذراعيه وفجأه
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
انطلقت الرصاصة قرب قدم صخر وارتجف الجميع وصمت الهواء لوهلة وكأن الزمن توقف ثم تعالى صوت آدم، غاضبا ثائرا وهتف :
جسما بالله العظيم لو اكتشفت إن في واحد فيكم ليه يد في موت ليلى... هجتلكم كلكم واحد ورا التاني.. ومش هيهمني حد... والله هجتلكم
انهي ادم كلامه واندفع نحو سيارته وفتح الباب بعنف ثم أغلقه بقوة وانطلقت السيارة كالسهم مثيرة خلفها دوامات من الغبار فـ ركض صخر خلفه وصاح بلهفه :
أدم! استنى.... اسمعني بس
القي صخر كلماته واستقل سيارته وذهب بسرعه وفي مكان اخر كان الدم يسيل من ذراع كريم وقد التصق قميصه بجرحه لكنه ظل واقفا يتحدى الألم بعينين يشتعلان غضبًا و أمامه وقفت رجوة بثوب أسود فضفاض وعينين لا تعرف الرحمة تسند ذراعيها على خاصرتها وتنظر إليه باحتقار واضح ورددت بحده :
ده مكنش اتفاجنا يا كريم. إنت اتسرعت هو مش انا جولتلك تستنى.. اي ال خلاك تعمل اكده
زفر كريم بعن وصوته خرج مبحوحا من شدة الألم:
هو ضربني... كان هيجتلني يا رجوة.. انتي كان لازم تجوليلي وتعرفيني ان كل دا هيوحصل... وبعدين جواز اي عاد.. انا اي ال هيحليني اتحوز واحده غلطت معاها.. انا مش عايزها اصلا وانتي ال دخلتيني في كل دا..مليش صالح انا بجا..انا مش مجبور اسمع الكلام واربط حياتي كلها معاها
تنهدت رجوه بغضب ورددت:
كان لازم تبعد نهائي زي ما جولتلك.. دلوجتي خليت صخر يشك أكتر وهيدور عليم تامي وتالت وأنا كل ال يهمني دلوجتي إن صخر وآدم ميتجمعوش مع بعض لو اتفجوا... هتبجي مصيبة علينا كلنا.. انا ما صدجت بعدتهم كول السنين دي. مش لعد دا كله بسبب عيل زيك عيل زيك هيبزظلي كل خططي.. انا ليا تار ولازم اخده بايطريجه حتي لو وصلت اني اجتل نفسي علشان التار دا يتاخد
تقدم كريم خطوة منها والغضب يتفجر في صوته:
وانا كمان ليا تار... ليا دم عند العيلة دي! عند صخر ال حط السلاح في راسي، وكان هيريح نفسه مني غي لحظه واحده اكده... وأنا مش هسكت مش هعديها
نظرت إليه رجوة بضيث ثم رددت ببرود:
هساعدك بس لو غلطت تاني مليش علاقة وهسيبه يخلص عليك بإيده... صخر اصلا مش هيسيبك، خصوصا لو قدر جالتله كل حاجه واعترفتله بال عملته فيها
تجمد كريم وعيناه تتسعان بصدمه مردفا :
جالتله.. اكيد لع يعني.. هي ازاي هتجوله حاجه زي دي
هزت رجوه رأسها بقوة وهتفت :
اكيد جالتله إن ال حوصل بينكم كان غصب عنها... وإنك غدرت بيها.. صخر عمره ما هيسيب حد أذى مرته. بس أنا هجولك توصلها إزاي وأخليها كمان تيجيلك لحد عندك... بس اسمع الكلام وكفايه تهور بجا علشان انا مش هسيب حالي واجعد افكر فيك وفي حواراتك الحكايه مش ناجصاك اصلا هتعمل ال هجولك عليه بالحرف... يا والله العظيم انا ال هجتلك
القت رجوه كلامها ثم استدارت وتركت المكان بينما ظل كريم واقفا وحده، يئن من الألم، وشرر الغدر يشتعل في قلبه وفي صباحٍ جديد كانت أشعة الشمس تتسلل إلى غرفة صخر ناشرة ضوءا خافتا فوق وجوه أنهكها السهر والتفكير و جلست قدر على طرف الفراش تراقب ملامحه بصمت ز تستجمع شجاعتها لتسأله عما يشغلها منذ الأمس مردفه:
هو آدم... عامل إي دلوجتي؟ اتكلمت معاه؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
زفر صخر ببطء ومرر يده فوق جبينه المتعب ثم أجاب بنبرة منخفضة:
لع... متكلمتش معاه لسه... بس كلمت الحجه كانت خايفه عليه جوي وجالتلي إن أعصابه بايظة ومش بيرد على حد... بس هحاول أتكلم معاه تاني
صمتت قدر قليلا ثم اقتربت منه أكثر تنظر إليه بعينين مشوشتين:
هو في إي بينكم؟... انتو كنتوا أكتر من إخوات يا صخر... إي ال حوصل يخليكم تبجوا اكده؟
سكت صخر وحدّق في الأرض لثواني ثم رفع عينيه إليها وقال:
مش مهم دلوجتي...ال حوصل حوصل بجا هلينا في المهم كريم... لسه عايش
اتسعت عيناها من الذهول وتجمدت ملامحها قبل أن تتفجر دموعها فجأة مردده؛
عـــايش؟! إزاي.. هو هيجي صوح.. انا متاكده انه مش هيسيبني... لو عرف اني حامل هتبجي مصيبه.. هعمل اي دلوجتي..هيجول لكل الناس ال حوصل..وجدي هيجتلني...هو اصلا هيجتلني من غير حاجه
مد صخر يده بهدوء ومسح دموعها بأنامله، وهو يهمس:
متخافيش... خدي بالك من نفسك ومتخرجيش لوحدك أبدًا... أنا مش هسيبه يقربلك، بس انتي كمان خليكي قويه.. واصلا الحج لازم يعرف كل ال حوصل علشان هو مش هيسبلك.. هيجتلك وانا متاكد.. لازم نعرفه كل ال حوصل وان كل دا غصب عنك ولا انتي عايزه يبجي شكلم جدام الناس انك بنت مش كويسه وانك اتنازلتي عن شرفك وجيبتي للعيله العار... لازم الكل يعرف في ال حوصل بالظبط
نظرت قدر إليه بعينين ممتلئتين بالندم ورددت :
أنا آسفة... آسفة على كل حاجة حوصلت واسفة إني خبيت و إني سكت... بس كنت خايفة والله.. سامحنؤ باللع عليك.. انا دمرتلك حياتك كلها
صمت صخر لكن عيناه كانتا تنطقان بالكثير فـ رفعت قدر يدها لتلمس يده ورأت الجرح الغائر في كتفه حتي لامست الجرح برفق وهي تمرر أصابعها عليه بلطف، وكأنها تحاول أن تزيح عنه الألم ثم نظرت إليه واقتربت أكثر، واحتضنته دون كلمة وفي اللحظة التي خيل لهما أن العالم اختفى انفتح باب الغرفة بعنف ووقف الزمن لثانية حين ظهرت ميار عند العتبة كانت واقفة في صمت وثوبها المنزلي يتمايل وعيناها مليئتان بالغضب والصدمة مردده:
أنا جيت في وجت مش مناسب... ولا إي؟
ابتعدت قدر بتوتر وهي تحاول الهروب من نظراتها فاقتربت ميار من صخر وهتفت بدموع:
انا كنت جايه اجولك ان جدك عايزك.. بعد اذنك
القت ميار كلماتها وذهبت فلحقها صخر بخطوات سريعة وفتح باب الغرفه ثم أغلقه خلفه بهدوء مضطرب واقترب منها ومد يده يمسك بيدها المرتجفة، مرددا بصوت خافت:
ـاستني بس... اسمعيني أنا مكنتش أجصد ال شوفتيه الموضوع مش زي ما باين والله
نظرت إليه ميار بدموعٍ متجمعة في عينيها وهمست بدموع:
جولي الصراحة يا صخر... أنا تعبت... جولي إنك بتحبها... إنك مش جادر تعيش من غيرها... وإنك مكمل معايا بس علشان أنا بنت خالتك ومليش حد... أنا عارفة من زمان ... بس كنت ساكتة... كنت بحاول أضحك وأصبر علشانك... علشانك بس.. انا عارفه انك مش بتحبني اصلا
اقترب صخر منها أكثر ورفع يده يلامس وجهها برقة و يمسح دموعها بإبهامه وهمس بحزن:
بلاش تجولي اكده يا ميار .. انتي متعرفيش انتي غالية عندي قد إي والله.... والله لو تعرفي مكنتيش جولتي الكلام ده أبدا...
هزت ميار رأسها بيأس، ودموعها تزداد انهمارا ورددت:
أنا بحبك... بحبك بجنون... ومستعدة أعمل أي حاجه علشانك... حتى لو بتحب قدر... حتى لو جلبك مش معايا... أنا ممكن أنسحب... أبعد بس أشوفك مبسوط، ده كل ال يهمني يا صخر والله هو سعادتك وبس
لم يتحمّل صخر أكثر من ذلك فاحتضنها بقوة وكأنه يخشى أن تضيع منه، وهمس فوق رأسها:
ـ متجوليش اكده... بالله عليكي متجوليش كده... أنا مجدرش أعيش من غيرك يا ميار... انتي روحي، ومهما حوصل... مفيش حاجه هتبعدني عنك.. انتي هتفضلي مرتي لاخر نفس في عمري.. طلعي بجا الكلام دا من دماغك خالص وبلاش تفكري فيه
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
احتضنته ميار أكثر وكأنها تتشبث بالحياة وقد انكسر كل ما كانت تخفيه من كبرياء وصبر وفي المساء اجتمع الجميع في القاعة الواسعة يجلسون أمام الجد الذي اتكأ على عصاه الخشبية يحيط به صمت ثقيل كالغبار وصخر وقف بجانبه، بينما جلست قدر في ركن بعيد، تتجنب نظرات الجميع وداخل صدرها قلق لا تهدأ له أنفاس ورفع الجد صوته الجهوري قاطعا الصمت:
أنا قررت من دلوجتي... كل الورث والأرض والفلوس هتبجي باسم صخر... هو بس ال ليه عندي وال مش عاجبه يشرب من البحر
انكمش وجه العمه ثم انتفضت واقفة تصرخ بعينين تقدحان شررًا:
ورثك؟! وصخر؟! طيب وورث قدر يا ابوي ؟! دي حفيدتك ليها حق زيها زي صخر
التفت الجد إليها ببطء وردد بحده:
قدر؟ مين قدر دي؟ أنا معرفهاش... وجريب أوي هنعمل عزاها
سرت رجفة في جسد قدر وابتلع المكان كل الأصوات دفعة واحدة ثم بدأت تهم بالوقوف وخطواتها مضطربة تحاول الوصول إلى غرفتها قبل أن تنهار دموعها أمامهم. لكن يدا قوية أمسكت بمعصمها كان صخر. الذي حدّق في جده بعينين مشتعلتين واردف بصوت غليظ:
لو في دماغك لسه تأذيها، يبجى أنا ال هاخدها وأمشي من اهنيه يا جدي و
لم ينهي صخر كلامه حتي صاحت أمه وقد نهضت من مكانها غاضبة:
تاخد مين يا صخر؟! مين جالك إني أصلا موافطة عليها؟! دي بنت سلمت نفسها لواحد مايتأمنش وعايزها تبجي مرتي.... لع أنا مش موافجة ودي مش مننا ولا لينا
ضرب صخر بقبضته على الطاولة فاهتزت الأكواب وصرخ بغضب:
هي مسلمتش نفسها حد ... كريم هو ال عمل اكده غصب عنها بالعافية يا حجه.. بالعافيه.. كفايه بجا.. كفايه اتهامات علي الفاضي.. الكلب دا هرب من الفرح بعد ال عمله علشان عارف ان مكنش حد هيصدجها
ساد صمت مهول وكأن الهواء اختفى من القاعة و نظرات الذهول اتجهت إلى قدر التي كانت ترتجف في مكانها. حتى ميار فتحت فمها دون أن تنبس بكلمة اما الجد ظل صامتا يراقب بعينين جامدتين حتي ردد اخيرا بنبرة جافة:
لو مكنتش موافجة، مكنش جدر يعمل ال عمله.. انا فاكر اكده انك هتطلعها بريئه
لم تحتمل قدر أكثر وافلتت يدها من صخر وركضت نحو السلم والدموع تتساقط على وجهها وهي تصعد إلى غرفتها حتي جاءها اتصال هاتفي فأجابت بصدمه:
نعم.. انت فين... انا جايه.. نص ساعه وهكون عندك اوعي تروح في اي مكان
القت قدر كلماتها بغضب وبعد فتره قد تجاوز الوقت منتصف الليل والهدوء الثقيل يخيّم على المكان شبه الصحراوي فـ وقفت قدر وحدها وسط العراء والريح تعبث بطرف فستانها بينما كانت عيناها تراقبان الطريق الخالي في قلق لم تكن متأكدة مما تفعله وفي لحظة خاطفة قطع الصمت بصوت مألوف كان صوت خطوات سريعة تقترب مردده :
إنتي إي ال جابك اهنيه
استدارت قدر بسرعة، لتجد ميار تقف خلفها و أنفاسها متلاحقة وعينيها مليئتين بالغضب والقلق
انتي عرفتي أنا فين إزاي؟!
سألت قدر وهي تتراجع خطوة إلى الوراء فرددت ميار بعضبيه
عرفت منك.. مشيت وراكي … جيتي لوحدك علشان تشوفي كريمصوخ ! مش صخر جالك متخرجيش لوحدك؟ إزاي تيجي اهنيه.. ليه معرفنيش صخر
رفعت ميار صوتها بغضب بينما كانت عيناها تجولان المكان بحثًا عن أي خطر محتمل لكن قبل أن تتفوه إحداهن بكلمة أخرى، لاح في الأفق نور قوي لعربة مسرعة فـ شهقت ميار، ثم صرخت:
قدررر!! ابعدي
اندفعت ميار بجسدها نحو قدر و دفعتها بعيدا بكل ما أوتيت من قوة وفي اللحظة التالية ارتطم جسد ميار بمقدمة العربة المسرعة وسقطت أرضا والدماء تنزف منها بغزارة، تغمر الرمال تحتها بلون الألم فـ وقفت قدر مذهولة تحدق بجسد ميار المسجى أمامها، والهواء من حولها صار أثقل من أن يُتنفس وفجاه
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كان يركض في ممرات المستشفى كالمجنون وخلفه أفراد العائلة لا يدرون ما يقولونه أو ما يفعلونه. كل شيء من حولهم كان بطيئا باهتا.. لم يتوقف صخر عن الركض حتي انتبه لقدر الجالسة على الأرض ظهرها للحائط البارد ووجهها مبلل بالدموع و بين يديها رأسها كأنها تحاول أن تحتمي من العالم كله. فـ توقف أمامها وصوته خرج مرتجفا من بين أنفاسه المتقطعة مرددا :
قدَر إنتي كويسة؟ اي ال حوصل و فين ميار؟!"
رفعت قدر عينيها ببطء نحوه ونظرة واحدة فقط كانت كفيلة بأن تزرع الرعب في قلبه فرددت قدر:
جوه... بيحضروها للعمليات... حالتها خطيرة يا صخر جوي انا اسفه.. انا اسفه
لم ينطق صخر ولم يرد فقط تحرك كأن شيئًا أكبر من عقله يقوده. دفع الباب بجسده وتوجه نحو الطبيب الواقف أمام الغرفة المغلقة مرددا:
إي ال حوصل؟ حالتها عاملة إزاي بالله عليك.. طمني هي كويسه صوح.. جول اي حاجه يا حكيم متسكتش اكده
أجابه الطبيب بنبرة هادئة لكنها حادة:
– "في نزيف داخلي... لازم تدخل العمليات تاني فورا وحالتها مش مستقره. انا مجدرش اجول اي حاجه دلوجتي.. ادعيلها ربنا معاها
شعر صخر وكأن الأرض تميد من تحته لكنه قاوم الانهيار واقترب من الفراش الذي كانت ميار عليه ممددة لا تقوى حتى على فتح عينيها ووجهها شاحب وأنفاسها خافتة كأنها تهمس بالحياة فـ انحنى فوقها ووضع كفه على خدها برفق وهمس بصوت منخفض وهو يحاول أن يحبس دموعه:
ميار... أنا جيت يا ميار... سامعاني.. انا موجود جمبك اهه متخافيش
ارتعشت جفناها وفتحت عينيها ببطء ونظرت له كأنها عادت للحياة من أجله فقط ثم همست بصوت واهن:
الحمد لله...الحمد لله إنك جيت... انا كنت خايفه جوي اموت من غير ما اشوفك كنت... فاكراك مش هتلحقني...الحمد لله انك وصلت
شدد صخر على يدها برفق وقبّل جبينها وهتف:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
بعد الشر عليكي متجوليش اكده.. انتي هتبجي كويسه والله انا متاكد.. هو مش انتي وعدتيني انك هتفضلي معايا.. لازم توفي بوعدك يا ميار.. بالله عليكي متسبنيش.. ابوس يدك والله ما اجدر اعيش من غيرك. انتي متعرفيش انتي بالنسبالي اي
شعرت ميار بكفه يحتضن يدها فابتسمت بتعب وهي تنظر إلى وجهه كأنها تحفظ ملامحه في قلبها قبل أن تغيب وهمست بصوتها الهش :
أنا... عمري ما حبيت غيرك يا صخر... طول عمري من أول مرة فتحت عيوني فيها وأنا عيني مشافتش غيرك... بس أنا عارفة... عارفة إنك بتحب قدر... علشان اكده أنقذتها..مهانش عليا البنت ال بتحبها تموت
نزلت كلماتها عليه كالسكاكين فشهق بهدوء وازدادت قبضته على يدها وردد بنبرة مرتعشة:
متطوليش اكده بالله عليكي... انتي متعرفيش انتي بالنسبالي إي.. سنين وأنا بحاول أنسى بس معرفتش أعيش من غيرك ولا هعرف... متجوليش إنك محبتيش غيري كأنك بتودعيني... انا عارف انك بتحبيني.. والله انتي اغلي حاجه عندي.. انتي مرتي وبنت خالتي ورفيقه حياتي كلها
ابتسمت ميار من جديد لكن دمعة هربت من عينها وسقطت على وجنتها مردفه :
انا... انا حاولت كتير أخليك تحبني زي ما أنا بحبك... بس واضح إن جلبي لوحده مكانش كفاية...طول السنين دي معرفتش اخليك تحبني يا صخر.. معرفتش اكسب جلبك يا ابن خالتي
اقترب صخر أكثر وهوى بجبهته على يدها يقبّلها وهمس من بين دموعه:
ميار بالله عليكي... متتكلميش اكده... ده أنا لو جرالك حاجه أنا ال هموت... مش هجدر أعيش في دنيا انتي مش فيها... والله ما اجدر يا ميار...بالله عليكي كفايه.. متسبنيش وانا والله مستعد اسيب الدنيا كلها علشانك.. بس خليكي جمبي
وفي تلك اللحظة فتح الباب فجأة ودخل طاقم الأطباء يدفعون السرير المتحرك فـ نهض صخر مجبرا ينظر إليها بلهفة كأنما ينتزع من قلبه شيء لا يُعوض وتعلقت بها نظراته فابتسمت بضعف وهمست:
أوعي تنساني يا صخر... لو حوصلي حاجة بلاش تنساني... بالله عليك
هتف صخر بدموع :
هتخرجي من العمليات وهتبطي كويسة وهترجعيلي... أنا مستنيكي ومش هسيبك، فاهمة؟ متسبينيش انتي كمان...علشان خاطري
وبينما كانوا يدفعونها ببطء نحو غرفة العمليات توقف الطبيب للحظة بجانب صخر ونظر إليه ثم اردف بهدوء:
صخر.. يمكن متكونش عارف علشان اعتقد عي كمان متعرفش بس مرتك... حامل."
القي الطبيب كلماته ثم استدار ودخل الغرفة مغلقًا الباب خلفه تاركا صخر واقفًا كأن الزمن توقف به... يتنفس بصعوبه
وبعد فتره كانت رجوة تجوب الغرفة كأن الأرض تضيق بها تتنقل بين الجدران بعصبية وملامحها تحمل كل ألوان الغضب وعيناها تقدحان شرا، وفجأة رفعت كوبا زجاجيا وألقت به على الأرض فانكسر إلى شظايا متناثرة لتصرخ من أعماقها:
"إنت غبي.... غبي يا كريم... أنا جولتلك من زمان صخر بيحب قدر آه بس ميار أغلى عنده من قدر دي بالنسباله كل حاجة.. الحب مش هو الاساس... ال بين صخى وميار اكبر مليون مره من الحب.. بس طبعا انا بفهم مين عاد.. بفهم واحد غبي متهور مش نافع في اي حاجه..لو حوصلها حاجه صخرمش هيسكت هيتحول لوحش وهيخرب الدنيا وإحنا أول ناس هيدور علينا! كل حاجة بنخطط لها هتضيع بسبب تهورك انت اي كنت مصيبه عليا هو انا جايباك تساعدني ولا تضيعني وادم كمان..ادم اكيد مش هيسيب صاجبه خصوصا انه بجا شاكك ان صخر معملش حاجه.. هيرجعوا تاني
كان كريم يقف عند الحائط يضغط على قبضتيه بشدة ووجهه يتقلب بين التوتر واللامبالاة ثم هتف ساخرًا:
"ما يرجعوا يا ستي انتي محسساني انهم متجوزين دول أصحاب... يعني إي ال هيوحصل يعني؟"
توقفت رجوة فجأة و نظرت له بحدة حتى خيل له أن عينيها ستقتلهما وحدهما ثم اقتربت منه حتى صارت على بعد خطوة ورددت:
ال هيوحصل إنهم هيوصلولي... وهيوصلولك وهتضيع كل حاجة... كل حاجة وحق بنت ال ماتت بسببهم هيروح؟! بنتي ال جتلوها بكل دم بارد هيروح بسببك وآدم بيهد الدنيا دلوقتي... وبيسأل عن ال جتل مرته وده معناه إنه مش مصدق إن صخر له يد لو بدأ يشك احنا هنروح في داهية
ضرب كريم الحائط بيده وصوته خرج مبحوحا من صدره:
"أنا مش هسكت! مش بعد كل ده... وال في بطن قدر؟ لازم يموت.. انا مش عايز اي حاجه تربطني بيها.. بجولك اي انا ساعدتك كتير وانتي لازم تساعديني في كل حاجه يا والله العظيم ما هسكت
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
شهقت رجوة وتراجعت خطوة للخلف ثم صرخت بأعلى صوتها:
"غبي... غبي وهتودينا كلنا في ستين داهية! لو صخر عرف أو حس مش هيعديها! ده ممكن يجتلنا بإيده! ميار لو ماتت... هو مش هيسيب حد، وخصوصًا إنت وانت لسه جاي تجول الطفل والزفت علي دماغك.. انت اي مش بتفكر نهائي اكده
القت رجوه كلماتها ثم جلست فجأة على الأريكة تضع يدها على رأسها وهي تهمس بنبرة مكسورة:
"ربنا يستر من اللي جاي...وال هيوحصلنا بسبب غباءك
وفي صباح يوم جديد كان الشارع لا يزال هادئا وضوء الشمس بالكاد بدأ ينسدل على الأرصفة والهواء يحمل نسمات باردة تعبق برائحة الليل المنصرف حيث كانت يمنى تسير بخطى سريعة، تمسك بهاتفها المحمول وتتحدث بحماس:
انا جاية أهو يا قدر... ثواني وهكون عندك... لسه نازلة من البيت حالًا...
لم تنهي يمني كلماتها حتي انخفض صوتها فجأة وعيناها اتسعتا بدهشة حين لمحت سيارة متوقفة عند ناصية الطريق وبداخلها شخص ممدد على المقعد وكأنه نائم فـ اقتربت بحذر وارتجفت يدها حين تعرفت على ملامحه مردده:
– "ده... ده آدم! آدم صاحب صخر... ولا انا بتخيل ولا اي عاد
زفرت يمني في دهشة واقتربت أكثر وبدأت تطرق على زجاج السيارة بقوة:
آدم بيه ... يا بشمهندس فوووج..انت كويس؟! افتحلي الباب بالله عليك
تحرك ادم قليلًا وبصعوبة فتح الباب ووجهه شاحب زعينيه مثقلتان بالتعب كأنهما لم تذوقا النوم لليالي طويلة وصوته خرج ضعيفا مرددا :
يمنى... روحيني... أنا تعبان جوي ومش جادر اتحرك.. رزحيني بالله عليكي
نظرت يمني إليه بقلق ثم صرخت حين لمحَت الدم الجاف على يده فهتفت:
إيدك! آدم إنت مجروح... حوصل إي؟! كنت فين؟يا لهووي هعمل اي دلوجتي انا بس
ابتلع آدم ريقه بصعوبة وأخفض عينيه للحظة ثم ردد بصوت مبحوح:
متسأليش كتير.. بس خذيني من اهنيه ... مش جادر أتحرك
ركضت يمنى بسرعة نحو الباب الآخر و فتحت السيارة وساعدته على النزول وجلست هي علي مقعد القياده وهو بحانبها وانطلقت بسرعه بالسياره وبعد عدت ساعات في المستشفي كان يقف صخر امام غرفه العنايه المركزه وظهره مستند إلى الجدار ويداه تقبضان على حافة الميتر بقوة كأنّه يستمد من برودته بعض الصبر وعيناه تائهتان تحملان مزيجا من الرعب والغضب، وأنفاسه تضطرب مع كل لحظة تمر دون خبر من الداخل حتي اقتربت قدر بخطى مترددة زقلبها يعلو ويهبط بين الخوف والندم لم تحتمل رؤيته بهذا الحال فمدت يدها لتواسيه لعل لمستها تخفف من وجعه لكنه ما إن شعر بملمسها حتى أبعد يدها بعنف وصرخ في وجهها بنبرة موجوعة:
ابعدي عني.. ابعدي إنتي السبب... أنا حذرتك.. حذرتك مليون مرّة متروحيش لأي مكان من غير ما تجوليلي بس لع طبعا... لازم تروحي ولازم لكريم كمان هو كان واحشك؟ لسه بتحبيه يا قدر ولا اي علشان تعصي كلام جوزك وتجري عليه اعملك اي اكتر من اكده... اعمل اي معاكي
شهقت قدر وقد تجمدت الكلمات على شفتيها ثم تمتمت من بين دموعها:
والله العظيم... كنت رايحة أحل كل حاجة... كنت عايزة أخلص على المشاكل دي من جذورها.. حسما بالله دا كان كل ال في دماغي والله العظيم و
قاطعها صخر بانفجار جديد من الغضب وعروقه تكاد تنفجر من شدّة الانفعال:
إنتي مبتعرفيش تعملي حاجة غير إنك تجيبيلي المصايب.. مش كفاية كل ال حوصل قبل اكده من وراكي.. اي متعبتيش... ولو ميار جرالها حاجة...هجتلك والله لأجتلك... مرتي جوه بتصارع الموت... بسببك انتي.. بسبب واحده مستهتره زبك
سقطت الكلمات عليهما كسكين بارد والصمت الذي تلاها كان أثقل من أي صراخ وقبل ان تتحدث.. دوى صوت جهاز القلب في الغرفة، مُعلنا خللا خطيرا فـ ركض الأطباء سريعا نحو الغرفة يتزاحمون وهم يصرخون:
– افتحوا السكة.. بسرعه يلا
القي الاطباء كلماتهد بينما وقف صخر في مكانه كأن الزمن تجمد وعيناه لا تفارقان الباب المغلق أما قدر .. فشعرت بجسدها يرتجف ويدها تبحث عن أي شيء تستند إليه...... مرت الدقائق كأنها دهر حتى فتح الباب أخيرا وخرج الطبيب بوجه شاحب فأقترب منه صخر وردد بلهفه:
في اي يا حكيم.. هي كويسه.. ميار كويسه صوح
نظر الطبيب اليه بحزن وردد:
البقاء لله.
نظرت قدر بفزع و لم تنطق بحرف و الدموع انهمرت من عيونها
أما صخر فقد سقط جالسا على الأرض يحدق في الفراغ، كأن العالم كله اختفى و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كان يجلس صخر على طرف السرير في غرفته... متكئا برأسه إلى الأسفل كأن الحزن قد انحنى بثقله على كتفيه و ملابسه لا تزال تحمل رائحة المستشفى والهدوء الذي خيم على البيت زاد من اختناقه حتي دخل خليل بخطوات هادئة واقترب منه ووضع يده على كتفه مرددا:
ربنا يرحمها يا صخر... كانت طيبة وربنا بيحب الطيبين... مينفعش اكده يا ابني انا حفيدي قوي. انت المسؤول عن العيله دي كلها بعدي.. انت كبير الصعيد كلها بعدي يا ابني لازم تبجي اقوي من اكده
لم يرد صخر ولم يبدي أي حركة... ظل صامتا كأن الكلمات لا تجد طريقها إليه حتي فتح الباب بهدوء ودخلت قدر بخطوات مترددة... كانت ملامحها شاحبة وعيناها محمرتان من البكاء فـ تقدمت نحوه بخوف وما إن همت بالكلام حتى دوى صوت أم صخر في الغرفة مردده بغضب :
انتي جاية اهنيه تعملي إي عاد ؟ مش كفاية ال حوصل بسببك.. عايزه اي تاني جتلتي بنت اختي ال كانت بعتبرها زي بنتي بالظبط.. انتي فاكره اني هسمحلك تكملي معاه.. جسما بالله ما هيوحصل
تجمدت قدر في مكانها ورددت بارتباك:
أنا... أنا مكنتش أعرف ان كل دا هيوحصل والله العظيم ما كنت اعرف حاجه... انا عارفه اني السبب في ال حوصلها بس غصب عني.. بالله عليكم سامحوني
نظر الجميع اليها بغضب واقتربت والدت صخر منها اكثر بعصبيه:
لع مش غصب عنك.. كل حاجه بمزاجك.. مفيش اي حاجه غصب عنك.. بس انا الغلطانه اني سمحت ان كل دا يوحصل
نظر خليل اليها بغضب ثم أمسك قدر من يدها بقوة وردد:
"برا يا بنت! مش عايز أشوف وشك هنا تاني! برا.. يلا
ابقي خليل كلماته وسحبها خارج الغرفة وهي تبكي وصوت الباب وهو يُغلق كان أشبه بصفعة على وجهها
وفي مكان اخر كان آدم يقف قرب النافذة ويسند ذراعه على الحافة المعدنية الباردة وعيناه معلقتان بالفراغ في الخارج، كأن شيئا ما هناك يشده بعيدا عن هذا العالم..... لم يكن يرى الشارع ولا البيوت ولا حتى أشعة الشمس المتسللة بين الغيوم... كان غارقا في دوامة صامتة لا يسمع فيها سوى صوته الداخلي. وفجاه انفتح الباب بعنف ودخلت يمنى بخطوات سريعة . كانت تتنفس بصعوبة وتحاول كتم ثورتها لكن ملامحها المشتدة وعيناها الممتلئتان باللوم فضحتاها فـ وقفت خلفه للحظات كأنها تنتظر منه أن يلتفت... أن ينطق، أن يعتذر... لكنه ظل جامدا، متبلدا، وكأنها لا وجود لها حتي صرخت هي بغضب:
انا ساعدتك علشان عندي إنسانية... علشان ضميري ميرضاش أشوف حد محتاج مساعده وأسكت.... بس إنت معندكش إنسانية أصلاً ولا ضمير..انت معندكش اي احساس جسما بالله
استدار ادم إليها ببطء، وعيناه مثقلتان بالتعب لكنه لم يتكلم فرددت يمني مره اخري:
صاحبك... ال كان بيوجف في ضهرك ويدافع عنك، دلوجتي منهار و متبهدل وبدل ما تبجى جكبه، سايبه لوحده يغرق في حزنه كإنه مش موجود اصلا في الكوكب دا.. انت ازاي اكده
تنهد آدم بضيق ثم اردف ببرود :
هو دلوجتي بيعيش نفس ال أنا عشته... نفس الألم ال كسرني
يمني بصراخ:
بس هو معملكش حاجة... صخر عمره ما أذاك ولا حاول يخرب حياتك.. مرتك ماتت لوحدها محدش لمسها... وصخر ملوش ذنب في ال حوصل
القت يمني كلملتها ثم اقتربت منه خطوة وارتجف صوتها وهي تكمل:
هو كان جمبك وجت ما الكل سابك... كان بيحاول يخرجك من ال إنت فيه، وإنت دلوجتي أول واحد بتخذله.. حرام عليك انت الزحيد ال تجدر تخرج صخر من ال هو فيه دا
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
صرخ ادم بغضب وهتف:
انتي مش فاهمة اي حاجه.. بس فالحه تتكلمي وخلاث وبعدين هو علشان ساعدتيني مره هتفكري نفسك ولي امري ولا اب عاد
تنهدت يمني بضيق ورددت بعصبيه:
لع انا فاهمة كويس.... فاهمة إني كنت غلطانة لما افتكرت إنك بني آدم... بس الحقيقة إنك مجرد شخص أناني غرقان في وجعك وناسي الدنيا كلها حتى صاحبك، ال لسه جلبه بينزف ميستحقش منك حتى كلمة والله انا ندمانه اني شوفت واحد زيك ياريتني كنت سيبتك تموت وجتها
القت يمني كلماتعا ثم استدارت فجأة، وبخطوات سريعة وغاضبة خرجت من الغرفة وصفقت الباب خلفها بينما ظل آدم واقفًا مكانه وعيناه على مكانها الفارغ... ولم يقل شيئًا وفي يوم جديد كانت الصالة تغص بالبكاء والأنين والسواد يلف المكان ككفن مفتوح ينتظر أن يبتلع من تبقى من الفرح والنساء متكدسات على المقاعد بعضهن ينوح وبعضهن يهمس بأدعية ثقيلة بينما تهاني أم صخر تمسح دموعها بطرف غطاء رأسها وتضم صدرها المتوجع، تنظر في الفراغ وفجأة انفتح الباب بعنف ودخلت عنبر ابنه خالة ميار وصخر بثوب أسود وعينين متورمتين من البكاء تصرخ من أعماق قلبها المنكسر وتهتف:
يا ضنايا يا ميار... يا وجع جلبي يا كنتي بتنوري الدار... روحتي خلاص. روحتي وسيبتنا للحزن اكده.. ليه بس.. ليه
انهارت عنبر على الأرض وسط ذهول الحضور وضربت صدرها براحة يدها، وصوتها يتعالى حتى خيم الذعر على وجوه من حولها حتي صرخت بغضب:
"فين؟ فين ال كانت السبب؟ فينها.. انا هجتلها
وما إن وقعت عيناها على قدر الواقفة عند المدخل ترتجف كعصفور مبتل حتى اشتعلت النار في قلبها، واندفعت نحوها كالعاصفة وتصرخ:
إنتي... إنتي ال دمرتي حياتها... إنتي ال خدتي عمرها وحياتها.. انا لازم اجتلك
رفعت عنبر يدها وصفعت قدر بقسوة وصرخت وهي تحاول الاحتماء بذراعيها لكن عنبر لم تتوقف وامسكتها من شعرها وجذبتها بقوة حتي تدخلت يمنى بسرعة واندفعت من بين الجالسين وأمسكت بذراع عنبر لتبعدها وهتفت بصراخ:
بس بجا كفاية... حرام عليكي... ال حوصل حوصل، والميت مش بيرجع.. انتوا ليكم كلكم حاطين كل الحق عليها... حرام عليكم
صرخت عنبر في وجهها وهي ترتجف:
"انتي مش فاهمة حاجة ال راحت دي كانت صاحبتيى. و بنتي وبنت خالتي ... هي راحت مني... راحت خلاص و
وفي تلك اللحظة دخل خليل بخطوات ثابتة وعيناه تمتلئان بغضب صامت تقدم نحو عنبر ووضع يده على كتفها بلطف ممزوج بالحزم:
اهدي يا عنبر...اكده غلط وبتار احتك هيتاخد والله
انهي خليل كلماته ثم التفت إلى قدر التي كانت تقف مرتجفة ودموعها تنساب بصمت:
اطلعي على أوضتك يا قدر... العزا مش مكانك دلوجتي.. انتهينا انتي مبجاش ليكي مكان معانا
نظرت إليه قدر بعيون دامعة بينما ساد صمت ثقيل المكان لا يسمع فيه سوى شهقات بكاء النساء وكأن القصر نفسه يبكي رحيل ميار وفي المساء كان صخر جالسا في زاوية مظلمة من احدي البارات الخاصه يحتسي الشراب بصمت و فتاة تجلس بجانبه تحاول التقرب منه لكنه كان يبتعد في كل مرة و أنفاسه ثقيلة وعينيه شاردتين و فجأة دخل آدم بغضب واقترب منه بسرعة وردد بعصبيه:
انت اي ال جابك اهنيه...دا مش مكانك يا صخر! هتضيع نفسك اكده ليه عاد
صخر وهو يحاول الابتعاد:
بعد مفيش حاجة تهمني دلوقتي، خلاص.. عامل فيها خايف عليا انا عارف كويس جوي انك اكتر شخص بتكرهني في حياتي كلها
نظر ادم اليه بغضب وامسكه من ذراعيه مرددا بعصبيه:
مش هسيبك.. ده مش حل. إنت هتخسر كل حاجة اكده هتضيع نفسك.. يلا تعالي معايا
صخر وهو يحاول الابتعاد عنه :
انا مش جادر، مش جادر اكمل والله العظيم.. هي السبب.. ي ال جتلتها.. جتلتها هي وابني بس جسما بالله العظيم ما انا سايبها.. والله لـ هاخد بتاري منها وهندمها علي حاجه انا هدفعها تمن ال عملته دا غالي جوي سيبني و
لم ينهي صخر كلماته حتي ضربه ادم على وجهه بلكمة قوية وهو يصرخ:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
مش هتعيش اكده.... هتضيع كل حاجة لو فضلت علي الوضع دا... انا عارف مين متفج مع كريم.. عرفت كل حاجه ولازم تساعدني.. لازم تساعدني اننا نلاجي رجوه ونجتلها قبل ما تخلص علي باقي العيله. بالله عليك فوح يا صخى.. فوج واصحي من ال انت فيع دا تعالي يلا.. تعالي.. انا معاك وكل حاجه هنعديها مع بعض.. مش هسيبك بعد اكده لحه واحده
انهي ادم كلانه وأخذ صخر بيده، وخرجوا معا من هذا المكان وفي صباح يوم جديد كانت ممدده قدر علي الفراش ثابته في نوم عميق بعد ارهاق دام لايام ولكنها انفزعت من نومها عندما استمعت الي صوت زغاريط فنهضت بسررعه مردده بغضب:
مين جليل الربايه ال بيزغرط اكده وعندنا مين.. لو صخر سمعه هتبجي مصيبه
القت قدر كلماتها وخرجت وبعد فتره كانت تقف كتمثالٍ أصابه الذهول ونظراتها متجمدة... لا تصدق ما تراه عيناها بينما صخر يقف بجوار امرأة أخرى.. يمسك بيدها والشيخ يعلن تمام عقد قرانهما... لم تشعر قدر بقدميها وكأن الأرض انسحبت من تحتها وكأن شيئًا بداخلها انكسر للأبد. حتي جاء صوت الجد مرددا:
الف مبروك يا ولاد.. ربنا يتمملكم علي خير يارب.. مبروك يا صخر
شهقت قدر بصوت مكتوم بينما تلاقت عيناها بعيني صخر التي لم تجد فيهما سوى القسوة.. لم يكن فيهما أثرا للحب... بل شيء أقسى من الكراهية فرددت بصدمه:
ليه اكده... ليه؟!
اقترب صخر منها وردد بغضب :
انتي السبب... انتي ال موتي ميار.... أنا بكرهك يا قدر، بكرهك من جلبي... وغلطتي الوحيدة إني اتجوزت واحدة زيك... علشان اكده حبيت اصلح غلطتي واتجوز واحده نظيفه مش زيك رخيصه وملهاش اي اهميه.. انتي اسوء انسانه شوفتها في حياتي.. انتي الحاجه الوحيده ال ندمت عليها ياريتني ما كنت رحعت ولا شوفتك ولا اتجوزتك
انكمشت كلماته كخناجر في صدرها وأحست قدر بالألم يعتصر أحشاءها قبل قلبها. فجأة واختل توازنها ووقعت على الأرض وصرخة مروعة مزقت سكون القاعة و دماؤها تسيل ويدها على بطنها المرتجفة وهمست بشفاه مرتجفة ودمعة تسابق الدم وهي تهتف بألم:
ـ ابني... ابني بيموت يا صخر و
وبعد فتره من الوقت ظل للجميع واقفًا في ردهة المستشفى وقد خيم الصمت على الأجواء كأنه غمامة ثقيلة لا تنقشع وللا تزال أعينهم معلقة بباب غرفة العمليات يترقبون لحظة انفتاحه بينما عقارب الساعة تمضي ببطء خانق وحين انفتح الباب أخيرا خرج الطبيب بخطوات مثقلة ونظرة مرهقة وتقدم صخر نحوه وصوته يختنق بالقلق مرددا :
طمني يا حكيم… هي كويسة؟ والجنين؟
تنهد الطبيب قبل أن يجيب بهدوء:
البقاء لله… الجنين مات.
ساد لحظة من السكون تليها نظرات ارتياح خفية على بعض الوجوه وكأن عبئا ثقيلا أزيح عن كاهلهم أما صخروفـ تجمد مكانه وغامت عيناه واتشح وجهه بالحزن العميق وظهر الألم واضحا في ملامحه فـ اقترب خليل منه وردد ببرود خالي من الشعور:
كده أحسن… والبت دي كمان لازم تموت ونخلص بجا من كل دا
أدار له صخر رأسه ببطء وحدق فيه بعينين تضجان بالغضب والاستياء دون أن يرد عليه حينها، اهتز جيبه فأخرج هاتفه ليرى رسالة جديدة وما إن قرأها، حتى اتسعت عيناه وتغيرت ملامحه فجأة وكأنّ الصدمة أصابته في صميم قلبه فـ أسرع نحو الغرفة بخطوات متلاحقة وفتح الباب بعنف، وما ان دخل حتي تجمد مكانه عندما وجد الغرفه فارغه لا يوجد بها اي شخص وكان الارض انشقت وابتلعت قدر فردد بصوت مبحوحًا من هول ما رأى:
هيجتلها.... هتموت و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كانت الأضواء الشاحبة تنعكس على زجاج السيارة وصوت المحرك يعلو في سكون الليل وصخر يقود بسرعة بجوار المستشفى يتأرجح بين القلق والغضب حتى لمح طيفا مألوفا يقف عند السور فـ ضغط على المكابح بقوة وانحرف بسيارته إلى جانب الطريق ثم ترجل منها بخطوات مسرعة واقترب من قدر التي كانت تسير ببطئ وهي تبكي بحرقه وردد بعصبيه:
إزاي خرجتي من غير ما نشوفك... وإي الورجه ال كتبتيها دي أنا كنت فاكر إن كريم خطفك.. حرام عليكي ليه اكده.. هو انتي ليه دايما عايزه تحرقي قلبي
رفعت قدر نظرها إليه والدموع تتلألأ في عينيها وصوتها يخرج متهدجا من بين شفتيها المرتجفتين:
انا السبب... أنا ال جتلت ميار... علشان اكده ابني مات.... أنا استاهل كل ال بيوحصلي.. لازم اخلصكم مني ومن شري.. محدش بيحبني لا اهلي ولا جدي ولا مامتك ولا حتي انت.. الكل بيكرهني وانتوا معاكم حق تكرهوني... سيبني بالله عليك امشي واختفي من حياتكم كلها بجا
تنهد صخر بضيق وظل واقفا أمامها يتأمل ملامحها الشاحبة ونظراتها المكسورة... لم يتحدث لكن عينيه أفصحتا عن قلق دفين كان يحاول كتمانه حتي اقترب منها بحذر ثم ردد بصوت منخفض:
إنتي تعبانة، لازم ترجعي المستشفي.. مينفعش ال بتعمليه دا انا مش ناجص كفايه ال انا فيه
ـنظرت قدر الي بدموع واستندت علي الحلئم وهتفت:
سيبني... بلاش. أنا تعبت خلاص.. سيبني بجا بالله عليك
القت قدر كلماتها وجاءت لتذهب ولكن لم يمهلها صخر فرصه للذهاب ومد يده إليها بهدوء ثم حملها بين ذراعيه كما لو أنها باتت قطعة من روحه لا تحتمل السقوط و وضعها في المقعد المجاور واغلق الباب ثم استدار إلى مقعد القيادة وأدار المحرك من جديد وانطلقت السيارة بسرعه وبعد فتره عند ادم كان الليل قد ثقل ستاره على البيت الكبير لا صوت يسمع سوى أنفاس السكون الثقيلة فـ تجولت يمنى بين أرجاء المكان تبحث عن طيفٍ أنثوي ونادت وهي تمرر يدها على حواف الأبواب الخشبية القديمة:
يا حجه... يا حجه حضرتك فين.. مفيش حد اهنيه ولا اي عاد
اتجهت يمني نحو الصالة وهناك رأت ادم واقفا عند النافذة جسده مائل قليلا وفي يده كأس يلمع تحت الضوء الأصفر الخافت فـ اقتربت منه خطوة بخطوة حتى وقفت على بعد متر واحد ورددت بقلق:
هو إي ال في إيدك دا.... إنت بتشرب ولا اي؟
استدار ادم نحوها ببطء وابتسامة باهتة ترتسم على وجهه وعلق دون أن ينظر في عينيها:
أمي سافرت عند أهل ليلى الله يرحمها ... بيجولوا أمها تعبانة شوية فراحت علشان تشوفهغ وتبجي جمبها
قطبت يمني حاجبيها تنظر إليه بنظرة لا تخلو من خيبة أمل وهتفت :
وسايب البيت فاضي وتشرب فيه كأنك لوحدك؟ دا اسمه تصرف راجل.. انت فاكر ان اكده هتنسي عمر الحرام ما بينسي حاجه
ضحك ادم بسخرية ثم جلس على الأريكة بإرهاق واضح وردد:
يمكن لو كنتي مكاني... كنتي عملتي أكتر من اكده.. بلاش تتكلمي وانتي مش عايشه مكاني
نظرا يمني اليه بضيق واردفت:
لع مكنتش هعمل اكده... إنت مش لوحدك يا آدم في ناس مستنياك تكون سند ليهم.. بس انت اكده بتضيع نفسك انا مش بجولك بلاش تزعل.. لع طبعا ازعل.. مدام ليلي الله يرحمها يتزعل عليها العمر كله بس عمر الزعل ما كان بالطريجه دي فيه ناس كتير محتاجالك
رفع ادم رأسه نحوها وردد بحدة منخفضة:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
زي مين؟! صخر؟ قدر؟ ولا إنتي؟
سكتت يمني للحظة، ثم همست:
ـلع مش قدر وقدر مش وحشة اكده زي ما انت فاكر.. بس موجوعة. وصخر... كان جاسي عليها جوي.. محدش رحمها
وقف ادم فجأة، اقترب منها حتى كاد يلامس كتفها وردد بحده
ـ صخر أنقذها من تحت الأرض... كل مره يوجف جمبها وينقذها.. وجف جصاد جده علشانها.. جصاد خليل الصعيدي ال لسه محدش جدر يوجف جصاده علشان ست قدر ال في الاخر كانت السبب في موت مرته.. قدر دمرت الكل واولهم صخر
ابتلعت يمنؤ ريقها بصعوبه وقالت بصوت خافت:
بس هو وجعها أكتر ما أنقذها... وكلنا عندنا حدود يا آدم.. الكل بيتعدي حدوده في الاذيه معاها.. الكل بيحملها نتيحه اي مشكله بتوحصل معرفش ليه مع انها الضحيه الوحيده
القت يمني كلماتها بضيق وطال الصمت بينهما وتبدلت نبرة الحوار إلى هدوء عاصف فـ أشاحت بوجهها وهمت بالرحيل مردده :
أنا مش جاية علشان أتخانق... واضح إني غلطانة إني جيت اصلا
أمسك ادم يدها فجأة.. كانت حركته هادئة لكنها تحمل شيئا مختلفا شيئا أقرب للرجاء وهتف:
استني... متروحيش اكده
وقفت يمني مكانها... لا تجرؤ على النظر إليه ولا على التقدم وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع فـ همس قريبا منها بصوت مبحوح كأنه يحارب نفسه:
متسبنيش بالله عليكي
رفعت يمني نظرها إليه أخيرا وعيناها تلمعان بمزيج من الغضب والتردد... فـ اقترب ادم أكثر خطوة بعد خطوة حتى تلاشى الفراغ بينهما وظلت هي واقفة لا تقاوم، لا تستسلم وهذه اللحظة لم تكن بريئة لكنها لم تكن واضحة. فقط عينان تتحدثان، ونفس منهك وقلوب تبحث عن مرفأ مؤقت للهروب من كل ما يؤلم ثم أغمضت يمنى عينيها وكأنها سلمت روحها لشيء لا تفهمه... شيء أكبر منها ومنه ولم يدرك احدهم حجم الكارثه التي حلت عليهم وبالتحديد يمني التي كانت وسيله لهروب ادم من واقعه المرير وفي صباح يوم جديد كان ضوء الشمس يتسلل بخفة من خلف الستائر ينعكس على ملامح صخر التي بدت مرهقة ساكنة كأن النوم لم يلمس عينيه بطمأنينة... كان مستلقيًا على الفراش وصدره العاري يرتفع ويهبط ببطء يغوص في هدوء مشوش حتى أحس فجأة بلمسة خفيفة على كتفه وفتح عينيه بفزع جالسا بسرعة وهو يلتقط أنفاسه:
في إي
صوته خرج حادا مضطربا قبل أن تقع عيناه على عنبر التي تقف امامه في ثوب نوم بسيط تنظر إليه وردت بهدوء متوتر:
مالك؟ هو انت نسيت إننا اتجوزنا امبارح المفروض ليلة امبارح كانت عندي مش اكده
نظر إليها صخر لثواني كأنها غريبة أمامه ثم مسح على وجهه وتنهد وهتف بنبرة باردة:
انا اتجوزتك علشان أمي طلبت اكدخ علشان توافج نفضل اهنيه في الصعيد... وأنا مجدرش أسيب البلد دلوجتي.... وإنتي عارفة ده كويس
اتسعت عينا عنبر وظهر الحزن على ملامحها لكنها تماسكت واقتربت منه خطوة وهتفت:
بس أنا مرتك دلوجتي يا صخر ومليش صالح بكل ده... أنا م من حقي يكون ليا منك حاجة واكون معاك
صرخ صخر بها وهو ينهض واقفا:
اومال العياط على ميار كان إي.... دا كله كان تمثيل أنا جوزها وأنتي عارفة كويس هي كانت بالنسبالي اي.. عادي اكده انك تبجي مع حوزها بالسهوله دي يا بنت خالتي.. دا احنا مخدناش وجت حتي
رددت عنبر بضيق وهي تحاول لمس ذراعيها :
أنا زعلت عليها، أيوه.. بس إنت دلوجتي انت جوزي
ابتعد صخر عنها بعنف وأشار بيده:
متقربيش مني... عنبر... بلاش احسن علشان مش هيوحصل بينا ال في دماغك
وفي تلك اللحظة انفتح الباب ودخلت امه مسرعة وقد ارتسم القلق على وجهها ورددت:
في إي؟ إيه الصوت العالي ده.. مالك يا صخر في اي يا عنبر
انهارت عنبر بالبكاء فجأة وهي تشير إلى صخر:
ـهو مش عايزني مش طايجني يا خالتر ... دا حتى مش عايز يبص في وشي
تجمد صخر مكانه يضغط على أسنانه ثم صرخ بصوت أعلى من قدرته على الكتمان:
أنا اتجوزتها علشانك إنتي يا حجه لس دا ميخلينيش مجبور ألمسها... انا مش مجبور أقرب منها غصب عني.. أنا مش جادر... فاهمة؟ مش جادر.. ارحموني بجا
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
القي صخر كلماته ثم اندفع خارجا من الغرفة يصفق الباب خلفه بقوة تاركا خلفه عنبر تبكي في حضن أمه وقلبه يشتعل بصراعات لا يعرف كيف يسكتها وبعد دقائق دخل صخر الغرفة الأخرى بعصبية واضحة كأنما الغضب يشتعل في صدره نارا لا تنطفئ و تقدم بخطوات ثقيلة نحو الخزانة وفتحها بعنف ثم بدأ يبعثر ما فيها من ملابس يبحث عن شيء لا يبدو واضحا وفي حركة غير مقصودة ارتطمت يده بجسد قدر فكادت تسقط إلا أنه أمسك بها بسرعة قبل أن تنها وأسندها بيده كأنها شيء هش فـ نظرت إليه بتوتر وعيناها تقرأ غضبه وتخشى تفسيره ثم سألت بصوت خافت:
إنت كويس؟
أغمض ادم عينيه لثانية ثم فتحهما وقال دون أن ينظر لها:
ايوه كويس.... علي فكره اتجوزت عنبر علشان أمي طلبت مني اكده... مفيش بيني وبينها حاجه.
انخفضت نظرتها نحو الأرض كأنها تبحث فيه عن شيء ضائع ثم همست:
سامحني علشان ميار... علشان كل ال حوصل. والله العظيم هي ال أنقذتني وكنت بتمنى انا ال اموت ... ومش عارفه لحد دلوجتي ليه ضححت بحياتها علشاني
رفع صخر نظره إليها وحدق فيها طويلا قبل أن يقترب منها خطوة وردد:
علشان أنا بحبك.
رفعت قدى عينيها إليه بذهول وكأن الكلمة وقعت عليها كالصاعقة وهتفت:
بتحبني انا ؟
أومأ صخر برأسه وقال بنبرة منخفضة:
أيوه بحبك... وميار كانت حاسة من كتر ما كانت بتحبني مجدرتش تشوفني موجوع... وجلبي بيتقطع لو جرالك حاجه
بس هي مكنتش تعرف... إن بالرغم من إني بحبك، هي أغلى منك عندي
تراجعت قدر خطوة، ثم أغلقت عينيها بقوة وانهمرت دموعها فسارع هو بمسحها بأنامله الحانية وقال بهدوء:
متعيطيش
تمتمت قدر بصوتٍ مكسور:
أنا آسفة...سامحني
وفي لحظةٍ خافتة تقدمت نحوه بخطوات مرتجفة كأن قلبها يقودها رغم عقلها حتى وقفت أمامه تماما ورفعت رأسها إليه و نظرت في عينيه نظرة طويلة ثم وضعت شفتيها على شفتيه في قبلة مرتعشة، محملة بما فاض من الحنين والندم والوجع وظل صخر متيبسا لبرهة قبل أن يغلق عينيه ويضمها إليه بقوة ويبادلها القبلة كأنهما يهربان من كل ما في الخارج إلى لحظة صدق نادرة لا تخضع لأي حساب وبعد فتره في غرفه ادم كانت يمنى تقف أمام المرآة ز ظهرها إليها ترتجف أناملها وهي تغلق أزرار قميصها ببطء زعيناها متورمتان من البكاء وشفاهها جافة كأنها لم تنطق منذ قرون و نظرت إلى انعكاسها للحظة ثم أزاحت عينيها عنه وكأنها لا تطيق رؤية نفسها فـ وقف آدم عند باب الغرفة زوجهه شاحب وصوته بالكاد يخرج وهتف :
يمنى... استني اسمعيني بس بالله عليكي
هزت يمني رأسها دون أن تلتفت ثم انحنت لتلتقط ما تبقى من ملابسها من الأرض وكانت حركتها بطيئة كأن الجاذبية تضاعفت فجأة أو كأن العالم ينهار فوق جسدها المثقل ورددت بصوت مختنق:
أنا ال غلطانة... أنا استاهل كل ال يوحصلي. انا ال عملت في نفسي اكده
أغلقت يمني الحقيبة بسرعة ثم رفعت عينيها إليه أخيرا كانت نظرتها خالية ميتة كأنها لم تعد ترى فيه سوى نهايتها وهتفت:
ياريتني كنت موت قبل ما كال دا يوحصل.... انا ضيعت كل حاجه.. ال زيي لازم يموت مش لازم يعيش
تقدم ادم خطوة نحوها ورفع يده كأنه يحاول احتضانها أو منعها من الرحيل لكنها أبعدته بعنف وخرجت من الغرفة و أغلقت الباب خلفها بهدوء مرعب و بقي آدم واقفا للحظة ثم استدار فجأة ودخل الغرفة كأنها أصبحت فجأة زنزانته فـ نظر حوله ورأى آثارها.. ملابسها... عطرها..ظ لمستها.. كل شيء صار شاهداً عليه فـ صرخ بأعلى صوته:
انا إي ال عملته دا... ازاي اعمل اكده.. ازاي وصلت للمرحله دي
ركل تدم الكرسي بقوة فتكسّر وراح يضرب بيديه كل ما تطاله أنامله.... الكؤوس... المرآة... الكتب.... كل شيء صار هشا بين قبضتيه وصرخ بغضب:
وسختها...و بهدلتها...و كسرت كل حاجة فيها... حتى هي مسلمتش مني.. حتي هي
انهي تدم كلماته وضرب قبضته في الزجاج فتفتت شظاياه وتناثرت حوله والدم بدأ يسيل من يده لم يهتم وجلس على الأرض بين الحطام ورأسه بين يديه يئن ويشتم نفسه وبعد عدت ساعات هبطت قدر السلالم مسرعة وضحكتها تتردد في أرجاء القصر وخصلات شعرها تتطاير خلفها كفراشة خرجت من شرنقة خوفها مردده:
ماما.. ماما
نادت قدر بصوت مبلل بالشوق ثم توقفت فجأة وقد وقعت عيناها على امرأة تقف عند نهاية السلم تفتح ذراعيها كأنها كانت تنتظرها منذ سنوات فـ أسرعت قدر نحوها وارتمت في حضنها تلف ذراعيها حول خصرها بقوة:
واحشتيني جوي يا ماما
ابتسمت رجوة وهي تحضتنها ولم تقل شيئا لكن عينيها في لحظة العناق لم تبتسما معها و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
هبط صخر على درجات السلم بخطوات متسارعة بعد أن سمع صوت همسات وضحكات خافتة تأتي من بهو القصر لكن ما إن وقع بصره على المشهد أمامه حتى توقف في مكانه كأن الأرض جذبت قدميه كانت قدر تقف بجانب رجوة فـ عيناه اتسعتا بذهول وصوته خرج غليظا متحشرجا وهتف:
انتي إي ال جابك اهنيه يا رجوه
نظرت له قدر بارتباك ثم شبكت ذراعها بذراع رجوة ورددت بصوت هادئ:
دي ماما يا صخر في اي عاد
ما إن نطقت بالكلمة حتى دوى صراخ صخر في القصر مردفا:
ماما؟!! دي مش أمك يا قدر دي المربية بتاعتك.. امك منين عاد بجا ان شاء الله
تراجعت رجوة خطوتين للوراء وهي تمسك بقلبها كأنها مصدومة وقالت ببراءة مفتعلة:
صخر... ليه بتتكلم بالطريجة دي؟ أنا عمرى ما كنت غير أم لقدر... ربيتها من وهي صغيرة وكنت دايما جمبها...ليه اكده بس يا ابني انت بتكرهني ليه عاد
ضحك صخر بسخرية وقال:
جمبها؟ من إمتى وانتي بتظهري فجأة اكده بعد ما خربتي كل حاجة... انا بكرهك ومش بحبك وجولتلك مليون اني مش عايز اشوف وشك
نظرت له رجوة بعين دامعة:
أنا غلطت، بس...
قاطعها صخر بنفاذ صبر وصاح بغضب:
مفيش بس يا رجوة أنا عارف لعبك كويس وعارف إنك بترجعي دلوجتي علشان تلعبي دور الضحية جدام قدر
نظرت له قدر بارتباك وردد بضيق:
صخردي امي وأنا... أنا محتاجاها دلوجتي يا صخر... محتاجة حضن أمي... انت ليه عايز تبعدها عني.. انا مش فاهمه اصلا هي عملت اي علشان تكرها اكده
رمقها صخر بنظرة جارحه وقال بصوت منخفض حاد:
لو هي فعلاً أمك... كانت ظهرت من بدري من اول المشاكل
نظرت له رجوة بحزن مزيف ورددت:
أنا كنت خايفه اجي والله علشان انتوا متتعصبوش مني
صرخ صخر بغضب وقال:
اخرسي كل حاجة كانت بإيدك... كنتي سايبة قدر للناس تنهشها دلوجتي جاية تلبسي قناع الرحمة.. يا رجوه انا اكتر واحد عارفك
سادت لحظة صمت مشحونة حتي نظر صخر الي رجوة بحدة وقال:
اطلعي برا. دلوجتي حالًا.
توسلت رجوة بعينين دامعتين وهتفت :
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
صخر... ارجوك...
لم تنهي رجوه جملتها حتي قاطعها صخر الذي ردد:
برا يا رجوة... قبل ما أنسى إني واجف في بيت عيلة واتصرف معاكي بطريجه مش حلوه.. يلا بره
وبنظرة حزينة ذهبت رجوة بخطوات بطيئة وهي تتمسك بنظرات قدر وصعد صخر الي غرفته وبعد فتره عند ادم كان جالسا على أرض الحمام أسفل دش الماء البارد الذي انسابت قطراته فوق رأسه دون توقف كأنه يبحث عن وسيلة تطفئ الحريق المستعر داخله وعيناه كانتا مفتوحتين ولكنه لم يري شيئًا... غارق في دوامة من الذنب والندم والضياع حتي انفتح الباب فجأة ودخل صخر مسرعا... عابس الملامح وقد بللت أنفاسه اللهفة مرددا :
ادم... إنت بتعمل إي اهنيه.. في إي يا ابني؟ إيه الحالة دي؟!"
رفع آدم عينيه ببطءٍ نحوه وبدا كأنه يعود من عالم آخر ثم تمتم بصوت مكسور:
أنا... أنا دمرت كل حاجة يا صخر... غلطت... غلطت غلطه كبيره جوي
اقترب صخر منه بخطوات سريعة، وأغلق صنبور الماء، ثم جلس إلى جواره و صوته ممتلئ بالقلق:
غلطت إزاي؟ جولي في إي عاد.. اي ال حوصل
ارتجف آدم وأسند رأسه إلى الجدار خلفه وهمس بندمٍ خافت:
انا غلطت مع يمنى... حوصل بينا حاجة... أنا... أنا دمرتلها حياتها يا صخر
سكت صخر للحظة وعيناه اتسعتا بالذهول قبل أن يهمس بانكسار:
حوصل إي؟! إنت... إنت تجصد اي غلطت معاها
أومأ ادم برأسه ودموعه تسيل مع بقية قطرات الماء وردد:
كنت مش في وعيي... كنت ضايع... مش فاكر حتى إزاي ولا إمتى... كل ال أعرفه إني صحيت على كابوس... وهي كانت منهارة... وأنا... أنا مجدرتش اعمل حاجه.. والله ما اعرف ازاي عملت اكده ولا لمستها ازاي
شدّ صخر على كتفه وهتف بصوت حاد:
آدم.... إنت لازم تتجوزها.. البنت اكده ضاعت... أهلها لو عرفوا ممكن يجتلوها.. لع مش ممكن هما هيجتلوها بجد
أدار آدم وجهه بمرارة وردد:
مش جادر... مش جادر أتجوز واحدة بعد ليلى... مش جادر أعيش من غيرها ولا حتى عارف مين جتلها لحد دلوجتي.. انا مش هعرف اهمل اي حاجه غير لما اخد بتار ليلي
اشتعل الغضب في ملامح صخر فهتف:
يا آدم فوق... ال حوصل حوصل.. بس لازم تتحمل نتيجة أفعالك.. يمنى دي إنسانة مش ظل ليلى ومصيرها دلوجتي في إيدك... حرام عليك بلاش تتسبب في موتها
القي صخر كلماته لكن آدم ظل صامتا وعينيه تحدقان في اللاشيء بينما روحه تتخبط بين ذنبٍ لم يغتفر ووجع حب لم يُدفن حتي فتح باب الغرفه فجأة وظهر أحد الحراس ينظر إليهما بقلق مرددا :
يا بيه... في حد مستنيكم تحت بيجول لازم يشوفكم حالًا
نهض صخر سريعا وتبعه ادم ببطء كأن ما ينتظر في الأسفل... قد يكون أسوأ مما فضح وفي المساء كان الليل قد استقر على أرجاء القصر يغمره بصمته ووحشته وفي الغرفة العلوية كانت قدر تجلس على طرف الفراش ذاهلة تنظر إلى اللاشيء بعينين ممتلئتين بالقلق والتشتت..و كانت كلمات صخر ما تزال تتردد في أذنيها وصورة رجوة وهي تغادر بانكسار لا تغادر مخيلتها حتي فتح باب الغرفة بهدوء ودخل صخر بخطوات ثقيلة وعيناه تبحثان عنها كأنها ملاذه الوحيد وما إن وقعت عيناه على ملامحها الشاحبة حتى اقترب منها دون أن يتكلم في البداية ونظرت له قدر فحركت شفتيها بصوت خافت:
كنت جاعده مستنياك.. اتاخرت جوي
اقترب صخر وجلس بجوارها ز تنهد بعمق ثم قال بنبرة هادئة:
انتي مش عارفة حاجة يا قدر... رجوة مش زي ما انتي فاكرة... مش كويسة والله العظيم
نظرت له قدر بعين دامعة وقالت:
بس دي كانت طيبة معايا... كانت بتحضني وبتسمعني دايما وعمرها ما زعلتني
هز صخر رأسه بأسى وقال:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كانت بتضحك عليكي يا قدر... رجوة دي عمرها ما كانت أم، لا ليكي ولا لحد... دي ست بتعرف تلعب بمشاعر ال حواليها... وبتستغل كل حاجة لمصلحتها.
سكتت قدر للحظة ثم رددت بصوت مكسور:
يمكن... بس أنا محتاجه حد... تعبت، بجد تعبت من كل حاجة.
اقترب صخر منها أكثر ورفع يدها بين يديه وقال برقة:
وأنا تعبت... تعبت جوي... نفسي أمشي من هاهنيه ... الصعيد مجابتليش غير الحزن والدم... مش لاجي نفسي اهنيه خلاص... بس جاعد علشانك يا قدر.. انا بحاول احميكي من كل الناس فبلاش تضعفي بالله عليكي وتزودي عليا المشاكل اطتر من اكده.. انا حاسس اني بحارب كل العالم ومفيش حد معايا.. خليكي انتي جمبي
نظرت له قدر بتردد، ثم همست:
وميار؟... الله يرحمها... كنت بتحبها جوي صوح؟
سكنت ملامحه للحظة ثم أجاب بصوت عميق:
عمري ما حبيتها... بس مكانتها عندي كانت أغلى من الحب... كانت أختي وصاحبتي وسندي... ميار كانت أكتر من الحب بكتير...الحب مش كل حاجه.. انا كنت مستعد اضحي بحياتي كلعا علشانها والله.. الحاجه الوحيده ال جدرت تكسرني هو موتها
لم تستطع قدر أن تحبس دموعها فاندفعت تسيل على وجنتيها ثم تمتمت:
وأنا... ومشاكلي... أنا السبب فكل دا... وكريم... كريم محدش عارف مكانه لحد دلوجتي... وممكن يأذي حد تاني...وبرده هيكون بسببي انا والله ما اعرف انا عملتله اي علشان يعمل علشاني اكده
ضمها صخر إليه بقوة يحتضن ضعفها وضعفه في آنٍ واحد وهمس قرب أذنيها:
مش هخلي حد يقربلك تاني... ولا يوجعك تاني... انتي خلاص بجيتي مني
رفعت قدر رأسها نحوه وعينها تبحث عن الأمان في عينيه فاقترب منها وقبّل جبينها ثم شفتاها قبلة بطيئة مشحونة بكل ما لم يقال وكل ما كان مدفونا في القلب منذ زمن لكن فجأة انفتح الباب بعنف ودخلت عنبر والقلق يملأ وجهها فرددت بحده:
ادم اتصل بيك كتير وبيجول انه مستنيك في المكان ال اتفجتوا عليه بس اتت شكلك مش فاضي
تنهد صخر بضيق وابتعد عن قدر التي سارعت لتجفف دموعها وقلبها يخفق بشدة كأن اللحظة التي انتظرتها كثيرًا قد خطفت منها قسرا من جديد ونهض صخر وذهب فاقتربت عنبر منها وعيناها مشتعلتان والغيرة تسبقها كاللهيب حتي تقدمت بخطوات عنيفة وهي تقول بصوت مرتفع:
انتي عايزة إي تاني؟ مش كفاية ال حوصل بسببك؟! ابعدي عن صخر... صخر جوزي
رفعت قدر رأسها ببطء وكأنها تخرج نفسها من عالم آخر وردت بنبرة خافتة رغم اضطرابها:
صخر اتجوزك علشان أمه... مش أكتر
ضحكت عنبر بسخرية واقتربت أكثر وقالت وهي تشير إليها بإصبعها:
صخر نهايته هتكون على إيدك! انتي شر وأي حد بيقرب منك يا بيموت يا حياته بتبوظ.. ليه اكده... حرام عليكي ابعدي عنه بجا
تراجعت قدر خطوة، ثم همست:
انتي مش فاهمة حاجة انا و
لكن عنبر لم تترك لها فرصة لتكمل فقاطعتها بعنف:
انا فاهمة كل حاجة... صخر بيضيع بسببك وأنا مش هسكت. انتي لعنة عليه ومكانك مش معاه.. انا بحذرك للمره الاخيره ابعدي عن صخر
القت عنبر كلماتها ثم خرجت من الغرفة واندفاع الباب كانت أشبه بطعنة فـ وقفت قدر وحدها والدموع تنساب على وجهها بصمت وكأن العالم بأسره يغلق أبوابه في وجهها من جديد وفي لحظة صمت ثقيلة بعدما خرجت عنبر من الغرفة بغضب توقفت قدر في مكانها للحظات طويلة ولم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأقاويل والاتهامات التي ألصقها بها الجميع كان قلبها مثقلاً بالألم والعينين مرهقتين من الدموع التي لم تجد مخرجا لها سوى الهروب وخطواتها ثقيلة وعيناها شاردة حتى اقتربت من الدولاب القديم و فتحته بخوف وكأنها تبحث عن شيء ينفذها من مصيرها المظلم وفتحت إحدى الرفوف الصغيرة في الزاوية لتجد شيئًا غريبًا ملفوفًا في ورقة فـ مدت يدها المرتجفة سحبت الكيس وفتحته بحذر شديد كان بداخل الكيس مادة بيضاء تشبه المسحوق... فـ وقفت لحظة وهي تحدق في الكيس ثم رفعت يديها إلى وجهها وكأنها لا تصدق ما تراه لكنها شعرت فجأة بشيء غريب يدفعها نحو الورقة مرة أخرى فاقتربت من الكيس، وقبل أن تتمالك نفسها اخذت نفسا عميقا وشمت المادة البيضاء باندفاع كما لو كانت تبحث عن شيء يهدئ الألم الذي يشعر به قلبها كان شعورا غريبا وكأنها بدأت في الغرق في دوامة جديدة.. دوامة لا تعرف لها مخرجا كانت بداية طريق مظلم آخر مدخلا لم تفكر في العواقب حين بدأته ومع أول نفس شعرت بحالة من النشوة... حالة من الهروب عن الواقع ولكن في داخلها كانت تعرف تماما أن هذا بداية لشيء أكبر وأخطر وفجاه و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
كان آدم جالسا داخل سيارته يراقب باب بيت يمنى لم يكن يدري كم من الوقت قد مر لكنه كان على يقين أن الانتظار قد صار يحرق أعصابه أكثر مما يحتمل فـ ظل يطرق المقود بأصابعه بعصبية حتى لمحها أخيرا وهي تخرج من باب العمارة بخطوات مترددة تنكمش داخل نفسها وكأنها تهرب من العالم كله فـ انتفض آدم في مكانه وفتح باب السيارة بسرعة وانطلق نحوها قبل أن تفلت منه وردد بلهفه:
يمنى.. استني لازم أتكلم معاكي
توقفت يمني مكانها دون أن تلتفت إليه.. ظلت تحدق في الأرض وكأنها تخشى مواجهته أو مواجهة نفسها فـ اقترب أكثر وردد بضيق :
أنا غلطت... ولازم أصلح غلطتي
رفعت يمني عينيها نحوه أخيرا وفي نظرتها انكسار موجع، ثم تمتمت بمرارة:
الغلط غلطتي أنا... أنا ال استسلمت... أنا ال ضيعت شرفي واستاهل كل ال بيوحصلي دا
تجمد ادم في مكانه للحظة وكأن كلماتها صفعت وجهه قبل أن يهتف بعناد:
هتجوزك والله هتجوزك وأصلح كل حاجة
هزت رأسها رفضا وأجابت بصوت مختنق:
إنت هتتجوزني غصب عنك؟! أنا مش عايزة اكده... مش عايزه كل دا مش هتجوز واحد غصب عني
اشتعل الغضب في عينيه وصرخ وهو يشير بيده بعنف:
انتي بتهزري؟! إحنا غلطانين مع بعض... وانتي مش بنت الموضوع مش بمزاجك أصلا هو اي ال انتي بتجوليه دا... انتي بتتكلمي كأننا كنا مرتبطين واتفصلنا. يمني فووجي شويه من الغيبوبه ال انتي فيها دي
ارتجفت شفتاها لكنها لم تجد ردا، فتابع بصوت أشبه بالتهديد:
أنا هاجي أتجدم لأهلك بالليل... جهزي نفسك
القي ادم كلماته ثم تركها واقفة مكانها عاجزة عن الحراك وانطلق مبتعدا دون أن يلتفت خلفه وبعد فتره في مكان اخر نزل خليل من عربيته بخطوات ثقيلة وعيناه تقدحان شرا من الغضب المكبوت كان قد بلغه ما حدث وجاء بنفسه ليضع حدا لكل شيء وما إن دخل إلى الساحة الخلفية حيث كان الحرس ينتظرون حتى وقعت عيناه على كريم مكبلا بين أيديهم ورأسه مطأطأ كالفأر المذعور فـ تقدم خليل نحوه ببطء وكل خطوة منه كانت تحمل وعيدا ثقيلا، حتى وقف أمامه مباشرة وقال بصوت جهوري متحشرج بالغضب:
كلب زيك يعمل اكده في حفيده الصعيدي
رفع كريم رأسه قليلًا لكن نظرته المرتجفة خانته فـ اقترب خليل أكثر وصاح وهو يكاد يخنقه الغضب:
مين وراك؟ مين ال باعتك انا متأكد ان فيه حد ورا كل ال عملته دا... اتكلم بدل جسما بالله العظيم هجتلك
هز كريم رأسه بعناد وقال بصوت متهدج:
مفيش حد ورايا... وحفيدتك كانت موافجة على كل ال حوصل بينا
كاد قلب خليل ينفجر من مكانه.. فلوح بيده للحراس بأمر صارم:
اضربوه
وانهالت الضربات على كريم بينما خليل يصرخ:
اخرس يا كلب... حفيدتي أشرف واحدة في الدنيا ولو غلطتها فده علشان أمنت لواحد حقير زيك ووافجت تتخطبلك وأنا مكنتش راضي بيك من الأول
تقدم خليل خطوة أخرى حتى صار وجهه قريبا جدا من وجه كريم وسأله بنبرة تحمل تهديدا صريحا:
جول... مين تبعه؟!
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
رفض كريم أن ينطق فتطاير الشرر من عيني خليل وبحركة خاطفة انتزع السلاح من حارس بجانبه وصوبه إلى رأس كريم مباشرة، صائحا:
لو مجولتش دلوجتي... والله هجتلك
ارتجف كريم وتراجع قدر المستطاع قبل أن يصرخ أخيرا باستسلام:
رجوة... رجوة هي ال ورا كل حاجة
تجمد خليل مكانه لثواني... لم تصدق أذناه ما سمعه. ثم أشار للحراس بإشارة حادة قائلا بجمود:
خلوه اكده من غير واكل ولا شرب
انعي خليل كلماته ثم استدار بعدها دون أن ينظر خلفه وغادر المكان وخطواته تضرب الأرض ضربا كمن يحمل فوق كتفيه نيرانا لا تنطفئ وفي مساء يومٍ جديد كانت قدر تدخل إلى غرفتها مع صخر بعد قضاء بعض الوقت بالخارج وما إن أغلقت الباب خلفها حتى التفتت إليه وسألته وهي تخلع حجابها بتلقائية:
ـهو آدم ويمنى اتجوزوا اكده فجأة ليه عاد
توترت ملامح صخر للحظة لكنه أخفى ذلك بسرعة وأجاب بجفاء مقصود:
اكيد حبوا بعض يعني علشان اكده اتجوزو بسرعه
رمقته قدر بنظرة مشككة وقالت بهدوء وكأنها تحلل الموقف:
بس أنا مش شايفة إن آدم حبها... دي حتى يمنى شكلها زعلانة ومكسورة وبعدين آدم كان بيحب ليلى... الله يرحمها... إي ال حوصل فجأة اكده... هو فيه حاجه انا معرفهاش ولا اي
لم يرد صخر بشيء بل اكتفى بخلع قميصه ورماه على الكرسي القريب قبل أن يقترب منها بخطوات بطيئة وهو يقول بنبرة رخيمة:
ــ ملناش صالخ بجا يا قدر ... المهم إنهم اتجوزوا وخلاصمش هنجعد نفكر طول العمر كل واحد حر في حياته
جلس صخر على طرف السرير واضعا كفيه على ركبتيه بينما ظلت قدر تحدق فيه بتردد قبل أن تقترب منه وتسأله بصوت خفيض:
طب وانت؟... إي حكايتك مع عنبر؟... أنا مش فاهمة... إنتوا متجوزين ولا إي بالظبط اللي بيوحصل بينكم؟
رفع صخر رأسه نحوها وتلاشت الصرامة من ملامحه وهو يجيبها بهدوء:
أنا معاها بس علشان أمي... وعنبر نفسها عارفة دا انا مكدبتش عليها وإحنا هنطلج اصلا جريب جوي
عقدت قدر ذراعيها أمام صدرها وقالت بضيق:
بس دا غلط... انت لازم تعمل ال يريح الحجه... كفاية عليك مشاكل بسببي لحد دلوجتي
ابتسم صخر ابتسامة خافتة ثم نهض واقترب منها أكثر ورفع يده بلطف ليلمس وجنتها بأطراف أصابعه وهو يهمس بعينين تلتمعان بالصدق:
انا مستعد لأي مشاكل... لو هتيجي منك انتي فـ انا موافج.. ياريت كل مشاكل الدنيا تبجي منك انتي يا قدر
توردت وجنتاها لكنها لم تتراجع بل ظلت تحدق فيه بعينين مضطربتين ليقترب أكثر ويلمس شفتيها بقبلة دافئة مفعمة بكل المشاعر التي لم تعد بحاجة إلى كلمات وبعد فتره في بيت آدم كانت الأجواء مشحونة بالصمت والغضب ووقف آدم في غرفته ينتزع قميصه بعصبية ويرميه أرضا بحركة حادة قبل أن يجلس على طرف السرير يدفن وجهه بين كفيه ولم تمر لحظات حتى انفتح باب الغرفة ببطء ودخلت يمنى بتردد وما إن وقعت عيناها عليه عاري الصدر حتى ارتبكت بشدة واستدارت بسرعة لتخرج، لكن يد آدم كانت أسرع وأمسك بمعصمها بقوة جعلتها تتجمد في مكانها وقال بصوت خشن مليء بالندم:
متخرجيش... مش هينفع النظام دا... يمنى أنا آسف... والله آسف... لازم تسامحيني
ظلت يمنى تحدق في الأرض ثم تمتمت بصوت متهدج وهي تحاول سحب يدها:
أنا مش زعلانة منك... أنا زعلانة من نفسي... علشان ضيعت شرفي... علشان استسلمت ليك
زفر آدم بقوة واقترب منها أكثر وقال بنبرة حازمة:
خلاص يا يمنى... احنا اتجوزنا... الموضوع انتهى
رفعت يمنى رأسها فجأة وعيناها تلمعان بالدموع ثم صرخت بألم:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
إنت مش بتحبني.. أنا آسفة... آسفة إني حبيتك... علشان اكده رخصت نفسي... واستسلمت ليك بكل سهوله.. انا حبيتك جوي معرفش ازاي وامتي وليه وانا متاكده انك بتحب واحده تانيه وجلبك متعلق بيها
صدمته كلماتها بشدة لكنه لم ينطق فقط مد يده يمسح دموعها بإبهامه بلطف شديد وهو يهمس بندم:
حقك عليا... والله حقك عليا بس غصب عني.. الحب مش بأيدي
أبعدت يمنى وجهها عنه وهي تهمس بمرارة:
متعتذرش... مفيش حاجة تتصلح... احنا فتره... وهنطلج... وخلاص و
وبينما كانت تكمل كلماتها المرتجفة اقترب منها آدم فجأة وقبلها قبلة قصيرة تحمل كل الغضب والحزن في داخله قبلة جعلت الدموع تتساقط بغزارة على خديها ثم كأنه استفاق فجأة وابتعد عنها بعنف، ونظر لها بنظرة مشتعلة بالألم واستدار خارجا من الغرفة بخطوات ثقيلة وعصبية تاركا خلفه يمنى منهارة تبكي بصمت وفي صباح يوم جديد كانت الشمس بالكاد ترسل خيوطها الخجولة فوق أرض الصعيد حين وقفت قدر بعيدا خلف شجرة كثيفة تتوارى عن الأنظار وهي تراقب من بعيد خروج جدها خليل من المبنى القديم ذي الجدران المتآكلة.
كان الجد يسير بخطوات ثقيلة كأن هموما سوداء تكبل كتفيه، وقد بدا على ملامحه الغضب والوجوم .... راقبته قدر بعينين مرتابتين وقلبها يضرب بين ضلوعها بعنف دون أن تدري لماذا شيء ما كان يهمس لها أن أمرا خطيرا يحدث خلف تلك الجدران... وما إن ابتعد خليل تماما عن المكان حتى لم تتردد و ركضت بخفة حتى وصلت إلى باب المبنى القديم ودفعته بحذر. ودخلت، وعيونها تتلفت في الظلال الثقيلة ورائحة العطن والغبار تزكم أنفها لكن شيئا آخر كان يسيطر على حواسها...صوت أنين خافت فـ اتسعت عيناها بذهول حين اقتربت أكثر ولم تصدق ما رأته... كريم كان ممددا على الأرض وجسده ساكن والدم ينزف بغزارة من صدره وشهقت قدر بقوة وتراجعت خطوة، الخوف يغمرها حتى ارتطمت بباب الغرفة... وبعد فترهمن الوقت هبط صخر من سيارته بخطوات متسارعة يكاد يقع من لهفته وصدره يعلو ويهبط بقوة كأن قلبه سبق خطواته واندفع نحو الباب وكسره بعنف ودخل وهو يلهث وعيناه تجولان بارتباك حتى استقرتا على المشهد الذي جمد الدم في عروقه كانت قدر ملقاة على الأرض، وجهها شاحب، عيناها غارقتان في دموع مذعورة، وكريم... لا حراك فيه فصاح صخر بصوت مبحوح:
قــدر
ألقى صخر كلماته وركض نحوها لكنها سبقته وألقت بنفسها بين ذراعيه تبكي بجنون وتتمسك به وكأنها تغرق وهي تشهق بكلمات متقطعة:
ـصخر... أنا ضربته... بالسكينة... شكله مات
شدها صخر إليه بقوة يكاد يسحقها بين ذراعيه وهمس قرب أذنها بنبرة غاضبة مرتعشة:
اهدي... اهدي يا جلبي... كلب وراح يلا.. خلينا نمشي من اهنيه
كان صخر يحاول تهدئتها وهو يربت على ظهرها يخفي رجفته بينما رأسه يعمل بسرعة... لا وقت للندم الآن وجذبها من يدها مستعدا للهروب لكن فجأة... توقف كلاهما فجأة حين ارتفع صوت حركة بالخارج فـ التفت صخر يحدق نحو الباب وتجمد الدم في عروقه للمرة الثانية حين رأى شخصا يقف هناك، يصوب سلاحه نحوهما وفجأة...انطلقت رصاصه اصابت هدفها و
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
اخترق صوت الطلقات سكون المكان وارتجت الجدران بينما عم الدخان في الأرجاء و لم تمضي لحظات حتى اندفع الباب بقوة ودخل آدم حاملاً سلاحه تتسابق نظراته القلقة بين الوجوه حتي توقف فجأة حين وقعت عيناه على صخر الذي كان يتكئ إلى الحائط فـ اقترب منه سريعًا وهو يرفع سلاحه استعدادا لأي طارئ:
إنت كويس.. حوصلك حاجه
أومأ صخر برأسه يحاول أن يبدو متماسكا وما إن التفت آدم ليستوعب المشهد حتى تجمد مكانه وهو يحدق في الجسد الممدد أرضا. كانت جثة كريم غارقة في دمائها فـ صاح متفاجئا:
اي ده؟! كريم... مين جتله
في تلك اللحظة لم تعد قدر قادرة على التماسك فانهارت دموعها دفعة واحدة وصرخت بصوت مبحوح ممزوج بالخوف والانهيار:
والله هو ال حاول يجتلني... حاول يقرب مني... وأنا كنت بدافع عن نفسي والله العظيم
انتقلت نظرات آدم بينها وبين صخر ثم ركز مجددًا على الجثة و صمت كأن عقله يحاول لملمة تفاصيل المشهد وفهم ما جرى فـ أخرج آدم هاتفه المحمول وأجرى اتصالا سريعا ثم قال بلهجة باردة:
خلاص... هبعت حد يتصرف يلا، نمشي من اهنيه دلوجتي بس اهم حاجه... خلينا نخرج من المكان دا علشان جلبي مش مرتاح
وفي صباح اليوم التالي امتد ضوء الشمس الخفيف عبر نوافذ بيت صخر يتسلل بنعومة فوق الجدران الهادئة معلنا بداية يومٍ جديد بعد عاصفة الأمس.. كانت المائدة مفروشة بأنواع الطعام تجمع حولها الجميع في صمت ثقيل كأن الكلمات تنتظر من يشق الصمت أولا وجلست قدر إلى جانب صخر بينهما مسافة صغيرة لكن عيونهم لم تتلاقي وكأن كلّ منهما يحمل في داخله ما يعجز عن قوله اما خليل الجد كان يوزع نظراته بين الوجوه بترقب حتى قطعت تهاني أم صخر الصمت بصوت واضح حازم:
مش جاه الوجت ال ننهي فيه كل دا ونمشي بجا ولا اي عاد
رفعت الأعين نحوها دفعة واحدة كأنهم لم يتوقعوا منها تلك البداية و عقد الجد حاجبيه وردد بحدة:
تمشوا فين يا تهاني؟! دا بيت ابنك...يعني بيتك
اعتدلت تهاني في جلستها ورفعت رأسها قائلة:
هو يطلج قدر... ويرجع معايا أنا وعنبر دا كان الاتفاج وأنا مش مستعدة أخسر ابني هو كمان ... كفاية ال حوصل مع ميار
ساد الصمت لحظة قبل أن تتدخل عنبر بصوت هادئ لكن :
هي عندها حق... دا الصوح لازم نرجع بجا ونبدأ من جديد
رمقها صخر بنظرة طويلة ثم قال بنبرة ثابتة لا تحتمل الجدل:
أيوه... فعلاً لازم نرجع
كادت ابتسامة أن تتسلل إلى وجه عنبر لكنه أكمل بنفس الحزم:
بس مش معاكي. جوازنا كان علشان خاطر أمي... بس انتهى خلاص. انتي طالج
شهقت عنبر وقد اتسعت عيناها من الصدمة تنهض من مكانها بسرعة وتتجه نحو قدر بعينين تقدحان شررا:
انتي السبب..... كل حاجة بدأت من وجت ما شافك.. انتي عايزه مننا اي... ما تبعدي عننا بجا
ورفعت يدها كأنها ستضربها لكن صخر وقف فجأة يسحب قدر خلفه ويقف أمامها مدافعا، يصرخ:
ابعدي... ابعدي عنها.. انتي بتحاسبيها علي اي عاد بصي لنفسك.. شوفي انتي عملتي اي... انتي اول ما ميار ماتت جيتي عملتي حواراتك علشان اتجوزك وخليتي امي تجبرني اني اتجوزك بالعافيه وليسه ليكي نفس تتكلمي كمان
صمتت عنبر لوهلة ثم التفتت ببطء نحو تهاني التي وقفت بدورها تنظر إلى ابنها بنظرة ممتلئة بالخذلان ورددت بجمود:
حضر نفسك هنرجع بكره... مش هنجعد اهنيه اكتر من اكده
القت تهاني كلماتها ثم سارت بخطى ثابتة وعنبر خلفها تتركان المكان وفي مكان اخر دفع آدم باب البيت ودخل بخطوات مرهقة وعيناه مثقلتان بالسهر والتعب وما إن لمحته يمنى حتى اندفعت نحوه بخوف ولهفة:
كنت فين يا آدم؟! إي ال حوصل؟ قدر كويسة؟
أومأ برأسه مطمئنا ثم قال بصوت منخفض:
الحمد لله... كويسة الموضوع خلص خلاص.
اقتربت منه أكثر وهي تراقب ملامحه المتعبة ثم قالت بلطف:
تعال اجعد.... شكلك مرهق أعملك حاجة تاكلها؟
مد آدم يده فجأة وأمسك يدها بلين وجذبها لتجلس بجواره على الأريكة ونظر إليها بعينين تحملان ما بين العتاب والاشتياق ثم قال بهدوء:
يمنى... إيه رأيك نسافر... نسيب الصعيد نبدأ من أول وجديد... أنا وإنت... نعيش حياة تانية بعيد عن كل ال فات.
نظرت له يمني بدهشة ممزوجة بالأمل ثم ابتسمت بخفة وقالت:
أنا موافجة على أي حاجة... طالما إنت معايا.
أخفض آدم عينيه قليلا ثم تنهد وهتف :
أنا آسف... على كل حاجة حوصلت على إني بعدت... على وجعك.. سامحيني
رفعت يمنى يدها تمسح على كفه بلطف لكنه فاجأها باحتضانها كأنما يحاول أن يطمئن قلبه بقربها وردد:
سامحيني؟
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
ابتسمت يمني بين احضانه مردفه:
– أنا مسامحاك من قبل اي حاجه اصلا
ظلا على حالهما لحظات حتى قطع رنين الهاتف هذا السكون فابتعد آدم فجأة وهو يخرج هاتفه ينظر إلى المتصل ثم رد سريعا :
أيوه؟!... دلوجتي حالا
أغلق ادم الهاتف باضطراب ثم نهض سريعا وهو يتلفت وكأنه فقد توازنه:
أنا لازم أمشي... دلوجتي...حالا
نظرت له يمنى بقلق مردده :
– في إي يا آدم.. اي ال حوصل
لم يجب ادم ز اكتفى بتقبيل جبينها على عجل وخرج من البيت مسرعا بينما بقيت يمنى واقفة عند الباب وفي ظلمة الليل وبين جدران الغرفة التي شهدت مئات الأسرار وقف صخر وآدم كأنما الزمن توقف عند وجهيهما عيناهما معلقتان على خليل الذي جلس فوق سريره يحدق في الأرض كأنها تخفي اعترافا ثقيلا فـ قال آدم بصوت مشوش:
أنت بتجول إي؟... جتلتها؟!
رفع خليل عينيه ببطء ونظر إليهما بجمود لم يعتاداه فيه ثم قال:
رجوة... هي ال جتلت ليلى وميار كانت بتحاول تنتجم... كانت شايلة في جلبها حقد من ساعة ما بنتها ماتت وهي معاكم في العربية يوم الحادثة
شهق صخر بصدمة وصوته خرج غاضبا مشبعا بالقهر:
ودا بتارنا إحنا!! وإحنا ال لازم ناخده بأدينا
انتفض خليل من مكانه وصوته ارتفع لأول مرة منذ زمن وصرخ:
مش هسمح لحد فيكم يدخل في حاجة تاني... كفاية بجا ريحوا نفسكم... تعبتوا كفاية... عايزين تسافروا؟ سافروا... ابعدوا وابدأوا من جديد. الموضوع انتهى خلاص
أنهى خليل كلماته وسار بخطى ثابتة خارج الغرفة تاركا خلفه صمتت ثقيلا ووجوها مشوشة فـ جلس آدم ببطء على حافة السرير وتنهد وهو ينظر لصخر وقال بهدوء:
يمكن... يمكن دا الصوح فعلا... ننسى... نبدأ من الأول.. أنا هسافر معاك... أنا ويمنى ونعيش سوا... نسيب الصعيد ورا ضهرنا ونمشي بجا ونخلص كلنا
التقط صخر أنفاسه كأن الحمل انزاح عن قلبه واقترب من آدم واحتضنه بقوة وهو يتمتم بابتسامة خفيفة:
أخيرا يا صاحبي... هنبدأ حياة جديدة.
وبعد فتره دفع صخر باب غرفته بهدوء والأنوار الخافتة ترسم ظلالا ساكنة على الجدران كان يظن أنه سيجد الغرفة فارغة لكن أنفاسه انحبست في صدره حين لمحها واقفة عند النافذة تلتفت إليه ببطء وعيونها تلمع تحت ضوء القمر والتفتت اليه وقالت بصوت خافت مخنوق بالقلق:
إنت هتسيبني يا صخر
تجمد في مكانه للحظة ثم تقدم نحوها بخطوات ثابتة وعيناه لا تفارق ملامحها المرتجفة وحين اقترب منها بما يكفي رفع كفه بلطف يلامس خدها وهمس:
أسيبك؟! إنتي هتيجي معايا... مش هجدر أعيش من غيرك لحظة واحدة فاهمة؟ أنا بحبك يا قدر.. انتيقدري واغلي حاجه عندي في الدنيا دي
ارتجفت شفتاها وامتلأت عيناها بالدموع لكنها تمسكت بابتسامة صغيرة وهي تهمس:
... أنا... حامل يا صخر.
اتسعت عيناه وارتبك للحظة كأن قلبه توقف عن الخفقان، ثم غمرت السعادة ملامحه فجأة واحتضنها بقوة مرددا:
قدر... ده أحلى خبر سمعته في حياتي... بجد والله... انتي حامل الحمد لله.. الحمد لله
ضمها صخر إليه أكثر، يقبل جبينها بحنان ثم تابع:
بكره هنسافر... أنا وإنتي وآدم ويمنى كمان... نبدأ من جديد... نسيب كل حاجة ورا ضهرنا ونعيش زي ما كنا بنحلم
همست قدر وهي تدفن وجهها في صدره:
انا مش عايزة أكتر من اكده... اني ابجي معاك وبس
وفي صباح يوم جديد كانت قدر تقف في غرفتها بجوار الحقائب المصفوفة بعناية تحاول أن تجهز نفسها للرحيل وفجأة فتح الباب بعنف ودخلت عنبر بخطى غاضبة، وعيناها تتقدان بنار الحقد وقالت وهي تضحك بمرارة:
مبسوطة خدتي صخر وجتلتي ميار وخليتيه يطلجني وبجيتي حامل كل حاجة بجت عندك… وأنا طلعت من غير ولا حاجة… بس مش هسيبك يا قدر لازم تموتي
اتسعت عينا قدر وهي تتراجع خطوتين إلى الوراء محاولة أن تحتوي الموقف مردده :
عنبر إهدي… إنتي مش في وعيك
لكن عنبر لم تتراجع بل أخرجت مسدسا من داخل معطفها وصوبته نحو صدر قدر مباشرة ووجهها متجهم كأنها لم تعد تملك ما تخسره وهتفت:
لع.... أنا في وعيي جدا… وأنا جاية اخلص عليكي… هجتلك وارتاح منك
صرخت قدر وهي ترفع يديها تحاول تهدئتها:
عنبر… بالله عليكي لع اسمعيني و
لكن الطلقة انطلقت بالفعل وفي اللحظة ذاتها اندفع صخر إلى الداخل كأنه شعر بالخطر دون أن ينادى ووقف أمام قدر في لحظة خاطفة لم تمر إلا ثانية واحدة حتى اخترقت الرصاصة جسده وسقط على الأرض والدم يتسلل ببطء من بين أصابعه التي وضعت على موضع الجرح فـ صرخت قدر بكل ما فيها وارتمت إلى جانبه وذراعاها ترتجفان وهتفت:
انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا
↚
صخر لع... بالله عليك جووم.. جوم ابوس يدك
فتح صخر عينيه بصعوبة وقال وهو يتنفس بصعوبة:
جولتلك… مش هسيبك لوحدك… حتى لو هموت علشانك..هفضل احميكي لاخر نفس فيا
القي صخر كلماته بتعب وفقد وعيه بين احضانها فصرخت قدر بانهيار وبعد فتره
القدر مش موافق..... والكون مش سامح.... ربنا مش رايد
ترددت الكلمات في رأسها كصدى موجع تضرب جدران روحها بلا رحمة كأنها نبوءة كتبت منذ زمن بعيد ولم تجد طريقها إلى التحقق إلا الآن.... كانت خطواتها بطيئة وهي تترجل من سيارة الإسعاف تتبعهم بعينين غائمتين بالذهول. يحملون صخر على نقالة و الدماء تلطخ ملابسه والوجوه من حولها يعلوها القلق يتسابقون وكأن الوقت عدو لدود حتي عبروا به الباب واختفوا خلفه وأغلقوه في وجهها فـ توقفت في منتصف الممر تتأمل باب غرفة العمليات كأنها ترى من خلاله مصيرها المعلق ورفعت عينيها تائهة وهمست تحدث نفسها:
تمام، أهو تعديل جديد يعكس إحساسها بالذنب وتورطها العاطفي:
---
رفعت عينيها نحو السماء الرمادية وهمست لنفسها:
أهذا جزائي لأني اقتربت؟
أكنت وهما ثقيلا تسلل إلى حياته ليثقل روحه بالوجع؟
أنا السبب... نعم، أنا.
كلما اقتربت أكثر، كلما انهار شيء بداخله أكثر
أحببته فتكالبت عليه المصائب.
تمسكت به فكانت الطعنة من القدر لا منه.
ليتني لم ادخل حياته... ليتني ظللت بعيدة، صامتة غريبة
سكنت قدر للحظة ثم شهقت أنفاسها كمن غرق فجأة في بحر الواقع. حدقت إلى الباب مرة أخرى والدموع تثقل جفونها دون أن تملك القدرة على البكاء وفجأه امتلأت المستشفى بأفراد العائلة و وصلت أصواتهم وهم يهرولون نحو غرفة الطوارئ و القلق على وجوههم والرهبة تسكن نظراتهم. فـ وقف آدم في منتصف الممر ينظر للجميع بتوتر قبل أن يسأل بصوتٍ مبحوح:
صخر فين؟! هو كويس صوح
وهنا لم تتمالك "قدر" نفسها وانفجرت باكية وانهارت على الأرض وهي تقول بصوت مختنق:
جوه... جوه لسه لحد ما الحكيم يخرج ويطمنا.. انا خايقه جوي هو هيكون كويس ان شاء الله
وما إن مرت دقائق قليلة حتى خرج الطبيب بوجهٍ شاحب ونظر للجميع وقال بحزن:
حالته حرجة جدا... طلب يشوف مرته وادم قبل ما يدخل العمليات نظروا جميعًا نحو قدر التي تجمدت للحظة قبل أن تسير ببطء ودموعها تتساقط ودخلت الغرفة كان صخر ممددا على الفراش والأجهزه تراقب أنفاسه ووجهه شاحب لكن عينيه اشتعلتا عندما رآها ورفع يده بصعوبة وهمس:
كنت مستنيك... علشان أجولك... قد إي أنا بحبك.
شهقت قدر بالبكاء واقتربت منه تمسك يده المرتعشة، لكنها لم تستطع النطق فـتابع صخر، صوته يضعف:
بس... جه الوجت ال أروح لميار... هي واحشتني جوي وانا ظلمتها كتير
صرخت قدر وهي تهزه برفق:
لع.... بالله عليك متسبنيش... أنت وعدتني... وعدتني إنك مش هتسيبني
دخل آدم منهار وركع جوار الفراش و دموعه على خديه:
إنا معنديش غيرك... متسبنيش يا صخر بالله عليك
ابتسم صخر بخفوت ومد يده المرتجفة وأمسك يد آدم ونظر له بعينين تغلب عليهما السكينة وهتف:
اسمعني كويس... قدر دلوجتي في حمايتك... هي وال في بطنها أمانة عندك... طول عمرك... دي وصيتي ليك يا ادم انا مش هأمن عليهم غير معاك وبس
هز آدم رأسه بسرعة والدموع لا تتوقف:
حاضر... بس متسيبنيش ... أبوس يدك... بالله عليك يا صخر خليك معايا
ابتسم صخر بتعب وردد:
مرتي وابني امانه عندك يا صاحبي و
لم ينتهي صخر من كلماته وفجاه انخفض صوت الأجهزة وأغمض صخر عينيه ببطء و سكن جسده وانسحب النفس الأخير من بين شفتيه فـ صرخت قدر بألم يخترق الجدران:
صــــخررررر!
وانهار آدم على صدره باكيا بصوت موجع:
لع.. يا أخوي بالله عليك جووم... جوم يا صخر
وفجاه وتحوّل المكان إلى مأتم من العويل... وصوت الألم صار سيد الموقف وبعد مرور يومين وقفت قدر أمام القبر بصمت ثقيل والسواد يكسوها من رأسها حتى أخمص قدميها
كانت الريح تداعب أطراف طرحتها السوداء والدموع تنساب على وجنتيها كأنها تأبى أن تجف ونظرت إلى التراب الذي يحتضن من كان يوما قلبها وهمست بصوت منكسر:
القدر موافقش... والكون مسمحش... وربنا مـكنش رايد نفضل مع بعض يا صخر
القت قدر كلماتها ووضعت وردة بيضاء فوق القبر ثم اعتدلت ببطء وكأنها تجبر نفسها على الرحيل بينما قلبها يصرخ بالبقاء حتي اقتربت خطوات من خلفها وصوت مألوف ناداها:
قدر
التفتت قدر فرأت ادم لكن عينيه الآن تحملان ألما لم تعرفه من قبل واقترب منها وقال بصوت خافت:
كل حاجة جاهزة، يلا علشان نسافر
أدارت قدر وجهها إليهما ثم عادت ببصرها إلى من كان يوما حبها الوحيد وقالت:
حياتي انتهت من بعدك يا صخر.... ياريتك ما كنت دخلت حياتي كان زمانك عايش. انا السبب سامحني.. ومن انهارده انا مش هعيش غير علشان ابننا ال في بطتي وبس علشان هو جزء منك.. انت هتفضل في جلبي لحد ما اموت سامحني يا ابن الصعيدي.. سامحني يا اغلي حاجه حوصلت في حياتي
القت قدر كلماتها ثم استدارت مبتعدة ودمعة ثقيلة سقطت على التراب من جديد كأنها الوداع الأخير وهي تهم بالركوب وهمست لنفسها:
"القدر مش موافج... والكون مش سامح ... ربنا مش رايد"
تمت بحمدلله