رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36 هى رواية من كتابة امل نصر رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36

رواية لأجلها امل نصر بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل السادس والثلاثون 36

اجتمع تقريبا معظم افراد الأسرة في استقبال العروسين، بعد عودتهما من السفر ورحلة العسل كما تصنف، المنزل كان ممتلأءا، بالأحباب الذين اتوا خصيصا في ذلك اليوم من اج الترحيب بهما.
والردهة الواسعة للمنزل بالكاد كانت تكفيهم، 

حسنية  وحولها أبناءها واحفادها، ومن ضمنهم كان هو وقد اتخذ مقعده مباشرة بجوارها بناء على طلب منها، يضم صغيره ريان إليه، يتبادل معهم الحديث والمزاح، عيناه لا تغادر تلك التي خطفت روحه معها في جلسه جمعتها مع ابنتها في ركن لهما وحدهما بعيدا الى حد ما عنهما.

التقاء الروح بقطعة منها 
هو الوصف الصحيح لمشهد الاثنتين، وهما ملتصقاان ببعضهما على اريكة واحدة تجمعهما، منذ عودتها من سفر لم يتجاوز الخمس عشر يوما ، إلا انه كان كالدهر على قلب الاثنتين،

كأختين توأم لا يختلفان عن بعضها البعض الا في صفات بسيطه في الشكل، ما اجمل تلك العلاقه التي تجعل الام وابنتها كجسد واحد، روح واحده، ربما تكون تلك الميزة الوحيده التي خرجت بها من ماساتها وهي صغيرة.

لا ينكر ان غيرة طفت داخله وهو يرى هذا القرب الغريب بينهما، وان احد قد حل مكانا جاهد بكل قوته للحصول عليه، رغم تقديره ورغم تفهمه ورغم كل شيء........ لكن غيرة المحب الغبية تغلب.....

ـ عينك فين يا واد ابوي؟ ركز معانا شوية باه، مش كل كلمة هنقعد نندهك فيها يا كبير ناسك.
كان ذلك صوت منى التي لم تكف على مشاكسته منذ حضورها،  فالتف اليها ضاغطا على شفته بأسنانه:

ـ يا بت انا مش منبه عليكي كذا مره تخليكي في حالك، مالك انتي بيا، ان كنت ابص هنا ولا هناك، خليكي في اللي قاعد جارك ده وماسك طبق البسبوسة عمال يحرت فيه...... ما تحوشها عني يا عم الشيخ انت كمان.
توجه في الأخيرة الى منصور الذي قهقه ضاحكا بصوت عالي، ليحرك راسه باعتراض، ثم يردد بمسكنة اندماجا مع زوجته:
ـ طب انا مالي يا ابوي؟ انتوا الاتنين اخوات  وهي مشتاقه لك عايزاك تنتبه لها وتاخد وتدي معاها في الحديت،  بدل ما عينك ما بتسرح في جهة ثانية، مش قادر تمسك نفسك اللحضة دي؟

صدحت في هذا الوقت ضحكات معاذ وخليفه الذي علق امام الذهول الذي اكتنف شقيقه:
ـ يا واد ابوي سيبك من الاثنين دول، واكنهم عصابة تدخل ما بينهم هيتوهوك 

ـ اه والله يا خليفة اللي يشوف الاستاذ منصور بره الثقيل الراسي، ما يصدقش ان هو ده اللي قاعد جنب مرته بيستخف الدم ويتلائم علينا, علمته العفرتة الله يجازيها. 
عقب بها معاذ هو الاخر، ليردد منصور بتفاخر:
ـ قصدك ان بهتت عليها يعني؟ وماله ما انا كمان بهت عليها واحنا الاثنين بقينا واحد.

فختم ضاحكا مرة اخرى يزيد من استفزاز حمزة الذي عبس رافعا شفته العليا لتستغل منى وتعود الى مشاكسته:

ـ تاني يا واض ابوي هتكشر، هو احنا غلطنا فيك يعني؟..... ولا احنا غلطنا فيك؟!
هذه المرة جاء رده عمليا، ليسحب الوساده الصغيرة من خلف ظهره يدفعها بها:

ـ يا بت حلي عني انا مش ناقصك، ما حد يحوشها عني دي يا بوي، بدل ما اروح فيها في داهيه ويحسبوها عليا نفر.

تدخلت هذه المرة مره حسنيه التي كانت تشاركهما الضحك هي الاخرى:
ـ خلاص يا حمزة قلبك ابيض، متاخدتش عليها دي هتفضل طول عمرها بخفتها كده ولا هتكبر وصل.

ـ عز الطلب يا حماتي، ونعيش احنا الاتنين صغيرين طول العمر.
علق بها منصور، ليلتف اليه حمزة بحنقه، فيضاعف عليه الآخر، يلاعب حاجبيه له، الامر الذي جعل حمزه بالكاده يمسك نفسه من الا يضحك، لياتي رده متناولا وساده اخرى بالقرب منه يلقيها عليه

..........................

اما في الجهة الأخرى بالقرب منهم:
كان اللقاء الحميمي، بين ليلى ووالدتها التي لا تزال تضمها اليها بين ذراعيها، تشبع رئتيها من رائحتها ودفء جسدها الغض، وكأنها ما زالت تلك الصغيرة التي لم تغادر حضنها بعد، لن تعترف ابدا انها كبرت.

ـ وحشتيني يا امه، ووحشني حضنك الحلو ده.
ـ ليه يا حبيبتي؟ لهو جوزك ما بيحضنكيش؟
قالتها مزيونة بمزاح، فجاء رد ليلى تشدد بذراعيها على خصرها اكثر، وتريح رأسها على صدرها:

ـ ولو حضني في اليوم مية مرة، برضو لا يمكن يغنيني عن حضنك يا امه، كنت بكلمك كل يوم فيديو ، صوت وصوت، لكن برضو لمستك ليا بالدنيا،  ياااه دا انا كنت مشتقالك جوي.
رغم اني مطمنة عليكي مع عم حمزة وفرحانة أن ربنا عوضك بيه.

قبلتها مزيونة أعلى رأسها، مؤيدة لكل كلمة نطقت بها:
ـ وانا كمان يا ضي عيني اكتر بكتير كمان ، على العموم ليكي عليا ، ما فى مشوار ولا فسحة نروحها من غيرك تاني، عمك حمزة قالي بنفسه محضر لرحلة كبيرة تضمنا كلنا، منتظر بس انك تخلصي امتحاناتك انتي والواض ريان، وانا كمان يعني... على ما اخلص كمان زيكم....

صدرت الاخيرة بنوع من خجل ومرح، انتبهت اليه ليلى تتطلع بوجهها الذي تخضب بحمرة لذيذة باندماج مع حالتها التي تخلط بين الارتباك والسعادة ايضا..... لتسالها بلهفة:

ـ يعني على كدة برضو هتكملي شهادتك السنادي؟
ـ وه وايه اللي هيخليني اتراجع يا بت؟ دا انا مصدقت ان اخد الخطوة واللاقي اللي يشجعني.

ـ تقصدي عم حمزة أنه بيشجعك صح؟
قالتها ليلى بغمزة اخجلت والدتها لتقر امامها على مضض وعجالة:
ـ اه يا اختي  بيشجعني ، استريحتي بقى؟ المهم انا عايز من بكرة اتابع مع اعتماد عشان اللم معاها كل الكتب والدروس المهمة, خلاص امتحانات الشهادة على الابواب، عايز أشد معاها عشان منقصرش...

كانت تتحدث بحماس شديد تأثرت به ليلى وفي نفس الوقت شعرت ببعض الحزن أيضا:
ـ بس أبلة اعتماد للاسف مينفعش تشد معاكي اليومين دول بالذات ، استني شوية بقى على ما ربنا يشفي عنها زين......

سألتها بريبة وتوجس:
ـ يشفي عنها من ايه بالظبط؟ هي تعبانة من حاجة؟،

ـ لهو انتي معرفتيش باللي حصلها؟
ـ ايه اللي حصلها ؟
ردت تجيبها بعفويتها، وقد اعتدلت في جلستها لتحكي القصة من بدايتها:
ـ الزفت محمود جوز اختها روضة، زقها من ع الجسر كان عايز يموتها، راحت نزلت مكحرتة ع النزلاية ولولا عمي خليفة شاف الموقف بالصدفة لكانت راحت فيها،....

طلع من عربيته وراح أنقذها وجري بيها على المستشفى وعملولها كذا عمليه في دراعها شرايح ومسامير.، ومن ساعة اللي حصل ، انا ما أخدت معاها  دروس غير بس من امبارح.

كانت تستمع واضعة كفها على موضع قلبها الذي كان ينفطر حزنا وتأثرا، لتسالها باستفسار عن تاريخ ما حدث، فردت ليلى:

ـ تاني يوم ما اتجوزتي، قبل ما تطلعي على شهر العسل مع عمي حمزة، دا حتى عرف من معاذ قبل ما تسافروا.....
سمعت منها وتوسعت عينيها بذهول مرددة خلفها بعدم تصديق:
ـ بتقولي ايه؟ عمك حمزة عرف باللي حصل لاعتماد ومبلغنيش..... حمزة....

هتفت منادية فجأة بإسمه، تجفل ابنتها وتلفت انتباه الحاضرين:
ـ حمزة..... ممكن تاجي هنا ضروري عشان انا عايزاك في كلمتين 

............................

قبل قليل

داخل غرفتها كانت تتأمل ملامحها الجميلة، بعد ان دللت نفسها منذ قليل بعدة اشياء قامت بعملهم لبشرتها، على يد شقيقتها الصغيرة المشاكسة، أقنعة طبيعية وسنفرة وتنظيف ، حتى يدها اهتمت بها كذلك، لا تدري متى تعلمت كل ذلك، 

لترى الآن  النتيجة النهائية، وقد عاد اليها احساس الأنوثة الذي افتقدته في خضم الصراعات التي تخوضها يوميا فى العمل وشئون الحياة، بعد طلاقها وإصابتها بما يشبه الاكتئاب، حتى اصبحت ترى كل الرجال نسخة بائسة ولا يستحق أحد منهم اهتمام امرأة بهم أو بنفسها من أجلهم.

ـ ها... اييه.. رأيك يااا ست اعتماد ؟
سألتها رغد برضا يغمرها وهي تنظر لانعكاس صورة شقيقتها عبر المرآة، فجاء ردها بابتسامة رزينة أظهرت فرحتها:
ـ يعني.... انا شايفة نعومة واشراق..... الله ينور عليكي، طلعتي شاطرة رغم أن مكنش عندي ثقة فيكي صراحة يعني.

ضحكت رغد تلملم الفوضى التي أحدثتها داخل الغرفة، بعد قيامها بما يشبه جلسات النضارة والنظافة في صالونات التجميل، تفعلها هي
بالامكانيات المنزلية القليلة، هواية تستمتع بعملها:

ـ يعني... ببعد دا كله.. ياستت اعتماد، برضوو مش واثقة فيا، بذمتك... لوو روحتي سنتر تجمييل، لكان خد مننك بالالفات عشان توصلي للنتيجة اللي شايفاها قدامك، ووشك رجع ببدر منور ..

ـ بدر منور مرة واحدة، الله يجبر بخاطرك.
تمتمت بها اعتماد،. لتعود إلى المرآة تتأمل نفسها، داخلها شيء يؤيد رأي شقيقتها بها، لكنها كالعاده تنكر حتى لا تعطي فرصه لتلك الصفة ان تضعفها وقد اخذت عهد على نفسها ان تقوم بالدورين الرجل والمرأة, والأنوثة في شرعها ضعف...

دلفت اليهما روضة، توفيقها من شرودها، بذلك الوجه المتجهم، وعيناها التي تطوف عليها وعلى شقيقتها الصغرى كالرصاص بنظرات حادة كانها تستكثر عليهما لحظة الرواق التي كانوا عليها، تخاطبها بضيق ملحوظ:

ـ عندك ضيفه برة عايزاكي هتطلعي تشوفيها؟.... ولا مش فاضية؟
تغاضت اعتماد عن تلميحها الأخير رغم غضبها الشديد منها، لتسالها بفضول:
ـ مين دي اللي طالباني وعايزاني دلوك اقابلها؟
.....................

زيارة غريبة
خرجت من غرفتها لتلتقي بتلك الضيفة الغريبة التي أخبرتها عنها شقيقتها، بأنها قد جاءت لزيارتها. وحتى حينما أبلغتها بهوية تلك المرأة، لم تكن تصدق إلا بعد أن رأتْها بأم عينَيْها الآن، وهي واقفة في وسط غرفة الاستقبال، تتأمل الجدران من حولها، وكأنها تملك المنزل.

لا تدري إن كانت هذه جرأة منها أم استقلال بأهل المنزل... لكنها تميل نحو الخيار الأخير
تحمحت بصوت واضح حتى إذا التفت إليها، بادرت بالتوجه نحوها بالترحاب لحضورها:
ـ أهلاً وسهلاً بيكِ يا هالة، نورتِ البيت.
قابلتها المذكورة بتعالٍ في رد التحية، مستخدمة أطراف أصابعها لتبادلها المصافحة،ـ

ـ """يا أهلاً وسهلاً، حبيبتي... سلامة ذراعك

.لم تغفل اعتماد  عن النبرة المتغيرة في العبارة الأخيرة، لكنها تجاهلت الأمر لترد:
:ـ الله يسلمك يا ستي، رغم أنها جات متأخرة شوية، إلا أن وجودك النهاردة يكفي.
تلاعبت ابتسامة ساخرة بزاوية فم الأخرى، لتعلق بكلمات تحمل دلالات غير بريئة:
- متأخرة ولا متقدمة؟ ما هو كان في اللي سادد عني، وقايم بالواجب وبزيادة.
ضاقت حدقتي اعتماد وهي تتأملها باستفهام، مستشعرة بوادر شيء غير مريح:

ـ مفهمتش قصدك ايه؟ بس تمام يا ستي انا قلتها من الاول يكفي حضورك.
ـ حضوري بس؟ طب وحضور جوزي اللي جايم بليلتك من اولها، دا بيقولوا انه شالك على درعاته يروح بيكي على المستشفى عشان ينقذوكي، وبعدها وقف لجوز اختك هو وعيلته قدام كبارات البلد عشان يجيبلك تعويض ما كنتيش تحلمي بيه..... ربع مليون جنيه....، ده لو أخته شقيقته مكنش عمل معاها كده؟

ها قد اتضح سبب الزيارة،  ولكنها مضطرة إلى الإلتزام بأقصى درجات ضبط النفس، رغم الاتهامات المباشرة التي تتجلى لها بوضوح:

ـ استاذ خليفه راجل محترم وابن اصول يا هالة، شاف بعينه اللي حصلي، ومين شهامته وكرمه قرر انه يقف معايا انا واخواتي، ربنا يبارك فيه ويصلح ما بينكم بإذن الله: 

شددت على الاخيرة، علها تفهم فجاء رد الأخرى بصوت استنكار صدر من حلقها، لترد بتبجح:
ـ وهيصلح ما بينا ازاي ان شاء الله؟ وهو رايح جاي وراكي، يا بيحل مشاكلك انت واخواتك ومش فاضي حتى يبص لعياله؟ 

ـ لا اله الا الله محمد رسول الله. 
تمتمت اعتماد تشيح برقبتها للناحية الأخرى بعيدا عنها، تناجي داخلها المولى بالصبر والجلد امام تلك المستفزة، رغم ان هذا ليس من طبعها من الاساس ولكنها لا تريد رد جميل الرجل الكريم بفضيحه تشهد عليها البلده بأكملها ان تشاجرت مع زوجته، وعرفتها مقامها الذي تستحقه، لتردف رد لها بحرص شديد:

ـ يعني انت جاي تلومينا عشان جوزك الراجل وقف معانا وقفه رجالة الفترة اللي فاتت وكان ظهر لتلت ولايا يجيبلهم حقهم؟...... ماشي يا ستي، ليكي علينا لو حصل اي حاجة ثاني, نمنعه ما يقف معانا  نهائي.. كويس كدة؟..

ردت بحدة، وبكلمات ذات مغزى:

ـ لا مش كويس، عشان انا جاية مخصوص النهاردة، احط النقط على الحروف، ايديكي تنبيه يا غالية من اولها عشان تقطعي العشم الزياده دا خالص، لتكوني حلمتي وغرك الامل، كده غلط عليك يا حبيبتي؟

سألتها بريبة,وقد تسارعت أنفاسها بانفعال وترقب لما هو آت:
ـ قصدك إيه يا هالة؟ جيبي من الاخر عشان الكلام الماسخ ده ما ينفعش فيه اللف والدوران، خليكي مباشرة وجبيها في وشي عشان اعرف ارد عليكي زين؟

تلون ثغر هالة بابتسامة مقيتة ترمقها من أعلى إلى أسفل بنظرة دونية تعلمها جيدا، ثم قالت بفحيح:

ـ قصدي انتي عارفاه كويس يا اعتماد، بصراحة انا لو مكانك وبنفس ظروفك لازم هتأثر، مسكينة من ساعة ما اتولدتي والحياة ناشفة معاكي، لا أب كان ضهر، ولا حتى لقيتي أخ يشيل معاكي، وحتى لما اتحل عسيرك واتجوزتي، حظك وقع في واحد.......

توقفت بابتسامة متلاعبة تستمتع بملامح اعتماد التي شحبت بشدة، لتكمل من عندها، بما استمرت على ترديده من وقت انفصالها:

ـ واحد ايه كمان يا هالة؟ مش معنى ان حظي وقع  مع راجل بخيل جلدة, كان عايز يعيش على قفايا, يبقى هتعاير بيه زي ابويا اللي هج وسابني انا واخواتي في عز ما احنا محتاجينله...... عندك حاجة تاني تجرحيني بيها يا هالة؟

سمعت منها المذكورة ،واهتزت رأسها بنفي قائلة:
ـ لا يا حبيبتي مش عايزه اجرحك ولا حاجة، أنا بس عايزه اقولك ، ان الكذب حرام،  لأن انا عارفة بالسبب الحقيقي ورا طلاقك اللي ما كانش بخل ولا حاجة، بل بالعكس......  السبب الحقيقي اللي انت تاويتي عليه انا تقريبا الوحيدة في البلد اللي كنت عارفاه، لأن اخت طليقك استاذ عليوة كانت صاحبتي في الفترة  دي قبل ما يتنقلوا ويهجوا لبلد تاني.... اقولك كان عايز يعمل ايه مع اختك الجلوعة رغد.....

ـ أحترمي نفسك يا هالة واوزني كلامك زين يا اما والله.....
ـ ولو موزنتش يا ستي هتفضيحني انا ولا تفضحي اختك؟
قاطعتها بها، لتضيف بتجبر قاصدة كسرها:
ـ طب يوم انفصالك عن عليوة انتي داريتي وهو دارى عشان الستر وكل واحد منكم يلاقي فرصته في الجواز بعد كدة، انما انا..... ايه اللي هيسكتني يوم ما احب انتقم منك واعرفك جزاة اللي يلعب معايا...

صرخت بها اعتماد بقهر:
ـ يسكتك ان معاكي ولايااا.... وانتي نفسك وليه، عايزة تتبلى على واحدة غلبانة ومن غير بينة، ليه؟ كلام سمعتيه مالوش اي وجه من الصحة، حراام عليكي.

تخصرت امامها بعلياء وكبرياء:
ـ حصل بقى ولا محصلش ميهمنيش، انا بس حبيت انبه عليكي عشان مترجعيش تندمي بعد كدة لو ركبتي راسك وعاندتيني.
.....................

داخل السيارة التي كانت تقلهما هي وزوجها وريان الصغير رفيقهما الثالث، ما زالت تنفخ بضيق شديد وعيناها تطالعه كل دقيقة بعتب ولوم، حتى خرج عن  
صمته يرد عليها:

ـ خبر ايه يا مزيونه هتفضلي قالبة وشك مني العمر كله؟ ما اديني رايح معاكي عنديها اها، وجطعت الجعدة مع اخواتي عشانك 

ـ عشاني برضو يا حمزة! انت لو عامل حساب صح كنت بلغتني من اول يوم، مش تسيبني اسافر وادلع والبنية غطسانة في عمليات ومرار، اعتماد دي اغلب من الغلب، يعني كان يكفي اطمن عليها حتى قبل ما اسافر معاك، تشوفني جمبها في اللحظات الصعبة اللي مرت عليها ، اسألي انا، دا الواحد بيكون في أشد الحاجة للناس اللي بيحبهم في الوقت ده 

انهت ثورتها بانفاس متهدجة، وقد اعتلى تعابيرها شيء من معاناة لذكريات سيئة مرت بها، فقال بأسف :
ـ خلاص يا ستي حقك عليا، يمكن ما اديتش اهتمام عشان عارف ان معاها اخواتها، دا ان غير خليفة ومنى اختي مقصروش معاها، اعتماد بت اصول وتستاهل كل الخير، اغفريلي يا ستي الغلطة دي وليكي عليا مكررهاش تاني.

لانت ملامحها بتسامح، بعد اعتذاره الواضح وتقديره لثورتها، رغم انه هو ايضا لا لوم عليه حين يفكر في نفسه وفي سعادته معها، في أيام زواجهم الاولى

ـ متقولش كدة يا حمزة، يكفي أنك استحملتني اللحضة اللي اتعصبت فيها، بس والله من خوفي على اعتماد، انا بقيت اشيل همها جوي، اصلها تبان جوية ومفترية جدام الناس من برا، لكن في داخلها عيلة تايهة, محتاجة اللي يدبدب عليها، 

كاد حمزة أن يتأثر بوصفها الدقيق لحالة تلك المتعوسة، لولا تدخل ريان الصغير بسجيته:
ـ هي مين اللي عيلة؟ أبلة اعتماد دي اوعر منها مفيش، العيال اصحابي من البلد بيحكولي عنها، قالك تصرخ الصرخة, توقف الفصل كله على رجل، ولو شخطت في حد، يبقى العيل هيعملها على نفسه من الخوف.

امام هذا التصريح اللطيف، لم يملك الاثنان إلا الضحك ونسيان المشكلة برمتها.
حتى اذا اقتربا من المنزل المقصود لتتوقف السيارة امامه، ترجلت تسبقه بلهفة، ومن خلفها ريان ، فلم يتبقى سوى هو، ليزفر بحنق وهو يغلق باب السيارة من خلفهما ، ثم حانت منه نظرة إلى الامام بعيدا، فتوقف ناظرا إلى طيف امرأة لم يعرفها من ظهرها والظلام الممتد في تلك المنطقة التي تشبه العشوائية، لا يعلم لما شعر بأنه يعرفها من طريقة سيرها.
..............................

بتماسك زائف، تمنع نفسها بصعوبة من أن تقع وتسقط ارضا،، بعدما  تفاجأت  بحضور مزيونة، بأسف شديد  تعانقها وتطلب منها السماح لأنها لم تكن تعرف بما حدث، حتى تأتي وتقف معها وتؤازرها، في لحظاتها الصعبة، وهي التي كانت في أيام زواجها الاولى ولا لوم عليها أن قصرت وغابت.

لا تدري ان هناك ما هو اشد من الاصابات الجسدية، او القتل حتى، 
الاهانة وكسر النفس الذي تعرضت له منذ قليل ، روحها التي انسحقت بيد امرأة لا تعرف للاحساس طريقا، فعلت جريمتها النكراء في اذلالها وخرجت رافعة الرأس بزهو المنتصر بعد أن هددتها بسمعة شقيقتها البريئة ، التي لم تعرف سوى المعاناة على مدار سنوات عمرها القليلة، الا يوجد رحمة في العالم أو حتى مكان آمن للضعفاء؟!

ـ اعتماد يا حبيبتي مبتروديش وساكتة ليه بس؟! لدرجادي زعلانة مني؟

ابتسامة باهتة ارتسمت على ثغرها، في طمأنة المرأة التي تجاهد لالتماس رضاءها على شيء غير مقصود من الاساس:

ـ ايه اللي هيزعلني منك بس يا مزيونة؟ ازعل منك ليه يعني ؟ هو انتي كنتي في ايه؟ ولا في ايه اصلا؟ اجعدي اجعدي، وانت يا ريان اجعد على الكرسي اللي جمبك يا حبيبي 

استجاب الصغير ينفذ رغبتها, فجلست هي ايضا, لتجلس مزيونة بجوارها، وقد صارت تحدق بها بنظرات متفصحة لتسألها:

ـ طب لما انتي مش زعلانة، شكلك متغير ليه؟ حاسة فيكي حاجة واعرة جوي، واوعي تقولي عيا, عشان العيا يعمل اي حاجة، إلا أنه يطفيكي كدة!

ارتجفت شفتي اعتماد برغبة عارمة في التحدث والبكاء، ولكن منعها الصوت الذي صار يصلها من خارج غرفة الاستقبال وترحيب شقيقتها بحضور أحدهم:

ـ اتفضل يا استاذ حمزة انت مش غريب 
صوت عالي لحمحمة خشنة سبق بها دلوفه الى داخل الغرفة، مخاطبا اعتماد وأهل المنزل:

ـ يارب يا ساتر، جينا بس نطمن على الابلة يمكن تتقبل اعتذارنا.

تبسمت لمزاحه كي ترحب به، مؤجلة الانهيار إلى وقت آخر ، عليها الآن ان تتصنع القوة كما اعتادت دوما، حتى رفاهية السقوط محرمة عليها...

.............................

خرج خليفة من منزله ليفاجأ بحضور ابنتيه الصغيرتان برفقة عمهما معاذ في حديقة المنزل ، وصوت ضحكاتهما في اللعب يجلجل بصخب، فعلق هو يخطف انتبه هما:

ـ الحلوين اللي طبوا من غير ميعاد.
سمعتاه الفتاتين لتركضان اليه على الفور، فيأخذ دوره كي يداعبهما مرحبا بطريقته ، حتى اذا هدأ اخيرا وتوقفا عن اللعب معهما، سأل أحداهما قبل ان تركض الى داخل المنزل بصحبة شقيقتها:

ـ خدي يا بت هنا، دي مش بعادة يعني تطبوا فجأة كدة بعد المغرب .
ردت الصغيرة على عجالة من أجل اللحاق بشقيقتها:

ـ امي وصلتنا لاول الطريق وراحت هي عند واحدة صاحبتها عيانة تزورها.

غمغم خلفية يتابع ركض صغيرته نحو مدخل المنزل بعد أن تمكنت من إفلات يدها منه:
ـ ومن امتى امك بتزور عيانين ولا تعرف الواجب من اصله؟! وصاحبتها مين دي كمان اللي افتكرت تزورها في الليالي؟

ـ انت هتكلم نفسك يا واد ابوي؟ ما تروح مطرح ما تروح يا خليفة، هي مرتك دي يتخاف عليها اصلا ؟.

هتف به معاذ ليعقب ردا عليه وهو ياخذ مقعده بجواره:
ـ مش مسألة خوف يا عم معاذ، انا بس مستغرب على. جرأتها انها تطلع بعد المغرب وتبعت لي العيال عشان اعرف، بت عمك مش عايزة تجيبها لبر معايا واصل 

صمت معاذ يستوعب حالته قليلاً، قبل ان يردف بسؤاله الملح:

ـ طب ناوي تعمل معاها ايه؟ هتفضل كدة معلقها لحد امتى؟
تطلع إليه خليفة بصمت دام لحظات، وبتفكير متعمق قطعه بتنهيدة خرجت من عمق صدره قائلا:
ـ مش شايف منها حل يا معاذ، هالة قطعت كل حبال الود ما بينا، ياما حاولت معاها عشان تشيل اللي في راسها، وتبص لحياتنا انا وهي بس، لكن مفيش فايدة، لدرجة أن في مرة عرضت عليها نطلع برا البيت ونسكن في اي حتة، ان شالله حتى في المحافظة لكن ردها كان لأ وبالثلث، تجيبلي مية حجة للرفض وانا بيني وبين نفسي عارف السبب الأساسي.

لولا صلة القرابة والعيال اللي رابطاني بيها كنت خلصت منها من زمان، لكني كمان مش هفضل في المرار دا طول عمري, كل واحد وليه طاقة، وانا طاقتي نفذت لحد كدة........ اسيبك بقى عشان اشوف مصالحي، 
ونهض فجأة مغادرا بعد ان اخرج ما في قلبه لمعاذ الذي يعذره كل العذر، ويؤيده في كل خطوة يقوم بها ، يكفي ما عرفه مؤخرا عنها وعن تعمدها الاذية له ولزوجته، ليجزم بصدق شقيقه، ويعطيه الحق في كل ما يقوم به.
.............................

داخل منزل الزوجية الحديث

وأمام شاشة التلفاز العملاقة،  يدور عليها إحدى افلام الكرتون المسلية ، يتابعها ريان بشغف، عكس والده الذي كان متكئا بجسده على أريكة وحده بالقرب منه، لا يتوقف عن النفخ والتأفف، في انتظار من وعدته باللحاق به بعد خروجهم من عند اعتماد ، وها هو الوقت يمر عليه اكثر من ساعة ولم يحدث 

يأكله الغيظ وهو يرى الساعة قد تعدت الحادية عشر وهي لم تأتي بعد، والجلف ابنه امام الشاشة بعينين يقظتين وكأنه نسى النوم.

ـ ياض الساعة داخله على اتناشر ياض، وانت ميعاد نومك عشرة، ناوي تقضيها صباحي ولا ايه ظروفك؟

سمع منه ريان ليلتف اليه بهدوء يغيظ، يجادله بسأم:
ـ تاني يا بوي بتكلمني على موضوع النوم، ما قولتلك اني مستني خالتي مزيونة، هي اللي نبهت عليا منامش غير لما تاجي، عشان تحكيلي حدوتة قبل  النوم

عبس حمزة ليهدر به حانقا:
ـ يا حبيبي يا فافي انت، بطل برود ياض وقوم اتخمد , بلا جلع ماسخ.
لم يكترث ريان، بل زاد عليه بإصراره:

ـ ماشي يا بوي اعتبره جلع ماسخ، بس برضك انا لا قايم ولا هيجيني نوم واصل غير لما تاجي خالتي مزيونة، لو انت تعبان وعايز تريح، روح نام بدل ما انت بتتاوب كدة كل شوية، 

ـ يا بن ال.......
غمغم حمزة بسبة وقحة، ليضغط على شفته السفلى بغيظ متعاظم، لفعل هذا العنيد، وزوجته المستغلة هي الاخرى رغبته في أرضاءها، لتأخذ راحتها وتتاخر رغم علمها بحاجته الشديد للنوم بعد إرهاق السفر والقيادة

ـ ماشي يا مزيونة، انا جاعد ومستنيكي أما اشوفك هتتأخري للساعة كام؟
.....................

داخل غرفة نومها وقد انفردت بها، وبعد ان انتهت من التصنع وادعاء القوة، ها هي الآن تطلق العنان لصرخات القهر داخلها ودموعها الحبيسة، امام من فتحت ذراعيها مرحبة، كي تستمع منها وتهون عليها، ربما يخفف البوح ولو قليلا عنها:

ـ انا مش عايزة حاجة من الدنيا يا مزيونة غير الستر، ان كل واحدة فينا انا واخواتي بتقفل عليها بابها مع جوزها وعيالها، فقرا و لا أغنيا، المهم اننا نبقى مستوردين وعايشين حياة طبيعية، إلا عمري طمعت في حاجة حد ولا حسدت غيري على نعمة ربنا ميزه بيها.

ـ يا حبيبتي ربنا يكرمك, هو انتي هينة ولا قليلة يا اعتماد؟ المسألة مسألة نصيب يعني في اي وقت ممكن.......

ـ ممكن ايه يا مزيونة؟
قاطعتها بها لتستطرد بقنوط، ودموع لا تتوقف، تفتح قلبها لها:
ـ النصيب اللي بتقولي عليه دا انا جربته قبل سابق،
مع واحد كان اكبر مني ب 15سنة، وقت ما اتخطبتله مكنتش كملت ال 28 وهو كان معدي الاربعين، ومع ذلك رضيت بيه، اتأملت فيه خير انه يصوني ويعتبر اختي الصغيرة زي بنته، استاذ محترم ومتعلم، وهو نفسه معملش حاجة تخليني اتغشش منه ساعتها.......

صمتت لحظة تلتقط أنفاسها، قبل ان تواصل بعد ذلك بغضب شديد 
ـ  كنت هبلة ومفكراه العوض، مجاش في بالي اي نية وحشة من ناحيته، نظراته وجلعه لاختي الصغيرة اللي وقتها يدوب كانت مقفلة ال 16 سنة، كنت شايفاها حنية منه.
الفرحة كانت لهياني، مصحيتش ولا فتحت عيني غير بعد ما 
اتجوزته، عيونه بقت تفضحه جدامي, حرصه الشديد بقيت اكشف، لحد ما في ليلة غبرة لمحته بنفسي وهو بيتسحب لحد ما دخل اوضتها, 

البجح ابو عين تدب فيها رصاصة، كان واقف جمب سريرها يتأملها، وهي لابسة عباية خفيفة محددة جسمها ومرفوعة لحد فخادها،

ساعتها الدم غلي في نفوخي، سحبته من قفاه، زي ما بيعملوا مع حرامية المولد، شتمته بكل الشتايم وهو رد وبجح ومد يده، المهم اني في الاخر كان لازم اختار..... يا اما اصدق حججه واكمل جوازي معاه، وساعتها اتقلب على نار الشك بعد ما راح من ناحيته الامان، يا اما اختار نفسي وادور لاختى على مكان أبعدها فيه عني وعن جوزي، بس انا اختارتها هي... 

انما في كل الاحوال والله ما قرب منها ولا لحق يلمسها، انا بعدته من قبل ما يحصل اي حاجة، وطلعت كلام انه بخيل وجلدة، عشان ابعد اي حديت يجيب سيرة اختي الضعيفه اللي ما بتعرفش حتى تدافع عن نفسها، لاني عارفه الناس لو شمت ريحة كانوا هيزودوا فوق الكلام كلام ويعملوا قصص، انا عايزه بس الستر ليا ولاخواتي، حرام نعيش بكرامة انا  واخواتي؟

ختمت الاخيرة وانطلقت في جولة اخرى من البكاء بحرقة، ومزيونة اللي تراها لاول مره بهذا الضعف كانت تهون وتخفف عنها، تثمن موقفها في الدفاع عن شقيقتها بشجاعة وتضحية، حتى اذا هدنت قليلا سالتها بوضوح:

ـ ممكن افهم طيب السبب اللي خلاك تنهاري كده؟مدام فتحتي قلبك يبقى تكملي.

 كانت قد توقفت عن البكاء، وعن كل شيء تستجيب لرغبتها قائله: 
ـ هاقول لك بس بشرط، امانة عليكي ما تبلغي الكلام ده لحد حتى جوزك .
ـ حتى جوزي يا اعتماد!
ـ حته جوزك مزيونة.
..............................

في اليوم التالي صباحا 
تقلب في نومه يشعر بشيء ما غير مريح، رويدا رويدا أصبح يستعيد وعيه، ليفتح اجفانه على وسعهما، يتفاجأ بنفسه على نفس الأريكة التي كان جالسا عليها بالأمس، اثناء مشاهدة ابنه المسلسل الكرتوني على الشاشة، حين كان في إنتظارها، اللعنة........

انتقض معتدلا بجذعه يتطلع حوله يمينا ويسارا، لا احد امامه, الوقت صباحا وابنه ليس في محله وهي ..... اين هي ايضا؟

انتفض ينهض سريعا يبحث عنهما داخل المنزل الشاسع، ليمر على غرفة صغيره، يجده نائما على تخته، ثم واصل متجها نحو غرفتهما، ولكن وقبل أن يصل اصطدمت أبصاره، بخيال احدهم داخل المطبخ ، فتحرك سريعا يغير اتجاهه، حتى اذا وصل إليه توقف محله مستندا على إطار المدخل يراقبها وهي تخرج شيئا ما من الفرن الغازي، بمزاج رائق، ترتدي عبائه محتشمة بأكمام ومع ذلك كانت ما رواعها...... لكن هذا لا ينفي غضبه منها.....

استقام بوقفته ينفض رأسه من هراء أفكاره الحمقاء في تلك اللحظات من غضبه، ليجفلها بصيحته:

ـ يا ماشاء الله وليكي عين كمان.....
قطع حين شعر بزعرها، وقد اهتز اناء الفخار الساخن، حتى مال عليها وكاد أن يقع لولا أن لحق هو سريعا يرفعه عنها ويضعه على سطح المطبخ الرخامي.، ثم عاد يطمئن عليها بلهفة:

ـ لا اله الا الله، مش تحاسبي.
علم أن يدها قد طالها الإناء الساخن ، وربما قد أصابها بالحرق, وقد ظهر هذا من احمرار شديد على أطراف الأصابع التي كانت تنفخ فيها، ليسرع هو بوضعها تحت مياه الصنبور حتى تخفف عنها قائلا بلهفة:

ـ سلامتك يا قلبي مكنتش اقصد اخلعك
حاولت هي السيطرة على رجفتها حتى تهدئ من روعه, قائلة:
ـ دي لسعة بسيطة، ودلوك هتخف ان شاء الله، متقلقش انت.

ـ مقلقش كيف بس؟
تمتم بها ثم تحرك سريعا في اتجاه صندوق الاسعافات القريب من المطبخ، ياتي لها بكريم ملطف، ثم يجلس ويجلسها معه على مقعدين حول الطاولة التي تتوسط المطبخ، وصار يوزعه بخفة على كل المناطق التي طالها حرق الإناء الفخاري، حتى اذا هدات واطمئن قلبه من جانبها، تذكر يصب حنقه وهلعه بها:

ـ ما كله منك، صاحية على الصبح تحضري في صواني، وتحطي في فرن، هو احنا لسه فطرنا اصلا يا ست يا نشيطة؟
تغاضت عن تهكمه وانفعاله بها تخبره ببساطة:
ـ صواني ايه بس يا حمزة؟ هو انت فاكرني بحضر غدا؟ دي ام علي، عاملاها لريان طلبها مني امبارح.

ـ ام علي مين؟
تمتم بها بتشتت لكن سرعان ما استعاد تركيزه،. ليهتف موبخا بها بغيظ:
ـ الله اكبر، بتعملي الحلو وام علي عشان البرنس، وانا سيبتيني نايم على الكنبة برا زي اللوح ، مفكرتيش حتى تصحيني، انتي امتى رجعتي اصلا ع البيت وانا لحد احداشر كنت نايم .

ـ ما انا جيت على احداشر ونص.
ـ نعم!
لم تحتمل نبرته المتهكمة، لتثور به موضحة:
ـ من غير تريقة ولا عصبية يا حمزة، انا ما أخرني غير ألشديد القوي، يعلم الله ان كان هاين عليا ابات معاها لولا عارفة طبعك الصعب, البت جطعت قلبي امبارح وزقت الارض العطشانة بدموعها، ولا يمكن غرك جلستها امبارح جدامك، والأخد والرد معاك في الحديث، وهل كانت على شعرة في انتظار بس تنفجر وتطلع اللي في قلبها، اعتماد غلبانة قوي يا حمزة، والله فوق ما تتصور..

لا يشك في صدقها, فهيئة المذكورة بالأمس رغم تظاهرها الزائف امامه، إلا أنه بالفعل عرف انها بها خطب ما، وهذا ما جعله يوافق على الفور على طلب مزيونة في الانفراد معاها ثم اللحاق بهما، 

فتسائل بلهجة اخف من السابق؛
ـ طب وهي اللي كان صايبها يعني؟ حكتلك؟

ردت تجيبه بقنوط:
ـ واحدة الله يجازيها كسرت نفسها بكلمتين واعرين، وهي البنية على اخرها اصلا.
ـ مين الواحدة دي؟ تعرفيها؟
نفت تنكر بكذب:
ـ لأ.... هي مرديتش تقولي على اسمها، ولما اللحيت، قالت لي مش هتعرفيها.

اومأ يدعي تفهما، وبذهنه استعاد شبح المراة التي رأها من بعيد خارج منزل اعتماد، رغم الظلام الحالك إلا أن شيئا ما جعله يشك بمعرفته بها.

حتى ذهب ظنه إلى امرأة يعرفها جيدا، ولكن سرعان ما نفض عقله من التفكير بها من الاساس, حتى لا يتجنى عليها ، ويعود إلى موضوعه الأساسي يفاجئ زوجته التي أخذت الأمان 

ـ طب نسيبنا من سيرة اعتماد وخلينا في موضوعنا, جالك قلب تسيبني ابيت ليلتي على الكنبة يا مزيونة؟، طب لو حتى زهجتي مني، راعي ان ضهري ممكن يوجعني ، حسسيني ولو بالكدب انك خايفة عليا

رغم حدته في توجيه الاتهام لها بالتقصير معه, لكنها تقدر وتتفهم، لتقابل عتبه القاسي لها , بلطف ورقة:

ـ بعد الشر عليك, انا عارفة ان كل كلامك من ورا قلبك عشان متأكد زين من معزتك عندي، بس انا كنت هعمل ايه يا حمزة؟ وانت نايم اسم الله عليك زي الجتيل، حاولت اصحيك بكل جهدي انا وريان، بس الظاهر ان تعب السفر والسهر كانه كله اتكاوم عليك، مكنش ناقص غير أننا نشيلك ، بس بصراحة مجدرناش، عشان انت تقيل شوية يعني.

- هاي هاي هاي، 
صدرت منه كضحكة ساخرة ارتدت عليها هي بضحك جدي, ليثور بها:
ـ كمان بتضحكي وتعصبيني يا مزيونة .
ـ وه، واعملك ايه يعني يا حمزة؟ يا حبيبي والله حاولنا كتير وفي الاخر لما تعبنا ، اضطريت اسيبك واخد ريان انيمه على سريره، 

ـ وحكتيلوا حدوتة قبل النوم؟
ردت ببرائة غافلة عن نبرة الخطر منه:
ـ حصل وحكتله حكاية امنا العجوز وجرة الدهب.

صاح يجفلها بعصبيته:
ـ كمااان، بتجيبلوا حكايات من اثر جدودنا، الحلوف دا اللي بيتخمد قدام الالعاب والدب والرزع على التليفون، دلوك عايز حكاوي عشان يعرف ينام، والتانية صاحية تعملولي من طلوع الشمس ام علي، ابن ال.......  مالوش اللي يهاوده ده، سمعاني....

بصعوبة صارت تسيطر على ضحكتها لتنهاه:
ـ عيب تشتم نفسك بحاجة غلط يا حمزة،  مفيهاش حاجة انه يتدادي ويتجلع.....

ـ تجلعي ميين؟
قاطعها بها ليواصل بعصبيته:
ـ انا جايبك عشان تجلعيني انا، هو ناقص دلع ولا مدادية...
بذهول شديد اومأت تهز رأسها تهادنه وترضيه:
ـ حاضر من عيوني، انت وبس تتجلع ، بلا ريان بلا كلام فاضي 

رفع لها حاجبا واحدا بخطر:
ـ حاسك بتتمهژأي بيا يا مزيونة.... لكن ماشي، المهم عندي انك ترضيني النهاردة.

ـ ارضيك كيف يعني يا حمزة؟
سألته بتشتت، ليدهشها بإجابته الحاضرة دون جهد في التفكير:
ـ تلبسيلي حاجة زينة الليلادي ونعوض الليلة بليلتين.

وكأنها متوقعة الإجابة، انطلقت ضحكتها، حتى مالت رأسها للخلف، الامر الذي دفعه يميل عليها ويحذرها رغم سعادته:
ـ وطي صوتك الواض لا يصحى، ولا جومي معايا على الاوضة ناخد راحتنا والباب مقفول علينا.

وما شرع ان ينهض ويسحبها معه، حتى تفاجأ بمن احتل مدخل المطبخ، يفرك بكفه على جانب وجهه وشعر رأسه، يتبسم ببرائة وصوت به بعض النعاس مخاطبا لهما:

ـ صباح الخير يا بوي, صباح الخير يا خالتي مزيونة.
رحبت الأخيرة فاتحة له ذراعيها امام صدمة حمزة الذي تجمد بوجه عابس:

ـ صباح الفل والورد يا قلب خالتك، تعالى يا باشا، اصبح عليك زين.
استجاب صغير يرتمي بحضنها، غير عابئا بوالده الذي تخصر يعلق بضيق:
ـ  ومديها كمان خدك يا بارد،. اخشن يا واد بلا جلع ماسخ. 
جاء رد ريان المبسط كالعادة يضاعف من غيظه:
ـ وماله لما اتجلع عليها، مش زي امي، دي احن من امي كمان.

عقبت مزيونة هي الاخرى:
ـ طبعا يا حبيبي، وانت ولدي اللي مجابتهوش بطنى، 

ـ وه على فقع المرارة عاد، خلصونا عايز أفطر
غمغم بها حمزة ينفض جلبابه ذاهبا من امامهم ، ليتوجه ريان بالسؤال لها:

ـ هو ماله متعصب ليه يا خالة مزيونة؟
ضحكت تسحبه من يده نحو ما صنعت من أجله:
ـ سيبك منه يا غالي وتعالي شوف اللي عملاه خالتك مزيونة، وجولي انت كان نفسك في ايه امبارح؟

هلل ريان بفرحة فور ان وقعت عينيه على الإناء الفخاري وطبق اخر كشفته له:
ـ الله عملالي أم علي وصحن مهلبية كمان أفطر بيهم.

.....................

"وفي داخل المنزل الكبير، حيث اجتمعوا حول مائدة الطعام لتناول وجبة الإفطار، كانت حسنية تتصدر الطاولة كعادتها، محاطةً من الجانبين بمعاذ وزوجته ليلى، وخليفة وابنتيه، بعد أن قضت الفتاتان الليلة مع والدهم.
فجأة، دوى جرس المنزل ليعلن عن وصول أحدهم، فنهض معاذ بخفة ليفتح الباب، متوقعًا أن تكون إحدى شقيقاته أو أحد أبناءها، لكنه تفاجأ بحضور شخص آخر لم يكن يتوقعه:
ـ صباح الخير يا معاذ، كيف حالك يا واض عمي؟
أصابت الصدمة معاذ بالصمت، وهو يراقبها بذهول شديد لجرأتها، حتى نادت والدته مستفسرة:
ـ مين اللي على الباب يا معاذ؟
لم تنتظر إذنًا منه، بل دخلت لتجيبها بنفسها:
ـ أنا  هالة، يا مرة عمي.
نهض خليفة مثل والدته وليلى، بينما خيمت على الثلاثة حالة من الذهول، وكانت ردة فعل الصغيرتين هي الهتاف فرحًا بحضورها:
ـ الله يا ماما، أنتِ جيتي؟ يعني  هترجعي من تاني ونعيش مع  بعض؟
احتضنتهما بذراعيها بحماس درامي يلهب المشاعر، قبل أن تتوجه نحو زوجها وامرأة عمها بمزيد من المسكنة:
ـ أنا جيت لك بنفسي، يا خليفة،  دايسة على كرامتي،  لا حستننى ابويا يحط شروطه عليّ، أو حتى  يجيبني بيده. أنتَ واض عمي ومش غريب عني، وانا مش عايزة غير العمار. جيت لك وبعتذر عن كل خطأ أو زعل  صدر مني، انظر الآن،  شوف بقبل هتقبل اعتذاري  ولا هترجعني مطرودة من بيتك مكسورة الخاطر؟...

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا