رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم مريم محمد
رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38 هى رواية من كتابة مريم محمد رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38
رواية هيبة نديم وليلي الفصل الثامن والثلاثون 38
_ في أعماقكِ _ :
لم يكن الفرق بين ميلاديّهما طويلًا ..
لقد ولد هو أولًا، ثم جاءت هي بعد ثلاثة أشهرٍ، وقد نجت أمها من ولادتها بصعوبة، عوضًا عن أن الولادة كانت متعسّرة، فقد كانت الأم مصابة بإلتهاب الزائدة الدودية الحاد ..
ما إن ولدتها حتى خضعت لعملية استئصال الزائدة فورًا، ما جعلها غير قادرة على إرضاعها، فتولّتها زوجة عمها، أخذتها بدافع المحبة والحنان، وقضت الرضيعة في بيتها عامًا ونصف، تشارك رضيعها الوحيد حليبها، حتى أنهما كانا يتعاركا عليها فما كان منها إلا أن ترضع كليهما في نفس الوقت ..
شبّا معًا كما لو أنهما توآمان، حتى أحيانًا كان يجمعهما سريرٍ واحد وبعد سن البلوغ، إلى أن فرقهما موت والدته، فلم يُعد بإمكانها المكوث بمنزله كما في السابق ..
لكنه كان دائم التردد على منزل عمّه، وكانا يلتقيا باستمرارٍ ويخرجا للتنزّه أحيانًا، كان هو الوحيد بعد أبيها وشقيقها المسموح له برؤيتها، التحدث إليها، المزاح معها،لم يخوّنه احد ..
لكن وسط كل ذلك، تولّدت بينهما مشاعر غريبة، لم تُترجم في الحال، لكنها تجلّت في نظراتهما، في غيرة أحدهما على الآخر، لم تتفاقم هذه المشاعر بشدة إلا عندما لوّحت إحدى أقاربهم إلى اعجابها به، وقتها لم تتحمل الفكرة، ولم تقبلها ...
-بسمة!!
ردد "دياب" اسم الفتاة غير مصدقًا، ثم انفجر ضاحكًا أمامها، بينما تحاول كبت غيرتها الشديدة وهي تقول:
-يسلام! الكلام بيضحك أوي كده؟
ولا مش مصدق نفسك من الفرحة؟!
حاول السيطرة على ضحكاته بصعوبةٍ وهو يجاوبها:
-فرحة إيه يا هبلة. أنا مش مصدق إنك متخيّلاني مع بسمة
بسمة؟ دي أد الجاموسة إللي هناك دي.
وأشار لها نحو البهيمة التي ترعى على مقربةٍ منهما وهو لا يزال يضحك ..
لكنها لم تشاطره المرح مطلقًا، بقيت عابسة كما هي، فسألها بجدية:
-الله! مالك يا دهب؟ انتي واخدة الموضوع بجد؟ ده طق حنك وكلام نسوان. محدش له سلطة عليا وخصوصًا في قصة الجواز.
لم ترد عليه، بل أشاحت عنه بوجهها، سارت أمامه متجهة لمنزل المزرعة، حيث العائلة مجتمعة كالعادة في نهار الجمعة ..
وجدته يقبض على معصمها فجأةً يستوقفها:
-أستني.. راحة فين؟
تأففت "دهب" بضيق وقالت:
-هكون راحة فين يعني؟ هاروح أساعد خالاتي في المطبخ. انت عارف أبويا بيحب الغدا يتحط في معاده.
-لا والله! من إمتى يعني دهب هانم بتعمل شغل البيت؟
ده عمي مدلعك الدلع الماسخ زي ما بيقولوا.
-آه صحيح عشان كده عاوز يجوزني سليمان! .. سخرت منه بمرارةٍ
بدا عليه الانزعاج لسماع تلك الأخبار التي يعرفها بالفعل، ليقول باقتضابٍ:
-مين قال إنك هاتتجوزي سليمان؟ هو أنا ماليش كلمة؟
تطلّعت إليه بدهشةٍ:
-يعني انت تقدر تقنع أبويا يصرف نظر عن جوازتي من سليمان؟
ابتسم لها ابتسامة لم تصل لعينيه، ومد يده يقرص أرنبة أنفها وهو يقول بصوتٍ أجش:
-بكرة تشوفي أنا هاعمل إيه عشانك.. انتي نسيتي؟
انتي نصي التاني يا دهب.. انتي عارفة. أنا حلمت بيكي إمبارح!
-بجد؟ حلمت بإيه؟
-مش مهم بقى!
وأشاح بوجهه بعيدًا ..
زفرت بضيقٍ واستدارت حوله هاتفة:
-قول يا دياب عشان خاطري.. حلمت بإيه؟
رد عليها ضاحكًا بتوتر:
-مافيش ده حلم أهبل. ماتاخديش في بالك.. يلا ارجعي البيت أنا هاروح مشوار كده وراجع بعد ساعتين.
وجاء ليتركها ويغادر، أمسكت بذراعه قائلة بحدة:
-رايح تقابل بسمة؟
أدار لها رأسه وهو يقول مستنكرًا:
-بسمة مين يا عبيطة انتي؟ اوعي سبيني!
هزّت رأسها بقوة، فقبض على شعرها بعنفٍ، تأوهت "دهب" بشدة مغمغمة:
-آااااااااااااااييييي.. سيب شعري يا ديـاااب ..
ابتسم وهو يقول مساومًا:
-سيبي وأنا أسيب!
نظرت له بيغظٍ وقالت:
-بقى كده؟ ماشي. ماشي يا دياب.
وتركته، فأفلتها رامقًا إيّاها بنظرة منتصرة فيها من العلو، ثم استدار مستأنفًا سيره، فإذا به يُفاجأ بعد لحظة واحدة بدفقٍ منهمر فوق رأسه ..
شهق من الصدمة وجمد بأرضه، استدار بعد برهةٍ ليجدها تقف خلفه وبين يديها دلو الماء الفارغ، رآها تبتسم له بتشفٍ قائلة:
-وريني بقى هاتخرج تقابلها إزاي!
شتم "دياب" من تحت أنفاسه، وصرخت "دهب" بفزعٍ ما إن بدأ الركض نحوها، ألقت بالدلو عليه وهي تنطلق من فورها نحو عشّ الماشية الخاضع للترميم ..
لم تسنح لها أيّ فرصة للاختباء أو الفرار منه، حتى العودة إلى المنزل باتت مستحيلة الآن، انتهى أمرها!
ستُعاقب على عبثها معه ...
-ديـاااااااب! .. صرخت بأسمه ضاحكة ومرعوبة في آنٍ
كان قد لحق بها وقبض على خصرها بساعِده ..
أدارها نحوه وهو لا يزال يقيّده بين ذراعيه قائلًا بخشونةٍ:
-بتغرقيني مايّة يا دهب؟ ده أنا هافردك زي العجينة!
لم تستطع السيرطة على ضحكها وهي ترى رأسه مبللًا بهذا الشكل، فقالت من بين ضحكاتها:
-أنا قلت لك مش هاتروح تقابلها.. مش هاتروح يعني مش هاتروح.
دياب بتعجبٍ شديد:
-أروح أقابل مين يا مجنونة؟ انتي لسا بردو مصدقة حوار بسمة ده؟!
-آه مصدقة. هي وأمها منمرين عليك وعايزينك ليها.
-طب حتى لو كده انتي إيه إللي مزعلك؟
لم ترد عليه، وامتد الصمت بينهما، صمت موتر، حتى تمتم "دياب" بخفوتٍ كلماتٍ قد تبدو تهكمية:
-انتي بتحبيني ولا إيه يابت؟
ازدردت ريقها بارتباكٍ، لكنها جاوبته بجرأة:
-أيوة بحبك طبعًا.
ردد بابتسامةٍ صغيرة:
-بس احنا أخوات.. ف دي غيرة اخوات؟ ولا حب؟
دهب باضطرابٍ: غيرة.. وحب.. انت مش قلت لي من شوية إنك نصي التاني؟
أنا مقدرش أشوف حد معاك.. ومش هاسمح لواحدة تاخدك مني!
كانت تعرف أن بكلماتها هذه أحرقت آخر جسرٍ بينها وبين عقلها، وأن كل نشأت عليه قد تبدد، كل حدود الأخوّة، كل الموروثات التي عرفتها ..
وتبقّى فقط تلك النيران المشتعلة بينهما، في اللحظة التي انحنى فيها وجهه أكثر نحوها، شعرت بأن معركتها الداخلية قد انتهت، انتهت بخسارتها!
لم تعد "دهب" تسمع إلا خفقانها المذعور، ولم تعد تبصر إلا عيناه الرماديتين القريبتين، وفجأة ..
صارت كل الأصوات الأخرى صمتًا مطبقًا لحظة اطباق فمه على فمها في قبلةٍ لم تتخيّلها حتى بأحلامها ..
ارتعشت أطرافها وقلبها يتخبّط بجنونٍ في صدرها، حاولت أن تزيح نفسها عنه، لكن قدميها كُبّلت بالأرض، كأنها مشدودة بسلاسلٍ خفية لا تُكسر ..
بينما "دياب".. بين شعورٍ بالخوف ورغبةٍ مرضية في امتلاكها ..
لم يستطع التراجع خطوة واحدة، وكأنه إن فعل فسيموت، ليحملها على الفور إلى زاوية غير مرئية داخل العشّ ..
يضعها فوق كدسات التبن التي شكّلت متكئًا متينًا، نظر في عينيها للمرة الأخيرة وهو يخبرها من بين أنفاسها الساخنة:
-دهب.. أنا بحبك!
ولم يفكر مرةً أخرى ..
حتى هي أيضًا، لم ترى أبعد من اللحظة الراهنة، لم ترى إلا الشخص الوحيد الذي أحبّته وارتبطت به بكل السُبل منذ خُلقت.. والآن يرتبطا بشكلٍ نهائي ..
يتحدّا.. فلربما لم يكن عليهما أن ينشآ كأخوين ..
ما كان لهما أن يكونا كذلك ...
___________________________________________
عاكفًا على جلد ذاته بالذكريات، لم يبرح "مهران الراعي" عتبة غرفته منذ أيام، ليس لسببٍ سوى عدم رغبته بمواجهتها ..
خاصةً بعد أن طرحت عليه سؤالًا مباشرًا هو لا يمتلك الشجاعة الكافية لإجابته عليه، فهو حقيقةً.. يعرف هوية أبيها البيولوجي!
يعرفه جيدًا ..
لا زال يذكر عندما لجأت "دهب" إليه وهي حاملًا بها، كما لم ينسى لحظة إنهيارها، تلك اللحظة التي بدأت عندها أن تقص عليه كل شيء ..
أخبرته ما حدث بالتفصيل، وهو ما أوقعه بين فكّي الصدمة والنكران، لم يستوعب أيّ شيء بادئ الأمر، لم يصدق، وفي نفس الوقت لم يتخلّى عنها ..
ثم قرر لاحقًا بأنه أبدًا لن يفعل، سوف يحميها بكل ما أوتي من قوة، وجنينها، سيحتفظ به، ولن يسمح لمخلوقًا بأن يمسّه ..
لعل "دهب" نفسها كرهته، واعتربته مسخًا، لعنة ..
لكن "مهران" ما إن أحسّ بأول ركلة، أو خفقة، حتى أو نظرة يوم ولدت "ليلى".. لم يرى أمامه إلا معجزة ..
قد تكون ثمرة الخطيئة التي وقعا فيها والديها، لكنها لم تقترف أيّ ذنب، تلك المخلوقة البريئة، لم تختار أبيها، لم تختار أمها ..
وقد قطع لها وعدًا حين احتواها بين ذراعيه لأول مرة، بأنه لن يسمح لأحد أن يوصمها بهذا العار، لن يتركها للهلاك الذي قدّر لها ..
ولكن يبدو أنه نسي أن لا حذر يمنع قدرًا ..
لم تستطع "ليلى" أن تهرب من قدرها!!!
ينتفض "مهران" مفزوعًا حين سمع صراخ شديد من الخارج، لم يحتاج الأمر منه تفكير ليدرك بأنه لم يكن سوى صراخ "ليلى" ..
وثب واقفًا عن مقعده الوثير بجوار الشرفة، وانطلق خارجًا من غرفته، ليصطدم برؤية ابنته _ المتبناة _ مُساقة من يديها، والذي يجبرها بهذه الطريقة بالطبع هو.. "نديم" ..
هرع نحوهما صائحًا:
-نديــــم! انت بتعمل إيه؟
واخد بنتي ورايح على فين؟
وقبل أن يضع "مهران" يده عليها، تصدّى له "نديم" مرددًا بحزمٍ:
-أبعد عن طريقي يا عمي. ماتحاولش تقف في وشي.
مهران بغضب: يعني إيــه؟ دي بنتـي. انت مستوعب بتقول إيـه؟؟!!
نديم بنديّة ضارية:
-لأ دي مراتـي. ومش بنتك. ماتدخّلش.. أنا حر في مراتـي.
برز صوت "ليلى" صارخًا في هذه اللحظة من أسفل طبقات التعب:
-أنا مش مراتك.. انت إيـه؟
مابتحسش؟ سيبني بقى في حالي. أنا مش عايزاك.. مش عايزاااك!!!
أدرا لها رأسه قائلًا بهدوء:
-لما يتقفل علينا باب بيت لوحدنا.. هانشوف لو عندك فرصة تقولي الكلام ده قدامي تاني
انتي خدتي وقتك وزيادة. أنا هافوقك يا ليلى!
-واخدها على فين يا نديم؟ .. سأله "مهران" قابضًا على رسغه
نظر له "نديم" وجاوبه بحدة:
-المحامي كلّمني.. بيقول موقفنا ضعيف. والشخص الوحيد إللي يقدر يقوّيه هي بنتك إللي ربيتها دي
لكن للأسف شكلها مش ناوية تجبها لبر. ف هاخدها من هنا كام يوم أعقلها.
مهران باعتراضٍ صارمٍ:
-لأ.. مش هاسمح لك تنقلها لأي مكان بعيد عني.
اكفهرّت نظرات "نديم" وهو يرد عليه بنبرةٍ جليدية:
-وأنا مش هاستنى لما يجي رياض نصر الدين أو حفيده ياخدوها مني.. حتى لو اضطريت أخبيها عمرها الجاي كله
محدش هاياخد ليلى مني.. على جثتي!
وقبل أن يفه عمه بكلمةٍ أخرى، انحنى "نديم" وحملها قسرصا عنها فوق كتفه، بينما تنفجر بالصراخ مجددًا وهي تركل بقدميها ويديها في الهواء بلا طائلٍ ..
راقب "مهران" رحيلهما عاجزًا عن فعل أيّ شيء ...
___________________________________________
قلبه منقبضًا منذ بداية اليوم، لعله لم يلقي بالًا لإحساسه بسببها، ربما فسّره بأنه مجرد حماسٍ لرؤيتها ..
قبل أن تصدمه بأفكارها ونواياها، لم يصدق بأن تلك المرأة هي نفسها "راندا منصور".. أيقونة الجمال والأرستقراطية التي أعجب بها منذ سنوات ..
بعد ذهابها لم ينفك يقنع نفسه بضرورة نسيانها تمامًا، وأنها أبدًا لم تعد تناسبه، والسبب الأكبر في هذا أنها لا زالت مغرمة بابن خالته ..
لا يمكنه التعاطي مع هذه الفكرة أبدًا.. بل مستحيل!
ظن بأنه لو تجول قليلًا بأرجاء المدينة فسيخفف هذا من وطأة شعوره بالثقل في صدره، إنما أيًّا من هذا لم يفلح، لتطرأ صورتها على خاطره ..
شقيقته ..
ما من سواها بقادرٍ على التخفيف عنه، تكفي نظرة واحدة من عينيها الجميلتان لتذيب أطنانًا من همومه، ابتسم "عمر" وهو ينحرف بسيارته نحو أشهر متاجر الحلوى، أشترى لها حلواها المفضلة وهرع عائدًا إلى منزل أبيه ليراها ويجالسها طوال الأمسية ..
ولج "عمر" عبر باب المنزل حاملًا على يديه صندوق الحلوى وعلى وجهه ابتسامة مشرقة، يتخيّل ردة فعلها التي يعرفها جيدًا، وكاد يرتقي الدرج ليكون أمام غرفتها بلمح البصر ..
لولا صوت أبيه الذي استوقفه فجأةً.. كأنما كان يجلس هنا بانتظار عودته:
-عمـر!
توقف "عمر" فعلًا، واستدار ليواجه أباه، طالعه بنظراتٍ مستغربة، إذ كان يرتدي ملابس رسمية شديدة الأناقة في ساعةٍ متأخرة مثل هذه ...
-أفندم! .. رد "عمر" بلهجته الفاترة
اقترب منه "عاصم" وهو يقول بتعبيرٍ واجم:
-ايه إللي في ايدك ده؟
رفع "عمر" حاجبه دلالة على نفاذ صبره، لكنه جاوبه باقتضابٍ رغم ذلك:
-تورتة آيس كريم.. جايبها عشان ريهام
ولو ماعندكش أسئلة تانية باستأذنك أطلع لها عشان وحشاني وعايز ألحقها قبل ما تنام.
ما زال وجه أبيه غير مقروؤٍ، بينما يقول بهدوءٍ:
-مش هاتلاقيها.. ريهام مش في أوضتها.
عبس "عمر" سائلًا:
-أومال فين؟ بتلعب في الجنينة؟
هز "عاصم" رأسه، وقال ببرودٍ قاتل:
-ريهام في بيت جوزها!............................................................................................................................................................
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا