رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41 هى رواية من كتابة روز امين رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41

رواية انا لها شمس الجزء الثاني بقلم روز امين

رواية انا لها شمس الجزء الثاني الفصل الواحد والاربعون 41

ثمة أبواب لا تُغلق مهما أوهمنا أنفسنا بذلك… أبواب تُفتَح بصوت صورة، أو بظلّ اسم، أو بنغمة انتظارٍ خافتة على شاشة هاتف.
تُرى… كم مرة يجب أن نعود لنكتشف أننا لم نغادر أصلًا؟”
………………
خرج مهاب من بيت البراق مُسرعًا بعد أن ودّع يوسف بعينيه وهو ينسحب في صمتٍ مثقلٍ بالوجع. لم يطق أن يظل جالسًا في بيت يعلوه الكلام المتداخل والوجوه المتوترة، فيما قلبه يصرخ من قلقه على صديقه.
يوسف لم يكن يومًا مجرّد صديق عابر في حياته؛ كان رفيق الدرب منذ صغره، الأخ الذي لم تلده أمه، السند الذي وقف بجواره في لحظات السقوط والقيام، والوجه الذي يعرف أسراره كلها بلا حرج ولا خوف.
تعلّق قلب مهاب به تعلقًا لا يُوصف، حتى صار يشعر بوجعه دون أن ينطق بكلمة. كان يشعر أنّ يوسف يختنق، وأنه يتهاوى خلف صمته الجاف، وأنّ بريق عينيه انطفأ منذ اهانته نادين. ولهذا، لم يحتمل أن يتركه وحده. خرج مسرعًا من البيت، والقلق يسبق خطواته.
ظلّ مهاب يمشي في الشوارع التي اعتاد يوسف أن يسلكها، يلتفت يمينًا ويسارًا، يُحدّق في وجوه العابرين وكأنه يبحث عن إبرة في بحر. لم يجده. أخرج هاتفه أكثر من مرة، اتصل به، لكن الخط مقطوع. تكرّر النداء بلا جدوى، حتى شعر أنّ الهاتف كأنه جدار صامت لا يرد.
شدّ على أسنانه وهو يتمتم في داخله: “مش معقول… يوسف فين؟ مش طبيعي يختفي كده.”
قادته قدماه في النهاية إلى الورشة. لعلّه هناك، لعلّ العمل أنساه حزنه.
دخل بخطواتٍ مترددة، عينيه تبحثان في الأرجاء. لم يجده. لمح أحد العمال الذين يعرفونه، فتوجّه إليه سريعًا.
اقترب “مهاب” وهو يحاول كتمان توتره، وسأله بصوتٍ مخنوق:
– “يوسف مجاش لسه؟”
رفع العامل حاجبيه بدهشة وهو يهز رأسه:
– “لأ يا باشمهندس، من الصبح ماشفناهوش…يمكن في مشوار تبع الشغل.”
أومأ مهاب برأسه، ثم تراجع خطوتين وهو يشعر أن الأرض بدأت تضيق عليه. لم يجد يوسف هنا أيضًا. وقف للحظة عند باب الورشة، استند إلى الجدار، وأخرج هاتفه من جديد. أعاد الاتصال. الهاتف مغلق. زفر بمرارة وأغلق عينيه.
مرّت ثوانٍ ثقيلة، لم يسمع فيها إلا دقات قلبه المتسارعة. فتح عينيه فجأة وهمس لنفسه:
– “أكيد… هناك.”
لم يتردّد. اندفع إلى البيت الذي ترك أمامة سيارته .
قاد مهاب السيارة بخطوات متوترة، يكاد يضغط على دواسة البنزين أكثر مما ينبغي، وكأن عجلة القيادة تحمل معه جزءًا من القلق الذي ينهش صدره. عيناه كانتا تتنقلان بين الطريق أمامه وبين المرايا الجانبية، وصدره يعلو ويهبط بسرعة غير مألوفة عليه. هو يعرف يوسف أكثر من أي شخص آخر؛ يعرف أن لحظات حزنه وغضبه لا تمر مرور الكرام، بل تدفعه دائمًا إلى الهروب بعيدًا عن الناس.
الطريق كان شبه خالٍ، والسماء غائمة بشيء من الضباب الخفيف، مما جعل قلب مهاب يزداد ثقلاً. كلما مرّ بمكان فارغ، يتخيل أن يوسف قد يكون جالسًا هناك، متكئًا على حجر، أو مستلقيًا على رصيف بعيد عن العيون. لكن شيئًا في داخله كان يقوده، وكأن قلبه يمسك بخيط غير مرئي يدله على مكان صديقه.
لم يطل الوقت حتى خرج من زحام البيوت والدكاكين إلى طريق شبه صحراوي، يحيط به فضاء واسع صامت، إلا من أصوات العصافير البعيدة وصفير الريح الذي يخترق زجاج السيارة. كان قلبه يدق بقوة، وشيء في داخله يهمس: “هتلاقيه هنا زي العادة…”.
لم تمر دقائق حتى لمح التل الصغير، ذاك المكان الذي كان يوسف يلجأ إليه قديمًا كلما ضاقت به الدنيا. وقف مهاب لحظة يتأمله من بعيد، قبل أن يركن سيارته على جانب الطريق بعنف وكأنه يخشى أن تضيع الفرصة.
ترجل مسرعًا، خطواته على الأرض الجافة تصدر أصواتًا متقطعة. رفع عينيه إلى أعلى، وإذا به يراه… يوسف، يجلس على صخرة مرتفعة، كتفيه منحنيان، ووجهه متجه نحو الفراغ، ينظر إلى الأفق البعيد وكأنه يحاول أن يذيب وجعه في امتداد السماء.
توقف مهاب للحظة، شعر بغصّة في حلقه، أراد أن يناديه، لكن الكلمات تجمدت على شفتيه. لم يرد أن يقطع عليه لحظة صدقه مع نفسه. فتقدم بخطوات ثابتة، حتى وصل إلى الصخرة، ثم جلس بجانبه بصمت. لم يقل شيئًا، فقط جلس.
يوسف لم يلتفت، لكنه شعر بوجوده. كان الأمر أشبه بالراحة الثقيلة التي تهبط على الروح حين تدرك أن هناك من يفهمك دون كلام.
مرت ثوانٍ طويلة، لم يقطعها إلا صوت الريح وهي تلامس الحجارة اليابسة. “مهاب” رفع عينيه إلى الأفق مثل يوسف، وكأنهما يشتركان في الصمت ذاته. وبعد لحظة، أخرج أنفاسه ببطء وقال بهدوء، وصوته مبحوح قليلًا:
– “مبسوط إني لقيتك…”
يوسف ظل ساكنًا، عينيه مثبّتة على نقطة لا يراها أحد سواه، وكفاه متشابكتان فوق ركبتيه. بدا وكأنّه يحمل الدنيا بأكملها على كتفيه، حتى تنفّسه صار ثقيلاً.
مهاب أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوتٍ هادئ، فيه رجاء أكثر منه سؤال:
ــ “يوسف… أنتَ مش لوحدك.”
لم يلتفت، ظلّ على وضعه، لكن شفتاه ارتجفتا لحظة كأنّ الكلام اخترق صمته. بعد ثوانٍ، خرج صوته مبحوحًا، متقطّعًا:
ــ “عارف يا مهاب… بس فيه أوقات… بتحس إنك حتى لو حواليك الناس كلها، برضه وحيد… وحيد بشكل يخليك مش قادر تتنفس.”
أطرق “مهاب” رأسه قليلًا، يحاول أن يجد الكلمات، ثم رفع عينيه إليه:
ــ “أنا مش هقولك كلام محفوظ… مش هقولك اصبر ولا الزمن يداوي. أنا هقولك اللي قلبي عارفه: إحنا أخوات، مش مجرد صحاب. من أول يوم اتقابلنا وإحنا كده… نصّين لواحد. أنا موجوع عشانك، يمكن مش قدّك، بس موجوع بجد.”
هنا أخيرًا التفت يوسف إليه، وعيناه كانتا محمّلتين ببحرٍ من الألم، بحرٍ متلاطم لا قرار له. قال بصوت منخفض لكنه مليء بالحرقة:
ــ “أول مرة أحس أني قليل،ومهما احاول واعافر مفيش نتيجة ، أنا خلصت،كل حاجة بح! الحلم… البيت… قلبي اللي كنت فاكر إني لاقيه معاها. نادين كسرتني يا صاحبي… كسرتني ومشيت فوقي كأني ولا حاجة.”
لمعت عينا “مهاب” بدموع محبوسة، لكنه أخفاها بسرعة، مدّ يده ووضعها على كتف يوسف بقوة، يضغط كأنه يقول له اثبت:
ــ “أنتَ مش قليل يا يوسف، ومحدش يقدر يقلّل منك… نادين دي، هي اللي خسرت. أنتَ اللي كنت شايلها فوق راسك، وهي اختارت تمسح ده كله.”
ضحكة قصيرة، ساخرة خرجت من “يوسف”، لكن كان فيها قهر الدنيا كلها:
ــ “شايلها فوق راسي؟ أنا كنت شايلها في قلبي يا مهاب ، ودي أصعب!
أكمل بحرقة:
_من يوم ما قلبي حبها وأنا بعمل المستحيل عشان تبقى مبسوطة، عشان تحس إنها ملكة. وفي الآخر… جت تبص لي كأني ولا حاجة، كأنه عيب إنها تبقى مراتي.”
صمت لحظة، ثم أدار رأسه لمهاب، نظرته مهزومة:
ــ “هي قالتها في وشي… إنها مش عايزة تعيش مع واحد زيي. فاهم يعني إيه الكلام ده؟! مش عايزة تعيش مع يوسف اللي قدملها عمره كله.”
انقبض صدر مهاب، شعر كأن كلمات يوسف خناجر تمزقه هو نفسه. ابتلع غصته وقال بثبات مصطنع:
ــ “يا أخويا… متخليش كلمة تهدّك. اللي ييجي على كرامتك ما يستاهلكش. وأنتَ… أنتَ مش ولا حاجة، أنت سيد الناس، يوسف اللي أنا أعرفه من سنين. يوسف اللي كان بيقف جنبي في كل حاجة، اللي عمري ما شفته يسيب حد من أصحابه في ضيقة. متخليش واحدة، مهما كانت مين، تحطم الصورة دي جواك.”
أطرق يوسف رأسه، دمعة وحيدة انزلقت على خده، مسحها بسرعة كأنه يخجل أن يراها مهاب:
ــ “أنا مش قادر يا مهاب… مش قادر أنسى شكلها وهي بتبص لي كده. كان في عينيها احتقار… احتقار يا مهاب. عارف يعني إيه تبصلك مراتك كده؟”
ضغط مهاب على كتفه أكثر، اقترب منه وقال بصوت منخفض مليان وجع:
ــ ” أناحاسس بيك. ومهما حاولت توصف، أنا عايش معاك نفس الوجع دلوقتي. يمكن عشان إحنا مش مجرد أصحاب… إنت أخويا، وجعك هو وجعي.”
ساد صمت طويل بعد كلماته. يوسف أسند رأسه على ركبته، يزفر بشدة، بينما مهاب جلس ينظر إلى الأفق، قلبه يغلي من أجل صديقة، والأصعب أن الجرح أتي من أخته.
اقترب” يوسف” فجأة منه، صوته واطي لكنه مثقل بالحزن:
ــ “لو مش أنت جنبي دلوقتي، كنت هعمل مصيبة في نفسي. بس وجودك… مخليني واقف.”
ابتسم “مهاب “ابتسامة باهتة، وربت على كتفه مرة أخيرة:
ــ “وأنا عمري ما هسيبك، يوسف، مهما حصل، إحنا سوا.”
رفرف صمت آخر بينهم، لكنه لم يكن صمت وحشة. كان صمت فيه دفء، فيه معنى الأخوة الحقيقية التي تربطهم. ريح خفيفة هبت على وجهيهما، كأنها تهمس أن الحياة، مهما قست،هناك فرصة.
مهاب رفع نظره للسماء، تمتم بينه وبين نفسه:
ــ “ربنا يصبّر قلبك يا أخويا.”
ثم مد ذراعيه فجأة واحتضن يوسف بقوة.
تجمّد يوسف لحظة، قبل أن يزفر زفرة عميقة ويغلق عينيه، وكأنه أخيرًا وجد موضعًا يركن عنده همه. ارتجفت أنفاسه وهو يحاول أن يتماسك، غير أنّ الانكسار بدا واضحًا في انحناءة كتفيه.
مدّ مهاب يده وشدّه إليه بقوة هادئة، وانطلق صوته منخفضًا، دافئًا، يفيض صدقًا:
– “تعالى هنا… أنا جنبك، إنت مش لوحدك يا صاحبي.”
حاول يوسف أن يتكلم، لكن صوته اختنق، وانحبست الكلمات في حلقه. لم يجد سبيلًا إلا أن يهز رأسه بصمت، وهو يخفي وجهه في كتف مهاب، كمن يستتر من قسوة العالم. وللحظة شعر أن الثقل الذي كان يضغط على صدره قد تزعزع قليلًا، وكأن شيئًا من الحمل انزاح.
بعد ثوانٍ، ابتعد “مهاب” عنه قليلًا، وألقى عليه نظرة متفحّصة، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة تنبض بمحاولة التشجيع:
– “بقولك إيه… إيه رأيك نزوّغ من الهم ده شوية ونروح ناكل كبده؟”
رفع “يوسف” عينيه نحوه باستغراب، وملامحه ما زالت متصلبة من أثر الحزن، وقال متلعثمًا:
– “أنتَ كويس؟! كبده دلوقتي؟”
ضحك” مهاب” بخفة وهو يضغط على كتف يوسف من جديد، محاولًا أن يبدّد ثقل اللحظة:
– “أيوه يا عم، كبده دلوقتي… هو إحنا لو قعدنا نخمّ في الهم هنخلص؟ تعالى نفك نفسنا شوية، وبعدين نرجع نشيل اللي يتشال.”
نظر” يوسف” إليه نظرة مترددة، ثم خرجت من بين شفتيه ضحكة باهتة رغمًا عنه:
– “أنتَ غريب يا مهاب… بس والله ساعات بتبقى عاقل أكتر مننا كلنا.”
رفع “مهاب” حاجبيه متصنّعًا الغرور، وقال بخفة:
– “مش ساعات… دايمًا. بس إنتوا مش واخدين بالكم.”
أمال يوسف رأسه ببطء، ولا تزال بقايا الدموع معلّقة في عينيه، وهمس بصوت واهن:
– “طب يلا… بس أنا فعلاً ماليش نفس للأكل.”
ابتسم” مهاب” ابتسامة واسعة، وربّت على كتفه بحنو، ثم قال بنبرة هادئة قريبة:
– “مالكش نفس للأكل… بس نفسك محتاجة ترتاح. وصدقني، الكبدة دي هتعمل عمايلها.”
ضحك” يوسف” بخفة وقال :
_” ماشي نروح ، بس هنأكل فين؟”
ضحك” مهاب” وقال بحماس طفل:
_” عند عربية عم صابر، فاكرها؟”
ابتسم” يوسف” رغماً عنه ومسح دموعه:
– “أنت لسه فاكر العربية دي؟!
– “في حاجات مابتتنسيش ، بتفضل معلمة في الروح… يلا بينا قبل الدنيا تبقي زحمة.”
يوسف” ابتسم ابتسامة باهتة لكنها صادقة:
– “ماشي يا عم… خلينا نجرب.”
نزلا من على التلّ بخطوات بطيئة، حتى وصلا إلى السيارة. جلسا داخلها، وانطلق مهاب يقود بهدوء هذه المرة، متعمدًا ألا يضغط كثيرًا على صديقه. الطريق كان صامتًا، لا يُسمع فيه سوى صوت المحرك وأنفاسهما المتقطعة.
وصل الاثنان إلى عربة الكبدة. كان المكان على حاله منذ سنين: عربة معدنية قديمة يتصاعد منها دخان الفحم كسحابة سوداء، تفوح رائحة الشواء فتملأ الشارع. تجمّع حولها أناس من مختلف الأعمار؛ عمال أنهكهم العمل عائدون من يومهم الطويل، طلاب يرتدون زيّ المدرسة، شباب يتبادلون الضحك، فيما تتداخل أصوات الكركبة والطلبات مع نداء البائع الجهوري:
ـ “كبدة… سجق… سخن يا رجالة!”
ركن” مهاب” السيارة على جانب الطريق، ثم مال نحو يوسف مبتسمًا:
ـ “يلا ننزل… فاكر الطعم؟ ولا نسيته برضه؟”
ترجّل يوسف بخطوات بطيئة مترددة، غير أنّ ملامحه تغيّرت ما إن التقط أنفه الرائحة، فارتسمت على وجهه ابتسامة خرجت منه قسرًا. قال بهدوء، وصوته مشوب بالحنين:
ـ “الريحة دي لوحدها تكفي… كأنها واخداني لورا سنين.”
وقف مهاب إلى جواره، وسحب نفسًا عميقًا متعمّدًا أن يشاركه اللحظة:
ـ “هو ده… الراجل ده شريك في ذكرياتنا، من غير ما يعرف.”
وما لبث أن صاح البائع حين رآهما:
ـ”البرّاق والنجار! فينكم من زمان!”
اقترب الاثنان منه واحتضنوه بحب وقال “مهاب”:
_”مشاغل يا راجل يا طيب ، وقولنا النهاردة نرجع الذكريات مع عربيتك.”
قال العم صابر بترحاب :
_” ده أنتوا شرفتوا ونورتوا ، اجبلكم إيه؟”
ضحك “مهاب” بحرارة:
ـ “هات لنا كام ساندويتش كبدة سخن، ومتزودش الفلفل على يوسف… معدته مش مستحملة.”
ضحك” يوسف” بخفة، وأشار إلى للعم صابر مازحًا:
ـ “متسمعش كلامه… زوّد الفلفل.”
رمقه مهاب بنظرة حادة مصطنعة، وقال مهدّدًا بتمثيل واضح:
ـ “أنتَ هتشتكي بعدين وأنا اللي هشيلك…بس ماشي يا عم.”
شرع البائع في إعداد الساندويتشات، فانتشرت رائحة التوابل والثوم ممزوجة ببخار الكبدة الساخنة، لتسبق اللقمة إلى قلوبهم قبل بطونهم. وبين ضحكات الناس وأحاديثهم، بدا مهاب ويوسف وكأنهما داخل فقاعة تخصّهما وحدهما، تعيدهما إلى زمن البراءة والصحبة الطفولية.
أتي لهم صبي بالطعام
فمدّ مهاب يده، تناول الساندويتش، ثم ناوله ليوسف قائلًا بابتسامة صافية:
ـ “اتفضل يا صديقي… ده مش مجرد أكل، ده علاج.”
تناول” يوسف” الساندويتش ونظر إليه نظرة شكر صامتة، قبل أن يأكل قضمة صغيرة. ارتفعت حرارة الكبدة إلى وجهه، غير أنّ ابتسامة حقيقية انفرجت عن شفتيه، ابتسامة من القلب:
ـ “لسه زي ما هو… ولا اتغير.”
أكل” مهاب” بدوره من ساندويتشه، وهمس:
ـ “في حاجات لو اتغيرت… هنهلك إحنا.”
وقفا إلى جوار العربة يتناولان طعامهما وسط الزحام، غير أن داخلهما كان يغمره سكون ناعم. شعر يوسف أنّ الدنيا مهما قست، فإنها لا تزال تخبئ حضن صديق ولقمة بسيطة قادرة على جمع شتاتهم كما في الماضي. أما مهاب، فكان يرى في ابتسامة يوسف العائدة، ولو لدقيقة، أنّ الأمل لم يمت بعد.
وحين فرغا من الطعام وحاسبا البائع، ألقى مهاب المناديل بخفة وقال ضاحكًا:
ـ “يلا بينا بقى… إركب، لسه الليالي طويلة ،نبقي نيجي تاني.”
عادا إلى السيارة، فاتكأ يوسف برأسه على الزجاج صامتًا، فيما ظلّت ابتسامته الصغيرة مرسومة على شفتيه. أدار مهاب المحرك، وانطلق في الطريق وهو يشعر أنّه أنقذ صديقه من الغرق، ولو لليلة واحدة
………………..
كانت الشمس تتسلل بخجل عبر نوافذ المطعم، تلقي أشعتها الدافئة على الطاولات الخشبية المرتبة بعناية. أصوات الحارة من الخارج تتلاشى عند الباب، ليبقى المكان ممتلئًا برائحة الفول والفلافل ، مختلطًا برائحة الخبز الطازج. بين هذه الروائح، كانت رقية منهمكة في حساباتها الأخيرة للشهر، يداها تتحركان بخفة على الورق، وعينها تلمع بالتركيز.
خارج المطعم، وقفت ناهد مترددة، عيناها مشبعتان بالقلق، كأنها تنتظر رؤية شيء أو شخص. خطوات المارة لم تعد تلفت انتباهها، وكل أصوات الحارة تلاشت أمام دقات قلبها السريعة. كان في نظرتها شعور بأن ما رأت قد يُحدث اضطرابًا، وأن اليوم لن يمر كأي يوم عادي.
رفعت رقية رأسها، ولاحظت توتر ناهد،فذهب لها وابتسمت ابتسامة خفيفة وحانية وقالت:
–” واقفة كده ليه يا ناهد؟”
ترددت” ناهد” قبل أن تجيب، عيناها تبحثان عن طمأنينة في وجه رقية:
– “قلقانة… أصلي شوفت مهاب جاي بسرعة على ورشة يوسف… وقف دقيقة وبعدين مشي بسرعة برضه… خرجت أنادي عليه، لكنه كان اختفى… فقلقت يا رقية… ليكون حصل معاه أو يوسف حاجة وحشة؟”
ارتفعت دقات قلب” رقية” قليلًا لكنها حاولت تهدئتها، فقالت بصوت هادئ حنون:
– “ماتقلقيش يا ناهد… أكيد كانوا رايحين مشوار، ويوسف مشي قبل الباشمهندس ولا حاجة.”
حاولت “ناهد “تصديق كلام رقية، فرفعت كتفيها في إيماءة صغيرة وكأنها تطرد القلق الذي اجتاح قلبها، ثم قالت:
– “خير… خير… هدخل هشوف الدنيا المتكركبة جوه.”
دخلت ناهد المطعم، تاركة رقية مكانها، التي شعرت بقلق خفيف يعتري صدرها. نهضت رقية ببطء، وأخذت طريقها نحو ورشة يوسف، نادت على حسن، العامل المخلص:
– “يا حسن!”
رد عليها وهو يرفع رأسه من العمل:
– “أيوه يا أبلة، محتاجة حاجة؟”
– “بسأل على يوسف؟”
–” مجاش والله من بعد ما فتح الورشة الصبح بدري… هو قالي، هروح مشوار نصاية وأرجع، ومجاش.”
سكتت رقية لثوانٍ، وفكرت في سرعة مهاب الأخيرة، وربطت بين الأمرين، ثم قالت بهدوء:
– “ماشي… يبقى حد منكم ييجي بعد ربع ساعة ياخد فطاركم.”
ابتسم “حسن” وقال:
– “حاضر يا أبلة”
ودخل للورشة مرة أخري ، وهي وقفت لثواني وأسكتت أصوات عقلها ، بأن فعلاً كانوا ذاهبين لمكان ما ، ويوسف ذهب قبل مهاب ،ولا داعي للقلق
عادت رقية إلى المطعم، لتستأنف شغلها المعتاد، لكن صوت نادية المرتفع جذب انتباهها. كانت نادية تتحدث على الهاتف، متوترة، وعينها تتوه بين الجدية والعصبية. انتظرت رقية حتى انتهت المكالمة، ثم قالت لها بلطف:
– “مالك يا بنتي؟ صوتك عالي ليه؟”
ابتدرت “نادية” بعصبية خفيفة:
– “مشاكل مع خطيبي… والله فرحنا باقي له شهر، وبقالنا فترة بنتخانق على كل حاجة، أنا مش حمل إن الفرح يتأجل تاني بسبب مشاكلنا.”
اقتربت “ناهد “منها، وبدأت الكلام الذي طالما تحضّر له قلبها، بصوت منخفض وحذر، لكنها سرعان ما تصاعدت حماسة في نبرتها:
– يا نادية… اسمعي مني… ده طبيعي جدًا قبل الجواز. الشيطان عمره ما هيسبكم كده بالساهل تبنوا بيت مسلم. لازم يخلق بينكم مشاكل ويحاول يفركش الجوازة.
نادت رقية بهدوء على ناهد لتهدئة حماسها وصوتها، لكن ناهد لم تهتم بها واكملت، مغمورة بحماسها وحكمتها الموروثة من خبرتها الصغيرة في الحياة:
– اسمعي يا بنتي… كل يوم قبل الجواز، خصوصًا لو كان قريب، هتلاقي مشاكل صغيرة تكبر فجأة… كلام بسيط يتحوّل لسخونة، وشكوك بسيطة تتحوّل لغضب. ده الشيطان… بيحب يشوفنا متخانقين قبل الفرح، عشان يبذر في قلبنا القلق والخوف”.
نظرت” نادية “إليها بدهشة، ثم بدأت تستمع بعينين متسعتين وكتفين مشدودين:
–” يعني… كل اللي حصل بيني وبين أحمد الفترة دي… ده طبيعي؟”
هزت” ناهد” رأسها بحزم:
– “طبيعي جدًا… طبيعي جدًا. انتوا قاعدين تبنوا بيت على سنة الله، والشيطان مش عايز يشوف بيتكم بيتمشي بالراحة. لازم يحاول يوقع بينكم مشاكل صغيرة، بس لو عرفتي تتعاملي معاها بالهدوء… كل حاجة هتعدي”.
أضافت” ناهد” بنبرة أكثر دفئًا وحنان:
–” خدي بالك … لو اتخانقتوا،وهو شد، اهدي شوية… كلموا بعضكم بصوت هادي… وافهموا بعض… متخليهوش يغلبكم. ده كله جزء من “الرحلة.
ضحكت” رقية” بخفة، ورفعت يدها لتربت على كتف نادية، وقالت بابتسامة:
–” الشهر اللي قبل الجواز كله ضغوطات… ماتقلقيش كل حاجة هتبقى تمام”.
ضحكت نادية برقة، وبدأ توترها يتبدد شيئًا فشيئًا، بينما أحست رقية وناهد بالدفء الذي يغمر الغرفة، رغم صخب اليوم وروتين العمل المستمر.
أخرجت “ناهد” ظرفاً من حقيبتها وقدمته لنادية:
– “الهدية دي جاهزة من أسبوع وكل مرة بنساها في البيت… الحمد لله افتكرت.”
فتحت” نادية” الظرف بدهشة، لتجد بداخله مالًا:
–” دي فلوس! اعمل بيها إيه؟”
غمزت” ناهد” وقالت بخفة:
–” هاتي بيهم هدوم دلع وحركات للي متخانقة معاه”.
هزت رقية رأسها يأسًا، بينما ردت” نادية “بابتسامة خفيفة وهي تضع الظرف في يد ناهد:
– “الحمد لله مستورة… مش محتاجة حاجة”.
أمسكت” ناهد” يدها بحزم، وأعادتها للظرف:
– “إحنا مش بنعزم عليكِ يا حيلتها… خديها، يعني، تاخدي”.
ابتسمت” رقية” بحنان، واحتضنت نادية وقال:
– “نادية، إنتِ عندي زيك زي هنا ونور… إنتِ اختنا… ودي هدية بسيطة بمناسبة فرحك، مش معقول تكسفي أخواتك!”
دمعت عيون نادية،تبادلت الفتيات النظرات، وبدا في عيونهن مزيج من الحنان والطمأنينة، شعور بأن هذه اللحظات الصغيرة، رغم بساطتها، تحمل في طياتها الحب والدعم الحقيقي بينهن، شيء لا يمكن لأي ظرف أو ضغط أن يمحوه.
“رغم كل تعبهم اليومي وكفاحهم المتواصل لتأمين قوت يومهم، تظل قلوب الناس البسيطة عامرة بالحنان، وكأن الحياة علمتهم أن الحب الحقيقي لا يحتاج كلمات كبيرة ولا مظاهر. يعرفون ظروف بعضهم، يلاحظون التعب في عيون الآخر، ويقدمون المساعدة بصمت، دون أي شعور بالمعايزرة أو الذل، وكأن كل فعل طيب هو جزء من الروتين الطبيعي لقلوبهم.
هؤلاء الناس يضحكون معًا، يبكون معًا، ويحتفلون بأصغر الأمور كما لو كانت أعظم الإنجازات، لأنهم يعرفون قيمة لحظة الاطمئنان، وقيمة اليد الممتدة لتمسح دمعة أو تخفف عبء. في كل ابتسامة، في كل لمسة ودية، يظهر هذا الدفء الذي لا يمكن شراؤه بالمال، والذي يربطهم ببعضهم البعض بروابط لا تُرى، لكنها تُحس.
حتى في اللحظات الصعبة، حين تتكسر الخطط أو يتأخر الفرح، تجد في بيوتهم، في مطاعمهم الصغيرة، في الورش، وفي الطرقات الضيقة، دفء غير معلن؛ صمت يفهمه كل قلب حقيقي، وعينان تتلاقيان وتطمئنان بعضهما ببساطة لا تحتاج إلى كلام. هنا، في بساطة الحياة وروتينها اليومي، تُولد المعاني الكبيرة: التضامن، المشاركة، الحماية، والمودة، فتظل الروح البشرية متشبثة بالخير والحنان، رغم كل الصعاب، وتستمر الحياة، رغم التعب، بابتسامة صغيرة أو كلمة طيبة، كأنها سر بقاء الأمل”
………………..
داخل أروقة شركة متوسطة الحجم للاستيراد والتصدير، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر. هواء المكان يختلط برائحة أوراق قديمة ممزوجة بالعطور التي يستخدمها الموظفون، وضجيج الهواتف يعلو بين حين وآخر. هناك، خلف مكتب ضخم من الخشب الغامق، جلس رجل في منتصف الخمسينات، ملامحه متجهمة، وعروق عنقه نافرة من شدّة الغضب. كان يتحدث في الهاتف بصوت مرتفع، نبرة صارمة تقطر تهديدًا ولومًا.
رفع صوته حتى كاد يزلزل الجدران:
ـ “أنا قولتلكوا ميت مرة، الصفقة دي ما ينفعش يحصل فيها أي خطأ! إزاي تضيعوها مني بالشكل ده؟! فاكرين إن أنا بلعب؟!”
ظل يصرخ للحظات، كلماته تتناثر كالسياط على الطرف الآخر، ثم فجأة أنهى المكالمة بحدّة، وألقى الهاتف بعنف على سطح المكتب حتى ارتطم وأصدر صوتًا مكتومًا. جلس للحظة وهو يزفر ببطء، محاولًا استيعاب ما حدث. لكن الغضب كان يغلي داخله كبركان يوشك أن ينفجر. رفع يده يمسح عرقًا خفيفًا ظهر على جبينه، ثم نهض واقفًا، مد يده بسرعة يجمع بعض الأوراق ومتعلقاته الخاصة، واندفع خارج المكتب بخطوات ثقيلة.
بمجرد أن خرج من المكتب، انتفض الموظفون واقفين جميعًا، لم يكن ذلك احترامًا، بقدر ما كان خوفًا. وجوههم متيبسة، عيونهم تتابعه في صمت وهم يخبئون أنفاسهم حتى لا يثيروا غضبه. لم يلقِ عليهم نظرة واحدة، فقط مرّ بينهم بعصبية، كأن المكان ضاق به، وكأن الهواء لا يكفيه.
هبط الدرج بخطوات سريعة، وفي كل خطوة بدا كأنه يحمل على كتفيه جبلًا من الخسارات. خرج من باب الشركة الكبير، حيث كانت السيارة السوداء الفارهة تنتظره أمام المدخل. السائق، رجل في أوائل الأربعينات، اعتدل في جلسته فورًا، فتح الباب الخلفي للرجل، فانحنى الأخير قليلًا ودخل السيارة بعصبية.
قال بصوت خشن، قصير، لا يقبل النقاش:
ـ “عَ البيت.”
حرّك السائق السيارة بهدوء، يحاول ألا يصدر أي صوت قد يثير حفيظة الرجل الجالس خلفه. ظل الصمت يخيّم على الأجواء طوال الطريق، ولم يكن يُسمع سوى هدير المحرك وصرير العجلات على الإسفلت. الرجل في المقعد الخلفي كان يحدّق عبر النافذة، ملامحه متحجرة، كأنه لا يرى شيئًا مما يمر أمامه.
بعد عشرين دقيقة تقريبًا، توقفت السيارة أمام بوابة حديدية عالية، انفتحت تلقائيًا بمجرد اقترابهم. بجانب البوابة كانت هناك يافطة صغيرة أنيقة، كتب عليها بخط واضح: “منزل السيد محسن المهدي”.
دخلت السيارة عبر الممر المرصوف بالحجارة الصغيرة، حتى توقفت أمام فيلا متوسطة الحجم، لكنها أنيقة، محاطة بحديقة مُعتنى بها، أشجار زينة مصطفة على الجانبين، وأحواض ورود تزين المدخل.
نزل “محسن” من السيارة بخطوات متثاقلة، لم ينتظر السائق ليفتح له الباب، بل دفعه بحدة بيده، وصعد درجات المدخل وهو يكاد ينفجر من الغضب. فتح الباب الكبير بعنف ودخل إلى الداخل.
من الداخل، بدا المنزل وكأنه عالم آخر: جدران عالية تزينها لوحات فنية حديثة، أثاث فاخر بلمسات أوروبية، أجهزة حديثة تتوزع في الأركان، كل شيء يوحي بالفخامة والثراء. لكن الجو كان باردًا، كأن الأناقة أخفت دفء الحياة الحقيقية.
وقف “محسن” وسط الصالة الفسيحة، ثم صرخ بصوت عالٍ:
ـ “سعاد! قهوة دلوقتي!”
أسرعت الخادمة العجوز، صغيرة الجسد، من المطبخ وهي تمسح يديها في المريلة. انحنت بخوف وقالت:
ـ “حاضر يا بيه.”
جلس على كرسي جلدي ضخم في الصالون، أسند رأسه إلى الخلف وهو يغلق عينيه للحظات. كان واضحًا أن الغضب ما زال يسيطر عليه، ملامحه متوترة، حاجباه معقودان، وعيناه تلمعان ببريق قاسٍ.
ذلك هو محسن المهدي، رجل في السادسة والخمسين، ملامحه حادة، جبهته عريضة تتخللها بعض التجاعيد، وعينان سوداوان نافذتان، كأنهما تكشفان ما وراء الوجوه. قامته متوسطة لكنها مستقيمة، توحي بالقوة والهيبة. صوته دائمًا يحمل نبرة أمر، وكلماته تقطر حدة لا تعرف اللين. رجل محاط بالأسرار، لا يعرف أحد ماضيه تمامًا إلا من عاشره طويلًا. نجح في بناء إمبراطوريته الخاصة، شركة “MW” للاستيراد والتصدير، لكن كيف وصل إلى ما هو عليه؟ تلك حكايات يلفها الغموض.
وبينما كان يجلس صامتًا، تتأجج النار في صدره، سمع خطوات أنثوية واثقة تقترب. التفت قليلًا، فإذا بها تدخل الصالة.
امرأة في منتصف الأربعينات، أنيقة الملبس، ترتدي فستانًا راقيًا يبرز ذوقًا عاليًا، حليها لامعة، وشعرها مسرح بعناية. لكن خلف تلك الأناقة تختبئ نظرات غرور وسيطرة، نظرات اعتادت أن تتحكم، وأن تفرض نفسها.
كانت تلك هي وفاء، زوجته الثانية. منذ أن دخلت تزوجته منذ سبعة عشر عامًا، تغيّرت أشياء كثيرة. كانت تحمل دائمًا هالة من الثقة بالنفس، وثمة حقد خفي يلمع في عينيها، كأنها لا تشبع من إحساس الانتصار.
دخلت بخطوات ثابتة، رفعت صوتها وهي تقول بحدّة:
ـ “إيه يا محسن؟ بتزعق ليه كده؟ البيت كله سامع صوتك!”
رفع رأسه نحوها ببطء، كأن صوته يخرج من بين أنياب:
ــ “مضايق يا وفاء… الصفقة اللي كنت معتمد عليها… راحت من إيدينا.”
اتسعت عيناها دهشةً، لكن نبرة صوتها خرجت أقسى من الدهشة:
ــ “راحت؟! إزاي يعني راحت؟ إنت مش كنت قايللي دي هتحل الأزمة اللي إحنا واقعين فيها؟”
ضرب بقبضته على ذراع الكرسي، فارتجّت الطاولة الصغيرة أمامه:
ــ “هو ده اللي حاصل! اتلعب بينا، اتسحب البساط من تحت رجلينا… والفلوس اللي اندفعت راحت على الفاضي.”
تقدّمت نحوه بخطوتين، وضعت يديها على خاصرتها، وارتسمت على وجهها ملامح غيظ واتهام:
ــ “أنا قلتلك ميت مرة… إنت مش بتركّز! كل مرة بتتهور وتدخل في شغل من غير ما تحسب العواقب. أنا زهقت، والله زهقت!”
رفع يده في وجهها كأنه يطلب منها الصمت، لكن عروقه المنتفخة في عنقه فضحت أنه لا يحتمل أي كلمة:
ــ “كفاية يا وفاء! أنا اللي شايل الشركة على كتافي، أنا اللي بلف ليل ونهار عشان نحافظ على اللي عندنا. مش محتاج حد يزود عليا!”
قهقهت ضحكة قصيرة، لكنها كانت أقرب إلى سخرية جارحة:
ــ “شركتك؟! بلاش تقول شركتك لوحدك… من غيري ومن غير دماغي مكنتش عملت نص اللي عملته. إنت عارف ده كويس، حتى لو عمرك ما اعترفت.”
شدّ على أسنانه، عيناه تقدحان شررًا، لكن في أعماق غضبه كان يعلم أن كلامها يحمل شيئًا من الحقيقة.
دخلت الخادمة تحمل صينية صغيرة عليها فنجان قهوة، ارتعشت يدها حين وضعتها أمامه بسبب ثقل الجو المشحون. لوّحت وفاء بيدها بعصبية في وجه الخادمة:
ــ “امشي من هنا! مش وقتك.”
انسحبت الخادمة مسرعة، تاركة وراءها صمتًا متوتراً.
رفع محسن الفنجان، شرب رشفة كبيرة كمن يطفئ النار بداخله، ثم وضعه بقوة على الطاولة. نظر إلى وفاء بحدة:
ــ “أنا تعبت يا وفاء… تعبت من الضغوط ومن الكلام اللي زي السم. مش كل حاجة تبقى أنتِ الصح وأنا الغلط.”
اقتربت أكثر، جلست مقابله، مالت بجسدها للأمام، وصوتها يقطر غضبًا:
ــ “أنا بقول الصح عشان خايفة على اللي بنيناه. إنت فاكر إن الدنيا هتسيبنا في حالنا؟ لأ. الناس كلها مترصدة لينا، أول ما تقع هتلاقي الكل داس عليك… وأنا مش مستعدة أرجع تاني لنقطة الصفر.”
صمت لثوانٍ، حدّق فيها بنظرة طويلة، ثم مرّر يده على شعره بغضب مكبوت:
ــ “إنتِ عمرك ما سيبتيني أتصرف لوحدي. كل قرار لازم يبقى ليكِ فيه كلمة. حتى وأنا في الشغل، صوتك بيرن في وداني.”
ابتسمت ابتسامة باردة، وقالت بثقة:
ــ “ولولا صوتي ده، كُنت زمانك دلوقتي قاعد في بيت بالإيجار، مش في فيلا زي دي. اعترف يا محسن، أنا اللي مَديتك بالقوة، وأنا اللي بحافظ على اللي معانا.”
ردّ بانفجار غاضب:
ــ “أنا اللي عملت نفسي! محدش له فضل عليا!”
ضربت بيدها على الطاولة بقوة حتى اهتز الفنجان:
ــ “إوعى تضحك على نفسك! أنتَ من غيري ولا حاجة… وأنا مش هقبل إنك تضيّع اللي جمعناه بمزاجك. الخسارة دي مش بسيطة، دي ممكن تفتح علينا أبواب جحيم!”
أسند ظهره على الكرسي، وأخذ نفسًا عميقًا كأنه يحاول أن يبتلع سُم كلماتها، ثم قال بصوت أخفض:
ــ “طيب… وعايزاني أعمل إيه دلوقتي؟”
ابتسمت ببطء، لكنها ابتسامة تحمل نصلًا حادًا:
ــ “عايزاك تفكر بعقلي مش بعقلك. أنا شايفة اللي إنت مش شايفه… ولو مشيت ورايا، مش هنخسر تاني.”
ظل يحدّق فيها طويلًا، بين رغبة في تحديها وبين إدراك داخلي أنه بالفعل كثيرًا ما كان ينصاع لرؤيتها. لكن الغضب لم يسمح له بالاعتراف، فاكتفى بالسكوت، وعيناه تائهتان في فنجان القهوة.
………………………
في بيت رقية، كان المطبخ الصغير يغمره عبق البصل المتحمّر ورائحة البهارات التي رشّتها هنا في القدر.
جلست نور على الكرسي، ممسكة بملعقة تقلّب بها السلطة بهدوء، كل حركة منها محسوبة بدقة كما اعتادت، فيما ظلّت ملامحها تحمل وقارًا أكبر من عمرها.
أما هنا، فكانت واقفة أمام الموقد، يطلّ شعرها الخفيف من تحت حجاب خفيف علي رأسها بينما يتزاحم بخار الطعام حول وجهها. ارتفعت حواجبها قليلًا، وشفتاها متقطّبتان بعصبية لم تزل عالقة منذ اليوم السابق.
التفتت فجأة، وألقت الملعقة النحاسية في الحوض بصوت مرتفع، قائلة بغضب:
– “يا بنتي أنا لحد دلوقتي متغاظة… إيه قلة الأدب دي! يعني بدل ما يقول كلمة حلوة، قاعد يتريق!”
رفعت” نور” عينيها من فوق طبق السلطة، واستقرت نظرتها على وجه أختها، وقد حملت نبرة صوتها اتزانًا واضحًا:
– “هو ده اللي مضايقك؟”
ضربت” هنا” كفّها بكفّها وقالت بسرعة:
– “طبعًا! يعني ياختي أنا ماشية في حالي، يخبط فيا زي القطر، ولما أفتح بقي ألاقيه بيرمي كلمتين كده مستفزين… لا وبيضحك كمان، زي اللي مستمتع إنه مضايقني!”
ابتسمت “نور” بخفة، لم تكن سخرية، بل محاولة لتهدئتها، ومسحت يديها في الفوطة وهي تقول:
– “ما يمكن يا هنا بيهزر، عشان يخرج بشياكة من الموقف.”
التفتت هنا بسرعة نحوها، اتسعت عيناها وارتفع صوتها مندهشة وغاضبة في آن:
– “بيهزر؟! بيهزر إيه يا نور وبتاع إيه أصلاً، ده قليل الذوق، أنا أصلاً مابطقش أسمع اسمه، دايماً أسمع عنه أنه طول الليل سهران مع أصحابه، ولا يعرف مسؤولية ولا حاجة، عايش عالفلوس اللي أبوه بيرميها له وخلاص.”
أرجعت” نور “الكرسي إلى الخلف وجلست مستندة بظهرها، نظرتها تركت السلطة واتجهت نحو أختها مباشرة، ونبرتها ازدادت جدية:
– “يا هنا، مش كل اللي نسمعه عن الناس لازم يكون صح. ساعات الكلام بيتضخّم ويتزوّد. وجايز… جايز يكون اللي في عيون الناس مش الحقيقة.”
لوّحت “هنا “بيدها في الهواء بعصبية وقالت:
– “أصلًا حتى لو الكلام نصه صح، يبقى كفاية. واحد ملوش همّ غير نفسه وضحكه وهزاره… أنا مالي وماله؟! أنا بس حكيتلك زي ما بنحكي لبعض.”
أمالت “نور” رأسها قليلًا وابتسمت ابتسامة رقيقة تنطوي على حنان:
– “عارفة، وعشان كده بقولك… ما تحكميش بسرعة. الناس ساعات بتفاجئنا بوجوه تانية غير اللي باينة. يمكن يكون طايش، يمكن يكون مسؤول… مين عارف.”
ضربت “هنا “كفّها في جنبها وقالت بعناد:
– “طايش يطلع، مسؤول يطلع… ما يخصنيش. أنا مش فارق معايا. إنما اللي شفته النهارده خلاني أستغرب إزاي فيه ناس لسه بتتكلم عنه كأنه أحسن شاب في الحارة بالرغم الكلام السلبي اللي بيتقال؟.”
أطلقت” نور” ضحكة صغيرة وهي تهز رأسها:
– “الناس بتحكم بالمظاهر يا هنا. واللي عايز يبان كويس، بيقدر. لكن صدقيني، الحقيقة بتبان بعد وقت.”
شبكت” هنا “ذراعيها أمام صدرها، ونظرت إلى البعيد كأنها تستعيد تفاصيل اللحظة:
– “هو كان واقف كده، إيده في جيبه وضاحك… كأن الدنيا كلها مش فارقة معاه. استفزني يا نور، استفزني لدرجة إن وشي ولع.”
رفعت” نور” جابيها وتعالت صوت ضحكتها وقالت:
– “واضح قوي إن الموقف مش فارق معاكِ ، وواضح إنه حرّك فيكي أعصابك. عارفة يا هنا؟ أنتِ مش بتتعصبي بسرعة إلا لو الموقف خبط في حاجة جواكي.”
التفتت “هنا” بسرعة، وارتفع صوتها محتجة:
– “يا سلام! يعني إيه؟ قصدك إني مهتمة؟”
أجابت “نور” بهدوء وهي تضع طبق السلطة على الطبلية:
– “لا… قصدي إنك حساسة. أي كلمة بتدخل قلبك على طول. مش زيي… أنا ساعات بسمع وبطنش.”
تنهدت” هنا “وجلست أمامها ممسكة بطرف الطبلية، نبرتها صارت أهدأ لكنها لا تزال تحمل أثر الزعل:
– “نفسي أتعلم أطنش زيك. بس مش بعرف. الكلمة بتلزق في ودني.”
مدّت “نور “يدها ولمست كف أختها بلطف قائلة:
– “هتتعلمي مع الوقت. المهم متسيبيش حاجة صغيرة تعكر يومك. مازن البراق ولا غيره، إحنا ورانا دراستنا وحياتنا، مش ناقصين وجع دماغ.”
عضّت “هنا “شفتها وقالت:
– “عندك حق… بس بردو، مش طايقة أسمع اسمه تاني.”
ضحكت نور بخفة وقالت وهي تهز كتفها:
– “يبقى بلاش تسمعي. خلي ودنك من طين والتانية من عجين.”
ضحكت هنا أخيرًا، لكنها ضحكة صغيرة متقطعة كأنها خرجت من قلب لم يزل مثقلاً.
وفي تلك اللحظة، انفتح باب الشقة، ودخل سيف بخطوات مثقلة وصوت مفاتيحه يرنّ في جيبه. كان يرتدي تيشيرت رياضيًّا، وملامحه متجهمة، وجهه مكفهرّ كأنه يحمل الدنيا فوق رأسه.
رفعت” نور” صوتها بهدوء قائلة فور أن رأته:
– “جيت يا سيف؟”
إلا أن رده جاء حادًّا غريبًا، لا يشبهه:
– “إيه جيت دي؟ سؤال غبي… مانا قدامك أهو!”
تجمّدت هنا مكانها، واتسعت عيناها، فيما تصلّبت ملامح نور على الفور، نبرتها خرجت بحدة مماثلة:
– “سيف! صوتك مش يعلى عليا.”
رفع حاجبه بسخرية خفيفة وقال ببرود:
– “صوتي مش عالي. أنتِ اللي بتسألي أسئلة ملهاش معنى.”
قامت” هنا” بسرعة محاولة التدخل، وصوتها ممتلئ بالقلق:
– “ماجراش حاجة يا سيف. ما إحنا دايمًا بنسألك كده، هو إيه اللي مزعلك؟ داخل متعصب ليه؟ حاجة حصلت؟”
ألقى سيف نظرة باردة، كأنه يتهرب من أي حوار، وقال بجفاف:
– “مفيش حاجة. خلصوا الأكل عشان جعان.”
ثم استدار دون أن ينتظر ردًّا، ودخل غرفته مصفقًا الباب خلفه.
بقيت نور واقفة في مكانها، عيناها معلقتان بالباب، ثم التفتت نحو هنا وقالت بجدية يملؤها القلق:
ساد المطبخ صمت ثقيل للحظات بعد أن أغلق سيف باب غرفته بعنف، كأن الهواء نفسه انقطع فجأة. بقيت نور جالسة في مكانها، عيناها معلقتان بالباب، والحزن مطبوع على ملامحها. أما هنا، فحاولت أن تكسر هذا الصمت، مدّت يدها تجمع الخبز في طبق، لكن يدها ارتعشت قليلًا.
قالت بصوت منخفض، كأنها تحاول إقناع نفسها:
– “سيف بيتعصب بسرعة شوية… بس مش قصده يزعّلنا.”
التفتت” نور” إليها، وفي عينيها خليط من غضب وقلق، ونبرتها أصبحت أهدأ لكنها حادة:
– “لأ يا هنا… في فرق بين اللي بيتعصب وبين اللي بيبقى شايل حاجة جواه. سيف متغير… متغير بطريقة مقلقة ،والغريبة أن رقية شايفة وساكتة؟!.”
أخذت” هنا “نفسًا قصيرًا، وعضّت شفتها بتفكير قبل أن تقول:
– “يمكن عشان ضغط الدراسة. الولد مشغول طول النهار بالدروس، وبعدين بيسمع من أصحابه كلام… طبيعي يتأثر، ورقية مابتسكتش يا نور ، هي بتهدي وتتكلم في الوقت المناسب ، ويمكن تدخلها دلوقتي وكلامها مع سيف يجيب نتيجة عكسية عشان كده ساكتة!.”
أمالت “نور” رأسها إلى جانبها وأطلقت زفرة طويلة:
– “مش عارفة… قلبي مش مرتاح. شايفة عينيه؟ مش زي الأول. فيه حاجة مداريها.”
حاولت “هنا “أن تبتسم ابتسامة صغيرة، لكنها خرجت باهتة، وقالت وهي تنظر إلى الفراغ:
– “يا ريت ماما كانت موجودة… كانت هتبقي عارفة تتعامل معاه.”
بمجرد أن نطقت بالكلمة، تغيّر الجو كله. شعرت نور بانقباض في قلبها، تجمّدت يدها فوق طبق السلطة، ثم رفعت عينيها نحو أختها وصوتها صار أضعف:
– “ماما… الله يرحمها… هي كانت الحيط اللي بنستند عليه. من يوم ما راحت، وكل حاجة اتغيرت.”
رفعت “هنا “رأسها فجأة، وعيناها تلتمعان بالدموع، لكنها سارعت بمسحها بجانب كفها وقالت:
– “عارفة يا نور… ساعات بحس إن مهما عملنا، عمرنا ما هوصل للي كانت ماما بتعمله. كانت بتجمعنا حواليها، تضحك معانا، وتخلي البيت كله مليان حياة، رغم اللي كنا فيه… دلوقتي الأكل بيتعمل، بس الطعم ناقص.”
مالت “نور” بجسدها إلى الأمام، مدّت يدها وأخذت كف أختها بين يديها وقالت بنبرة حنونة:
– “بلاش تقولي كده، رقية بتعمل أكتر من اللي ماما كانت بتعمله… ماما علمتنا نكون لبعض. ورقية كمان شايلة فوق طاقتها عشان تعوضنا. بس كلنا لازم نساعد.”
هزّت “هنا “رأسها وقالت بصوت مبحوح:
– “رقية… رقية دي جبل، بس يا نور بحسك مش خايفة عليها،من كتر المسؤولية اللي شايلها؟ شايفة إزاي بترجع من الشغل مرهقة ومبتتكلمش؟”
أغمضت” نور” عينيها لحظة، كأنها تحاول أن تسيطر على مشاعرها، ثم قالت:
– “مش خايفة عليها؟ خايف عليها جدًا. بس رقية قوية، ربنا حاطط في قلبها صبر غير عادي. يمكن عشان كده هي ساكتة مع سيف… مستنياه هو اللي يفتح لها قلبه. رقية متعودتش تفرض نفسها.”
نظرت “هنا “إليها بنظرة امتزج فيها الألم بغيرة طفولية خفيفة:
– “أنا أوقات بحس إني مقصّرة، لا بساعدها زيك في البيت ولا زيها في الشغل. كل اللي بعمله إني بفضفض.”
شدّت “نور” على يدها سريعًا وقالت بلهجة الأخت الكبرى:
– “إوعي تقولي كده يا هنا. فضفضتك دي هي اللي بتخفف عنّا. لو كتمتي جواكي، البيت نفسه كان هيخنق. إنتِ خفّة روحك اللي مديانا نفس نضحك.”
ضحكت “هنا “بخفة وسط دموعها، ومسحت خدها وقالت:
– “ضحك إيه يا نور؟ أنا من ساعة ما شفت الواد البراق وأنا عايزة أعضه.”
ابتسمت” نور”غماً عنها، وارتخت ملامحها قليلًا، وقالت بنبرة أخفّ:
– “سيبيه في حاله بقى. احنا ورانا ألف حاجة أهم من وجع دماغ.”
مرّت لحظة صمت قصيرة بينهما، ثم رفعت” نور “نظرها إلى السقف وقالت:
– ” فاكرة لما ماما كانت تصحّينا الفجر على صوت القرآن؟ البيت كله كان يبقى أمان حتى لو الدنيا مُخيفة.”
لمعت عينا “هنا “مجددًا، وارتسمت ابتسامة حزينة على وجهها وهي تقول:
– “أيوه… كنت بحس إن الدنيا كلها أمان، دلوقتي… حتى وأنا نايمة بحلم إني سامعة صوتها. ولما أصحى وألاقيها مش موجودة… قلبي يوجعني.”
اقتربت “نور” منها أكثر، وضعت يدها على كتفها وقالت بصوت واثق رغم الحزن:
– “ربنا يرحمها. مامتنا عايشة جوانا، في كل حاجة بنعملها. هي سابتنا لبعض… وده عهد لازم نوفيه.”
أومأت “هنا” برأسها ببطء، وكأنها تتلقّى من كلمات أختها عزاءً وقالت بغموض فهمته نور:
_” بس تعرفي ، ماتمناش أني ارجع أعيش في المكان اللي كانت الذكريات دي كلها فيه ، وماتمناش وجوده في حياتنا لما كانت ماما عايشة .”
قالت “نور ” بقوة :
_” ماتقليش ، هو مش هيقرب مننا تاني ، ولا هو عايز ولا رقية هتسمحله.”
أومأت “هنا” ثم نظرت إلى الباب الذي دخل منه سيف وقالت بهدوء:
– “يا رب يفضل حوالينا ومايضيعش. نفسي يفتح لنا قلبه زي زمان.”
زفرت” نور “وقالت:
– “هنستنى… وهنقف جنبه. بس لازم نكون عيننا مفتوحة، عشان ما يروحش في طريق غلط.”
وبعد لحظة صمت، نهضت” هنا” فجأة، مسحت خدها، وقالت بنبرة مرحة مصطنعة، تحاول بها تغيير الجو:
– “يلا يا ست الدكتورة… خلينا نكمّل تجهيز الأكل قبل ما سيف يخرج ياكلنا بدل الأكل.”
ضحكت نور بهدوء، وهي تمد يدها للطبق قائلة:
– ” لا وأنتِ الصادقة ، رقية اللي هتيجي تأكلنا حتة علقة.”

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا