رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43 هى رواية من كتابة امل نصر رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43

رواية لأجلها امل نصر بقلم امل نصر

رواية لأجلها امل نصر الفصل الثالث والاربعون 43

*"كنتُ أظنّه غريبًا عن عالمي، لا يشبه ما حلمتُ به يومًا، ولا يلمس شيئًا من خيالاتي القديمة. كنتُ أظنّني سأعيش بجانبه غريبة، أؤدّي دوري في الحياة بصبرٍ لا يُرى.
كنتُ أُجافي قلبه كأنه غريبٌ اقتحم طمأنينتي خطأً، أضع بيننا مسافةً من خوفي، لا من رفضي، وكنتُ أظنّه يريدني فقط لأُكمل حياته، لا لأكون حياته.
لكنني لم أدرِ أن الله كان يخبّئ لي حبًا يُنبت فيّ الحياة من جديد.
شيئًا فشيئًا... بدأ وجوده ينساب إليّ كالماء في الأرض العطشى، كأنني كنتُ أبحث عنه دون أن أدري.
حضوره يسكن اضطرابي، كل نظرةٍ منه تُسكن ضجيجي، وكل مرةٍ احتواني فيها شعرتُ أني أعود إلى نفسي لا إليه.
كنتُ سأخسر الكثير لو لم يُكتب لي أن أراه على حقيقته، أن أفهم أن الحب لا يُخلق من الصورة التي نرسمها، بل من الروح التي تلامس أرواحنا في صمت.
لم يكن القدر هو من رسم طريقنا، بل هو الذي أيقن بحبّه، وآمن بي، وصبر حتى وصلتُ.
أما أنا... فقد وصلتُ متأخرة، لكنني حين وصلت، التحمتُ به كما تلتصق الروح بروحها، لا فكاك بينهما ولا ندم.
هو ليس نصيبي فحسب، بل يقيني الذي لم يخذلني يومًا."**
الخاطرة  الروعة لمبدعة/ سنا الفردوس (بطوط)
ارجو من حضراتكم طلب بسيط بالدعوات لها
ان  ربنا يقضي حاجتها ويفك كرب عائلتها،  
الفصل الثالث والأربعون 
​"الملك لك لك يا صاحب الملك، الملك لك لك يا صاحب الملك"
​الكروان الجميل ما زال يغرد في الخلاء، مستغلاً هدوء الأجواء من حوله، وهي تردد من خلفه، مستمتعة بنسمات الفجر العليلة في ذلك الوقت.
​اختلفت الأماكن ما بين منزل والديها القديم وجلستها الآن في شرفة الغرفة التي تجمعهما مع زوجها، ولكن يظل الشعور واحدًا. فها هي تعود لتلك الحالة التي اعتادت عليها منذ سنوات؛ في كل مرة يأتي فيها اختبار ابنتها في الدراسة، يجتاحها القلق وكأن الأمر يخصها هي. حتى وإن تغيرت المعادلة وأصبح لها مستقبلها الذي يشغل تفكيرها، يظل الحلم الأهم هو التحاق ليلى بالجامعة.
​"يا رب اقف معها ووفقها يا رب."
​دعاؤها الخافت وصل إلى ذلك الذي وقف منذ لحظات يراقبها، وقد استيقظ حين شعر ببرودة الفراش ومكانها الخالي جواره.
​لا يمل من تأملها؛ فرؤيتها فقط تبعث السكينة في روحه. وقد كانت غافلة في غمرة تضرعها إلى الخالق حتى يقف مع ابنتها في الاختبارات النهائية، والفاصلة في تحديد مستقبلها. هل عليه أن يغار أيضًا من ليلى وقد أصبحت تستحوذ على الحيز الأكبر من تفكيرها؟
​"انت هنا من إمتى يا حمزة؟"
​أتى السؤال منها حين انتبهت لوجوده، فأهداها ابتسامة عذبة قائلاً، وقد اتجهت أقدامه نحوها:
"يعني عايزة تصحي وتقومي من جاري وأنا محسش؟"
​في الأخيرة، كان قد اقترب منها ليدنو إليها ويحاوط وجهها بين كفيه ثم يَثْلُمُ جبهتها بشفتيه؛ قبلة طويلة حانية قبل أن يجلس على ذراع التخت بجوارها، يضمها إليه مردفًا:
".ـ قلبي اللي حاسس بيكي، هو نفسه اللي صحاني.
​تقبلت لفتته بترحاب، تحتضن كف يده بامتنان شديد قائلة:
"يِسْلَم لي قلبك يا ضي عيني، وسامحني إن كنت قلقت راحتك، لكن والله غصب عني، قلقانة جدًا يا حمزة."
​رد وقد استند بذقنه على رأسها:
"ـ عارف، وعارف سبب القلق، انتي أصلا لا على حامي ولا على بارد من امبارح مسا، بس انا بقولك اها، ليلى مش بس هتنجح، لا دي هتفاجأك كمان بتفوقها في كلية تفتخري بيها"
​رفعت رأسها إليه برجاء تفضي إليه بهواجسها ومخاوفها:
"ـ يا ريت يا حمزة، نفسي والله ، بس خايفة لا يكون الحمل أثر على تركيزها, خايفة إن هي نفسها تتعب في اللجنة، بت جارتي ألقديمة أم حسنين، كانت شاطرة قوي وكل سنة تطلع من الأوائل، لحد ما جات في سنتها الأخيرة صدمت أهلها وصدمتنا كلنا بمجموع يكسف، رغم انها كانت طول الوقت قافلة على نفسها الأوضة تذاكر ، و مكانتش بتساعد امها ولا تشيل قشاية حتى في البيت، يا خوفي يحصل مع ليلى اللي حصل معاها"
​ضحك حمزة بخفة يشدد من ضمها إليه قائلاً:
" والله انتي مخك ضارب، طب يعني اللي كانت بتقفل على نفسها الأوضة دي انتي ضمنتي انها كانت بتذاكر طوال الوقت اللي حابسة نفسها فيه؟ وبرضو حتى لو مشيت معاكي انها كانت بتذاكر فعلا، دا مش مقياس على فكرة، يعني انا مثلا كنت من ضمن العيال اللي تلم المنهج كله في إسبوع الامتحان أو قبله بحاجة بسيطة وغيري اقل، المهم هو التركيز والتوفيق من عند ربنا .
ـ يارب يارب"
​تمتمت وهي تضمه إليها بقوة، ألصقت رأسها على صدره، لتجد فيه ملاذًا من التفكير، وتستمد منه الراحة والاطمئنان. ولم يُقصّر هو في الضغط بأنامله على جسدها ليضمها إليه، بتقديم الدعم والمؤازرة التي هي في أشد الحاجة إليها الآن، كي تكسب في معركتها الأخيرة، بعد سنوات من التضحية والإيثار."
.........................
​أما عن ليلى، التي ارتدت ملابسها وكانت تتجهز الآن، تضع اللمسات الأخيرة في لف حجابها أمام المرآة قبل الخروج والذهاب إلى تأدية الاختبار.
​تخاطب زوجها الذي دلف عائداً من الشرفة يغلق الهاتف بعد انتهائه من مكالمة هاتفية:
ـ اقعد تتكلم في التليفون وتأخرني على الامتحان يا معاذ.
تبسَّم لها وهو يتناول متعلقاته من درج الكومود قائلاً:
ـ ما كلُّه برضه عشانك يا ست ليلى، حمزة بيتصل يوصيني، وأمك ماسكة راسي من امبارح أسئلة عنك. المشكلة أنَّه كلُّه صداع على دماغي، وأنتِ نفسك صاحبة الأمر، خايفين لَيَزْعُجوكي أو تتوَّتري. يا غُلبك يا معاذ.
​قهقهت ضاحكة رداً على طريقته، ليواصل هو بفكاهة وهو يتأملها:
ـ ما يعرفوش إن البرنسيسة بقالها ساعة بتتعدَّل قدام المرايا، وكأنها رايحة فرح صاحبتها.
تخصَّرَت بزهو أمامها تُعقِّب على قوله:
ـ ليه يا حبيبي، عايزاني أروح مبهدلة ولا أقل من البنات؟ يعني مش كفاية البلونة الصغيرة والباشا اللي يبين نفسه من تحت الفستان.
​كان في الأخيرة قد اقترب منها ليحاوطها من الخلف بذراعيه التي امتدت على البروز البسيط لبطنها، يَربُت عليها، يُحدِّث انعكاسها في المرآة أمامه، مُقبِّلاً وجنتها المنتفخة، يبث داخلها الاطمئنان بطريقة فكاهية:
ـ وماله لما يظهر ويبيِّن نفسه؟ ده حبيب أبوه اللي هيحضر مع أمه امتحانها، عشان لو نسيت الإجابة، يديها رفسة يفوِّقها تفتكر على طول.
​ضحكت للمرة الثانية، حتى إذا توقف، علقت بجدية وحب له:
ـ أهي خفة دمك دي هي اللي مخلياني بنسى إن في امتحان أصلاً. بس حبيب أبوه ده هو نفسه حبيب أمه، كفاية إنه سبب في زيادة ارتباطي بيك أكثر وأكثر يا معاذ، أتدلَّع على حسَّه عشان عارفة إنك مش هترفض لي طلب، وحتى لما أغلط أنت اللي تفوِّت وتعدِّي لي بسببه، مش بقولك حبيب أمه!
​تنهَّد يخطف قبلة أخرى من وجنتها مرة أخرى، يود إطالة الحديث بينهما، لكن الوقت لا يسمح، ليضطر بفك ذراعيه عنها بيأس قائلاً:
ـ والله كلامك حلو يا أم الغايب، بس شكلك نسيتي الامتحان صح، وباين الوقت هيفوتنا.
سمعت منه لتلقي بنظرها على الساعة تُزيِّن رسغها، لِتَنتفِض مُهرولة نحو حقيبتها:
ـ يا لهوي ده أنا كده هيضيع عليَّ أول مادة فعلاً لو ما لحقتش. بسرعة يا معاذ عشان توصِّلني بالعربية.
جاء رده وهو يسبقها دون أن يفوت فرصته في التنمر عليها:
ـ على ما تخلّصي النزول بخطوات البطريق، أكون أنا سخَّنت العربية...
...............................
داخل منزل اعتماد وشقيقتها.
​كانت اعتماد في هذا الوقت تلاعب الصغيرة ابنة روضة، التي كانت غائبة في غرفتها منذ ما يقارب الساعة، تاركة لها الصغيرة التي تُدخل البهجة إلى قلبها بضحكاتها ولعبها. حتى تذكرت اعتماد موعد خروجها، لتنهض بالطفلة هذه المرة متجهة إلى غرفة والدتها لتُعطيها إياها. ولكن ما إن اقتربت من الباب، وقبل أن ترفع يدها وتطرق عليه لتستأذن في الدخول، حتى توقفت فجأة مع سماع النهنهات التي صارت تصل إليها بوضوح، ثم حديث الذل والرجاء:
​ـ يا محمود، أنا إيه ذنبي بس؟ والله، والله كل يوم بفتح السيرة قدامها عشان تحس على دمها، لكن مفيش فايدة! كل مرة تسمعني الكلام الماسخ. قوله إن دا جلسة رجال ولازم تتنفذ... أيوه، والله عارفة معاكش المبلغ الكبير بتاع التعويض، بس... بس يعني لو أبوك يساعدك، ولا عيال عمامك اللي حضروا الجلسة، ولا واحد فيهم ربنا يقدّره ولو بمبلغ صغير؟... خرست يا محمود وسيبت** سكوتي لربنا. بس... بس أنت لو تقدم أي حاجة... طب أبويا الحاج رافض يديك مليم، أمك يا محمود لو طلعت غويشة واحدة من إيدها، هتجيب على خمسين ألف جنيه و... محمود، متتهمنيش إني حن عليك! أنا لا ببصلها ولا زفت. أنا بس... يا محمود... يا محمود... منك لله يا اعتماد، منك لله!
​في تلك اللحظة، كانت اعتماد تفتح عليها الباب، لتجدها تنظر إلى الهاتف الذي اسودّت شاشته مع انتهاء المكالمة من جانبه بوجهها كما يبدو، فصبّت روضة اللوم والانهيار على الحلقة الأضعف لها، وهي شقيقتها.
​والتي ابتلعت الغُصة المؤلمة وتقدمت بصمت تام، حتى اقتربت لتضع الطفلة في حجرها، ثم التفتت لتغادر كاتمة على جرحها بالملح.
​ولكن هذا لم يُرضِ روضة، التي تحدثت من خلفها في تبرير أحمق بعد أن علمت بسماعها المكالمة:
ـ على فكرة بقى، أنا دعيت من قهرتي، يعني لازم تعذريني، وتقَّدري الضيقة اللي أنا فيها.
​أغمضت اعتماد عينيها بتعب شديد ومرارة جثمت في حلقها، حتى تحاملت على ألمها لتلتف إليها وتتحدث بصعوبة:
ـ ومين يقدر الضيقة اللي أنا فيها في عيشتي مع واحدة زيك زي الأتب اللي في الضهر، ولكنه بتقل الحجر ومع ذلك مقدرش أشيله؟
​انتفضت كعادتها لا تتحمل الإهانة والوصف المُحق فيها، لتعارضها بلوم:
ـ أنا برضه اللي زي الأتب؟ ولا أنتِ اللي شوفتي نفسك بعد ما فوزتي بالحليوة ابن البهوات، ومعدتيش حاسة بأختك ولا بوجعها؟ طب أديكِ سمعتي بنفسك، أبوه رافض يساعده وولاد عمه، حتى أمه رافضة تطلع غويشة واحدة من إيدها تسد حتى ولو ربع المبلغ. يعني محدش حاسس ولا همه!
​ردت اعتماد بعد انتهائها من عبارات المظلومية التي تتجدد منها يوميًا، تخاطبها بمنطق العقل الذي لا تعرفه من الأساس:
ـ "محدش فيهم راضي يساعده حتى أمه"، دا ميخليكيش تنتبهي إنه لو راجل أمين، كان هيلاقي الكل يسارع في مساعدته، مش يجيله الرفض حتى من أقرب ما ليه؟ أنتِ بس اللي مسلماله أمرك، زي ما سلمتيه دهبك وضيعه، زي ما كان هيضيعك برضه ويمضيكي على قرض. أنتوا تستاهلوا بعض على فكرة. بس أنا ذنبي إيه عشان تحسبيني عليا؟ قولتلك روحيله وخلصيني من همك، لكن أنتِ مصرة تبقى الروحة رسمي بالتنازل مني عن التعويض اللي اتقرر في جلسة الرجال، وعشان لما يغدر ويرميكي، تلاقيني برضك في ضهرك ، بس دا مش هيحصل يا روضة. بلّغي الصايع بتاعك إني مش هتنازل عن حقي وإن وصلت إني أحبسه هعملها. أما أنتِ بقى، غوري في داهية وادعي عليا براحتك.
​ختمت كلماتها وتحركت مغادرة، تتجاهل صياح تلك الجاحدة من خلفها، تدّعي قوة زائفة وعدم اكتراث، ولكنها من الداخل، تتهادى كجبل صُنع من الرمال، ليسقط حتى يختفي ويتلاشى تمامًا.
...............  
​ها هي تطل من أعلى الدرج، تراه جالسًا في وسط الردهة الأمامية لمنزل والديها، يداعب الصغيرتين، يدغدغهما بأنفه حتى تصدح ضحكاتهما الطفولية فتصل إليها وإلى خارج المنزل.
​عدة مرات أتى لرؤيتهما في غرفة الاستقبال الخارجية دون أن تعلم هي في معظم الأحيان سوى بعد انصرافه.
​أما اليوم فقد جاء طالبًا رؤيتها. هل تراه تراجع عن الخطبة المزعومة لتلك المدعوة اعتماد؟ أم أتى في أمر آخر؟ ستعرف الآن.
​ـ مساء الخير يا خليفة. قومي من على حجر أبوكِ يا بت.
وجهت الأخيرة إلى الصغيرة التي كانت تصدر منها القهقهات العالية أثناء دغدغة ابيها لها بأنفه، لتجبره على الانتباه إليها، ونجحت بالفعل. 
غتوقف هو يزفر داخله، ليقبّل ابنته وشقيقتها، ويصرفهما بلطف، ثم يتفرغ لها. وقد اتخذت جلستها في الكرسي المقابل له مباشرة، فبادرته بسؤالها:
​ـ نعم يا خليفة. بلغني أنك جاي مخصوص تقابلني. يا رب تكون جاي في خير!
قالت الأخيرة بمغزى مقصود، لتزيد من ثقل المهمة التي أتى من أجلها.
ضاق صدره من البداية، ولكنه مُصرّ على إنهاء النقاش بقراره الحاسم الفاصل:
ـ نعم الله عليكِ يا ستي، بس أنا كنت جاي نخلّص الأمور المعلقة ما بيننا.
سألته بتوجّس، تقصفه بكلماتها:
ـ أمور إيه بالظبط؟ وضّح يا وَلَد عمي. يكونش هتردّني المرة دي؟
تصلبت ملامحه فأجابها دون تردد:
ـ دا على أساس إن أنا اللي كنت طلعتك من البيت غضبانة مثلًا؟ على العموم أنا جاي أوفّر عليّ وعليكِ التعب والشد والجذب. شوفي عايزة إيه يا هالة وأنا أنفذه لك. أنتِ بنت عمي قبل ما تكوني أم ولادي اللي عمري ما هفرّط فيهم، والود ما بين عيلتي وعيلتك لا يمكن يعكّره مشاكل ولا انفصال.
​اشتدت ملامحها عند الأخيرة وكأنها تلقت صفعة، بعدما فاجأها بطلبه الصريح، بطلب الانفصال منها!
​ـ يعني أنت جاي وتقول لي: اطلبي وأمري لأجل أطلّقك وأجيب الشحاتة الواطية مكانك؟
ـ احترمي نفسك يا هالة وماتغلطيش فيها.
ـ وكمان مش هتحمل عليها كلمة؟ لا، دي شكلها عاملالك عمل سفلي مُحكم!
إلى هنا ولم يتحمل، ليضرب بكف يده ذراع الكرسي بحدة:
ـ سفلي ولا علوي، اخلصي قولي طلباتك عشان لَتّ وعجن أنا مش عايز.
توقف فمها عن الكلام تتطلع إلى زوجها الماثل أمامها، البحر الهادئ الساكن وقد ثارت أمواجه الغادرة ليلفظها إلى خارج محيطه بقوة، دون ندم أو تردد. لكن لا والله لن يحدث.
​هدأت قليلًا من ضجيج الحرب الدائرة داخلها، ونيران البغض التي تود حرق الجميع دون استثناء، لتتريث قليلًا وتمتص حماسه والتحفز لأن يرمي يمين الطلاق عليها بسهولة. فقالت بعد فترة من التفكير:
​ـ وإن قلت لك إني مش عايزة أطّلق، وقابلة بالضرة؟
ـ نعم؟!
ـ نعم الله عليك يا وَلَد عمي. أنا عارفة إن أنت سويت الدنيا مع أبويا اللي بيحبك زي ولده، يعني في كل الحالات موافقك على كل قرار. يبقى أنا اللي هطلع العَفشة وأرفض!
​تعقد حاجباه بريبة في البداية وكأنه يتحقق مما وصل لأُذنيه. لكن ما أن استعاد ذاكرته حتى ذكّرها:
ـ بس دا ما كانش كلامك يا هالة، ولا أنا أصلًا هأصدق إنك تقبليها عشان فاهمك أكثر من نفسك. يا بنت عمي، زي ما دخلنا بما يرضي الله، نطلع بما يرضي الله والود موصول ما بيننا...
​ـ وأنا بقول لك لأ يا خليفة ومش قابلة بانفصال... لكن هأغصب على نفسي وأقبل الضرة عشان ما أخربش بيتي...
​وهل يظنها يصدقها؟ ومنذ متى كان يهمها عمار البيت من الأساس؟
عاد خليفة بظهره إلى الخلف يحدق بها بتمعّن، ربما يصل لقراءة واعية إلى ما يدور برأسها. وقد كانت ترسم وداعة لا تليق بها، لتزيد من بث الشكوك داخله، فيقرر مصارحتها وليحدث ما يحدث:
ـ وإن قلت لك أن أنا اللي مش هاقدر يا هالة، خصوصًا بعد كلامنا الأخير اللي فضلت ساجنه في صدري من فترة طويلة، عشان عارف إن يوم ما هأطلّعه هيبقى خَلَصِت...
​ـ لا، ما خَلَصِتش يا خليفة، وأوهامك دي تشيلها من مخك، عشان أنا عارفة نفسي زين، وبرضه مش قابلة طلاق.
​حقًا تثير انبهاره في إنكارها، وتشبّثها الغريب الآن، رغم قسوة ما أخبرها به، والذي ارتد أثره على لغة جسدها، وهي تواصل بعصبية وإصرار يقارب الجنون:
​ـ عايز تطلّق غيابي؟ اعملها وجِب لنفسك العيبة. أما لو هتجيب المأذون، يبقى أنا بنفسي هأطلَع للشيخ وأبلّغه قدام الجميع رفضي، وتجيب لنفسك برضه العيبة. أنا واحدة باكية على عمار بيتي يا خليفة. أنت بقى عايز تخلص من مرأتك وعيالك عشان مرأتك الجديدة؟
​اللعنة على ذلك الإصرار الغريب.
انتفض عن مقعده فجأة يُنهي ذلك الجدال العقيم، قاطعًا بعبارته الأخيرة:
ـ تمام، أنتِ حرة يا هالة، بس أنا برضه صاحي لك، وفاهم قوي اللي بيدور في دماغك...
​أنهى حديثه العاصف وخرج بخطواته السريعة، قبل أن يختنق بطاقة الشر التي انتشرت في الأجواء.
أما عنها وقد كانت تغلي كَبُركان على وشك الانفجار، فقد انتظرت حتى اختفى تمامًا من المنزل، لتردد بتوعد:
ـ أنا فعلًا حرة يا خليفة، وبكرة تشوف هالة بنت عمك هتوجب إزاي معاك يا عريس
...........................
.......................
ارتدى ملابسه بملامح مكفهرة، وخرج من غرفته وهو في طريقه بالذهاب إلى عمله، فوقعت عيناه على تلك التي احتلت مقعدها بانتظاره في وسط الصالة.
​زفر يتطلع إليها بقرف، قبل أن يتخذ طريقه للمغادرة، فـ أبت هي إلا أن توقفه، تجذبه من ذراعه الضخم:
​ـ "طب قول حتى صباح الخير، دا السلام لربنا."
​نفض ذراعه عنها يُبعدها عنه بازدراء:
​ـ "السلام لـ أهل السلام، لكن انتِ لا طايقك ولا أطيق أبص في وشك."
​صاحت به بدورها:
​ـ "يا أخي الرحمة، الرحمة عشان ربنا يرحمك، كل ده عشان الملعونة الغجرية! وهي اللي رمت بلاها وجات برجليها لحد بيتي، كنت عايزني أخدها بالحضن وهي جاية تشاركني في بيتي وفي جوزي؟"
​ـ "وبعد ما ضربتيها وعملتِ لي فضيحة في وسط الخلق، استريحتي ولا فشيتي غيظك؟ كل يوم بكرهك أكتر من اللي قبله."
​صرخت باكية وقد فاض بها من قسوته:
​ـ "وآخرك دا هيوصل معايا لحد فين؟ موتني أحسن واستريح يا عرفان، بدل المُر اللي بتزقّهولي في حلقي مع كل كلامك السَّم اللي بترميه في وشي. 
أنا لما شوفتها نار قادت في جسمي يا عرفان، مادرتش بنفسي غير وأنا بَهْجُم عليها، كان نفسي أغرَز ضوافري في وشها اللي فرحانة بيه، أأذيها وأعورها، المهم تحس بالوجع اللي أنا حاسّة بيه. الضرة مُرَّة يا عرفان، مُرَّة قوي."
​ضاقت عيناه نحوها ليدنو مُقربًا وجهه منها، يرد على خطبتها العصبية:
"ولما هي نارها كاوية كده، ما حسِّتيش بيها ليه من الأول؟ لما عملتِ السِّحر وخلَّتيني أهجر فَرشة مراتي وهي لسه ما كملتش العشرين، كنتِ تتغندَري قدامها وتتزوَّقي وهي زي البيت المهجور، تكيدي فيها كل يوم وهي المسكينة ملهية في تعبها وتربية بنتها، حتى النَّفَس كنتِ بتِعدِّيه عليها، وأنا بغباوتي كنت بساعدك..."
​توقف  يستدرك حجم الجرم الذي كان يرتكبه معها في حق المظلومة وابنتها، بتلك الذكريات التي تتوارد في ذهنه، ليدفعها بعنف من أمامه:
​ـ " غُوري من وشي!" 
​وقعت منهارة على الأرض نتيجة دفعته، تذرف دموع القهر والندم.
...........................
​داخل الفصل الخالي من التلاميذ، نظراً لقضاءهم الإجازة، جلست في آخر مقاعده كي تختلي بنفسها بعيداً عن الجميع؛ هي وأحزانها ولا أحد آخر.
​بعد حديثها العاصف مع روضة وحسمها في اتخاذ القرار، ربما كانت قاسية تلك المرة، ولكنها لم تترك لها خياراً. منذ صغرها لم تكن أبداً ضعيفة الشكيمة، ولكنها تحولت منذ زواجها بهذا الفاسد. سيطر على تفكيرها، ومحا إرادتها في مقاومته... ولكن أن تصل لدرجة الدعاء عليها، هذا ما لم تتوقعه على الإطلاق.
​هل كانت ظالمة لها لتنال منها ذلك الجحود والنكران؟ ألهذه الدرجة هانت عليها؟
​كانت العبرات تسقط من عينيها دون أن تشعر في غمرة شرودها، حتى انتفضت على صوت طَرْق قوي على الباب، لتُفاجَأ به.
​- خليفة!
​استدركت سريعا لحالتها فور انتباهها لحضوره، فدنت تحني رأسها إلى الأسفل كي تمسح على عجالة بأناملها آثار الدموع التي ما زالت عالقة على خديها.
​ثم رفعت وجهها إليه وقد اقترب من محل جلوسها، تلملم شتاتها في مقابلته، وتبادره بسؤالها:
​- إيه؟ في حاجة يا أستاذ خليفة؟
​تبسم كعادته كلما تحدثه برسمية، ليجيبها بعد ذلك:
​- لا والله يا أبلة اعتماد، أنا بس كنت جاي النهاردة أسأل على تقديم البنت الصغيرة، للسنة اللي جاية إن شاء الله، وبالمرة أشوفك، بما أنك خطيبتي قدام الناس يعني وكده...
​قَطَعَ في الأخيرة ناظراً إليها بتساؤل حين انتبه على الذبول الذي كسا ملامحها ليردف:
​- أنتِ في حاجة النهاردة مزعلاكي يا اعتماد؟
​نفت سريعا بتحريك رأسها لتعارضه بارتباك:
​- حاجة إيه كمان اللي هتزعلني؟ آآه، بخصوص تقديم البت الصغيرة، لو كنت سالتني من الاول على إجراءات التقديم كنت هدلَّك واسهل عليك الدنيا...
​لم يرد، بل اكتفى بالصمت هذه اللحظات، وحدق بها مطولًا حتى امتدت يده نحو وجنتها التي تحمل آثار الدموع، مشيرًا إليها، وكاد أن يلمسها:
​- "أمال اللي على خدك ده إيه؟"
​شهقت وارتدت رأسها للخلف تُنبهه بغضب:
​- "أنت اتجننت يا خليفة ولا افتكرت إنك خطيبي صحيح؟"
​- "لا مفتكرتش يا اعتماد، عشان أنا فعلًا حاليًا صفتي خطيبك قدام الناس، يعني إشهار. وأجيبلك النا هية، أنا واخد الموضوع جد، مش تمثيلية زي ما أنتِ فاكرة وبتخدعي نفسك."
​صدمها بجديته، لتذهل شاخصة العينين لعدد من اللحظات حتى تمالكت قواها أخيرًا، مُرددة بعدم استيعاب:
​- "أنا كمان بخدع نفسي؟ أنت واعي بتقول إيه؟ لا اصحَ لعقلك لو سمحت، أنا مش هَيّنة ليك ولا لغيرك عشان تفرض عليَّ أمر اضطرتني الظروف إليه. شكلك نسيت مين هي أبلة اعتماد؟"
​وعلى عكس انفعاله السابق، تلقى ثورتها بهدوء شديد، مُضاعفًا من صدمتها بقوله:
​- "لا منستش مين هي اعتماد، ولا أنا الراجل الناقص اللي يستغل الظروف عشان أفرض عليكي الأمر الواقع، بس أنا شاريك في الحلال، أنا عايز أتجوزك يا اعتماد..."
رجفة سرت داخلها حين نطقها صريحة دون مواربة، أنه يطلبها بالفعل. فاختلطت المشاعر داخلها: ما بين خوف... وفرح... وترقب.... ثم عقل أيقنت به أن هذا الأمر استحالة أن يحدث.
​نفضت عنها الذهول، فواجهته مستنكرة:
"لا بقى، أنت شكلك عِشت الدور بجد! فوق يا خليفة، وافتكر إنه تمثيل. عشان لو جينا للجد، ما ينفعش، ولا أنا هوافق عليه. سامعني؟"
​"وإيه اللي يخلّيه ما ينفعش إن شاء الله؟" سألها ببساطة، ليضطرها إلى الإجابة بعصبية:
"عشان أنت راجل متجوّز، وليك بيتك وعيالك! ولا دي نسيتها؟"
​مطَّ بشفتيه دون أن يتأثر بثورتها، قائلًا:
"حاجة غريبة. مع إنه نفع في التمثيل، وما حدش اعترض. حتى مراتي نفسها تقبلت الأمر إني أتجوز عليها."
​"هالة قبلتني عليها ضرة؟" صاحت بها مندهشة، فواصل يضاعف من صدمتها:
"وأنا هكدب عليكي ليه؟ على العموم، كده يا أستاذة ثبت لك بالدليل القاطع إن اللي مشينا فيه على إنه تمثيل بيتحول بطريقة غريبة إنه يبقى حقيقة. وده اللي أنا طالبه منك دلوقتي: إنك تحددي ميعاد نيجي أنا وأمي وأخواتي نحدد فيه كتب الكتاب."
​نهضت تقابله بعقل تشتت من طريقته الغريبة في إقناعها:
"كمان كتب كتاب حتة واحدة! طب إيه رأيك بقى إن نفضّها من الخطوبة اللي ما حصلتش دي أصلاً، ويا دار ما دخلك شر.
​هذه المرة تبسَّم باتساع حتى ظهرت أسنانه البيضاء، ليخالفها بمرح:
"آسف يا أبلة اعتماد، أنا متمسك بالخطوبة اللي ما حصلتش إنها تبقى حقيقة. يعني لو اتصرفتِ من نفسك وادّعيتي فسخ الخطوبة، أنا هقول إنه ما حصلش. عن إذنك بقى، أسيبك تفكري مع نفسك في تحديد ميعاد الفرح، يا خطيبتي."
​وتحرك يغادر، يتركها في حالة من التخبط فاغرة فاهها بعدم تصديق:
هل بالفعل تحوّل التمثيل لحقيقة؟ وكيف تتخذ قرارها في ذلك الوضع غير المفهوم؟
.........................
​رغم الاتصالات المستمرة منذ الصباح، وتأكيد معاذ عدة مرات بأن الأمور تسير على أحسن وجه، إلا أن  ذلك لم يكن كافياً لها، لدرجة أنها أجبرت زوجها العزيز على مرافقتها للذهاب إلى مقر اللجنة التي تؤدي فيها ليلى امتحانها.
​وتوقفت السيارة أمام مبنى المدرسة التي وصفها لهما معاذ داخل المحافظة، فالتفت إليها يخاطبها بيأس:
​ـ المدرسة قدامك أهي يا ست مزيونة، الدنيا هس، ومفيش غير كام واحد من الأهالي اللي زي حالاتك، ملطوعين جنب الحيطان في انتظار انتهاء الامتحان، مش طلعتي مجنونة لوحدك يا مزيونة.
​ردت من جانبها بابتسامة ومشاعر يغلب عليها القلق:
​ـ وماله يا حمزة؟ ما الأهالي كمان خايفين على مستقبل عيالهم، ربنا يجبر بخاطرنا جميعاً يا رب.
​ـ يا رب.
تمتم بها حمزة بينما انصرف ذهنه نحو الجهة المقابلة له، بعد أن وقعت عيناه على أحد الأفراد من نقطة الشرطة التي تحرس اللجنة، ليردف:
​ـ يا ما شاء الله، ده إحنا كمان لينا معارف هنا، وسط اللجنة! اللي هناك ده يبقى الظابط كمال، صاحبي من أيام الدراسة، مش هينفع ما أسلمش عليه.
​أومأت له بتفهم:
​ـ روح يا حمزة، أنا كمان مش هتحمل قعدة العربية، هطلع بره أستناها، زمانها قربت تطلع.
​زجرها بعينيه حانقاً:
​ـ والانتظار في العربية ولا براها هيفرق إيه يا مزيونة؟
​خاطبته برجاء:
​حِنّ عليَّ يا حمزة، سيبني على راحتي، القلق بياكل قلبي والله.
​زفر بضجر ليستسلم في الأخير تحت إلحاحها، موافقاً على اقتراحها الأحمق كما يراه:
​ـ ماشي يا مزيونة، على العموم، هي كلها عشر دقايق، ولا ربع ساعة بالكتير ويخلص وقت الامتحان، اقفي في الضِلّ على ما أخلص أنا مقابلتي مع حضرة الظابط.
​هللت بموافقته، مرددة بامتنان:
​ـ يا حبيبي يا حمزة، ربنا يخليك ليَّ يا رب، ويجبر بخاطرك زي ما أنت جابر بخاطري.
​تلقى دعوتها بترحيب شديد وبنبرة اختلط فيها الشجن نحو الشيء الذي يتمناه بشدة، ومع ذلك لا يستطيع إجبارها على تحقيقه، حتى تأتي الإرادة منها أو من الله.
​ـ يا رب يا مزيونة، يجبر بخاطري ويحقق اللي باحلم بيه
.........................
​بعد لحظات قليلة،
كانت بالفعل أمام مبنى المدرسة. تمتمت بالأدعية والذكر باستمرار ليعين ابنتها ويعينها ويوفقها.
​وفي غمرة انشغالها الشديد، تنقل نظرها بين شاشة هاتفها لتتفقد الوقت، وبين باب المدرسة تنتظر بلهفة فتحه وخروج ابنتها كي تبشرها.
​لم تنتبه للذي قَدِم حتى اقترب منها بمسافة قريبة يتأملها بذهول شديد، حتى إنه لم يعرفها في البداية.
​لقد بدت أمامه شديدة الجمال بملابسها العصرية الزاهية، وكأنها عادت لسنوات العشرين. "من تلك المرأة التي ينظر إليها الآن؟ هل بالفعل هي مزيونة؟"
​مبالغته في تأملها ارتدت بأثره عليها، لتنتبه إليه أخيراً، فانتفضت متراجعة خطوتين للخلف تسأله:
​ـ عرفان! إيه اللي جابك؟
ابتلع ريقه، يتمالك أنفاسه في الرد على سؤالها:
​ـ نفس السبب اللي جابك، جيت عشان خاطر بنتي وامتحانها.
رمقته بشك، ثم صرفت نظرها عنه متجهة نحو باب المدرسة الذي لا ترغب في الالتهاء عنه. فواصل هو حديثه، لا يقوى على أن تفوته الفرصة في التحدث إليها:
​ـ مكنتش أعرف إن الجواز من واحد غيري بيحلّي كده يا مزيونة، لا وكمان بيرجع السن لورا. تفرقي إيه عن بنت تلاتاشر اللي اتجوزتها غير في حاجات بسيطة، زي العود اللي اتنصب والجسم اللي اتشد، وكأنك بس نضجتي واتخرجتي من الجامعة، مش واحدة بعد شهور قليلة هتبقى جدة!
​ـ ها... وإيه تاني كمان يا غالي؟
قالها حمزة الذي ظهر فجأة من العدم، بعد أن انتبه بوجود هذا الأحمق أثناء حديثه مع الضابط صديقه.
​خاطبه بتحفز للقتال، غير عابئ بهلع زوجته التي صارت تضغط على ذراعه حتى يملك غضبه ولا يثير الفضائح. أما الآخر فقد كان يطالعه ببغض لا يخفيه، حتى أجابه بمراوغة كعادته:
ـ وه يا نسيبنا، مالك كده متعصب ليه؟ معلش... نسيت نفسي في الحديث، بس اعذرني، دي أول مرة أشوف أم بنتي بعد جوازها منك، واتفاجئت بالتغيّر اللي حوّلها لواحدة تانية تقريباً.
​زجره حمزة بأعين استعر داخلها الجحيم، يضغط بعنف على قبضة يده التي تناديه للانتقام من ذلك البغيض وتهشيم فكيه، ولكن منعه الحرص الشديد على صورته وسمعة زوجته التي قد تُمسّ أمام الضابط صديقه، والذي جاء ليستكشف الأمر:
​ـ السلام عليكم، خير يا حمزة في حاجة؟ ولا الراجل ده عامل مشكلة معاك؟
تردد حمزة لثوانٍ قليلة في الإجابة، فتولى عرفان الرد وبطريقته الملتوية كالعادة:
ـ حد الله يا بيه، ربنا يكفينا شر المشاكل، ده أنا نسيبهم حتى، والبنت اللي بتمتحن جوه، "ليلى" مرة ولدهم معاذ، تبقى بنتي. ولا إيه يا حمزة باشا؟ طمّن صاحبك الظابط يا راجل، ده افتكرنا بنتعارك وإحنا أصلاً حبايب.
​عض حمزة على نواجذه، وبصعوبة شديدة أجبر نفسه على مجاراة هذا القميء:
ـ فعلاً يا كمال باشا، أبو ليلى نسيبنا ويعتبر من أهلنا.
وعلى فكرة دي المدام زوجتي، مزيونة الحرة.
​تفوّه بالأخيرة بفخر، وبنظرة مقصودة نحو عرفان الذي امتقعت ملامحه. التفت بجسده عن حوار الثلاثة في التعارف، حتى خرجت ليلى لتهرول والدتها نحوها حتى تطمئن منها على سير الامتحان
..............................
داخل السيارة التي اجتمع فيها الأربعة:
​حمزة الذي يقود السيارة وزوجته في المقعد الأمامي بجواره، وليلى استقلت المقعد الخلفي مع زوجها معاذ الذي أتى على موعد خروجها بدقة ليشهد تلك اللحظة التاريخية في اجتماع حمزة ووالد زوجته مع مزيونة.
​فعلق معاذ مشاكساً، ولكن بحرص خوفاً من غضب شقيقه الذي كان ينفث دخاناً من فتحتي أنفه وأذنيه:
​ـ حاسس إني لما تأخرت فاتني كتير، شكل وجود الضابط كمال جاء بفايدة كبيرة في حقن الدماء.
​سمعت مزيونة والتوى ثغرها بتوجس، حتى أدارت وجهها عن ذلك الغاضب، والذي خرج عن صمته ينهره:
​ـ اتلِم ياض أنت كمان بدل ما ألمك، أنا على آخري أصلاً.
​رد معاذ ببساطة مُبدياً تفهماً:
​ـ خلاص يا برنس ولا يهمك، أنا أصلاً مش فاضي وبراجع ورقة الامتحان مع زوجتي العزيزة.
​وبالفعل، انشغل الأخير بمراجعة ورقة الامتحان مع ليلى، تتابعهما مزيونة بتركيز وتتدخل في بعض الأحيان، حتى فاض الكيل بحمزة ليُصمِت الجميع بصيحته:
​ـ أنا اللي عايز أعرفه دلوقت، الباشا ده إيه اللي جابه النهاردة؟ على أساس إنه يهمه قوي تعليمها ولا المجموع اللي هتجيبه؟ هو أصلاً من إمتى مهتم وعارف بمواعيد دراستها؟
​ـ أنا يا عم حمزة.
​تفاجأ بالإجابة التي صدرت من ليلى، لتلجمه عن المواصلة حين تابعت:
​ـ  هو فعلا أول مرة يحضر أو يهتم بيوم امتحاني، بس أعمله إيه؟ وهو بدأ يهتم ويسأل، ده في الأول وفي الآخر أبويا.
​سقطت كلماتها على رأسه كَدَلْوِ ماء مثلج تُطفئ نيراناً مشتعلة، ليتدارك ويمسك لسانه حتى لا يندفع ويُخطئ بالقول عليه أمامها:
​ـ لا طبعاً ده أبوكي وله حق عليكي مهما حصل، معليش يا ليلى، عمك حمزة عصبي النهاردة شوية.
​ـ قول شويتين يا حبيبي، ده احنا مش عارفين نكلمك من ساعة ما دخلنا العربية، في إيه يا عم؟
​تفوه بها معاذ، ليجبره على الاندماج قليلاً، وعيناه انصبت على تلك التي كانت تنظر عبر النافذة إلى الخارج، آخذة على خاطرها منه بعد انفعاله عليها أيضاً.
لي​رد ببيت الشعر الذي طَلَّ برأسه معبراً عن حالته:
​ـ معذور يا حبيبي، ولازم يبقى عنديكُم دم وتقَدَّروا:
​غيرة الراجل نار في مَرَاجِل... نار بتنوّر مابتحرقش
وإحنا صعايدة مابنستحملش
شمسنا حامية وعِرقنا حامي وطبعنا حامي
واللي تخلّي صعيدي يحبها... يبقى يا غُلْبها
​لم تَقْوَ مزيونة على كتم ابتسامتها، ليُصَفِّق له معاذ بتهليل، ويضيف بمرح هو الآخر نحو زوجته التي غمرها الابتهاج هي أيضاً:
​ـ أيوه بغير لا أنا نقصان ولا ضعفان
ولا مسطول ولا سكران
ولا زايغ من عينيَّ الضي
ولا حد أحسن مني في شي
بس بغير
واللي قالوا لك غيرة الراجل قلة ثقة أو قلة فهم... خلق حمير,
​ـ حبيبي يا عم هشام يا جخ.
....يتبع 

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا