رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55

رواية فوق جبال الهوان بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الخامس والخمسون 55

النظرة الغاضبة البارزة في عينيه جعلته يتيقن تمامًا أنه لا يمزح في هذا الشأن، لذا من البديهي أن يجاريه، وأن يبدو مثله غير متساهل فيما يخص تحمله للمسئولية باعتباره كبير العائلة، وما يمس سمعتها لا يمكن المسامحة مُطلقًا فيه. 
وضع "غيث" قبضته على منبت كتف شقيقه الأصغر، وخاطبه في لهجةٍ جادة رغم هدوء نبرته:
-أني عتصرف.
ليكرر "سليمان" على مسامعه نفس الكلمات الأخيرة التي تشير إلى أهمية وضعه ودوره:
-ماشي كلامك يا كبير العيلة.
ثم غادر بعدها القصر متجهًا نحو الخارج، فيما ظل غيث" واقفًا لعدة لحظاتٍ قبل أن يقرر العودة إلى "دليلة" التي كانت لا تزال تنتظره في الصالة. بمجرد أن لمحته، أقبلت عليه تنهال عليه بأسئلتها في نبرةٍ تعبر عن قلقها الممزوج بخوفها:
-في إيه؟ هو ماله بيا؟ عايز مني إيه؟ 
استقبل عصبيتها الظاهرة في إيماءات وجهها، وكذلك حركات أطرافها بهدوءٍ ورزانة، فأخبرها بثباتٍ:
-مصمم إننا نتمو جوازنا.
انفجرت صائحة فيه بانفعالٍ حاد:
-وأنا محدش يقدر يجبرني على حاجة مش عايزاها.
استقبل عصبيتها الواضحة بنفس الهدوء مؤكدًا:
-وأني عند وعدي ليكي.
ظنت أنه يسايرها كالأطفال فيضحك على عقلها بكلامه المعسول، فتصدقه، وتقع فريسة لحيله الماكرة، ليتفاجأ بها تهاجمه لفظيًا بما يقلل من قيمة عهده لها:
-إزاي ده وإنت عايم على عوم أخوك وعايز تجبرني على الجواز؟!! 
نظر لها مدهوشًا، فتابعت على نفس الوتيرة الهجومية:
-واحنا اتفقنا من الأول إنه على الورق وبس...
لتبدو نبرتها محملة بإهانةٍ مبطنة وهي تختتم جملتها:
-لو كنت أعرف إنه كلام عيال مكونتش وافقت من الأول عليه!!!
قست تعابيره من وصفها، وراح يردد في استنكارٍ كبير:
-حديت إعيال!!!
أكدت له مجددًا بما جعل مشاعره تحتدم في صدره:
-أيوه، أومال تسمي الهبل ده إيه؟
ليسألها في استهجانٍ، وقد باتت نظراته أكثر إظلامًا:
-جوازنا بجى هبل؟
تجاهلت كل ما بدا عليه من علامات غضبٍ مكبوتة، وراحت تواصل اندفاعها في الحديث قائلة بغير هوادة:
-من الآخر كده أنا حرة نفسي، ومحدش مهما كان مين هيجبرني أعمل حاجة مش عايزاها.
أغمض عينيه لهنيهةٍ ليحاول كبح ما يعتريه من مشاعرٍ متأججة، بالكاد منع نفسه من الرد عليها، وسألها في نبرة شبه محمومة تشي بمدى حنقه الذي يكبته:
-وسمعتك اللي بجت في الوحل؟
قوست حاجبيها مرددة في حدةٍ:
-أفندم!!
ليسترسل موضحًا لها تبعات ما أقدمت عليه من تصرفٍ غير مدروس:
-ولا موصلكيش خبر بإن هروبك في أنصاص الليالي بجى فضيحة، ويمسك جبل ما يمسني؟!!
هنا صرخت في تحفزٍ رافعة سبابتها في وجهه:
-أنا أشرف من الشرف، قطع لسان أي حد يقول عني كلمة مش مظبوطة.
مد يده ليمسك بمعصمها، وأخفض يدها المرفوعة في وجهه قائلًا بنبرة تؤكد على عزمه:
-وعشان نجطعوا الألسنة دي لازمًا يكون جوازنا جصاد الخلق كلياتهم.
رفضت بشكلٍ قطعي محاولاته لإجبارها على ما لا ترغب فيه، وسألته وهي تنتشل يدها بقوة من تحت أصابعه لتستعيدها:
-عافية يعني؟
عقد كفيه معًا خلف ظهره، وطالعها بهذه النظرة القوية وهو يخبرها:
-لع، بالاتفــاج!
هزأت منه بسخريةٍ صريحة:
-هو إنت أصلًا بتلتزم بكلمتك معايا؟
تشنجت عضلات وجهه برغم ادعائه الهدوء، وسألها في نبرة ألقت باللوم عليها:
-وأني من ميتى خالفت معاكي حاجة وعدتك بيها؟
ليأتيه ردها صادمًا:
-وتسمي إجبارك على إنك تتجوزني عافية ده إيه؟
فسألها مباشرةً وهو ينظر في عينيها:
-جوليلي بصريح العبارة إكده، إنتي بتثقي فيا ولا لع؟
رمقته بنظرة غامضة بعدما أطبقت على شفتيها، كأنما تمنع نفسها من التفوه بشيءٍ أحمق، ليقول في حسمٍ، وقد أخفى ببراعة ذلك التعبير التعيس الذي حط عليه:
-ردك وصلني يا بنت الناس.
أولاها ظهره، وخاطبها في لجهة من يقرر لا من يخير:
-بس اعملي حسابك، عنعملوا فرح، وليلة كبيرة تعزمو فيها الخلايق، واتفاجنا ساري لحد ما أجولك اعتبريه منهي، وجصادها ليكي مني الحماية، والعهد إني ما علمسكيش غصــب واصل!
ليندفع بعدها مغادرًا القصر برمته وهي تتابعه بنظرتها الحادة، لا تعرف إن كانت قد تسرعت حقًا بالحكم عليه، أم أنها ارتأت لنفسها أن تضع الحد الفاصل بينهما منذ اللحظة الأولى لئلا تعاني فيما بعد من تبعات اختيارها.
................................................
مستعينًا برجاله المحنكين في التعامل مع هذه النوعية من المواقف المحفوفة بالمخاطر الأكيدة، أعد "عباس" العدة لإخراج رئيسه خلسة بعد يومين من الانتظار السقيم، وتحت أنظار الجميع، دون أن يرتاب أحدهم في وجوده بينهم. 
غطى "زهير" نصف وجهه بوشاحٍ قماشي أسود اللون، ووضع على رأسه قبعة رياضية من نفس اللون، وسار بخطواتٍ حثيثة وسريعة تجاه سيارة الدفع الرباعي التي انتظرته عند ناصية الشارع، جلس في المقعد الخلفي، وبجواره "عباس" فيما تولى آخر القيادة، واستقر جانبه أحد أفراد التأمين. 
دون أن يخفض وشاحه الذي يحجب الأعين عن رؤية تفاصيل وجهه تساءل "زهير" مستعلمًا وهو يطوف بنظرة عامة وشاملة على المارة:
-عرفت العنوان فين بالظبط؟
وضع "عباس" نصب عينيه شاشة هاتفه المحمول ليريه صورة أرسلت إليه لإيصــال تحصيل الكهرباء مدون عليها العنوان، وأوضح له: 
-أيوه، من الفاتورة ومأمن الطريق اللي هنطلع عليه.
تأملها بتدقيقٍ، وقال في حبورٍ:
-زي الفل، وماتنساش تبعت رجالتنا هناك.
رد عليه وهو يفرك جبينه:
-سبقونا من بدري، ومنتظرين وصولك علشان نبدأ.
استحسن تصرفه قائلًا فيما يشبه المدح:
-الله ينور، شغل محترفين.
انتشى داخله من ثنائه عليه، وقال:
-اتعلمناه منك يا ريسنا.
ليعطي بعدها أوامره للسائق بالتحرك وفق الخريطة التي أعدها مسبقًا للانتقال عبر الطرق الجانبية، والبعيدة عن كمائن الشرطة.
......................................
بعد المشادة الأخيرة بين "غيث" و"دليلة" ظلت الأخيرة ماكثة معظم الوقت مع أمها وشقيقتها في غرفتهن، معزولات عن باقي العائلة، يتحدثن بجديةٍ عن التصعيد الأخير في الأحداث، لتتولى "عيشة" مهمة إقناع ابنتها بأهمية إكمال ما بدأ من اتفاقٍ للنهاية، فاستطردت تفهمها بتعقلٍ: 
-بصي يا حبيبتي الحاجة "فاطمة" اتكلمت معايا، وعرفتي إن الوضع في البلد هنا غير عندنا، الحاجة البسيطة أو العادية لينا ممكن تكون بالنسبالهم كارثة أو مصيبة.
لم تقل "دليلة" شيئًا، فيما مسدت والدتها على ظهرها متابعة:
-كل مكان ليه عوايده وتقاليده، واحنا كان لازم ناخد بالنا أكتر من كده.
ردت عليها في شيءٍ من الاعتراض:
-وأنا معملتش جريمة، حبيت أنهي موضوعنا، إيه الذنب اللي عملته يخلوهم يفتكروا إني خاطية؟
أخبرتها في صوتٍ جاد:
-الطريقة نفسها كانت غلط، وأنا بعترف إني مكانش المفروض أسايرك في ده.
زمت شفتيها محتجة في صمتٍ، لتضيف أمها في نفس النبرة الجادة:
-ومش معقول نقابل المعروف اللي عملوه الناس معانا بعد ما فتحوا بيتهم لينا بالإساءة ونكر الجميل؟!!
لتتساءل "إيمان" باسترابةٍ:
-هو مش "غيث" قالك إنها تمثيلية؟ وشوية وهيفضها، إنتي قلقانة ليه؟
طالعتها بنظرة حزينة تعيسة، كيف تخبرها أن كل ما يفعله لأجلها يؤثر فيها بشكلٍ عميق، ويجعلها تتعلق به، بل وتخشى أكثر من احتمالية فقدانه؟ قاومت اضطراب مشاعرها بقولها المغاير لما يعتريها الآن:
-مش عارفة، قلبي مش مرتاح، جايز يكون بيضحك عليا.
استنكرت "إيمان" سوء ظنها فيه بقولها المنحاز لصالحه:
-طب قولي حد تاني غيره!
عادت "عيشة" لتتحدث مجددًا هي الأخرى، وكأنها تمثل مجازًا جبهة الدفاع عنه:
-من بعد ما عاشرنا الجماعة دول، وخصوصًا "غيث" فأنا متأكدة إنه راجل أد كلمته، وهيوفي بوعده، ده ربنا بعته نجدة لينا بعد ما راح "فارس" مننا.
الإتيان على ذكر فقيد العائلة جعل مخاوف "دليلة" تتضاعف، فكادت تفوه بشيءٍ تعلل به أسباب عزوفها عن إكمال الزيجة، لولا أن انخرطت أمها في نوبة سعالٍ عنيفة، لتجزع من رؤيتها تعاني تلك الآلام العسيرة، ساعدتها مع شقيقتها على التمدد والاستقاء على السرير، ثم سحبت الغطاء عليها وناولتها دوائها لتتجرعه قائلة في تعاطفٍ:
-سلامتك يا ماما.
فيما أوصتها "إيمان" بتخوفٍ:
-بلاش تجهدي نفسك، إنتي محتاجة ترتاحي.
ردت عليهما في امتنانٍ:
-ربنا يريح قلوبكم يا بناتي ويطمني عليكم....
لتوجه كلامها بعدئذ إلى ابنتها الصغرى توصيها:
-ومافيش داعي أتكلم تاني يا "دليلة"، اتوكلي على الله وإن شاء الله ربنا هيراضيكي.
مطت شفتيها لهنيهةٍ، وهمهمت باقتضابٍ:
-ربنا يسهل.
...........................................
وفقًا لخطته الموضوعة بعناية، انتقلت السيارات إلى وجهتهم بغير اعتراضٍ من مركبات الشرطة أو أفرادها على طول الطريق المؤدي إليه. حينما وصل إلى ناصية الشارع، أبطأ السائق من سرعة عربته، ليشير "عباس" بيده نحو بناية بعينها:
-هو ده العنوان يا ريسنا.
على الفور ترجل "زهير" من مركبته موجهًا أمره للجميع:
-بينا يا رجالة.
تحرك من ورائه أتباعه في تزامنٍ، ليتلفت إليهم مصدرًا أمره التالي:
-أمنوا الطريق كويس، محدش لا يدخل ولا يخرج.
من تلقاء نفسه تحدث "عباس" مؤكدًا:
-اعتبره حصل.
وراح يوجه كل فردٍ على حدا للزاوية التي من المفترض أن يقف عندها ليتولى مهمة محددة، ثم أسرع في خطاه ليتبع "زهير" الذي سبقه للأعلى. وجده يدق على الباب بعنفٍ بقبضته المتكورة، ويده الأخرى موضوعة على الجرس؛ لكن دون جدوى، استاء للغاية، وصاح في زمجرةٍ غاضبة:
-محدش بيفتح ليه؟
افترض مجازًا:
-جايز يكونوا مش موجودين دلوقت.
وجه إليه "زهير" أمره وهو يضرب بيده الحائط في عصبيةٍ:
-خبط على حد من الجيران اسألهم.
هز رأسه قائلًا في إذعانٍ:
-حاضر.
تحرك صوب أحد الأبواب المغلقة المواجهة لباب بيت "فارس"، طرق عليه، وانتظرت لبرهةٍ ريثما يفتح له من بالداخل، استقبل رجل يبدو عليه الوقار، فبادر بتحيته في قدرٍ من الاحترام:
-سلام عليكم يا حاج.
رمقه الرجل بنظرة فاحصة لهيئته المريبة قبل أن يرد متسائلًا:
-وعليكم السلام، إنت عايز مين يا ابني؟
أجابه في صيغة تساؤلية وهو يشير بيده نحو الخلف:
-هو "فارس العرباني" مش ساكن هنا؟
قطب جبينه مرددًا في استغرابٍ وحيرة:
-"فارس"! بصراحة معرفش حد بالاسم ده!!
ثم سكت للحظاتٍ، وأكمل:
-إنت متأكد إنه ساكن هنا، جايز يكون في العمارة اللي جمبنا؟!!
ليرد "عباس" مؤكدًا صدق روايته:
-أيوه، ده هو اللي مدين العنوان، وبالأمارة قايلي شقته رقمها...
أرجع رأسه للخلف وعلق:
-أها الشقة اللي بتتوضب جديد، أيوه، افتكرت.
عاد "عباس" ليسأله مستفهمًا:
-هو مش موجود ولا إيه؟
أجابه نافيًا:
-لأ، من ساعة ما كان بيوضب المكان وهو ما ظهرش تاني.
ضيق نظرته ناحيته متسائلًا في تشككٍ:
-إنت متأكد؟
على الفور أخبره بما لا يدع أي مجالٍ للشك:
-أيوه يا ابني، مافيش حد سكن هنا لسه.
من الخلف هــدر "زهير" يأمره، حيث كان يصغي لكل كلمةٍ تقال بغير صبرٍ:
-اكسر الباب.
تدخل الرجل على الفور، فاندفع تجاهه بلا تفكيرٍ محاولًا منعه من التصرف بحماقةٍ:
-اللي بتعمله ده غلط ويعرضك للمسألة القانونية.
اعترض "عباس" طريقه، ودفعه من كتفه بقبضته ليجبره على العودة إلى الوراء وهو يخاطبه بنبرة شبه مهددة، ويده الأخرى تصفع جانب عنقه بشيء من الخشونة:
-ملكش دعوة إنت يا حاج، خش جوا، واقفل باب بيتك عليك، دي مسائل عائلية، ده لو مش خايف على عمرك ولا على اللي معاك.
حفظًا لكرامته التي تبعثرت حالًا، حاول الرجل الاحتجاج على تبجحه واستعراضه للقوة:
-إنت بتقول إيه؟
مال عليه يهمس في أذنه بجديةٍ تامة:
-اللي سمعته، وبلاش نقرى عليك الفاتحة، وأهلك يطلعوا عليك القرافة!
ارتاع الرجل من تهديده العلني، وهمهم في عجزٍ:
-لا حول ولا قوة إلا بالله! 
استمر في دفعه للخلف حتى أعاده للداخل وهو يسخر منه قبل أن يصفق الباب ليجبره على البقاء حبيس منزله:
-أيوه، اذكر ربنا كتير.
تحرك بعدها ملقيًا أوامره على البقية وهو يفرقع بأصابعه:
-أوام يا رجالة، افسخــوا الباب!
امثلوا لأمره، وقاموا بإزاحة الكتلة الخشبية بعد نزع مفاصلها، ليتمكنوا من اقتحام البيت، فور أن أصبح الدخول متاحًا، اندفع "زهير" إلى الداخل يفتش في كل ركنٍ عن ضالته، لكنه لم يجدها، فقال في استياءٍ شديد:
-محدش جوا.
فيما علق "عباس" بدهشةٍ وهو يمرر يده على الأثاث الجديد:
-العفش كله جديد، لسه بورقه!
ليستوعب "زهير" الحقيقة الجلية مرددًا، وكأنه يفكر بصوتٍ مسموع:
-معنى كده إنهم مش أعدين هنا أصلًا، هيكونوا راحوا فين؟
اقترح "عباس" بجديةٍ:
-مافيش قدامنا غير الولية قريبتهم، نزورها تاني، وهي هتجيبلنا أرارهم.
بدت فكرته مثالية للتنفيذ، فأصدر أمره في الحال:
-بينا على هناك.
في لهجة بها القليل من الحيطة والتحذير، تحدث "عباس" بصوت العقل:
-ماشي كلامك يا كبيرنا، بس نأمن سكتنا الأول، وهتلاقينا فوق دماغها.
كان محقًا في تريثه، لذا لم يمانع "زهير" ذلك، إلا أنه دمدم في حنقٍ وهو يركل الطاولة بقدمه:
-عرفتي تفلتي مني المرادي، بس أوعدك المرة الجاية هتكون الأخيرة!
..........................................
كان من عادته في مثل هذه الظروف الحرجة، إرســال سيارة تأمين أمامية، تسبقهم بمسافة معقولة، لتتفقد الأجواء على أرض الواقع، عن طريق التواصل مع قائدها هاتفيًا، لضمان استمرار خطة تجنب قوات الشرطة. 
ورده مكالمة عاجلة من تابعه، فاستمع إليه وهو يخبره محذرًا:
-الدنيا واقفة قدام يا معلم "عباس"، متلغمة دبابير، ومن الرتب الكبيرة كمان.
رد "عباس" متعجبًا من الأمر وهو يمد يده ليربت على كتف السائق حتى يجبره على إبطاء سرعة السيارة وصفها على الجانب:
-مع إن الطريق ده قليل اللي بيمشوا عليه!
تابع موضحًا:
-بيقولوا حادثة كبيرة، ومش عاتقين حد.
ليتوجه "عباس" بسؤاله إلى "زهير" مستفهمًا:
-أوامرك إيه يا كبيرنا؟ نكمل ولا؟
سكت الأخير ليفكر برويةٍ واضعًا في الحسبان تبعات مخاطر الاستمرار في التقدم، فكرر عليه مطلبه: 
-ريس "زهير" خلينا نأجل الزيارة لحد ما الجو يهدى، ده علشان مصلحة الكل.
فرك وجهه براحتيه، وحرر زفرة ثقيلة من رئتيه قبل أن يسأل السائق في صوتٍ خشن:
-في سكة تانية نكُت منها، ولا كله مقفول؟
أومأ برأسه يخبره:
-أنا عارف واحدة احتياطي، اطمن.
طوح بيده في الهواء قائلًا على مضضٍ:
-اطلع عليها لحد ما الطريق يسلك .. ساعتها هنرجع نكمل مشوارنا.
استجاب السائق لأمره، وانعطف بالسيارة في سرعةٍ عكس الاتجاه، لينتقل إلى الحارة الموازية من الطريق السريع عبر ذلك الفارق الموجود بين الكتل الحجرية الفاصلة بين اتجاهاته، ليعود "زهير" كما جاء خالي الوفاض.
...............................................
على مدار الأيام التي تلت مشاحنتهما الأخيرة، تجنب "غيث" لقاء "دليلة" تحت أي ظرف بداخل القصر، وأشرف بنفسه على متابعة التجهيزات الرئيسية لمراسم إتمام الزيجة، ليؤكد للجميع بأن ما تناقلته الألسن مجرد شائعات مغرضة لا صحة لها، وأنه يفتخر بزوجته التي اختارها لتحمل لقبه واسم العائلة، فأقام لها ما يليق بمكانتها، حتى أنه قام بتغيير أثاث غرفته لآخر جديد بعدما أعاد تغيير ألوان الطلاء على حسب اختيارها.
فيما افترضت "دليلة" أن يستمر "غيث" في تودده إليها بأسلوبه المعتاد معها ليجعلها تفهم أنه يريدها بشدة، ويعبأ بشأنها، وهذا ما كانت تحتاج إليه منه الاحتواء والرعاية والشعور بالأمان، إلا أنه خالف توقعاتها، حيث تفاجأت به يتجنبها تمامًا، ويتعامل معها برسمية بحتة، ويرسل لها والدته لتحري رغباتها، فتتولى نقل الرسائل بينهما، وكأنه أوجد عائقًا افتراضيًا في علاقتهما معًا، فأصبحا كالغريبين تحت سقفٍ واحد!
حز الألم في قلبها جراء جفائه القاســي، فصارت أكثر تمنعًا ورفضًا لحدوث ذلك الزواج المزعوم، كانت تخشى أن تسوء الأمور وتتعقد عندما تصير بمفرده معه، وإن لم يمسها حقًا بسوء؛ لكن ذلك القدر العظيم من التجافي والتجاهل كان يوجعها بدرجة لم تتخيلها، اندهشت للغاية من تبدل أحوالها، هل لأنها باتت ترتاع من فكرة الاعتراف بحقيقة مشاعرها نحوه؟ فتجاهله لها عزز من تلك المشاعر السلبية لديها؟ كان كل ما تريده هو المزيد من الوقت والصبر حتى ترفع راية الاستسلام وتعلن عن إحساسها الفعلي، إلا أنها افتقرت لذلك حاليًا. 
 استنكرت "عيشة" عناد ابنتها المُهلك، خاصة وأن الليلة هي الليلة الموعودة، ليعلنا رسميًا عن كمال وتمام زواجهما أمام الجميع وإن كان في الأصل زائفًا، لذلك نهرتها في استعتابٍ شديد بعدما ارتدت ثوب عرسها الأبيض وباتت شبه مستعدة لاستقبال ضيوفها:
-هو مش لعب عيال يا "دليلة"؟ يعني إيه مش عايزة تكملي؟ والناس اللي موجودة هنا من صباحية ربنا هيقولوا إيه؟
ردت في حمئةٍ رافضة وضع اللمسات الأخيرة على هيئتها:
-ولا يفرقوا معايا.
صاحت مغتاظة من عدم مبالاتها:
-ده ما هيصدقوا يطلعوا عليكي كلام تاني زي الزفت، ساعتها محدش ضامن إيه اللي ممكن يحصل، ده فيها قطع رقاب.
علقت عليها بصدقٍ رغم الحزن الخفي الذي يكسو قسماتها:
-"غيث" مش كده!
أخبرتها في لهجةٍ محذرة:
-بس أهله غيره، مش هيقبلوا حد يقلل من كبيرهم.
لتضيف عليها "إيمان" في هدوءٍ وهي تستحثها على الجلوس لتطرح على وجهها طرحة الزفاف:
-وبعدين احنا ماشوفناش منه إلا كل خير.
رفضت أن تمسها قائلة بألمٍ:
-أنا مش هتجوز واحد محسسني إني مغصــوبة عليه.
استنكرت "عيشة" تفكيرها المحدود، وصاحت بنفاد صبرٍ:
-لا إله إلا الله، إيه الكلام ده؟
فيما تساءلت "إيمان" بتعجبٍ:
-مش إنتو اتفقتوا إنها تمثيلية؟ إيه اللي مزعلك بس؟
ابتلعت جرعة من المرارة التي اجتاحت حلقها فجأة، وقالت في نبرة محبطة:
-حتى لو تمثيلية، المفروض يعاملني باحترام، ويديني قيمتي، مش مجرد واحدة عادية والسلام.
هذه المرة ردت عليها أمها مدافعة عنه:
-وهو يا بنتي قصر؟ ما على يدك ملبوخ علشان يخلي كل حاجة على أحسن وجه.
نظرت إليها قائلة بعينين تلمعان بسحابةٍ خفيفة من الدموع:
-بس مش معبرني!
لتخبرها "إيمان" بتعجبٍ:
-وده اللي مضايقك يعني؟ مش إنتي اللي حطيتي حدود بينكم؟ وقولتيله ده أكتر من مرة؟
كانت تعيسة للغاية لسببٍ تجاهد جيدًا لعدم الاعتراف به حتى بين جنبات نفسها، فتمسكتٍ بحججها الواهية، وقالت:
-وهو مصدق طبعًا لأني...
لم تتمكن من إنهاء كلامها نظرًا لمجيء "فاطمة" التي أطلقت زغرودة فرحة قبل أن تتساءل في لهفةٍ:
-ها يا عروسة جاهزة؟
ألقت نظرة محببة على وجهها الرقيق، وامتدحتها في حنانٍ:
-بسم الله تبارك الله.
تبعتها "عبير" قائلة في إعجابٍ:
-ما شاء الله تبارك الرحمن.
لتعود "فاطمة" وتقول في سرورٍ:
-جمر أربعتاشر، الله يحميكي من العين.
استطردت "عبير" تخبرها وهي تشير بيدها نحو باب الغرفة:
-الحريم جاعدين تحت ناطرينك يا خيتي.
وزعت "دليلة" نظراتها المضطربة بين الاثنتين، واستجمعت جأشها لتعلن صراحةً:
-أنا... أنا مش عايزة أتجوز.
شهقت "عيشة" في جزعٍ، وبادلتها "إيمان" نفس الشعور الوجل، فيما اعتبرت "فاطمة" رفضها بمثابة تدلل طبيعي تمارسه الفتاة في ليلةٍ كتلك عندما تجد نفسها مقبلة على حياة جديدة بعيدة عن كنف أبويها، فضحكت ملء شدقيها، وقالت في استمتاعٍ:
-كل البنتة بيجولوا إكده، ووجت ما يتجفل عليهم باب مع إجوازتهم بيغيروا رأيهم، مش إكده يا "عبير"؟
وجهت سؤالها الأخير لزوجة ابنها، فشعرت "عبير" بالخجل من إعادة إحياء ذكريات ليلتها التي كانت حافلة بمسرات الحياة، توردت بشرتها حياءً واستحياءً، وأطرقت رأسها مرددة:
-بــاه يامه! ماتكسفيهاش عاد!
لتصر "دليلة" على رأيها قائلة بجديةٍ غريبة:
-لأ، أنا مش عاوزة أتجوز خالص، ليه محدش عايز يسمعني؟
ظنت "عبير" أن التوتر الشديد الذي ينتابها حاليًا هو ما يدفعها لقول ذلك، فاقتربت منها، وأمسكت بكفها تفركه بين راحتيها قائلة بحنوٍ:
-اهدي ياختي، متخافيش، احنا كلياتنا جارك.
ارتاعت "إيمان" أن يساء تفسير تمنعها بشيءٍ لا يُحمد عقباه، فراحت تبرر وهي تبتسم لتخفي قلقها:
-معلش هي متوترة شوية من الأجواء.
ردت عليها "فاطمة" بتفهمٍ:
-ربنا يكفيها شر العين، غطي وشك محدش ضامن، ده العين حق.
وافقتها "إيمان" في رأيها هاتفة:
-كده أحسن برضوه.
وأخذت تساعدها في إخفاء وجهها وراء ذلك الساتر الشفاف لتحجب الأعين الحاقدة والحاسدة عنها، وإن كانت تريد فعليًا التغطية على تعابير الرفض التي تجتاح ملامحها.
لتقتحم "أحلام" الغرفة بتبجحٍ، ودون استئذانٍ كعهدها، فألقت نظرة استحقار على "دليلة" قبل أن تهزأ بها:
-جرى إيه يا عروسة البندر؟ ما بكفاياكي دلع ماسخ!
تقدمت ناحيتها، وخاطبتها بلهجةٍ نمت عن غلٍ عظيم:
-الخلايق كلياتهم جاعدين ناطرين البشارة.
من وراء حجابها الشفاف تساءلت "دليلة"، ودقات قلبها تخفق بشدة:
-بشارة إيه؟
لوت ثغرها متسائلة في شيءٍ من التشفي، وكأنها تنتظر مجيء تلك اللحظة التي تراها تُهان فيها على الملأ بفارغ الصبر:
-إنتي ماخبراش عوايدنا إياك؟
ثم تبخترت في مشيتها وهي تستند على عكازها موجهة حديثها إلى "فاطمة":
-مش تجوليلها يا مَرَت عمي إن الكل عايز يطمن على شــرف الكبير.
أحست "دليلة" بهروب الدماء من عروقها، وبأنها على وشك فقدان الوعي، فرددت بفمٍ مرتعش:
-مش فاهمة حاجة.
استشعرت "عبير" الرجفة التي كانت عليها العروس، فوبخت تلك السمجة التي تتعمد استثارة مشاعر الرهبة لديها عن عمدٍ:
-ما تخريعهاش يا "أحلام"، مش شايفة هي مرعوبة كيف؟
ثم رفعت حاجبها للأعلى وتابعت بجديةٍ:
-واللي ما يُحصلش النهاردة، يتم يوم تاني.
لتنظر "دليلة" نحو شقيقتها متسائلة في تحيرٍ:
-هما بيتكلموا عن إيه؟
هزت كتفيها مرددة بنفس الحالة الذاهلة:
-مش عارفة.
وكأن "فاطمة" قد لامست ما تعانيه هذه الفتاة الرقيقة من ارتباكٍ وخوف، فحاولت طمأنتها بإظهار دعمها لها حين قالت:
-خليها تاخد على ولدي الأول، وبعد إكده ربك يسهلها.
اغتاظت "أحلام" من دفاعهن المستميت عنها، وكأنها حالة فريدة من نوعها، فتساءلت في نبرة حاقدة وقد ارتفع صوتها:
-ما كلنا كنا بنته، تفرج إيه عننا؟
ليأتي صوت "غيث" من خلفها مؤكدًا بقوةٍ:
-تفرج إنها مَرَتي!
التفتت كليًا تجاهه مرددة في التياعٍ وشوق:
-واد عمي!
لكنه تجاهل النظر ناحيتها تمامًا، حيث سلط بصره على "دليلة" فقط دون غيرها، لحظتها بدت ملامح وجهه جليدية، لا تشي بما يختلج جوارحه من ألم وحزن وعتاب ولوم، سدد نظرة مماثلة لتعبيره نحوها وهو يسألها برسمية:
-جاهزة يا عروسة؟
تلقائيًا اهتزت رأسها بالنفي، ومع ذلك تابع كلامه إليها برنة صوتٍ اتخذت طابعًا آمرًا ورسميًا: 
-اجعدي مع الحريم تحت لحين ما تخلصوا جعدة الرجالة، وأجي حداكي.
ارتعشت شفتاها وهي تعلن له عن رفضها إطاعته:
-مش عاوزة.
غامت نظرته أكثر، فتدخلت "فاطمة" ملطفة وهي تضع على محياها هذه الابتسامة الأمومية الحانية:
-ماتحطش في بالك يا ولدي، عروسة وبتدلع.
لتقول "دليلة" بإصرارٍ مريب للجميع:
-لأ أنا مش هنزل تحت، أنا أصلًا مش عايزة أكمل الجوازة دي.
حدجها "غيث" بنظرة مهددة وهو يخبرها:
-اسمعي الكلام يا بت الناس، ما تشمتيش العدا فيكي.
لاحظت "أحلام" توتر الأجواء بينهما، فانتشى داخلها وطرب على الأخير، بالطبع لم تكن لتمرر ذلك على خيرٍ دون أن تضع لمستها الخبيثة، فراحت تفح سمومها بلؤمٍ:
-شكلها زي ما تكون عاملة مصيبة وخايفة تنكشف...
تحركت ببطءٍ نحو "دليلة" لترمي باقي كلامها في وجهها:
-الظاهر كلام الخلق هيطلع صُح، وهي آ....
قبل أن تبث حديثها المسموم هدر بها "غيث" بنبرة جعلتها تقفز في موضعها خوفًا منه:
-"أحلام"، اجفلي خاشمك أحسنلك.
إلا أنها ردت بتبجحٍ، كأنما تستفزه عن عمدٍ لتزيد من استثارة رجــولته:
-أنى حاطة لساني في حنكي، المهم إنت تتشطر على مَرَتك يا كبير.
قرأت "إيمان" السيناريو الوضيع الذي ترسمه "أحلام" عبر لغو حديثها المسيء، فتعلقت بذراع شقيقتها تهمس لها في رجاءٍ:
-انزلي يا "دليلة"، الدنيا شكلها هتولع لو فضلتي مصممة على رأيك.
استشعرت مثلها خطورة الموقف بعدما رأت حالة "غيث" المتكدرة، فمدت يدها وتشبثت بكفها تتوسلها بصوتٍ خافت:
-ما تسبنيش.
وضعت يدها الأخرى على كفها المرتعش تمسح عليه برفقٍ وهي تؤكد لها:
-أنا هكون جمبك.
............................................
ظنت أن كل شيء سيسير على ما يرام، إلا أن الورقة التي ألقتها "نعمة" في حجرها خلسة وقتما استقرت جالسة على الأريكة تتلقى التهنئة من الضيفات المتواجدات لمشاركتها فرحتها جعلتها تذعر كليًا، فتحتها لتقرأ ما دون فيها بخطٍ متعرج؛ لكنه مفهوم وواضح مقصده. ارتعشت شفتاها وهما تنطقان بلا صوتٍ:
-"غيث" حلفان ليــدبحك الليلة، اهــربي!
طوتها على الفور وخبأتها في راحة يدها، وراحت تتطلع حولها بشكٍ وخوف، لما يفعل ذلك وهي لم تخطئ في حقه؟ أتاها الجواب على الفور من "أحلام" التي تيقنت من وصول رسالتها الدنيئة إليها، فأخذت تثرثر في لؤمٍ متعمدة أن يصلها مغزى كل ما تقوله:
-الحريم حدانا لو غلطتوا رجالتهم معايفتهومش إلا وهما في الجَبر.. وخصوصي لو حطوا راسهم في الطين...
سددت لها هذه النظرة العدائية وهي تستطرد في مكرٍ:
-كله إلا كسرة هيبة الراجل على يد حُرمة، مهما كان بيحبها!
ثم وجهت كلامها إلى "عبير" كأنما تخاطبها:
-فاكرة البت "بخيتة" حصل فيها إيه؟
إلا أن الأخيرة رفضت الخوض في أعراض الغير، فعزفت عن سماعها قائلة:
-ولازمتها إيه السيرة دي دلوجيت يا "أحلام"؟ هي راحت عند دار الحق.
لتميل "أحلام" نحو "دليلة" قائلة بابتسامةٍ شيطانية:
-كانت نغشة ولِونة والكل بيحلف بجمالها، ماتتخيرش عنك إكده يا بت البندر.
تحفزت في جلستها متسائلة بضيقٍ:
-وإنتي مالك بيا؟
اتسعت ابتسامتها الخبيثة مكملة في خبثٍ:
-أني غرضي مصلحتك.
لتنفخ في سأمٍ قائلة باقتضابٍ:
-متشكرة، مش عايزة.
فيما يشبه الندب أخذت "أحلام" تكمل بعدما مصمصت شفتيها:
-بس يفيد بإيه الجمال وهي بت بطالة!
لتعاود وتميل على "دليلة" مجددًا لتخبرها:
-أصلها لفت على راجل دمه حر، فكرت إنها جادرة تخليه كيف الخاتم في صباعها، تنهب منه ماله كيف ما تعوز، وترميه وقت ما تزهق منيه، بس كانت نهايتها واعرة جوي، عملها ليلة كيف الليلادي، زيك إكده، وعزم الخلايق على دخلتها، ووجف وسطهم وراح دابـــحها كيف البهيمة، ومش بس إكده عاد، ده دفنها في الخلا وما حدا جدر يفتح بؤه وينطق باللي عمله.
انقبض قلب "دليلة" بشدة من مجرد تخيل الموقف، وتصلبت في جلستها، فاستغلت "أحلام" الوضع لتخاطبها في لؤمٍ:
-أني خابرة إنك هربتي زيها، وواد عمي رجعك يا بت البندر.
ثم مدت يدها واعتصرت رسغها منهية كلامها:
-ما هو دمـــه حر، وليه هيبته برديك، ومعايقبلش حد يكسرها، مهما كان مين.
نجحت في إرعابها تمامًا، وتهيئتها نفسيًا لمعايشة ضلالات غير حقيقية، فقط لتفسد ما بينهما قبل أن يبدأ مستغلة ما تنامى إلى مسامعها قبل وقت سابق من الخادمة "نعمة" عن تجاهله لها. لعبت على هذه النقطة جيدًا، وأكملت بعدما حررت قبضتها:
-وأظنك شوفتي كيف كان بيعاملك اليَامين اللي فاتوا!
لتربت بعدها على ساقها قائلة في شماتةٍ:
-استلجي وعدك منيه يا عروسة.
ثم نهضت من جوارها لترقص في سعادةٍ، وكأنها تؤدي رقصــة الموت لها.
................................................
بدت "دليلة" وهي جالسة وسط حشد النساء مشتتة ذهنيًا، منفصلة عقليًا عما يُقال أو يتردد من حولها، كانت تضم كفيها معًا، تعتصر راحتيها في توترٍ مبالغ فيه، تفتش عن قدرٍ من الشجاعة المفقودة، تلك التي كانت تتسلح بها فيما مضى، فيما شعرت "إيمان" بتلك الرعشة التي تنتاب شقيقتها كلما وضعت يدها عليها لتبث إليها قدرًا من الطمأنينة وتشعرها بوجودها ومؤازرتها. 
هوى قلبها في قدميها بقلقٍ متعاظم عندما لمحت "غيث" قادمًا من عند الباب، فارتجف بدنها في خوفٍ، خاصة وهي ترى نظرة جامدة ومخالفة تمامًا لتلك الدافئة التي اعتادت أن تراها منه حينما تغالبها مشاعرها المنفعلة، فظنت أنه مقبل فعليًا على زهــق روحها، كانت مهيأة تمامًا لتصديق أي شيء يحدث فعليًا.
ارتفعت أصوات الزغاريد من حولها، ففزع كل ما فيها دفعة واحدة، هبت واقفة تتلفت حولها في توجسٍ وريبة، فتعلقت بذراع شقيقتها تهمس لها برجاءٍ منقطع النظير، والدمع يتلألأ في عينيها بغزارةٍ:
-أوعي تسبيني معاه ............................... !!!!

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا