رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56 هى رواية من كتابة منال سالم رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56 صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56 حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56

رواية فوق جبال الهوان بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل السادس والخمسون 56

تزاحمت في رأسها عشرات الأفكار السوداوية حول ماهيته تصرفه معها للدرجة التي جعلتها غير قادرة على مواجهة الموقف برمته، فما إن رأته مقبلًا عليها، ونظرة التصميم الغاضبة تلك تبرز من حدقتيه، حتى غشتها سحابة من الظلام التام، سرعان ما غطت على كامل مداركها، ومنحت عقلها هدنة مؤقتة من الوقوع تحت تأثير ذاك الكم الهائل من الضغوط، فتراخى جسدها، وسقطت مغشيًا عليها. 
لولا أن شقيقتها كانت تتشبث بها مسبقًا، لافترشت الأرض بجسدها، تلقائيًا صاحت "إيمان" في جزعٍ عندما شعرت بثقلها عليها:
-"دلــيلة"! مالك في إيه؟
فزعت "فاطمة" لرؤيتها تفقد الوعي فجــأة، وفي حضور الجميع، لتهتف متسائلة في توجسٍ:
-حُصل إيه؟
فيما صاحت "عيشة" هي الأخرى في فزعٍ أمومي:
-بنتي! إيه اللي جرالك بس؟!!!
انخرعت كذلك "عبير" عليها، وحاولت إفاقتها برفقٍ، إلا أنها لم تستجب لها. 
من موضعه تابع "غيث" ما دار في لحظاتٍ معدودة، ليشق طريقه وسط حشد النساء اللاتي تجمهرن أكثر حول العروس لتفقد أحوالها، هدر فيهن في صيحةٍ قوية قبلما يبلغها ليجبرهن على إفساح المجال له للمرور بينهن:
-بَعدي يا مَرَة منك ليها!
لتدمدم "أحلام" في نبرة ساخطة، وهي ترفع حاجبها للأعلى، ونظرة غير متعاطفة مرتكزة على أكثر من تبغض هنا:
-كُهن بنات، وجَلع ماسخ...
صارت نظرتها أكثر قتامة وهي تُحادث نفسها بما لم تجرؤ على البوح به علنًا:
-خايفة المستور ينكشف، وهيحصل بعون الله!
تمكن "غيث" من بلوغ زوجته، وأمسك بها من ذراعها ليسحبها نحوه، فارتمت على صدره لا تحرك ساكنًا، شملها بنظرة خائفة متوجسة، قبل أن ينحني قليلًا ليتمكن من تمرير ذراعه أسفل ركبتيها ويحملها بحذرٍ، ثم انطلق صاعدًا بها نحو الأعلى .. نحو غرفته تحديدًا، وقلبه يدق بخوفٍ كبير.
لن ينكر أنه أبصر ما بدا على تعابير وجهها من شحوبٍ مريب، ناهيك عن أمارات الفزع المطلة من عينيها بوضوحٍ جلي كلما تقدم منها، رغم أنه لم يرتكب في حقها ما يجعلها تهابه بهذا الشكل المبالغ فيه، فغدا أكثر استرابةٍ وتشككًا. 
لحقت بهما والدته، وحماته، بجانب شقيقتها وزوجة شقيقه، فيما تلكأت "أحلام" في الصعود لتبث سمومها بين الحشد المتجمهر لتُدين عن عمدٍ تلك المضطهدة بأمر مشين لم تقترفه من الأساس.
...............................
بحيطةٍ وحذر، قـــام "غيث" بوضع "دليلة" على الفراش المزدان بالورود، لتقوم "فاطمة" بدفعه قليلًا للخلف حتى تتمكن من رؤيتها، مدت يدها لتتلمس بشرة وجهها، فوجدتها باردة للغاية، وكأن شحوب الموت قد زحف إليها، انقبض قلبها وهمهمت في تخوفٍ:
-عروستك ما بتحطش منطج!
كلماتها العفوية جعلته يتجرأ ويمد يده نحو منحنى عنقها ليتحسس نبضها، ما إن استشعر وجوده حتى هدأ قليلًا، بينما انتقلت "عيشة" للجانب الآخر من الفراش، وأمسكت بكف ابنتها تفركه بين راحتيها لتبث فيه الدفء وهي تناديها بصوتٍ شبه مختنق:
-حصلك إيه بس يا حبيبتي؟ ما إنتي كنتي كويسة وبخير.
ركضت "إيمان" عائدة للغرفة وهي تحمل في يدها زجاجة عطرٍ، وقفت إلى جوار والدتها، وراحت تنثر بعض الرائحة على يدها لتقربها من أنف شقيقتها قائلة:
-أنا جبت برفان، هحاول أفوقها بيه.
ساعدتها "عبير" التي انضمت إليهم لرفع جسدها على الوسادة، ثم راحت "إيمان" تمرر يدها أمام أنفها لتجبرها على استنشاق العطر، فبدأت تتجاوب بشكلٍ طفيف وتهز رأسها بخفةٍ، فتنفس الجميع الصعداء، لتفترض "فاطمة" بحسن نيةٍ:
-تلاجي التعب حل عليها، ما هي يا حبة عيني من صباحية ربنا على حيلها، وماحطتش الزاد في بؤها.
أيدتها "عبير" في افتراضها قائلة وهي تزيح طرحتها عن وجهها الشاحب:
-صُح يامه، وهي كيف العصفور الصغير.
لئلا يبدو مقصرًا في حقها تساءل "غيث" في جديةٍ:
-أشيع أجيب ضاكتور؟
جلست "فاطمة" إلى جوارها تمسد بحنانٍ على رأسها، وردت مطمئنة إياه:
-مالوش عازة، هي هتفوج وتبجى بخير.
ليأتي صوت "أحلام" المستهزئ بكل ما يجري من عند عتبة الغرفة:
-كل ده أونطة زي ما بيجولوا بتوع البندر.
التفت "غيث" نحوها يحدجها بنظرة نارية قبل أن يسألها في حمئةٍ:
-تجصدي إيه بحديتك الماسخ إياك؟
سارت نحوه، وهي تبادله نظرة خبيثة، قبل أن تتطلق اتهاماتها الباطلة:
-أجصد يا واد عمي إنها عاملة إكده علشان تداري على عملتها الشِينة!
في التو ارتفعت نبرته المخيفة تنذرها أن تكف تمامًا عما تفوه به:
-"أحـــــلام"!
إلا أنها لم تتراجع، وواصلت إلقاء تهمها بتبجحٍ:
-أومال غميت ليه جبل ما تدخلوا بيها ونشوفوا البشارة؟!! 
ثم أشارت بيدها نحوها متابعة في ازدراءٍ:
-ما هو عشان تخليك تتخرع عليها إكده.
لتتفاجأ بزوجة عمها توبخها في حدةٍ:
-عيب حديتك ده يا بت "راشد"!!
مع تكرار "إيمان" لمحاولة إفاقتها استعادت "دليلة" وعيها بالتدريج، وبدأت تفتح عينيها ببطءٍ، رغم كونها لا تزال تعاني من عدم وضوح الرؤية وتداخل الأصوات من حولها. 
في تحنانٍ أمومي مالت "عيشة" على ابنتها محاولة احتضانها وهي تقول في صوتٍ متأثر:
-بركة إنك بخير يا بنتي؟
كانت "دليلة" لا تزال تحت تأثير الإغماء، فتساءلت في وهنٍ وبصوتٍ يكاد يكون مسموعًا، وكأنها تبدو مدهوشة من هذا التجمع حولها:
-في إيه؟
علقت "عبير" وهي تربت على كتفها برفقٍ:
-ما تنخرعيش، إنتي بخير يا خيتي.
عادت "عيشة" لتسألها في اهتمامٍ:
-أجيبلك حاجة تشربيها تردلك الدموية في وشك يا ضنايا؟
اكتفت بهز رأسها بإيماءةٍ نافية، لترنو بنظرة قلقة نحو "غيث" الذي كان يطالعها بنظرة جادة، أخفى ورائها خوفه الكبير عليها.
كعادتها سخرت "أحلام" مما اعتبرته محاولة رخيصة لخداع الآخرين بأكذوبة ادعاء فقدانها للوعي، وأخذت تهتف في تهكمٍ:
-أهي فاجت وبجت زي الجرد أهوو.
تباينت ردود الفعل على أوجه الجميع جراء جملتها المغيظة تلك، فيما صارت نبرتها أكثر إلحاحًا وهي تختتم حديثها بلؤمٍ:
-عايزين نطمونا على شرفنا.
سئم "غيث" للغاية من ترديدها لنفس العبارات السقيمة، ومن محاولاتها اللئيمة لإجباره على فعل ما لا يرغب فيه، لذا طوح بيده في الهواء يأمرها:
-غوري من إهنه يا بت عمي.
أحست بالإهانة لقيامه بطردها هكذا، وأمام من؟ أمام تلك التي تود إحــراقها حية، لذا عاندته في تصميمٍ مستفز:
-مش جبل ما أخد البشارة يا واد عمي....
ودنت منه مكملة جملتها بما استثار حفيظته كرجلٍ، وجعل دمائه الحُرة تفور كالبركان المحموم في عروقه:
-وإلا تبجى استغفلتك صُح يا كبير عيلتنا.
فما كان منه إلا أن رفع كفه للأعلى ليهوي به على صدغها يصفعها بلا رأفــــةٍ:
-اخـــرسي!
أوجعتها صفعته القاسية حتى شعرت بفكها يكاد ينخلع من موضعه من شدة الضربة، وضعت يدها على وجنتها قائلة في صراخٍ يحمل اللوم، وهي تكبت بأعجوبةٍ رغبة عارمة في البكاء:
-بتتشطر عليا إياك؟ طب اعمل إكده مع اللي بجت شايلة اسمك وعرضك...
لترميه بعدها بنظرة نارية وهي تضيف عن عمدٍ، كأنما تسكب الزيت الساخن على نارٍ حامية:
-ولا إنت عاجبك تاخد على جفاك من بت البندر؟!!
نجحت ببشاعة كلماتها المثيرة للأعصاب في إخراج وحشه الكاسر من القمقم، ليشهر ســـلاحه الناري في وجهها مهددًا بقساوة لم تشهد مثلها:
-ماتخلجش لسه اللي يستغفلني يا بت عمي!
انتفض بدنها بفزعٍ فور أن رأت فوهة مســـدسه المرخص مصوبة إليها، لتهب "فاطمة" قائمة من طرف الفراش متجهة إليه، حالت بينهما وهي تفرد ذراعيها على طولهما ترجوه قبل أن يتهور ويفعل ما لا يُحمد عقباه:
-اعجل يا ولدي، ما تخليش الشيطان يدخل بيناتكم.
وأدارت رأسها نحو تلك اللعينة التي لا تكف عن إثارة القلق والمشاكل بلغطها وصاحت بها:
-وإنتي يا "أحلام" بكفاياكي عاد، مشي من إهنه.
لم ترتدع، وهدرت فيما يشبه التوعد:
-أني همشي صُح، بس هجول لبوي وعمي الحاج "زكريا" إن المستور انكشف وبان.
كانت هذه مرته الأولى التي انفلتت فيها زمـــام الأمور من بين يديه، فرفع يده للأعلى ليصوب ســلاحه نحو سقف الغرفة قبل أن يضغط على الزناد لتدوي طلــقة مفزعة أرعبت كافة المتواجدين بالمكان، ليصدر بعدها أمره الذي لا يُرد:
-الكل يمشي من إهنه.
فزعت "فاطمة" من هيئة ابنها الذي صار أكثر تشددًا عن ذي قبل، وسألته في خوفٍ متعاظم:
-ناوي على إيه يا ولدي؟
أجابها بما وصل مفهومه ومغزاه لجميع الحاضرين:
-أخــرس الألسن كلياتها.
على الفور اتجهت "عيشة" إليه تستجدي نخوته:
-يا ابني الأمور ما تتخدش عافية، ما ينفعش تخلي كلام زي ده يـ.....
تجاهل رجاواتها، وقاطعها موجهًا أمره الصارم إلى والدته:
-خديهم من إهنه يامه.
حاولت إقناعه بالعدول عما ينتويه برجائها الأخير:
-يا ولدي!
رد عليها بحزمٍ وحسم:
-مش هعيد حديتي تاني.
اضطررن صاغرات أن يتركن الغرفة تباعًا، فأوصد الباب بالمفتاح بعد مغادرتهن، لتشعر "دليلة" بأنها تقف على حافة الهاوية في علاقتها معه، لم تتمكن من التعافي كليًا لتستطيع مجابهته ومنعه من الإقــدام على أخذها قسرًا.
..........................................
بأعجوبةٍ تمكنت من النهوض من على الفراش، إلا أنها ترنحت في وقفتها، استندت بيدها على عارضة الفراش قبل أن تفقد اتزانها، رأته وهو يدنو منها بعينين غابت عنهما العاطفة، سألته بصدرٍ ناهج في توترٍ ممزوجٍ بالرهبة: 
-إنت هتعمل إيه؟
رفعت يدها الأخرى تنذره بسبابتها، وبصوتٍ مرتجف:
-ما تقربش مني وإلا هصوت.
لم يطع أمرها، وواصل التقدم نحوها، فشعرت وكأنها محاصرة، لا مهرب لها من المحتوم، لتنفلت منها صرخة عفوية عالية فور أن أصبح قبالتها لا تفصله عنها سوى مسافة شبر، سرعان ما امتدت يده لتحيط بخصرها، فانتفض كامل جسدها برعشةٍ قوية، خاصة وهو يجذبها نحوه لتلتصق بصدره، كما اضطربت وتيرة تنفسها، وتلاحقت دقات قلبها حتى صمت أذنيها.
استندت بيديها على صدره تدفعه بعيدًا عنها بما تملك من قوة لا تقارن به مُطلقًا، ليصلها صوته الجاد يأمرها:
-صوتي كُمان.
رغمًا عنه صـــرخت مجددًا في ارتعـــابٍ حقيقي، ليتبع ذلك قوله شبه الهامس، كأنما يبدي اعتذاره مُقدمًا، وحُر أنفاسه تلفح بشرتها الباردة:
-وحجك عليا في اللي هعمله!
لتشعر بقبضته الأخرى توضع على منبت كتفها، قبل أن تشتد على قماش ثوبها وتمزقه من الأعلى لينكشف جانب ذراعها، حينها فقط تضاعف صراخها وهي تظن أنه على وشك فعل الأسوأ، تفاجأت به ينتزع طرحتها، ويبعثر شعرها المرتب ليصبح فوضويًا، قبل أن يحررها بغتةً دون مقدماتٍ، ويتجه نحو طاولة المرآة ويقذف بإحدى زجاجات عطره أرضًا، فتهشمت من إثر السقطة العنيفة وتناثر زجاجها في الأرجاء.
قفزت "دليلة" في هلعٍ، لا تصدق ما يفعله، أيعقل أن يكون ذلك الشخص هادئ الطباع المتحكم في أعصابه يتصرف بمثل هذا الجنون المُرعب؟ التصقت بالحائط وبعارضة الفراش، تخشى اقترابه مرة ثانية منها.
 رأته وهو ينحني على الأرضية ليلتقط إحدى القطع الزجاجية، ثم رفع طرف جلبابه، وأحدث جرحًا في جانب ساقه، ومد يده وأمسك بقطعة قماشية بيضاء، كانت متروكة على التسريحة، ثم مسح بها قطرات الـدم النـــازفة منه، واستقام في وقفته يخاطبها مفسرًا ما قام به في هدوءٍ يناقض تمامًا الحالة التي كان عليها قبل ثوانٍ:
-ده دليل براءتك.
نظرت له في ذهولٍ، لا تستوعب ما يجري حقًا، ليتابع وهو يطوي القطعة القماشية مؤكدًا لها بصدقٍ:
-ماتخافيش مني، أني عمري مهأذيكي واصل.
ثم أزاح الغطاء عن الفراش ليضع بقعة أخرى من الدماء على الملاءة فيظن الجميع أن زواجهما تم قولًا وفعلًا. 
كانت "دليلة" مدهوشة بكل ما يحدث، تتابعه بعينين زائغتين وهو يضبط كل شيء بالطريقة التي تدفع عائلتيهما تتوهمان تمامه.
ما لبث أن عادت النظرة الدافئة تحتل حدقتيه وهو يكمل:
-إنتي خدتي مني العهد، وأني عند كلمتي.
كانت كمن يشاهد عرضًا سينمائيًا، لا تستطيع التعليق على المشهد الدائر، ولا تقوى على المشاركة. استطرد "غيث" متابعًا:
-كل اللي طالبه منيكي إنك تكملي تمثيل إمعاي، وتاخدي على خاطرك مني.
ظلت محدقة فيه بصدمةٍ ودهشة، أكل ما قام به كانت مجرد خدعة لاستعادة سيطرته على الموقف قبل أن يتعقد؟ لم تفهم ما يدور في رأسه حقًا!
حينما هدأت موجة الأدرينالين التي عصفت بكيانها، أحست بأن ساقيها كالهلام، لا تستطيعان حملها، فتحركت بتراخٍ نحو حافة الفراش لتجلس عليه وصدرها ينهج بقوةٍ. 
أشفق عليها لأنه كان قاسيًا لتلك الدرجة معها، وإن كانت قساوته زائفة، مجرد وسيلة مخادعة لإخراس الألسن، وإعادة كرامتها لها بما يتفق مع التقاليد والأعراف المتبعة في بلدته، تلك التي تعد بمثابة البرهان الأكيد الذي لا يمكن الشك فيه.
أولاها ظهره واتجه نحو الباب قائلًا دون أن يلتفت نحوها:
-الأحسن إنك تنامي وسط فرشتي لأجل ما الكل يصدج إنك بجيتي مَرَتي.
أطاعته دون جدالٍ، وزحفت بوهنٍ بمساعدة يديها لمنتصف الفراش تقريبًا، ثم ضمت ركبتيها إلى صدرها وحاوطتهما بذراعيها لتبدو كالمغلوبة على أمرها، وعقلها يعمل بأقصى طاقاتها ليترجم كل ما حدث.
...................................
ما إن تأكد أنها امتثلت لأمره حتى وضع يده على المفتاح وأداره، ليقوم بفتح باب الغرفة. وقتئذ وجد أفراد العائلتين في انتظاره، ومن بينهم "أحلام"، حيث كانت تقف عند أول الدرج تترصده بالمرصاد، غصَّ صدره بالضيق الشديد نحوها، انتصب بكتفيه، فبدا شامخًا في وقفته، ثم طرح القطعة القماشية نصب عينيها هادرًا في نبرة شامتة، وهذه النظرة البغيضة مصوبة لها وحدها:
-هللوا يا حبايب بمَرت كبيركم.
احتضنه شقيقه "سليمان" مباركًا بسرورٍ، بينما هنأه والده في حبورٍ، لتنطلق الزغاريد والأعيــــرة النارية من الأسفل ابتهاجًا بظهور دليل عفتها ونقاء سريرتها، فيما أظلم وجه "أحلام" بشدة، فقد خسرت معركتها الأخيرة والحاسمة معه. 
اندفعت "عيشة" و"إيمان" عائدتان إلى الغرفة لتتفقدا "دليلة" التي كانت في حالة من الجمود والفوضى، أسرعت شقيقتها الكبرى نحوها لتسحبها إلى حضنها وتحتويها متسائلة في وجلٍ:
-إنتي كويسة يا حبيبتي؟
لتنتشلها "عيشة" من بين ذراعيها هاتفة في تلهفٍ:
-حاسبي يا "إيمان"، خليني أطمن على أختك.
أفسحت المجال لأمها لتتمكن من النظر لها عن كثبٍ، مررت عليها نظرتها الحانية تسألها وهي تحتضن وجهها بين راحتيها:
-ردي عليا يا حبيبتي، إنتي بخير؟
إلا أنها لاذت بالصمت، ولم تنبس بكلمةٍ، لتلج "فاطمة" إلى الغرفة ومن ورائها "عبير"، والخادمة التي حملت صينية طعامٍ شهية، أسندتها على الطاولة الموضوعة أمام تلك الأريكة المريحة، لتطلق زغرودة عالية كتعبيرٍ عن فرحتها بتمام الزيجة قبل أن تنصرف. 
مالت "فاطمة" على ابنها تعاتبه:
-جالك جلب يا ولدي تعمل إكده؟
رد بجمودٍ وبصوتٍ خفيض:
-ما تشغليش بالك يامه، مَرتي وأني خابر كيف أتعامل إمعاها.
ظلت على استعتابها له مرددة بشيءٍ من الحزن:
-هي ما تستاهلش إكده واصل.
تجاهل عتابها قائلًا، ومشيرًا بيده في برودٍ:
-الخلق بينادم عليكي تحت.
عبست بوجهها قائلة:
-بجي إكده؟ ربنا يهديك لحالك.
ثم التفت ناظرة نحو "دليلة" المتسمرة في موضعها تخاطبها:
-مبارك يا بتي جوازكم.
إلا أنها لم ترد، فهتف "غيث" بجمودٍ محاولًا صرف الجميع من غرفته:
-متأخذنيش يا حماتي، عايز أجعد مع مَرَتي لحالنا.
استدارت "عيشة" تطالعه بنظرة مرتابة متحدثة إليه:
-احنا بنطمن عليها يا ابني.
أخبرها بنفس الأسلوب الجاف:
-وهي بخير جدامك أهو...
ليشير إليها بيده نحو باب الغرفة قبل أن يتابع بنفس اللهجة الصارمة، وإن كانت في طياتها تحمل مضمونًا مطمئنًا:
-انزلوا شوفوا الضيوف وارفعوا راسكم لفوج، إنتو دلوجيت أهلي وناسي، ولو حد فكر يدوسلكم على طرف فأني هجطع فرطه من الدنيا بحالها.
حاولت "فاطمة" تلطيف الأجواء، خاصة بعدما لاحظت علامات الاستنكار على وجه تلك السيدة الطيبة، فاقتربت منها تربت على ذراعها قائلة في وديةٍ:
-تعالي يا خيتي، الحريم جاعدين تحت ناطرين جيتكم لأجل ما يباركوا ويهنوا.
لتضطر مرغمة للمغادرة، فيما تباطأت خطوات "إيمان" التي بدت قلقة للغاية على شقيقتها الهادئة، فلم تكن تلك طبيعتها، خشيت أن تكون حالتها النفسية قد ساءت مجددًا، لم تتمكن من إبعاد عينيها الوجلتين عنها وهي تبوح بما ينتابها من هواجسٍ:
-"دليلة" يا ماما، أنا قلقانة عليها.
هذه المرة تحركت "عبير" لطمأنتها باسمة:
-دي مع جوزها دلوجيت، ماتشليش همها، هي عروسة مع جوزها، عيِجلعها، ويشوف مزاجها، وشوية وهتفك وهتبجى زينة.
ترددت في الذهاب وتركها بمفردها معه، فقد شعرت أنها خذلتها حينما وعدتها بما لم تستطع فعله، وها هي تنكث بوعدها مرة أخرى، فقد كانت قليلة الحيلة. ألقت عليها نظرة أخيرة آسفة، وطأطأت رأسها في وجوم، لتسير مرغمة نحو الخارج.
........................................
لحظات وغادر الجميع الغرفة فصار كلاهما بمفردهما، ليقوم "غيث" بغلق الباب بالمفتاح مجددًا. تقدم ببطءٍ نحو جانب الفراش المتكومة "دليلة" في منتصفه، رمقها بنظرة نادمة قبل أن يفصح عن ذلك في صوتٍ خفيض:
-حجك عليا إن كنت خرعتك. 
كان دمعها ينساب من طرفيها في صمتٍ، فآلمه رؤيتها على تلك الحالة البائسة، طرد دفعة ثقيلة من الهواء من رئتيه، وطلب منها وهو يتحرك مبتعدًا عنها:
-جومي غيري خلجاتك في الحمام، وأني عستنظرك إهناك.
ثم أشـار نحو الشرفة المعتمة، فطالعته بنظرةٍ تعيسة مشوبة بالتردد، فشعر بما يختلج صدرها من خوفٍ جهته، فعاود طمأنتها:
-أني عمري ما هجربلك غصب يا بت الناس.
لتشهق باكية وكأنها كانت تمنع نفسها بصعوبةٍ من فعل ذلك، نفخ مجددًا قبل أن يسألها في استرابةٍ:
-ليه بتبكي دلوجيت؟
عجزت عن التعبير عما يجيش بصدرها ورأسها من أفكارٍ ومشاعرٍ متخبطة، فظن أنها لا تزال على غضبها منه لتصرفه بمثل هذه الهمجية، فأخذ يعلل أسبابه بهدوءٍ محاولًا تخفيف حزنها:
-ما أني بجولك إني لو معملتش إكده مكونتيش هتترحمي من بت عمي، دي محـــراق شر، ولما بتحط حاجة في دماغها، الله وكيل ما بتحيد عنها إلا لما تنفذها، وإنتي ما عتسلميش من أذاها.
تنفس بعمقٍ، وراح يؤكد لها مرة ثانية:
-وأني بجولهالك تاني وتالت وعاشر، أني عمري ما هجي حداكي واصل من غير رضاكي...
بدا الضيق ظاهرًا في نبرته تلك المرة تحديدًا حينما اختتم كلامه:
-احنا على اتفاجنا لحد ما نفضوه.
مع كلماته الأخيرة تجددت أحزانها، فانخرطت في نوبة بكاءٍ عجيبة، فارتفعت نهنهات بكائها، وصارت نواحًا، فضرب كفه بالآخر مستنكرًا ذلك:
-ليه بتبكي تاني عاد؟
تقطع صوتها وهي تجيبه بنبرة متحشرجة:
-مش عارفة أبطل عياط.
رد بتلقائيةٍ وهو يحرك كفيه في الهواء بحركات عشوائية خرقاء:
-أجولك نكتة ولا أعملك شقلبظات كيف الأراجوز في الموالد؟ جوليلي يا بت الناس!
من بين دموعها المسالة ضحكت على تقليده غير المتقن للبهلوان، فضحك قلبه، وابتسم؛ لكنه لم يرغب في أن ينساق وراء ما يستحثه الوجدان، وعاد للتعامل معها برسميةٍ، فأخذ يحذرها:
-الأفضل يكون بيناتنا حدود من الأول، لحد ما يجي الوقت اللي نتفارجوا فيه.
هذه المرة كان من يتحدث عن الهجر والفراق، وكأن الآية قد انقلبت وتبدلت الأدوار، ليرى بوضوحٍ تأثير كلماته الجافة على صفحة وجهها، فتجهمت قسماتها، وكست عيناها غمامةٍ كثيفة من الحزن.
لقد أوجعه أن يتحدث بما لا يشعر به حقًا نحوها، لكن لجوئه لهذا الأسلوب الجديد في فرض القواعد بينهما كان بغرض استمالة قلبها وإجباره على إخراج ما يخبئه من أحاسيسٍ مرهفة، تنتظر الفرصة الملائمة لتبزغ بقوةٍ، فتدرك وتدارك حقيقة مشاعرهما الصادقة والمتيمة نحو بعضهما البعض ............................................... !!!
.................................................

انضم لجروب التليجرام ( هينزل فيه الرواية كاملة ) اضغط هنا
للانضمام لقناة الواتساب اضغط هنا